الأصول في النحو باب كم
مدخل
...
باب كم:
اعلم: أن لـ"كم" موضعين: تكون في أحدهما استفهامًا وفي الآخر خبرًا,
فأما إذا كانت استفهامًا فهي فيه بمنزلة: عشرين وما أشبهه من الأعداد
التي فيها/ 359 نون تنصب ما يفسرها, تقول: كم درهمًا لك, كما تقول:
أعشرون درهمًا لك, أثلاثون درهمًا لك, فينتصب الدرهم بعد "كم" كما
انتصب بعد عشرين وثلاثين؛ لأن "كم" اسم ينتظمُ العدد كلهُ وخص
الاستفهام بالنصب ليكون فرقًا بينه وبين الخبر لأن العدد على ضربين:
منه ما يضاف إلى المعدود, ومنه ما لا يضاف كما ذكرنا, فجعلت "كم" في
الاستفهام بمنزلة ما لا يضاف منه وذلك نحو: خمسة عشر, وعشرين, فخمسة
عشر أيضًا بمنزلة اسم منون, ألا ترى أنه لا يضاف إلى ما يفسره فإذا
قلت: كم درهمًا لك فإنما أردت: كم لك من الدراهم كما أنك لما قلت:
عشرون درهمًا إنما أردت: عشرون من الدراهم ولكنهم حذفوا "من" استخفافًا
كما قالوا: هذا أول فارس في الناس, وإنما يريدون: هذا أول الفرسان.
قال الخليل: إن كم درهمًا لك أقوى من قولك: كم لك درهمًا, وذلك أن
قولك: أعشرون1 / 360 لك درهمًا أقبح إلا أنها في "كم" عربية
__________
1 في الكتاب 1/ 291، قال سيبويه: وزعم -يعني الخليل: أن كم درهما لك،
أقوى من: كم لك درهما. وإن كانت عربية جيدة.
(1/315)
جيدة, وذلك قبيح في عشرين, إلا أن الشاعر
قد قال1:
على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثونَ للهجرِ حولًا كميلا
واعلم: أن "كم" لا تكون إلا مبتدأة في الاستفهام والخبر, ولا يجوز أن
تبنيها على فعل, وأنها تكون فاعلة في المعنى ومفعولة ومبتدأة وظرفًا,
كما يكون سائر الأعداد في التقدير لا يجوز أن تقول: رأيت كم رجلًا,
فتقدم عليها ما يعمل فيها. فأما كونها فاعلة فقولك: كم رجلًا أتاني
وأما كونها مفعولة فقولك: كم رجلًا ضربت وأما كونها مبتدأة فقولك: كم
دانقًا دراهمك.
واعلم: أنه لك ألا تذكر ما تفسر به "كم" كما جاز لك ذلك في العدد تقول:
كم درهم لك, فالتقدير: كم قيراطًا درهم لك, ولا تذكر القيراط،
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 292 وذكر بعده هذا البيت:
يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا
فقد فصل بين الثلاثين والحول بالمجرور ضرورة، فجعل سيبويه هذا تقوية
لما يجوز في كم من الفصل عوضا لما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم
والتأخير لتضمنها معنى الاستفهام والتصدير بها لذلك، والثلاثون ونحوها
من العدد لا تمنع من التقديم والتأخير. والكميل: الكامل، والعجول من
الإبل: الواله التي فقدت ولدها بذبح أو موت أو هبة، وقيل: الناقة التي
ألقت ولدها قبل أن يتم بشهر أو شهرين. ونوح الحمامة. صوت تستقبل به
صاحبها لأن أصل النوح التقابل. والهديل: تجعله العرب مرة فرخا ومرة
الطائر نفسه ومرة ثالثة الصوت، فيكون مفعولا مطلقا على الأخير، ومعنى
البيتين: لم أنس عهدك على بعده، وكلما حنت عجول أو صاحت حمامة رقت
نفسي. فذكرتك، وخبر "أنني" يذكرنيك والبيت ينسب للعباس بن مرداس.
وانظر: المقتضب 3/ 55. ومجلس تعلب/ 492، وشرح السيرافي 3/ 18 والإنصاف/
308، والمغني/ 633، وابن يعيش 4/ 130، والمسلسل/ 370 والعيني 4/ 489،
والخزانة 1/ 573، وديوان العباس بن مرداس/ 136، تحقيق الدكتور يحيى
الجبوري.
(1/316)
وتقول: كم غلمانك والمعنى كم/ 361 غلامًا
غلمانك, ولا يجوز إلا الرفع في غلمانك لأنه معرفة. ولا يكون التمييز
بالمعرفة, فكأنك قلت: أعشرون غلمانك, وأما كونها ظرفًا فقولك: كم ليلة
سرت كأنك قلت: أعشرين ليلة سرت, وكم يومًا أقمت كأنك قلت: أثلاثين
يومًا أقمت, فكم عدد.
والعدد: حكمه حكم المعدود الذي عددته به. فإن كان المعدود زمانًا فهو
زمان, وإن كان حيوانًا فهو حيوان. وإن كان غير ذلك, فحكمه حكمه. ولا
يجوز: كم غلمانًا لك, كما لا يجوز: أعشرون غلمانًا لك.
قال: وحكى الأخفش: أن الكوفيين يجيزونه1, وإذا قلت: كم عبد الله ماكث
"فكم" ظرف, فكأنك قلت: كم يومًا عبد الله ماكث فكم أيام, وعبد الله
يرتفع بالابتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت: كم رجلًا ضرب عبد الله
وتقول: كم غلمان لك, فتجعل "لك" صفة لهم2 والمعنى: كم غلامًا غلمان لك.
قال سيبويه: وسألته -يعني الخليل- عن قولهم: على كم جذع بيتك مبني3 /
362 فقال: القياس والنصب وهو قول عامة الناس. يعني نصب جذع. قال: فأما
الذين جروا فإنهم أرادوا معنى: "مِن" ولكنهم حذفوا ههنا تخفيفًا على
اللسان. وصارت "على" عوضًا منها4, أما "كم" التي تكون خبرا فهي في
الكثير نظيره: "رُبَّ" في التقليل, إلا أن "كم": التي اسم, ورب: حرف
وهي في الخبر بمنزلة اسم لعدد غير منون نحو: مائتي درهم, فهي
__________
1 أجاز الكوفيون جمع تمييز "كم" الاستفهامية نحو: كم شهودا لك.. والذي
أوهم الجمع عنده يحمل على الحال عند سيبويه، انظر الكتاب 1/ 292، وشرح
الألفية لابن الناظم/ 290.
2 الكتاب 1/ 292، ونص سيبويه: وإن شئت قلت: كم غلمان لك "فتجعل غلمان"
في موضع خبر "كم" وتجعل لك صفة لهم.
3 انظر: الكتاب 1/ 293.
4 انظر: الكتاب 1/ 293.
(1/317)
مضافة وذلك قولك: كم غلام لك قد ذهب,
جعلوها في الاستفهام بمنزلة: عشرين وفي الخبر بمنزلة: ثلاثة, تجر ما
بعدها ولا تعمل "كم" في الخبر إلاّ فيما تعمل فيه "رب" في اسم نكرة لا
يجوز أن تدخل فيه الألف واللام كما فعلت ذلك في مائة الدرهم وما
أشبهها, ولا تعمل إلا في نكرة نصبت أو خفضت فتقول: كم رجل قد لقيت, وكم
درهم قد أعطيت. وإن شئت قلت: كم رجال قد لقيت, وكم غلمان قد وهبت,
فيجوز الجمع إذا كانت خبرًا, ولا يجوز إذا كانت استفهامًا أن تفسر/ 363
بجميع. وتقول العرب: كم رجل أفضل منك, تجعله خبر "كم" وحكى ذلك: يونس
عن أبي عمرو1, وكم تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المنكور, كما
قلت: عشرون درهمًا أو بجمع منكور نحو: ثلاثة أثواب. وهذا جائز في التي
تقع في الخبر. فأما التي في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في
العشرين2, وناس من العرب يعملونها في الخبر كعملها في الاستفهام
فينصبون كأنهم يقدرون التنوين ومعناها منونة وغير منونة سواء. وبعض
العرب ينشد:
كَمْ عمةً لَكَ يَا جَريرُ وخَالةً ... فَدْعَاءُ قَدْ حلَبَتْ عليَّ
عِشَارِي3
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 293.
2 انظر: الكتاب 1/ 293.
3 من شواهد الكتاب 1/ 253، 293.
والمبرد يرى أن "كم" استفهامية في البيت، وتوجيه ذلك بأن الاستفهام ليس
على معناه الحقيقي، ولكنه على سبيل التهكم والسخرية. فكأنه يقول لجرير:
أخبرني عن عدد عماتك وخالاتك اللاتي حلبن على عشارى. فقد ذهب عني
عددها. وكم: مبتدأ، خبرها: جملة "قد حلبت" وأفرد الضمير مراعاة للفظ
"كم".
والفدع: إعوجاج في رسغ اليد من كثرة الحلب أو في رسغ الرجل من كثرة
الرعي. والعشار: جمع عشراء وهي الناقة الحامل في شهرها العاشر.
والبيت للفرزدق في هجاء جرير.
وانظر: المقتضب 3/ 58، والموجز لابن السراج/ 44، وشرح السيرافي 3/ 19،
والجمل للزجاجي/ 148، وابن يعيش 4/ 133، وشرح الكافية للرضي 2/ 93،
والمغني 1/ 202، والنقائض/ 33، والديوان/ 451.
(1/318)
وهم كثير منهم الفرزدق, وهذا البيت ينشد
على ثلاثة أوجه: رفع ونصب وخفض, فإذا قلت: كم عمة فعلى معنى: رُبَّ,
فإن قلت: كم عمةً فعلى وجهين: على ما قال سيبويه في لغة من ينصب في
الخبر, وعلى الاستفهامِ1, فإن قلتَ: كم عمةٌ فرفعتَ أوقعتَ "كم" على
الزمان فقلت: كم يومًا عمة/ 364 لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري, أو كم
مرة ونحو ذلك.
واعلم: أنك إذا قلت: كم عمة فلست تقصد إلى واحدة بعينها. وكذلك إذا
نصبت. فإن رفعت لم يكن إلا واحدة؛ لأن التمييز يقع واحدة في موضع
الجميع. فإذا رفعت فإنما المعنى: كم دانقًا هذا الدرهم الذي أسألك عنه,
فالدرهم واحد لأنه خبر وليس بتمييز, وإذا فصلت بين كم وبين الاسم وبشيء
استغنى عليه السكون, أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة
اسم منون, وانصب لأنه قبيح أن تفصل بين الجار والمجرور قال زهير:
تَؤُمُّ سَنانًا وكَمْ دُونَهُ ... من الأرضِ مُحدوْدِبًا غَارُهَا2
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 394.
2 من شواهد سيبويه 1/ 295. على فصل "كم" من المجرور بها ونصبه على
التمييز لقبح الفصل بين الجار والمجرور. والغار: هنا الغائر من الأرض
والمطمئن، وجعله محدودبا لما يتصل به من الأكمام ومتون الأرض. وقيل في
الغائر: غار، كما قيل في الشائك شاك. وفي السائر سار. وصف ناقة له
فقال: تؤم سنانا، هذا الممدوح على بعد المسافة بينها وبينه.
وانظر: المحتسب 1/ 138، وشرح السيرافي 3/ 19، والمفصل للزمخشري/ 181،
وابن يعيش 4/ 129، والإنصاف/ 173، وشواهد الألفية للعاملي/ 408، ولم
يوجد في ديوان زهير المطبوع.
(1/319)
وإن شئت رفعت فجعلت: كم مرارًا وأنشد
سيبويه:
كَمْ بِجُودٍ مقرفٍ نَالَ العُلى ... وكَرِيمٍ بخلهُ قد وضَعَهْ1
يفصل بين كم وبين مقرف بالظرف, وأجاز في مقرف الرفع والنصب2 / 265
أيضًا على ما فسرنا.
واعلم: أنك إذا قلت: كم من درهم عندك, فلا يجوز أن تقول: عندك عشرون من
درهم. وقد أجروا مجرى "كم" في الاستفهام فنصبوا قولهم: له كذا وكذا
درهمًا, كأنهم قالوا: له عدد ذا دراهم. قال سيبويه: هو كناية للعدد
بمنزلة فلان في الحيوان, وهو مبهم وصار ذا من كذا بمنزلة التنوين؛ لأن
المجرور بمنزلة التنوين. قال! وكذلك كأين رجلًا قد رأيت, قال: زعم ذلك
يونس. وكائن قد أتاني رجلًا, إلا أن أكثر العرب إنما تتكلم بها مع3
"من" قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَة} 4, فإن حذفت "من"
فالكلام عربي جيد.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 296، على جواز الرفع والنصب والجر في "مقرف"
فالرفع على أن تجعل "كم" ظرفا ويكون لتكثير المرار وترفع المقرف،
بالابتداء وما بعده خبر، والتقدير: كم مرة مقرف نال العلى. والنصب على
التمييز لقبح الفصل بينه وبين "كم" في الجر. وأما الجر فعلى جواز
الفصل. بين "كم" وما عملت فيه بالمجرور ضرورة.
وموقع "كم" في الموضعين رفع بالابتداء والتقدير كثير من المقرفين نال
العلى بجوده.
والمقرف: النذل اللئيم الأب، يريد قد يرفع اللئيم بجوده, ويتضع الكريم
الأب ببخله.
ونسب الشاهد إلى أنس بن زنيم وإلى عبد الله بن كويز، ولأبي الأسود
الدؤلي وانظر: المقتضب 3/ 61، وشرح السيرافي 3/ 19، وابن يعيش 4/ 132،
والإنصاف 192.
2 انظر: الكتاب 1/ 296.
3 انظر: الكتاب 1/ 297.
4 الحج: 48.
(1/320)
مسائل من هذه
الأبواب:
تقول: عندي رطل زيتًا ورطل زيت, فمن نصب فعلى التمييز, ومن خفض أضاف,
ومن رفع اتبع, وكل هذا جائز في المقادير, وكذلك: بيت تبنٍ وجرة زيتٍ,
فإن قلت: شاة لحمٍ وجبة خز فالإِضافة؛ لأنك لم ترد: مقدار شاة لحمًا,
ومقدار جبة خزا, فإن أردت هذا المعنى جاز/ 366 النصب, وتقول: عندي زق
عسل سمنًا, تضيف الأول وتنصب الثاني تريد: مقدار زق عسل سمنا, ولا يجوز
عندي ملء زق عسلًا سمنًا إلا في بدل الغلط خاصة, لأنه لا يكون عندك ملء
زق سمنًا وملؤه عسلًا, لأنه من أيهما امتلأ فقد شغله عن الآخر, ومن ذلك
قوله جل وعز: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} 1 و {مِلءُ الْأَرْضِ
ذَهَبًا} 2 ويجوز: ملءُ الأَرضِ ذَهبٌ في غير القرآن. وتقول: عندي
رطلان زيتًا والرطلان زيتًا ورطلا زيت, ولا يجوز: الرطلا زيت, لأنه لا
يجمع بين الألف واللام والإِضافة, وكان الكسائي يضيفه ويدخل الألف
واللام في كل ما كان مفسرًا ويجيز أيضًا: الرطل الزيت, والرطل الزيت
والخمسة الأثواب والخمسة الأثواب فإذا قال: رجل السوء وزن السبعة لم
يجز أن تدخل عليه الألف واللام, لإن إضافته صحيحة, والبصريون يأبون
إدخال الألف واللام في جميع هذا, والفراء أيضًا يأباه إلا مع الضارب
الرجل/ 367 والحسن الوجه, وقد مضى تفسير هذا. فإذا قلت: ماء فرات وتمر
شهرير, ورطب بَرْنِيّ3 قضيبا عوسج4, ونخلتا برني, فكان ليس بمقدار
معروف مشهور, فكلام العرب الخفض والاختيار فيه الإِضافة أو الإِتباع
ولا يجوز فيه التمييز إذ لم يكن
__________
1 المائدة: 95.
2 آل عمران: 91.
3 البرني: ضرب من التمر أصفر مدور، وهو أجود التمر.
4 العوسج: شجر شاك نجدي له جناة حمراء واحدته عوسجة.
(1/321)
مقدار. وتقول: كم مثله لك, وكم خيرًا منه
لك, وكم غيره مثله لك انتصب "غير" بكم وانتصب المثل, لأنه صفة له ومثله
وغيره نكرة, وإن كانا مضافين إلى معرفة وقد ذكر هذا.
ولم يجز يونس والخليل: كم غلمانًا لك؛ لأنك لا تقول: أعشرون غلمانًا لك
إلا على وجه: لك مائة بيضًا وعليك راقود خلا, فإن أردت هذا المعنى قلت:
كم لك غلمانا, ويقبح أن تقول: كم غلمانا لك1, لأن: لك سبب نصب: غلمان,
ولا يجوز أن يتقدم عليها كما لم يجز: زيد قائمًا فيها, وقد بينا: أن
العامل إذا كان معنى لم يجز أن يتقدم مفعوله عليه.
وتقول: كم أتاني لا رجل ولا رجلان وكم عبد لك/ 368 لا عبد ولا عبدان
فهذا محمول على "كَمْ" وموضعُها مِنَ الإِعرابِ لا على ما تعملُ فيهِ
كم كأنك قلت: عشرونَ أتوني لا رجلٌ ولا رجلان2 ولو قلت: كم لا رجل ولا
رجلين في الخبر والاستفهام كان غير جائز. وتقول: كم منهم شاهد على فلان
إذا جعلت شاهدًا خبرًا "لكم" وكذلك هو في الخبر أيضًا تقول: كم مأخوذ
بك إذا أردت أن تجعل: مأخوذًا بك في موضع "لك" إذا قلت: كم لك؛ لأن
"لك" لا تعمل فيه "كم" ولكنه مبني عليها3 -خبر لها- وتقول: كم رجل قد
رأيته أفضل من زيد لأنك جعلت "أفضل" خبرًا عن "كم" لأن "كم"اسم مبتدأ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 292. وقد ذكر سيبويه: عشرون ثيابا، بدلا من: أعشرون
غلمانا.
2 في الكتاب 1/ 296 وتقول: كم قد أتاني لا رجل ولا رجلان، وكم عبد لك
لا عبد ولا عبدان، فهذا محمول على ما حمل عليه "كم" لا على ما عمل فيه
"كم" كأنك قلت: لا رجل أتاني ولا رجلان ولا عبد ولا عبدان وذاك لأن
"كم" تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المذكور كما قلت: عشرون
درهما، أو بجمع فتكون نحو: ثلاثة أثواب.
3 انظر: الكتاب 1/ 297.
(1/322)
فأما "رُبَّ" إذا قلت: رُب رجل أفضل منك
فلا يكون لها خبرٌ, لأنها حرف جر, وكم: لا تكون إلا اسمًا وتقول: كم
امرأة قد قامت, ولا يجوز أن تقول: كم امرأة قد قمن, لأن المعنى: كم من
مرة امرأة قد قامت. فإن كانت "امرأة" مميزة فقلت: كم امرأة قد قامت,
جاز أن تقول: قامت وقمن لجعل الفعل مرة على لفظ المفسر ومرة على معنى
"كم" وقال/ 369 الله جل وعز: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا
تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} 1 فردوه إلى معنى "كم" وقال جل ثناؤه:
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا}
2 فجاء على لفظ المفسر فإدخالك "من" وإخراجها واحد لأنك تريد التفسير.
وتقول: كم ناقة لك وفصيلَها وفصيلُها نصبًا ورفعًا من رفع اتبع ما في
لك ومن نصب اتبع الناقة, وإنما جاز في فصيلها النصب وهو مضاف إلى
الضمير لأن التأويل: وفصيلا لها كما قيل: كل شاة وسخلتها بدرهم,
فالتأويل وسخلة لها, كما قالوا: رُب رجل وأخيه والمعنى: وأخ له, فإذا
قلت: كم ناقة وفصيلها لك فلا يجوز في الفصيل إلا النصب كأنك قلت: كم
ناقة وكم فصيل ناقة لك وتقول: كم رجلًا قد رأيت وامرأة على لفظ "رجل"
ويجوز: ونساءه لأن المعنى: رجال لكل رجل امرأة, والفراء يقول: كم رجلًا
قد رأيت ونساءه, وكم رجل قد رأيت ونسائه ويقول: تأويل "رجل" جمع فلا
أرد عليه بالتوحيد.
__________
1 النجم: 26.
2 الأعراف: 4 دخول "من" في الآيتين الكريمتين مع "كم" الخبرية كثير
وذلك لموافقته جرا للمميز المضاف إليه. أما مميز "كم" الاستفهامية فقد
أنكر بعض النحويين جره "بمن" في نظم ولا نثر ويرد على ذلك بقوله تعالى:
{سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} .
قال أبو حيان في البحر المحيط 2/ 127: "من" آية تمييز "لكم" ويجوز دخول
"من" على تمييز "كم" الاستفهامية والخبرية سواء وليها أم فصل عنها،
والفصل بينهما بجملة وبظرف وبمجرور جائز على ما قرر في النحو. وانظر:
الكشاف 2/ 128، وشرح الكافية 2/ 91، والمغني 2/ 109-110.
(1/323)
قال أبو بكر: ويجوز عندي: كم رجلًا رأيت
ونساءهم/ 370 لأن المعنى: كم رجالًا رأيت ونساء لهم. وتقول: كم زيد
قائم, وبكم ثوبك مصبوغ تريد: كم مرة أو ساعة زيد قائم, وما أشبه ذلك.
وبكم درهمًا أو دينارًا ثوبك مصبوغ وما أشبه ذلك.
قال الفراء: إذا قلت: عندي خمسة أثوابًا, فهو أشبه شيء بقولك: مررت
برجل حسن وجهًا.
قال أبو بكر: وليس هو عند أصحابنا1 كذلك, لأن وجهًا عندهم منصوب بأنه
مشبه بالمفعول؛ لأن حسن يشبه اسم الفاعل. وقد مضى ذكر هذا. والنصب في
قولهم: خمسة أثوابًا شاذ, إنما يجوز مثله في ضرورة شاعر.
وقال أحمد بن يحيى2 -رحمه الله: كل منصوب على التفسير فقد جعل ما قبله
في تأويل الفعل, ولذلك قلت: عندي خمسة وزنًا وعددًا فجعلت لها مصدرًا.
فتأويله عندي ما يعد به الدرهم خمسة وكذلك في كل التفسير ترده تقديره
إلى أن تقدره الفعل: فإن قال قائل: فأنت تقول: ما/ 371 أحسنك من الرجال
وما أحسنك من رجل فيثبتهما إذًا فيه فرق إذا قلت: ما أحسنك من الرجال
فإنما تريد: أنتَ حَسَنٌ مِن بينهم ومِن جماعتِهم وإذا قلتَ: مِنْ رجل
ففيها مَذاهب.
أما مذهب أبي العباس محمد بن يزيد -رحمه الله- فيقول: فصلوا بين الحال
والتمييز, وقد مضى ذكر ذلك. وقال غيره: تكون "من" هنا لابتداء الغاية
كأنك قلت: ما أحسنك من أول أحوالك يوصف بها الرجل إلى غاية النهاية
ومذهب آخر أن تكون "من" تبعيضًا للجنس المميز برجل رجل كأنك
__________
1 أي: البصريون، لأنهم يرون أن الصفة المشبهة تعمل عمل اسم الفاعل.
2 أحمد بن يحيى: أبو العباس الملقب بثعلب، كبير نحاة الكوفة في عصره،
مات سنة "291هـ" وترجمته مستوفاة في: إنباه الرواة 1/ 138، وطبقات
الزبيدي/ 155، ونزهة الألباء/ 293، ومعجم الأدباء 5/ 102.
(1/324)
قلت: ما أحسنك من الرجال إذا ميزوا رجلًا
رجلًا, فجعلت رجلًا موحدًا ليدل على تمييز الرجال بهذا الإِفراد وكذلك:
ما أحسنك من رجلين. كأنك قلت: من الرجال إذا ميزوا رجلين رجلين.
والقياس على مذهب الكسائي: عندي الخمسة الألف الدرهم, فيجعل الخمسة
مضافة إلى الالف, والألف مضافة إلى الدرهم, وذا عندنا لا يجوز, وتقول
على مذهبهم: عندي الخمسة/ 372 العشر الألْف الدرهم, فتفتح الخمسة
والعشر, وتنصب الألْف على التفسير وتضيفه إلى الدرهم. وهذا لا يجوز لما
قدمنا ذكره. وتقول: عندي عشرون رجلًا صالحًا وعندي عشرون رجلًا صالحون
ولا يجوز: صالحين على أن تجعله صفة رجل, فإن كان جمعًا على لفظ الواحد
جاز فيه وجهان: تقول: عندي عشرون درهمًا جيادًا وجياد, من رفع جعله صفة
للعشرين ومن نصب أتبعه المفسر وهذا البيت ينشد على وجهين:
فِيهَا اثْنَتَانِ وأرْبَعُونَ حَلُوبةً ... سُودًَا كَخَافِيَةِ
الغُرَابِ الأَسْحمِ1
يروى: سود وتقول: عندي ثلاث نسوة وعجوزان, وشابة وعجوزين وشابة. ترده
مرة على ثلاث ومرة على نسوة وإذا قلت: خمستك أو خمسة أثوابك لم تخرج
منه مفسرًا؛ لأنه قد أضيف وعلم. ويجيز البغداديون: خمسة دراهمك, ودرهمك
ينوي في الأول الإِضافة وهذا إنما يجوز عندي مثله في ضرورة الشاعر
قالوا/ 373: وقد سمع: برئت إليك من خمسة وعشري
__________
1 من نصب "سود" ورفعها، على الصفة والتمييز، ويروى: خلية موضع حلوبة،
فلا شاهد فيه حينئذ والخلية أن يعطف على الحوار ثلاث من النوق ثم يتخلى
الراعي بواحدة منهن فتلك الخلية، والحلوبة: التي يحتلبون فهي محلوبة
وفيه الشاهد، فإن "فعولا" إذا كان بمعنى مفعول جاز فيه لحاق التاء
وحذفها، فإن كان بمعنى فاعل لم يجز فيه إلا حذف التاء، تقول: امرأة
صبور وشكور، وشذ من ذلك قولهم: عدوة، فهو مؤنث عدو. قال سيبويه: شبهوا
عدوة بصديقة. وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 3/ 55، وشعراء النصرانية/
810، والعيني 4/ 487، والعيني 4/ 487، والخزانة 3/ 310. والديوان/ 216،
وشرح الديوان/ 144، والمعلقات السبع 165.
(1/325)
النخاسين قالوا: ولا يجوز مع المكنى,
وتقول: عندي خمسةٌ وزنًا, تنصب وترفع, من نصب فعلى المصدر, ومن رفع
جعله نعتًا. كأنه قال: خمسة موزونة وإذا قالوا: عندي عشرون وزن سبعة,
نصبوا ورفعوا مثل ذلك, وكذلك إن أدخلوا الألف واللام قالوا: عندي
العشرون وزنُ السبعة, ووزنَ السبعة, النصب والرفع, وكان الأخفش يجيز:
كم رجلًا عندك وعبيده, يعطف "عبيده" على المضمر الذي في "عندكَ"
ويرفعهُ قال: ولو قلت: كَمْ رجلًا وعبيدهُ عندك على التقديمِ والتأخير
جاز, كأنك قلت: كم رجلًا عندك وعبيده قال الشاعر:
ألا يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقِ ... عَلَيْكِ وَرَحْمَة اللهِ
السَّلامُ1
وقال يزيدُ بنُ الحكم الثقفي:
جَمَعْتَ وَبُخلًا غِيَبةً ونَمِيمَةً ... ثَلاَثَ خِصَال لَسْتَ
عَنْها بِمُرْعَوي2
قال: وقد فسروا الآية في كتاب الله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
__________
1 الشاهد فيه قوله "ورحمة" عطف على الضمير المستكن في "عليك" الراجع
إلى "السلام" لأنه في التقدير: السلام حصل عليك، فحذف "حصل" ونقل ضميره
إلى "عليك" واستتر فيه، ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون
المعطوف عليه، وروي الشطر الثاني: برود الظل شاعكم السلام، وحينئذ فلا
شاهد فيه.
وذات عرق: موضع بالحجاز وميقات أهل العراق للإحرام بالحج. وقوله: نخلة
كناية عن المرأة، وأصل هذه الكناية أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه:
نهى الشعراء عن ذكر النساء في أشعارهم لما في ذلك من الفضيحة.
والبيت للأحوص، وانظر: الخصائص 2/ 386، والجمل للزجاجي 159، ومجالس
ثعلب 239، وأمالي ابن الشجري 1/ 180، والمغني 1/ 395.
2 الشاهد فيه على ما في البيت قبله من العطف، وقد أجاز ابن جني في
الخصائص: تقديم المفعول معه على المعمول لمصاحبة المصاحب متمسكا بهذا
البيت. والأصل: جمعت غيبة وفحشا، والأولى المنع رعاية لأصل الواو،
والشعر ضرورة، ويروى: ثلاث خلال لست عنها بمرعوي، وكذلك خصال ثلاث لست
عنها بمرعوي. والغيبة: عدوان الجواب، والغيبة: أن يتكلم الإنسان خلف
إنسان بما يغمه لو سمعه، والنميمة: إفساد الكلام وتزينه بالكذب، ومرعوي
يقال: ارعوى عن القبح: رجع عنه ... والشاعر يعاتب ابن عمه. وانظر:
الخصائص 2/ 383، وأمالي ابن الشجري 1/ 177، والقالي 1/ 67، والتصريح 1/
344، والهمع 1/ 220 والأشموني 2/ 137، والعيني 3/ 86، والخزانة 1/ 496.
(1/326)
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ
وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 1 والصابئون
[كذلك] وتقول: كم يسرك أن لك درهمًا. فتنصب الدرهم وتعني: درهمًا
واحدا, ولو قلت: كم يسرك أن لك من "درهم" لم يجز لأن "أن" لا اسم لها,
وكذلك لو قلت: كم درهمًا يسرك أن لك, لم يجز وتصحيح المسألة: كم يسرك
أنه لك من درهم, تريد: كم من درهم يسرك أنه لك وتقول: كم تزعم أن إلى
زيد درهمًا قد دفع, تنصب درهمًا "بأن" ودرهم ههنا واحد, وكم مرار تريد:
كم مرة تزعم, وتقول: كم عندك قائمًا رجلًا, تنصب "قائمًا" على الحال,
وتجعل خبر "كم" "عندك" وهو قبيح؛ لأنك قد فصلت بين "كم" وبين ما عملت
فيه, وتقول: كم مالك إلا درهمان, إذا كنت تستقله وكم عطاؤك إلا خمسون
كأنك قلت: كم درهمًا مالك إلا درهمان وكم درهمًا عطاؤك إلا خمسون, فهذا
في الاستقلال كقول القائل: هل الأمير إلا عبد الله, وهل الدنيا إلا شيء
زائل/ 375 وتقول: كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان, وكم خمسة عشرة إلا خمستان,
وكم رجلًا أصحابك إلا خمسون, إذا كنت تستقل عددهم, ويكون ما بعد إلا
تفسيرًا "لكم" وترفعه إذا كانت "كم" رفعًا, وتنصب إذا كانت "كم" نصبًا
وتجره إذا كانت "كم" جرا يقول: كم ثلاثة وجدت ستة إلا ثلاثين, وبكم
درهمًا أرضك إلا ألف, وكذلك: كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان, وكم عشرون خمسة
إلا أربع خمسات. هذا على الاستثناء تجعل ما بعد إلا بدلًا من "كم" كأنك
__________
1 المائدة: 69 عطف "الصابئون" على موضع اسم "إن" قبل تمام الخبر وهو
قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} .
(1/327)
قلت: هل بشيء أرضك إلا ألف, وهل شيئًا وجدت
ستة إلا ثلاثين فاعتبر هذا بهذا.
قال أبو بكر: قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات وذكرنا في كل باب
من المسائل مقدارًا كافيًا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح
في هذا الكتاب؛ لأنه كتاب أصول ونحن نفرد كتابًا لتفريع الأصول ومزج
بعضها ببعض ونسميه كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول, إن أخر الله في
الأجل وأعان/ 376, وإذا فرغنا من الرفع والنصب فلنذكر الضم والفتح
اللذين يضارعانهما إن شاء الله.
ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين1 يضارعان المعرب:
اعلم: أن الضم الذي يضارع الرفع هو الضم الذي يطرد في الأسماء ولا يخص
اسمًا بعينه, كما أن الفعل هو الذي يرفع الأسماء, ولا يخص اسمًا بعينه
وهذا الضرب إنما يكون في النداء, وأما الفتح الذي يشبه النصب فما كان
على هذا المنهاج مطردًا في الأسماء ولا يخص اسمًا بعينه, وهذا الضرب
إنما يكون في النفي "بلا" وسنذكر كل واحد منهما في بابه, إن شاء الله.
__________
1 في الأصل "الذين".
(1/328)
|