الأصول في النحو

ذكر المشتق من ذوات الثلاثة على مثال المضارعِ مما أوله ميم
مدخل
...
ذِكْرُ المشتقِّ مِنْ ذواتِ الثلاثةِ علَى مثالِ المضارعِ مما أَولُه ميمٌ:
اعلَم: أَنهم يشتقون للمكانِ والمصدرِ والزمانِ مِنَ الثلاثي ولا يكادُ يكونُ في الرباعي إلا قليلًا أَو قياسًا. الأولُ: الثلاثي: يجيءُ علَى مثالِ الفِعْلِ المضارعِ على "يَفْعِلُ" ويَفْعَلُ فتقعُ الميمُ موقعَ حرفِ المضارعة للفصلِ بينَ الاسم والفعلِ.

(3/140)


الضربُ الأولُ: وهوَ ما كانَ "علَى" فَعَلَ يَفْعَلُ فإنَّ موضِع الفعلِ مَفْعِلٌ مثلُ يَفْعِلُ:
وذلِكَ مَجْلِسٌ ومَحْبِسٌ والمصدرُ مَفْعَلٌ وذلكَ قولُهم: إنَّ في ألفِ درهمٍ لمِضْربًا أَي: لَمَضْرَبًا وقالَ عزّ وجلَ: {أَينَ المَفَرُّ} 1 والمكانُ "المِفَرُّ" والمَبِيتُ: المكَانُ والمَعَاشُ2 المصدرُ. وقَد جاءَ مَفْعِلُ يرادُ بهِ "الحينُ" جَعلوا الزَّمانَ كالمكانِ وذلكَ قولُهم: أَتتِ الناقةُ علَى مَضْرِبها3 وأَتَتْ علَى مَنْتجها4 تريدُ الحينَ ورُبّما بنوا المصدرَ على المَفْعِلِ قالَ جَلَّ وعَزَّ: {إليَّ مرْجِعُكُمْ} 5 وقالوا: المَحِيضُ6 يريدونَ: الحَيْضَ. والمَعْجِزُ يريدونَ: العَجْزَ وقالوا: المَعْجِزُ القياسِ ورُبّما أَلحقوا هاءَ التأنيثِ فقَالوا: المَعْجَزةُ7 كما قالوا: المَعْيِشةُ ويدخلونُ الهاءَ في المَوْضِعِ أيضًا: نحو المَزلَّةِ أَي: مَوضعُ الزّللِ وقالوا: المَعْذرةُ8 والمَعْتبةُ وقالوا: المَعْصِيةُ والمَعْرِفَةُ9.
الضربُ الثاني:
ما كانَ على "يَفْعَلُ" مفتوحًا اسمُ المكانِ علَى مثالِه على القياسِ
__________
1 القيامة: 10 إذا قرأ بالفتح، فيريد أين الفرار. وانظر: الكتاب 2/ 246.
2 المعاش: قال تعالى في سورة النبأ: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} ، أي: جعلناه عيشا.
3 المضرب: مكان أو زمان الضرب.
4 منتجها: وقتها الذي تنتج فيه البهائم.
5 العنكبوت: 8، يريد: رجوعكم.
6 قال تعالى في سورة البقرة: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} .
7 المعجزة: والمعجزة: بالكسر والفتح.
8 ألحقوها الهاء وفتحوا على القياس.
9 كقولهم: المعجزة وربما استغنوا بمفعلة عن غيرها وذلك قولهم: المشيئة، وانظرك الكتاب 2/ 247.

(3/141)


مفتوحٌ كما أَنَّ "يَفْعِلُ" كانَ فيهِ مكسوراً1 وذلكَ قولُكَ: شَرب يَشْرَبُ والمكانُ: مَشْرَبٌ ويَلْبَسُ والمكانُ: مَلْبَسٌ والمصدرُ مفتوحٌ أيضًا2 لأَنَّه كانَ يُفتَحُ معَ المكسورِ فهوَ في المفتوحِ أَجدرُ وقَد جاءَ الكسرُ للفرقِ3. وقالوا: علاهُ المكبرُ وقالَوا: مَحْمِدَةٌ فأنثوا وكسروا4، وحكم "يفْعُلُ" حكمُ "يَفْعَلُ" وتنكبوا أَنْ يقولوا: "مَفْعُلٌ" لأَنهُ ليسَ في الكلام اسمٌ مثلُ "مَفْعُلٍ5" تقولُ في "يَقْتُلُ" "ويقومُ": المَقْتَلُ والمَقامُ في المكانِ وقالوا: المَلامةُ6 في المصدرِ وقالوا: المَرَدُّ والمَكَرُّ يريدونَ: الكُرُورَ والرَّدَّ وقالوا: المَدْعَاةُ والمأْدبةُ يريدونَ: الدَّعاءَ إلى الطعامِ وقالوا: مطْلِعٌ يريدونَ الطُّلوعَ كما قالوا: في بَابِ "يَفْعِلُ" المَرْجِعُ وبَابُ: يَفْعُلُ حقهُ أَنْ يشتركَ فيهِ "يَفْعَلُ" ويَفْعَلُ بَلْ كانَ "يُفْعِلُ" أَحقُّ بهِ لأَنُّ "يَفْعِلُ"7 أُختُ "يَفْعُلُ" أَلاْ تَراهما يجيئانِ في مضارعِ "فَعَلَ" ولكنْ جاءَ في الأكثرِ على "يَفْعل" لخفةِ الفَتحةِ وأَنهُ لمّا كانَ لا بُدَّ من تغييرِ يَفْعَلُ غيروا إلى الأَخفِّ فإذَا جاءكَ شيءٌ على قياسِ "يَفْعَلُ" فاعلم: أَنَّ الخفةَ قصدوا وإنْ جاءَ على قياسِ "يَفْعِلُ" فاعلم: أَنَّهُ أَحقُّ بهِ لأَنَّهما أُختانِ أَعني: يَفْعِلُ ويَفْعُلُ وقالوا: مَطْلِعٌ يريدونَ: الطُلوعَ وهيَ لغةُ بني تميمِ. وأَهلُ الحجازِ يفتحونَ8، وقَد كسروا الأَماكنَ أيضًا في هذَا
__________
1 مكسورا: ساقط في "ب".
2 أيضا: ساقط في "ب".
3 وقالوا: ساقط في "ب".
4 أي: كما كسروا المكبر.
5 انظر: الكتاب 2/ 247.
6 أنثوا الملامة لأنهم قالوا: اكره مقال الناس وملامهم.
7 في "ب" على "مفعل، يفعل" وليس صحيحا.
8 انظر: الكتاب 2/ 248.

(3/142)


وذلكَ المَنْبِتُ والمَطْلِعُ لمكانِ الطُّلوعِ1 وقالوا: مَسْقِطُ رأْسي للموضعِ والسقوطِ المَسْقَطُ.
قالَ أبو العباسِ: يختلفُ الناَسُ في "المَطْلِعِ" فبعضُ يزعمُ: أَنَّ المَطلعَ: هو المكانُ الذي يطلعُ فيهِ ويجعلُ المصدرَ "المَطْلعَ2" وبعضُهم يقولُ كما قالَ سيبويه3 وأَمَّا المَسْجِدُ فاسمُ البيتِ ولستَ تريدُ بهَ موضِعَ جبهتِكَ ولو أَردتَ ذلكَ لقلتَ: مَسْجَدٌ ونظيرُ ذلكَ: المُكْحُلة والمِحْلَبُ والمِيسمُ اسمٌ لوعاءِ الكُحْلِ4 وإنَّما دخلتْ هذهِ الميمُ في "مِيْسَم" ومِحْلَبٍ لمعنى الارتفاقِ وكذلكَ: المُدُقُ صارَ اسمًا كالجُلمودِ وكذلكَ المَقْبُرةُ والمَشْرقُةَ ومَوضعُ الفعلِ مَقْبَرٌ وكذلك المَشْرُقَةُ وهي الغُرْفَةُ وكذلكَ: المُدْهنُ والمَظلِمةُ بهذهِ المنزلةِ إنّما هوَ اسمُ ما أَخذَ منكَ5. وقالوا: مَضْرَبةُ السيفِ جَعَلُوهُ اسمًا للحديدة6 وبعضُهم يقولُ: مَضْرُبةٌ7 والمِنْخِرُ بمنزلةِ المُدْهنِ والمَسْرُبَةُ8 والمَكرُمةُ والمأثُرةُ بمنزلةِ: المَشْرُقةِ9 وقَد قالَ قومٌ: مَعْذَرُةٌ كالمأْدُبةِ ومثلهُ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى
__________
1 لمكان الطلوع: ساقط في "ب".
2 المطلع: وقت الطلوع.
3 قال سيبويه 2/ 248؛ وقد كسروا في "يفعل" قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس أي: عند طلوع الشمس، وهذه لغة تميم، وأما أهل الحجاز فيفتحون.
4 لأنك لم ترد موضع الفعل.
5 أي: لم يرد مصدرا ولا موضع فعل.
6 في الأصل "الحديد".
7 في سيبويه 2/ 248 "وبعض العرب يقول: مضربة، كما يقول: مقبرة ومشربة، فالكسر في مضربة كالضم في مقبرة.
8 المسربة: الشعر في الصدر وفي السرة.
9 المشرقة: مثلثة الراء- موضع القعود في الشمس بالشتاء.

(3/143)


مَيْسَرَةٍ 1} . ويجيءُ المِفْعَلُ اسمًا وذلكَ "المِطْبخُ" والمِرْبَدُ وكُلُّ هذهِ الأبنيةِ تقعُ اسمًا للذي ذكرنَا من هذهِ الفصولِ لا لمصدرٍ ولا لموضعِ فِعْلٍ.
__________
1 البقرة: 28

(3/144)


بَابُ ما كانَ مِنْ هذَا النحو مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ التي فيهِ لاماتٌ:
الموضعُ والمصدرُ فيهِ سواءٌ يجيءُ على "مَفْعَلٍ" وكانَ الأَلفُ والفتحُ أَخفٌّ علَيهم مِنَ الياءِ والكسرةِ1 وذلكَ نحو: مَغْزَىً ومَرْمَىً وقَد قالوا: مَعْصِيةٌ ومَحْمِيةٌ2 ولم يجىء مكسورًا بغيرِ الهاءِ3 وأَما بناتُ الواوِ مثلُ: يَغزُو فيلزمُها الفتحُ لأَنَّها "يَفْعُلُ" وإنْ [كانَ] 4 فيها ما في بَناتِ الياءِ مِنَ العَلَّةِ5.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 248.
2 على غير قياس.
3 لأن الإعراب يقع على الياء ويلحقها الاعتلال. فصار هذا بمنزلة الشقاء والشقا، وتثبت الواو مع الهاء وتبدل مع ذهابها.
4 زيادة من "ب".
5 العلة: ساقط من "ب".

(3/145)


بَابُ ما كانَ من هَذا النحوِ من بناتِ الياءِ والواوِ فيهِ فاءٌ:
المكانُ منِ ذواتِ الواوِ يُبنى1 علَى "مَفْعِلٍ" وذلكَ قولُكَ للمكانِ المَوْعِدُ والموَضِعُ والمَورِدُ وفي2 المصدرِ المَوجِدةُ والموْعِدةُ ومَوْحِلٌ لأنَّ هَذا البابَ يَفعَلُ منه [لا يصرفُ 3 إلى] يَفْعُلُ. وقال أكثر العرب في وَحِلَ وَوَجِلَ مَوْجِلٌ ومَوْجلٌ لأَنَّ هذهِ الواوَ قَد تَعَلُّ فشبهوهُ بواوِ وَعَد.
وقالَ سيبويه: حدثَنا يونس وغيرُه: أَنَّ ناسًا مِنَ [العربِ] 4 يقولونَ في "وَجِلَ" يَوْجَلُ ونحوِه: مَوْجَلٌ5، قالَ: وكأَنَّهم الذينَ يقولونَ: يوْجَلُ "فلم يعلوا الواوَ"6، وقالوا: مَوَدةٌ لأَنَّ الواو تَسلمُ في "يَوَدُّ" وليستْ مثلَ
__________
1 في "ب" يجيء بدلا من يبنى".
2 "في" ساقط من "ب".
3 أضفت "لا يصرف إلى" لاضطراب المعنى.
4 زيادة من "ب".
5 انظر: الكتاب 2/ 249.
6 قال سيبويه 2/ 249: وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل: يوجل، ونحوه: موجل، وموكل، وكأنهم الذين قالوا: يوجل فسلموه، فلما سلم وكان "يفعل" "كيركب"ونحوه شبه به.

(3/146)


"واوِ يَوْجَلُ" التي قَد يعلُّها بعضُهم فتح ومَوْحَدٌ فتحَ لأَنَّهُ اسمٌ معدولٌ عن واحد1 فشبهوهُ بالأسماءِ نحو: مَوْهبٍ ومَوألةٍ2 وأَما بناتُ3 الياءِ فإنَّها بمنزلةِ غيرِ المعتلَّ لأنَّها تتمُّ فَلا تَعَلُّ4، أَلاَ تراهم قالوا: مَيْسَرةٌ5، وقالَ بعضُهم: مَيْسُرَة6؟
__________
1 كما أن عمر، معدول عن عامر.
2 موألة: اسم رجل.
3 أي التي الياء فيهن فاء.
4 في "ب" ولا تعل.
5 قالوا: ميسرة، كما قالوا: المعجزة في المعجز.
6 انظر: الكتاب 2/ 249.

(3/147)


بَابُ ما يكونُ "مَفْعَلَةٌ" بالفتحِ والهاءُ لازمةٌ لَهُ:
وذلكَ إِذَا أَردتَ أَن تُكثِر الشيءَ بالمكانِ نحو: مَسْبَعَةٍ ومَأْسَدَةٍ وَمَذأَبةٍ1، وليسَ في كُلِّ شيءٍ قيلَ إلا أَنْ تَقيس شيئًا وتعلَم أَنَّ العربَ لم تتكلم بهِ ولم يجيئوا بمَثَل لهذَا في الرباعي ولو قلتَ من بنَاتِ الأربعةِ مثلَ قولِكَ: مَأْسَدةٌ لقلتَ: مُثَعْلَبةٌ لأَنَّ ما جاوزَ الثلاثةَ يكونُ نظيرَ المُفْعَلِ "منهُ بمنزلةِ المَفْعُولِ" وقالوا: أَرضٌ مُثَعلبةٌ ومُعَقْربةٌ ومَنْ قالَ: ثَعالةٌ قالَ: مُثْعَلةٌ ومُحْيَأَةٌ مِنَ الحَياتِ وَمَفْعَاةٌ فيها أَفاعٍ2 ومَقْثَأَةٌ: فيها القِثَّاءُ3.
__________
1 مذابة: كثيرة الذئاب.
2 في الأصل "أفاعي".
3 القثاء: نوع من الشجر.

(3/148)


باب نظائِر ما ذكرنا مِما جاوزَ بناتَ الثلاثةِ زيادةٍ بزيادةٍ أَو غيرِ:
فالمكانُ والمصدرُ1 يُبنى من جميعِ هَذا بناءَ المفعول وكانَ بناءُ المفعولِ أَولى بهِ لأَنَّ المصدَر مفعولٌ والمكانَ مفعولٌ فيهِ فيضمونَ أَوَّلَهُ كما يضمونَ المفعولَ كما أَنَّ أَولَ بَناتِ الثلاثةِ كأَولِ المفعولِ منها2 في فتحهِ إلا أَنَّهُ على غيرِ بنائهِ وهوَ مِنَ الرباعي عَلى بنائِه3 يقولونَ للمكانِ: هَذا مُخْرجُنَا ومُمْسَانَا وكذلكَ إذا أردتَ المصدَر وتقولُ أيضًا للمكانِ: هَذا مُتَحاملنا وتقولُ: ما فيهِ مُتُحامَلٌ أَي: تَحَاملٌ [ويقولونَ: مُقَاتَلُنَا وكذلك4 تقولُ إذا] أردتَ المُقَاتلةَ: أي: القِتَالَ.
ومذهبُ سيبويه: أنَّ المصدَر لا يأتي علَى وزنِ "مَفعول" ألبتةَ ويتأولُ في قولهم: دَعْهُ إِلى مَيْسُورَةٍ وإِلى مَعسورةٍ أنَّهُ إِنَّما جاءَ علَى الصفةِ كأَنهُ قالَ: دَعْهُ إِلى أَمرٍ يُؤسرُ فيهِ وإِلى أَمرٍ يَعْسُر فيهِ5،
__________
1 في "ب" المصدر والمكان.
2 في "ب" فيها بدلا من "منها".
3 ما بين القوسين ساقط من "ب".
4 ما بين القوسين زيادة من الكتاب 2/ 250. لأن المعنى لا يستقيم إلا بها.
5 انظر: الكتاب 2/ 250.

(3/149)


وغيرهُ1 يكونُ عندَهُ على "مَفْعولٍ" ويحتجُّ بقولِهم مَعْقولٌ يرادُ بهِ العَقْلُ ولا أَحسبُ الصحيحَ إلا مذهبَ سيبويه. وقَد تأولَ سيبويه للمعقولِ فقالَ: كأَنهُ عُقِلَ لَهُ شَيءٌ أي: حُبِسَ لَهُ لُبّهُ وشُدِّدَ قَال: ويستغنى بهذَا عن "المَفْعَلِ" الذي يكونُ مصدراً2.
__________
1 غيره، هو الأخفش، انظر: الأصول 2/ 510، وكان الأخفش يجيز أن تأتي بمفعولة مصدرا ويحتج: بخذ ميسورة ودع معسورة.
2 انظر: الكتاب 2/ 250.

(3/150)


بَابُ ما عالجتَ به:
المِقَصُّ الذي تقصُّ بهِ والمَقَصُّ: المكانُ والمَصدرُ وكُلُّ شيءٍ يُعالجُ [بهِ] 1 مكسور الأولِ كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ أو2 لم تكنْ وذلكَ: مِخلَبٌ ومِنْجَلٌ ومِكْسَحَةٌ،3 ومِسَلَّةٌ والمِصفَى والمِخْرز والمِخْيطُ ويجيءُ علَى مَفْعال نحو: مِقْراضٍ ومِفْتاحٍ ومِصْباحٍ وقالوا: المِفْتَحُ والمِسْرَجة4.
__________
1 زيادة من "ب".
2 في الأصل "أم" والتصحيح من "ب".
3 المكسحة: المكنسة.
4 المسرجة: جمع مسارج، السراج.

(3/151)


بابُ ما لا يجوزُ فيهِ "ما أَفْعَلَهُ":
لا يقالُ: ما أَحْمرَهُ ولاَ ما أَعرجهُ1 إِنّما تقولُ: ما أشدَّ حمرَتَهُ وما أَشَدَّ عَرَجَهُ وكَذا جميعُ الألوان والخِلَقِ وما لم يكنْ فيهِ "ما أَفعلهُ لم يكنْ فيهِ" أَفْعِلْ بهِ. وكذلكَ: أَفعلُ منهَ2، وكذلَك أيضًا فَعُولٌ ومِفْعَالٌ نحو: رَجلٍ ضَرُوب ورَجلٌ مِحْسَانٌ لأَنَّ هذا في معنى: ما أَحسنَهُ لأَنَّكَ إِنما تريدُ المبالغةَ وأَمَّا قولُهم: ما أَحمقهُ3 وأَرْعَنهُ وأَنوكهُ،4 وفي الأَلدِّ: ما أَلدَّهُ فإِنَّ هذا عندهم5 مِنْ قلةِ6 العِلْمِ ونقصانِ الفطنةِ وليسَ بلونٍ [ولا خِلْقَة في جسدٍ] 7 إِنّما هُوَ كقولِكَ: ما أنظرَهُ تريدُ نَظَر التفكيرِ8 وكذلك ما أَلسنَهُ تريدُ البَيانَ والفصاحةَ.
__________
1 أي لا يقولون في الأعرج: ما أعرجه.
2 انظر: الكتاب 2/ 251.
3، 5 الأحمق.
4 ما أنوكه: ما أحمقه.
انظر: الكتاب 2/ 251. وأما قولهم في الأحمق: ما أحمقه، وفي الأرعن: ما أرعنه. فإنما هذا عندهم من العمل ونقصان العقل والفطنة. وانظر: المقتضب 4/ 182.
6 زيادة من "ب".
7 ولا خلقة في جسد: ساقط من "ب".
8 في "ب" الفكرة.

(3/152)


بَابُ ما يستغنى فيهِ عن ما أَفعَلةُ بمَا أَفْعَلَ فِعْلَهُ وعن أَفْعَلَ منه بقولهم "أَفْعَلُ منه فِعْلًا":
لا تقول في الجواب: ما أجوبَهُ إِنَّما تقولُ: ما أجودَ جوابَهُ ولا تقولُ: هَذا أجوبُ مِن هذا ولكنْ أجود منهُ جوابًا وكذلك: أَجوب بهِ إِنّما تقولُ: أَجودْ بجوابهِ ولا يقولونَ: في "قَالَ يَقيلُ مِنَ النَّومِ ما أقيلَهُ إِنّما يقولونَ: ما أَكثرَ قائلَتهُ وما أَنوَمهُ في سَاعةِ كَذا وكذَا كما قالوا تَركتُ ولَم يقولوا: وَدَعْتُ هَذا مذهب سيبويه"1.
وقال أبو العباس: الخِلَق على خلافهِ. والقياسُ يوجبُ ما قالَ أبو العباسِ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 251.

(3/153)


بَابُ ما أَفعلَهُ علَى معنيينِ أَحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفةِ:
تقولُ: ما أَبغضني لَهُ وما أَمقتني لَهُ وما أَشهاني كذلكَ تريدُ: أَنكَ ماقتٌ وأنكَ مبغضٌ وكذلكَ ما أَمقتُه لي أي: هُوَ ماقتٌ لي فهي في المعنى "فَاعِلٌ" وأَمَّا ما كانَ في المعنى "المفعولُ" فقولُكَ: ما أَمقتَهُ وما أَبغضَهُ إليَّ إِنَّما تريدُ: أَنه مبغضٌ إليكَ وممقوتٌ كما تقولُ: ما أَقبحهُ إِنما تريدُ أنهُ قبيحٌ في عينكَ فكانَ هذا على "فَعُلَ" و"فَعِلَ" وإِنْ لم يستعملْ.

(3/154)


بَابُ ما تقولُ العربُ ما أَفعلَهُ وليسَ فيهِ فِعْلٌ وإنما يحفظ حفظًا ولا يقاس عليه:
قالوا: أحنكُ الشاتينِ يعني أَقواهما1 وأَحنكُ البعيرينِ علَى معنى: حَنِكَ وقالوا: آبلُ الناسِ كُلِّهم كأَنُّهم قَالوا: أَبِلَ2، وقالوا: رَجلٌ آبَلُ وقد قَالوا: فلانٌ آبَلُ منهِ3.
__________
1 يعني أقواهما، ساقط من "ب".
2 أبل: أحسن سياسة الإبل.
3 انظر: الكتاب 2/ 252.

(3/155)


بَابُ ما يكسرُ فيهِ أَوائلُ الأفعالِ المضارعةِ:
وذلكَ إِذَا كانَ الفعلُ الماضي على "فَعِلَ" مِنَ الصحيح والمعتلُّ مما اعتلتْ عينهُ أَو لامهُ.
قالَ سيبويه: وذلِكَ في لغةِ العربِ إلا أَهلَ الحجازِ1 وذلك نحو: عَلِمَ وأَنا أَعلمُ وأَنْتَ تَعلمُ وشَقيتَ تَشْقَى وخِلْتَ تَخَالُ وَعَضَّتْ تَعِضُّ وأنتِ تَعِضينَ تكسرُ حرفَ المضارعةِ لكسرِ العينِ في "فعِلَ" وجميعُ هَذا إِذَا أَدخلتَ فيه الياءَ فقلت: يَفْعَلُ "فتحتَ كرهوا الكسرة في الياء وفَتحوا تَضْرِبُ" وما كانَ على وزنِه لفتح العين في "ضَرَبَ" وقالوا: أَبى فأَنتَ تِئبى2 كأنها مِنَ الحروفِ التي يستعمل "يَفْعَلُ" منها مفتوحًا فأشبه ما ماضيه "فَعِلَ" وقد قالوا: يِئبىَ3 فكسروا الياء وخالفوا بهِ بابَهُ4 حينَ فتحوهُ شبهوهُ "بيِيِجَلُ5". وأَمَا يَسَعُ ويَطَأُ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 256.
2 في الأصل "ييبا".
3 في الأصل "ييبا".
4 أي: باب "فعل".
5 حين أدخلت في باب "فعل" وكان إلى جانب الياء حرف الاعتلال وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم ويجرون عليه إذا صار عندهم مخالفا. انظر: الكتاب 2/ 256.

(3/156)


فإِنَّما فتحوا لأَنهُ "فَعِلَ يَفْعِلُ"1 ففتَحوا للهمزةِ2 والعينِ كما قالوا: نَفْزَعُ ويَقرأُ فلمّا جاءت علَى مثالِ ما "فَعَلَ" منهُ مفتوحٌ لَم يكسروا3.
واعلَم: أَنَهُ لا يضمُّ حرفُ المضارعةِ لضم عينِ "فَعُلَ" فأَمَّا وَجِلَ يَوْجَلُ ونحوه فأَهلُ الحجازِ يقولونَ تَوْجَلُ وغيرُهم تِيْجَلُ وأَنا إِيْجَلُ ونِيْجَلُ4 وإذَا قلتَ "يَفْعَلُ" فبعضُ العَربِ يقولُ: يَبْجَلُ وبعضُ العَربِ: يَاجَل5 وبعضُ: يِيجَلُ وكُلُّ شَيءٍ كانتْ أَلفُه موصولةً في الفعلِ الماضي فإِنَّك تكسرُ أَوائلَ الأَفعالِ المضارعةِ نحو: استعفرَ فأَنْتَ تِسْتَغْفِرُ واحرنَجَمَ فأَنتَ تِحْرَنجِمُ واغْدَودَنَ فأَنْتَ تِغْدَودِنُ واقْعَنسَسَ فأنا اقْعَنسِسُ وكذلكَ كُلُّ شيءٍ مِنْ "تَفَعَّلْتُ" أَو"تَفَاعلت"6 يجري هذا المَجرى لأَنَّه كانَ في الأصلِ عندهم مما7 ينبغي أَن يكون أَولهُ أَلفًا موصولة لأَنَّ معناهُ معنى "الانفعالِ" ومن ذلكَ قولُهم: تَقَى الله رَجُلٌ ثُمَّ قالوا: يَتَقِي الله أجروهُ علَى الأصلِ وإنْ كانوا لم يستعملوا الألفَ فحذفوا الحرفَ الذي بعدها من "اتَّقَى".
__________
1 مثل: حسب، يحسب.
2 في الأصل "الهمزة".
3 أي: كسروا "تأبى" حيث جاء على مثال ما فعل منه مكسور.
4 انظر: الكتاب 2/ 257.
5 قالوا: ياجل فأبدلوا منها ألفًا كراهية الواو مع الياء.
6 أو تفعللت.
7 في الأصل وعاء والتصحيح من "ب" لأن الواو زائدة.

(3/157)


بَابُ ما يُسكنُ استخفافًا في الاسم والفِعْلِ:
وذلكَ قولُهم في فَخِذٍ: فَخْذٌ وفي كَبِدٍ: كَبْدٌ وعَضِدٍ: عَضْدٌ وكَرُمَ كَرْمَ وعَلِمَ عَلْمَ إِنَّما يفعلونَ هَذا بما كانَ مكسورًا أو مضمومًا وهي لغةُ بكر بن وائلِ وأُناس من تميم1 وقالوا: في مَثَل: لم يُحرمْ مَنْ فُصْدَ لَهُ أَي: فُصدَ لَهُ بِعيرٌ يعني: فَصَدَ البَعير للضيفِ وقالوا في عُصِرَ عَصْرٌ وإِذَا تتابعتِ الضمتانِ أيضًا خَففُوا يقولونَ في الرُّسُلِ: رُسْلٌ وعُنُقٍ عُنْق وكذلكَ الكسرتان وقالوا في إبِلٍ: إبْلٌ ولا يسكنون ما توالت فيهِ الفتحتانِ نحو: جَمَلٍ وما أَشبَهُ الأولَ وليسَ علَى ثلاثةِ أَحرفٍ قولُهم: أَراكَ مُنْتَفْخًا يريدُ: مُنْتَفِخًَا وانْطَلْقَ يا هَذا بفتحِ القَافِ لئلا يلتقي ساكنانِ وأَنشد:
"أَلاَ رُبَّ مولودٍ ولَيسَ لَهُ أَبٌ ... وَذي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبوانِ" 2
[أَرادَ لَم يُلِدْهُ] 3
فأسكنَ اللامَ فلمَّا أسكنَها التقى الساكنانِ ففتحَ الدالَ لالتقاء
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 257-258.
2 يشير إلى قول الشاعر: ألا رب مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان، وقد مر شرحه في الجزء الأول/ 421.
3 زيادة من "ب".

(3/158)


الساكنين وزعموا أنَّهم يقولونَ: وَرِدٌ1 وورْدٌ وكَتِفٌ وكَتْفٌ وهَذه لغةٌ ومِما أُسكنَ مِنْ هَذا البابِ قولُهم: شِهْدَ وَلِعْبَ في: شَهِدَ: ولَعِبَ ومثلُ ذلكَ: نِعْمَ وبِئْسَ إِنَّما هُما "فَعِلَ" ومثلُ ذلك فيها وَنِعْمَتْ2 وبعضُ العربِ يقولُ: نِعْمَ الرجلُ ومثلُ ذلكَ: غَزْيَ الرجلُ لا يحوّلُ الياءَ واوًا لأَنَّها إِنَّما خُففتْ والأصلُ عندَهم التحريكُ.
__________
1 في "ب" ورك.
2 إنما أصلها: فبها ونعمت، وانظر: الكتاب 2/ 259.
3 انظر الكتاب 2/ 259.

(3/159)