إسفار الفصيح باب ما جرى مثلا أو
كالمثل
(تقول: إذا عز أخوك فهن) 1 بضم الهاء: أي إذا صعب واشتد في أمر نازعته
إياه2 فلن له وتسهل لتدوم بينكما المودة والأخوة. ويقال: عز فلان يعز
بكسر العين، عزا وعزة بكسرها أيضا، وعزازة أيضا بفتحها: إذا صار عزيزا،
أي قوي واشتد بعد ذلة. وهان يهون هونا، فهو هين: إذا ذل، يقول: إذا عز
الذليل وخس الجليل فكن أنت له هينا لينا لتسلم من مكائده وشره.
__________
1 قال ابن درستويه (210/أ) : " والعامة تقول: إذا عز أخوك فأهنه، وهو
خطأ، وهو ضد المعنى". وقائل هذا المثل هذيل بن هبيرة التغلبي، وله قصة.
ينظر: الأمثال للمفضل 137، ولأبي عبيد 155، والفاخر 64، وجمهرة الأمثال
1/35، والمستقصى 1/125، والبيان والتبين 1/162، والكامل 3/1438،
واللسان 5/246، 13/246 (عزز، هين) . وأخذ أبو إسحاق الزجاج على ثعلب في
المخاطبة التي جرت بينهما (3/ب) قوله: "هن" بضم الهاء، والوجه عنده
بكسر الهاء، لأنه من هان يهين إذا لان، ولأن "هن" بضم الهاء من هان
يهون، من الهوان، والعرب لا تأمر بذلك، ولا معنى لهذا الكلام يصح لو
قالته العرب. ورد عليه الجواليقي، وابن خالويه. الرد على الزجاج (4/ب)
، والأشباه والنظائر 4/130. وينظر: معجم الأدباء 1/58، والمزهر 1/206.
2 ش: "فيه".
(2/810)
(وعند جهينة الخبر اليقين) 1 بالجيم
والهاء2، وكان ابن الأعرابي يقول: (جفينة) 3 بالجيم والفاء، وقال أبو
عبيدة: حفينة4 بالحاء غير معجمة والفاء. فأما جهينة بالهاء: فاسم
قبيلة. وقيل: اسم خمار قتل رجلا5. وأما جفينة فقيل: إنه اسم رجل
[127/ب] قتل رجلا كان سافر معه، واسمه خصيل، فانصرف جفينة ولم ينصرف
خصيل، فكانت أخته تتلقى الركبان تسألهم عن أخيها، فقال بعض الشعراء6:
تسائل عن خصيل كل ركب ... وعند جفينة الخبر اليقين
__________
1 الأمثال لأبي عبيد 201، والفاخر 126، وجمهرة الأمثال 2/40، والدرة
الفاخرة 2/3، وفصل المقال 295، والوسيط 120، ومجمع الأمثال 2/319،
والمستقصى 2/169، واللسان 13/19، 13/101 (جفن، جهن)
2 العامة على هذه الرواية، وهي خطأ، والصواب "جفينة" بالجيم والفاء في:
إصلاح المنطق 288، والاشتقاق 435، والجمهرة 2/890.
3 عبارة الفصيح 310، والتلويح 77: "وقال ابن الأعرابي جفينة". وقال
الأصمعي مثل قول ابن الأعرابي. ينظر: الأمثال لأبي عبيد 201، والاقتضاب
2/237، 238، ومجمع الأمثال 2/321، والصحاح (جهن) 5/2096. وفي الجمهرة
2/890 عن ابن الكلبي "جفينة" بالجيم والفاء أيضا، وروى عنه أبو عبيد في
الأمثال 203" جهينة" بالجيم والهاء، وقال: "كان الكلبي في هذا النوع من
العلم أكبر من الأصمعي".
4 فصل المقال 295، والاقتضاب 238، والمحكم (جفن) 7/318، وفي أدب الكاتب
426: "ولا يعرف جفينة ولا حفينة الأصمعي" وقارن هذا بما ورد في التعليق
السابق.
5 إصلاح المنطق 288.
6 القصة والبيت – مع يسير في الرواية – في: الفاخر 126، وجمهرة الأمثال
2/40. وينظر: مصادر المثل السابقة.
(2/811)
فضرب به المثل لكل من اتهم بشيء، ويروى:
تسائل عن أخيها كل ركب ... وعند جهينة....
بالهاء. ويقال: إن هذا البيت لجهينة الخمار، وكان يهوديا فجاءه رجل
يشتري منه خمرا، فأبصر أختا لجهينة فراودها عن نفسها، فقتله جهينة،
فجاءت أخت المقتول تسأل عن أخيها، ولا تعرف خبره، فقال جهينة هذا
البيت، ومعناه: أن خبر هذا المقتول عندي، لأني أنا قاتله1.
(وتقول: افعل ذاك وخلاك ذم) 2 معناه: افعل ذاك ولا يلحقك من فعله ذم،
ومعنى خلاك: فارقك. وقيل: معناه: افعل ذاك وليس فيه ما يعتقبك3 عليه
ذم.
__________
1 الجبان 291، 291. وينظر: الأغاني 14/3. وجاء في التلويح 77: "جهينة:
"هو الأخنس بن شريق الجهني، قاله حين قتل حصين بن عمرو الكلابي، وكان
لحصين أخت يقال لها ضمرة، فكانت تبكيه في المواسم، وتسأل عنه، فلا تجد
من يخبرها بخبره، فقال الأخنس في ذلك أبياتا منها:
كضمرة إذ تسائل في مراد وفي جرم وعلمهما ظنون
تسائل عن حصين كل ركب وعند جهينة الخبر اليقين
2 والعامة تقول: ".... وخلاك ذنب" إصلاح المنطق 288، وابن درستويه
(210/ب) ، والمرزوقي (158/ب) ، والزمخشري 405. قال الفراء: كلاهما من
كلام العرب، مجمع الأمثال 2/456. والمثل من قول قصير بن سعد اللخمي
قاله بن عدي حين أمره أن يطلب الزباء بثأر خاله جذيمة بن مالك. ينظر:
الأمثال لأبي عبيد 229، وفصل المقال 331، ومجمع الأمثال 2/456. وورد
المثل بروايات أخرى في: الأمثال للمفضل 146، وجمهرة الأمثال 1/191،
والمستقصى 1/224، 2/80.
3 ش: "يعقبك".
(2/812)
(ويقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها1: أي
لا تكون ظئرالقوم) أي تصبر المرأة الكريمة على الجوع والضر، ولا تلتمس
المكاسب الدنيئة. والظئر بالهمز: التي ترضع غير ولدها من الناس والإبل.
(وتقول: تحسبها حمقاء وهي باخس، هكذا جرى المثل بغير [128/أ] هاء) 2،
أي أنها ذات بخس، أي نقص في الكيل وتطفيف، كما قالوا: طالق، أي ذات
طلاق، (وإن شئت قلته بالهاء) 3، أي إنها إذا كالت للناس نقصت الكيل
وطففت فيه، ويقال هذا لمن تظنه أبله فتجده في المعاملة خبيثا داهيا.
__________
1 والعامة تقول: ".... ولا تأكل ثدييها". أدب الكاتب 413، وابن درستويه
(210/ب) ، وهي رواية في المثل، وقائله أكثم بن صيفي، وقيل: الحارث بن
سليل الأسدي، وله قصة. ينظر: الأمثال لأبي عبيد 196، والمعمرون 21،
والفاخر 109، وجمهرة الأمثال 1/211، وفصل المقال 289، والوسيط 83،
ومجمع الأمثال 1/215، والمستقصى 2/20، وشرح المقامات للرازي 2/702،
واللسان (أكف) 9/9.
2 الأمثال لأبي عبيد 114، والزاهر 1/601، وجمهرة الأمثال 1/209، وفصل
المقال 168، 169، ومجمع الأمثال 1/217، والمستقصى 2/21، والصحاح (بخس)
3/908.
3 الأمثال لأبي عبيد 114، والزاهر 1/601، وجمهرة الأمثال 1/209، وفصل
المقال 168، 169، ومجمع الأمثال 1/217، والمستقصى 2/21، والصحاح (بخس)
3/908.
(2/813)
(تقول: الكلاب على البقر، تنصب1 الكلاب
وترفعه) 2، فمن نصب أضمر فعلا قبله، وتقديره: دع الكلاب على البقر، أو
خل الكلاب على البقر وأشباههما، يعني: كلاب الصيد على بقر الوحش، ومن
قال: الكلاب على البقر بالرفع، فإنه على الابتداء، وما بعده خبره.
ومعنى المثل: إذا أمكنتك الفرصة فاغتنمها. وقيل: معناه: خل بين الناس
جميعهم خيرهم وشريرهم، واغتنم أنت طريق السلامة فاسلكه3. وقيل: معناه:
الناس مختلطون غير متميزين4.
(وتقول: أحمق من رجلة، وهي بقلة الحمقاء) 5، هكذا رأيته في نسخ عدة،
بإضافة بقلة إلى الحمقاء، وليس هو جيدا، ورأيت في نسخ أخر (وهي البقلة
الحمقاء) 6 بالألف واللام والرفع على الصفة، وهذا
__________
1 ش: "فتنصب".
2 في الفصيح 311، والتلويح 78: "وترفعها". وينظر: الأمثال لأبي عبيد
284، وجمهرة الأمثال 2/141، وفصل المقال 400، ومجمع الأمثال 3/22،
والصحاح (كلب) 1/213. وورد المثل برواية: "الكراب على البقر" في العين
5/361، والجمهرة 1/328، والصحاح 1/211 (كرب) . وبرواية: "الظباء على
البقر" في الكتاب 1/256، 273، والروايات الثلاث في المستقصى 1/330،
341.
3 الجبان 294، وتقدير الأول فيه للنصب، والثاني تقدير للرفع.
4 الجبان 294، وتقدير الأول فيه للنصب، والثاني تقدير للرفع.
5 الأمثال لأبي عبيد 366، والفاخر 15، والزاهر 1/601، وجمهرة الأمثال
1/318، والدرة الفاخرة 1/155، ومجمع الأمثال 1/401، والمستقصى 1/81.
وينظر: ص 733 من هذا الكتاب.
6 كذا في الفصيح 312، والتلويح 78.
(2/814)
هو الصواب، وإنما وصفت البقلة بالحمق
لطلوعها في مجرى السيل، لأنه إذا جاء اقتلعها. وقيل: وصفت بذلك، لأنها
لا تستوي في نباتها، لأنها تذهب على الأرض بسطا كذا وكذا1. وهي التي
تسمى "الفرفخ" بالخاء المعجمة. ومنه قول العجاج2 [128/أ] :
ندوسهم كما يداس الفرفخ
والفرفخ: أصله فارسي معرب، وهو بالفارسية "بربين"3.
والعامة تقول: "من رجله"4، بإضافة رجل، وهو خطأ. والأحمق من الرجال:
الضعيف العقل الذي لا رأي له، فلا يثبت على طريقة واحدة من الأخلاق
المحمودة، ويفعل ما لا ينبغي، فشبه بهذه البقلة5، لما ذكرنا من حالها.
__________
1 الجبان 294.
2 ديوانه 2/180. وبعده:
يوكل مرات ومرا يشدخ
3 في الصحاح 1/428: "الفرفخ: البقلة الحمقاء التي يقال لها الفرفين".
وفي القاموس 329: "الفرفخ: الرجلة، معرب بربهن، أي عريض الجناح" وفي
قصد السبيل 2/333: "معرب بربهن". وقال التبريزي في برهان قاطع 1/377:
بربهن على وزن نسترن: الفرفخ بالعربي، معربها فرفين على وزن نعلين.
وينظر: المعجم الذهبي 145، 167، واللسان 3/44، والتاج 2/273 (فرفخ) .
4 تعني قدمه. ينظر: أدب الكاتب 99، والزمخشري 406، وتقويم اللسان 113،
وتصحيح التصحيف، والصحاح (رجل) 4/1705.
5 ش: "فشبه هذا بالبقلة".
(2/815)
(وتقول: أحشفا وسوء كيلة) 1 بكسر الكاف:
وهي نوع من الكيل سيء، كالجلسة والركبة، بكسر أولهما، لنوع من الجلوس
والركوب. والحشف: الرديء من التمر الذي لا حلاوة له2، وهو منصوب بإضمار
فعل، وتقديره: أتعطيني حشفا وتسيء الكيل! وهذا مثل لمن يظلم الإنسان من
وجهين.
(وتقول: ما اسمك؟ اذكر، ترفع الاسم، وتجزم اذكر) 3، ترفع اسمك، لأنه
خبر الابتداء، والابتداء هو ما، وموضعه رفع، وهو استفهام، وتقديره: أي
شيء اسمك، أو أي الأسماء اسمك، وتجزم اذكر، لأنه أمر، وألفه ألف وصل
ساكنة إذا وصلته بما قبلها، وإن4 ابتدأت بها ضممتها، وتقديره: قل اسمك،
أي بين اسمك.
__________
1 والعامة تقول: "حشفا وسوء كيل" بفتح الكاف وحذف التاء. ابن درستويه
(211/أ) ، وجمهرة الأمثال 1/86، وفيه: "والصواب كيلة بالكسر، لأنهم
أنكروا نوعا من الكيل سيئا". وينظر المثل في: الأمثال لأبي عبيد 261،
وإصلاح المنطق 311، وأدب الكاتب 407، وفصل المقال 374، ومجمع الأمثال
1/367، وتثقيف اللسان 408، والمستقصى 1/68، والجمهرة 1/537، والصحاح
4/1344، 5/1814 (حشف، كيل) .
2 وفي كتاب النخل 83: "قال أبو زيد: الحشف: ما تحشف، أي تقبض ويبس ولم
يكن له لحاء ولا دبس".
3 وهذه العبارة ليست مثلا، وقوله:"تجزم اذكر" على مذهب الكوفيين، لأن
الأمر عندهم معرب مجزوم، ومذهب البصريين أنه مبني على السكون. ينظر:
الإنصاف 2/524، والتبيين 176، وائتلاف النصرة 124.
4 ش: "فإن".
(2/816)
ويروى: "أذكر"1 بقطع الألف وفتحها، وهي ألف
المتكلم المخبر عن نفسه، وتقديره: بين لي اسمك، لأذكره. وقال عم بن أبي
ربيعة2 [129/أ] :
وقال من أنت أذكر قلت ذو شجن ... هاجت له الدار أشجانا وأحزانا
ولا يقال في هذا المعنى: ما أذكر اسمك. وإن3 جعلت اذكر جوابا للاستفهام
جزمته أيضا، إلا أنك تقطع ألفه وتفتحها في الوصل.
(وتقول: همك ما أهمك، وأهمني الشيء) 4 بالألف: (حزنني، وهمني أذابني) .
فهمك بالرفع، معناه: حزنك، وهو مرفوع بالابتداء
__________
1 بهذه الرواية في: ابن درستويه (211/ب) ، والجبان 295، وذكر الروايتين
ابن هشام 221.
2 ديوانه 307.
وعمر بن أبي ربيعة هو: ابن عبد الله بن حذيفة بن المغيرة المخزومي
القرشي، ويكنى أبا الخطاب، ولد في الليلة التي توفي عمر بن الخطاب فسمى
باسمه، شاعر رقيق، وأكثر شعره في وصف النساء والتشبب بهن، غزا في البحر
فاحترقت السفينة به وبمن معه، ومات غرقا سنة 93هـ. قال أبو عمر بن
العلاء: عمر بن أبي ربيعة حجة في العربية.
نسب قريش 319، والشعر والشعراء 2/457، والأغاني 1/61، والموشح 259،
والتبيين في أنساب القرشيين 378.
3 ش: "فإن".
4 الأمثال لأبي عبيد 283، وجمهرة الأمثال 2/284، وفصل المقال 399،
ومجمع الأمثال 3/497، والمستقصى 2/394، والتهذيب 5/382، والصحاح 5/2061
(همم) . وينظر: مجالس العلماء 114، وطبقات الزبيدي 42، ومعجم الأدباء
5/2143.
(2/817)
وخبره قولك: ما أهمك، وما هاهنا بمعنى
الذي، أي همك هو الذي أهمك، ومعناه: حزنك هو الذي حزنك، ولم يحزن جارك
ولا غيره من أفناء الناس. ويقال: أهمني الشيء يهمني إهماما: أي حزنني،
فهو مهم لي بكسر الهاء، وأنا مهم بفتحها. ويقال: همني الشيء يهمني بضم
الهاء، هما: أي أذابني، فهو هلم لي، وأنا مهموم. وأذابني: معناه: أذهب
لحمي وشحمي. ويقال: هم الألية والشحم يهمهما هما: أي أذابهما. ومنه قول
الراجز – ووصف شدة الحر1 –:
يهم فيه القوم هم الحم
والحم: ما أذيب2 من الألية.
ورأيت في بعض النسخ: (همك ما أهمك) بفتح الميم من همك، فيكون فعلا
ماضيا، ومعناه: أذابك ما حزنك.
(وتقول: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، وإن [129/ب] شئت لأن تسمع بالمعيدي
خير من أن تراه) 3. قال ابن السكيت: تأويل "تسمع
__________
1 قوله: "ووصف شدة الحر" ساقط من ش. والرجز بلا نسبة في: إصلاح المنطق
12، وشرح أبياته 71، والمشوف المعلم 2/809، والتهذيب 5/382، والصحاح
5/1904، 2061، والمحكم 4/80، واللسان 12/155، 620 (حمم، همم) .
2 ش: "أذبت".
3 قاله النعمان بن المنذر للصقعب بن عمرو النهدي، وقيل: قائله المنذر
بن ماء السماء لشقة بن ضمرة التميمي. وله قصة. ينظر: أمثال العرب
للمفضل 55، والأمثال لأبي عبيد 97، والفاخر 65، والزاهر 2/247، وجمهرة
الأمثال 1/215، والوسيط 83، ومجمع الأمثال 1/227، والمستقصى 1/370. قال
أبو عبيد: "كان الكسائي يدخل فيه "أن" والعامة لا تذكر "أن" ووجه
الكلام ما قال الكسائي". وقال ابن درستويه (211/ب) : "والعامة تقول:
تسمع بالمعادي خير من أن تراه".
(2/818)
بالمعيدي لا أن تراه" تأويل أمر، كأنه قال:
اسمع به ولا تره1.
والمعيدي: الياء الأولى منه والدال خفيفتان، والياء الأخيرة مشددة، وهو
تصغير معدي بتشديد الدال، منسوب إلى معد، وهو أبو العرب، وأبوه عدنان2،
وإنما خففت الدال استثقالا للجمع بين التشديدين مع ياء التصغير، يضرب
للرجل الذي له صيت وذكر في الناس، ولا منظر له، فإذا رأيته ازدريت
مرآته، ومعناه: مخبره أكثر 3من منظره.
(وتقول: الصيف ضيعت اللبن) 4 بكسر التاء، لأن الكسرة لخطاب المؤنث،
وذلك أن أصل المثل قيل لامرأة كانت تحت رجل
__________
1 إصلاح المنطق 287.
2 نسب معد 1/17، والإكليل 1/113، وجمهرة أنساب العرب 9. وزاد في
التلويح 79: "قال صاحب كتاب العين: المعيدي: رجل من بني كنانة، كان
صغير الجثة عظيم الهيئة، له يقول النعمان: تسمع بالمعيدي لا أن تراه".
وينظر: العين (معد) 2/62.
3 ش: "أكبر".
4 أمثال العرب للمفضل 51، وأمثال أبي عبيد 247، والفاخر 111، والزاهر
2/235، وجمهرة الأمثال 1/473، والوسيط 47، ومجمع الأمثال 2/434،
والمستقصى 1/329، واللسان 8/231، 9/202، 11/314، 14/11 (ضيع، صيف، زول،
أبي) .
والعامة تقول: "ضيعت" بفتح التاء. إصلاح المنطق 288، ودرة الغواص 237،
وتصحيح التصحيف 359. أو تقول: "ضيحت" بالحاء بدلا من العين. من الضياح
وهو اللبن الممزوج بالماء. ابن درستويه (97/ب- تشربتي) ، والمرزوقي
(161/أ) .
وهما روايتان في المثل حكى الأولى عن الفراء ابن الأنباري في الزاهر
2/236، والأخرى حكاها البكري في فصل المقال 359، وابن هشام 224.
(2/819)
شيخ موسر1، فكرهته شيخه، فسألته طلاقها،
فطلقها، وتزوج بها شاب مملق2، فعامت إلى اللبن، فوجهت إلى زوجها الأول
الشيخ تسأله اللبن، فقال لها: "الصيف ضيعت اللبن" لأنها كانت فارقته في
الصيف، والصيف منصوب على الظرف. ويقال هذا لممن فرط فيما يحتاج إليه
حتى فاته، ثم يطلبه3 بعد ذلك. وإذا قيل هذا للمذكر كانت التاء فيه
مكسورة أيضا على أصل المثل [130/أ] .
(وتقول: فعل ذاك عودا وبدءا، ورجع عوده على بدئه: إذا رجع في الطريق
الذي جاء منه) 4.
فالعود: مصدر عاد يعود، إذا فعل أمرا بعد ما كان بدأ به.
__________
1 المرأة هي: دختنوس بنت لقيط بن زرارة، والرجل هو: عمرو بن عمرو بن
عدس بن زيد التميمي. ينظر: مصادر المثل السابقة، وجمهرة النسب 200.
2 هو ابن عمها عمير بن معبد بن زرارة. مصادر المثل السابقة.
3 ش: "طلبه".
4 قال المرزوقي (161/أ) : "والعامة تقول: عودا وبدوا بلا همز، وتقول:
رأيته بدأ وعاد، وأبدأ وأعاد، وتكلم ببادية وعادية". وينظر: الكتاب
1/391.
(2/820)
والبدء بالهمز: مصدر بدأ بالشيء يبدأ، إذا
فعله ابتداء، فإذا بدأ الرجل بفعل أو عمل ثم عاد له، فقد فعله عودا على
بدء.
(وتقول: شتان زيد وعمرو، وشتان ما هما، وإن شئت قلت: شتان ما بينهما)
1، ونون شتان مفتوحة، (والفراء كان يخفضها) .
فشتان: معناه: البعد المفرط بين الشيئين، وهو مأخوذ من شت القوم يشتون
بكسر الشين، شتاتا، وشت شعبهم: أي تفرقوا، وشتت القوم تشتيتا: أي
فرقهم، وتشتتوا هم يتشتتون تشتتا: إذا تفرقوا، فشتان اسم وضع موضع
الفعل الماضي، تقول: شتان زيد وعمرو، فترفع زيدا وعمرا بفعل مضمر،
تقديره شت زيد وعمرو، أي تشتت زيد وعمرو، ومعناه: تفرقا واختلفا وبعد
ما بينهما جدا، ولا يكون شتان إلا لاثنين أو جماعة، ولا يكون لواحد، لا
يقال: شتان زيد، لأن الواحد لا يتشتت. وقال الراجز2:
شتان هذا والعناق والنوم
__________
1 إصلاح المنطق 281، وفيه: "قال الأصمعي: ولا يقال شتان بينهما". قال
الزمخشري 410: "وهو عند الفراء جيد". وينظر: أدب الكاتب 403، والزاهر
1/602، والاقتضاب 2/222، وتقويم اللسان 127، وشرح المفصل لابن يعيش
4/36، وشرح الكافية للرضي 3/103، والمزهر 1/319، والصحاح 1/255،
والتنبيه والإيضاح 1/166 (شتت) .
2الرجز للقيط بن زرارة في: مجاز القرآن 1/404، والنقائض 2/664، والبيان
والتبيين 3/220، والمقتضب 4/305، والتصحيف والتحريف للعسكري 82،
والأغاني 111/143، واللسان (دوم) 12/215. وهو لحاجب بن زرارة في
التنبيهات 85، وبلا نسبة في الأصول 2/134، والمخصص 14/63، 85، وشرح
المفصل لابن يعيش 4/37، والجمهرة 1/468. وقبله:
فاليوم إذ قاتلتهم فلا لوم
تقدموا وقدموني للقوم
(2/821)
والمشرب البارد والظل الدوم
أي الدائم.
وأما من قال: شتان ما هما، وشتان ما زيد وعمرو [130/ب] فإنه رفع زيدا
وعمرا بشتان أيضا، وجعل ما زائدة للتوكيد، ويحتج بقول الأعشى1:
شتان ما يومي على كورها
ويوم حيان أخي جابر
وأما من قال: شتان ما بينهما وشتان ما بين زيد وعمرو2، فإنه جعل ما
هاهنا بمعنى الذي وجعلها في موضع رفع بشتان، وبين من صلتها، والمعنى:
شتان الذي بينهما3،أي افترق الذي بينهما، ويحتج بقول أبي الأسود
الدؤلي4:
__________
1 ديوانه 197. والكور: الرحل، والضمير المتصل به يعود على الناقة،
وحيان كان نديما للأعشى، والمعنى: يومي على رحل هذه الناقة، ويومي مع
حيان أخي جابر مختلفان لا يستويان، لأن أحدهما يوم سفر وتعب، والثاني
يوم لهو وطرب. الاقتضاب 3/243، والخزانة 6/303.
2 وقد أنكر هذا الأصمعي واستحسنه الفراء. كما تقدم.
3 ش: "شتان الذي بينهما من الافتراق".
4 ديوانه 91 وفيه: "وشتان".
(2/822)
لشتان ما بيني وبينك إنني
على كل حال أستقيم وتظلع
ونون شتان مفتوحة على طريق1 إتباع الفتح الفتح، إذ كانت الألف من جنس
الفتحة، ولا يكون ما قبلها إلا فتحة. وقال ابن السكيت: شتان مصروفة عن
شتت، فالفتحة في النون هي الفتحة التي كانت في التاء. قال: وهي تدل على
أنه مصروف عن الفعل الماضي2. وأما وجه قول الفراء في كسر النون، فكأنه
أراد تثنية شت3، وهو المتفرق، ويجوز أن يكون كسرها على أصل التقاء
الساكنين4.
(وتقول: ما هو بضربة لازب، وبالميم إن شئت) 5، ومعناهما: واحد، أي ليس
هو بضربة شيء ثابت وحق واجب وفرض لازم، فلا
__________
1 ش: "سبيل".
2 إصلاح المنطق 282.
3 الزاهر 1/602، وأنكره ابن درستويه (213/أ) وقال: "ويلزم الفراء إن
كان اثنين أن يقول فيه في موضع النصب والجر: شتين بالياء، وهذا لا
يجيزه عربي ولا نحوي". وقال ابن خالويه (57/أ) : "كان الفراء يجيز كسر
النون في شتان تشبيها بسيان، وهو خطأ بإجماع".
4 قاله الجبان 297. وينظر: التلويح 80.
5 والعامة تقوله بالميم. ابن درستويه (213/أ) . وينظر: إصلاح المنطق
288، والقلب والإبدال 14، وأدب الكاتب 425، والزاهر 1/609، والجمهرة
1/334، 335، والتهذيب 13/215، والصحاح 1/219، 5/2029 (لزب، لزم) وفي
معاني القرآن للفراء 2/384: "اللازب: اللاصق. وقيس تقول: طين لاتب....
والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب ولازم، يبدلون الباء ميما، لتقارب
المخرج".
(2/823)
تشغل به قلبك كل الشغل. وقال النابغة 1
[131/أ] :
لا يحسبون الخير لا شر بعده
ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وقال كثير في الميم2:
فما ورق الدنيا بباق لأهله
ولا شدة البلوى بضربة لازم
(و) تقول: (هو أخوه بلبان أمه) بكسر اللام، وهو مصدر لابنه ملابنة
ولبانا: إذا شاركه في الرضاع. وقال ابن السكيت: ولا يقال بلبن أمه،
إنما اللبن الذي يشرب3. قال الكميت يمدح مخلد بن يزيد4:
تلقى الندى ومخلدا حليفين
__________
1 ديوانه 48، ورواية الشطر الأول فيه: "ولا"، وفي ش: "فلا"، وهي أولى
مما في الأصل لإقامة الوزن.
2 ديوانه 225.
3 إصلاح المنطق 297 وفيه ".... إنما اللبن الذي يشرب من ناقة أو شاة أو
غيرهما من البهائم". وينظر: أدب الكاتب 407، ودرة الغواص 218، وتثقيف
اللسان 261، وتقويم اللسان 160، والصحاح 6/2192، والمجمل 2/802،
والمقاييس 5/233 (لبن) .
4 ديوانه 2/135.
ومخلد بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، يكنى أبا خداش، بن بيت رياسة
وبطولة، وأحد الأسخياء الممدوحين، استخلفه أبوه يزيد على خراسان بعد أن
أمره الخليفة عمر بن عبد العزيز بالمثول إليه في الشام، ثم قدم مخلد
إلى الشام يلتمس الإفراج عن أبيه، ومات بعد ذلك بأيام سنة 100هـ، وهو
ابن سبع وعشرين سنة.
الكامل لابن الأثير 4/144-149، ووفيات الأعيان 6/284، والأعلام 1947.
(2/824)
كانا معا في مهده رضيعين
تنازعا فيه لبان الثديين
ويجوز أن يكون لبان جمع لبن. وقال الأعشى1:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما2
بأسحم داج عوض لا نتفرق
(و) تقول: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) 3 بفتح الياء. (وما رابك من
فلان) . فهذا من الريب، وهو الشك والظن، وهما ضد اليقين، من قوله عز
وجل: {لا رَيْبَ فِيهِ} 4 أي لا شك فيه. وقد رابني الشيء5 يريبني ريبا:
إذا شككني. والريب أيضا: التهمة. والريبة بالكسر: التهمة والشك، تقول:
دع ما يدخل عليك ريبا، أي شكا إلى ما تتحققه، أي دع ما يدخل عليك ريبة
إلى غير ذلك. وقال الراجز6
__________
1 ديوانه 275. وعوض: أي أبد الدهر.
2 ش: "تحالفا" وهي رواية الديوان.
3 هذا حديث شريف من قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا
يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة". أخرجه الترمذي (كتاب صفة
القيامة – 2518) ، والإمام أحمد في مسنده 3/153. وينظر: النهاية 2/286،
وفتح الباري 4/291.
4 سورة البقرة 2. وسور أخرى. ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن
الكريم 329.
5 وأرابني بمعنى واحد، لغة هذلية. ينظر: فعلت وأفعلت للزجاج 42،
والصحاح (ريب) 1/141.
6 هو العنبر بن عمرو بن تميم، وكان جاور في بهراء فرابه ريب فقال هذا
الشعر. ينظر: طبقات فحول الشعراء 1/27، والكامل للمبرد 2/581، ومعجم
الشعراء 307، والدرة الفاخرة 1/225، والصحاح 1/200، والتنبيه والإيضاح
1/88، 127، واللسان 1/443، 664 (ريب، قرب) .
(2/825)
[131/ب] :
قد رابني من دلوي اضطرابها
إلا تجيء ملأى تجيء قرابها
أي قريب من الامتلاء.
وقوله: "ما رابك من فلان" هو ماضي يريبك، ومعناه: أي شيء رابك منه، من
الريبة أيضا، أي ما الذي كرهته منه، وأوقع في قلبك منه شكا وتهمة.
[وقوله] 1: (وما أربك إلى هذا) بهمز أوله وفتح ثانيه2، ومعناه: ما
حاجتك إليه. وجمع الأرب آراب، مثل قتب وأقتاب.
(وقد أراب الرجل) 3 غير مهموز: إذا جاء بريبة، وصار ذا ريبة، فهو يريب
إرابة، وهو مريب. وقال جميل4:
__________
1 استدركه المصنف بخط صغير فوق السطر إلى يمين كلمة "وما ... ".
2 وفيه ست لغات، خمس منها في الصحاح (أرب) 1/87، والسادسة في ديوان
الأدب 4/170. وينظر: المختار (أرب) 13.
3 فعل وأفعل للأصمعي 504.
4 ديوانه 32.
وجميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث العذري القضاعي، يكنى أبا عمر،
شاعر فصيح، جامع للشعر والرواية، وأكثر شعره في النسيب والغزل والفخر.
وصاحبته التي يذكرها في أشعاره بثينة بنت حبأ بن ثعلبة، من فتيات قومه.
توفي بمصر سنة 82هـ. طبقات فحول الشعراء 2/648، 669، والشعر والشعراء
1/346، والأغاني 8/90،وتزيين الأسواق 61.
(2/826)
بثينة قالت يا جميل أربتني
فقلت كلانا يا بثين مريب
(وألام: إذا جاء بما يلام عليه) ، أي يعنف ويقبح عليه فعله، وتصريفه
كتصريف أراب. ورأيت في بعض النسخ: (والأم) مهموزا، على وزن ألعم، (إذا
جاء بلؤم) 1 بالهمز.
(وتقول: ويل للشجي من الخلي) 2، ياء الشجي خفيفة، وياء الخلي مشددة3.
__________
1 الصحاح (لأم) 5/2025.
2 المثل من قول أكثم بن صيفي. وله حديث، ويروى: "ما يلقى الشجي من
الخلي"، والأولى أشهر. ينظر: الأمثال لأبي عبيد 280، والفاخر 248،
وجمهرة الأمثال 2/267، وفصل المقال 395، والوسيط 176، ومجمع الأمثال
3/260، 433، والمستقصى 2/338، واللسان 14/239، 424 (خلا، شجا) .
3 وجاء في التلويح 81: "قال ابن قتيبة في باب ما جاء خفيفا والعامة
تشدده: رجل شج، وامرأة شجية، وويل للشجي من الخلي، ياء الشجي مخففة،
وياء الخلي مشددة. وكذلك أيضا قال يعقوب: شج مخفف ولا يشدد. وإني لأعجب
من إنكار التشديد في هذه اللفظة، لأنه لا خلاف بين اللغويين في أنه
يقال: شجوت الرجل أشجوه، إذا حزنته، وشجى يشجى شجا، إذا حزن، فإذا
قلنا: شج بالتخفيف كان اسم الفاعل من شجي يشجى، فهو شج، كقولك: عمي
يعمى عمى، فهو عم، فإذا قلنا: شجي بالتشديد كان اسم المفعول من شجوته
أشجوه، فهو مشجو وشجي، كقولك: مقتول وقتيل، ومجروح وجريح:
ويل الشجي من الخلي فإنه نصب الفؤاد لشجوه مغموم
وقال آخر:
من لعين بدمعها مولية ولنفس بما عراها شجية
فقد طابق السماع فيه القياس، كما ترى" وهذا النص بتصرف يسير في
الاقتضاب 2/185، وبتمامه عن أبي سهل الهروي في شرح أبيات مغني اللبيب
للبغدادي 5/281، وحاشيته على شرح بانت سعاد 1/544. وينظر: أدب الكاتب
379، وإصلاح المنطق 242.
(2/827)
فالشجي خفيف: وزنه فعل بفتح الفاء وكسر
العين، وهو الحزين المهتم، يقال منه: شجي بكسر الجيم، فهو يشجى شجى
بفتحها، فهو شج بكسرها، على مثال عمي يعمى عمى، فهو [132/أ] عم، إذا
حزن واهتم، وإذا غص بالشيء أيضا في حلقه.
والخلي بتشديد الياء، على فعيل: ضده، وهو الذي لا هم عليه ولا حزن، وهو
الخالي منهما، وهو من خلا يخلو1، فهو خلي، مثل خبر يخبر، فهو خبير،
وسفر بين القوم يسفر، فهو سفير، ومعناه: ويل للحزين المهموم من الذي
ليس في قلبه حزن ولا هم. وقال الشاعر2:
ألا نام الخلي وبت حلسا
بظهر الغيب سد به الكعوم
يقول: بت حلسا لما أحفظ وأرعى، كأنني حلس قد سد بي كعوك الطرق، وهي
أفواهها.
وويل: كلمة تفجع، ومعناه: الشدة في العذاب.
__________
1 رسمها المؤلف "يخلوا" بألف زائدة بعد الواو.
2 البيت بلا نسبة في: التهذيب 1/329، واللسان 12/522، والتاج 9/48
(كعم) .
(2/828)
(وهو أحر من القرع، وهو جدري الفصال) 1.
فالقرع بفتح القاف والراء: بثر أبيض يخرج بأولاد الإبل في رؤوسها
وأجسادها فيسقط منه وبرها لفرط حرارته. ويقال منه: قرع الفصيل بكسر
الراء، يقرع قرعا بفتحها، فهو قرع بكسرها. ودواؤه الملح وجباب ألبان
الإبل – والجباب: شيء يعلو ألبان الإبل، كالزبد، وليس لألبانها زبد –
فتهنأ بهما2، فإذا لم يجدوا ملحا نتفوا أوبارها ونضحوا جلودها بالماء
ثم جروها على السبخة، وهذا الفعل بها يقال له: التقريع، وهوفصيل مقرع،
إذا فعل به ذلك3. ومنه قول الشاعر4 [132/ب] :
لدى كل أخدود يغادرن فارعا5 ... يجر كما جر الفصيل المقرع
__________
1 والعامة تقول: "هو أحر من القرع" بإسكان الراء، على معنى القرع الذي
يؤكل، وهو خطأ. الأمثال لأبي عبيد 286، ولأبي عكرمة 73، وأدب الكاتب
383، وابن درستويه (214/ب) ، والزمخشري 414، والجمهرة (قرع) 2/769. قال
البكري: "وقال محمد بن حبيب: إنه هو الصحيح، ليس على معنى القرع الذي
يؤكل، ولكن يراد به قرع الميسم بالنار" فصل المقال 403. ورواه على هذا
المعنى الجوهري في الصحاح (قرع) 3/1262. وينظر: إصلاح المنطق 43،
وجمهرة الأمثال 1/320، والدرة الفاخرة 1/34، 157، ومجمع الأمثال 1/402،
403، والمستقصى 1/63.
2 أي تطلى بالملح وجباب ألبان الإبل.
3 ينظر: الإبل 122، 154، والغريب المصنف (166/أ) ، وإصلاح المنطق 43.
4 هو أوس بن حجر، والبيت في ديوانه 59.
5 ش: "فارسا"، وهي رواية، وفي الديوان: "دارعا".
(2/829)
والفصال: جمع فصيل، وهو ولد الناقة، إذا
فصل عن أمه، أي منع رضاعها وفطم، وهو فعيل في معنى مفعول.
(وتقول: افعل ذاك آثرا ما: أي أول كل شيء) 1، وهو مأخوذ من قولهم آثرت
فلانا بكذا، إذا فضلته به، أوثره إيثارا، فأنا موثر له بالكسر، وهو
مؤثر بكذا بالفتح، ومعناه: افعل ذلك مؤثرا له على غيره. وقال ابن
درستويه: هو من قولهم: آثرت أن أفعل ذاك، أي اخترت، فأنا آثر، على بناء
فاعل، وآثرا منون منصوب على الحال، وما توكيد وعوض من الكلام المحذوف،
لأن المعنى: اختره على كل شيء وقدمه، وأفعل هذا إن لم تفعل غيره2.
(وخذ ما صفا ودع ما كدر) 3 بكسر الدال: أي خذ خيار الشيء ودع رذاله.
ويقال: كدر الماء4 بكسر الدال، يكدر كدرا بفتحها، فهو ماء كدر بكسرها،
وهو ضد الصافي، ويستعمل في كل شيء تشبيها بالماء، فيقال: عيش كدر
وأكدر، وقد كدر عيشه بكسر الدال أيضا.
__________
1 الفاخر 28، والزاهر 1/388، وجمهرة الأمثال 1/133، ومجمع الأمثال
1/448، والصحاح (أثر) 2/575. وفي الزاهر عن الفراء قال: "فيه لغات،
يقال: أفعله آثر ما، وافعله آثر ذي أثير.... ويقال: افعله إثر ذي أثير
... أي أول كل شيء وابتداء كل شيء".
2 ابن درستويه (214/ب) .
3 والعامة تقول: "كدر" بفتح الدال. ابن درستويه (215/أ) ، والجمهرة
(كدر) 2/637. وينظر: المستقصى 2/72، والأساس (كدر) 388.
4 قوله: "أي خذ خيار ... الماء" ساقط من ش.
(2/830)
ويقال: صفا الماء يصفو صفوا وصفاء، فهو
صاف، إذا زال عنه كدره وخلص منه، ويستعمل في كل شيء أبيض تشبيها
بالماء، فيقال: عيش صاف1.
(وتقول) : فلان (ما يحلي، ولا يمر) 2 بضم الياء منهما وكسر [133/أ]
اللام والميم، لأنهما من أحلى فلان الشيء يحليه إحلاء، إذا صيره حلوا،
وأمره يمره إمرارا، إذا صيره مرا، فهو محل وممر بكسر اللام والميم،
والشيء محلى وممر بفتحهما، وقد حلا الشيء نفسه يحلو3 حلاوة، إذا صار
حلوا. ومر الشيء يمر بفتح الميم، مرارة، وأمر أيضا يمر إمرارا، إذا صار
مرا. والمعنى: ما يقول كلاما حسنا ولا قبيحا، ولا يفعل فعلا كذلك.
وقيل: معناه: أنه لا يأتي في أمره بحلو ولا مر، أي بخير ولا شر.
(و) تقول: (ما هم عندنا إلا أكلة رأس) 4 بفتح الكاف (لجمع آكل) ، مثل
كاتب وكتبة، وكافر وكفرة، يقال ذلك في القلة، أي هم عندنا قليلون، كقوم
اجتمعوا على رأس يأكلونه، وأكثر ما يكونون
__________
1 قوله: "في كل شيء أيضا ... صاف" ساقط من ش.
2 ش: "ولا يمري". وفي الصحيح 313: "وما يمر". وينظر: المستقصى 2/313،
والأساس (مرر) 426.
3 رسمها المصنف "يحلوا" بألف زائدة بعد الواو.
4 قائله طريف بن تميم العنبري، وله قصة. والعامة تقول: "أكلة رأس"
بإسكان الكاف. الفاخر 257، والزاهر 2/17، وابن درستويه (215/أ) .
وينظر: مجمع الأمثال 1/81.
(2/831)
ثلاثة، وقد يأكله الاثنان والواحد.
(و) يقال: (أساء سمعا فأساء جابة) 1 بغير همز، وهو اسم للجواب، بمنزلة
الطاعة والطاقة، وليس واحد منها2 بمصدر، وإنما هي أسماء موضوعة من
أسماء المصادر، والمصدر منها3 إجابة وإطاعة وإطاقة، لأن الفعل منها
أجاب وأطاع وأطاق، ومنه قول الشاعر4:
وما من تهتفين له بفضل ... بأسرع جابة لك من هديل
ويقال هذا للذي يجيب على غير فهم، أي لم يسمع جيدا [133/ب] فلم يجب
جيدا.
__________
1 قال ابن درستويه (215/أ) : "والعامة تقول: أسرع إجابة، وهو صواب
أيضا:.
وقائله سهيل بن عمرو، أخو بني عمر بن لؤي، وله قصة. ينظر: أمثال العرب
للمفضل 170، والمعمرون 18، والأمثال لأبي عبيد 53، والفاخر 72، وجمهرة
الأمثال 1/27، 401، وفصل المقال 48، والوسيط 42، ومجمع الأمثال 2/101،
والمستقصى 1/153، والصحاح (جوب) 1/104.
2 ش: "منهما".
3 ش: "منهما".
4 هو الكميت ينكر على قضاعة تحولها إلى اليمن، والبيت في ديوانه 2/58.
والهديل لا يجيب، لأن العرب تزعم أنه فرخ كان على عهد نوح عليه السلام،
فصاده جارح من جوارح الطير، فيقولون إنه ليس من حمامة إلا وهي تبكي
عليه. ينظر: اللسان (هدل) 11/691.
(2/832)
|