الأصول في النحو

باب الإِمالة
مدخل
...
هَذا بابُ 1 الإِمالةُ:
معنى الإِمالةِ أَنْ تُميلَ الألفَ نحو الياءِ والفتحةَ نحو الكسرةِ والأسبابُ التي يُمالُ لها ستةٌ: أَن يكونَ قبلَ الحرفِ أو بعدَهُ ياءٌ أو كسرةٌ أَو يكونَ منقلبًا أَو مشبهًا للمنقلبِ2 أو يكونَ الحرفُ الذي قبلَ الألفِ قد يكسرُ في حَالٍ أَو إمالةٍ لإِمالةٍ وهذِه الإِمالةُ تجوزُ ما لَمْ يمنعْ مِنْ ذلكَ الحروفُ المستعليةُ أَو الراءُ إِذا لم تكنْ مكسورةً.
الأولُ: ما أُميلَ مِنْ أَجلِ الياءِ وذلكَ شَيبانُ وقَيس عَيْلانَ وَغَيْلانُ وكَيَّالُ وَبيَّاعٌ وأَهلَ الحجازِ لا يُميلونَ هَذا ويقولونَ: شَوْكُ السَّيالِ3، والضَّياح4، أُميلَ حرفُ متحركُ متحركٌ قِزْحاً3 قِزْحاً3 وعُذافر تنوين.
الثاني: ما أُميلَ مِن أَجلِ كسرةِ قبلَهُ أَو بعدَهُ فأَما ما أُميلُ للكسرةِ
__________
1 زيادة من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 السيال: الواحدة سيالة، نبات له شوك أبيض طويل إذا نزع خرج منه مثل اللبن.
4 الضياح: اللبن الممزوج بالماء. المرق.
5 قال سيبويه 2/ 261: وزقالوا: رأيت زيدا. فأمالوا، كما فعلوا ذلك بغيلان، والإمالة في زيد "أضعف" لأنه يدخله الرفع.

(3/160)


قَبْلُ. فإِذَا كانَ بينَ أولِ الحرفِ1 من الكلمةِ وبينَ الألفِ حرفٌ متحركٌ والأولُ2 مكسورٌ أَملتَ الأَلفَ وكذلكَ إِنْ كانَ بينهُ وبينَ الألفِ حرفانِ الأولُ ساكنٌ وذلكَ: سِرْبالٌ وشِمْلالٌ ودرهمَانِ ورأيتُ قِزْحاً3، وعِمَادًا وكِلاَبًا وجميعُ هَذا لا يميلهُ أَهلُ الحجازِ ويقولونَ: لزيدٍ مَال يشبهونَ المنفصلَ بالمتصل فأَمَّا ما أُميلَ للكسرةِ بعدُ فنحو: عِابدٍ وعالم ومَسَاجدَ ومفاتيحَ وعُذافر4 فإذا كانَ ما بعدَ الألفِ مضمومًا أو مفتوحًا لم تكنْ إِمالةً5 نحو: آجُرٍ وتَابَل وكذلك إِذَا كانَ الحرفُ الذي قبلَ الألِف مفتوحًا أو مضمومًا نحو: رَبَابٍ وجمادٍ والبَلْبالِ6 والخُطَّاف7.
الثالث: ما انقلبَ مِنْ ياءٍ يُمالُ لأَنَّهُ مِنْ ياءٍ نحو: نَابٍ ورَجل مَالٍ وبَاعٍ وإِذَا جاوزتِ الأسماء أربعةَ أَحرفٍ أَو جاوزتْ من بناتِ الواوِ فالإِمالةُ مُستَتبةٌ لأَنَّها مواضعُ تصيرُ فيهِ ياءاتٍ وجميعُ هَذا لا يميلُه نَاسٌ كثيرٌ من بني تميم وكلُّ ألفٍ زائدةٍ للتأنيثِ أَو لغيرهِ فحكمُها حكمُ الألفِ إِذا كانت رابعةً فصاعدًا لأَنَّها تُقْلَبُ ياءً في التثنيةِ وذلكَ نحو: حُبْلَى ومِعْزَى ونَاسٌ كثيرونَ لا يميلونَ8.
__________
1 في الأصل "حرف" والتصحيح من "ب".
2 في الأصل "فإن الأول" والتصحيح من "ب".
3 قزحا: قزح القدر جعل فيها القزح: التابل.
4 عذافر: بضم العين وكسر الفاء- الأسد، والعظيم الشديد من الإبل كالعذوفر.
5 لأن الفتح من الألف فهي ألزم لهما من الكسرة، ولا تتبع الواو، لأنها تشببها، ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفًا. وانظر: الكتاب 2/ 259.
6 البلبال: شدة الهم.
7 الخطاف: طائر يشبه السنونو.
8 انظر: الكتاب 2/ 260-261.

(3/161)


الرابعُ: ما شُبهَ بالمنقلبِ مِنَ الياءِ كُلُّ شيءٍ من بناتِ الواوِ والياءِ كانت عينُه مفتوحة تُمال ألفهُ أَما ما كانَ من بَناتِ الياءِ فتمال أَلفهُ لأَنَّها في موضع "ياءٍ" وبدلٌ مِنْها وأَما بناتُ الواوِ فشبهوها بالياءِ لغلبةِ الياءِ علَى هذه اللامِ إِذا جاوزت ثلاثةَ أَحرفٍ. وقد يتركونَ الإِمالة فيما كانَ على ثلاثةِ أَحرف من بنَاتِ الواوِ نحو: قَفَا وعَصَا والقَنَا1، والقَطَا والإِمالةُ في الفعل لا تنكسرُ نحو: غَزَا2.
الخامس: ما يُمالُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الألفِ تكسرُ في حَالٍ أعني في "فَعَلْتُ" وذلكَ نحو: خِاف وطِابَ وهِاب وهيَ لغةٌ لبعضِ أَهلِ الحجازِ فأَمالوا: لأَنَّهم يقولونَ: خِفْتُ وطِبْتُ وهِبْتُ وأَما العامةُ فلا يميلونَ.
قالَ سيبويه: وبلغَنا عن ابن أبي إسحاق3 أَنهُ سَمع كُثّير4 عزةَ يقول: صار بمكان5 كَذا وكذَا وقرأَ بعضُهم خِافَ6 ولا يميلونَ غيرَ
__________
1 في الأصل "الفتا" بالفاء.
2 انظر: الكتاب 2/ 260.
3 ابن أبي إسحاق، هو عبد الله. كان أعلم أهل البصرة وأعقلهم. فرع النحو وقاسه وتكلم في الهمز حتى عمل فيه كتابا مما أملاه. مات سنة 117هـ وقيل: سنة 127هـ ترجمته في مراتب النحويين/ 12. وأخبار النحويين/ 20 وطبقات الزبيدي 27 وإنباه الرواة 2/ 107.
4 كثير عزة: هو أبو خصر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود من فحول شعراء الإسلام، صاحب عزة التي عرف بها وعرفت عزة به. وأصبح كل منهما يعرف بصاحبه أكثر مما يعرف بأبيه أو قبيلته. مات سنة 105هـ ترجمته في الأغاني 21/ 110 طبقات ابن المعتز/ 164. وفيات الأعيان 3/ 265 الشعر والشعراء/ 316 لسان العرب "كثر" خزانة الأدب 2/ 381.
5 في الأصل "مكان" وانظر: الكتاب 2/ 261.
6 خاف، البقرة: 182، وهود: 103 وإبراهيم: 14.

(3/162)


فِعْلٍ نحو: بَابٍ ودَارٍ لا يمالانِ وقَد قالوا: مِاتَ وهُم الذينَ يقولونَ: مِتُّ ومنهم مَنْ يقولُ: هَذا مِاشٍ في الوقفِ فيميلُ ومنهم مَنْ ينصبُ في الوقفِ.
السادسُ: الإِمالةُ لإِمالة: يقولونَ: رأيتُ عِمادا فيملونَ الألفَ في النصبِ لإِمالةِ الألفِ الأولى وقالوا في مَهاري تميلُ الألِفَ وما قَبْلَها.
واعلَمْ: أَنَّ ناسًا مِنَ العربِ يلغونَ الهاءَ إِذا اعترضتْ بينَ الذي يميلُ الألفَ وبينَ الألفِ لخفائِها ولا يعتدونَ بِهَا وذلكَ قولُهم: يريدُ أَن يَضرِبَها ويَنْزِعَها كأَنَهُ قالَ: أُريدُ أَن يَضْرِبا ويَنْزِعَا: بَيني وبَينِهَا وليسَ شيءٌ من ذَا تُمالُ أَلفهُ في الرفعِ إذَا قالَ: هَوَ يِكيلُها1 وذلكَ أَنهُ وقعَ بينَ الألفِ وبينَ الكسرةِ الضَّمةُ فصارتْ حاجزاً2 وقالوا: فِينَا وَعلينا3 ورأيتُ يَدها والذينَ يقولونَ: رأَيتُ عِدًّا الألفُ أَلفُ نَصْبٍ ويريدُ أَن يَضْرِبَها يقولونَ: هَوَ مِنَّا وإِنا إِلى اللِه راجعونَ وَهم بنو تميمٍ ويقولُه5 أيضًا قومٌ مِنْ قيسٍ وأَسدٍ قالَ هؤلاءِ: رأيتُ عِنَبَا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان.
__________
1 في الأصل يقتلها.
2 ولهذا منعت الإمالة.
3 قالوا: فينا وعلينا. للياء حيث قربت من الألف، ولهذا قالوا: بيني وبينها.
4 الذين قالوا: رأيت يدها. قالوا: رأيت يدا، فأمالوا: كما قالوا: يضربا، ويضربها.
5 في الأصل "ويقولون" وهو خطأ.

(3/163)


ذِكرُ 1 ما يمنعُ الألف مِنَ الإِمالةِ:
الحروفُ المستعليةُ التي تَمنعُ الإِمالةَ سبعةُ أَحرفٍ: الصادُ والضادُ
__________
1 في "ب" باب ما يمنع.

(3/163)


والطاءُ والظاءُ والغينُ والقافُ والخاءُ إذا كانَ حرفٌ منها قبلَ الألفِ والألفُ تليهِ وذلكَ قولُكَ: قَاعدٌ وغَائبٌ وخَامدٌ وصَاعدٌ وطَائفٌ وضَامنٌ وظَالمٌ.
قَالَ سيبويه: ولا نَعلمُ أَحدًا يميلُ هذِه الأَلفُ إِلا مَنْ لا يؤخذُ بلغتهِ وكذلكَ إِذَا كانَ الحرفُ مِنْ هذِه الحروفِ بعدَ أَلفٍ تَليها وذلكَ قولُكَ: نَاقِدٌ وعَاطِشٌ وعاصِمٌ وعاضِدٌ وعاظلٌ/ 1، باخلٌ وَوَاقِدٌ وكذلِكَ إِنْ كانتْ بعدَ الألفِ بحرفٍ وذلكَ قولُكَ: نَافخٌ ونَابغٌ ونَافقٌ وشَاحطٌ وعَالِطٌ وناهِضٌ ونَاشِطٌ2 وكذلكَ إِنْ كانَ شيءٌ منها بعدَ الألفِ بحرفينِ وذلكَ قولُكَ: مَنَاشيطُ ومَعَاليقُ ومَنَافيخُ ومَقَاريضُ ومَوَاعيظُ ومَبَاليغُ. وقالَ قومٌ: المَناشيطُ فَأَمالوا حينَ تَراختْ وهي قليلةٌ فإِذَا كانَ حرفٌ مِنْ هذِه الحروفِ قبلَ الألفِ بحرفٍ -وكانَ مكسوراً- فإنَّهُ لا يمنعُ الإِمالةَ لأَنَّ الانحدارَ أَخفُّ عليهم وذلكَ قولُكَ: الضِّعَافُ والصِّعَابُ والطِّنَابُ والقِبَابُ والعِقافُ والخِبَاثُ والغِلاَبُ وكذلكَ "الظّاءُ" كالظِّرَابِ3، وإِذَا كانَ الحرفُ المستعلى مفتوحًا لَم يجز الإِمالةُ وإِذَا كانَ أَولُ الحرفِ مكسورًا وبينًَ الكسرةِ والألفِ حرفانِ أَحدهما ساكنٌ. والساكنُ أَحدُ هذهَ الحروفِ فإِنَّ الإِمالةَ تدخلُ الألفَ وذلكَ قولُكَ: نَاقةٌ مِقْلاتٌ4 والمِصْبَاحُ والمِطْعَانُ وكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ وبعضُ مَنْ يقولُ: قَفافٌ ويميلُ ينصبُ الألفَ في "مِصْباحٍ" ونحوهِ لأَنَّ المستعلى جاءَ ساكنًا غيرَ مكسورٍ وبعدَهُ الفتحُ فجعلَهُ بمنزلتِه متحركًا مفتوحًا وتقولُ:
__________
1 العاظل: من الجراد المتعاظلة. وانظر: الكتاب 2/ 264.
2 ناشط: ذو نشاط، الثور الوحشي الذي يخرج من مكا ن إلى مكان.
3 الظراب: جمع ظرب. مانتأ من حجر وحد طرفه.
4 المقلات: ناقة تضع واحدا ثم لا تحمل، وامرأة لا يعيش لها واحد.

(3/164)


رأَيتُ قِزْحا1 وأَتيتُ ضِمْنا2 فتميلُ وهما بمنزلتِهما في "صِفَافٍ"3، وقِفَافٍ وتقولُ: رأَينُ عِرقا4، ورأَيتُ مِلْغَا5، فَلا تُميلُ لأنهما6 بمنزلتهِما7 في "غَانم"8 والقافُ بمنزلتِها في "قَائمٍ" وقالوا في المُنفصلِ كما قالوا في المُتصلِ أَرادَ: أَن يَضْرِبَها قَبْلُ فلم يملْ وكذلكَ أَخواتُها وقومٌ يفرقونَ بينَ المتصِل والمنفصلِ فأَمَّا ما كانَ مِنَ الألفِ منقلبًا من ياءٍ فإِنَّ مَنْ يُميلَ يميلُ على كُلِّ حالٍ وإِنْ وليَها المستعلي نحو: سِقَاءٍ ومعْطاءٍ وكذلكَ "خَافَ" لأَنهُ يرومُ الكسرةَ التي في "خِفْتُ" وكذلكَ أَلفُ "حُبْلَى" لأَنَّها حكمُها حكمُ بَناتِ الياءِ وكذلكَ بابُ غَزَا لأَنَّ الأَلفَ هُنَا كأَنَّها مُبدلةٌ مِنْ "ياءٍ" يقولونَ: ضَغَا9 وصَغَا10 ومما لا تُمالُ أَلفهُ "فَاعِل" مِنَ المضاعفِ وَمُفَاعِلٌ وأَشبهاههما11، لأَنَّ الحرفَ قبلَ الألفِ مفتوحٌ والحرفُ الذي بعدَ الألفِ ساكنٌ لا كسرةَ فيهِ وذلكَ: جَادٌّ وَمادٌّ وجَوَادٌّ12، لا يميلُ لأَنهُ فُرَّ مما يحققُ فيهِ الكسرة وقد
__________
1 قزحا: التابل.
2 ضمنا: داخل الشيء.
3 صفاف: صفة السرج أو الرحل: ما غشي بما بين القربوسين. وهما مقدمة ومؤخرة.
4 في الأصل "علقا" والصواب ما أثبتناه، والعرق: جمع عروق: أصل كل شيء.
5 ملغا: الأحمق الداعر.
6 الأصل "لأنها".
7 الأصل "بمنزلتها".
8 في الأصل "غالم".
9 ضغا: ضغوا المقامر خان، وضغوا إليه: تذلل.
10 صغا: مال إليه بسمعه.
11 في الأصل: "وأشباهها".
12 جواد: جمع جادة.

(3/165)


أَمالَ قومٌ في الجرِّ وأَمالَ قومٌ آخرونَ على كُلِّ حَالٍ وقالوا: لم يَضْرِبْهما الذي تعلم فلم يميلوا لأَنَّ الألفَ قد ذهبتْ وقالوا: رأيتُ عِلْمًا كثيرًا فلم يميلوا لأَنَّها نونٌ1.
واعلمْ: أَنَّ بعضَ العرب مَنْ يقولُ: عَابدٌ فيميلُ يقولُ: مررتُ بمالِكَ فينصبُ لأَنَّ الكسرةَ غيرُ لازمةٍ ومما لا يمالُ أَلفهُ الحروفُ التي جاءتْ لمعنىً "حَتَّى وأَمّا وإلا" فرّقُوا بينَها وبينَ الأسماءِ2 وأَمَالوا: أَنّى3 لأَنّها مثلُ "أَينَ" وهيَ اسمٌ وقالوا: "أَلا" فلم يميلوا فرقوا بينَها وبينَ "ذَا" ولم يُميل و"مَا" لإِنَّها لم تمكنْ تمكَّن "ذَا" ولا تَتمُّ اسمًا إلا بصلةٍ فأشبهتِ الحروفَ وقالوا: يَا وتَا في حروفِ المعجمِ لأَنَّها أَسماءُ مَا يلفظُ بهِ. وقالوا: يَا زَيدُ "فأَمالوا لمكانِ الياءِ" ومَنْ قَالَ: هَذا مَالٌ ورأَيتُ بَابا فلا يقولُ علَى حالٍ: سِاقٌ ولا قِارٌ ولا غِابٌ وغَاب الأَجمةُ4 لأَنَّ المعتلَّ وسطًا أَقوى فلَم يبلغْ مِن أَمرِها هَهُنَا أَنْ تُمالَ معَ مستعلٍ كما أَنَّهم لم يقولوا: بِالَ مِنْ "بُلْتُ" حيثُ لم تكنْ الإِمالةُ قويةً في المَالِ ولاَ مستحسنةً عند العامة.
__________
1 في الكتاب 2/ 267 قالوا: رأيت علما كثيرا، فلم يميلوا، لأنها نون وليست كالألف في معنى ومعزى.
2 أي: أن الفات الأسماء نحو: حبلى وعطشى وقال الخليل: لو سميت رجلا بها وامرأة جازت فيها الإمالة. وانظر: الكتاب 2/ 267.
3 في الأصل "أنا" في الكتاب 2/ 267: ولكنهم يميلون "أنى" لأن "أنى" مثل أين، وأين كخلفك: وإنما هو اسم صار ظرفا فقرب من عطش. وانظر: المقتضب 3/ 52.
4 الأجمة: جمع أجم، وهي مأوى الأسد.

(3/166)


بَابُ الراءِ:
الراءُ فيها تكريرٌ في مخرجِها فإِذا قلتَ: رَاشدٌ وفِرَاشٌ لم تملْ لأَنَّهم كأَنهم تكلموا براءين مفتوحتينِ فَصارتْ بمنزلةِ القافِ وتقولُ: هَذا حِمَارٌ ورأَيتُ حِمَارًا فلا تُميلُ ولو كانَ غيرُ الراءِ لأَملتَ وأَما في الجرِّ فتميلُ الأَلفَ كان أَولُ الحرفِ مكسورًا أو مفتوحًا أَو مضمومًا لأَنَّها كأَنَّها حرفانِ مكسورانِ فإِنّما تُشبه القافَ مفتوحةً وذلكَ قولُكَ: من حِمَارِكَ ومِنْ عَوَارِكَ ومِنَ المُعَارِ ومِنَ الدُّوَارِ1، وجميعُ المستعليةِ إِذَا كانتِ الراءُ مكسورةً بعدَ الألفِ غلبتِ الراءُ وذلك قولُكَ: قَارِبٌ وغَارِمٌ وهذَا طَارِدٌ قَوِيتَ علَى هذِه الألفِ إِذ كنتَ إِنّما تضعُ لِسانَكَ في موضعِ استعلاءٍ ثُمَّ تنحدرُ فإِنْ كانَ المستعلي بعدَ الراءِ لم تملْ تقولُ هذهِ نَاقةٌ فَارقٌ2، وأَينُقٌ مَفَاريقُ فتنصبُ كما فعلتَ ذلكَ حينَ قلتَ: نَاعِقٌ ومُنَافِقٌ ومَنَاشِيطٌ وقالوا: مِنْ قَرارِكَ فَغَلبتِ الراءُ المكسورةُ الراءَ المفتوحةَ كما غلبتِ الحرفَ المستعلي وقومٌ مِنَ العربِ يقولونَ: الكَافرونَ والكاَفِرُ والمَنابرُ لبعدِ الراءِ ولم تَقْو قوةَ المستعليةِ لأَنَّها من موضعِ اللامِ وهيَ
__________
1 كأنك قلت: فعالل، وفعالل، وفعالل.
2 الفارق: الناقة التي أخذها المخاض فانفرقت وانفردت.

(3/167)


قريبةٌ مِنَ الياءِ أَلا تَرى أَنَّ الأَلثغُ يجعلُها ياءً وقوم آخرونَ نصبوا الألفَ في النَّصبِ والرفعِ وأَمالوا في الجرِّ1 ومَنْ قالَ: مررتُ بالحِمَارِ فلمْ يملْ قالَ: مررتُ بالكَافِر فنصبَ الألَفَ قالَ2: وقد قال قومٌ ترضى عربيتُهم: مررتُ بِقَادرٍ قَبلُ سمعنَا مَنْ نثقُ بهِ مِنَ العربِ يقول وَهْوَ هُدبةُ ابن خِشرم3:
"عَسَى الله يُغني عَنْ بلادِ ابنَ قَادرٍ ... بمنهمرٍ جَوْنِ الرَّبَابِ سَكُوبِ"4
والأجودُ تركُ الإِمالةِ5، ومَنْ يقولُ: مررتُ بكافِرٍ أَكثرُ ممن يقولُ: بقَادر ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ: مررتُ بِحِمار قَاسِمٍ فينصبونَ للقافِ،
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 268.
2 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 269.
3 انظر: الكتاب 2/ 269، والذي يثق به سيبويه هو أبو زيد الأنصاري.
4 من شواهد الكتاب 2/ 269، على إمالة الألف من "قادر" وإن كان قبلها الحرف المستعلي وهو القاف المانع من الإمالة لقوة الراء المكسورة على الإمالة وكذلك استشهد به 1/ 478 على تجريد خبر "عسى" من "أن". والمنهمر: السائل، والجون: الأسود، والرباب: السحاب الأبيض، أو ما تدلى من السحاب دون سحاب فوقه، السكوب: المنصب.
وانظر: المتقتضب 3/ 48، والشعر والشعراء 2/ 667، وحماسة البحتري/ 7، والكامل للمبرد/ 112، وشرح الحماسة 2/ 678، وشرح السيرافي 5/ 362، وارتشاف الضر ب/ 1235، وابن يعيش 7/ 117، والحجة لأبي علي 1/ 306.
5 في المقتضب للمبرد 3/ 48 فإن وقع قبل الألف حرف من المستعلية وبعد الألف الراء المكسورة حسنت الإمالة التي كانت تمتنع في "قاسم" وونحوه من أجل الراء وذلك قولك: هذا قارب، وكذلك إن كان بين الراء وبين الألف حرف مكسور إذا كانت مكسورة تقول: مررت بقادر يا فتي.
6 لأنها من حروف الاستعلاء.

(3/168)


ومَنْ قالَ: بالحِمَارِ قبلُ قالَ: مررتُ بِفَارٍّ قَبْلُ وقالَ: {كَانَتْ قَوَارِيرَا 1 قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} ومَنْ قالَ: جَادٌّ2 لم يقلْ: هَذا فَارٌّ لقوةِ الراءِ هُنَا وتقولُ: هذه دَنَانيرُ كما قلتَ كَافِرٌ ودَنَانيرُ أَجدرُ لأَنَّ الراءَ أَبعدُ والذين يقولونَ: هَذا دَاع في الوَقفِ فلا يميلونَ لأَنَّهم لَم يلفظوا بالكسرةِ3، يقولونَ مررتُ بحِمَار لأَنَّ الراءَ كأَنها عندهم مضعفةٌ راءٌ4 مكسورةٌ قبلَ راءٍ ومَنْ قالَ: أَرادَ أَن يضَرِبَها قَاسِمٌ قالَ: أَرادَ أَن يَضْرِبَها رَاشدٌ والراءُ أَضعفُ5، ورأَيتُ عِفْرًا مِثلُ عِلْقًَا وعِيَرا مثلُ: ضِيقَا وهَذا عمرانُ مثلُ حِمْقان وقومٌ يقولونَ: رأيتُ عِفْرَا يشبهونَها6 بألفِ "حُبْلى" وقالوا: رأيتُ: عَيْرا وقالوا: النِغْرانُ7 وَعِمرانُ ولم يقولوا: بِرْقان8، وقالوا: هَذا جَرابٌ وذَا فَراشٌ لما كانتِ الكسرةُ أَولًا والألفُ زائدةً شبهتْ بِنغْرَانٍ.
واعلم: أَنَّهم يشبهونَ الهاءَ بالألفِ فيميلونَ يقولونَ: ضربتُ ضَرْبَهْ وأَخذتُ إِخْذِهْ.
__________
1 في الأصل "قواريرًا" وجاء في سورة الإنسان {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} .
2 في الأصل "جار" وانظر: الكتاب 2/ 270.
3 يعني كسرة العين.
4 في "ب" ياء وهو خطأ.
5 أي: أن الراء أضعف من العين.
6 في "ب" شبهوها.
7 النفران: نفر، غلا جوفه وغضب، والنفر: الغضبان.
8 برقان: جمع برق، لم يقولوا هذا لأنه من الحروف المستعلية.

(3/169)


ذِكرُ الفتحةِ الممالةِ نحو الكسرةِ:
يقولونَ مِنَ الضَّررِ ومِنَ البعرِ ومِنَ الكِبَرِ ومِنَ الصغر قياسُ هَذا البابِ أَن تجعلَ1 مما يلي الفتحةَ بمنزلةِ ما يلي الألفَ وتقولُ: مِنْ عَمْرٍو فتميلُ فتحةَ العينِ لأَنَّ الميم ساكنةٌ وتقولُ: مِنَ المُحَاذِر فتميلُ فتحةَ الذالِ وتقولُ: رأَيتُ خَبَطَ الريفِ كما قالوا: مِنَ المَطرِ ورأيتُ خَبَط فِرِندٍ2 وحُكِيَ الإِشمامُ في الضمةِ هَذا خَبَطُ رياحٍ ومِنَ المُنْقُرِ3، وقالَ: مَرَرتُ بعيرٍ4 فَلَم يُشمَّ لأَنَّها تخفى مَع الياءِ ومررتُ بِبَعيرٍ لأَنَّ العينَ مكسورةٌ ويقولونَ: هَذا ابنُ ثَورٍ وَمنْ لَم يُملْ بِمَالِ قَاسمٍ لَمْ يُمل: خَبَطَ رياح5. ومَنْ قالَ: مِنْ6 عَمْروٍ والنُّغرِ فأَمالَ لم يُملْ [مِن] 7 الشَّرقِ لأَنَّ بعدَ الراءِ حرفًا مستعليًا وَيَحْسِبُ لا يكونُ فيهِ إلا الفتحُ في الياءِ والنونِ والهمزةِ.
واعلم: أَنَّهم رُبَّما أَمالوا على غيرِ قياسٍ وإِنَّما هُوَ شَاذٌّ وذلكَ: الحجَّاجُ إِذَا كانَ اسمًا وأكثرُ العربِ ينصبهُ والناسُ تُميلُه مَنْ لا يقولُ: هَذا مَالٌ وَهم أَكثرُ العَربِ وإِنَّ جميعَ ما يُمالُ تَرْكُ إِمالتِه جَائزٌ وليسَ كُلٌّ مِنْ أَمالَ شيئًا وافقَ الآخرَ فيهِ مِنَ العربِ8 فإِذَا رأيتَ عربيًّا قد أَمالَ شيئًا وامتنَع منهُ آخرُ فلا تُرينَّ أَنهُ غَلطٌ.
__________
1 في "ب" ما يلي:
2 فرند: السيف وجوهره.
3 المنقر: جمع مناقير على غير قياس: الخشبة التي تنقر للشراب، البئر الصغيرة الضيقة الرأس أو الكثيرة الماء البعيدة القعر، الحوض.
4 عير: حمار الوحش.
5 انظر: الكتاب 2/ 271.
6 في الأصل "منه" والتصحيح من "ب".
7 زيادة من "ب".
8 من العرب: ساقط في "ب".

(3/170)


ذِكرُ عدةِ ما يكونُ عليهِ الكلمُ: مَا جاءَ علَى حرفٍ قبلَ الشيءِ الذي جاءَ به.
الواوُ للعطفِ وليسَ فيهِ دليلٌ أَنَّ أَحدهما قبلَ الآخِر والفاءُ كالواوِ غيْرَ أنها تجعلُ ذلكَ بعضَهُ في أثرِ بعضٍ وكافُ الجرِّ للتشبيهِ1 ولامُ الإِضافةِ ومعناه الملكُ واستحقاقُ الشيءِ باءُ الجر للإِلزاقِ والاختلاطِ وواو القسمِ كالباءِ والتاءُ في القسمِ بمنزلتِها والسينُ في "سيفعلُ" قال2 الخليلُ: إنَّها جوابُ "لَنْ"3 والألفُ للإستفهامِ ولامُ اليمينِ في "لأَفعلنَّ" واللامُ في الأَمرِ: ليقمْ زيدٌ ما جاءَ بعدُ عَلامةٌ للإِضمارِ وهيَ الكافُ والتاءُ والهاءُ4، وقد تكونُ الكافُ غيرَ اسمٍ للمخاطبةِ فقط نحو: ذاكَ والتاءُ تكونُ بمنزلتها للخطابِ فَقَط وهي التي في "أَنْتَ".
ما جاءَ على حرفينِ:
مِنَ الأَسماءِ: يَدٌ ودَمٌ ودَدٌ5، وسَهٌ6، ومِنَ الأفعالِ: خُذْ وكُلْ ومُرْ وبعضُهم يقولُ: أُوكُلْ كما أَنَّ بعضَهم يقولُ في "غَدٍ": غَدْوٌ وما لحقتهُ الهاءُ مِنَ الأسماءِ نحو: ثَبةٍ7 ولِثَةٍ وشِيَةٍ8 ورِئَةٍ وَعِدَةٍ،
__________
1 في سيبويه 2/ 304: وكاف الجر التي تجيء للتشبيه وذلك قولك: أنت كزيد.
2 في "ب" زعم.
3 انظر: الكتاب 2/ 304.
4 نحو الكاف في رأيتك وغلامك، والتاء التي في فعلت وذهبت والهاء التي في عليه.
5 دد: اللهو، وعند بعضهم الحسن، ومن معانيه: الحين من الدهر. ولعل "الحسن" محرف من "الحين".
6 سه: هو الأست محذوف العين، وهذا من الشاذ، ولم يأت من الأسماء ما حذفت عينه إلا هذا الحرف، وانظر: المنصف 1/ 61.
7 ثبة: جمع ثبات، الجماعة. وسط الحوض، لأن الماء يجمع في وسطه. العصبة من الفرسان.
8 شية: يقال: وشى يشي وشيًا وشية الثوب، حسنه بالألوان ونمنمه ونقشه والكلام: كذب فيه.

(3/171)


ولا يكونُ شَيءٌ على حرفينِ صفةً مِن1 حيثُ قل2 في الاسمِ. ومِنَ الحروفِ: أَمْ وأَوْ وهَلْ للاستفهامِ ولم نَفْيُ فَعَلَ ولَنْ: نفي سيفَعلُ وإِنْ للجزاءِ وتكونُ لغوًا في "ما إِنْ تَفعلُ" وتكونُ كافةً "لِمَا" في لغةِ3 أَهلِ الحجازِ كما تكفُ "إِنَّ" الثقيلةُ وتجعلها مِنْ حروفِ الابتداء ومَا: نفيُ هو يَفْعلُ إِذا كانَ في الحالِ وتكونُ "كليسَ" وتوكيدًا لغوًا وقَد يغيرُ الحرفَ عن عملهِ نحو: إِنّما وكأَنَّما ولعلَّما جعلتهنّ بمنزلةِ حروفِ الابتداء ومِنْ ذلكَ حيثما صارتْ بمجيئِها بمنزلةِ "إِنْ" فهيَ مغيرةٌ في الموضعينِ إلا أَنَّها تكفُّ العاملَ عن عملهِ ويعملُ ما كانَ لا يعملُ قبلَ مجِيئها وتكونُ "إِنْ" كما في معنى لَيسَ "ولاَ" تكونُ4 كَما في التوكيدِ واللغو {لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتابِ} 5 [أَي] 6: لأَنْ يعلَم ونفي لقولهِ: يَفعلُ ولم يقعِ الفعلُ. وقَد تُغيرُ الشيءَ عَنْ حالهِ كمَا تَفعلُ "مَا" وذلكَ قولُكَ: "لَولا" صارت [لَو] 7 في معنىً آخرَ، وهَلاّ صيّرتَها في معنىً آخرَ وتكون8 ضِدًّا لِنَعَمْ وبَلَى و"أَن" تكونُ بمنزلةِ لامِ القسمِ في قولِكَ: واللِه أَنْ لو فَعَلْتَ وتوكيدًا في "لَمَّا" أَنْ فَعَلَ وقد تلغى "إِنْ" مَعَ "مَا" إِذا كانتْ اسمًا وكانَت حينًا قالَ الشاعرُ:
__________
1 من: ساقط من "ب".
2 قل: ساقط من "ب".
3 في "ب" قول.
4 في "ب" وتكون "لا".
5 الحديد: 29.
6 أضفت كلمة "أي" لإيضاح المعنى.
7 أضفت كلمة "لو" لإيضاح المعنى.
8 الضمير في تكون يعود على "لا".

(3/172)


"ورَجِّ الفَتى للخيرِ ما إِنْ رأَيتَهُ ... ... عَنِ السِّنِ خَيرًا لا يزالُ يَزيدُ"1
"كي" جوابٌ لقولهِ: لِمَهْ "بَل" لتركِ شيءٍ مِنَ الكلامِ وأَخْذٍ في غيرهِ. "قَدْ" جوابٌ لقولهِ: لمَّا يَفْعل.
وزعمَ2 الخليلُ: أَنَّ هَذا لقومٍ ينتظرونَ3 الخَبرَ ومَا في "لَمَّا" مغيرةٌ عن حالِ "لَم" كما غيرت [لَو إِذَا قلتَ] 4 [لَوما] أَلا تَرَى أَنَّكَ تقولُ: "لمَّا" ولا تتبعُها شيئًا ولا تقولُ ذلكَ في "لَمْ" وتكونُ "قَدْ" بمنزلةِ "رُبما"5 "لَوْ" لِمَا كانَ سيقعُ لوقوعِ غيرِه. ياءٌ تنبيه6. مِنْ: لابتداءِ الغايةِ في الأماكنِ وكتبتُ مِنْ فلانٍ إلى فلانٍ فهذَا في الأسماءِ أيضًا غيرِ الأماكنِ ويكونُ في التبعيضِ وتدخلُ للتوكيدِ بمنزلةِ "مَا" إلا أنها تجرُّ وذلكَ ما أَتاني مِنْ رجلٍ وكذلكَ: ويحه مِنْ رجلٍ "أَكدتهما" بِمن لأَنَّهُ موضعُ تَبعيضٍ فأَرادَ أَنهُ لم يأتِه بعضُ الرجالِ والناس. وأَرادَ في "وَيْحَهُ" التعجبَ مِنْ بعضِ الرجالِ. هَذا لفظُ سيبويه. قالَ: وكذلكَ: لي ملؤهُ مِنْ عَسلٍ. وَهو أفضلُ مِنْ زيدٍ وإِنَّما أَرادَ أَن يفضلَهُ علَى بعضٍ وجعلَ "زيداً" الموضعَ الذي ارتفعَ منهُ أَو سفلَ وكذلكَ: أخزى اللُه الكاذبَ مني ومنكَ إلا أَنَّ هَذا وأَفضلُ منكَ لا يستغني عن "مِنْ"
__________
1 مر تفسيره في هذا الجزء/ 174.
2 في "ب" وقد زعم.
3 انظر: الكتاب 2/ 307.
4 أضفت كلمة "لو" إذا قلت لإيضاح المعنى.
5 كقول الهذلي:
قد أترك القرن مصفرا أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد
قال سيبويه: كأنه قال: ربما.. لأن فيها توقعا. وانظر: الكتاب 2/ 307.
6 انظر: الكتاب 2/ 307.

(3/173)


فيهما1، لأنها توصلُ الأمرَ إلى ما بعدَها وقد تكون باءُ الإِضافةِ بمنزلتِها في التوكيدِ وذلكَ: ما زيدٌ بمنطلقٍ2، وكذلكَ: كفى بالشيبِ [واعظاً] 3 ورأيتُه مِنْ ذلكَ الموضعِ جعلتَهُ غايةَ رؤيتِكَ كما جعلتَهُ غايةً حيثُ أَردتَ الابتداء والمُنتهَى وأَلْ: تعرفُ الاسمَ4: مُذْ: ابتداءُ غايةِ الأيامِ والأحيانِ ولا تدخلُ "مُذْ" على ما تدخلُ عليهِ مِنْ وكذلكَ مِنْ في مُذ5. في: للوعاءِ عَنْ لما عَدا الشيءَ6.
__________
1 في الأصل "فيها".
2 انظر: الكتاب 2/ 307.
3 زيادة من "ب".
4 كقولك: القوم، والرجل.
5 انظر: الكتاب 2/ 308.
6 قال سيبويه: وأما "عن" فلما عدا الشيء وذلك قولك: أطعمه عن جوع، جعل الجوع منصرفا تاركا له قد جاوزه.

(3/174)


ما جَاء علَى حرفينِ:
مِنَ الأسماء غيرِ المتمكنةِ وهي تجيءُ أَكثرُ من المتمكنةِ ذَا وَذِهْ معناهُما أَنكَ بحضرتِهما أَنا علامةُ المضمرِ وَهُوَ وهيَ: كَمْ: وهيَ للمسألةِ عن العددِ: مَنْ: للمسألةِ عَنِ الأناسي ويكونُ بها الجزاءُ للأناسي، ويكونُ بمنزلةِ "الذي" للأُناسي: مَا مثلُ "مَنْ" إلا أَنَّ "مَا" مبهمةٌ تقعُ علَى كُلّ شيءٍ وأَنْ بمنزلةِ "الذي" مَع صِلَتها فتصيرُ: تريدُ أَنْ تفعلَ بمنزلةِ الفِعْلِ قَطْ: معناها: الاكتفاءُ مَعَ: للصحبةِ مُذْ فيمن رفَع بها بمنزلةِ إِذَا وحيثُ "عَنْ": اسمٌ إِذا قلتَ: مِنْ1 عَنْ يمينِكَ عَلَى: معناها:
__________
1 لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء.

(3/174)


الإِتيانُ مِنْ فوق1 إِذْ: لما مَضى مِنَ الدهرِ وهيَ ظرفٌ بمنزلةِ "مَعَ" وأَما مَا هو في موضعِ الفعلِ فقولُهم: مَهْ صَهْ حَلْ للناقةِ سَأْ للحِمَارِ.
__________
1 يريد أن معنى "على" معنى "فوق وأن الجر دخله لأنه قدره نكرة غير مضاف إلى شيء في النية وبقاؤه على الضم أكثر لتضمنه معنى الإضافة كقبل وبعد.

(3/175)


بَابُ ما جاءَ علَى ثلاثةَ أَحرفٍ:
عَلَى: الاستعلاء للشيءِ1 ويكونُ أَن يطوَى مستعليًا كقولِكَ: أَمررتُ يدي عليهِ ومررتُ على فُلانٍ كالمثلِ2، علينَا أَميرٌ وعليهِ دَينٌ لأَنهُ شيءٌ اعتلاهُ ويكونُ مررتُ عليهِ مررتُ على مكانِه ويجيءُ كالمثلِ وهو اسمٌ ولا يكونُ إلا ظرفًا ويَدلُّ علَى أَنَّهُ اسمٌ قولُ بعضِهم3:
"غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ ... "
__________
1 كقولك: هذا على ظهر الجبل، وهو على رأسه.
2 قال سيبويه 2/ 310: وأما مررت على فلان فجرى هذا كالمثل، وعلينا أمير كذلك.
3 جزء من صدر بيت وتكملته:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض ببيداء مجهل.
ويروي: بزيزاء مجهل، وهو من شواهد سيبويه 2/ 310، على دخول "من" على "على" لأنه اسم في تأويل "فوق" كأنه قال: غدت من فوقه.
وغدا: بمعنى صار، أي: انصرفت القطاة من فوقه فهو غير مخصوص بوقت دون وقت بخلاف ما إذا استعمل في غير معنى صار فإنه يختص بوقت الغداة. والظمء بالكسر ما بين الشربين، والوردين، وتصل أي: يسمع لأحشائها صليل من يبس العطش والقيض: قشر البيضة الأعلى الذي يلبس البيضة فيكون بينها وبين قشرها الأعلى ويقال له: الفرقئ أيضا. والمجهل: الصحراء التي يجهل فيها إذ لا علامة فيها وصف قطاة أقامت مع فرخها حتى احتاجت إلى ورد الماء، عطشت فطارت تطلب الماء عند تمام ظمئها، وأراد بذكر الفرخ سرعة طيرانها لتعود إليه مسرعة لأنها كانت تحتضنه. والشاهد لمزاحم العقيلي.
وانظر: المقتضب 3/ 53، وأدب الكاتب/ 500، والكامل للمبرد/ 488، وشرح السيرافي 2/ 53، والموجز لابن السراج 108، والمخصص 16/ 65، وشرح أدب الكاتب للجواليقي/ 349، وابن يعيش8/ 39، والاقتضاب/ 428، ومعجم المقاييس 4/ 116.

(3/176)


هذا قول سيبويه1. وقد ذكرتُ ما قالَ أَبو العباسِ فيما مضَى من الكتابِ2. وأَما إلى فمنتهىً لابتداء الغايةِ وكذلكَ "حَتَّى" وقد بُينَ أَمرهما في بابهما ولَها [في الفعلِ] 3 نَحْوٌ ليسَ "لإِلى" ويقولُ الرجلُ للرجلِ: إنَّما أَنا إليك أَي: أَنْتَ غايتي ولا تكونُ "حَتَّى" هَهُنَا4، وهيَ أَعمّ في الكلام مِنْ "حَتّى" تقولُ: قمتُ إليهِ "فجعلتَهُ منتهاك مِنْ مكانِكَ" ولا تقولُ: حتاهُ. حَسْبُ: معناهُ معنى قَطْ. فأَمَّا: غيرُ وسِوَى: فبَدَلٌ وكُلُّ عَمٌّ وبَعضٌ اختصاصٌ. ومِثْلُ: تسويةٌ وَبَلْهَ زيدٍ دَعْ زيدًا وبَلْهَ هُنَا بمنزلةِ المصدرِ كما تقولُ: ضَرْبُ زيدٍ. وعندَ: لحضورِ الشيءِ ودنوهِ منهُ وَقِبَلَ: لِمَا وليَ الشيءَ وذهبتُ قِبَلَ السوقِ أي: نحوَ السوقِ ولي قَبِلكَ مَالٌ أي: فيَما يليكَ ولكنهُ اتسعَ حتى أُجري مَجرى "عَلَى" إذا قلتَ: لي عليكَ نَوْلٌ: "ينبغي لَكَ فِعْلُ كَذا وكَذا" وأَصلهُ: مِنَ التنَاولِ كأَنَهُ يقولُ: تَناوُلك كذَا وكذا وإذا قاَلَ: لا نَوْلُكَ فكأَنهُ قالَ: أَقْصِرْ ولكنّهُ صارَ فيهِ معنى ينبغي لَكَ. إذَا: لِمَا يستقبلُ مِنَ الدهرِ وفيها مجازاةٌ وهيَ ظرفٌ وتكونُ للشيءِ تُوافقهُ في حَالٍ أَنتَ فيها وذلكَ قولُك: مررتُ فإذا زيدٌ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 310
2 انظر: 1/ 512 من الأصول والمقتضب1/ 46.
3 أضفت "في الفعل" لإيضاح المعنى. وانظر: الكتاب 2/ 310.
4 في سيبويه 2/ 310 ويقول الر جل للرجل: إنما أنا إليك، أي: إنما أنت غايتي ولا تكون "حتى" هاهنا، فهذا أمر "إلى".

(3/177)


قائمٌ: وتكونُ "إذْ" مثلَها ولا يليها إلا الفعلُ الواجبُ وذلكَ قولُكَ: بَينما أَنَا كذاكَ إذْ جاءَ زيدٌ وقصدتَ قصدَهُ إذْ1 انتفخَ عَليَّ فلانٌ فهذَا لِمَا توافقهُ وتهجمُ عليهِ مَع حالٍ أَنتَ فيها: لكنْ: خفيفةٌ وثقيلةٌ: توجبَ بهَا بعدَ نفيٍ سوفَ: تنفيسٌ فيما لَم يكنْ بَعدُ أَلا تَراهُ يقولُ: سوَّفْتهُ. قَبلُ: للأولِ. بَعْدُ: للآخرِ وهُما اسمانِ يكونانِ ظرفينِ. كَيفَ: علَى أَي حَالٍ أَيْنَ: أَيّ مكانٍ مَتَى: أيّ حين حَيْثُ: مكانٌ بمنزلةِ قولِكَ: هو في المكانِ الذي فيهِ زيدٌ. خَلْفُ: مؤخرُ الشيءِ أَمامُ: مقدمهُ قُدَّامُ: أَمام فَوقَ: أَعلى الشيءِ. ليسَ: نفيٌ أَي: مسألةٌ لِيبينَ لَكَ بَعْضٌ وهيَ تجري مجَرى "مَا" في كلِّ شيءٍ: مَنْ: مثلُ أَي إلا أَنهُ لِلنَّاسِ إنَّ: توكيدٌ لقولِه: "زيدٌ منطلقٌ" وإذَا خففتْ فهيَ كذلكَ غير أَنَّ لامَ التوكيدِ تلزمُها لِمَا ذهبَ منها لَيْتَ: تمنٍّ لعلَّ وعسى: طَمْعٌ وإشفاقٌ. لَدُنْ: الموضعُ الذي هُوَ أولُ الغايةِ وهو اسمٌ يكونُ ظرفًا وقَدْ يحذفُ بعضُ العربِ2 النَّونَ وَلَدَى: بمنزلةِ عندَ ودون: تقصيرٌ عَنِ الغايةِ ويكونُ ظرفًا. قُبَالة: مواجهةٌ وهو اسم يكونُ ظرفًا بَلَى: توجبُ ما يقول. وهوَ تركٌ للنفيِ نَعَم: عِدَةٌ وتصديقٌ وليسَ "بَلَى ونَعم" اسمينِ وإذَا استفهمتَ3 أَجبتَ "بنَعَمْ" فإذَا قلتَ: أَلستَ تَفعلُ4؟ قالَ: بَلَى. يجريانِ مجراهما قبلَ أَنْ يجيءَ الألفُ5 بَجَلْ: بمنزلةِ "حَسْبُ" إذَنْ: جوابٌ وجزاءٌ،
__________
1 انتفخ: مطاوع نفخ، والرجل تعظم وتكبر، والشيء ارتفع والنهار علا.
2 إذا حذفت النون تصبح على حرفين كقول الراجز:
يستوعب البوعين من جريره ... من لد لحييه إلى منحوره
أراد أن "لد" محذوفة من "لدن" منوبة النون فلذلك بقيت على حركتها. ولو كانت مما بني على حرفين لزمها السكون كقد ونحوها.
3 أي: إذا قلت: أتفعل؟ وانظر: الكتاب 2/ 312.
4 تفعل قال: ساقط من "ب".

(3/178)


لمَّا: هيَ للأمرِ الذي قَد وقعَ لوقوعِ غيرهِ وإنّما تجيءُ بمنزلةِ "لَو" ويكونُ ظرفًا يعني إذَا قلتَ: لمَّا جئتَ [جئتُ] 1 جعلتَ لمّا ظرفًا وأَمَّا: فيها معنى الجزاءِ كأَنهُ يقولُ: عبدُ الله مَهما يكنْ مِنْ أَمرهِ فمنطلقٌ أَلا تَرى أَنَّ الفاءَ لازمةٌ له أَبدًا. أَلا: تِنبيهُ تَقولُ: أَلا إنهُ ذَاهبٌ أَلا: بَلَى كَلاَّ: رَدعٌ وَزجرٌ أَنّى: كيفَ وأَين أَيانَ3: مَتَى4.
__________
1 زيادة من "ب".
2 إلى تكون بمعنى كيف.
3 أيان في معنى متى قال سيبويه 2/ 312: لو أن إنسانا قال ما معنى أيان فقلت: متى كنت قد أوضحت.
4 متى: في أي زمان أو في أي حين.

(3/179)