الأصول في النحو

باب تمييز الأعداد:
اعلم: أن الأعداد كالمقادير تحتاج إلى ما يميزها كحاجتها. وهي تجيء على ضربين: منها ما حقه الإِضافة إلى المعدود وذلك ما كان منه يلحقه التنوين ومنها ما لا يضاف, وهو ما كان فيه نون أو بني اسم منه مع اسم فجعلا بمنزلة اسم واحد. أما المضاف فما كان منها من الثلاثة إلا العشرة فأنت تضيفه/ 356 إلى الجمع الذي بني لأدنى العدد نحو: ثلاثة أثوب وأربعة أفلس وخمسة أكلب وعشرة أجمال. فأفعل وأفعال مما بني لأقل العدد1 وأقل العدد هو العشرة فما دونها ذلك أن تدخل في المضاف إليه الألف واللام؛ لأنه يكون الأول به معرفة فتقول: ثلاث الأثواب وعشرة الأفلس. ومن ذلك مائة وألف؛ لأن المائة نظير عشرة لأنها عشر عشرات والألف نظير المائة لأنه عشر مئات.
قال أبو العباس -رحمه الله-: ولكنك أضفت إلى المميز: لأن التنوين غير لازم في المائة, والألف والنون في عشرين لازمة؛ لأنها تثبت في الوقف وتثبت مع الألف واللام, فإذا زدت على العشرة شيئًا جعل مع الأول اسمًا واحدًا وبنيا على الفتح, ويكون في موضع عدد فيه نون, وذلك قولك: أحد
__________
1 إذا كان المذكر من ذوات الثلاثة كانت له أبنية تدل على أقل العدد: أفعل، وأفعال وأفعلة وفعلة، وهذان الأخيران لم يذكرهما ابن السراج نحو: أحمرة وأقفرة وأجربة، وفعلة نحو: صبية، وغلمة، وفتية.

(1/311)


عشر درهمًا, وخمسة عشر دينارًا, ويدلك على أن عشر قد قامت مقام التنوين قولهم: اثنا عشر درهمًا, ألا ترى أن عشر قد عاقبت النون فلم تجتمعا فهذا1 / 357 على ذلك إلى تسعة عشر, فإذا ضاعفت أدنى العقود وهو عشرة كان له اسم من لفظه ولحقته الواو والنون والياء والنون, نحو: عشرون وثلاثون, إلى تسعين والذي يبين به هذه العقود لا يكون إلا واحدًا نكرة, تقول: عشرون ثوبًا وتسعون غلامًا, فإذا بلغت المائة تركت التنوين وأضفت المائة إلى واحد مفسر ووجب ذلك في المائة لأنها تشبه عشرة وعشرين أما شبهها بعشرة فلأنها عشر عشرات فوجب لها من هذه الجهة الإِضافة, وأما شبهها بعشرين وتسعين فلأنها العقد الذي يلي تسعين, فوجب أن يكون مميزها واحدًا, فأُضيفت إلى واحد لذلك إلا أنك تدخل عليه الألف واللام إن شئت. لأن الأول يكون به معرفة, وكذلك ألفَ حكمهُ حكمُ مائة وتثنيتها فتقول: مائة درهم وألفا درهم وقدْ جاءَ بعضُ هذا منونًا منصوبًا ما بعده في الشعر, قال الربيع:
إذَا عاشَ الفَتى مائتين عامًا ... فقد ذهبَ البشاشةُ والفَتاءُ2
__________
1 انظر: المقتضب 2/ 168.
2 من شواهد الكتاب 1/ 293، ونسبه سيبويه إلى الربيع بن ضبع الفزاري 1/ 106، ثم عاد في 1/ 293 فنسبه إلى يزيد بن ضبة. وذكر المسرة بدلا من البشاشة في الشطر الثاني. والشاهد فيه إثبات النون في "مائتين" ضرورة ونصب ما بعدها بها وكان الواجب حذفها وخفض ما بعدها إلا أنها شبهت للضرورة بالعشرين، ونحوها مما يثبت نونه ونصب ما بعدها بها. وصف الشاعر هرمه وذهاب مسرته ولذته وكان قد عمر نيفا على المائتين فيما يروي. ومعنى: ذهب: أودى وانقطع، والفتاء: المصدر من الشباب ممدود. يقال أنه لفتى بين الفتاء كقولك بين الشباب.
وانظر: المقتضب 2/ 169، ورواه المبرد: ذهب اللذاذة، ومجالس ثعلب/ 332، وشرح السيرافي 2/ 35، والمخصص لابن سيدة 15/ 38، وأمالي القالي 3/ 214، ومقاييس اللغة 4/ 474. والمعمرين للسجستاني/ 7 واللسان "فتا" وأمالي السيد المرتضى 1/ 155، وأدب الكاتب لابن قتيبة /95, والخزانة 3/ 306.

(1/312)


قال/ 358 سيبويه وثلاث: وأما تسع مائة وثلاث مائة فكان حقه مائتين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر1. وقال: اختص هذا إلى تسع مائة ثم ذكر: أنهم قد يختصونَ الشيءَ بما لا يكون لنظائرهِ, فذكَر: لدُن وغدوة وما شعرت به شعرة, وليت شعري والعَمْرُ, والعُمْرُ, ولا يقولون إلا لعمرك في اليمين, وذكر مع ذلك أنه قد جاء في الشعر الواحد يراد به الجمع2 وأنشد:
في حَلقُكُم عَظمٌ وقَد شَجِينَا3
يريد في حلوقكم. وقال آخر:
كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا ... فإنَّ زمانَكم زَمَنٌ خَمِيصُ4
__________
1 نص الكتاب 1/ 107 وأما ثلاث مائة إلى تسع مائة فكان ينبغي أن يكون مئين أو مئات، ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحد لأنه اسم لعدد كما أن عشرين اسم لعدد.
2 انظر: الكتاب 1/ 107.
3 من شواهد سيبويه 1/ 107. وهو عجز بيت تكملته:
لا تنكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم ...
والشاهد فيه: وضع الحلق موضع الحلوق. وصف: أنهم قتلوا من قوم كانوا قد سبوا من قومه، ويقول: لا تنكروا قتلنا لكم وقد سبيتم منا ففي حلوقكم عظم بقتلنا لكم وقد شجينا نحن أيضا، أي: غصصنا بسببكم لم سبيتم منا، وهذا نسبه الأعلم: إلى المسيب بن زيد مناة الغنوي، وانظر المقتضب 2/ 172، وابن يعيش 6/ 22، والخزانة 3/ 379 والمخصص 1/ 31.
4 من شواهد سيبويه 1/ 108، وضع البطن في موضع البطون. وصف شدة الزمان وكلبه فقال: كلوا في بعض بطونكم ولا تملئوها حتى تعتادوا ذلك وتعفوا عن كثرة الأكل وتقنعوا باليسير فإن الزمان ذو مخمصة وجدب والخميص: الجائع. الصفة للزمن، والمعنى لأهله. وتعفوا مجزوم بجواب الأمر. والبيت من الأبيات الخمسين التي لا يعرف قائلها.
وانظر: معاني القرآن 2/ 102، والمقتضب 2/ 172، والمحتسب 2/ 87، والمخصص لابن سيدة، وأمالي ابن الشجري 1/ 311 والمفصل للزمخشري/ 123 والصاحبي/ 180، والخزانة 3/ 379.

(1/314)