الأصول في النحو

ذكر التصريف
مدخل
...
ذِكرُ التصريفِ:
هذَا الحدُّ إِنَّما سُميَ تصريفًا لتصريفِ الكلمةِ الواحدةِ بأبنيةٍ مختلفةٍ وخصوا بهِ ما عرضَ في أُصولِ الكلامِ وذواتِها من التغييرِ وهوَ ينقسمُ خمسةَ أَقسامٍ: زيادةٌ وإِبدالٌ وحَذْفٌ وتغييرٌ بالحركةِ والسكونِ وإدغامٌ ولَهُ حدٌّ يعرفُ بهِ.
الأول: الزيادة.
والزيادةُ تكونُ علَى ثلاثةِ أَضربٍ: زيادةٌ لمعنىً وزيادةٌ لإلحاقِ بناءٍ ببناءٍ وزيادةٌ فَقَطْ لا يرادُ بها شيءٌ مما تقدمَ فأَمَّا ما زيدَ لمعنىً فأَلفُ "فَاعِلٍ" إِذَا قلتَ: ضَارِبٌ وعَالِمٌ ونحوَ حروفِ المضارعةِ في الفِعْلِ نحو الأَلفِ في أَذهبُ والياءِ في يَذهبُ والتاءِ في تَذهبُ والنونِ في نَذهبُ وأَمَّا زيادةُ الإِلحاقِ فنحو: الواو في كَوثرٍ أَلحقتهُ ببناءِ جَعْفَرٍ وأَمَّا زيادةُ البناءِ فنحو: أَلفِ حِمَارٍ وواو عجوزٍ ويَاء صحيفةٍ.

(3/231)


والحروفُ التي تُزادُ عَشرةٌ: الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والهاءُ والميمُ والنونُ والتاءُ والسينُ واللامُ يجمعُها في اللفظِ قولُكَ: اليوم تَنْسَاهُ.
الأولُ: الهمزةُ:
أَمَّا الهمزةُ فتزادُ إِذا كانتْ أَولَ حرفٍ في الاسم فِي ذواتِ الثلاثةِ فصاعدًا بالزوائدِ في الاسم والفعلِ نحو: أفكلٍ وأَذهب وفي الوصلِ في ابنٍ واضربْ والهمزةُ إِذا لحقتْ رابعةً مِنْ أَولِ الحرفِ فصاعدًا فهي زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الزيادةُ ولا تجعلْهُ مِنْ نفسِ الحرفِ إلا بثبتٍ فإِنْ سميتَهُ فأفكَل وأَيدع لَمْ تصرفْهُ وأَنْتَ لا تشتقُّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الألفُ وكذلكَ إِنْ جاءتِ الهمزةُ معَ غيرِها مِنَ الزوائدِ في الكلمةِ فاحكمْ عليها بالزيادةِ نحو: اصليتٍ وأَرْونان1. ومَحالٌ أَنْ تلحقَ رباعيًّا أَو خماسيًّا لأنَّ الزيادةَ لا تلحقُ ذواتِ الأربعةِ مِنْ أَوائلِها وهيَ مِنَ الخمسةِ أَبعدُ فأما: أَولقُ فالألفُ مِنْ نفسِ الحرفِ يدلُّكَ على ذَلكَ قولُهم: أَلقَ وإِنَّما أَولقَ فَوْعَلَ ولولا هذا الثبتُ لحملَ علَى الأكثرِ وكذلكَ: الأَرْطى2، لأَنّكَ تقولُ: أَديمٌ مأروطٌ ولو كانتِ الألفُ زائدةً قلتَ: مَرطى. وكذلكَ: إِمِّرَةٌ3 أمعةٌ إِنَّما هُوَ فِعْلةٌ لأَنَّهُ لا يكونُ أَفعلُ وصفًا والهمزةُ المضمومةُ والمكسورةُ كالمفتوحةِ أَلا تَرى أَنَك تسوّي بينَ
__________
1 أرونان: صوت، والصعب من الأيام، ويوم أرونان: مضافا أو منعوتا.
2 أرطى: شجر ينبت في الرمل نوره كنور الخلاف، وثمره كالعناب، مرة تأكلها الإبل غضة، وعروقه حمر.
3 إمرة: الإمر: بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتحها- والأمرة: وبفتح الهمزة فيهما- ضعيف الرأي يوافق كل أحد على ما يريد من أمره كله. أو الصغير من أولاد الضأن.

(3/232)


أُبلم1 وإِثمد2 وإِصليتٍ3 وأَرْونَان وإِمخاض وإِنَّما هيَ مِنَ الصلتِ والرونِ والمخضِ وكذلكَ4: أَلندد إِنَّما هُوَ مِن أَلددِ وأُسكوبٌ إِنَّما هُوَ مِن السَّكْبِ ولا تزادُ الهمزةُ غيرَ أَولٍ إلا بثبتٍ فَمِنْ ذلكَ: ضَهياء5 هيَ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ: جُرواضٌ6 وحُطَائطٌ لأَنَّ القصيرَ محطوطٌ ومِنْ ذلكَ شِمْلاَلٌ شَأملٌ لأَنك [تقولُ] 7: شَمْلَلتِ الريحُ.
الثاني: الأَلفُ:
الألفُ لا تزادُ أَولًا وذلكَ مَحالٌ لأَنَّها لا تكونُ إِلا ساكنةً ولا يجوزُ الابتداء بساكنٍ وتزادُ ثانيةً في "فَاعلِ" ونحوهِ وثالثةً في جمادٍ ونحوهِ ورابعةٍ في عَطْشَى ومِعْزَى وحُبْلَى ونحوهنَّ وخامسةً في حِلبلابٍ وجَحْجَبَى8 وحَبَنْطى9 ونحو ذلكَ ولا تلحقُ الألفُ رابعةً فصاعدًا إلا مزيدةً وهيَ بمنزلةِ الهمزةِ أولًا وثانيةً وثالثةً ورابعةً إلا أَنْ يجيءَ ثَبْتٌ وهيَ أَجدرُ بالزيادةِ مِنَ الهمزةِ لأَنَّها لا تكثر ككثرتِها فإِنَّهُ ليسَ في الكلامِ حَرْفٌ إلا وبعضُها فيهِ أَو بعضُ الياءِ والواوِ فإن جَاءتِ الألفُ رابعةً وأَول
__________
1 أبلم: غليظ الشفتين وبقلة لها قرون كالباقلاء. ويقال: المال بيننا شق الأبلمة، أي: نصفين.
2 إثمد: -بكسر الهمزة- حجر للكحل، وكأحمد- موضع، ويضم الميم.
3 إصليت: صفة للسيف، يقال: سيف إصليت، أي صقيل.
4 الندد: الطويل الأخدع من الإبل، والخصم الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق.
5 ضهياء: المرأة التي لا تحيض ولا تحمل، أو تحيض ولا تحمل.
6 جرواض: الأكول. شديد القطع بأنيابه للشجر.
7 أضفت كلمة: تقول المعنى.
8 جحجبى: حي من الأبصار.
9 حبنطى: الممتلئ غيظا وبطن.

(3/233)


234
الحرفِ ونحو ذَلكَ ولا تلحقُ الهمزةُ أَو الميمُ ... فهيَ أَصلٌ نحو: أَفْعَىً ومُوسَىً لأنَّ أَفْعَىً "أَفعلُ" ومُوسَىً "مُفْعلٌ" فإذَا لم يكنْ ثَبْتٌ فهيَ زائدةٌ أبدًا وأمَّا "قَطَوْطَى"1 فهيَ فَعَوْعلٌ لأَّنه ليسَ في الكلامِ فَعَوْلَى وفيهِ "فَعَوعلٌ" مثلُ: عَثَوثلٍ وحَبَركى2 ولم يُجعلْ فَعَلْعَل لأنَّ فَعَوْعلًا أَولى بهِ من بَابِ صَمَحمحٍ3 ودَمكمكٍ4 زَعَمَ أَنَّ الواوَ لا يكونُ أصلًا في بناتِ الثلاثةِ فصاعدًا فلذلكَ قالَ: قَطَوطَى فَعَوْعَلٌ فالألفُ إِذا لحقت رابعةً فهيَ زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ مِنَ الحرفِ ما يذهبُ فيهِ كما وجَبَ في الهمزةِ إِذَا كانتْ أولًا رابعةً.
الثالثُ: الياءُ:
وهيَ تكونُ زائدةً إِذَا كانتْ أولَ الحرفِ رابعةً فصاعدًا كالهمزةِ في الاسم والفعلِ. نحو: يَرمعٍ5 ويَربوعٍ ويَضربَ وتكونَ زائدةً ثانيةً وثالثةً في مواضعِ الألفِ ورابعةً في نحو: حذريةٍ وهي قطعةٌ منَ الأَرضِ وقنديلٍ وخامسة نحو: سُلَحفيةٍ. وتلحقُ إِذا ثنيتَ قبلَ النونِ الياءُ أُختُ الألفِ فإِذاَ جاءتْ في كلمةٍ تذهبُ فيما اشتقتْ منهُ فهيَ زائدةٌ نحو: حذيمٍ إِنَّما هوَ من حذمتُ وعثيرٍ إِنَّما هوَ منْ عثرتُ وسلقيتهُ إِنَّما هوَ من سلقتهُ وقلسيتهُ وتَقلَّس لأنَّهم يقولونَ: تَقلنَس وتَقَلس ومِنْ ذلكَ قولُهم في عيضموزٍ6 عضاميزَ7 وفي عَيطموسٍ8: عَطَاميسَ ومثلُ
__________
1 قطوطى: مقاربة الخطو.
2 حبركى: القوم الهلكى.
3 صمحمح: الغليظ الشديد، والقصير الأصلع.
4 دمكمك: الشديد القوي.
5 يرمع: حجارة رخوة.
6 عيضموز: العجوز، والناقة الضخمة منعها الشحم من أن تحمل.
7 في الأصل: "عضاموز".
8 عيطموس: المرأة الجميلة أو الحسنة الطويلة.

(3/234)


ذلكَ ياء عِفْرِيةٍ1 وزِبْنِيَةٍ2 لأنكَ تقولُ: عِفْرٌ وعَفَرهُ وَزَبَنَهُ فمتىَ جاءتْ ملحقةً فحكمُها حكمُ الزيادةِ وإنْ جاءتِ الياءُ في حرف لا يجيءُ على مثالِ الأَربعةِ والخمسةِ فهي بمنزلةِ ما يشتق منهُ ما ليسَ فيهِ زيادةٌ لأَنكَ إِذَا قلتَ: حَمَاطةٌ ويَربُوعٌ كانَ بمنزلتهِ لو قلتَ: رَبعْتُ وحَمَطْتُ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ مثلُ: سَبَطرٍ3 ولا مثلُ: دَمْلُوجٍ ويَهْيَرٌّ يَفْعَلٌّ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ فَعْيَلٌّ ولو كانتْ يَهْيرُ مخففة الراءِ لكانتِ الياءُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ الياءَ إِذا كانت أولًا بمنزلةِ الهمزةِ أَلاَ تَرَى أَن يَرْمَعًَا بمنزلةِ أَفَكَلٍ4. قال5: ولا في الكلامِ أيضًا "يَفْعَلُّ" اسمًا ولكنّهم قد يقولونَ: يَهْيَرُ خفيفٌ وفي الكلامِ مثلهُ فلمَّا قالوهُ علمنا أَنَّهُ مشتقٌّ منهُ وأَما يأججُ6 فالياءُ فيهِ مِنْ نفسِ الحرفِ لولا ذلكَ لأَدغموا كماَ يدغمونَ في مُفْعَلٍ ويَفْعلُ وإِنّما الياءُ هَهُنَا كميم مَهْددٍ. ويَستعورٌ7، الياءُ [فيهِ] 8 أَصليةٌ بمنزلةِ عَينِ عَضْرَفُوطٍ9 لأَنَّ الحروفَ الزوائدَ لا تلحقُ ببناتِ الأربعةِ أَولًا إلا الميمُ التي في الاسم الذي يكونُ علَى فِعْلِه.
__________
1 عفرية: الخبيث المنكر.
2 زبينة: متمرد الجن والإنس: والشديد.
3 في الأصل: سبطرت.
4 أفكل: جماعة من الناس.
5 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 346.
6 يأجج: موضع بمكة.
7 يستعور: الباطل: وموضع، والكساء يجعل على عجز البعير.
8 أضفت كلمة "فيه" لتوضيح المعنى.
9 عضرفوط: دويبة بيضاء ناعمة، وقيل هو ذكر العضاة.

(3/235)


الرابعُ: الواوُ:
وهيَ تزادُ ثانيةً في: حَوْقَلٍ وصَوْمَعةٍ ونحوهما وثالثةً في: قُعودٍ وعَجُوزٍ وَقَسْوَرٍ1 ونحوها ورابعةً في بُهْلُولٍ2 وقرنُوةٍ3، وخامسةً في قَلَنْسوةٍ وقَمَحْدُوةٍ ونحوهما وفي: عَضْرَفُوطٍ كَما لحقتِ الياءُ خَنْدَريس4 وهيَ كالياءِ إِذَا أَلحقت بناتِ الثلاثةِ ببناتِ الأَربعةِ والأربعة ببناتِ الخمسةِ فهيَ زائدةٌ في الأسماءِ والأَفعالِ التي يشتقونَ منها فالذاهبُ فيهِ بمنزلةِ الهمزةِ أَولًا أَن يجيء ثَبْت وهوَ أَولى أَنْ تكونَ زائدةً مِنَ الهمزةِ قالوا: جَهْوَرْتُ وإِنَّما هيَ مِنَ الجَهارةِ وَقَسْوَرٌ مِنَ الاقتسارِ وعُنْفُوانٌ إِنَّما هُوَ مِنَ الاعتنافِ وقِرواحٌ5 إِنَّما هُوَ مِنَ القَراحِ وأَمّا: وَرَنْتَلٌ فالواوُ مِنْ نفسِ الحرفِ لأَنَّ الواوَ لا تزادُ أَولًا أبدًا وقَرْنُوَةٌ6: فَعْلَوةٌ لأَنَّهُ لَيسَ مثل قُحْطُبةٍ فهوَ بمنزلةِ ما أَذهبهُ الاشتقاقُ7.
الخَامسُ: الهاءُ:
وهي تُزادُ لِتَتَعّين بِهَا الحركةُ وقَد بينا ذلكَ وبعدَ أَلفِ المَدِّ الندبة والنداء: واغلاماهُ ويا غُلاماهُ.
__________
1 قسور: العزيز: الأسد، الرامي من الصيادين.
2 بهلول: الضحاك. السيد الجامع لكل خير.
3 قرنوة: نبت تدبغ به الجلود.
4 خندريس: الخمر، مشتقة من الخدرسة.
5 قرواح: الناقة الطويلة القوائم، والأرض التي لا ماء يها.
6 قرنوة: نبت.
7 قال سيبويه 2/ 347: وأما قرنوة فهي منزلة ما اشتقت مما ذهبت فيه الواو نحو: خروع فعول، لأنه من التخرع، والضعف، لأنه ليس في الكلام على مثال قحطبة.

(3/236)


السادسُ: الميمُ:
وهيَ تُزادُ أولًا في: مَفعُولٍ ومَفعلٍ ومُفْعلٍ ومِفْعَالٍ والميمُ بمنزلةِ الألفِ يعني الهمزة فموضعُ زيادتِها كموضع زِياتِها وكثرتُها ككثرتِها إذا كانتْ أَولًا في الاسم والصفةِ فَمَنْبجٌ: مَفْعِلٌ لذلكَ فأَمَّا المِعزْى فالميمُ مِنْ نفسِ الحرفِ لقولِكَ: مَعْزٌ ومَعَدٌّ مثلهُ لقولِهم: تَمَعدَد لقلةِ "تَمَفْعَلَ" في الكلامِ وأَمَّا مسكينٌ فمن تَسكَّنُ وقالوا: تَمسكنَ مثلُ تَمدرعَ1 في المدرعةِ. وتَمَفعلَ شاذٌّ وأَمَّا منجنيقٌ فالميمُ فيهِ من نفسِ الحَرفِ صارَ الاسم رباعيًّا لأَنَّكَ جعلتَ النونَ مِنْ نفسِ الحرفِ والزياداتُ لا تلحقُ بناتِ الأربعةِ أَولًا إلا الأسماء الجاريةَ على أَفعالِها نحو: مَدَحرجٍ وإنْ جَعَلْتَ النونَ زائدةً لم يجزْ أَن تكونَ الميمُ زائدةً فيجتمعُ حرفانِ زائدانِ في أولِ الاسم وهذَا لا يكونُ في الأَسماءِ ولا الصفاتِ التي ليستْ علَى الأفعالِ المزيدةِ. والهمزةُ التي هيَ نظيرةُ الميمِ ولم يقعْ بعدَها أيضًا زائدٌ في الكلامِ فَمَنْجَنيقٌ بمنزلةِ2 عَنتْريسٍ فهيَ فَنْعَليلٌ والنونُ زائدةٌ ويقوي ذلكَ قولُهم: مَجانيقُ فَحذَفوا النونَ ومَنْجَنونٌ فَعْلَلُولٌ بمنزلةِ عَرْطليلٌ3 إلا أَنَّ موضَع الياءِ واوٌ ويجمع مَنَاجينُ. فالميمُ أَصليةٌ لِما أَخبرتُكَ وكذلكَ ميمُ مَأْججٍ ومَهْدَدٍ ولو كانتا زائدتينِ لأدغمتا كَمَردٍّ وَمَفرٍّ وإنّما مَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ ومِرْعِزاءُ4 "مِفْعِلاءُ" ولكنْ كسرتِ الميمُ إتباعًا للكسرةِ التي في العينِ كما قَالوا: مِنْخِرٌ يَدلُّ على ذَلك قولُهم: مرْعزَّى ومِكورَّى مثلهُ وهوَ العظيمُ الروثةِ مأخوذٌ مِنْ كَوَّرَهُ إذَا
__________
1 في الأصل: "تمدع" وهو خطأ.
2 عنتريس: الناقة الصلبة. الداهية من الرجال.
3 عرطيل: الضخم والفاحش الطول.
4 المرعزاء: الزغب الذ يتحت شعر العنز.

(3/237)


جمعَهُ وقالوا: يَهيَرّي فليسَ شيءٌ مِنَ الأربعةِ على هذَا المثالِ لحقتهُ أَلفُ التأنيثِ لأَنَّ "فَعْلَلّى" لم يجئ. وقالوا: يَهْيرٌ فحذفوا كما قالَوا: مِرعِزٌ وقالَ بعضُهم: مِكْوَرٌّ1. وقالَ سيبويه: مَراجِلُ2 ميمُها مِنْ نفسِ الحرفِ3 قالَ العَجاجُ: بشيةٍ كشيةِ المُمَرجَلِ4.
والمُمَرجَلُ: ضربٌ مِن ثيابِ الوشي والميمُ إذا جاءتْ في أَولِ الكلامِ فإنَّهُ يحكمُ بزيادتِها فإنْ جاءتْ غيرَ أَولٍ فإنَّها لا تزادُ إلا بَثبتٍ لقلِتها وهيَ غير أَولٍ زائدةٌ وقالوا: ستُهمٌ وزٌرقمٌ يريدونَ: الأسْتَةَ والأَزرقَ.
السابعُ: النونُ:
وهيَ تزادُ في فَعْلاَنَ خامسةً: عَطْشانُ ونحوه. وسادسةً في زَعْفَرانٍ ونحوهِ ورابعةً في: رَعْشنٍ5 والعِرْضْنة ونحوهِما وفيما يصرفُ مِنَ الأسماءِ وفي الفعلِ الذي تدخلهُ النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ. وفي تفعلينَ7، وفي فعلِ النساءِ إذْا جمعتَ نحو: فَعَلنَ ويَفْعلنَ وفي تثنيةِ الأسماءِ وجمعِها وفي "نَفْعلُ" تكونُ أَولًا وثانيةً في عَنْسَلٍ وثالثةً في قَلَنْسوةٍ،
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 344.
2 في الأصل: مراجم.
3 انظر: الكتاب 2/ 345.
4 من شواهد الكتاب 2/ 345. والممرجل: ضرب من ثياب الوشي، تصنع بدارات، كالمرجل وهو القدر، والشية: اختلاف اللون، شبه اختلاف لون الثور الوحشي لما فيه من البياض والسواد بوشي المراجل واختلافه. وانظر: 13/ 291.
5 رعشن: جبان، أو السريع من الجمال والطلحان.
6 العرضنة: مشية بها نشاط، ونظرة العرضنة: نظرة بمؤخر العين.
7 في الأصل: "يفعلن".
8 عنسل: الناقة السريعة.

(3/238)


وتكثرُ في فِعْلانٍ وفُعلانٍ للجمعِ. وتكثر في فِعْلانٍ مصدرًا وأَمَّا فَعْلاَنُ فَعْلَى فَقَال سيبويه: النونُ فيهِ بَدلٌ مِنْ همزةِ "حمراءَ"1 ولا يجعلُها زائدة فَيما خَلا [ذا] 2 إلا بثَبْتٍ. ولَوْ سميتَ رجلًا: نَهْشَلًا أَو نَهْسرًا لصرفتُهُ ولم تجعلْهُ زائدًا كالياءِ والألفِ3، وكذلكَ نونُ عَنْترٍ لا تجعلها زائدةً فأَمَّا عَنْسَلٌ فالنونٌ زائدةٌ لأَنهم يريدونَ: العَسُولَ وكذلكَ العَنْبَسُ لأَنهُ مِشتقٌّ مِن العَبُوسِ ونونُ عَفَرْنَى4 زائدةٌ مِنَ العِفْرِ ونونُ بُلَهْنِيةٍ5 من قولِكَ: عيشٌ أَبْلَهُ ونونُ فرِسِنٍ لأَنَّها من فَرَسْتُ ونونُ خَنْفَقيقٍ لأَنَّ الخَنْفَقيقَ الخفيفةُ مِنَ النساءِ الجريئةُ.
قالَ سيبويه: وإنّما جعلَها مِنْ خَفَقَ يَخفقُ كما تَخفقُ الريحُ يقالُ: دَاهيةٌ خَنْفَقِيقٌ6. ومِنْ ذلكَ: البَلَنصَى7 تقولُ للواحدٍ: البَلَصُوصُ ومثلُ ذلكَ عَقَنْقلٌ8 وعَصَنْصَرٌ9 لأَنكَ تقولُ: عَقَاقيلُ وتقولُ: عَصَاصِيرُ وعُصَيصِيرٌ ولَو لم يوحدْ هَذانِ لكانتِ النونُ زائدةً لأَنَّ النونَ إذَا كانتْ ثالثةً ساكنةً في هذا المثال فهي زائدة [ولا تُجعلُ النونُ فيها زائدةً إلا باشتقاق مِنَ الحروفِ ما ليسَ فيهِ نونٌ] 10 لأَنَّها تكثرُ في هذَا وتلحقُ البناءَ بالبناءِ
__________
1 الكتاب 2/ 349 وفيه النون بدل كهمزة حمراء.
2 أضفت كلمة "ذا" لإيضاح المعنى.
3 الألف في "أفكل" والياء في "يرمع" وانظر: الكتاب 2/ 350.
4 عفرنى: الأسد القوي.
5 بلهنية: السعة والرفاهية.
6 انظر: الكتاب 2/ 350.
7 بلنصى: طائر.
8 عقنقل: الكثيب من الرمل.
9 عصنصر: جبل.
10 التصحيح من سيبويه 2/ 351 لأن الجملة مضطربة في الأصل.

(3/239)


فيما كانَ علَى خمسةِ أَحرفٍ نحو: حَبَنْطَىً وجَحَنْفَلٍ ودَلَنْظَىً وقَلَنْسُوةٍ وهذِه النونُ في موضعِ الزوائدِ1 نحو أَلف عُذَافرٍ وواو فَدَوكَسٍ2، وياء سَمَيدعٍ3. والنونُ والألفُ يتعاورانِ الاسمَ في معنىً واحدٍ نحو: شَرَنبثٍ4 وشُرابث وجَرَنْفسٍ5 وجُرَافس وقالوا: عَرَنْتُنٌ6، وعَرَتُنٌ فحذفوا كُعَلبْطٍ7 ومَا جاءَ من هذَا بغيرِ نونٍ نحو: عُوطَطٍ وجُنْدبٍ وعُنْصَلٍ وَخُنْفَسٍ وعُنْظَبٍ النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لا يجيءُ علَى مثالِ: فُعْلَلٍ شيءٌ إلا وحرفُ الزيادة لازمٌ لَهُ وأُكثرُ ذلكُ النونُ ثانية فإنَّما جعلتْ نوناتِهنَّ زَوائدَ لأَنَّ هذَا المثالَ تلزمهُ حروفُ الزوائدِ كما جعلتِ النونات فيما كانَ علَى مِثالِ احْرَنْجَمَ زائدةً لأَنهُ لا يكونُ إلا بحرفِ الزيادةِ وما اشتقَّ مِنْ هذَا النحوِ مما ذهبتْ فيهِ النونُ قُنَبْرٌ لأنهم قالُوا قُبّرٌ لَو لم يشتق منهُ ولا من تُرْتَبٍ لكانَ علمُكَ بلزومِ حرفِ الزيادةِ هذَا المثالُ بمنزلةِ الاشتقاقِ وكذلكَ: سِنَدأوٌ8 وَحِنْطَأْوٌ9 للزومِ النونِ والواوِ هذَا المثالَ وأَمَّا [نونا] 10 دِهقانٍ وشَيْطانٍ فلا تجعلْهما زائدتينِ لقولِهم: تَدهقنَ وتَشيطنَ. وإذا جَاء شيءٌ على فَعلانَ فلا تحتاج فيه إلى الاشتقاقِ لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ آخرهُ من نفسِ الحرفِ على
__________
1 عذافر: بضم العين وكسر الفاء-الأسد. والعظيم الشديد.
2 فدوكس: الأسد.
3 سميدع: الكريم السخي الشريف. والشجاع. والذئب. والرجل الخفيف في حوائجه.
4 شرنبث: بضم الشين القبيح الشديد. وقيل: الغليظ الكفين.
5 جرنفس: شدة الوثاق.
6 عرنتن: شجر يدبغ به.
7 علبط: القطيع من الغنم.
8 سندأو: الخفيف والجريء المقدام. والقصير الدقيق الجسم مع عرض رأس.
9 حنطاو: وافر اللحية والعظيم البطن.
10 أضفت كلمة "نونا" لإيضاح المعنى.

(3/240)


هذا المثالِ فإذا رأيتَ الشيءَ فيهِ من حروفِ الزوائدِ شيءٌ ولم يكنْ علَى مثالِ ما آخرهُ من نفسِ الحرفِ فاجْعَلْهُ بمنزلةِ المشتقِّ الذي تسقطُ معهُ حروفُ الزيادةِ وأَمَّا جُنْدبٌ فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَّكَ تقولُ جَدُبَ لولا ذلكَ لكانتْ أَصلًا ونونُ عُرنُدٍ1 زائدةٌ لقولِهم: عُرُدٌّ ولأَنَّهُ لَيْسَ في الأربعةِ علَى هذَا المثالِ وإذَا كانتْ ثانيةً ساكنةً فلا تزادُ إلا بثبتٍ وذلكَ نحو: حِنْزَقْرٍ2 وعَنْدَليبٍ وإذَا كانتْ ثانيةً متحركةً أَو ثالثةً فلا تزادُ إلا بثبتٍ وذلكَ جَنَعْدَلٌ3 وخَدَرْنَقٌ4 وأَما كَنَهْبُلٌ5 فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ سَفَرْجلٍ وقَرَنْفُل مثلهُ وأَمَّا القَنْفَخْرُ6، فالنونُ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ: قُفَاخِريٌّ في هذَا المعنى. وكِنْتَأْلٌ7 النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ مُثلُ جُرْدَحْلٍ8 يقالُ: خُنْثَعَبةٌ وخِنْثَعبةٌ بكسرِ الخاءِ وضمُها إذَا كانت غزيرةٌ.
الثامنُ: التاءُ:
وهيَ تؤنثُ بهَا الجماعةُ نحو: منطلقاتٍ. ويؤنثُ بها الواحدُ نحو: هذِه طلحةُ وحمزةُ ورحمة وبنتٌ وأُختٌ وتلحقُ رابعةً نحو: سَنْبتةٍ9، وخامسةً نحو: عَفْريتٍ وسادسةً نحو: عَنْكبوتٍ ورابعةً أَولًا فصاعدًا في
__________
1 عرند: الصلب.
2 حنزقر: القصير الدميم من الناس.
3 جنعدل: البعير القوي الضخم: والغليظ من الرجال.
4 خدرنق: ذكر العنكبوت. أو العظيم منها.
5 كنهبل: شج عظام.
6 القنفخر: الضخم الجثة.
7 كنتأل: القصير.
8 الجردجل: الضخم من الإبل للذكر والأنثى.
9 سنبتة: الدهر، والتاء فيه للإلحاق على قول ابن السراج.

(3/241)


تَفعلُ أَنتَ وتَفْعَلُ وفي الاسم كتِجْفافٍ وتَنْضُبٍ وتُرْتَبٍ فالذي بينَ لكَ أَنَّ التاءَ زائدةٌ في تَنْضُبٍ أَنهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ جَعْفرٍ وكذلكَ التتفلُ1، لأَنَّهم قد قَالوا: التَّتفُلُ فهذاَ بمنزلةِ ما اشتقَّ منه ما لا تَاءَ فيهِ وكذلكَ تُرْتَبٌ وتُدْرَأُ لأَنَّهما مِنْ رَتبَ ودَرَأَ وكذلكَ جَبَروتٌ ومَلكوتٌ لأَنَّهما مِنَ المُلْكِ والجَبَريةِ وكذلكَ عَفريتٌ لأَنَّهُ مِنَ العِفْرِ وكذلكَ عِزْويتٌ لأَنهُ ليس في الكلامِ فِعْويلٌ ولا يجوزُ أَنْ يكونَ: عِزويتٌ "فِعْلِيلٌ" لأَنَّ الواوَ لا تكونُ أَصلًا في بَناتِ الأربعةِ وكذلكَ: الرَّغَبُوتُ والرَّهبُوتُ لأَنَّهُ مِنَ الرغبةِ والرَّهبةِ وكذلكَ: التِّحلىءُُُ2 والتِّحلئةُ لأَنَّها مِنْ حلأتُ وحِلئتُ وكذلكَ السنبتةُ مِنَ الدهرِ لأَنهُ يقالُ: سنبةٌ مِنَ الدهرِ وكذلكَ التَّقدُّمِيَّةُ لأَنَّها ممن قَدِمَتْ وكذلكَ: التَّربُوتُ لأَنهُ مِنَ الذَّلولِ يُقالُ للذلولِ مُدَرَّبٌ والتاءُ الأُولى مكانُ الدَّالِ كَما قالوا: الدَّوْلَجُ في التَّوْلَجِ وكما قالوا: سِتَّةٌ فأبدلوا التاءَ مَكانَ الدالِ ومكانَ السينِ وكمَا قالوا: سَبَنْتَى وسَبَنداءُ3 واتَّغَر وادَّغَر والعنكبوتُ والتَّخربوتُ4 لأَنَّهم قالوا: عَنَاكبُ وقالوا: العَنكباءُ فاشْتَقوا منهُ ما ذهبتْ فيه التاءُ وكذلكَ: تاءُ أُختٍ وبِنْتٍ وثنتينِ5 وكِلتا6 لحقن للتأنيثِ وبنينَ بناءَ ما لا زيادةَ فيهِ مِنَ الثلاثةِ وكذلكَ تاءٌ هَنْتٍ ومَنْتٍ يريدُ: هَنَهْ ومَنَهْ وكذلكَ: التِّجفافُ والتِّمثالُ لأَنَّهما مِنْ جَفَّ ومثُل وكذلكَ: التنبيتُ والتَمتينُ لأَنَّهما من
__________
1 تتفل: الثعلب أو جروه.
2 التحليء: تحلأه تحلئة: طرده ومنعه، وتحلأه درهما: أعطاه إياه.
3 في سيبويه: 2/ 248: وكما قالوا: سبنتى وسبندى، بالألف المقصورة. والسبندى: الطويل والجريء من كل شيء.
4 التخربوت: الناقة الخيار الفارهة.
5 في الأصل: ثنتان بالرفع.
6 في الأصل كلتى.

(3/242)


المَتنِ والنَّباتِ ولَوْ لَمْ يجئ ما تذهبُ فيهِ التاءُ لعلمتَ أَنَّها زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ: قَنْديلٍ ومثلُ ذلكَ: التَّنوطُ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ مِثالُ "فَعَلّلٍ" وهوَ من نَاطَ يَنُوطُ ومثلهُ التّهبطُ وتَرْنَمُوتٌ مِنْ التَّرنمِ.
واعلَم: أَنَّ التاءَ لم تجعلْ زائدةً فيما جاءتْ فيهِ إلا بثبتٍ لأَنَّها لم تكثرْ في الأسماءِ والصفاتِ ككثرةِ الأحرفِ الثلاثيةِ نعني: الألفَ والياءَ والواوَ والهمزةَ والميمَ وإِنَّما كثرتُها في الأسماءِ للتأنيثِ إِذَا جَمَعْتَ أَو الواحدة التي الهاءُ فيها بَدلٌ مِنَ التاءِ إذا وقَعَتْ ولا تكونُ في الفعلِ ملحقةً ببناتِ الأربعةِ فكثرتُها في هذَا في الأفعالِ في افتعلَ واسْتَفْعَلَ وتَفَاعلَ وتَفَوعلَ وتَفَعْوَلَ وَتَفَعَّلَ1 وكثرت في "تَفَعَّلَ" مصدرًا وفي تَفْعَالٍ وفي التَفْعيلِ ولا تكونُ إلا مصدرًا وحقُّها أَنْ لا تجعلَ زائدةً إلا بَثبتٍ.
التاسعُ: السينُ:
تزادُ في استفعلَ.
العَاشرُ: اللامُ:
وهيَ تزادُ في ذلكَ وفي عَبْدَل.
فأَمَّا الزيادةُ من غيرِ حروفِ الزيادةِ فأَن يتكرَّر الحرفُ إذا جاوزتِ الثلاثةَ نحو: قَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ وقُعْدَدٍ ورِمْدِدٍ وجُبُنٍّ وخِدَبٍّ وسُلَّمٍ وَدِنَّبٍ وكذلكَ جميعُ ما كانَ من هذَا النحوِ وكذلكَ: شِمْلالٌ وبُهْلُولٌ وعَدَبَّسٌ وصَمَحمحٌ وبَرَهْرَهةٌ هذَا ضوعفتْ فيهِ العينُ واللامُ والذي أَذهبُ إليهِ في جميعِ هذَا أَنَّ الزوائدَ: الثاني الذي قَد تكررَ.
__________
1 لم يذكر المصنف بناء "تَفَعْيَلَ". وانظر: الكتاب 2/ 349.

(3/243)


واعلَم: أَنَّ النحويينَ قد جعلوا الفاءَ والعينَ واللامَ أَمثلةً للحروفِ الصحاحِ فيقولونَ: جَمَلٌ وزنهُ: فَعَلٌ وجِمَالٌ: فِعَالٌ وجَميلٌ: فَعِيلٌ وعَجُوزٌ: فَعُولٌ وضَارِبٌ: فَاعِلٌ فيوازنون الأصول بالأصولِ مِنَ الفاءِ والعينِ واللامِ وينطقونَ بالزّوائدِ بأَلفاظِها فإذا قالوا: فاءٌ هذِا الحرفُ وواوٌ أَو ياءٌ فإنَّما يعنونَ أن أول حرفَ منه أصلي واوٌ أَو ياءٌ وكذلكَ إذا قالوا: عينهُ كذَا أَو لامهُ كذَا فإنّما يعنونَ الثاني الأَصلي الذي هُوَ عينٌ والثالثُ الأَصلي الذي هُوَ لامٌ فإذَا تكررَ الحرفُ الأَصلي بعدَ تمامِ الثلاثةِ كرروا اللامَ.
الثاني: مِنَ القسمِ الأولِ:
وهوَ الإِبدالُ لغيرِ إدغامٍ وهوَ أَحدَ عَشَر حَرفًا ثمانيةٌ مِنها مِنْ حروفِ الزوائدِ وثلاثةٌ مِنْ غيرهنٌ: الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والتاءُ والدالُ والطاءُ والميمُ والجيمُ والهاءُ والنونُ.
الأولُ: الهمزةُ:
وهيَ تبدلُ من ثلاثةِ أَشياءٍ: تبدلُ مِنَ الياءِ إِذَا كانتْ لامًا في نحو: قَضَاءٍ وسِقَاءٍ كانَ الأصلُ: قَضَاي وسِقَاي لأَنَّهُ من: قَضيتُ وسَقيتُ والملحقُ بمنزلةِ الأَصلِ وذلكَ: القَيْقَاءُ والزَّيزاء بمنزلةِ العَلْياءِ ملحقٌ بِسردَاحٍ1، ويدُلُّكَ على أَنَّها ملحقةٌ زائدةٌ أَنهُ لا يكونُ في الكلامِ علَى مثالهِ إلا مصدرٌ. ويدلُّكَ علَى أَنَّ الهمزةَ في: قَيْقَاءٍ وزِيزاءٍ مبدلةٌ مِنْ ياءٍ قولُهم: قَواقٍ فجعلوا الياءَ الأُولى مبدلةً مِنْ واوٍ مثلُ "قِيلَ" فِعِلْباءُ وقَيقَاءُ
__________
1 سرداح: الناقة الطويلة.

(3/244)


مثلُ دِرحايةٍ وإنَّما هيَ فِعْلايةٌ. وتبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتْ لامًا نحو: كِسَاءٍ. وعَزَاءٍ تبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتِ الواوُ عينًا مضمومةً في أَدورٍ وأَنورٍ ولكَ أَنْ لا تهمزَ وكُلُّ واوٍ مضمومةٍ لكَ أَن تهمزَها إنْ شئتَ إلا واحدةً فإنَّهم اختلفوا فيها وهوَ قولهُ عَز وجَلَ: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 1 وما أَشبهها مِنْ واوِ الجمعِ فأَجازَ بعضُ الناسِ الهمزةَ وهم قليلٌ والاختيارُ غير ما قَالوا وإذَا اجتمعتْ واوانِ في أَولِ الكلمةِ ولم تكنِ الثانيةُ مَدة فالهمزةُ لازمةٌ تقولُ في تصغيرِ واصلٍ: أُويصل.
قالَ سيبوبه: سألتُ الخليلَ عن فُعْلٍ مِنْ وَأَيْتُ فقالَ: وُؤْيٌ فقلتُ فيمَن خفَّفَ فَقال أُويٌ فأبدلَ مِنَ الواوِ همزةً وقال: لا تلتقي واوانِ في أولِ الحَرفِ2. قالَ المازني: الذي قالَ خَطَأٌ. لأَنَّ الواوَ الثانيةَ منقلبةٌ مِنْ همزةٍ. فإنْ كانتِ الواوُ أَولًا وكانتْ مضمومةً فأَنْتَ في همزِها بالخيارِ أَعد في وَعدَ وأُجوةٌ من وجوهٍ وإنْ كانتْ غيرَ مضمومةٍ فَقَد جاءَ الهمزُ في بعضِ ذلكَ نحو: إسادةٍ في وِسَادةٍ وإشاحٍ في وشاحٍ3. وتبدلُ مِنَ الألفِ المنقلبةِ ومِنَ الألفِ الزائدةِ إذَا وقعتْ بعدَ أَلفٍ وذلكَ "فَاعلٌ" إذا اعتلَّ فَعَلَ منهُ نحو: قَامَ فهوَ قَائمٌ وبَاعَ فهوَ بائعٌ ومِنْ شأَنِهم إذا اعتلَّ الفعلُ أَنْ يُعل اسمُ الفاعلِ الجاري عليهِ وكانَ أَصلُ قَامَ: قَوُمَ وأَصلُ باعَ: بَيعَ فأبدلتِ الياءُ والواوُ أَلفينِ فلمَّا صرفَ منهُ فَاعل وقَعَتِ الألفُ بعدَ أَلفٍ فَلَم يمكنِ النطقُ بهما لأَنَّهما ساكنتانِ والألفُ لا تتحركُ فقلبتْ همزةً وقيلَ: إنَّها
__________
1 البقرة: 237.
2 انظر: الكتاب 2/ 356.
3 انظر: المنصف 1/ 230.

(3/245)


هُمزتْ لأَنَّ أَصلَ الياءِ السكونُ في: يَقولُ ويِبيعُ فوقعتْ بعدَ ساكنٍ فَهمزتْ وكذلكَ الألفُ الزائدةُ إذَا وقَعَتْ بعدَ أَلفٍ نحو أَلفِ رِسَالةٍ إذَا جمعتَها قلتَ: رَسَائلُ لأَنَّ الألفَ وقعتْ بعدَ أَلفٍ فهُمزت وشبهت ياءَ صحيفةٍ وواوَ عَجُوزٍ بأَلفِ رسالةٍ فقالوا: صحائفُ ورَسائلُ وعَجائزُ1 فهمزوا وأَمَا قولُهم: الشَّقَاوةُ والنَّهَايةُ فإنَّ هذَا بُنيَ مِنَ الهاءِ في أولِ أحوالهِ. فلم تكنِ الياءُ والواوُ حرفَ إعرابٍ فيها ولَو بُنيَ علَى التذكير كانَ مهموزًا كقولِهم: عباءةٌ وصَلاءةٌ وعَظَاءة وهذَا أصلٌ قَبْلَ دخولِ الهاءِ وأَمَّا قولُهم: غَوْغَاء ففيها قولانِ: أَمَّا مَنْ قالَ: غَوغاءُ فَلَم يصرفْ فهيَ عندَهُ مثلُ: عَوْراءَ وأَمَّا مَنْ صَرَف وذكرَ فهيَ عندَهُ بمنزلةِ: القمقامِ2 والهمزةُ مبدلةٌ مِنْ واوٍ وأَبدلوا الهمزةَ مِنَ الهاءِ في موضعِ اللامِ من ماءٍ يَدلُّ علَى ذلكَ تصغيرُها مُوَيةٌ وفي الجمعِ مياهٌ وأَمواهٌ.
وزعَم أَبو زيد: أَنَّ العربَ تقولُ: ماهتِ الركيةُ3 تموهُ موهًا إذَا ظهرَ ماؤها وأَماههَا صاحبُها يميهها إماهةً.
الثاني: الأَلفُ:
الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ والهمزةِ والنونِ الخفيفةِ.
الضربُ الأولُ: إبدالُ الألفِ من الياءِ:
وهيَ تبدلُ مِنها في ثلاثةِ مَواضع:
__________
1 بعد عجائز كلمة "صحائف" وهو سهو من الناسخ.
2 أي: ضاعفت الغين في غوغاء كما ضاعفت القاف في قمقام.
3 الركية: البئر.

(3/246)


الأولُ: تبدلُ وهيَ لامٌ وعينٌ وفاءٌ أَما اللامُ فنحو: بعتُ وقضيتُ إذَا وقعتِ الياءُ والواوُ موقعًا تتحركانِ فيهِ مثلُ ضَرَبَ قُلتَ: رَمَى وَغَزَا فقلبتِ الياءُ والواوُ أَلفًا لأَنَّهما في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلَها فتحةٌ وكذَا حقُّ الياءِ والواوِ إذَا وقعتا بهذهِ الصيغةِ وكذلكَ: يَرمي ويَرى وإذَا كانَ الماضي مِنْ هَذا على "فَعلَ" فمضارعهُ على يَفْعِلُ يلزمُ العينَ الكسرة لتثبتِ الياءُ ولا يقعُ فيهِ "يَفْعُلُ" كيلا تنقلبَ الياءُ واوًا وكذلكَ فَعُلَ فيهِ مِنَ الواوِ نحو: غَزَا يلزمهُ يَفْعُلُ فتقولُ: يَغْزُو وتدخلُ فعلتُ عليهما فتقولُ: خَشيتُ واللامُ ياءٌ لأَنهُ مِنْ خَشِيَهُ وتقولُ: غَبيتُ فالأصلُ واوٌ لأَنَهُ مِنَ الغباوةِ وأَمَّا فَعُلَ فلا يكونُ فيما لامه ياءٌ. ويكونُ لامهُ واوٌ نحو: سَرُوَ يَسروُ ولم يقعْ هذَا في الياءِ استثقالًا لَهُ لأَنَّهم قد يفرونَ من الواوِ إلى الياءِ. والياءُ إذا كانت ملحقة فحكمُها حكمُ الأَصلِ تُعلُّ كما تعلُّ نحو: سَلْقَيتُ وَجَعْبَيْتُ تقول: سَلْقَى وجَعْبَى.
واعلَم: أَنَّ آخرَ المضاعفِ من بنات الياءِ يجري مَجْرى ما لَيسَ فيهِ تضعيفٌ فحكمُ: حييتُ حكمُ خَشيتُ فالموضعُ الذي تعلُّ فيهِ لامُ خَشِيتُ تعلُّ لامُ حَييتُ فتقولُ: حَيِيَ يَحيا كما تقولُ: خَشِيَ يَخْشَى فتنقلبُ الياءُ ألفًا ولا يجمعُ على الحرفِ أَنْ تعلَّ لامه وعينُهُ فيختلُّ وتقولُ: مَحْيًا كما تقولُ: مخْشَىً ويَحيا مثلُ يَخْشَى وكذلكَ يعيى وقالوا مَحيًا كما قالوا مَخْشَىً فإذَا وقعَ شيءٌ مِنَ التضعيفِ بالياءِ في موضعٍ تلزمُ ياء يَخْشَى فيهِ الحركةُ وياء يرمي وكانت حركةً غيرَ مفارقةٍ فإنَّ الإِدغام جائزٌ فيهِ وذلكَ قولُكَ: قَدْ حَيَّ في هَذا المكانِ وقَد عَيَّ بأَمْرهِ وإنْ شئتَ قلتَ: قد حَيِيَ والإِدغامُ أَكثرُ لأَنَّ لامَ رَمَى وخَشِيَ في هَذا الموضع بمنزلةِ الصحيح إذَا كانَا قَدْ لزمها الحركةُ ولم يُعلاّ ومثلُ ذلكَ: قد أُحي البلدُ كما تقولُ: أُرمَى يَا هَذا فَتَصحُّ فلمَّا ضَاعفتَ صارتْ

(3/247)


بمنزلةِ مُدَّ وأُمِدَّ وقالَ عَز وجَلَّ: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 1 وكذلكَ قولُهم: حَياءٌ وأَحِيَّةٌ لأَنَّكَ لو قلتَ: أرميّه للزمَ الياءَ الحركةُ ورَجلٌ عَيِيٌّ وقومٌ أَعِياءُ لأَنَّ الحركَة لازمةٌ فإذَا قلتَ: فَعلُوا وأُفْعِلُوا قلتَ: حَيُوا كما تقولُ خَشُوا فتذهبُ الياءُ لأَنَّ حركتَها قَدْ زالتْ كما زَالتْ في: "ضَربوا" فتحذفَ لإلتقاءِ الساكنينِ ولا تحركُ بالضمِّ لثقلِ الضمةِ في الياءِ وأُحيُوا مثلُ أَخْشُوا. قالَ الشاَّعرُ:
وكنّا حَسِبنَاهم فوارسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بَعْدَما ماتوا مِنَ الدهرِ اَعصُرا2
وقَدْ قالَ بعضهُم: حَيُّوا وعَيَّوا لما رأَوها في الواحدِ والاثنينِ في المؤنثِ إذَا قالوا: حَيَّتِ المرأةُ بمنزلةِ المضاعفِ غيرِ المُعتلِّ قالَ الشَّاعر:
عَيُّوا بأمرهِمِ كمَا ... عَيَّتْ ببيضتِها الحَمامهْ3
__________
1 الأنفال: 42، وقرئت بلا إدغام: "مَنْ حَيَيَ عَنْ بَيِّنَةٍ". والقراءتان سبعيتان انظر: النشر.
2 من شواهد الكتاب 2/ 387، على فك الإدغام في حيوا. كهمس: رجل من تميم مشور بالفروسية، وقيل هو من الخوارج، والبيت لابي خرابة الوليد بن حنيفة.
وانظر: المقتضب 1/ 182. والاشتقاق لابن دريد "كهمس" والأغاني 19/ 156.
والتصريف 2/ 190. وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 197.
3 من شواهد سيبويه 2/ 387، على إدغام وإجراؤها مجرى المضاعف الصحيح وسلامته من الاعتلال والحذف لما لحقه من الإدغام.
وصف قوما يخرقون في أمورهم ويعجزون عن القيام بها، وضرب لهم مثلا في ذلك بخرق الحمامة وتفريطها في التمهيد لبيضتها لأنها لا تتخذ عشا إلا من كسار الأعواد، فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانكسرت، ولذلك قالوا في المثل: أخرق من حمامة.
والبيت لعبيد بن الأبرص.
انظر: المقتضب 1/182. وشواهد الشافية 356. وعيون الأخبار لابن قتيبة 2/72. والمنصف لابن جني 2/191. ونظام الغريب لعيسى بن إبراهيم الربعي/ 172. وشروح سقط الزند 3/ 1002 وديوان عبيد/ 29 مع خلاف الرواية.

(3/248)


فهؤلاء عندي إنّما أدخلوا الياءَ بعدَ أَن قالوا في الواحدِ حَيٌّ فأَجروهُ عليهِ. قَدْ قالَ ناسٌ مِنَ العربِ: حَيِيَ الرجلُ وحييتِ المرأةُ فَبَينَ وجرَى على القياسِ.
قالَ سيبويه: وأَخبرنا بهذه اللغةِ يونس قالَ: وسمعْنا مِنَ العربِ من يقولُ: أعيِيَاءُ وأَحيِيةٌ فَيبينُ وأَحسنُ ذلك أَنْ يُخفيهَا وتكونُ بزنتِها1 متحركةً2 وإذَا لم تكنِ الحركةُ لازمةً لم [تدغمْ] 3 كَما قالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 4.
وتقولُ: رَجلٌ معيبةٌ فتَبينُ لأَنَّ الهاءَ غيرُ لازمةٍ وكذلكَ محيِيانٌ ومُعْيِبانٍ وحَيَيانٌ إذَا ثنيتَ الحَيا الذي تريدُ بهِ الغيثَ وأَمَّا تَحيةٌ فهيَ تَفْعِلَةٌ والهاءُ لازمةٌ.
قالَ سيبوبه في بابِ حيَّيتُ: ومِما جاءَ في الكلامِ علَى أَنَّ فِعلهِ5 مثلُ: بِعْتُ: آيٌ وغايةٌ وآيةٌ وهذَا ليسَ بمطردٍ وهوَ شَاذٌ وهو قولُ الخليلِ. وقَالَ غيره: إنّما هي أَيَّةٌ وأَيٌ فَعْلٌ ولكنَّهم قلبوا الياءَ وأَبدلوا مكانَها الألفَ لإجتماعهما كما تكرهُ الواوانِ وكما قالوا: ذَوائبُ فأَبدلوا الواو كراهيةَ الهمزةِ وأَمَّا الخليلُ فكانَ يقولُ: جاءَ علَى أَن فِعلَهُ معتلٌّ وإنْ كانَ لم يتكلمْ بهِ كمَا قالوا: قَوَدٌ فجَاءَ كأَنَّ فِعْلهِ علَى الأَصلِ6،
__________
1 في الكتاب 2/ 288: بمنزلتها.
2 انظر: الكتاب 2/ 288.
3 أضفت كلمة "تدغم" لإيضاح السياق.
4 القيامة: 40.
5 قبل هذه الكلمة: "فعل"، وقد حذفتها لعدم الحاجة إليها، ولأنها غير موجودة في نص الكتاب. وانظر: سيبويه 2/ 288.
6 انظر: الكتاب 2/ 388-389.

(3/249)


وجاء استحيتُ على حَايَ مثلُ بَاعَ. وقياسُ فاعلهِ أَن يكونَ حَاءً في مثلِ بائعٍ مهموزٌ وإنْ لم يستعملْ وكانَ أَصلُ استَحْيتُ استحيَيتُ مثلُ استَبْيعتُ فأَعلوا الياءَ الأولى وأَلقوا حركتَها على الحاءِ فقالوا: استَحَيْتُ كما قالوا: استبعتُ قالَ سيبويه: حذفتْ لإلتقاءِ الساكنين قالَ: وإنّما فعلوا ذلكَ حيث كَثُرَ في كلامِهم1. قالَ المازني: لم تحذف لإلتقاءِ الساكنينِ ولو كانت حذفتْ لإلتقاءِ الساكنينِ لردَّها إذَا قالَ: "هُوَ يفعلُ" فَيقولُ: هُوَ يستحي. فاعلم2.
والذي عندي في ذلكَ: أَنَّها حذفتْ استثقالا لمَّا دخلتْ عليها الزوائدُ السينُ والتاءُ وقولُ المازني في هَذا عندي أَقربُ وقولُهم للإثنينِ استَحيا دليلٌ علَى أَنَّهُ لم تحذفْ لإلتقاءِ الساكنينِ ولو ردوا في يَسْتَحي فجعلوهُ مثلُ يستبيعُ علَى ما قاَل سيبويه لوجب أَن يقالُ: يَسْتَحيُّ والأفعالُ المضارعةُ إذَا كانَ آخرُها معتلا لم يدخلُوا الرفعَ في شيءٍ مِن الكلامِ وهَذا أَصلٌ مطردٌ فيها ولهذَا قيلَ: يُحيُ ولم تحذفِ الياءُ الأخيرةُ ولو وقعَ مثلُ هَذا في الأسماءِ لحذفتِ كما حذَفوا في تصغيرَ عَطَاءٍ وأَحْوَى فقالوا: عُطيٌّ وأُحيٌّ لأَنَّ الأَسماءَ قد تعربُ إذا أَعللتَ أَواخرَها فأَمَّا قولهم: يُحيى فإنَّما جازَ ذلكَ فيهِ مُحييٌّ وهوَ اسمٌ لأَنَّهُ اسمُ فَاعلٍ جَاءَ على فعلِه فحكمُهُ حكمُهُ لأَنَّ الأَسماءَ الجاريَة على أَفعالِها تعتلُّ باعتلالِها فَمُحيٌّ نظيرُ يُحيي فهذَا فَرْقٌ بينَهما وفيهِ لطْفٌ.
واعلم: أَنَّ افعَاللْتُ مِنْ رميتُ بمنزلةِ أَحييتُ في الإِدغامِ والبيانِ والخَفاءِ وهيَ متحركةٌ تقولُ: ارماييتُ فيلزمُها ما يلزمُ ياءَ أحييتُ وكذلكَ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 389.
2 انظر: التصريف 2/ 204.

(3/250)


افعللَتُ وتقولُ: ارْمَويَّ في هَذا المكانِ كما قلتَ: حُيَّ وَأُحِيَّ فيهِ لأَنَّ الفتحة لازمةٌ ولا تقلبُ الواوُ ياءً لأَنَّها كواو سُوَيرً وهيَ زائدةٌ لا تلزمُ وتكونُ أَلفًا في سَائرٍ. ومَنْ قالَ: أُحِييَ فيها قَال: أَرمينيِ أَرْمُوبَي فيها. وافْعَلَلتُ مِنْ حَييتُ بمنزلتِها مِنْ رَمَيْتُ فافْعَلَلتُ بمنزلةِ ارمَيَيْتُ إلا أَنهُ يدركُها مِنَ الإِدغامِ مثلُ ما يدركُ اقتَتَلتُ وتبينُ كما تَبينُ لأَنهما ياءانِ في وسطِ الكلمةِ كالتاءين في وَسطِها ولكَ أَن تخفيَ1 كَما تخفي في التاءين لا فَرْقَ بينهما في ذلك وإنّما منعهم أَنْ يجعلوا اقتتلوا مثلَ رددتُ فيلزمهُ الإِدغامُ أَنَّهُ في وسطِ الحرفِ وسنبينُ ذلكَ في الإِدغامِ إِنْ شاءَ الله.
قالَ سيبويه: سألتُه يعني الخليلَ عن قولِهم: مَعَايَا فَقالَ: الوجهُ مَعاي وهوَ المطردُ وكذلكَ قَالَ يونس وإنَّما قالوا: مَعَايا كَما قالوا: مَدارَىً وكانتِ الكسرةُ معَ الياءِ أثقلُ2.
الثاني: العَيْنُ:
الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ إذا كانَتا عينينِ وكانَتا متحركتينِ وقبلَهما فتحةٌ كاللامِ لا فَرقَ بينَهما وذلكَ نحو: قالَ وبَاعَ وخَافَ والأَسماءُ نحو: بَابٍ ودَارٍ ونَابٍ فالواوُ والياءُ تقلبُ في جميع ذلكَ لأَنَّهما متحركتانِ قبلهما فتحةٌ فهذاَ يعودُ مستقصىً في بابِ إبدالِ الألفِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ وقالوا: العابُ يريدونَ: العيبَ فهؤلاءِ بنوهَا على فَعْلٍ وقالوا: أَحالَ البئرُ وحَوْلَها قالَ الجرمي: فأبدلوا الألفَ من الواوِ. وليسَ
__________
1 الإخفاء: النطق بالحرف الساكن الخالي من التشديد بين الإظهار والإدغام مع الغنة كالنطق بالنون الساكنة والتنوين من الخيشوم نحو: أنجيناكم، وإن جاءكم.
2 انظر: الكتاب 2/ 391-392.

(3/251)


الأَمرُ عندي كمَا قالَ ولكنَّهما لغتانِ لأَنَّ الواوَ في هَذا الموضعِ لا يجبُ أَن تقلبَ. وقالوا: مَاتَ فأَبدلوا الأَلفَ مِنَ الواوِ.
الثالثُ: إبدالُها مِنَ الفاءِ:
منهم مَنْ يقولُ في يَئِسَ ويَبِسَ. ياتئِسُ وياتَبِسُ فأَبدلوا مِنَ الياءِ الفاءَ1.
الضربُ الثاني: إبدالُ الألفِ مِنَ الواوِ:
تبدلُ الواوُ لامًا وعينًا وفاءً.
الأول: تبدلُ الواوُ لامًا نحو: غَزوتُ إذَا أَوقعتَها موقعًا تتحركُ فيهِ نحو: ضَرَبَ قلتَ: غَزَا فقلبتَ الواوَ ألفًا لأَنَّها في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلها متحركٌ يَفعلُ فيهِ يلزمهُ يَفعُلُ لِتصحَّ الواوُ فتقولُ: يَغزُو وفعلتُ يدخلُ عليها نحو: شَقيتُ وهو من الشقوةِ وأَمَّا فَعُلَ فيكونُ في الواوِ نحو: سَرُوَ ويَسرُو والدَّوداةُ2 والشوشاةُ3 والأصلُ: دودةٌ فقلبتْ وهَذَا مضاعفٌ كالقَمقامِ والمَوْمَاة مثلهُ بمنزلةِ المَرْمَرِ ولا تجعل الميمَ زائدةً.
قالِ سيبويه: لا تجعلْها بمنزلةِ تَمَسكنَ لأَنَّ ما جاءَ هكذَا والأولُ مِن نفسِ الحرفِ هوَ الكلامُ الكثيرُ ولا تكادُ تجد في هَذا الضَّرب الميمَ زائدةً وأَمّا قولُهم: الفَيفَاةُ فالأَلفُ زائدةٌ لأَنَّهم يقولونَ الفَيفُ في هَذا
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 359 وفيه قالوا: يبس يابس كما قالوا: يئس يئس.
2 الداودة: جمعها الداودي، وهي الأرجيح أو آثار الأراجيح في ملاعب الصبيان.
3 الشوشاة: المرأة الكثيرة الحديث.

(3/252)


المعنى وأَمَّا القِيقاءُ1 والزِّيزاءُ فه و"فِعْلاَء" ملحقٌ بِسرداحٍ لأَنهُ لا يكونُ في الكلامِ مثلُ القِلقالِ إلا مصدرًا.
__________
1 القيقاء: المكان المرتفع.

(3/253)


إبدالُ الألفِ مِن الواوِ وهيَ عَيْنٌ:
الأولُ: ما الواو فيه والياءُ ثانية وَهما في موضعِ العينِ في الفِعْلِ: فَعُلَ وفَعِلَ وفُعُلَ تبدلُ في جميع هذا الألِفُ مِنَ الياءِ والواوِ وذلكَ قولُهم: قالَ وهوَ فَعَلَ مِنَ القَولِ وخَافَ فَعِلَ مِنَ الخوفِ. وطَالَ فَعُلَ مِنَ الطولِ يدلُّكَ على ذلكَ طُلْتُ وطَويلٌ والياءُ في هَذا كالواوِ.

(3/253)


الثاني: ما الواوُ فيهِ ثانيةٌ وهيَ في موضعِ العينِ في الاسم:
اعلَم: أَنَّهُ ما جاءَ مِنَ الأسماءِ وساقٍ وزنِ الفعلِ المعتلِّ أُعلَّ وما خالفَ منها بناءَ الفعلِ صَحَّ فالمعتلُّ نحو: بَابٍ ودَارٍ وساق لأَنَّ ذلكَ علَى مثالِ الأَفعالِ ورُبّما جَاءَ على الأَصلِ في الاسم نحو: القَوَدِ والحَوكَةِ1 والخَوَنةِ2 والجَوَرةِ وكذلك: "فَعِلٌ" وذلكَ خِفْتُ ورَجلٌ خَافٌ ومُلْتُ ورَجلٌ مالٌ3، ويومٌ راحٌ4 وقَد جاءَ على الأَصلِ قالوا: رَجُلٌ رَوِعٌ5، وحَوِلٌ6 وأَمَّا فَعُلٌ فَلَم يجيئوا بهِ علَى الأَصلِ كَراهيةً
__________
1 الحوكة: جمع حائك.
2 الخونة: جمع خائن، يقال: خان، يخون خونا وخيانة.
3 رجل مال: هو كثير المال.
4 يوم راح: هو الطيب الريح.
5 رجل روع: هو المرتاع الفزع.
6 حول: بمعنى أحوال.

(3/253)


للضمةِ في الواوِ ولِما يصيرونَ إليهِ مِنَ الإِسكانِ والهمزِ وفُعَلٌ في كلامِهم نَحو طَالَ ويدلَّكَ على أَنَّهُ فُعَلٌ قولُهم: طُلْتُ وطويلٌ وفُعَلٌ على الأَصلِ لأَنَّهُ لا يكونُ فعلًا معتلًا فيجري عَلى فِعْلهِ وما لَم يكنْ لَهُ مثالٌ في الفعلِ قَد أَعلَّ لم يعلَّ وذلكَ قولُهم: رَجُلٌ نُوَمٌ1 وسُوَلَةٌ وَلُوَمَةٌ وعُيَبةٌ وكذلكَ إنْ أَردتَ نحو: إبِلٍ قلتَ: قِوِلٌ2، ومِنَ البيعِ بِيعٌ فَأَمَّا "فُعُلٌ" فإنَّ الواوَ تسكنُ لإجتماعِ الضمتينِ والواوِ وذلكَ قولُهم: عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ وقَووُلٌ: قُولٌ وأَلزموا هَذَا الإِسكانَ إذْ كانوا يسكنونَ "رُسْلٌ"3 ولم يكن لأَدْؤُرٍ وقَؤُولٍ4 مثالٌ مِنْ غيرِ المعتلِّ يُسكنُ فيُشبه هَذَا بِهِ ويجوزُ تثقيلُ فَعُلٌ في الشعرِ وفُعُلٌ في بنَاتِ الياءِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِ نحو: غَيُورٍ وغُيُرٍ ودَجَاجٍ بُيُضٍ ومَنْ قالَ: رُسْلٌ قالَ: بِيْضٌ.
قالَ الأَخفشُ: أَقولُ في فُعلةٍ مِنَ البيعِ: بُوعةٌ ولا أُغيرُ إلا في الجمعِ وهوَ مذهبُ أَبي العباسِ.
__________
1 في الأصل نوبة: ولامعنى لها. والنومة: الكثير النيام.
2 في الأصل "قوال".
3 أي: أنهم يسكنون غير المعتل نحو: رسل وعضد.
4 في الأصل "قول" بواو واحدة.

(3/254)


إبدالُ الهاءِ مِنَ الواوِ وهيَ فَاءٌ:
ذكرَ سيبويه في: وَجِلَ يَوْجَلُ أَربَع لغاتٍ فأَجودهنَّ وأكثرهنَّ يَوْجَلُ1 وهيَ الأَصلُ قالَ الله عزَ وجَلَ: {لا تَوْجَلُ إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} 2. ويقولُ قَومٌ: أَنْتَ تَيجِلُ فيكسرونَ التاءَ ويقلبونَ الواوَ ياءً
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 257 والتصريف 1/ 202.
2 الحجر: 53.

(3/254)


لإنكسارِ ما قبلَها وهيَ لغةُ تميمٍ وعامةٍ قيسٍ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ الياءَ معَ الواوِ فيقلبُ الواوَ فيقولُ: يَاجَلٌ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وقومٌ مِنَ العرب يكسرونَ الياءَ فيقولونَ: هو يِيجَلُ فيكسرونَ الياءَ فتنقلبُ الواوُ ياءً وليسَ ذلكَ بالمعروفِ1.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 257، والتصريف 1/ 202.

(3/255)


الضربُ الثَّالثُ: إبدالُ الألفِ مِنَ النونِ:
الأَلفُ: تبدلُ مِنَ النونِ الخفيفةِ في ثلاثةِ مواضع:1
أَحدها: التنوينُ في الصرفِ في الاسم المنصوبِ تقولُ: رأيتُ زيدا إذا وقفتَ فإذَا وصلتَ جعلتَها نونًا وإذا وقفتَ جعلتَها أَلفًا.
والثاني: النونُ الخفيفةُ في الفعلِ إذَا انفتَح ما قبلَها في قولِكَ: اضربَنْ زيدًا بالنونِ الخفيفةِ فإذَا وقفتَ قلتَ اضربا.
والثالث: قولُكَ: إذن آتيكَ فإذَا وقفتَ قلتَ: إذا. قالَ اللَّهُ عَزَ وَجلَّ: "وإذَنْ لا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إلا قليلًا"2، إذَا وقفتَ [عليها] 3 قلتَ:
__________
1 هنا تنتهي الزيادة من "ب".
2 الإسراء: 76، وقراءة خلفك سبعية، الإتحاف/ 285. وقراءة يلبثوا بالنصب شاذة. شواذ ابن خالويه/ 77 والبحر المحيط 3/ 273.
3 زيادة من "ب".

(3/255)


إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ:
إبدالُها مِنَ اللاماتِ في "شقيتُ" وهيَ متحركةٌ مفتوحةٌ وقبلَها كسرةٌ والواوُ إذا كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ في الاسم وكانتْ حرف الإِعرابِ قلبت ياءً وكُسِرَ المضمومُ وذلكَ قولُهم: دَلْوٌ وأَدْلٍ وحَقْوٌ وأَحْقٍ كانَ الأَصلُ: أَدْلُوٌ وأَحْقُوٌ قلبتِ الواوُ ياءً1 [فإنْ كانَ قبلَ الواوِ ضمةُ] 2 ولَم يكنْ حرف الإِعرابِ ثبتت وذلَكَ نحو: عُنْفوانٍ3 وقَمَحْدوةٍ وقالوا: قَلَنْسوةٍ فأَثبتوا ثُمَ قالوا: قَلَنْسٍ فأَبدلوا لما صارتْ طرفًا وقبلهَا ضمةٌ وإِذا4 كانَ قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ ساكنُ جرتا مجَرى غيرِ المعتلِ وذلكَ نحو: ظَبْيٍ ودَلْوٍ ومِنْ ثُمَ قَالوا: مَغْزوٌ وعُثوُّ5 لأَنَّ قبلَ الواوِ ساكنًا وقالوا: عُتِيٌّ ومَغْزِيٌّ شبهوَها حينَ كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ ولم يكنْ بيَنهما إلا حَرفٌ ساكنُ بأدلٍ والوجهُ في هَذا النحو الواوُ والأُخرى عربيّةٌ كثيرةٌ فإنْ جَاءَ مثلُ هَذا الواوِ في جمعٍ فالوجهُ الياءُ وذلكَ قولُهم: في جمع ثَديٍ6: ثُديٌّ وعُصِيٌّ وحِقيٌّ7. وقالَ بعضُهم: إنَّكم لتنظرونَ في نحوٍ كثيرةٍ8 فشبهوهَا: بعُتوٍّ وهذَا قليلٌ وأَلزم الجمع الياءَ لأَنَّهم يقولُون في: صُوّمٍ: صُيَّمٌ وهوَ أَبعدُ مِنَ الطرفِ. فكانَ هَذا أَوجبُ. وقَد يكسرونَ أَولَ الحرفِ لِمَا بعدَهُ مِنَ الكسرِ والياءِ وهيَ لغةٌ جيدةٌ وذلكَ قولُهم: عِصِيٌّ وثِدِيٌّ وعِتِيٌّ وجِثِيٌّ وقَدْ أبدلتِ الياءَ مِنَ الواوِ استثقالًا من غيرِ شيءٍ مما تقدمَ فقَالَ الشاعرُ:9
__________
1 زيادة من "ب".
2 ما بين القوسين ساقط من "ب".
3 عنفوان: أول الشيء وأول بهجته.
4 في "ب" فإذا.
5 عتو: عتا عتوا وعتيا، واستكبر، جاوز الحد.
6 في "ب" عصا.
7 حقي: مفردها حقو، وهو الخصر.
8 انظر: الكتاب 2/ 381.
9 من شواهد سيبويه 2/ 382 على قلب "معدو" إلى معدي، استثقالا للضمة والواو تشبيها له بما يلزم قبله من الجمع لاجتماع ثقله وثقل الضمة والواو، من نحو: عاث، وعثو. والشاهد لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وقد أسر يوم الكلاب الثاني.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 568. وأدب الكاتب/ 581. والنصف1/ 188، وابن يعيش 5/ 36 واللسان. "شوش" والعيني 4/ 589. والخزانة 4/ 45.

(3/256)


وَقَدْ عَلَمْت عِرْس مُلَيكةُ أَنَّني ... أَنَا الليثُ معديًا عليهِ وعَاديا
وقالوا: يسنُوها المطرُ وهيَ أَرضٌ مسنيةٌ1، وقالوا: مَرضِيٌّ وأَصلُه الواوُ وقالوا: مَرْضُوٌّ فجاءوا بهِ علَى الأصلِ والقياس
وهذهِ الواوُ إذَا كانتْ لامًا وقبلَها كسرةٌ قلبتْ ياءً وذلكَ نحو: غَازٍ وغُزِيَ.
قالَ سيبويه: وسأَلتهُ يعني الخليلَ عن غُزِيَ وشِقَيَ إذَا خففَ في قولِ مَنْ قالَ: عُلْمَ ذاكَ وعُصْرَ في عُصِرَ فقالَ: إِذَا فعلتُ ذلكَ تركتَها ياءً على حالِها لأَني إنَّما خففتُ ما قدَ لزمتهُ الياءُ وإنَّما أَصلُها2 التحريكُ وقلبُ الواوِ أَلاَ تراهم قَالوا: لَقَضُوَ الرجلُ ولقضْوَ3.
قالَ: وسأَلتُهُ عَنْ قولِ/ بعضِ العربِ: رَضيُوا فقالَ: هيَ بمنزلةِ: غُزْيٍ لأَنَّهُ أسكنَ العينَ ولو كسرَها لحذفَ لأَنهُ لا يلتقي ساكنان حيثُ كانت لا تدخلُها الضمةُ وقبلَها الكسرةُ والواو كذلكَ تقولُ: سرْوُوا علَى الإِسكان وسَرُوا على [إثبات4] الحركةِ5 وفُعْلَى مِنْ بناتِ الواوِ6، إذَا كانتْ اسمًا فالياءُ مبدلةٌ مِنَ الواوِ وذلكَ قولُكَ: الدُّنيا والعُلْيا والقُصْيَا،
__________
1 مسنية: ومسنوة، أسم مفعول من سنا الغيث الأرض يسنوها، إذا سقاها، قلبوا الواو ياء كما قلبوها في قنية.
2 "1" في "ب" أصله.
3 انظر: الكتاب 2/ 382.
4 اضفت كلمة "إثبات" لإيضاح المعنى.
5 انظر: الكتاب 2/ 382.
6 في "ب" مكان.

(3/257)


وقَدْ قالوا: القُصْوَى فأَجروها على الأَصلِ لأَنَّها قد تكونُ صفةً بالألفِ واللامِ وهيَ مِنْ: دنوتُ وعلوتُ يقولونَ: قَضَا يَقْضُو وهوَ قَاضٍ ويجري "فُعْلَى" من بناتِ الياءِ على الأَصلِ اسمًا وصفةً وأَمَّا فِعْلَى منهما فَعَلى الأَصلِ صفةً واسمًا يجريهما على القياسِ لأَنَّه أوثقُ ما لم تتبينُ تغيرًا منهم.
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ:
تقلبُ الواوُ ياءً في شَقيتُ وغَبيتُ لإنكسارِ ما قبلهما فإذا قالوا: يَشْقَى ويَغْبَى قلبوها ألفًا لانفتاح ما قبلَها وإذَا قالوا: يَشْقَيانِ ويَغْبَيانِ قلبوا الواوَ ياءً ليكونَ المضارعُ كالماضي وإذَا كانَ: فَعَلْتُ1 مع التاءِ علَى خمسةِ أحرفٍ فَصَاعدًا وكانَ الفعلُ مِمّا لامهُ واوٌ قلبتْ ياءً وذلكَ قولُكَ: أَغزيتُ وغَازيتُ واسْتَرْشِيتُ وإنَّما فُعِلَ ذلكَ لأَنَّكَ إذَا قلتَ منهُ يَفْعَلُ انكسر ما قبلَ الواوِ فقلبتِ الواوُ ياءً لذلكَ2 ثمَّ اتبعَ الماضي المستقبلَ فإنْ قالَ قائلٌ: فَما بَالُ قولِهم: تَغازينَا ومستقبلُهُ يَتَغازى وما قبلَ اللامِ مفتوحٌ في الماضي والمستقبلِ؟ قيلَ لَهُ: إنَّ الأَصلَ كانَ قبلَ دخولِ التاءِ في "تَغازينَا" غَازيناَ نَغازي "فَاعِل" غَازي مِنْ أَجلِ اعتلالِ "يغُازي" ثُم دخلتِ التاءُ3 بعدَ أَنْ وجبَ البدلُ ومِنْ ذلكَ قولُهم4: ضَوضَيتُ وقَوْقَيتُ الياءُ مبدلةٌ مِنْ واوِ لأَنَّهُ بمنزلةِ: صَعْصَعتُ تكررتْ فيهِ الفاءُ والعينُ ولكنَّهم أَبدلوا الواوَ إِذْ كانتْ رابعةً ياءً والمضاعفُ من بنَاتِ الواوِ
__________
1 في "ب" من.
2 في "ب" كذلك.
3 التاء: ساقط في "ب".
4 قولهم: ساقط في "ب".

(3/258)


مِمّا عينهُ ولامهُ واوانِ لا يثبتانِ في "فِعْلٍ"1 ويلزمانِ2 في الماضي اَنْ يُبنَيا على "فَعِلٍ" حتَى تنقلبَ الواوُ التي هي لامٌ ياءً وذلكَ قولُهم: مِنَ القوةِ: قويتُ ومِنَ الحوةِ: حويتُ وقَويَ وحَوِيَ ولم يقولوا: قَدْ قَوَّ كما قَالوا "حَيَّ" لأَنَّ [العينَ في3] الأصلِ قالبةٌ الواوَ الآخرةَ4 إلى الياءِ وليسَ5 قَوِيَ مثلُ: حَيِيّ لأَنَّ العينَ واللام في "قَوِيَ" قد اختلفا وإنّما الإِدغامُ بإتفاقِهما ولم يقولوا: قووتَ تَقْوُو كما قالوا: غَزَوْتَ [تَغَزوُ] 6 استثقالًا للواوينِ وقالوا: قُوَّةٌ لأَنَّ اللسانَ يرتفعُ رفعةً واحدةً فجازَ هَذا كما قالوا: سَأَلٌ: لمَّا كانَ اللسانُ يرتفعُ رفعةً واحدةً والهمزةُ أَثقلُ مِنَ الواوِ. وافْعَلَلتُ وافْعَالَلتُ مِنْ غَزوتُ اغزويتُ واغَزاويتُ لا يقعُ فيهما الإِدغامُ ولا الإِخفاءُ حتَى لا يلتقي حرفانِ من موضعٍ واحدٍ وإنَّما وقعَ الإِدغامُ والإِخفاءُ في بابِ: حَيِيتُ لأَنَّهما ياءانِ فاغزويتُ مثلُ: ارْعَويتُ وثبتتِ الواوُ الأولى ولَم تحولْ أَلفًا وإنْ كانتْ متحركة وقبلَها فتحةٌ من أَجلِ سكونِ ما بعدَها وأَنَّهُ إذا كانتِ العينُ واللامُ مِنْ حروفِ العلةِ أُعلتِ اللامُ وصحتِ العينُ وإنَّما الواوُ هُنا بمنزلة نَزَوانٍ وافْعَالَلتُ مِنَ الواوينِ بمنزلةِ غَزَوتُ وذَلكَ قَولُ العَربِ7: قَدْ احواوتِ الشاةُ واحواويتُ والمصدرُ احويَّاء. وتقول: احْوويتُ فتثبتُ الواوانِ وسطاً
__________
1 في "ب" في الفعل.
2 في "ب" يلزم. وهو أفضل.
3 زيادة من "ب".
4 في "ب" الأخيرة.
5 في "ب" فليس.
6 أضفت كلمة "تغزو" لإيضاح المعنى.
7 في سيبويه 2/ 391، وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة: غزوت، وذلك قول العرب: قد احوويت، تثبتان حيث صارتا وسطا، كما أن التضعيف وسطا، أقوى، نحو: اقتتلنا، فيكون على الأصل.

(3/259)


كالياءينِ ويجري1 احوويتُ علَى: اقتتلتُ في البيانِ والإِدغامِ والإِخفاءِ وَتقولُ في "فُعْلٍ" مِنْ شَويتُ: شِيءٌّ قلبتِ الواوُ ياءً حينَ كانتْ ساكنةً بعدَها ياءٌ وكسرتِ الشينُ كراهيةَ الضمةِ معَ الياءِ كما تكرهُ الواوُ الساكنةُ وبعدَها ياءٌ وكذلكَ فعْلٌ "مِنْ" "حَيِيتُ" حِيٌّ. وقَدْ ضَمَّ بعضُ العربِ2 الأولَ ولم يجعلْهَا كَبِيضٍ لأَنَّهُ حينَ أدغَم ذَهبَ المَدُّ أَلا تَرى أَنَّ ما لا يعربُ مِنَ الياءِ والواوِ إِذا كانتا لامينِ متَى وقَع فيهما إدغامٌ وجبَ الإِعرابُ لأَنَّ الحرفَ إِذَا شُدِّدَ قَوِيَ وَصار بمنزلةِ الصحيحِ وكانَ بمنزلةِ الياءِ والواوِ اللتينِ قَبْلَهما ساكنُ ولَو كانت: "حُيٌّ" في قافيةِ معَ "عُمْيٍ" لجازَ وقَالوا3: قَرْنٌ أَلْوى وقُرونٌ لُيٌّ.
قالَ سيبويه: ومثلُ ذلكَ قولُهم: رِيَّا وَرِيَّةٌ حيثُ قلبوا الواوَ المبدلةَ مِنَ الهمزةِ فجعلوها كوا و"شَويتُ4" يريدُ5: رُويَا وَرُوية، وقَد قالَ بعضُهم: رُيَّا وَرِيَّةٌ كما قالوا: لُيٌّ ومَنْ قالَ: رُيَّةٌ قالَ في "فُعْلٍ" مِنْ "وَأَيْتُ" فِيمَنْ تركَ الهمزةَ: وُيٌّ: يَدعُ الواوَ الأُولى علَى حالِها لأَنهُ لم يلتقِ واوانِ إلا في قولِ مَنْ قَالَ: أُعِدَّ [في وَعَدَ] 6 هذَا قولُ سيبويه7.
وقالَ أبو العباس: هذَا غَلطٌ لأَنَّ الذي يقولُ: وُيٌّ ينوي الهمزةَ فكيفَ يَفرٌّ مِنَ الهمزِ الذي هُوَ الأَصلُ ويأتي بغيرِ الأصلِ ومَنْ قالَ: رِيّاً
__________
1 في الأصل فاجر،
2 انظر: الكتاب 2/ 391.
3 في "ب" وقال.
4 انظر: الكتاب 2/ 391.
5 في "ب" يريدون.
6 زيادة من "ب".
7 انظر: الكتاب 2/ 391.

(3/260)


فكسَر الرَاءَ قالَ: وِيُّ فكسرَ الواَوَ وأَبدلوا الياءَ مِنَ الواوِ في قولِكَ: هَذا أَبوكَ وأَخوكَ ثُم قالوا: مررتُ بأَخيكَ وأَبيكَ وكذلكَ: مسلمونَ إذَا قلتَ: مررتُ بمسلمينَ.

(3/261)


إبدالُ الياءِ مِنَ الألفِ:
حاحيتُ1 وعَاعيتُ2 وهاهيتُ قالَ سيبويه3: أَبدلوا الألفَ لشبههِا بالياءِ ويدلُّكَ على أَنَّها لَيْسَت فَاعَلْتُ قولُهم: الحِيحاءُ والعِيعاءُ كَما قالوا: السِّرهَافُ والحَاحَاةُ والهَاهَاةُ فأُجرِي مَجرى: دَعْدعتُ إذْ كُنَّ للتصويتِ كمَا أَنْ دَهدَيْتُ4 هيَ فيما زَعم الخليلُ: دهْدَهتُ وتبدلُ الياءُ مِنَ الألفِ في قولِكَ: هذانِ رجلانِ ثُم تقولُ: رأيتُ رجلينِ ومررتُ برجلينِ وتبدلُ مِنَ الأَلفِ في "قِرْطَاسٍ" إذْا صغرتَ أَو جمعتَ [قلتَ] 5 قَراطيسُ وقُرَيطيسٌ وتبدلُ في لغةِ بَعْضِ العربِ طِيىء وغيرِهم يَقولونَ: أَفْعَىً وحُبْلىً6.
__________
1 حاحيت: قلت: حاحا.
2 عاعيت: قلت: عاعا، تدعو الدابة أو تزجرها.
3 انظر: الكتاب 3/ 386.
4 انظر: الكتاب 3/ 386.
5 زيادة من "ب".
6 انظر: الكتاب 1/ 386.

(3/261)


إبدالُ الياءِ مِنَ الواوش وهيَ فاءٌ:
وذلكَ مِيزانٌ ومِيقاتُ وَهْوَ مِنَ الوقتِ والوزنِ ولكنَّهم قَلبوا الواوَ ياءً لإنكسارِ ما قبلَها.

(3/261)


إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ:
تُبدلُ في "فُعِلَ" مِنَ القولِ والخَوفِ فيقولونَ: قَدْ خِيفَ وقَدْ قِيلَ. وقَدْ ذكرَ في موضعهِ وتبدلُ مدغمةً في: سَيِّدٍ ومَيِّتٍ والأَصِلُ: فَيْعِلٌ وَهْوَ مِنَ الموتِ والسُوددِ1، ولكن كلمَّا التقتْ واوٌ وياءٌ وسكنَ الأولُ مِنْهما قَلَبوا الواوَ ياءً وأدْغَموا الياءَ في الياءِ وأَكثرُ الكلامِ عَلَى هذَا إلا أَحرفًا شاذةً. وقَالوا: لَوَيْتُ لَيَّةً وَليًّا وطويتُ طَيًَّا والأَصلُ: لَوَيْتُ لَوْيَةً ولَوْياً2، وطَويتُ طَوْيًا ولكنْ لما سكنتِ الواوُ وبعدَها الياءُ قلبوها3 ياءً وأَدغموها في الياءِ وليسَ في الصحيحِ: "فَيْعِلٌ" ولكنْ قَد يخصونَ المعتلَّ ببناءٍ ليسَ في الصحيحِ كما قالوا: كَينونةٌ وقَيدُودةٌ وإنَّما هو مِنْ: قَادَ يَقودُ فأَصلُها: فَيْعَلولٌ وليسَ في غيرِ المعتلِّ: فَيْعلولٌ مَصدرٌ فَيْعَلُولةٌ4. وقُضاةٌ لَيْسَ في جمعِ الصحيحِ مثلُه ولَو أَرادوا: "فَيْعَلًا" لقَالوا: سَيّدٌ كما قَالوا: تَيّحانٌ5، وهيَّبانٌ6 ومِما قَلبوا فيهِ الواوَ ياءً: دَيَّارٌ وقيَّامٌ وإنَّما كانَ الحدُّ: قَيْوَامٌ وقَالوا: قَيُّومٌ ودَيُّورٌ والأَصلُ: دَيْوُورٌ7: وأَمَّا: زَيَّلتُ فَفَعَّلتُ مِنْ: زَايلتُ وزِلْتُ ولَو كانَتْ [زَيَّلتُ] 8 فَيْعَلتُ: لقلتَ في المصدرِ: زَيَّلةٌ ولَمْ تقلْ: تَزييلًا وأَمَّا تحيزتُ فَتَفيْعَلْتُ مِنْ: حُزْتُ: والتحيُّزُ: التَّفَيعُلُ.
__________
1 في "ب" السود، بدال واحدة.
2 ليا: ساقط في "ب".
3 في "ب" قلبوا الواو.
4 فيعلولة: ساقط في "ب".
5 تيحان: وهو المقدام، ووزنه: فيعلان.
6 هيبان: الذي يخاف الناس ويهابهم.
7 الأصل في "ديوور" لأنه بني على فيعال وفيعول.
8 زيادة من "ب".

(3/262)


إبدالهُما مِنَ الواوِ الزائدةِ:
وتبدلُ الياءُ مِنَ الواوِ في: بَهْلُولٍ وكُردوسٍ إذَا صغرتَهما أَو جمعتَهما تقولُ في التصغيرِ: بُهَيلِيلٌ وكُرِيدِيسٌ وفي الجمعِ: بَهاليلُ وكَرَاديسُ ومِنْ ذلكَ: مَقْصِيٌّ ومَرْمِيٌّ إنَّما هُوَ مَفْعولٌ وكانَ القياسُ أَنْ تقولَ: مَقْصَويٌّ ومَرْمويٌّ ولكنْ لما سكنتِ الواوُ بعدَها الياءُ قلبوها ياءً وأدغموها فِيها وكذلكَ إذَا قلتَ: هذهِ عشروكَ وعِشِريّ إنَّما قلبتَ الواوَ ياءً للياءِ التي بعدَها قَالَ: وسألتُ الخليلَ عِنْ: سُوَيرٍ وبُويَعِ ما مَنَعهم مِنْ أَن يقلبوا الواوَ ياءً؟ فقالَ: لأَنَّها لَيْستْ بأَصلٍ1 وكذلكَ: تُفُوِعلَ نحو: تُبُويِعَ لأَنَّ الأَصلَ الألفُ ومثلُه: رُويةٌ وَرُويا [غَيرُ مهموزٍ] 2، لَم يَقلبُوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقالَ بعضُهم رُيَّا ورُويَا قَالَ3: ولا يكونُ هذَا في: سُويرٍ وتُبُوِيعَ لأنَّ الواوَ بَدلٌ مِنَ الألفِ فأَرادوا أَن يمدوا4، نحو وَاوِ سُويرٍ واوَ ديوانٍ لأَنَّ الياء بدلٌ مِنَ الواوِ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 373، لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا أصل.
2 زيادة من "ب".
3 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 373.
4 أي: يمدوا كما مدوا الألف.

(3/263)


إبدالُ الياءِ مِنَ المدغمِ عينًا:
وذلكَ قولُهم: ديِنَارٌ وقِيراطٌ والأَصلُ: دِنَّارٌ وقِرَّاطٌ يَدلُّ علَى ذلكَ جمعُهم إياهُ1 دَنانيرُ وقَرَاريطُ والتصغيرُ2 دُنَينيرٌ وقُريرِيطٌ فأَبدلوا الأُولى ياءً. وكلهم يقولُ في "دِيوانٍ" دَوَاوينُ في الجمع ودُيَوينٌ في التصغيرِ فقلبتِ الواوُ ياءً للكسرةِ.
__________
1 إياه: ساقط من "ب".
2 في "ب" وتصغيره.

(3/263)


إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ تشبيهًا بمَا يوجبُ القلبَ:
مِنْ ذلكَ قولهُم: حَالتْ حِيَالًا وقُمْتُ قِيامًَا.
قالَ سيبويه1: قلبوهَا لإعتلالِها في الفعلِ وإنَّ قبلَها كسرة وبعدَها حرفٌ يشبهُ الياءَ- يعني الألفَ- قالَ ومثلُ ذلكَ: سَوْطٌ وسِيَاطٌ لمّا كانتِ الواوُ ساكنةً فأَمَّا ما كانَ قَد قُلبَ في الواحدِ فإنَّه لا يثبتُ في الجمعِ إذَا كانَ قبلهُ الكسرُ وذلكَ قولهُ: دِيمةٌ ودِيَمٌ وحِيلَةٌ وحِيَلٌ وقَامةٌ2، وقِيَمٌ وَدَارٌ ودِيَارٌ وهذَا أَجدرُ إذَا كانتْ بعدَها الألفُ استثقلوا الواوَ بعدَ الكسرةِ. فجميعُ هذَا لم يعلَّ للكسرةِ التي قبلَهُ فَقَطْ لأَنَّ الكسرةَ إنَّما تقلبُ الواوَ ياءً إذَا كانتِ الواوُ ساكنةً ولكنَّ هذهِ الواوَ ضَارعتِ الواوَ الساكنةَ باعتلالها في الواحدِ فأَعلوها في الجميع [فإنْ لم تعتلَّ في الواحِد لم تعلَّ في الجميعِ] 3 وذلكَ قولُهم: كُوزٌ وكِوَزةٌ وَعُودٌ وعِوَدةٌ وَثَورٌ وثِوَرةٌ وقَدْ قالوا: ثِيَرةٌ. [قلبوها حيثُ كانَتْ بعدَ كسرةٍ وهَذا شاذٌّ] 4 والفرقُ بينَهُ وبينَ: سَوطٍ وسِيَاطٍ أَنَّ بعدَ الياءِ في "سِيَاطٍ" أَلفًا وهوَ حرفٌ يقربُ مِنَ الياءِ.
وقالَ أبو العباس: هؤلاءِ إِنما5 قالوا: ثِيَرةٌ ليفرقوُا بينَ: ثَورِ الأقطِ،
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 369.
2 في الأصل "قائمة" والتصحيح من "ب".
3 ما بين القوسين ساقط من "ب".
4 ما بين القوسين ساقط من "ب".
5 إنما: ساقط من "ب".

(3/264)


وثَورٍ مِنَ البقرِ1، وقالَ: بَنَوْهُ علَى فَعْلَةٍ ثُمَ حركوهُ فصارَ ثِيَرةً ومِمّا أُجري مَجرى "حِيَالًا": اجتزتُ اجْتيازًا وانقدتُ انقيادًا فأَمَّا قولُهم: جِوَارٌ فلصحتِه في الفعلِ قالوا: جَاورتُ وقَدْ قلبوا الواوَ ياءً في "فُعَّلٍ" وذلكَ: صُيَّمٌ في "صُوَّمٍ" وفي قُوَّلٍ: قُيَّلٌ: وفي قُيّمٌ قٌوّمٌ2، شبهوها بِعُتُوٍّ وعُتِيٍّ كما قالوا: جُثُوٌّ3.
وفُعُولٌ إذَا كانتْ جمعًا فحقُّها القلبُ نحو: عَاتٍ وعُتِيٍّ وإذَا كانَ مصدرًا فحقهُ التصحيحُ لأَنَّ الجمعَ أَثقلُ عندَهم مِنَ الواحدِ أَلا تَراهم قالوا: في جمعِ أَبيضَ: بِيضٌ وكانَ القياسُ: بُوضٌ لأَنَّهُ فُعْلٌ: يَدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم: أَحمرُ حُمْرٌ ولكنَّهم أَبدلوا الضمَة كَسرةً لتصحَّ الياءُ التي كانتْ في الأَصلِ ولئلا يخرجوا مِنَ الآخفِّ إلى الأَثقلِ في الجمعِ وهَوَ أَثْقَلُ مِنَ الواحدِ عندَهم فَيجتمعَ ثقلانِ وقالُوا أيضًا: صِيَّمٌ ونِيَّمٌ كما قالوا: عِتيٌّ فكسَروا ليؤكدوا البدلَ. ولم يقلبوا في: زُوّارٍ وصُوَّامٍ لبعدِها مِنَ الطرفِ فأَمَّا طَويلٌ وطِوَالٌ فصحَّ في الجمعِ كما صحَّ في الواحِد. أَما فَعَلانٌ وفَعَلَى فنحو: جَوَلانٍ وحَيدانٍ وحَيَدى4، فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادِة مِنْ مِثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأشبهَ عنَدهم ما صححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ الفعِل5 المعتل نحو: الحِوَلِ والغِيَرِ وكذلكَ فِعَلاءُ نحو: السيَراءِ وَفُعَلاَءُ: نحو: القُوَباءِ والخُيَلاءِ وقَد وكذلكَ فِعَلاءُ نحو: السيَراءِ وَفُعَلاَءُ: نحو: القُوَباءِ6 والخُيَلاءِ وقَد أَعلَّ بعضُهم: فَعَلان وَفَعَلَى كمَا أْعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلُوا الزيادةَ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 185 والمقتضب للمبرد/ 1/ 130 وتصريف المازني 1/ 345-346 والخصائص 1/ 112.
2 وقوم: ساقط من "ب".
3 وذلك لأن العين تلي اللام. وانظر: المنصف 1/ 1.
4 حيدى: حمار حيدى، يحيد عن ظله لنشاطه.
5 الفعل: ساقط من "ب".
6 القوباء: داء يظهر على الجلد.

(3/265)


بمنزلة الهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارانٌ1 وهَامَانٌ وليسَ ذا بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعَلَى فلا تدخلُه العلةُ كما لا تدخُل: فُعَلاَءُ وفِعَلاءَ2.
__________
1 داران: من دار يدور. أو اسم رجل.
2 في سيبويه 2/ 371 وأما فُعَلى، وفِعلي، وهذا النحو فلا تدخله العلة، كما لا تدخل "فعل" وفعل.

(3/266)


إبدالُ الواوِ مِنَ الياءِ:
الواوُ تبدلُ مِنَ الياءِ إذَا سكنتْ وانضم ما قبلَها نحو: مُوقِنٍ ومُوسِرٍ كانَ الأَصلُ: مُيقنٌ ومُيسرٌ فأبدلتْ واوًا مِنْ أَجلِ الضمةِ وَيَا زيدٌ وَإسْ وقالَ بعضُهم: يَا زيدٌ بْئَسْ1، شَبههُ بقُيلَ وقرأَ أَبو عمروٍ: "يَا صَالِحُ يتِنا"2 جعل الهمزةَ ياءً ثُمَّ لم يقلبْها [واوًا] 3 ولم يقولوا: هذَا في الحرفِ الذي ليسَ منفصلًا وهيَ لغةٌ ضعيفةٌ4، وتبدلُ مِنَ الياءِ في النسبِ إذا نسبتَ5 إلى ندَا ورَحَا: نَدَوِيٌّ ورَوحوِيُّ وإلى غَنيٍّ: غَنَويٌّ وهذهِ الياءُ إنما تقلبُ أَلفًا ثُمَ تقلبُ واوًا فالأَصلُ ياءٌ والتقديرُ قلبُها مِنَ الألفِ وقد ذكرتُ ذَا في النسبِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الياءِ في "فَعْلَى" إذَا كانتْ اسمًا والياءُ موضعُ اللامِ يقولونَ: لكَ شَرْوَى هذَا الثَّوبِ وإنَّما هيَ مِنْ: شَريتُ وتَقْوَى وإنِّما هيَ مِن التَّقيَّةِ وإنْ كانتْ صفةً تركوهُا علَى أَصلِها قالوا: امرأةٌ خَزْيَا وَرَيَّا ولَو كانتْ: رَيَّا اسمًا لكانتْ: روَّا لأَنكَ كنتَ تبدلُ واوًا موضعَ اللامِ وتثبت الواوَ التي هيَ عينُ فَعْلَى مِنَ الواوِ علَى الأصلِ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 358.
2 الأعراف: 77 وانظر: الكتاب 2/ 358.
3 أضفت كلمة "واو" لإيضاح المعنى.
4 لأن قياس هذا أن تقول: يا غلا موجل، وانظر: الكتاب 2/ 358.
5 زيادة من "ب".

(3/266)


وذلكَ: شَهْوَى صفةٌ ودَعْوَى اسمٌ وأَبدلوها وهيَ عينٌ في فُعْلَى وذلكَ قولُهم: هذهِ1 الكُوسَى والطُّوبَى وَهْوَ مِنَ الكَيسِ والطِيبِ وإنَّما أَبدلوها للضمةِ قبلَها فإنْ كانتْ صفةً ليستْ فيها أَلفٌ ولامٌ ردوها إلى أَصلِها قالَ: {تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} 2. وذكرَ سيبويه: أَنَّها فُعْلَى وأَنَهُ لَيسَ في الكلامِ: فِعْلَى "صفة"3، وفي الكلامِ فُعْلَى صفةٌ مثلُ: حُبْلَى و"فُعْلَى" إذَا كانتْ فيها أَلفٌ ولامٌ4 استعملَ5 استعمالَ الأَسماء وإنْ كانتْ مشتقةً أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقولُ الصَّغْرَى والكُبْرَى فَلا تحتاجُ أَنْ تقولَ: المرأةُ الصُّغْرَى وأَمّا: "فَعْلَى" فَعَلَى الأَصلِ في الواوِ والياءِ وذلكَ قولُهم: فَوْضَى وَعَيْثَى6 وفُعْلَى منْ قُلتُ علَى الأَصلِ كما كانت فَعْلَى من غَزَوْتُ على الأصل. وكأَنَّهم عَوضوا الواوَ في هذَا البابِ مِنْ كثرةِ دخولِ الياءِ عليها في غيرهِ وذَا قولُ سيبويه7.
__________
1 هذه: ساقطة في "ب".
2 النجم: 22، والضيزي والضوزي-بفتح وكسر الضاد- لغة في ضيزى: الناقصة.
3 انظر: الكتاب 2/ 371.
4 في "ب" الألف واللام.
5 في "ب" استعملت.
6 عيثى: يقال: عاث في ماله: بذره وأسرع في إنفاقه، فهو عيثان، وهي عيثى.
7 انظر: الكتاب 2/ 371.

(3/267)


إبدالُ الواوِ مكانَ الهمزةِ:
قَد ذكرنَا في بَابِ الهمزةِ1 ابدالَ الواوِ مِنَ الألفِ بَعضُ العَربِ يقولُ: هذهِ2 افْعُو وَحُبْلُو في الوقفِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الألفِ إذَا كانتْ
__________
1 في "ب" الهمز.
2 في "ب" هذا.

(3/267)


ثانيةً زَائدةً في الجمعِ والتصغيرِ فتقولُ في: ضَاربةٍ ضُوَيربَةٌ وفي جمعِها: ضَوَاربُ وتبدلُ الواوُ مِنَ همزةِ التأنيثِ في النَّسَبِ والتثنيةِ والجمعِ فتقولُ: نَاقتانِ عُشَراوانِ وامرأتَانِ نُفَساوانِ وأَينقٌ عُشَراواتٌ ونِسَاءٌ نُفَساواتٌ وإذَا نسبوَا إلى: وَرقاءَ قالوا: وَرقَاوِيٌّ وأَبدلوها في موضعينِ بدلًا شاذًا وقالوا: في فِتيانٍ: هؤلاءِ فُتُوَّ كما تَرَى وأَنشدوا1:
في فُتُوٍّ أَنَا رَابئُهُمْ ... مِنْ كَلالِ غَزْوَةٍ مَاتُوا
قَالوا في المصدرِ: فُتُوَّةٌ فَهذا مِنَ الشاذِّ وقالوا في النَّسبِ: كِسَاوِيٌّ والهمز2 أَجودُ وقالوا: هذانِ عِلْبَاوانِ في تثنيةِ عِلْبَاءَ وهذهِ كثيرةٌ لأَنَّ الياءَ زائدةٌ في "عِلْباءَ" وإذَا قلتَ: "فُعِلَ" مِنْ فَاعَلَ قلتَ: فُوعِلَ: فأبدلتَ مِنَ الأَلفِ واوًا وذلكَ نحو: سُوَيرٍ هُوَ مِنْ سَائرٍ وكذلكَ بَايعَ وَبُوَيعَ.
__________
1 الشاهد فيه أن الفتو من الياء وهو جمع، وهذا الضرب من الجمع تقلب فيه الواو ياء كعصى، ولكنه حمل على مصدره.
والشاهد لجذيمة الأبدش الأزدي من قصيدة يرثي فيها جماعة من قومه كان قد خرج بهم لغزو طسم وجديس فأوقع بهم حسان بن تبع.
وانظر: الخزانة 4/ 567 والصحاح 6/ 2452 واللسان "فتا".

(3/268)


إبدالُ الفاءِ: أَبدلوها مِنَ الواوِ والياءِ:
[تبدلُ في موضعينِ مِنَ الواوِ والياءِ ومِنْ أَشياءٍ تَشذُّ إبدَالًا مطردًا وتُبدلُ مِنَ السين1] إبدالها مِنَ الواوِ تقلبُ التاءُ مِنَ الواوِ إذا كانتِ الواوُ في موضعِ الفاءِ قلبًا مطردًا إذا قلتَ: افتَعلَ يقولونَ: اتَّعدَ واتَّزَنَ
__________
1 زيادة من "ب".

(3/268)


يَتّزِنُ ويَتَّعِدُ وَهُم مُتَّزِنونَ ومُتَّعِدُونَ وكذلكَ الياءُ تقولُ افتَعلَ مِنْ يَأَسَ اتَّأَسَ فتقلبُ1. وناسٌ يقولونَ: ايتعَدَ وقالوا: ياتَعدُ ومُوتعدٌ2. وتقلب قلبًا غيرَ مطردٍ في قولِهم: أَتهَمَ وأَتلجَ وأَولجَ أَكثرُهم يقولهُ. وأَمَّا أَتهَمَ فهوَ مِنَ الوَهمِ والظَنِّ يُقالُ: قَد أتهَمَ الرجلُ إذَا صارَ تظنُّ بهِ الرِّيبةُ ومثلُه: التُّخْمة وإنّما هوَ مِنَ "الوخَامةِ" ومثلُها: تُجَاهٌ وهيَ مِنْ: وَاجهتُ3 وكذلكَ تُرَاثٌ هيَ مِنْ: وَرِثتُ ورُبَّما أَبدلوا التاءَ إذا التقتِ الواوانِ وليسَ بمطردٍ قالوا: تَوْلَج.
وزعمَ الخليلُ: أَنَّها فَوْعَل ولَم يجعلْهما تَفْعَلا لأَنكَ لا تكادُ تجدُ في الأسماءِ تَفْعَلا وفَوْعَلٌ كثيرٌ4، ومنهم مَنْ يقولُ: دَوْلَجٌ في تَوْلَج.
__________
1 فتقلب ساقط من "ب".
2 انظر الكتاب 2/ 357 وأما ناس من العرب جعلوها بمنزلة واو قال فجعلوها تابعة حيث كانت ساكنة كسكونها وكانت معتلة فقالوا: "ايتعد، كما قالوا: قيل، وقالوا: ياتعد، كما قالوا: قال، وقالوا: موتعد، كما قالوا: قول..".
3 في "ب" أوجهت.
4 انظر: الكتاب 2/ 356.

(3/269)


إبدالُ التاءِ مِنَ الياءِ:
قال سيبويه: إذا قلتَ افْتَعلَ مِنَ اليبسِ قلتَ اتَّبَسَ يَتَّبِسُ اتبَاسًا وهوَ مُتَّبِسٌ1. قالَ الجرمي: والعربُ تقولُ في أيسارِ الجَزُورِ الذي يقتسمونها قد أتَّسَروُها يَتَّسرونَها2، اتِّسارًا وهَذا أَكثرُ على أَلسنتِهم وبعضُهم يقول: ائتَسروُها يأتسِرونَها3 ائتِسارًا وَهُم مُؤْتسرونَ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 358.
2 يتسرونها: ساقط في "ب".
3 في "ب" يتسروها.

(3/269)


الشذوذُ:
يُبدلونَ التاءَ مِنَ السينِ والدالِ في قولِهم1: سِتٌّ وكانَ الأَصلُ: "سُدسٌ" والدليلُ علَى ذلكَ إذَا جمعتَ قلتَ أَسداسٌ2، وإذَا صغرتَ قلتَ: سُدَيسةٌ ويقولونَ: غلامٌ3 سُدَاسيٌّ فإذَا زالتْ عن الموضعِ الذي قلَبوها فيهِ ردَوها إلى أَصلِها وأَبدلوا التاءَ مِنَ الواوِ في قولِهم: أَسنتُوا إذَا أَصابَتْهم السَنَةُ والجدوبةُ وإنَّما كانَ أَصلُها: أَسنَوا ولكنَّهم إذَا أَرادوا أَن يقولوا: لَبِثْنا هَهُنَا سَنةً قالوا: قد أَسنوا يسنُونَ اسْنَاءً فأرادوا4 الفَصْلَ بينَهما فقلبوا الواوَ في هَذا المعنى تاءً وهذَا كلهُ شَاذٌّ لا يقاسُ عليهِ وإذَا كانتِ الذالُ لامًا في "فَعَلْتُ" فمنهم مَنْ يجريها5 علَى الأصلِ فيقولُ: أَخَذْتُ فيظهرُ الذالَ والتاءَ وهي قليلةٌ وأَكثرهم يقلبُ الذالَ تاءً فيقولُ أَخَتُّ وهيَ أَكثرُ القراءةِ وقرأوا: "وأَخْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي"6.
__________
1 في "ب" قولك.
2 انظر الكتاب 2/ 428.
3 في "ب" غلامي.
4 في "ب" وأرادوا.
5 في "ب" يجيء بها.
6 آل عمران: 81.

(3/270)


إبدالُ الدالِ في افتَعَل وفَعَلتُ:
تبدلُ مِنَ التاءِ في افْتَعلَ "قلبًا مطردًا إذا كانَ قبلَ التاءِ حرفٌ مجهورٌ زايٌ أو دَالٌ تقولُ في "افْتَعلَ" مِنَ الزينةِ: ازدَانَ ازدياَنًا ومِنَ الزرعِ: ازدَرعَ ازدرَاعًا وذاكَ أَنَّ التاءَ كانت مهموسةً والزايُ مجهورةٌ فأَبدلوا مِنَ التاءِ حرفًا مِن موضعِها مجهورًا وهوَ الدالُ وكذلكَ: افْتَعلَ مِنَ

(3/270)


الذِّكرٍ وهوَ قولُكَ: ادَّكرَ يَدّكرُ ادّكارًا وهوَ مُدَّكرٌ وهذهِ أَكثرُ في كلام العربِ ويقولُ قومٌ: اذَّكرَ يَذَّكرُ وهوَ مذّكرٌ وكانَ الأَصلُ: مذدَكرٌ ثُمَّ أُدغِمت الذالُ في الدَّالِ لأَنَّ حقَّ الإِدغامِ أَنْ يُدغمَ الأَولُ في الثاني وهوَ أَكثرُ كلامِ العربِ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ أَنْ يدغمَ الأَصلي فيما هُوَ بَدلٌ مِنَ الزائدِ فيقولُ: مُذَّكرٌ وهيَ قليلةٌ فهذا لا تعدُّ فيهِ الذالُ بدلًا لأَنهُ قَلْبٌ وبَدَلٌ لإِدغامٍ وكذلكَ قولُهم: اثَّردَ يريدونَ: اثْتَردَ ومنهم مَنْ يقولُ: اتّردَ فيدغُم الثَّاءَ في التاءِ وهوَ الكثيرُ والذينَ قالوا: اثُّرَدَ كرهوا أَنْ يُدغموا الأَصليَّ في الزائدِ. وبعضُ بني تميمٍ1 إذَا كانتِ الزايُ لامًا قلَبوا التاءَ في "فَعَلتُ" دالًا وقالوا فُزْدُ يُريدونَ فُزتُ ومنهم مَنْ يقولُ: وَوْلَجٌ في: تَوْلَجٍ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 423.

(3/271)


إبدالُ الطاءِ:
الطاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ في "افْتَعلَ" إذَا كانَ قبلَها طَاءٌ أَو ضَادٌ وذلكَ قولُهم: اظطلَم يظطلمُ اظطلامًا واضطجعَ يضطجعُ اضطجاعًا وهوَ مضطجعٌ وفي "افتَعلَ" من "ظَلَم" ثلاثُ لغاتٍ مِنَ العربِ مَنْ يقلبُ التاءُ طاءً ثُمَّ يُظهر الطاءَ والظاءَ جميعًا كما ذكرتُ لكَ ومنهم مَنْ يريدُ الإِدغامَ فيدغمُ الظاءَ في الطاءِ وهي أَكثرُ اللغاتِ فيقول: اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلامًا وهوَ مُظَّلمٌ ومنهُم مَنْ يكرهُ أَن يدغَم الأَصليَ في الزائِد فيقولُ: اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلامًا ومُظَّلَمٌ وأما مضطجعٌ ففيهِ لغتانِ: مضطجعٌ ومضّجعٌ ولا يدغمونَ الضادَ في الطاءِ
وإذَا كانَ الأَولُ صادًا قالوا: اصطبَر يصطبرُ اصطبارًا وَهوَ مصطبرٌ فإنْ أَرادوا الإِدْغامَ قالوا [هُو1] َ مُصَبّرٌ وقد
__________
1 زيادة من "ب".

(3/271)


اصبّر لأَنَّ الصادَ لا تدغمُ في الطاءِ فقلبوا الطاءَ ضادًا وأَدغموا الضادَ فيها فإنْ كانَ أَولُ "افْتَعلَ" طَاءً فكلهُم يقولُ: اطَّلَبَ يَطَّلبُ وهوَ مُطَّلبٌ وإذا1 كانَ أَولُه سينًا فمنهم مَنْ يظهرُ التاءَ ومنهم مَنْ يُدغمُ فيقولُ: اسَّمعَ وقد أَبدلوا التاءَ في "فَعَلْتُ" طاء إذا كانَ قبلَها الصادُ وسكنتِ الصادُ وتحركتِ التاءُ وهيَ لغةُ لناسٍ مِنْ بني تميمٍ يقولونَ: فَحصطُ2 برجلِي فيجعلونَ التاءَ طاءً كما فَعلوا ذلكَ في: اصطَبَر فقلبوا التاءَ طاءً وكذلكَ إذا كانتِ التاءُ قبلَها طاءٌ موضعَ اللامِ يقولونَ: خَبَطٌ بِيَدي وقالَ عَلقمةُ [بن عبدة] 3:
وفي كُلِّ قَومِ قَد خَبَطَّ بنعمةٍ ... فَحُقَّ لِشَأسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ4
__________
1 في "ب" وأن.
2 يريدون: فحصت.
3 زيادة من "ب".
4 من شواهد سيبويه على إبداع التاء من "خبطت" طاء لمجاورتها الطاء ومناسبتها لها في الجهر والإطباق.
والخبط: أصله ضرب الشجر بالعصا ليتحات ورقها فتعلفه الإبل فجعل ذلك مثلا في العطاء، وجعل كل طالب معروفا مختبطا وكل معط خابطا، فعلى هذا يكون معنى: خبطت، أسديت وأنعمت، والذَّنُوب: الدلو ملأى ماء.
قال علقمة: هذا للحارث الغساني، وكان قد أوقع ببني تميم وأسر منهم تسعين رجلا فيهم شأس بن عبدة أخو الشاعر، وكان قد وفد عليه مادحا له وراغبا في أخيه فلما أنشده القصيدة التي منها هذا الشاهد خيره الحارث بين العطاء الجزل وإطلاق أسرى تميم فاختار الثاني فأطلقهم، وقد انفرد ابن السراج بروايته: وفي كل قوم.
وانظر: المنصف 2/ 332 وشرح السيرافي 6/ 564 وكل الروايات: وفي كل حي وأمالي ابن الشجري 2/ 181 وشرح الحماسة 2/ 906 والمفضليات 2/ 196، وابن يعيش 4/ 48 والشعر والشعراء/ 221 والمفصل للزمخشري/ 403 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 123.

(3/272)


إبدالُ الميمِ:
إذَا كانتِ النونُ ساكنةً وبعدَها الباءُ فالعربُ تقلبُ النونَ ميمًا فيقولونَ: العنبر: الكتابةُ بالنون واللفظُ بالميمِ وشَنباءُ أيضًا الكتابةُ بالنونِ واللفظُ بالميمِ فيقلبونَ النونَ ميمًا إذَا كانتِ النونُ1 ساكنةً يقولونَ: أَخذته عَنْ بَكْرٍ الكتابةُ بالنونِ واللفظ بالميمِ فيقلبونَ النونَ إذا سُكنت فإذَا تحركتْ أَعادوها إلى أصلِها فجعلوهَا نونًا يقولونَ: الشّنَبُ وَرجلٌ أَشنبُ لمّا تحركتْ رجعتْ إلى أَصلِها وإذا صَغَّرتَ "العَنبَر" قلتَ: عُنَيبِرٌ تردُّ النونَ إلى أَصلِها لمّا تحركتْ.
قالَ الجَرْمي: وسمعتُ الأَصمعي يقولُ: الشَّنَبُ: بَردُ الفَمِ والأَسنانِ فقلتُ لَهُ: إنَّ أَصحابَنا يقولونَ: إنَّهُ حدتُها حينَ تطلعُ فيرادُ بذلكَ حداثَتَها وطَراءتَها لأَنَّها إذَا أَتت عليها السنونَ احتكتْ فقالَ: ما هُوَ إلا بردُها وقَد قلبوا قلبًا شَاذًا لا يقاسُ عليهِ قالوا: في فيكَ وفوكَ إذَا أفردوه فَمٌ وأَصلهُ: فوهٌ والدليلُ على ذلكَ تصغيرهُ: فُوَيهٌ وجمعهُ: أَفواهُ فإذَا أَضافوهُ ففيهِ لغتانِ: يقولُ بعضهُم: هذَا فُوكَ ورأيتُ فاكَ وفي فيكَ فيجيئونَ بموضعِ العينِ ويحذفونَ اللامَ وهيَ لغةُ كثيرةٌ إذَا أَضافوا ومنهم مَنْ يقولُ: هَذا فمُكَ ورأيتُ فَمَكَ وفي فمِكَ2 ويجيءُ في الشعرِ لغةُ ضعيفةٌ علَى غيرِ هذَا3 قالوا: هذَانِ فموانِ ورأيتُ فموينِ وكذلكَ إذا أَضافوا قالوا: هذانِ فمواكما ورأيتُ فمويكما.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 414. وذلك قولهم: ممبك يريدون: من بك وشمباء وعمبر يريدون: شنباء، وعنبرا، والشنباء: ذات الأسنان البيض: وانظر: المقتضب 1/ 316.
2 في "ب" مررت بفمك.
3 قال الشاعر:
هما نفثا في من فمويهما.
فقد جمع الشاعر بين العوض والمعوض-جمع بين البدل وهو الميم والمبدل منه وهو الواو-فنقص اللام إذ أصله "فوه" بدليل جمعه على أفواه، وزيدت فيه الميم وهي ليست من أصل تركيبه.
وانظر: الكتاب 2/ 83 والخصائص 3/ 147.

(3/273)


إبدالُ الجيمِ: أُبدلت الجيم مكان الياء المشددة وليس ذلك بالمعروف وأَنشدوا1:
"خالي عويف وأبو عَلجِّ ... المَطْعِمانِ الشَّحْمَ بالعَشِجِّ"
"وبالغداةِ فَلَقِ البَرْنِيجِّ ... "
وقَد أَبدلوهَا من المخففةِ وذلكَ ضعيفٌ قليلُ وأَنشدَ أَبو زيدٍ2:
"يا ربِّ إنْ كنتَ قَبِلْتَ حَجَّتَجْ ... فَلا يَزَالَنْ شَاحِجٌ يأتيكَ بِجْ" 3
__________
1 هذا الرجز من شواهد سيبيويه 2/ 288 على إبدال الجيم من الياء في عليّ والعشي.
والبرني، لأن الياء خفيفة، وتزداد خفاء بالسكون للوقف أبدلوا مكانها الجيم لأنها من مخرجها، وهي أبين منها.
والبرني: ضرب من التمرة، وفلقه، ما قطع منه بعد تكتله في جلله، وهي قفاف تعبئة، والعشي: ما بين الزوال إلى الغروب والغداة: الضحوة ولم ينسب هذا إلى قائل معين: قال صاحب اللسان: قال خلف الأحمر: أنشدني هذا رجل من أهل البادية. والشاعر يفتخر بخاليه أو بعميه ويُروى الشطر الأخير: وبالغداة كتل البرنج.
وانظر: المنصف 2/ 187. والمحتسب 1/ 75 والموجز لابن السراج/ 159، وشرح السيرافي 5/ 441. والصاحبي لابن فارس/ 25 والجمهرة لابن دريد 1/ 5.
2 في "ب" وأنشد.
3 أبو زيد: هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري من أئمة اللغة. صاحب كتاب النوادر. ويروي: لا هم إنكنت قبيلت حجتج، وكذلك: إلهي إن كنت.... ويروى الشطر الثاني: شامخ يأتيك بج. وهذا الرجز ينسب لبعض أهل اليمن. والشاجح: من شجح البغل. أي: الصوت.
وانظر: النوادر/ 164. والموجز لابن السراج/ 159. والمحتسب 1/ 75 وسر صناعة الإعراب 1/ 193 وشرح السيرافي 5/ 441. ومعجم مقاييس اللغة 4/ 29. ومجالس ثعلب/ 143. وأمالى القالي 2/ 78.

(3/274)


يريدون "حجتي" ويأتيكَ "بي" وأَنشدوا:
"حتَى إذَا ما أَمْسَجَتْ وأَمسِجا1"
يريدُ: أَمسيتُ وأَمسيا فهذَا كلهُ قَبيحٌ وليسَ بالمعروفِ.
قالَ أَبو عمر2: ولو رده إنسانٌ كانَ مذهبًا.
__________
1 يعزى هذا الرجز للعجاج ولم يوجد في ديوانه: يريد أمست الأتن وأمسى العير، وقيل: وصف حمارا وأتنا وأراد: أمسيت وأمسى، فأبدل من الياء الجيم في الوقف.
وقيل: أراد أمست النعامة وأمسى الظليم.
وانظر: المحتسب 1/ 74. وشرح شواهد الإيضاح لابن بري/ 30. والمفصل للزمخشري 373. والتمام في تفسير أشعار هذيل 133/ وشرح السيرافي 5/ 562. واللسان 3/ 27.
2 يريد أبا عمر الجرمي، وانظر: اللسان 3/ 27 قال: وهذا كله قبيح، قال: أبو عمر الجرمي: ولو رده إنسان لكان مذهبا.

(3/275)


إبدالُ اللامِ:
أبدلوا1 اللامَ في: "أُصَيْلاَلٍ" من النونِ وذلكَ أَنَّهم إذَا صغروا: الأَصيلَ قالوا: أُصيلٌ وهُوَ القياسُ وقالَ بعضهُم: أُصيلانٌ فزادَ الأَلفَ والنونَ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وهَذا مِنَ الشَاذِّ فأَبدلَ بعضهُم هذهِ النونَ لامًا فقالَ: أُصيلالٌ والأَصيلُ بعدَ العصرِ إلى المغربِ قالَ النابغةُ:
وقَفتُ فيها أَصيلاَلًا أُسائلُها.. ... أَعيَتْ جَوابًا ومَا بِالرَّبعِ مِنْ أَحَدِ
الهاءُ:
الهاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ تاءِ التأنيثِ في الاسم في الوقفِ نحو: تَمْرَه وطَلَحه وقَائمِه ومِنَ الهمزةِ في: أَرحتُ: هَرَحْتُ
__________
1 زيادة من "ب".

(3/275)


النونُ:
والنونُ تكونُ بدلًا مِنَ الهمزةِ في: "فَعْلاَن" فَعْلَى كمَا أَنَّ الهمزةَ بدلٌ مِنْ الألفِ في: حَمْراءَ هذَا مذهبُ الخليلِ وسيبويه1.
الحذفُ:
إذا كاتِ الواوُ أَولًا وكانتْ فَاءً نحو: وَعَدَ يَعِدُ حُذِفَت الواوُ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ لأَنَّ مضارعَ فَعَلَ يَفْعِلُ فَوعَد فَعَلَ فإنْ كانَ الماضي مثلُ: وَجِلَ جاءَ المضارعُ علَى: يَفْعَلُ وتثبتِ الواوُ لأَنَّها لم تقع بينَ ياءٍ وكسرةٍ. وتَفْعِلةٌ مِنْ: وعدتُ وتَفْعِلُ: إذا كانا اسمينِ تَوعِدةٌ وَتَوْعِدٌ والدليلُ علَى أَنَّها تثبتُ قولُهم: تَوْسِعةٌ وتَودِيةٌ2 والمصدرُ مِنْ: وعدتُ: عِدَة فِعْلَةٌ والهاءُ لا بُدَّ منها وإذا لم تكنْ فلا حَذْفَ أَعلوا المصدرَ كفعلهِ.
قالَ سيبويه: وقَد أَتموا فقالوا: وجِهَةٌ في جِهةٍ3
قالَ أبو بكر: وهذا عندي أَعني وجهةٌ لم يجئ على الفعلِ والواوُ تُثبتُ في الأسماءِ قالوا: ولِدَةٌ وقالوا أَيضًا لِدَةٌ كعِدَةٍ فالاسم: وعِدَةٌ والمصدرُ: عِدَةٌ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 314 والنون تكون بدلا من الهمزة في "فعلا فعلى"، وقال سيبويه في باب ما لا ينصرف: وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف عطشان، وسكران، كألف حمراء لأنها على مثالها في عدة الحروف والتحرك والسكون.
انظر: الكتاب 2/ 10 أما المبرد فيرى عكس مذهب سيبويه، إذ يري أن أصل همزة فعلاء النون، ويستدل برجوعهما إلى الأصل في صنعاني، نسبة إلى صنعاء.
انظر: المقتضب 1/ 219 و3/ 167 والموجز لابن السراج/ 160.
2 التودية: حشبة تشد خلف الناقة.
3 انظر: الكتاب2/ 358.

(3/276)


وإن كانتِ الياءُ أولًا فاءً لم تحذفْ في الموضعِ الذي تحذفُ فيهِ الواوُ وذلكَ قولُهم1: يَعرَ2 يَيْعَرُ وحكي عن بعضِهم في المضارعِ: يَئِسَ ويَيْئَسُ3 كما قَالوا: يَعِدُ ومِنْ ذلكَ قولهُم: هَيْنٌ ومَيْتٌ يريدونَ هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فحذفوا العينَ وهيَ متحركةٌ ومِنْ ذلكَ: كينونةٌ وقَيدودٌ وإنَّما هُوَ مِنْ: قادَ يقودُ وأَصلها: فَيْعَلُولٌ قالَ سيبويه: سألتُ الخليلَ عن "لَمْ أُبَلْ" فَقالَ: هيَ مِنْ "بَاليتُ" ولكنَّهم لما أسكنوا اللامَ حذفوا الأَلفَ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ4، وزعَم الخليلُ: أَنَّ ناسًا يقولونَ: لم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الأَلفِ ولَم يحذفوا لا أُبالي كما أَنَّهُم إذَا قالوا لم يكنِ الرجلُ فكانَتْ في موضعِ تَحركٍ لم تحذفْ وأُبالي إنَّما يحذفُ في موضعِ الجزمِ فَقَطْ5 [وإذَا كانتِ اللامُ ياءً بعدَ ياءين مُدْغَمَيْنِ فاجتمعَ ثلاثُ ياَءاتٍ في اسمٍ غيرِ مبني علَى "فَعَلٍ" حُذِفَ اللامُ وذلكَ قولُكَ في تصغيرِ عَطاءٍ عُطَيٌّ وفي أَحوى: حُيَيٌّ فإنْ كانَ اسمٌ علَى فَعْلٍ تثبتُ نَحو قولِك: حَيُّا فهوَ مُحَييٌّ6] .
__________
1 في "ب" قولك.
2 يعر: يعرت الشاة أو المعزى: صاحت:
3 في سيبويه 2/ 358: "وقد قال بعضهم: يا زيد يئس شبهها بقيل".
4 انظر: الكتاب 2/ 392.
5 انظر: الكتاب 2/ 392.
6 زيادة من "ب".

(3/277)


التحويلُ والنقلُ:
هَذا على ضربينِ: فِعْلٌ واسمٌ جَارٍ على: "فِعْلٍ".
واعلَمْ: أَنَّ كُلَّ كلمةٍ فحقُّها أَن تتركَ على بنائِها الذي بنيتْ عليهِ ولا تُزالُ عنهُ حركاتُها التي بنيتْ عليها ولا يحولُ إلا "فَعَلْتُ" مِما عينهُ واوٌ أَو ياءٌ فَإِنهُ في الأَصلِ "فَعَلَ" نحو: قَامَ وباعَ فإذَا قلتَ: فَعَلْتُ نَقَلْتَ ما كانَ مِن بَناتِ الواوِ إِلى "فَعُلْتُ" وما كانَ مِنْ بَناتِ الياءِ إِلى "فَعِلْتُ" ثَمَّ حولتَ الضمةَ في "فَعُلْتُ" مِنْ: قُلْتُ إلى الفاءِ ومن: بعتُ إِلى الفاءِ وأَزلْتَ الحركةَ التي كانتْ لَها في الأَصلِ فقلتَ: قُمْتُ وبُعْتُ وكانَ التقديرُ: قُوَمتُ وبَيعتْ فلمَّا نقلتَ عن العينينِ حركتيهما1 إلى الفاءِ سكنتا وأُسكنتِ اللامُ مِنْ أَجلِ التاءِ في: "فَعَلْتُ" فحُذِفتِ العينُ لإلتقاءِ الساكنينِ فصار2: قُمْتُ وبِعْتُ فألزموا: فَعُلتُ بَناتِ الواوِ وألزموا "فَعِلْتُ" بَناتِ الياءِ شبهوا ما اعتلتْ عينهُ بمَا اعتلتْ لامهُ كما أَلزموا: يَغزُو وبابُه "يَفْعُلُ" وأَلزموا "يَرْمي" وبابهُ "يَفْعِلُ" وكلُّ ما كانَ ماضيهِ علَى "فَعِلَ" فَعَلَى هَذا يجري وقَدْ3 جعلوا ما قبلَ كُلِّ واحدةٍ منهما حركتَها منها فتقديرُ: قُلْتُ قُوْلَ وتقديرُ: بِعْتُ بِيْعَ ويدلُّكَ علَى أَنَّ أَصلَ: قُمتُ وما أَشبهه: "فَعَلْتُ" أَنَهُ ليسَ في الكلامِ "فَعُلتهُ" فأَمَّا "طُلْتُ" فإِنَّها "فَعُلْتُ" في الأصلِ لأَنَّكَ تقولُ: طويلٌ وطُوَالٌ ولا يجوزُ: طُلْتهُ وليسَ في بَناتِ الياءِ "فَعُلتُ". وَدَخَلْتُ "فَعِلْتُ" علَى بَناتِ الواوِ نحو: شَقِيتُ وغَبِيتُ ولمَ تدخلْ "فَعُلْتُ" على ذواتِ4 الياءِ لأَنَّها نُقلتْ مِنَ الأَثقلِ إِلى الأَخفِّ وإِذَا قلتَ: يَفْعَلُ مِنَ قُلتُ ونحوهِ أَلزمتَهُ "يَفْعَلُ" فقلتَ: يَقُولُ وكانَ الأَصلُ: يَقْوُلُ فَحَوَّلتَ الحركةَ كما فَعلتَ في "فَعَلْتُ" حينَ قلتَ: قُمتُ وقلتَ في بِعْتُ: أَبِيعُ وكان الأصل أَبْيعُ فنقلتَ الحركةَ كما قلتَ في "فَعِلْتُ" مِنْ "بِعْتُ" وأَمَّا "خِفْتُ" فالأصلُ: خَوِفْتُ مبنيٌّ على "فَعِلْتُ" والعينُ مكسورةٌ فهذَا لم يحولْ مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ وَهوَ على أصلهِ ولكنَّكَ
__________
1 حركتيهما: ساقط في "ب".
2 في "ب" فقلت.
3 وقد: ساقط من "ب".
4 في "ب" بنات.

(3/278)


نقلتَ حركةَ العينِ فأَلقيتَها1 على الفاءِ ويدلُّكَ علَى أَنَّ خَافَ "فَعِلَ" قولُهمِ: يَخَافُ ويَخافُ "يَفْعَلُ" كانَ الأَصلُ: يَخْوَفُ فنَقلتَ الحركةَ كما فعلتَ في المَاضي ومستقبلُ: "فَعِلَ"2 علَى: "يَفْعَلُ" نحو: حَذِرَ يَحْذَرُ وفَرِقَ يَفْرَقُ فَنقلُ الحركةِ مِنْ عينِ "فَعُلْتُ" وفَعِلْتُ كانتا مُحوَّلتينِ أَو أَصْليتينِ إِلى الفاءِ واجبٌ في "فَعُلْتُ" وأَمَّا التحويلُ مِنْ بناءٍ إلى بِنَاءٍ فليسَ إلا في "قُمتُ" ونحوهِ وبِعْتُ ونحوهِ فافهَمْهُ وخُصَّ "بِعْتُ" وقُمْتُ بالتحويلِ دونَ غيرِهما لشبههما بَيغزَو ويَرْمِي ويَخَافُ لا يشبهُ "يَغْزو" لأَنَّ: يَخافُ "يَفْعَلُ" مفتوحُ العينِ وإِذَا كانَ الماضي فَعَل جَاءَ المضارعُ علَى يَفْعُلُ ويَفْعِلُ وليسَ ذلكَ في "فَعِلَ" فنقلنا مِنَ الفعلِ الماضي ما لَهُ "يَفْعُلُ" و"يَفْعَلُ" تشبيهًا بهِ وما ليسَ لَهُ ذاكَ لم ينقلْ فَتأَملْ هَذا فإِنَّهُ غيرُ مشروح في كتبِهم. وطُلْتُ أَصلهُ: طَوُلتُ "فَعُلْتُ" فنُقلتِ الحركةُ إِلى الفاءِ ولم يُحوِّلْهُ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ فمستقبلهُ3 مثلُ "يَطُولُ" وإِذَا كانَ "فَعَلَ" من بناتِ الواوِ ونُقلَ إِلى "فَعُلَ" كانَ "فَعُلَ" الذي أَصلهُ مِن بناتِ الواوِ حقيقًا بأن لا يُزالَ عن جهتهِ و"فَعُلَ" ليسَ في ذواتِ الياءِ وإذا قُلتَ "فُعِلَ" في هذهِ الأَشياءِ كسرتَ الفاءَ وحولتَ عليها حركةَ العينِ كَما فعلتَ ذلكَ في "فَعْلْتُ" لتُغَيرَ حركَة الأصلِ وذلكَ قولُكَ: خِيفَ وبِيعَ وهِيبَ وقِيلَ وبعضُ العربِ يشمُ الضمَ إرادةَ أَنْ يبينَ أَنَّها "فُعِلَ" وبعضُ مَنْ يضم يقولُ: بُوعَ
__________
1 في "ب" وألقيتها.
2 "على" ساقط من "ب".
3 في "ب" مستقبله.
4 في "ب" ينقل.
5 يعني أن بعض العرب ينطق بحركة هي بين الكسرة والضمة إرادة أن يبينوا أن الفعل على وزن "فُعِلَ" وقد ذكر سيبويه هذه اللغات كتابه 2/ 360، وما يليه في الفعل الأجوف المبني للمجهول، اعتبر أن قيل وبيع هي الأصل. وليس هنا مجال مناقشة ذلك ولم يعز سيبويه هذه اللغات لأصحابها. وبناء على قول أبي حيان في البحر 1/ 60-61: أنها لغة قريش ومجاوريهم من كنانة، وقول: لغة هذيل وبني دبير من أسد. وقيل: الإشمام لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد، وقد قرأ الجمهور هذه الأفعال الجوفاء المبنية للمجهول على لغة قريش. وقرأ الكسائي وهشام بالإشمام ولم أعثر على قراءة بلغة هذيل، لكن بدر الدين أورد شاهدا لذلك في شرحه على الألفية/ 88.
ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت

(3/279)


وقُولَ وخَوفَ يُتبعُ الياءَ ما قبلَها كما قَالَ: مُوقِنٌ وهذهِ اللغاتُ دَواخلُ علَى قِيلَ وخِيفَ وبِيعَ وهِيبَ والأَصلُ الكسرةُ.
وإِذَا قلتَ "فَعَلَ" صارتِ العينُ تابعةً لِما قبلَها ولَو لم تجعلْها1 تابعةً لِمَا قبلها2 لألتبسَ "فَعَلَ" مِنْ "باعَ وخَافَ" "بِفُعِلَ".
قَالَ سيبويه: وحدثنا أَبو الخطابِ: أَنَّ ناسًا مِنَ العربِ يقولونَ: كِيدَ زيدٌ يَفْعلُ وما زِيلَ [زيدٌ] 3 يَفْعلُ يريدونَ زالَ وكادَ4 فهؤلاءِ نَقلوا في "فَعَلَ" وحولوا كما فَعَلوا في "فَعِلْتُ" فإِذَا قلتَ: فُعِلْتَ أَوْ فُعِلنَ أَوْ فُعِلْنا مِنْ هذهِ الأشياءِ ففيها لغاتٌ5 أَمَّا مَنْ قالَ: بيِعَ وهِيبَ وخِيفَ فإِنّهُ يقولُ: خِفْنَا وبِعْنَا وخِفْنَ [وبِعن] 6 وخِفْتُ [وبِعْتُ] 7 وهِبْتُ تدَعُ الكسرةَ على حالِها وتحذفُ الياء لإلتقاءِ الساكنينِ وأَمَّا مَنْ ضَمَّ بإشمامٍ إِذَا
__________
1 في "ب" تجعل.
2 لما قبلها: ساقط في "ب".
3 زيادة من "ب".
4 انظر: الكتاب 2/ 360. قال سيبويه: وحدثنا أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل. حيث أسكنوا العين، وحولوا الحركة على ما قبلها ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل.
5 انظر: الكتاب 2/ 360-361. مذكورة هذه اللغات بالتفصيل.
6 زيادة من "ب".
7 زيادة من "ب".

(3/280)


قالَ: فُعلَ1، فإنّهُ يقولُ: قَد بِعْنَا وقَد بِعْنَ يُميلُ الفاءَ ليعلمَ أَنَّ الياءَ قد حُذِفتْ والذينَ يقولونَ: بُوعَ وقُولَ وخُوفَ يقولونَ: بُعْنَا وخُفْنَا وَهُبْنَا وأَمّا مِتَّ تَموتُ فإِنَّما اعتلتْ مِنْ "فَعِلَ يَفْعُلُ" ونظيرُها مِنَ الصحيح: فَضِلَ يَفْضُلُ وهذهِ الأشياءُ تشذُّ كأَنَّها لغاتٌ تداخلتْ فاستعملَ مَنْ يقولُ: فَضِلَ في المضارع لغةَ الذي يقولُ: فَضَلَ وكذلكَ "كُدْتُ" تكادُ جاءت تكادُ علَى كِدتُ وكُدتُ علَى: تكودُ.
قالَ سيبويه: وأَمَّا ليسَ فكأَنَّها مسكنةٌ مِنْ نحو قولهِ: صَيِدَ2 كما قالوا: عُلْمَ ذاكَ في "عَلِمَ ذاكَ" وإِنَّما فَعلوا ذلكَ بها حيثُ لم يكنْ لَها "يَفْعَلُ"3 شبهوها "بَلَيْتَ" أمَّا "عَوِرَ يَعْوَرُ" و"حَوِلَ يَحْوَلُ" و"صَيِدَ [يَصْيَدُ] 4" فَجاءوا بِهَا على الأَصلِ لأَنهُ في معنى "اعوررتُ" و"احوللتُ" وأَمَّا طَاحَ يَطِيحُ وتَاهَ يَتيهُ فزعمَ الخليلُ: أَنَّها "فَعِلَ يَفْعِلُ" بمنزلةِ: حَسِبَ يَحْسِبُ وهيَ مِنَ الواوِ يدلُّكَ على ذلكَ: طَوَّحتُ وتَوَّهتُ وهوَ أَطوحُ منهُ وأَتوهُ منهُ5 ومَنْ قالَ: طَيَّحتُ وتَيَّهتُ فَقَدْ جاءَ بها على "بَاع يَبِيعُ".
واعلَمْ: أَنَّ جميعَ هذِه إِذَا دخلتْ علَيها الزوائدُ فهِيَ على علتِها لا فرقَ بينَها وبينها إلا أَنَّكَ لا تنقلُ فيها مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ أَلا تَرى أَنَّكَ تقولُ: قَامَ ثُمَّ تقولُ: أَقامَ فهوَ مثلُ "قامَ" كَما كَان فإِذَا قلتَ: "فَعَلْتُ"
__________
1 زيادة من "ب".
2 صيد: صار به صيد، أي: ميل في العنق.
3 انظر: الكتاب 2/ 361.
4 زيادة من "ب".
5 انظر: الكتاب 2/ 361. وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل: أنها فعل يفعِل بمنزلة حسب يحسب، وهي من الواو يدلك على ذلك: طوحت وتوهت.

(3/281)


اختلفا فقلتَ: "قٌمْتُ" فإِنْ قلتَ: أَفْعَلتُ قلتَ: أَقمتُ فتركتَ القافَ مفتوحةً نقلتَ إِليها الفتحةَ مِنْ "أَقومتُ" ولم تحولْ مِنْ بناءٍ إِلى بناءٍ لأَنَّهُ قَد زَالَ هُنَا أَنْ يشبهَ المضارعَ مضارعَ "يَغْزُو ويَرمِي" لأَنَّ مضارعَ أَجادَ: يُجيدُ وأَقامَ: يُقيمُ فَقَد زالتْ تلكَ العلَّةُ التي كانتْ "بقُمتُ وبِعتُ" قبلَ دخولِ الزيادة ولو فعلوا هَذا بهِ أَيضًا لكانوا قد حوَّلوهُ إلى ما ليسَ مِنْ كلامِهم وه و"أَفْعُلَ" فلمَّا كانَ من كلامِهم "فَعُلَ" حوَّلوا إِليهِ ولمَّا امتنعَ منهُ "أَفعل" أَلقوهُ وقَد جاءتْ حروفٌ علَى الأَصلِ ولا يقاسُ علَيها وذلكَ نحو قولِهم: أَجودتُ وأطولتُ واستحوذَ1 واستروحَ وأَطيبَ وأَخْيَلَتْ وأَغُيَلَتْ وأَغيمتْ وجميعُ هَذا فيهِ اللغةُ المطردةُ.
قالَ سيبويه: إلا أَنّا لم نسمعهم قَالوا إلا "استروحَ إِليهِ وأغْيَلَتْ واسْتَحْوَذَ"2 ومِنْ هَذا البابِ: اختارَ واعتادَ وانقاسَ فتارَ مِن "اختارَ" وتادَ مِن اعتادَ وقَاسَ من انْقَاسَ نظيرُ "قَام" لا فرقَ بينَهما في سواكنهِ ومتحركاتهِ وإِذَا قلتَ [فَعَلْتُ] 3 قلتَ أخْتَرْتُ وانْقَدْتُ.
وإِذَا قلتَ "افْتُعِلَ" "وانْفُعِلَ" قلت: اخْتِيرَ وانْقِيدَ لمَّا كانَ "تَارُ" من "اختارَ" بمنزلةِ4: قالَ صارَ تِيرَ مِنْ "اخْتِيرَ" بمنزلةِ قِيلَ والأَسماءُ الجاريةُ على أَفعالِها تعتلُّ كاعتلالِ الأفعالِ فأَمَّا "فَاعِلُ" مِنْ قامَ وبَاعَ فتقولُ: قَائِمٌ وبائِعٌ.
قالَ سيبويه: إِنَّ هذهِ الياءَ والواوَ جعلتا هُنا همزتينِ كَما فُعِلَ بهما
__________
1 ورد هذا الحرف في القرآن: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} . المجادلة 58.
2 انظر: الكتاب 2/ 362، قال سيبويه: إلا أنا لم نسمعهم قالوا إلا استروح إليه وأغليت واستحوذ.
3 زيادة من "ب".
4 بمنزلة: ساقط في "ب".

(3/282)


في: سِقَاء وقَضاءٍ1، ويعتلُّ مَفْعولٌ مِنها كما اعتلَ "فَعِلَ" فَتقولُ في: بِيعَ مَبيعٌ وفي هِيبَ: مَهِيبٌ وكانَ الأَصلُ: مبيوعٌ فنقلتِ الحركةُ مِنَ التاءِ إِلى الياءِ فسكنتِ الياءُ والتقى ساكنانِ الياءُ والواوُ.
وقالَ الخليلُ: فحذفتْ "واوُ مفعولٍ" وكانتْ أَولى بالحذفِ لأنَّها زائدةٌ2، وكذلكَ: مقولٌ.
وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يَزعمُ: أَنَّ المحذوفةَ عينُ الفعلِ والباقيةَ واوُ مفعولٍ3.
قالَ المازني: فسألتهُ عَنْ "مبيعٍ" فقلتُ: أَلاَ تَرَى أَنَّ الياءَ في "مَبيعٍ" ياءٌ ولو كانتْ واوُ مفعولٍ كانتْ مَبوعٌ فقالَ: إِنهم لما أسكنوا "ياءَ" مبيوعٍ وأَلقوا حركتَها علَى الباءِ انضمتِ الباءُ وصارتْ بعدَها ياءٌ ساكنةٌ فأبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ للياءِ التي بعدَها ثُمَّ حذفتِ الياءُ بعدَ أَن لزمتِ الباءُ الكسرةَ للياءِ التي حذفتَها فوافقتْ واوُ مفعولٍ الباءَ مكسورةً فانقلبتْ ياءً للكسرةِ التي قبلَها كما انقلبتْ وا و"ميزانٍ" ياءً للكسرةِ.
قالَ المازني: وكِلا القولينِ حَسَنٌ جَميلٌ قالَ وقولُ: أَبي الحسن أَقيسُ4. وتقولُ في "مَفْعُولٍ" مِنَ القولِ "مَقولٌ" وكانَ الأَصلُ: مَقوولٌ فنقلتِ الحركةُ فاجتمعَ ساكنانِ فحُذِفَ أَحدهُما وبعضُ العربِ5 يخرجهُ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 363
2 انظر: الكتاب 2/ 363، والتصريف 1/ 287.
3 في التصريف 1/ 287. ومقول: الواو الباقية عين الفعل والواو المحذوفة واو مفعول. وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية واو "مفعول".
4 انظر: التصريف 1/ 288.
5 قال سيبويه 1/ 363: وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوع، فشبهوها بصيود وغيور، حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فتهمز.

(3/283)


إِلى الأَصلِ فيقولُ: مَخيُوطٌ ومَبيوعٌ ولا يحذفُ [ولا نعلمُ أَنَّهم] 1 أَتموا في الواواتِ لم يَقولوا في "مَقُولٍ" مَقوولٌ لثقلِ الواوِ ويجري "مَفْعَلٌ" مجرى "يَفْعَلُ" فيهما فيعتلُّ قالوا: مَخَافةٌ مثلُ: يَخافُ ومَقَامٌ ومقَالُ ومَثَابةٌ ومَنَارةٌ فَمَفعلٌ علَى2 وَزنِ "يَفْعَلُ" ليسَ بينهما إلا أَنَّ الميم موضعُ الياءِ فمذهبُ سيبويه3: أَنَّ كُلَّ ما كانَ من الأسماءِ التي في أَوائلها زوائدُ تفصلُ بينَها وبينَ الأَفعالِ وهيَ علَى وزنِ الأفعالِ فإِنّهُ يعلُّها كَما يعلُّ الفعلَ. ومَفْعِلٌ مثلُ: "يَفْعِلُ" وذلكَ قولُكَ المَبِيضُ والمَسِيرُ ومَفْعُلةٌ4 مثلُ يَفْعُلُ وذلكَ قولُكَ: المَشُورةُ والمَعُونةُ والمَثُوبةُ ويدلّكَ علَى أَنَّها ليستْ بمفعُولةٍ وأَنَّها مَفْعُلَةٌ أَنَّ المصدرَ لا يكونُ على "مَفْعُولة" وكانَ الأخفشُ يجيزُ أن يأتيَ بمَفْعُولةٍ مصدرًا ويحتج بِخُذْ ميسُورةً ودَعْ مَعسُورةً5 و"مُفْعُلةٌ" مِنْ بَناتِ الياءِ تجيءُ علَى مثالِ "مَفْعِلةٍ" لأَنكَ إِذَا سكنتَ الياءَ وهيَ العينُ جعلتَ الفاءَ تابعةً كما فعلتَ ذلكَ في "مَفعولٍ" فتقولُ "مَعِيشةٌ" إِذَا أَردتَ "مَفعُلةً" مِنَ العيشِ ولو أَردتَ أَيضًا "مَفْعِلةً" لكانَ على هَذا اللفظِ فَمِعيشةٌ علَى وزنِ: يَعِيشُ وَيَعِيشُ لو جازَ أَن تريدَ بهِ "يَفْعُلُ" ما كانَ بُدٌّ مِنْ إبدالِ الضمةِ كسرةً لِتَصحَّ الياءُ لقربِها
__________
1 أضفت "ولا نعلم" لإيضاح السياق. وانظر: الكتاب 2/ 363 ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لأن الواوات أثقل عليهم من الياءات. ومنها يفرون إلى الياء. فكرهوا اجتماعهما مع الضمة.
2 في الأصل "في" والتصحيح من "ب".
3 انظر: الكتاب 2/ 364.
4 في "ب" مفعل.
5 مذهب سيبويه في هذا أن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة. ويتأول قولهم: دعه إلى ميسورة وإلى معسورة. أنه إنما جاء على الصفة، كأنه قال: دعه إلى أمر يوسر فيه وإلى أمر يعسر فيه. وانظر: الكتاب 2/ 250.

(3/284)


من الطرفِ وإِنَّما تبدلُ الضمةَ كسرةً إِذَا كانتْ بعدَها الياءُ ساكنةً وذلكَ نحو: أَبْيضَ وبِيضُ وكانًَ القياسُ بُوْضٌ لأَنَّها1 فُعْلٌ.
[ويدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم: أَحمرُ وحُمرٌ ولكنَّهم أبدلوا الضمةَ كسرةً لتصِحَّ الياءُ التي كانتْ في الأصلِ لئلا يخرجوا مِنَ الأَخف إِلى الأثقلِ في الجمعِ وهوَ أَثقلُ من الواحدِ عندَهم فيجتمعُ ثقلانِ ولذلكَ قالوا: عِتِيٌّ فكسروا ليؤكدوا البدلَ قالوا: صِيَّمٌ وقِيَّمٌ لقربِهما مِنَ الطرفِ ولأَنَها جَمعٌ ولَمْ يقولوا في دُوَّار وصُوَّام لبعدِها مِنَ الطرفِ] 2
قالَ سيبويه: ولا تجعلْها بمنزلةِ "فَعُلْتُ" في الفعلِ3 -يعني- إِذَا قلتَ: قَضُوَ فأتبعتَ الياءَ الضمةَ لأَنَّ ذلكَ لا يفعلُ في "فَعُلَ" لو كانَ اسمًا تقولُ في مثالِ مُسْعُطٍ مِنَ البيعِ: مُبِيعٌ كانَ الأَصلُ: مُبُيعٌ فنقلتَ الحركَة إِلى الباءِ ثم أَبدلتَها كسرةً لتصِحَّ الياءُ.
وقالَ الأَخفش: فيما أَحسبهُ أَقولُ: مُبُوعٌ وهوَ خَلافُ قولِ سيبويهِ وإِنَّما أَعلَّ مثالَ مُسْعُطٍ لأَنَّهُ وزنُ "أَقْتُلُ" ومُفْعَل مِنَ الياءِ والواوِ على مثالِ: يُفْعَلُ وَقَدْ جاءتْ "مَفْعَلةٌ" على الأَصلِ قالوا: إِنَّ الفكاهةَ مَقْوَدَةٌ إِلى الأَذى قالَ سيبويه: مَكْوَزةٌ ومُزَيدٌ4 جاءَ علَى الأصلِ وإِنْ كانَ اسمًا وليسَ بمطردٍ.
قالَ أَبو العباس: مُزْيَدُ إِنْ كانَ اسمًا لرجلٍ ولم تردْ بهِ الإجراءَ على الفعلِ كما يكونُ المصدرُ وما يشتقُّ منه اسمًا للمكانِ أَو الزمانِ فحقهُ أَنْ لا
__________
1 في "ب" لأنه.
2 زيادة من "ب".
3 انظر: الكتاب 2/ 364.
4 انظر: الكتاب 2/ 364.

(3/285)


يُعل وأَنْ يصححَ لأَنَّهُ إِنَّما تعلهُ ما دَامَ يناسبُ الفعلَ بأَنَّهُ مصدرٌ للفعلِ أَو مكانٌ للفعلِ أَو زمانٌ لَهُ فإِذَا بَعُدَ مِنْ هذهِ الأمورِ لم يجزْ أَن يُعلَّ إلا كما تعلُّ سائرُ الأسماءِ1.
قالَ سيبويه: وقالوا: مَحْبَبٌ حيثُ كانَ اسمًا. أَلزموهُ الأَصلَ كَمورَقٍ2 ومتَى جاءَ اسمٌ علَى وزنِ الفعلِ وليسَ فيهِ ما يفرقُ بينَهُ وبينَ الفعلِ صُحِّح وذلكَ قولُهم: هَوَ أَقولَ الناسِ وأَبيعُ الناسِ وأَقولُ مِنْكَ وأَبيعُ مِنْكَ وإنّما أَتموا ليفصلوا بينَهُ وبينَ الفعلِ نحو: أَقالَ وأَقامَ ويتمُّ في قولِكَ: ما أَقولهُ وأَبيعهُ لأَنَّ معناهُ معنى "أَفعلُ منكَ" وأَنَّهُ لا يتصرفُ تصرفَ الأفعالِ فأَشبهَ الأَسماءَ وكذلكَ: أَفعلْ بهِ لأَنَّ معناهُ معنى: ما ما أفعله ويتمُّ في كُلِّ ما جاءَ على لفظِ الفعلِ بغيرِ فَرقٍ بينَهما ونحنُ نُتبعُ هَذا ما يتمُّ مِنَ الأسماءِ [ولا يُعَلُّ3 إِنْ شَاء الله] .
__________
1 انظر: المقتضب 1/ 108. فإن صغت اسما لا تريد به مكانا من الفعل ملازما للفعل ولا مصدرا قلت في "مفعل" من القول "مقول" ومن البيع مبيع، كما قالوا في الأسماء: مزيد، وقالوا: إن الفكاهة مقودة إلى الأذى.
2 انظر: الكتاب 2/ 364.
3 انظر: الكتاب 2/ 364.

(3/286)