الأصول في النحو باب الأفعال المبنية
ذكر النون الثقيلة
...
باب الأفعال المبنية:
الأفعال التي تبنى على ضربين: فعلٌ أصله البناء فهو على بنائه لا يزول
عنه، وفعلٌ أصله الإِعراب فأدخلَ عليه حرف للتأكيد فبنيَ معَهُ.
فأما الضرب الأول، فقد تقدم ذكره، وهو الفعل الماضي، وفعل الأمر, وأما
الضربُ الثاني فهو الفعلُ الذي أصله الإِعراب, فإذا دخلت عليه النون
الثقيلة والخفيفة بني معهما.
ذكر النون الثقيلة:
هذه النونُ تلحقُ الفعل غيرَ الماضي إذا كانَ واجبًا للتأكيدِ فيبنى
معها، وهي تجيءُ على ضربين: فموضعٌ لا بد منها فيه, وموضعٌ يصلحُ أنْ
تخلو منه؛ فأمَّا الموضع الذي لا تخلو منه فإذا كانت مع القسم, وذلك
قولُكَ: والله لأفْعَلنَّ وأقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت عليك
بالله لتفعلنَّ, فهذه النون ملازمةٌ للامِ وهي تفتح لام الفعل الذي كان
معربًا وتبنى معهُ وهي إذا كانت مشددةً مفتوحةً، قال سيبويه: سألتُ
الخليلَ عن قوله: لتفعلنَّ مبتدأة لا يمين قبلها؟ فقال: جاءت على نية
اليمين1. وإذا حكيت عن غيرك
__________
1 انظر الكتاب 1/ 455.
(2/199)
قلتَ: أقسم لتفعلنَّ واستحلفتهُ لتفعلنَّ.
وزعم1: أنَّ النونَ أُلحقت "في لتفعلنَّ" لئلا يشبه أنه ليفعل, فإذا
أقسمتَ على ماضٍ دخلت اللامُ وحدها بغير نون نحو قولكَ: والله لقد قامَ
ولقامَ, وحكى سيبويه: والله أنْ لو فعلتَ لفعلت2 وتقول: والله لا فعلتَ
ذاكَ أبدًا، تريد: لا أَفعلُ, وقال الله عز وجل: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا
رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} على معنى: "ليظلّن"3, وتقول:
لئن فعلت ما فَعلَ, تريد: ما هو فاعلٌ وتقول: والله أفعلُ, تريد: لا
أفعلُ وإن شئت أظهرت "لا" وإنما جاز حذف "لا" لأنهُ موضع لا يلبس, ألا
ترى أنك لو أردت الإِيجاب ولم ترد النفي قلت: لأفعلن, فلما لم تأت
باللام والنون علم أنك تريد النفي، وأما الموضع الذي تقع فيه النون
وتخلو منه, فالأمر والنهي وما جرى مجراهما من الأفعال غير الواجبة وذلك
قولك: أفعلنَّ ذاكَ ولا تفعلنَّ وهَل تقولنَّ وأتقولنَّ؛ لأن معنى
الاستفهام معنى أخبرني, وكذلك جميع حروف الاستفهام. وزعم يونس أنك
تقول: هلا تفعلنَّ وألا تقولَنّ؛ لأنك تعرض ومعناه أفعلُ4، ومثل ذلك:
لولا تقولنَّ لأنه عَرض. ومن مواضعها حروف الجزاء إذا أوقعت بينها وبين
الفعل "مَا" للتوكيد تقول: إمّا تأتني آتكَ وأيُّهم ما يقولنَّ ذاكَ
نجزهِ, وقد تدخل بغير "ما" في الجزاء في الشعر. وقد أدخلت في المجزوم
تشبيهًا به للجزم, ولا يجوز إلا في ضرورة, قال الشاعر:
يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخًا على كُرْسِيِّه
مُعمَّمَا5
والخفيفة والثقيلة سواء، ويقولون: أَقسمتُ لمَّا لم تفعلن؛ لأن ذا
طلبٌ،
__________
1 الذي زعم هو الخليل, انظر الكتاب 1/ 455. قال سيبويه: فلم ألزمت
النون آخر الكلمة, وهو يخاطب الخليل؟ فقال الخليل: لكي لا يشبه قوله:
إنه ليفعل.
2 انظر الكتاب 1/ 455.
3 الروم: 51، وانظر الكتاب 1/ 456.
4 انظر الكتاب 2/ 152، وفيه: وزعم يونس أنك تقول: هلا تقولن، وألا
تقولن.
5 من شواهد سيبويه 2/ 152، وقد مر تفسيره/ 144 من هذا الجزء.
(2/200)
وزعم يونس أنَّهم يقولونَ: رُبَّما تقولنَّ
ذاك، وكثر ما تقولنَّ ذاك؛ لأنه فِعْل غير واجبٍ1، ولا يقعُ بعد هذه
الحروف إلا و"ما" له لازمة، وإن شئت لم تدخل النون فهو أجودُ، فهذه
النون تفتح ما قبلها مرفوعًا كان أو مجزومًا, فإذا أدخلت النون الشديدة
على "يفعلانِ" حذفت النون التي هي علامة الرفع لاجتماع النونات, ولأن
حقه البناء فينبغي أن تطرح الذي هو علامة الرفع، وكذلك النون في
"يفعلون" تقول: ليفعلن ذاكَ وقد حذفت النون فيما هو أشد من هذا؛
لاجتماع النونات قرأ بعض القراء: {أَتُحَاجُّونِّي} 2، و {فَبِمَ
تُبَشِّرُونّ} 3 وسقطت الواو لالتقاء الساكنين, فصار ليفعلنّ فإن
أدخلتها على "تَضربينَ" حذفت أيضًا النون لاجتماع النونات لأنها تكون
علمًا للرفع, وحذفت الياء لالتقاء الساكنين فقلت: هل تضربينَ؟ وتقول:
اضربنَ زيدًا وأكرمن عمرًا وكان الأصل اضربي وأكرمي وتقول لجماعة
المذكرينَ: اضربُنَّ زيدًا, كانَ الأصلُ: اضربوا وأكرموا, فسقطتِ الواو
لالتقاء الساكنين, وتقول في التثنية: اضربانِ يا رجلانِ بكسر النونِ
تشبيهًا بالنون التي تقعُ بعدَ الألف وهي فيما سوى هذا مفتوحة, ومتى
دخلت النون بعد حرف إضمارٍ تحرك إذا لقيته لام المعرفة، حرك لها, تقول:
ارضونَّ زيدًا واخشونَّ عمرًا وارضينَّ يا امرأةُ؛ لأنك تقول: اخشُو
فتضم, وتقول: ارضي الرجلَ فتكسر فلذلك ضممتَ وكسرتَ مع النونِ, فإنْ
أدخلت النون على تضربنَ الذي هو لجماعةِ المؤنث قلت: هَل تضربنانِ يا
نسوةُ؟ واضربنانِ، لم تسقطْ هذه النون لأنها اسمٌ للجماعة وفصلت بين
النونات بالألف؛ لئلا تجتمعَ النوناتُ.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 153.
2 الأنعام: 80 والآية: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي
اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} وقراءة نافع بالتخفيف, وغيره بالتشديد. انظر
القرطبي 7/ 29.
3 الحجر: 54. والآية: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ
الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونّ} نافع وشيبة بكسر النون والتخفيف, وقرأ
ابن كثير وابن محيصن بكسر النون مشددة. انظر القرطبي 10/ 35.
(2/201)
واعلم: أن ما يحذف من اللامات في الجزم
والأمر إذا أدخلت النون لم يحذفن، تقول: ارمين زيدًا, وكان اللفظ: ارمِ
زيدًا؛ لأن الياء والواو تحذفان في المواضع التي أصلها الإِعراب, فإذا
أدخلت النون عادت لأنها تبنى مع ما قبلها ولا سبيل للجزم.
(2/202)
ذكر النون الخفيفة:
كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة، إلا أن النون الخفيفة في
الفعل نظير التنوين في الاسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف
على التنوين, تقول: اضربْن زيدًا إذا وصلت، فإذا وقفت قلت: اضربا كما
تقول: ضربتُ زيدًا في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة
بشيءٍ آخر بأن الخفيفة لا تحرك لالتقاء الساكنين، والتنوين يحرك
لالتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت؛ لأنهم فضلوا ما
يدخل الاسم على ما يدخل الفعل وتقول إذا أمرتَ امرأةً: اضربن يا هذه,
فإذا وقفت قلت: اضربي ولَم يجز أن تقول: اضربنْ في الوقف لأنها بمنزلة
التنوين, وأَنتَ تحذفُ التنوين إذا انكسر ما قبلهُ، فحذفت التنوين
ههنا، فلما حذفتها عادت الياء؛ لأن سقوطها كان لالتقاء الساكنين وتقول
للجماعة: اضربُنْ يا قومُ فإذا وقفت قلت: اضربوا, أعدت الواو لأنها
إنما سقطت لالتقاء الساكنين، ولم يجز أن تقول: اضربنْ في الوقف، كما لم
يجز أن تقول: زيد في الوقف، فقد يقفون وهم ينوونَ النونَ, كما ينوون
التنوينَ في الرفع والجزم في الوقف. وتقول في الوقف: اخش وللرجال
اخشوا، وحكى سيبويه: أن يونس1 يقول: اخْشَي واخْشَوُوا وقال الخليل: لا
أرى ذلك إلا على قول مَنْ قال: هذا عمرو، ومررتُ بعمري قول العرب على
قول الخليل2، وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيتْهُ لام
المعرفة حرك من النون،
__________
1 انظر الكتاب 2/ 155.
2 انظر الكتاب 2/ 155.
(2/202)
وتقول: هَلْ تضربِنْ يا امرأةُ وكان الأصل:
تضربينَ, فسقطت النون التي كانت علامة للرفع كما تسقط الضمة في: هَل
تضربنْ؟ وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إنْ شئتَ, وتسقط الياء لالتقاء
الساكنين، فيصير: هل تضربِنْ في الوصل وكان في الأصل تضربينَ, وإذا
وقفت قلت: هل تضربين, فأعدت النون التي كانت للرفع؛ لأنك لا تقفُ على
النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله، وكذلك
هل تضربونَ وهل تضربانِ؟ فأما الثقيلة فلا تتغير في الوقف، وإذا كان
بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لالتقاء الساكنين, تقول: اضربا الرجل. وإذا
أردت فِعلَ الاثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعلِ
الاثنين في الوصل والوقف؛ لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها
بعد ألفٍ وهي لا تحرك وذلك قولك: اضربا وأنت تنوي النونَ, وإذا أردت
الخفيفة في فعلِ جمعِ النساء قلت في الوقف والوصل: اضربِنْ زيدًا,
فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة, ولو أتيت بها للزمكَ أن تقول:
اضربنانِ زيدًا فتأتي بالألف لتفصلَ بين النونين وتكسر النون لالتقاء
الساكنين فتحركها وهي لا تحركُ. قال سيبويه: وأما يونس وناسٌ من
النحويين فيقولون: اضربانْ زيدًا واضربنانْ زيدًا, ويقولون في الوقف:
اضربا, واضربْنَا فيمدونَ1. فإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألفُ وصلٍ
جعلوها همزة مخففة، وهذا لم تفعلْهُ العرب، والقياس أن يقولوا في
اضربنْ: اضربِ الرجلَ, فيحذفون لالتقاءِ الساكنين.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 157.
(2/203)
مسائل من باب النون:
تقول في المضاعف من الفعل: رُدّن يا هذا، وردّانِ، ورُدُّن وكان قبل
النون ردّوا، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين، وتقول في المؤنث: رُدّن
وكان قبل النون: ردي، فسقطت الياء لالتقاء الساكنين، وتثنية المؤنث
كتثنية
(2/203)
المذكر, تقول: رُدّانِ يا امرأتانِ وتقول
لجماعة النساء: ارددنانِ وكان قبل النون: ارددنَ, فجئت بالألف لتفصل
بين النونات. وتقولُ: قولنْ وقولانِ وقولَنَّ, والمؤنث قولِنَّ,
وقولانِ يا امرأتانِ وقُلنانِ يا نسوةُ, وقس على هذا جميع ما اعتلتْ
عينه, وكذلك ما اعتلتْ لامه؛ اقضين زيدًا واقضيانِ واقضين تسقط الواو
لسكون النون الأولى, اقضينَ يا امرأةُ تسقط ياءين, التي هي لام الفعل
وياء التأنيث, أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في "تقضينَ" لالتقاء
الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة, وتسقط ياء التأنيث من أجل
سكون النون الأولى فإن جمعت قلت: اقضينانِ, والكوفيونَ يحكون إذا أمرت
رجلًا: اقضِنَّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء, كأنهم أسقطوا الياءَ
لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا. وعندي أنا: الذي فَعلَ هذا إنما
أدخلَ النون على "اقضِ" ولم يجد ياءً فترك الكلام على ما كان عليه وهذا
شاذ وتقول مِنْ دعوتُ: ادعون زيدًا أو ادعوان وادعنْ للجماعة, سقطت
الواوان في "ادعن" الواو التي هي لام الفعل سقطتْ لدخول واو الجمع
وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة. وتقول للواحدة: ادعَنْ,
سقطتْ واوٌ وياءٌ, فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث
حين قلت: ادعي, وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول: للاثنين: ادعوان
مثل المذكرين وللجماعة: ادعونانِ لأنكَ تقول قبل النون: ادعون زيدًا
مثل اقضينْ زيدًا, ثم تأتي بالألف إذا أردت النون الشديدة فتفصلُ بين
النوناتِ لئلا تجتمع، كما تقول: اقضنانِ زيدًا، وتقول من خَشيتَ:
اخشَينَ زيدًا يا هذا واخشينانِ زيدًا يا هذان واخشُون زيدًا يا نسوةُ,
تحرك الواو بالضم. وحكمُ هذا الباب أَنَّ كل واوٍ وياءٍ تحركت فيه إذا
لقيتها لامُ المعرفة تحركت هنا، وإنْ كانت تسقط هناك لالتقاء الساكنين
سقطت هنا؛ فلهذا قلت: اخشُون زيدًا, ضممتَ الواو كما تَضمُّها إذا قلت:
اخشُوا الرجلَ وتقول للمرأة: اخشين زيدًا كما تقول: اخشي الرجلَ وتثنية
المؤنث كتثنية المذكر، وتقول لجماعة النساء: اخشين زيدًا والكوفيون
يحكون: اخشَن يا رجلُ بإسقاط الياء من "اخشين" وهذا
(2/204)
نظيرُ "اقضِن" وحكوا: لا يخفن عليكَ,
يريدون: لا يخفين عليكَ، وقال الفراء: هذه لغة طيءٍ؛ لأنهم يسكنون
الياء في النصب ولا ينصبونَ, والنونُ لا تشبه ذلك. وتقول: لا تضربني
ولا تضربننا, ومنهم من يخفضُ لكثرة النونات فيقول: لا تضربني ولا
تضربنَا, والكوفيون يحكون: اضربن يا رجلُ ينوون الجزم, قد ذكرنا جميع
أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية, وبقيَ ذكر الحروف
مفردةً.
(2/205)
|