إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث

بَاب السِّين

فِي إِعْرَاب مَا يشكل من الحَدِيث

[39] فِي حَدِيث السَّائِب بن خَلاد.

[40] فِي حَدِيث سُبْرَة بن معبد أبي ربيع الْجُهَنِيّ.

[41] فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص.

[42] فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ.

[43] فِي حَدِيث سَلمَة بن سَلامَة بن وقش.

[44] فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع.

[45] فِي حَدِيث سَلمَة بن نفَيْل السكونِي.

[46] فِي حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي.

[47] فِي حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب.

(1/91)


[39] السَّائِب بن خَلاد

تَوْجِيه إِعْرَاب الِاسْم بعد حَتَّى

(164) وَفِي حَدِيث السَّائِب بن خَلاد: " مَا من شَيْء يُصِيب الْمُؤمن حَتَّى الشَّوْكَة إِلَّا كتب لَهُ بهَا حَسَنَة ".
يجوز " الشَّوْكَة " بِالْجَرِّ بِمَعْنى: " إِلَى " أَي: لَو انْتهى ذَلِك إِلَى الشَّوْكَة. وَبِالنَّصبِ على تَقْدِير: بِحَدّ الشَّوْكَة، وَمَعَ الشَّوْكَة. وبالرفع. وَفِيه وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ مَعْطُوف على الضَّمِير فِي يُصِيب.
وَالثَّانِي: مُبْتَدأ. أَي: هُوَ حَتَّى الشَّوْكَة تشوكه.
[40] سُبْرَة بن معبد أَبُو ربيع الْجُهَنِيّ

تَوْجِيه حَدِيث " علمُوا الصَّبِي الصَّلَاة ابْن سبع ... ".
(165) وَفِي حَدِيث سُبْرَة بن معبد أبي ربيع الْجُهَنِيّ: " علمُوا الصَّبِي الصَّلَاة ابْن سبع واضربوه عَلَيْهَا ابْن عشر ".
" ابْن " بِالنّصب فيهمَا. وَفِيه وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ مَعْطُوف على الضَّمِير فِي يُصِيب، وَالثَّانِي هُوَ مُبْتَدأ أَي: حَتَّى الشَّوْكَة تشوكه، حَال من الصَّبِي، وَالْمعْنَى: إِذا كَانَ الصَّبِي ابْن سبع سِنِين، وَإِذا كَانَ ابْن عشر، وعلموه صَغِيرا واضربوه مراهقا.
وَالثَّانِي: أَن يكون بَدَلا من الصَّبِي، وَمن الْهَاء فِي اضْرِبُوهُ.

(1/92)


[41] سعد بن أبي وَقاص

تَوْجِيه حَدِيث " أَن تدع وَرثتك ".
(166) وَفِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص: " إِنَّك يَا سعد أَن تدع ".
(أ) الْهمزَة مَفْتُوحَة وَهِي " أَن الناصبة " للْفِعْل وَمَوْضِع الْمصدر على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: هُوَ بدل الاشتمال أَي: إِن التَّقْدِير: إِنَّك تَركك.
وَالثَّانِي: أَن يكون فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ و " خير " خَبره.
(ب) وَفِيه: " حَتَّى اللُّقْمَة " الْوَجْه النصب عطفا على نَفَقَة، وَلَو رفع جَازَ على أَنه مُبْتَدأ، نَجْعَلهَا الْخَبَر.

(1/93)


الْأَفْصَح والأقيس فِي حَدِيث: " أَيَّام أكل وَشرب "

(167) وَفِي حَدِيثه: " أَيَّام أكل وَشرب " الْأَفْصَح الأقيس فتح الشين، وَهُوَ مصدر مثل الْأكل، وَأما ضم الشين وَكسرهَا فَقيل لُغَتَانِ فِي الْمصدر أَيْضا.
والمحققون على أَن الضَّم وَالْكَسْر اسمان للمصدر وَقد قرئَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فشاربون شرب الهيم} بالأوجه الثَّلَاثَة وتوجيهها مَا ذَكرْنَاهُ.
[42] أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ

تَوْجِيه رِوَايَة " إِلَّا أَن الْمَلَائِكَة ... ".
(168) وَفِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " مَا مِنْكُم من رجل يخرج من بَيته متطهرا فَيصَلي مَعَ الْمُسلمين الصَّلَاة ثمَّ يجلس فِي الْمَسْجِد ينْتَظر الصَّلَاة الْأُخْرَى ... إِلَّا أَن الْمَلَائِكَة تَقول: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله:
(أ) وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة: " إِلَّا أَن الْمَلَائِكَة "، وعَلى هَذَا لَا يكون الْكَلَام قبله تَاما، لِأَن مَا

(1/94)


بدلهَا من خبر، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام لَهَا خبر، وَلَكِن يجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفا لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ وَتَقْدِيره: " إِلَّا غفر الله لَهُ "، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: " إِلَّا أَن الْمَلَائِكَة ".
(ب) وَإِن جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: " إِلَّا الْمَلَائِكَة " على الِاسْتِثْنَاء. كَانَ الْخَبَر تَاما.
وجوب تَقْدِيم خبر كَانَ لكَونه استفهاما

(169) وَفِي حَدِيثه قَوْله: " فَقَالَ أَي أَب كنت لكم؟ قَالُوا: خير أَب ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله:
(أ) الصَّوَاب نصب " أَي " على أَنه خبر " كنت " وَجب تَقْدِيمه بِكَوْنِهِ استفهاما.
(ب) وَأما قَوْلهم: " خير أَب " فالجيد نصب خير على تَقْدِير: كنت خير أَب؛ ليَكُون مُوَافقا لما هُوَ جَوَاب عَنهُ، وَالرَّفْع جَائِز على معنى: أَنْت خير أَب.
تَوْجِيه رِوَايَة: " فَأَوَّلْتهمَا: هَذَانِ الكذابان ".
(170) وَفِي حَدِيثه: " فَأَوَّلْتهمَا: هَذَانِ الكذابان " إِنَّمَا رفع " هَذَانِ الكذابان "؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ ففسرت مَا رَأَيْت. ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: " هما هَذَانِ " فَحذف الْمُبْتَدَأ لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ. وَيكون التَّقْدِير: تأويلهما هَذَانِ.
أوجه الْإِشْكَال فِي رِوَايَة: " يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء لحومهم أَو دِمَائِهِمْ أَو حللهم " وتوجيه الحَدِيث.

(171) وَفِي حَدِيثه: " يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء لحومهم أَو دِمَائِهِمْ أَو حللهم " هَكَذَا وَقع فِي هَذَا الطَّرِيق وَهُوَ مُشكل من ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: تذكير ضمير الْجمع وَهُوَ للمؤنث.

(1/95)


وَالثَّانِي: قَوْله: " أَو دِمَائِهِمْ أَو حللهم "، وَهَذَا الْموضع لَا يَلِيق بِهِ الْوَاو؛ لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ تسترها هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة.
وَالثَّالِث: أَنه أفرد الضَّمِير فِي سَاقهَا وَجمع فِيمَا بعد ذَلِك.
وَالْوَجْه فِيهِ أَن نزل الْمُؤَنَّث منزلَة الْمُذكر على مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي صِيَانة الْمُؤَنَّث.
وَأما " أَو " فَيجوز أَن تكون بِمَعْنى الْوَاو، وَيجوز أَن يُرَاد بهَا أَن بَعضهنَّ كَذَا وبعضهن كَذَا وَيُشِير إِلَى التَّفْصِيل.
وَأما إِفْرَاد الضَّمِير فَيرجع إِلَى الْوَاحِدَة أَو إِلَى الْجَمَاعَة وأوقع الْمُفْرد موقع الْجَمَاعَة.
تَوْجِيه رِوَايَة " كتاب الله وعترتي " بِالنّصب وَالرَّفْع

(172) وَفِي حَدِيثه: " إِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن: كتاب الله وعترتي. كتاب الله حبلا ممدودا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض، وعترتي أهل بَيْتِي ".
(أ) أما " كتاب الله وعترتي " الْأَوَّلين. فبدلان من الثقلَيْن.
وَأما كتابا الثَّانِي فَهُوَ بدل من كتاب الأول. وَجوز ذَلِك وَحسنه مَا اتَّصل بِهِ من زِيَادَة الْمَعْنى وَهُوَ قَوْله: " حبلا ممدودا " على أَنه حَال أَو مفعول ثَان لتارك.
(ب) وَلَو روى كتاب الله حَبل مَمْدُود جَازَ على أَنه مُسْتَأْنف.
تَوْجِيه قَوْله: " قَالَ: كَفَّارَات " بِالرَّفْع.

(173) وَفِي حَدِيثه: " قَالَ رجل يَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : هَذِه الْأَمْرَاض الَّتِي تصيبنا مَا لنا بهَا؟ قَالَ: كَفَّارَات ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لكم بهَا كَفَّارَات.

(1/96)


وَالثَّانِي: خبر مُبْتَدأ: أَي: هِيَ كَفَّارَات.
تَوْجِيه قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " وَإِن شَوْكَة "

(ب) وَفِيه قَوْله: " وَإِن شَوْكَة " تَقْدِيره: و " إِن كَانَ شَوْكَة " كَقَوْلِهِم: إِن خيرا فَخير.
تَوْجِيه رِوَايَة: " لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط كاشفان " بِالرَّفْع.
(174) وَفِي حَدِيثه قَالَ: " لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط كاشفان عورتهما ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالرَّفْع.
وَوَجهه: أَن يكون التَّقْدِير: وهما كاشفان، وَإِن روى " كاشفين " كَانَ حَالا.
الْجيد رفع الْفِعْلَيْنِ وَيجوز جزمهما فِي حَدِيث: " من لَا يرحم ... إِلَخ "
(175) وَفِي حَدِيثه: " من لَا يرحم النَّاس لَا يرحمه الله عز وَجل " الْجيد أَن تكون " من " بِمَعْنى الَّذِي فيرفع الفعلان.
وَإِن جعلت شرطا فَجزم الفعلان جَازَ.
صِحَة فوح وفيح فِي حَدِيث: " فَإِن شدَّة الْحر ... إِلَخ "
(176) وَفِي حَدِيثه: " فَإِن شدَّة الْحر من فوح جَهَنَّم " يُقَال: فوح وفيح وَكِلَاهُمَا قد ورد، وَهُوَ من فاحت الرّيح تفوح وتفيح.

(1/97)


[43] سَلمَة بن سَلامَة

تَوْجِيه رِوَايَة كَائِنا بِالنّصب فِي حَدِيث: " لَا يرَوْنَ أَن بعثا كَائِنا "

(177) وَفِي حَدِيث سَلمَة بن سَلامَة بن وقش أبي عَوْف الْأنْصَارِيّ: " لَا يرَوْنَ أَن بعثا كَائِنا بعد الْمَوْت " وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة " كَائِنا " بِالنّصب، وَوَجهه أَن يَجْعَل صفة لبعث، و " بعد الْمَوْت " الْخَبَر.
وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: أَن بعث هَذَا الْمَوْت كَائِنا؛ فَيكون كَائِنا حَال من الضَّمِير فِي الظّرْف وَقد قدمه، وَلَو روى بِالرَّفْع جَازَ.
[44] سَلمَة بن الْأَكْوَع

تَوْجِيه رِوَايَة: " أول النَّاس " و " ذَا قرد " فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع.

(178) وَفِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع: " فَبَايَعته أول النَّاس ".
(أ) فِيهِ ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: أَنه حَال أَي: بايعته مُتَقَدما.

(1/98)


وَالثَّانِي: أَن يكون صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره: مبايعة أول مبايعة النَّاس.
وَالثَّالِث: أَن يكون ظرفا أَي: قبل النَّاس.
(ب) وَفِيه أَيْضا: " إِلَى شعب فِيهِ مَاء يُقَال لَهُ: ذَا قرد " وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة: ذَا " قرد " بِالْألف وَالْوَجْه الرّفْع كَقَوْلِه تَعَالَى: {يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم} وَيبعد أَن يَجْعَل " لَهُ " مَوضِع رفع قَائِما مقَام الْفَاعِل. فَإِن كَانَت الرِّوَايَات كلهَا كَذَلِك جَازَ أَن يكون سَمَّاهُ " ذَا قرد " بِالْألف فِي كل حَال.
تَوْجِيه رِوَايَة: " أخرج لنا كَفه كف ضخمة " بِالرَّفْع.

(179) وَفِي حَدِيثه: " أخرج لنا كَفه كف ضخمة " كَذَا هُوَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالرَّفْع. وَوَجهه أَنه حذف الْمُبْتَدَأ. أَي: هِيَ كف ضخمة. وَالنّصب أوجه على الْبَدَل.
النصب على التَّمْيِيز بعد أفعل التَّفْضِيل

(180) وَفِي حَدِيثه: " أَلا أخْبركُم بأشد مِنْهُ حرا من يَوْم الْقِيَامَة هذينك الرجلَيْن المقفيين " أما أَشد: فَهُوَ هُنَا مَفْتُوح؛ لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف وَلَيْسَ بمضاف؛ لِأَنَّهُ نصب " حرا " بعده وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو أَشد ذكرا} {وَأَشد قُوَّة} وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز.
تَوْجِيه قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الحَدِيث " هذينك "
وَأما قَوْله: " هذينك " فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَنه بدل من قَوْله: بأشد.
وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْصُوبًا بإضمار أَعنِي، وَأما الْكَاف فِي ذَيْنك فحرف للخطاب كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فذانك برهانان من رَبك} .

(1/99)


[45] سَلمَة بن نفَيْل السكونِي

تَوْجِيه رِوَايَة: " ولستم لابثون ".
(181) وَفِي حَدِيث سَلمَة بن نفَيْل السكونِي: " ولستم لابثون بعدِي إِلَّا قَلِيلا ".
(أ) كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ مُشكل؛ لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ، وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل مُبْتَدأ إِذْ لَا خبر لَهُ.
وَقَوله: " إِلَّا قَلِيلا " يجوز أَن يكون التَّقْدِير: إِلَّا زَمنا قَلِيلا، أَو يكون لبثا قَلِيلا.
[46] سلمَان الْفَارِسِي

حذف صَاحب الْحَال

(182) وَفِي حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي - رَضِي الله عَنهُ -: " رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة أفضل من صِيَام شهر وقيامه صَائِما لَا يفْطر وَقَائِمًا لَا يفتر " صَائِما وَقَائِمًا حالان. وَصَاحب الْحَال مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ قَوْله: " من صِيَام شهر وقيامه ".
وَالتَّقْدِير: أَن يَصُوم الرجل شهرا أَو يقومه صَائِما وَقَائِمًا.

(1/100)


[47] سَمُرَة بن جُنْدُب

تَأْوِيل رِوَايَة " لَا يتعاطى "

(183) وَفِي حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب: " لَا يتعاطى أحدكُم أَسِير أَخِيه فيقتله ".
الصَّوَاب: لَا يتعاط بِغَيْر ألف؛ لِأَنَّهُ نهى، وَقَوله: (فيقتله) : مَنْصُوب على جَوَاب النَّهْي. وَيجوز رَفعه على معنى فَهُوَ يقْتله.
وَقد ورد فِي هَذِه الرِّوَايَة يتعاطى بِأَلف، وَالْأَشْبَه أَنه سَهْو، فَإِن وجد فِي كل الطّرق هَكَذَا فيؤول على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون نفيا فِي اللَّفْظ وَهُوَ نهي فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَا تسفكون دماءكم} .
وَالثَّانِي: أَن يكون أشْبع فَتْحة الطَّاء فَنَشَأَتْ مِنْهَا الْألف، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا الْعَجُوز غضِبت فَطلق ... وَلَا ترضاها وَلَا تملق)

(1/101)


الْإِشْكَال الْوَارِد على حَدِيث " من ملك ذَا رحم ... إِلَخ " وَرَأى الْمُحَقِّقين فِيهِ ...

(184) وَفِي حَدِيثه: " من ملك ذَا رحم فَهُوَ عَتيق ". وَفِي رِوَايَة: " ذَا رحم محرم فَهُوَ حر ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: عَادَة الْفُقَهَاء المولعين بالتحقيق يوردون على هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله إشْكَالًا وَهُوَ: أَن " من " مُبْتَدأ يحْتَاج إِلَى خبر، وَخَبره " فَهُوَ حر " وَهُوَ لَا يعود على " من " [بل] على الْمَمْلُوك؛ فَتبقى " من " لَا عَائِد عَلَيْهَا ". وَهَذَا عِنْد الْمُحَقِّقين من النَّحْوِيين لَيْسَ بِشَيْء؛ وَذَلِكَ أَن خَبره (من) هُوَ. قَوْله: (ملك) وَفِيه ضمير يعود على " من ".
وَقَوله: " فَهُوَ حر " جَوَاب الشَّرْط.
وَجَوَاب الشَّرْط يجوز أَن يَخْلُو من عَائِد على أَدَاة الشَّرْط، أَو على الَّذِي فِي خبر الشَّرْط مِثَاله قَوْلك: من يأتني أكْرم زيدا. وَكَذَلِكَ قَوْلك: " زيد إِن لم يقم أكْرم " فزيد هَهُنَا بِمَنْزِلَة (من) فِي الْمِثَال الأول.
وَأما حَاجَة الْكَلَام إِلَى جَوَاب الشَّرْط فَلَيْسَ كحاجة الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر، بل هِيَ حَاجَة مَاله جَوَاب إِلَى جَوَابه؛ أَلا ترى أَن قَوْلك: " لَوْلَا زيد لأتيتك ". فلولا مفتقرة إِلَى الْجَواب، وجوابها لَيْسَ بِخَبَر لاسمها.
وَقد قيل: إِن تَقْدِير الحَدِيث: من ملك ذَا رحم فَهُوَ عَتيق بِملكه، فَحذف للْعلم بِهِ.
جَوَاز الِابْتِدَاء بالنكرة إِذا وصفت

(185) وَفِي حَدِيث: " كَيفَ تَقول فِي الضَّب؟ فَقَالَ: أمة مسخت من بني إِسْرَائِيل فَلَا أَدْرِي أَي الدَّوَابّ مسخت ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: قَوْله: " أمة مسخت " هُوَ مُبْتَدأ، وَمَا بعده الْخَبَر، [فَإِن

(1/102)


قيل] : فأمة نكرَة فَكيف يبتدأ بهَا؟ قيل: فِيهِ جوابان:
أَحدهمَا: أَن " مسخت " نعت لأمة و " من بني " خَبره، والنكرة إِذا وصفت جَازَ الِابْتِدَاء بهَا.
وَالثَّانِي: أَن " مسخت " الْخَبَر. و " أمة " وَإِن كَانَ نكرَة فقد أَفَادَ الْإِخْبَار عَنْهَا فَهُوَ فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه " مسخت أمة ".
تَوْجِيه نصب أَي الدَّوَابّ مسخت؟

وَأما قَوْله: " أَي الدَّوَابّ مسخت " فَهُوَ مَنْصُوب بِلَا أَدْرِي؛ لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيمَا قبله. وَفِي انتصابه وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ حَال تَقْدِيره [مسخت الْأمة على] وصف كَذَا؛ كَمَا تَقول: كَيفَ جِئْت [أَي] : أماشيا أم رَاكِبًا؟
وَالثَّانِي: أَن يكون مَفْعُولا، وَيكون مسخت بِمَعْنى صيرت، أَي لَا أَدْرِي أصيرت ضبا أم غَيره.