إسفار الفصيح

باب فعل بضم الفاء 1
ترجم ثعلب – رحمه الله – هذا الباب بهذه الترجمة، وذكر فيه فصولا مخالفة لها في الأوزان، فمنها ما هو على وزن أفعل وافتعل وانفعل، لكنها كلها مضمومة الأوائل أيضا، إذا ابتدئ بها، فلذلك ذكرها مع فعل، لأن فصوله كلها أفعال لمفعولين لم يسم فاعلوهم، وذكر فيه أيضا فصولا مفتوحة الأوائل قد سمي فاعلوها، لتعلقها بما قبلها، مم أوله مضموم، كما ذكر أيضا في باب فعلت بكسر العين، مما خالف به ترجمته، لاشتراك الفصول في الحروف، وليعرف الفرقان بين معانيها، وقد تقدم ذكرها2.
وقد ميزت هذه الفصول التي أوردها مخالفة لتراجم الأبواب التي هي فيها، وفصلتها في الكتاب الذي عملته لك قبل هذا المترجم بـ"كتاب تهذيب الفصيح" فأما هذا فإني لم أغير شيئا من جميع أبوابه وفصولها عن نظم الأصل وترتيبه، وذكرتها كلها على ما هي مثبتتة فيه، وبالله التوفيق [25/أ] .
__________
1 غرض ثعلب في هذا الباب التنبيه على الأفعال التي لا ترد في الفصحى إلا مبنية للمجهول، نحو: عني وبهت، وليس غرضه – في الواقع- إيراد المبني للمجهول عامة، كضرب وطلب، فهذا مما يضيق عنه الحصر. ينظر: الخصائص 2/219.
2 ص 354-356.

(1/391)


تقول: (عنيت بحاجتك) 1 بضم العين وكسر النون (أعنى بها) بفتح النون عناية، (وأنا بها معني) بتشديد الياء: أي رغبت في قضائها، وقصد لي في ذلك، وأردت به، وجعلت لي بها عناية، أي اهتمام. وقال الحارث بن حلزة2
وأتانا من الحوادث والأنبا ... ء خطب نعنى به ونساء
وقال الراجز3:
قد رابني أن الكري أسكتا
__________
1 أدب الكاتب 401، وتثقيف اللسان 171، وتقويم اللسان 136، وتصحيح التصحيف 386، وإتحاف الفاضل 55. وحكى الطوسي وثعلب عن ابن الأعرابي: "عنيت بأمره" بفتح العين وكسر النون. ينظر: الأفعال للسرقسطي 1/315، ولابن القطاع 2/395، والبصائر والذخائر 7/230، والاقتضاب 2/219، 3/241، والتهذيب 3/213، والمحكم 2/178 (عني) .
2 ديوانه 23، وهو: الحارث بن حلزة بن مكروه بن بديد اليشكري، عده ابن سلام في الطبقة السادسة من فحول شعراء الجاهلية، وهو من أهل بادية العراق، وأحد شعراء المعلقات، ارتجل معلقته في الفخر بين يدي عمرو بن هند. توفي نحو سنة 50 قبل الهجرة.
طبقات فحول الشعراء 1/151، والشعر والشعراء 1/127ن والأغاني 11/42، ومجمع الأمثال 2/471.
3 الرجز بلا نسبة في: ديوان الأدب 2/285، 3/436، وشمس العلوم 2/407، والأفعال للسرقسطي 3/496، وتفسير القرطبي 9/109، وبصائر ذوي التمييز 5/363، والتهذيب 6/395، 10/49ن والصحاح 1/253، 271، والمحكم 4/273، واللسان 2/43، 106 (سكت، هيت) .
والكري: مكري الدواب. وأسكت: انقطع كلامه، فلا يتكلم. وهيت: صاح ودعا.

(1/392)


لو كان معنيا بنا لهيتا
(وقد أولعت بالشيء) 1 بضم الألف، وكسر اللام، فأنا (أولع به) بفتحها، إيلاعا: أي اشتد حرصي عليه وملازمتي له، فأنا (مولع به) بفتح اللام.
(وقد بهت الرجل) 2 بضم الباء، وكسر الهاء، (يبهت) بفتح الهاء. وكذلك جميع ما جاء من فصول هذا الباب على وزن فعل، فإن أول حروف الماضي منها يكون مضموما، وهو فاء الفعل، والحرف الثاني منها يكون مكسورا، وهو عين الفعل3، فإذا كان مستقبلا فتحت عين
__________
1 أدب الكاتب 402، ونوادر أبي مسحل 1/305، قال ابن درستويه 207: "والعامة تقول إلا ولعت، كأنهم قد أولعوا بمخالفة الفصحاء، إما استثقالا لكلامهم، وإما عجزا عن النطق به، وجهلا بتصريفه" قلت: نطق العامة ليس بخطأ، ولكنها لغة حكاها غير واحد من أئمة اللغة. ينظر: الأفعال لابن القوطية 155، وللسرقسطي 4/225، ولابن القطاع 3/295، والعين 2/250، والجمهرة 2/951، والصحاح 3/1304، والمحكم 2/261، والقاموس 999 (ولع) .
2 بهت الرجل هي اللغة الفصحى، وبها قرأ الجمهور قوله تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر} البقرة 258، وذكر ابن جني في المحتسب 1/134 لغات أخرى قرئ بها هي: "بهَت، بهُت، بهِت". وينظر: أدب الكاتب 402، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/341، وإعراب القرآن للنحاس 1/323، والأفعال للسرقسطي 4/117، ولابن القطاع 1/88، والاقتضاب 2/219، وإتحاف الفاضل 24ن والجمهرة 3/1276، والمحكم 4/201، والتكملة 1/302 (بهت) .
3 ش: "فإن أوسط حروف الماضي منها يكون مكسورا".

(1/393)


الفعل منه. وبهت الرجل، معناه: تحير ودهش وانقطعت حجته لشيء رآه أو سمعه. ومصدره البهت، على مثال الضرب، والمفعول مبهوت.
(وقد وثئت يده) 1 بالهمز، توثأ وثئا، (وهي2 موثوءة) ، على وزن وضعت توضع وضعا، وهي موضوعة: إذا أصاب [25/ب] عظمها صدع لا يبلغ الكسر، أو انثنى مفصل من مفاصلها من جذبة أو غيرها، فزال عن موضعه شيئا يسيرا، ولم يبلغ الخلع. وقد وثأتها أنا أثؤها وثأ، على مثال وضعتها أضعها وضعا.
(وقد شغلت عنك) 3 أشغل شغلا بفتح الشين، وسكون الغين: أي قطعت بأمر مانع، وأنا مشغول.
(وقد شهر في الناس) 4 يشهر شهرا بفتح الشين، وشهرة بضمها،
__________
1 أدب الكاتب 401ن وتقويم اللسان 182، وتصحيح التصحيف 540، والمزهر 2/233، والصحاح (وثأ) 1/80، وقيل: "وثئت يده ووثأت" بالبناء للمعلوم. ينظر: الألفاظ المهموزة 36، وإتحاف الفاضل 73، واللسان 1/190 والقاموس 69 (وثأ) .
2 في الفصيح والتلويح: "فهي".
3 والعامة تقول: "أشغلت عنه" بالألف والبناء للمفعول، و"أشغلني عنك كذا" بالألف والبناء للمقلوم". وقد تقدم قبل هذا ص 383. وينظر: ابن درستويه 218.
4 ذكره، لأن العامة تقوله مبنيا للمعلوم بألف، وكان ينبغي ذكره في باب فعلت بغير ألف، قال الزمخشري 74: "وقد شهر في الناس.... وهو مشهور وشهرته، والعامة تقول: أشهرت، وهو مرذول غير مقبول". وينظر: ثلاثيات الأفعال 119 والمصباح (شهر) 124.

(1/394)


فهو مشهور: أي عرف وظهر1 فيهم.
(وقد طل) 2 دم الرجل المقتول يطل طلا، (فهو مطلول) .
(وأهدر) 3 يهدر إهدارا، (فهو مهدر) بفتح الدال، ومعناهما واحد4، وذلك إذا أبطل وأذهب بغير حق، لأنه لم يقتل قاتله، أو لم تؤخذ ديته.
__________
1 ش: "فظهر".
2 قال ابن درستويه 219: "والعامة تقول: أطل دمه بألف"، وفي الصحاح (طلل) 5/1752: "وقال أبو عبيدة: فيه ثلاث لغات: طل دمه، وطل دمه، وأطل دمه". وينظر: فعلت وأفعلت للزجاج 61، وتهذيب الألفاظ 1/275، وما جاء على فعلت وأفعلت 53، والأفعال للسرقسطي 3/247، وإتحاف الفاضل 50، والجمهرة 1/151، والتهذيب 13/295، وديوان الأدب 3/131، 161، والمحيط 9/131 (طلل) .
3 والعامة تقول: "هدر دمه" مبني للمفعول بغير ألف. ابن درستويه 220، وتثقيف اللسان 201، وتصحيح التصحيف 501. ويقال: هدر الدم، وهدرته وأهدرته بالبناء للفاعل. وينظر: العين 4/22، والجمهرة 3/1260، والمحيط 3/439، والمحكم 4/181، والقاموس 638 (هدر) ، وتهذيب الألفاظ 1/274، والألفاظ الكتابية 16.
4 فرق بينهما ابن درستويه 220 فقال: "إن بين طل وأهدر فرقا، وهو أن الإهدار إنما هو الإباحة من سلطان أو غيره لدم إنسان ليقتل بغير مخافة من قود أو دية، أو طلب به".

(1/395)


(وقد وقص الرجل) 1 يوقص وقصا: (إذا سقط عن دابته، فاندقت عنقه، فهو موقوص) .
(وقد وضع الرجل في البيع يوضع) 2 وضعا ووضيعة. (ووكس) 3 فيه (يوكس) وكسا: إذا أصابه خسران ونقص من رأس ماله، فهو موضوع وموكوس.
(وقد غبن الرجل في البيع) 4 يغبن (غبنا) بسكون الباء، فهو مغبون: أي خدع ونقص وخفي [26/أ] عنه صواب الرأي في البيع فوقع النقص عليه، والغلبة والزيادة لغيره، وسواء كان هو البائع أو المبتاع.
__________
1 ذكره لأن العامة لا تفرق بين فعل الأوقص الذي قصرت رقبته خلقة، وفعل الموقوص الذي سقط عن دابته فدقت عنقه، يقال في الأول: وقص يوقص وقصا، وهو أوقص. وفي الثاني وقص يوقص وقصا فهو موقوص. ينظر: ابن درستويه 221، والصحاح (وقص) 3/1061، وإتحاف الفاضل 74.
2 والعامة تقول: "وضعت في البيع بفتح الأول" ابن درستويه 222، وفي الزمخشري 75: "والعامة تقول: أوضع" قلت: هما لغتان حكاهما معا الزجاج في فعلت وأفعلت 96، وابن سيده في المحكم (وضع) 2/212، وابن القطاع في الأفعال 3/287. وينظر: المحيط 2/104، والصحاح 3/1300 (وضع) .
3 والعامة تقول: "أوكس" ابن درستويه 223، وهما لغتان بمعنى واحد في فعلت وأفعلت للزجاج 96، والمحيط 6/299، والصحاح 3/989 (وكس) .
4 التهذيب (غبن) 8/148, وقالوا: "غبنه في البيع غبنا" بالبناء للمعلوم. ينظر: فعلت وأفعلت للزجاج 138، والصحاح (غبن) 6/2172.

(1/396)


(وغبن رأيه) 1 بفتح الغين، وكسر الباء، ونصب رأيه، يغبن غبنا، بفتح الباء فيهما: إذا نقصه وخفي عنه صواب الرأي أيضا، أي غبن في رأيه2، فهو غبين، على فعيل، أي ضعيف الرأي. وليس هذا الفصل من ذا3 الباب، وإنما ذكره فيه لتعلقه بالفصل الذي قبله في الحروف، وليعرف الفرق بينهما.
(وقد هزل الرجل والدابة يهزل) 4 هزلا وهزالا أيضا بالضم على فعال، فهو مهزول وهزيل: إذا نحل جسمهما5، أي نقص لحمه وشحمه من ضر أو مرض، أو غير ذلك.
(وقد نكب الرجل) 6 ينكب نكبا ونكبا بسكون الكاف وفتحها
__________
1 ذكره تاليا للفعل السابق، لأن العامة لا تفرق بينهما، قال ابن درستويه 223: "والمعنيان من أصل واحد، إلا أنهم خصوا الفعل الذي للرأي ببناء فعل المنفعل، والذي للبيع ببناء فعل المفعول، للفرق بين المعاني".
2 الأصل غبن رأي زيد، فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه. هذا قول البصريين والكسائي. وقال الفراء: انتصب على التمييز، وترك على إضافته ونصب كنصب النكرة تشبيها بها. ينظر: الصحاح (سفه) 6/2234، 2235.
3 ش: "هذا".
4 والعامة تقول: "هزل" بفتح أوله وضم ثانيه. ابن درستويه 224، وتقول أيضا: "أهزلت دابتي بألف. إصلاح المنطق 226،والزمخشري 76، ونثقيف اللسان 179، وتصحيح التصحيف 137، وفي أفعال ابن القطاع 3/345: "وأهزلت الدابة لغة", قال ابن الأثير: "وليست بالعالية" النهاية 5/263.
5 ش: "جسمه".
6 في الزمخشري 76: "والعامة تقول: نكب، وهو خطأ، بهذا المعنى، وإنما يقال: نكب الرجل إذا صار أحد منكبيه دون الآخر". وينظر: اللسان (نكب) 11/773، وإتحاف الفاضل 69.

(1/397)


(فهو منكوب) : إذا عثر أو أصابته1 نكبة من نكبات الدهر، أي جائحة وحادثة، فأذهبت ماله وغيرت حاله.
(وقد حلبت ناقتك وشاتك لبنا كثيرا، فهي تحلب) 2 حلبا بفتح اللام، والقياس سكونها: إذا استخرج لبنها من ضرعها بغمز الكف أو الأصابع3 عليه. والناقة أو الشاة محلوبة.
(وقد رهصت الدابة) 4 ترهص رهصا، (فهي مرهوصة وهيص) : إذا أصابتها الرهصة، وهي الوقرة [26/ب] إذا دوي5 باطن6 حافرها من حجر تطؤه، وكذلك البعير أيضا: إذا أصاب خفه حجر أو وطئه، فأمد من المدة7. ومنه قول الراجز8:
__________
1 ش: "أصابه".
2 والعامة تقول: "حلبت ناقتك" ابن درستويه 225، والزمخشري 77ن ودرة الغواص 176، وتقويم اللسان 99، وتصحيح التصحيف 229.
3 ش: "والأصابع".
4 والعامة تقول: "رهصت" بفتح الراء ابن درستويه 226ن والزمخشري 78. وفي الغريب المصنف (135/أ) عن الكسائي: "رهصت الدابة وأرهصها الله" وزاد في الصحاح (رهص) 3/1042: "ولم يقل رهصت فهي مرهوصة ورهيص، وقد قاله غيره". وفي التهذيب (رهص) 6/110: "قال ثعلب: رهصت الدابة أفصح من رهصت". وينظر: النوادر لأبي مسحل 1/197، والأفعال لابن القطاع 2/27، وإتحاف الفاضل 39، والمحكم 4/149، والتاج 4/399 (رهص) .
5 أي فسد. إصلاح المنطق 100.
6 "باطن" ساقطة من ش.
7 المدة: ما يجتمع في الجرح من القيح. الصحاح (مدد) 2/537.
8 الرجز بلا نسبة في اللسان (بلل) 11/67.

(1/398)


بيضاء تمشي مشية الرهيص ... بل بها أحمر ذو فريص
بل: أي ظفر وأصاب. والفريص: جمع فريصة، وهي لحمة تكون بين الجنب والكتف، وهي التي ترعد عند الفزع1، لأنها متصلة بالفؤاد، وإنما أراد الراجز أنه ذو لحم ووشحم كثير.
(وقد نتجت الناقة تنتج) 2 نتاجا: إذا قيم عليها وروعي حالها حتى تلد، وهي منتوجة. وقال زهير3:
__________
1 الصحاح (فرص) 3/1048.
2 والعامة تقول: "أنتجت الناقة وأنتجت ونتجت هي أيضا" أدب الكاتب 403، والزمخشري 78، وتثقيف اللسان 175ن وتقويم اللسان 178، وتصحيح التصحيف 510، والتهذيب (نتج) 11/6، وشرح القصائد العشر 183، وشرح القصائد المشهورات 1/114. وفي فعلت وأفعلت للزجاج 91: "قال الأخفش: نتجت الناقة وأنتجت بمعنى واحد" وعنه في التكملة (نبح) 1/498، وتحفة المجد (155/ب) . و"نتجت الناقة وأنتجت" بالبناء للفاعل، أي ولدت لغة حكاها الخليل في العين (نتج) 6/92، وقطرب في الفرق 89، وكراع في المنتخب 1/144، 2/577، وابن القوطية في الأفعال 109، وابن عباد في المحيط (نتج) 7/60.
3 ش: "قال زهير"، والبيت في ديوانه 28، وهو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، شاعر جاهلي فحل، عده ابن سلام في الطبقة الأولى من فحول شعراء الجاهلية، كانت قصائده تعرف بالحوليات، لأنه كان يهذبها وينقحها في حول كامل، وهو أحد شعراء المعلقات، وابناه كعب وبجير شاعرا. مات سنة 13 قبل الهجرة.
طبقات فحول الشعراء 51، 64، والشعر والشعراء 1/76، والأغاني 10/288، والمذاكرة في ألقاب الشعراء 54.

(1/399)


فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد1 ثم ترضع فتفطم
(ونتجها أهلها) 2 بفتح النون والتاء، لأن الفاعل قد سمي: إذا قاموا عليها وراعوا حالها حتى ولدت، ومستقبله ينتجونها، بفتح أوله وكسر التاء، والمصدر نتج، بسكونها. وهم ناتجون، والناقة منتوجة. والناتج للناقة بمنزلة القابلة للمرأة. ومنه قول الحارث بن حلزة3:
لا تكسع الشول باغبارها إنك لا تدري من الناتج
__________
1 قال ابن قتيبة في المعاني الكبير 2/879: "أراد أحمر ثمود الذي عقر الناقة فصار مثلا في الشؤم" وفي شرح ديوان زهير لثعلب 28: "أراد أحمر ثمود فقال أحمر عاد، وهذا غلط ... وإنما أراد أحمر ثمود عاقر الناقة"، وقال أبو عبيد في الأمثال 332 عن الأصمعي: "أراد أحمر ثمود، فلم ينكره الشعر، فقال عاد، قال: وقد قال بعض النساب: إن ثمودا من عاد" وهذا رأي المبرد حيث لم يغلط قول زهير واحتج له بأن ثمود لها أيضا: عاد الآخرة، ويقال لقوم هود: عاد الأولى، واستدل بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى} النجم 50.
وينظر: شرح القصائد المشهورات 114، وجمهرة أشعار العرب 167، وجمهرة أنساب العرب 462، وتفسير القرطبي 17/78، وشرح القصائد للرازي 814.
2 الصحاح (نتج) 1/343.
3 ديوانه 65، والمفضليات 430. والكسع: أن ينضح على ضرع الناقة الماء البارد ليرتفع البن، وذلك أقوى للناقة وأسمن لأولادها الذين في بطونها. والشول: جمع شائلة، وهي التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر أو ثمانية فخف لبنها وارتفع ضرعها، والأغبار: جمع غبر، وهي بقية اللبن في الضرع. والمعنى: لا تبق ذلك اللبن لتسمين الأولاد، فإنك لا تدري من ينتجها، فلعلك تموت، فتكون للوارث، أو يغار عليها، فيفوتك الانتفاع بلبنها. ينظر: الكامل 1/484، وشرح اختيارات المفضل 3/1729.

(1/400)


(وقد عقمت المرأة) 1 تعقم عقما وعقما بفتح العين وضمها وسكون القاف من المصدر: (إذا لم تحمل) ، أي منعت من الحبل والولد، (فهي) معقومة و (عقيم) . وقال2 أبو دهبل الجمحي في الأزرق [27/أ] المخزومي3:
عقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
متهلل بنعم بلا متباعد ... مثلان منه الوفر والعدم
__________
1 ويقال أيضا: "عقمت المرأة وعقمت وعقمت" كفرح ونصر وكرم، وأعقمت بالبناء للمفعول، وأعقمت بالبناء على الفاعل. ينظر: فعلت وأفعلت للزجاج 66، وابن درستويه 228، والأفعال للسرقسطي 1/200، ولابن القطاع 2/334، وما جاء على فعلت وأفعلت 55، والعين 1/185، والجمهرة 2/941، والمحكم 1/149، والقاموس 1471 (عقم) ، والدرر المبثثة 149.
2 ش: "قال".
3 البيتان في ديوانه 66، 67. برواية: "فما يلدن ... سيان منه".
وأبو دهبل هو: وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف، من أشراف بني جمح من قريش، كان صالحا عفيفا، من أهل مكة، وأحد الشعراء المشهورين بالعشق، وكان يهوى امرأة يقال لها: عمرة، كانت أكثر أشعاره في عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الوليد القرشي، المعروف بالأزرق، والمشهور بالجود والكرم، والذي كان واليا لعبد الله بن الزبير على بعض أعمال اليمن، ولما مات رثاه أبو دهيل، وأوصى أن يدفن إلى جانبه في موضع بتهامة يقال له: عليب، وكانت وفاة دهبل سنة 63 هـ. جمهرة النسب 89، 96، ونسب قريش 231-232، وجمهرة أنساب العرب 148، والشعر والشعراء 2/512، والأغاني 7/114، 133، والمؤتلف والمختلف 117.

(1/401)


(ومن العاقر: قد عقرت) 1 المرأة (بفتح العين وضم القاف) فهي تعقر عقرا وعقرا، على مثال حسنت تحسن حسنا، وظرفت تظرف ظرفا2، أي صارت عاقرا، وهي مثل العقيم سواء، وهي التي لا تحبل ولا تلد، وهي ضد الولود، وفي التنزيل: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} 3. وليس هذا الفصل من ذا الباب أيضا4، لكنه لما كان في معنى5 الذي قبله ذكره معه، وإن كان مخالفا له في الوزن والحروف.
(وقد زهيت علينا يا رجل) 6 تزهى زهوا، أي تكبرت، (فأنت مزهو) .
__________
1 يقال أيضا: "عقرت، وعقرت، وعقرت" الأفعال للسرقسطي 1/295ن ولابن القطاع 2/372، والمثلث لابن السيد 350ن والعين 1/150، والمحيط 1/158 (عقر) وفي العين: "وعقرت تعقر أحسن، لأن ذلك شيء ينزل بها، وليس من فعلها بنفسها".
2 ش: "وطرفت تطرف طرفا".
3 سورة مريم 5ن 8.
4 كان الأولى بثعلب جعل هذا الفصل من صلب هذا الباب، لأن فيه أربع لغات – كما أسلفت – أجودها "عقرت" بالبناء للمفعول، كما نص على ذلك صاحب العين وغيره، وقد ذكر ثعلب في مقدمة كتابه أن ما كان فيه لغتان وثلاث وأكثر فإنه يختار أفصحهن.
5 ش: "معنى الفصل".
6 والعامة تقول: "زها يزهو، فهو زاه" بالبناء للفاعل. أدب الكاتب 401، وابن درستويه 230، والزمخشري 80، وتقويم اللسان 187ن وتصحيح التصحيف 556، والتهذيب (زها) 6/372، وفي تهذيب الألفاظ 1/153: "وكلب وغيرهم يقولون: زهوت علينا" وعنه في الأفعال للسرقسطي 3/482: "وحكاها ابن دريد في الجمهرة 2/1072 من غير عزو لقبيلة، وعنه في الصحاح (زها) 6/2371، وذكر صاحب القاموس (زها) أنها لغة قليلة.

(1/402)


(وكذلك نخيت) 1 تنخا نخوا ونخوة، (فأنت منخو) ، مثل مدعو فيهما جميعا: إذا استعليت وتكبرت (من النخوة) ، وهي التكبر والتجبر.
(وفلج الرجل من الفالج) 2، يفلج فلاجا، بالضم على فعال3، (فهو مفلوج) ، أي استرخى بعضه4 وبطل، وهو الفالج.
(ولقي من اللقوة) 5 يلقى لقوة، بفتح اللام، (فهو ملقو) ، مثل مدعو: إذا اعوج وجهه والتوى شدقه إلى أحد جانبي عنقه6، وهو ضرب من الفلاج أيضا، [27/ب] إلا أنه في الوجه، والفلاج في البدن.
__________
1 والعامة تقول: "نخيت" بالبناء للفاعل. أدب الكاتب 401ن وفي التهذيب (نخا) 7/586 عن أبي حاتم عن الأصمعي: "يقال: زهي فلان، فهو مزهو، ولا يقال: زها. قال: ويقال: نخا فلان وانتخى، ولا يقال نخي" وحكاه صاحب المحيط (نخا) 4/420 بالبناء للمعلوم أيضا، وفي المحكم (نخا) 3/237: "نخا ينخو وانتخى، ونخي، وهوأكثر" وينظر: الأفعال للسرقسطي 3/237ن والقاموس (نخا) 1724.
2 والعامة تقول: "أفلج" ابن درستويه 232.
3 ش: "على فعال" بالضم.
4 ش: "نصفه" وهي موجودة في الأصل، ولكن ضرب عليها بخطين، وبجوارها – بخط المؤلف – ما أثبتناه، وكلاهما صحيح. ينظر: اللسان (فلج) 2/346.
5 في الزمخشري 81: "والعامة تخطئ من هذه الكلمة في موضعين: فتقول: ألقي من اللقوة، واللقوة بكسر اللام العقاب، ويجوز الفتح، فأما العلة فهي مفتوحة لا غير".
6 ابن درستويه 232.

(1/403)


(وقد دير بي) بكسر الدال، يدار بي دورا ودورانا ودوارا1، بالضم، (فأنا مدور بي) . والأصل في دير يدار: دور يدور2، على مثال ضرب يضرب3، (وأدير بي) أيضا (لغتان) 4، يدار بي إدارة، (فأنا مدار بي) أي أصابني دوار في رأسي.
(وقد غم الهلال على الناس) 5 يغم غما، فهو مغموم، أي غطي وستر بسحاب أو غيره فلم ير.
__________
1 ش: "ودورانا".
2 نقلت حركة العين في الأول، وهي الكسرة إلى الدال، فسكنت الواو بعد كسر فقلبت ياء فصارت "دير"، وفي الثاني نقلت حركة العين إلى الفاء، فسكنت الواو فقلبت ألفا لتحركها انفتاح ما قبلها.
3 قوله: "والأصل.... يضرب" ساقط من ش.
4 فعلت وأفعلت للزجاج 35، والأفعال للسرقسطي 3/292، ولابن القطاع 1/368، وما جاء على فعلت وأفعلت 39، والمحيط 9/341، واللسان 4/295، والقاموس 504 (دور) . وفي الأفعال للسرقسطي: " ويقال أيضا: دير عليه، ولا يقال: أدير به، والصواب دير به، بإسقاط الألف".
5 أدب الكاتب 403، وقال ابن درستويه 234: "وإنما ذكرهذا، لأن العامة تقول: أغمي علينا الهلال بألف وياء، وهو خطأ" قلت: وهو ليس بخطأ، قال الهروي في الغريبين (04/ب) في حديث الصوم: "فإن أغمي عليكم فاقدروا له" ويروى: غمي عليكم " يقال: غم علينا الهلال وغمي، وأغمي، فهو مغمى". قال الأزهري في التهذيب (غمى) 8/216: "والمعنى في هذه الألفاظ احد". وينظر: الأفعال للسرقسطي 2/6، وغريب الحديث لابن الجوزي 2/164، والنهاية 23/389، والمغرب 2/114، والمصباح 173 (غمى) .

(1/404)


(وأغمي على المريض) 1 يغمى عليه إغماءا، (فهو مغمى عليه) : إذا غطي على عقله وقلبه، ومنع الحركة.
وكذلك (غشي عليه) يغشى غشيا2، (فهو مغشي عليه) ، مثل مرمي: إذا غطي على عقله وقلبه أيضا.
(وقد أهل الهلال) 3 بضم الألف وكسر الهاء، يهل بفتحها، إهلالا، فهو مهل، بفتح الهاء أيضا، (و) كذلك (استهل) 4 أيضا بضم الألف في الابتداء به، وضم التاء وكسر الهاء، يستهل بضم الياء،
__________
1 في نوادر أبي مسحل الأعرابي 2/482: "قال أبو مرة الكلابي وأبو خيرة العدوي: قد غمي على الرجل، فهو مغمي عليه. وقال غيرهما أغمي عليه، فهو مغمى عليه". وحكاهما أبو عبيد في الغريب المصنف (131/ب) عن الكسائي، وابن السكيت في إ صلاح المنطق 283، وابن قتيبة في أدب الكاتب 402، والزجاج في فعلت وأفعلت 69، والجوهري في الصحاح (غمى) 6/2449.
2 وغشيانا أيضا، والاسم الغشية. القاموس (غشى) 1699.
3 والعامة تقول: "هل الهلال" بالبناء للفاعل. أدب الكاتب 402، وابن درستويه 211، والمدخل إلى تقويم اللسان 2/114، وفي الأيام والليالي والشهور 61 عن أبي مسحل عن الكسائي أنه "يقال أهل الهلال، وأهل الهلال، واستهل الهلال، واستهل الهلال، ولا يقال هل". وفي الجمهرة (هلل) 1/169: "هل الهلال وأهل هلا وإهلالا، ودفع الأصمعي هل، وقلل: ولا يقال إلا أهل". وفي التهذيب (هلل) 5/365 عن أبي عمرو بن العلاء: "أهل الهلال واستهل لا غير" وفيه عن ابن الأعرابي: "أهل الهلال واستهل" بالبناء للفاعل. وينظر: العين 3/353، والمحيط 3/322، والمحكم 4/73، والصحاح 5/1852 (هلل) .
4 والعامة تقول: "هل الهلال" بالبناء للفاعل. أدب الكاتب 402، وابن درستويه 211، والمدخل إلى تقويم اللسان 2/114، وفي الأيام والليالي والشهور 61 عن أبي مسحل عن الكسائي أنه "يقال أهل الهلال، وأهل الهلال، واستهل الهلال، واستهل الهلال، ولا يقال هل". وفي الجمهرة (هلل) 1/169: "هل الهلال وأهل هلا وإهلالا، ودفع الأصمعي هل، وقلل: ولا يقال إلا أهل". وفي التهذيب (هلل) 5/365 عن أبي عمرو بن العلاء: "أهل الهلال واستهل لا غير" وفيه عن ابن الأعرابي: "أهل الهلال واستهل" بالبناء للفاعل. وينظر: العين 3/353، والمحيط 3/322، والمحكم 4/73، والصحاح 5/1852 (هلل) .

(1/405)


وفتح التاء والهاء، استهلالا: أي رؤي وأطلع في أول الشهر أول ما يرى، ولا يسمى هلالا إلا أول1 ليلة من الشهر وثانية وثالثة، ثم يسمى بعد ذلك قمرا2.
(وقد ركضت الدابة تركض) 3 ركضا، (فهي مركوضة) وركيض: إذا استحثها راكبها، وهو أن [28/أ] يحرك ساقيه ويضربها برجليه لتسرع في مشيها أوعدوها.
(وقد شدهت: أي شغلت) 4 أشده شدها، (وأنا مشدوه) .
__________
1 ش: "إلا في".
2 الصحاح (هلل) . ويقال لأول ثلاث ليال من كل شهر: الغرر. الأزمنة لقطرب 95.
3 والعامة تقول: "ركضت" بالبناء للفاعل. درة الغواص 174، والزمخشري 83، وتصحيح التصحيف 287، والجمهرة 2/750، والصحاح 3/1080، والاشتقاق 240، وتهذيب الألفاظ 2/285. وفي العين (ركض) 5/301: "وفلان يركض دابته: يضرب جنبيها برجليه، ثم استعملوه في الدواب لكثرته على ألسنتهم، فقالوا: في تركض، كأن الركض منها". وفي الكتاب 4/58: "وركضت الدابة وركضتها". وينظر: ديوان الأدب 2/117، والأفعال للسرقسطي 3/27، والتهذيب (ركض) 10/39.
4 في النوادر لأبي زيد 513: "وقالوا: شده الرجل يشده شدها وشدها فتح وضم، وهو الشغل ساكن ليس غيره" وعنه في الصحاح (شده) 6/2237، وأنكر ابن درستويه 213، 235 تفسير شدهت بشغلت، وعد ذلك من أوهام أهل اللغة، ولكن شده عنده شبيه في المعنى بدهش، وأكثر الأصول اللغوية على تفسير هذا. ينظر: العين 3/398، والجمهرة 2/653، والتهذيب 6/78، والمحيط 3/389 (شده) .
ولا تزال شده بمعنى شغل تستعمل حتى اليوم في بعض لهجاتنا الدارجة. وينظر: في أصول الكلمات 307.

(1/406)


(وقد بر حجك) 1 بضم الباء، يبر بفتحها، برا بكسرها: أي قبل، (فهو مبرور) .
(وثلج فؤاد الرجل) 2 يثلج ثلجا، (فهو مثلوج: إذا كان بليدا) ، ومعناه: كأن قلبه وضع عليه3 ثلج فبرد عن الفهم والمعرفة. والبليد: الذي لا ذكاء له ولا فطنة.
(وثلج) 4 الرجل [ (بخبر أتاه) ] 5 بفتح الثاء وكسر اللام، يثلج ثلجا، بفتحها، فهو ثلج به بكسرها، والخبر مثلوج به: إذا فرح به، أي سر، فكأنه وجد برد السرور، وهو مشتق من برد الثلج6، لأنه اطمأن قلبه وبرد وسكن بما أتاه من الخبر عن الحرارة التي كان يجدها. وليس هذا الفصل من ذا7 الباب أيضا، لكنه ذكره [فيه] 8، لتعلقه بما
__________
1 والعامة تقول: "بر حجك" بالبناء للفاعل. ابن درستويه 235، وهم لغتان في: الأفعال لابن القوطية 128، وللسرقسطي 4/71، ولابن القطاع 1/94، والجمهرة 1/67، وديوان الأدب 3/146، والتهذيب 15/185، والصحاح 2/588، (برر) .
2 التهذيب 11/21، والمحكم 7/259 (ثلج) .
3 "وضع عليه" ساقطة من ش.
4 وثلج الرجل بالفتح لغة عن أبي عمرو. التهذيب 11/21، والصحاح 1/302 (ثلج) .
5 استدركه المصنف في الحاشية.
6 المقاييس 1/386، والأساس 47 (ثلج) .
7 ش: "هذا".
8 استدركه المصنف في الحاشية.

(1/407)


قبله في المعنى ومشابهته له بالحروف1.
(ويقال: امتقع لون الرجل) 2 بضم الألف، إذا ابتدأت بها، وضم التاء أيضا وكسر القاف، يمتقع بفتح التاء والقاف، امتقاعا، فهو ممتقع بفتح التاء والقاف أيضا: إذا تغير من حزن أو فزع3، بذهاب الدم من وجهه.
(وانقطع بالرجل) 4 بضم القاف والألف إذا ابتدىء بها [28/ب] وكسر الطاء، ينقطع به بفتح القاف والطاء، انقطاعا: إذا عجز عن سفره، لذهاب نفقته، أو هلاك راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر معه على النهوض فيه5، وكذلك إذا انقطعت حجته أيضا، وهو منقطع به، بفتح القاف والطاء.
__________
1 ش: "في الحروف".
2 عبارة الفصيح 271: "وتقول: امتقع لونه"، وفي التلويح 16: "وتقول: قد امتقع لونه". والعامة تقول: "امتقع لونه وانتقع" بفتح التاء. ابن درستويه 236. قلت: يقال: امتقع لونه، وانتقع، وابتقع، والتقع، واهتقع، كلها لغات أفصحها الأولى. ينظر: النوادر لأبي مسحل 1/78، والقلب والإبدال 19، والإبدال والمعاقبة 100، والصحاح (مقع) 3/1286، والمحكم (نقع) 1/136.
3 ش: "أو مرض".
4 ذكره ثعلب، لأن العامة تقول: "انقطع بالرجل" بفتح القاف والطاء، ابن درستويه 237.
5 الصحاح (قطع) 3/1268.

(1/408)


(وقد نفست المرأة غلاما) 1 بضم النون وكسر الفاء، تنفس نفاسا: أي ولدته، وهي منفوسة ونفساء أيضا، بالمد وضم النون وفتح الفاء، (والمولود منفوس) .
(وقد نفست عليك بالشيء) بفتح النون وكسرالفاء: أي بخلت عليك به، ولم أرك تستأهله2، (أنفس نفسا) بفتح الفاء، ونفاسة، فأنا نافس عليك به، وأنت منفوس عليك به. وليس هذا الفصل من ذا الباب أيضا، إلا أنه لما شارك الفصل الذي قبله في الحروف ذكره معه3 وإن اختلفت حركاته، ليعرف الفرقان بينهما.
(إذا أمرت من هذا الباب كله كان باللام، كقولك: لتعن 4 بحاجتي، ولتوضع 5 في تجارتك، ولتزه علينا يا رجل، ونحو ذلك فقس عليه – إن شاء الله) .
فإنما أراد أن الأمر في كل فعل لم يسم فاعله لا غير يكون باللام،
__________
1 ويقال أيضا: "نفست" بالبناء للفاعل. ينظر: الفرق لقطرب 88، وللأصمعي 88ن ولابن فارس 78، وخلق الإنسان لثابت 8، وغريب الحديث لابن قتيبة 2/15، والجمهرة 2/849، والصحاح 3/985 (نفس) ، وهي ليست فصيحة عند الزمخشري 86، قال: "وأهل المدينة يقولون: نفست تنفس، كقولهم: فضل يفضل".
2 الصحاح (نفس) 3/985.
3 قال ابن درستويه 214: "اشتقاقه واشتقاق نفست المرأة من فعل واحد، وإن كان أحدهما قد سمي فاعله والآخر لم يسم فاعله، فاشتبه لفظهما، وإن اختلف في غير ذلك معناهما".
4 ش: "ليعن، وليوضع".
5 ش: "ليعن، وليوضع".

(1/409)


لأنه أمر الغائب [29/أ] ، فلا يكون إلا باللام، كقولك: ليقم زيد، فإذا أمرت من لم يسم فاعله، فإنما تأمر غائبا أن يوقع به فعلا، فإذا قلت: لتعن بحاجتي، فإنما أمرت غائبا بالعناية، ولست تأمر مخاطبا فتستغني بخطابه ومواجهته عن حرف المضارعة وحرف الأمر، وإنما تأمر الفاعل الذي لم تسمه، فهو غائب1.
وأما إذا أمرت المخاطب، فإن الأكثر أن يكون بغير لام، كقولك: قم يا زيد، فحذفوا لام الأمر، وحرف المضارعة تخفيفا، لكثرة استعمالهم ذلك، واستغنائهم عنهما بخطابه ومواجهته، ويجوز أن تأتي باللام في المخاطبة على الأصل، فتقول: لتقم يا زيد. وقرئ قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا} 2 بالتاء معجمة بنقطتين من فوقها، على أمر المخاطب.
فقوله: "لتعن بحاجتي"، معناه: كن راغبا في قضائها، مهتما بذلك.
__________
1 ينظر المفصل 307، وشرحه لابن يعيش 7/59ن ولابن الحاجب 2/47.
2 سورة يونس 58. وفي ش: {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْر} وهذه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، والحسن، وأبي رجاء، ومحمد بن سيرين، والأعمش، وعباس بن الفضل، وعمرو بن فائد، والجمهور بالياء على أمر الغائب. ينظر: المحتسب 1/313، وشواذ القرآن 62، والحجة لابن خالويه 182، وأسرار العربية 318، والإنصاف 2/524، وشرح الكافية للرضي 4/124، والبحر المحيط 6/76، والدر المصون 6/224.

(1/410)


وقوله: "ولتوضع في تجارتك"، معناه: كن ناقصا فيها من رأس مالك غير زائد فيه.
وقوله: "ولتزه علينا"، معناه: كن متكبرا مفتخرا علينا.
وهذه اللام التي للأمر إذا ابتدأت بها كانت مكسورة لا غير، كقولك: لتعن بحاجتي، فإذا جاءت الواو قبلها فلك فيها وجهان: السكون [29/ب] والكسر، فتقول: ولتعن بحاجتي بسكون اللام، وإن شئت: ولتعن بحاجتي بكسرها، وكذلك ما أشبهه1.
__________
1 ش: "بكسرها، وما أشبهه" وينظر: اللامات للزجاجي 93، وللهروي 156، ورصف المباني 303ن وشرح المفصل لابن يعيش 9/140.

(1/411)