الأصول في النحو

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية
مدخل
...
ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية:
الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين: صحاحٌ ومعتلة؛ فأما الصحاحُ فقد تقدمت معرفتها, وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة, والمعتل على ثلاثة أضرب: مقصورٍ وممدودٍ وما آخرهُ ياءٌ.
الأول المقصور: ما كان على ثلاثة أحرف فصاعدًا, فالألف بدل غير زائدة, فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو وإن كان ياء أظهرت الياء, فبنات الواو مثل: قَفًا وعَصًا ورَحًا, والدليل عليه قولهم: رضا فلا يميلون وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه الإِمالةُ, فتقول على هذا فيه: قَفوانِ وعصوانِ ورحوانِ ومن ذلك رِضا والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم: مرضُوّ ورُضوان, وأما مرضي فبمنزلة مَسنيةٍ1، وهي من سنوتُ, استثقلوا الواوين فأبدلوا, وبنات الياء مثل: رَحى وعَمى وهُدى،
__________
1 مسنية: يقال: أرض مسنية: مسقية بالسانية، والسانية: الناقة, أو البعير يسقى عليه الماء من البئر.

(2/417)


وفَتى لأنهم يقولون: فتيانِ ورَحيانِ, فأما الواو في الفتوةِ فمن أجل الضمة التي قبلها, وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية, قالوا: قنواتٌ وأدواتٌ وتقول في ربًا: ربوانِ لقولهم: ربوتُ, فإذا جاء من المنقوص شيءٌ ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الانتصاب فهو من بنات الواو نحو: لَديَّ وإليَّ, وإنما يثنيان إذا صارا اسمين, وإن جاء من المنقوص شيء ليس فِعلٌ تثبت فيه الياء والاسم, وجازت إمالته فالياء أولى به, وذلك نحو: مَتى وبَلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية, فإن كان الاسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفهُ بدلًا من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية, وذلك نحو قولك في مصطفى: مصطفيانِ ومصطفيات وأعمى: أعميانِ, فإن جمعتَ المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها, تقول في مصطفى: مصطفَون وفي رجل سميتهُ قَفًا: قَفَونَ.
الثاني من الممدود: اعلم أن الممدود بمنزلة غير المعتل, تقول في كساءٍ: كساءانِ وهو الأجودُ, فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واوًا, وكذلك إذا جمعته بالتاء, وذلك قولك: حمراوان وحمراواتٌ وناس كثيرون يقولون: علباوانِ وحرباوانِ, شبهوه بحمراء إذ كان زائدًا مثله, وإنما تثنيته علباءانِ1 وحرباءانِ؛ لأَن علباء ملحق بسرداح2، والملحق كالأصل، وهذا يبين في التصريف، وقال ناس: كساوانِ، وغطاوانِ، ورداوانِ، وإن جعلوه بمنزلة علْبَاءَ، وعلباوان أكثر من كساوان, قال سيبويه: وسألته -يعني الخليل- عن عقلتُهُ بثنايينِ، لِمَ لَمْ يهمز؟ فقال: لأنه لم يفرد لهُ واحدٌ3.
__________
1 علباءان مثنى: علباء، وهي عرق في العنق، ويقال: عصبة.
2 سرداح: الضخم من كل شيء.
3 انظر الكتاب 2/ 95.

(2/418)


الثالث: الاسم المعتل: الذي لامهُ ياء قبلها كسرة نحو قاضٍ وغَازٍ, تثنيه: قاضيان وغازيانِ, وتجمعهُ: قاضونَ, وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع, كما كانت في مصطفى إذا ثنيت قلت: مصطفيان, وإذا جمعت قلت: مصطفَونَ والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها.

(2/419)


باب جمع الاسم:
الذي آخره هاء التأنيث، إذا سميتَ رجلًا: طلحة أو امرأة, فجمعهُ بالتاء لا تغيره عما كان عليه, فأما حُبلَى وحمراءُ وخُنفساءُ إن سميتَ بها رجلًا قلت: حبلون وحمراوونَ, تجمع جميع هذا بالواو والنون؛ لأنها ليست تَزولُ إذا قلت: حَمراوان, فمن حيثُ قلت: حمراوانِ قلت: حمراوونَ, ولما لم يجزْ: تمرتانِ لم يجز: تَمرتونَ, وتجمعُ عيسى وموسى: عيسونَ وموسونَ.

(2/420)


باب جمع الرجال والنساء:
قال سيبويه: إذا جمعت اسمَ رجلٍ فأنت فيه بالخيار؛ إن شئت جمعته بالواو والنون وإن شئت كسرته, وإذا جمعت اسم امرأةٍ فأنت بالخيار جمعت بالتاء, وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع1، فإذا سميت بأحمر قلت: الأحامر جعلته مثل أرنبٍ وأرانب, وأخرجته من جمع الصفة, وإن سميت بورقاء جعلتها كَصلْفاء تقول: صلاف وصحراء: صَحارٍ, وإن جمعت خالدًا وحاتمًا قلت: خَوالد وحواتمُ, ولو سميت رجلًا أو امرأةً بسنَةٍ لكنت بالخيار, إن شئت قلت: سنونَ وإن شئت قلت: سنواتٌ, وكذلك ثُبةٌ تقول: ثُباتٌ وثُبونَ, لا تجاوز جمعهم الذي كانوا عليه, وشِيةٌ وظُبَةٌ: شِياتٌ وظُباتٌ لأنهم لم يجاوزوا هذا, وكان اسمًا قبل أن يسمى به. وابنٌ بنون، وأبناء، وأُم أُمهاتٌ وأُمات, واسمٌ اسمون وأسماء, وامرؤ امرءونَ مستعمل بألف الوصل, وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه, وشاةٌ إذا سميت بها [لمْ تقلْ إلا] 2 شِيَاه؛ لأنهم قد جمعوه [ولم يجمعوه بالتاء] 3. ولو سميت رجلًا بربةَ فيمن خفف قلت: رُباتٌ وربونَ, وعِدةٌ:
__________
1 انظر الكتاب 2/ 96.
2 أضفت "لم تقل إلا" لأن الكلام مضطرب.
3 أضفت "ولم يجمعوه بالتاء" لأن الجملة مضطربة، والأصل هكذا: وشاة إذا سميت بها شياه؛ لأنهم قد أجمعوه.

(2/421)


عِدات وعدونَ كَلدونَ, وشَفَةٌ في التكسير: شفاهٌ ولا يجوز في أُمة: آمات ولا شفاتٌ, كذا قال سيبويه1 والقياسُ يجيزهُ وقالوا: آمٌ وإماءٌ في أمةٍ, وقال بعضهم: أَمَّةٌ وإموانٌ2، ولو سميت رجلا بِبُرة لقلت: بُرًى مبرةٌ كما فعلوا به قبل3. وإذا جاء شيء مثل "برة" لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون؛ لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل, وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفًا ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسمًا على القياس, فإن كان اسمًا قد كسرته العرب لم تجاوز4 ذلك، وأما والدٌ وصاحبٌ فجعلوهما كضاربٍ وإن تكلم بهما كما يتكلم بالأسماء فإن أصلهما الصفة, وإذا كسرت الصفة على شيءٍ قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسمًا على ذلك, كما قالوا في أحمرَ: أحامر والذين قالوا في حارثٍ: حَوارث إنما جعلوه اسمًا, ولو كان صفة لكان: حارثونَ, ولو سميت رجلًا بِفَعيلةٍ قلت: فَعَائِل وإن سميته بشيء قد جمعوهُ فُعُلًا جمعته كما جمعوه مثل: صَحيفة وصُحُف وسفينة وسُفُن, وإن سميته بفَعيلة صفة لم يجز إلا فَعَائلُ؛ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت: العُجُزُ5، نحو عَمودٍ وعُمُد، وقالوا في أَبٍ: أبونَ، وفي أخٍ: أخونَ, لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئًا، كما قال:
وفَديننَا بالأَبينا6
__________
1 انظر الكتاب 2/ 99.
2 انظر الكتاب 2/ 99.
3 الجملة في الكتاب 2/ 100: "ولو سميت رجلا ببرة ثم كسرت لقلت: برى مثل ظلم, كما فعلوا به ذلك قبل التسمية لأنه قياس".
4 لم يمثل ابن السراج لهذا النوع بمثال، وانظر الكتاب 2/ 100 فإنه مفصل فيه.
5 في الأصل: العجوز، وهو خطأ.
6 من شواهد سيبويه 2/ 101 على جمع "أب" جمعًا سالمًا على "أبين" وهو جمع غريب؛ لأن حق التسليم أن يكون في الأسماء الأعلام والصفات على الفعل كمسلمين ومسلمات ونحوهما. وتمام البيت:
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
وهو لزياد بن واصل, شاعر جاهلي, ومعناه: أنه يفخر بآباء قومه وبأماتهم من بني عامر وأنهم قد أبلوا في حروبهم. فلما عادوا إلى نسائهم وعرفن أصواتهم فدينهم لأجل بلائهم في الحروب.
وانظر المقتضب 2/ 174, والمخصص لابن سيده 13/ 171, وأمالي ابن الشجري 2/ 37, والمفصل للزمخشري 110, والمحتسب 1/ 112, والخصائص 1/ 346, وابن يعيش 3/ 37.

(2/422)


وعثمان: لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره: عُثَيمينَ, وإنما تحقيره عُثَيمان وهذا يبين في التصغير, وما يجمع الاسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجلٌ تسميه ببنتٍ وأُختٍ وهنتٍ وذَيتٍ تقول في جمعه: بنات وذَيَّات وهَنات وفي أختٍ: أخواتٌ, وإن سميته بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون, والمؤنث بالالف والتاء؛ لأنه جمع لا يكسر, وكذلك قالوا: سَراويلاتٌ حين جاء على هذا المثال, وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته, وإن سمعت اسمًا مضافًا فهو مثل جمعه مفرد, تقول في عبد الله كما تقول: عبدونَ وأسقطت النون للإِضافة وإن جمعت أبا زيدٍ قلت1: آباءُ زيدٍ؛ لأنك عرفتهم بالثاني وإن جمعت بالواو والنون قلت: أبو زيدٍ تريد: أبونَ, قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: الأشعرونَ فقال: كما قالوا: الأشاعرةُ والمسامعةُ حين أراد بني مِسْمَعٍ, وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم: النميرونَ, وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه2، يعني بقوله: هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة. قال سيبويه: وسألت الخليل عن "مقتوًى ومقتوينَ" فقال: هو بمنزلة النسب للأشعرين3، وقال سيبويه: لم يقولوا:
__________
1 في الأصل "قال".
2 انظر الكتاب 2/ 103.
3 نص الكتاب 2/ 103 فقال: هذا بمنزلة الأشعري والأشعرين.

(2/423)


"مَقتَونَ" جاءوا به على الأصل, وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة1، وقوله: جاءوا به على الأصل؛ لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفًا, فإن صارت ألفًا طرحت لالتقاء الساكنين كما قال: مصطفونَ وقال في تثنية المبهمة: ذانِ وتانِ واللذانِ ويجمع: اللذونَ, وإنما حذفت الياء "في" الذي, والألف في ذا في هذا الباب ليفرق بينهما وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة, وهذه الأسماء لا تضاف2.
__________
1 الكتاب 2/ 103.
2 أي: لا تقول: هذا زيدك؛ لأنها لا تكون نكرة فصارت لا تضاف، كما لا يضاف ما فيه الألف واللام.

(2/424)