الأصول في النحو

ذكر ما يتم ويصحح ولا يعل
مدخل
...
ذِكْرُ ما يتم ويُصححُ ولا يُعَلُّ:
مِنْ ذلكَ ما صُححَ لسكونِ ما قبلِهِ وما بعده وذلكَ نحو: حُوَّلٍ وعُوَّارٍ وَقَوَّالٍ ومِشوارٍ والتَّقوال1 والتقَوالِ وقَوول وبُيوعٍ وشُيُوخٍ وحُوُولٍ وَنَوارً
__________
1 والتقوال: ساقط في "ب".

(3/286)


وهُيامٍ1 وطويلٍ2 وطُوالٍ3 وخِوَانٍ وخِيَارٍ وَعِيانٍ ومَقَاول ومَعَايش وبَناتُ الياءِ كبناتِ الواو في جميعِ هذَا في تركِ الهمزِ في: طَاوُوسٍ وسَايُور4، نحو ما ذكرنا ومِنْ ذلكَ: أَهوناءُ5، وأَبيناءُ6 وأَعيياءُ وقالوا: أَعيّاءُ وقالَ بعضُهم: أَبِينَاءُ كَسرِه الكسرةَ في الياءِ كما كرهوا الضمةَ في "فُعُلٍ" مِنَ الواوِ فأَسكنوا نحو: نُوْرٍ وقٌوْلٍ ولَيْسَ بالمطردِ7، فأَمَّا الإِقامةُ والاستقامةُ فاعتلتْ علَى أَفعالِهما وطَويلٌ لم يجئ على "يَطُولُ"8 ولاَ علَى الفِعْلِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ لو أَردتَ الاسمَ لقلتَ: طَائلٌ وإِنَّما هُ و"كفعيلٍ" يعني به "مَفعولَ" مِفْعَلٌ يتمُّ ولم يَجرِ مَجرى "أَفعلُ" لأَنَّ مَفعلًا إِنَّما هُ و"مِفْعَالٍ" أَلاَ تَرى أَنَّهما في الصفةِ سَواءٌ تقولُ: مِطْعَنٌ ومِفْسَادٌ فتريدُ في "المِفْسَادِ" مِنَ المعنى ما تريدُ في "المِطْعَنِ" وتقولُ: المِخْصَفُ والمِفْتَاحُ فتريدُ في المِخْصُفِ مِنَ المعنى ما أَردتَ في "المِفْتَاحِ" وقَد يعتورانِ الشيءَ الواحدَ نحو: مِفْتاحٍ ومِفْتَحٍ ومِنْسَجٍ ومِنْسَاجٍ فمن ثُمَّ قالوا: مِقْولٌ ومِكْيلٌ فأَمَّا قولُهم: مَصائبُ وهَمزها فَغَلطٌ9، هيَ "مُفْعِلَةٌ"
__________
1 هيام: بضم الهاء أشد العطش. مصدر. وقيل اسم منه. أما هيام -بفتح الهاء- فهو تراب يخالطه رمل ينشف الماء نشفا.
2 طويل: وزنه "فعيل".
3 طوال على وزن "فُعال".
4 سايور: فاعول، من سرت.
5 أهوناء: جمع هين، وهو السهل.
6 أبيناء: جمع بين، الواضح.
7 في سيبويه 2/ 366: قال بعض العرب: أبيناء فأسكن الياء وحرك الباء، كره الكسرة في الياء، كما كرهوا الضمة في الواو.
8 انظر: الكتاب 2/ 366.
9 قال سيبويه 2/ 376: وأما مصائب: فإنه غلط منهم وذلك أنهم توهموا أن مصيبة، فعيلة، وإنما هي "مفعلة" وقد قالوا: مصاوب. وانظر: المصنف 1/ 307-308، والمقتضب 1/ 123.

(3/287)


وتوهموها "فَعِيلَةً" وقَد قالوا: مَصاوب ويهمزونَ نحو: صَحَائف وَرَسائل وعَجَائز.
"فَاعِلٌ" مِنْ "عَورتُ" إذَا قالوا: "فَاعِلٌ" غَدًَا قالوا: عَاورٌ غَدًا وكذلكَ: صَائدٌ غَدًَا مِنْ صَيِدَ لمّا صحتْ في الفعلِ ولو كانَ "تَقُولُ" اسمًا لكسرتَهُ تُقَاول وتَبيعُ تُبَايع ولا يهمزُ ويتمُّ "فَاعلٌ" نحو: قَاولَ وبايعَ.
وفَوَاعلُ مِنْ "عَوِرْتُ" وصَيِدتُ يُهمزُ لأَنَّك تقولُ في "شَويتُ شَوَايا" كما تُهمزُ نظيرُ مَطَايا مِنْ غَيرِ بناتِ الياءِ والواوِ نحو: صحائف لأَنَّ "عورتُ" نظيرُ "شَويتُ" وصَيِدتُ نظيرُ "حَيِيتُ" فهمزت لإلتقاءِ الواوينِ. وليسَ بينَهما حَاجزٌ حَصينٌ فَصار بمنزلةِ الواوينِ يلتقيانِ.

(3/288)


[هذا بَابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مِما ذَكرنَا] :
وطَويلٌ وطُوَالٌ صَحَّ في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ وأَمَّا فَعَلانٌ وفَعْلَى نحو: جَوَلاَنٍ وحَيَدانٍ وحَيَدى1 فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادةِ مِنْ مثالِ الفعلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندهم ما صُححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ [الفَعْلِ] 2، المعتلِّ نَحو: الحَوِلِ والغَيِرِ وكذلكَ "فَعَلاءُ" نح و"السِّيَراء3" وفُعَلاَءُ نحو: القُوَياءِ والخُيَلاءِ أَخرجتهُ الزيادةُ مِنْ مثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندَهم مَا صَحَّ لأَنَّهُ جاءَ علَى غيرِ مثالِ الفِعْلِ4 وقَد أَعلَّ بعضُهم5: فَعَلانَ وفَعَلَى كما أَعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلوا الزيادةَ بمنزلةِ الهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارَانٌ6 وهَامَانُ وليسَ بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعلَى فَلا تدخلُهُ العلةُ كَما لا تدخلُ "فُعَلٌ وفِعَلٌ".
__________
1 حيدى: حمار حيدى، يحيد عن ظله لنشاطه.
2 زيادة من "ب".
3 السيراء: بسكون الياء وفتحها، ضرب من البرود، وقيل: هو ثوب مسير فيه خطوط تعمل من القز.
4 زيادة من "ب".
5 انظر: الكتاب 2/ 371.
6 داران: من دار يدور.

(3/289)


هَذَا بابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ [مما ذكرنا] 1:
إِذَا جمعتَ "فَوْعَلَ" همزتَ كما همزتَ "فَواَعلَ" مِنْ عَورتُ وصَيدتُ وسَيّدٌ يهمزُ وفَيْعَلٌ نحوَ عَيَّنٌ2 يهمزُ جميعُ هَذا لأنَّهُ اعتلَّ بعدَ ياءٍ زائدة في موضعِ أَلفِ "فَاعلٍ" ولو لم يعتلَّ لَمْ يهمز كما قالوا: ضَيونٌ3 وضَيَاونٌ "فُعَّلٌ" مِنْ قلتُ "قَوَائلُ" تهمزُ وكذلكَ "فَعْوَلٌ" لإلتقاءِ الواوينِ وأَنَّهُ لَيْسَ بينَهما حاجزٌ حصينٌ وقربُها مِنْ آخر الحرفِ وإِذَا التقتِ الواوانِ على هَذا المثالِ فلا تلتفتن إِلى الزائدِ وغيرِ الزائدِ أَلا تَرَاهم قالوا: أَوَائلُ في أَولَ وأَمَّا قَولُ الشاعرِ: عَوَاورُ4 فإِنَّما اضطر
__________
1 زيادة من "ب".
2 عين: يقال: سقاء عين، وتعين إذا رق فلم يمسك الماء. وبالجلد عين، وهو عيب فيه.
3 ضيون: السنور الذكر، وقيل: هو دويبة تشبهه، والجمع ضياون.
4 يشير إلى قول الشاعر:
وكحل العينين العواور.
وهو من شواهد سيبويه 2/ 374. على تصحيح واو العواور الثانية، لأنه ينوي الياء المحذوفة من العواوير، إذا وقعت في مثل هذا الموضع لم تهمز لبعدها من الطرف. والعواوير: جمع عوار وهو وجع العين. وهو أيضا ما يسقط في العين فيؤلمها وجعل ذلك كحلا للعين على الاستعارة، يقال: بعينه عوار، أي: القذى في العين والشاهد لجندل بن المثنى الطهوي من بني تميم، وقبله:
غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
وكحل العينين بالعواور
وانظر: المنصف 2/ 49. والخصائص 1/ 195. والإنصاف/ 417، والمفصل للزمخشري/ 382. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 254 واللسان "عور" وشواهد الشافية/ 174. والمحتسب 1/ 107.

(3/290)


إِليه1 فحذَف الياء من "عَواوير" ولم يكنْ تَركُ الياءِ2 في الكلامِ لازمًا فيهمزُ:
فَوَاعل مِنْ قُلتُ. يُهمزُ لأنَّها أَمثلُ مِنْ [َوَاعلٍ مِنْ] 3 عَورتُ" وأوائلُ. وبناتُ الياءِ كبناتِ الواوِ يهمزن كما همزت "فَوَاعلُ" مِنْ "صَيِدتُ" لأَنَّ الياءَ قَدْ تستثقلُ معَ الواوِ كاستثقالِ الواوينِ ويهمزُ "فَعِيلٌ" مِنْ قُلتُ وبِعْتُ قَوَائِلُ وبَيَائعُ.
__________
1 إليه: ساقط في "ب".
2 في سيبويه 2/ 374 فإن اضطر الشاعر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازما له في الكلام فيهمز، فسيبويه يقول: لم يكن ترك الواو لازما وابن السراج ترك الياء، وأظن سيبويه على صواب، لأنه لو لم تكن فيه ياء منوية للزم همزها كما قالوا: في جمع أول: أوائل.
3 زيادة من "ب".

(3/291)


بَابُ ما يجري فيه بعضُ مَا ذكرناَ إِذا كُسرَ للجمعِ علَى الأصلِ:
فمِنْ ذلكَ "فَيْعَالٌ" نحو: دَيَّارٍ وقَيَّامٍ وَدَيُّورٍ وَقَيُّومً تقولُ: دَياويرُ وقَيَاويمُ وعُوَّارٌ وعَواويرُ وكلَّما فصلتَ بينَهُ وبينَ آخر الحروفِ بحرفٍ جَرى علَى الأصلِ كما جَاء: طَاووسٌ ونَاووسٌ1.
__________
1 ناووس: جمعه نواويس، وهو مقابر النصارى. قال ابن منظور: إن كان عربيا فهو فاعول.

(3/292)


بَابُ "فُعِلَ" مِنْ "فَوعَلتُ" مِنْ "قَلْتُ" وفَيعَلتُ مِنْ "بِعْتُ":
وذلكَ قولُكَ قُوولَ وبُويعَ تمدُّ كما مددتُ في "فَاعلتُ" ألا ترى أنَّك تقولُ: بَيطرتُ فتقولُ: بُوطِرَ فتمدَّ وصَوْمعتُ فتقولُ: صُومِعَ فتجري مَجرى: باطرتُ وصَامعتُ وكذلكَ "تفَيعلتُ" إِذا قلتَ: قَدْ تَفَوعَل تقولُ: تُفُوهقَ مِنْ تَفَيهقْتُ وكذلكَ إِذا كانَ الحرفُ "فَعْوَلتُ" وفَعْيَلتُ: تقولُ: قَد بُووعَ وافْعَوْعَلتُ مِنْ سرتُ اسييرّتُ تقلبُ الواو ياءً لأَنَّها ساكنةٌ بعدَها ياءٌ فإِذَا قلتَ: فُعِلْت قلتَ: أُسْيُوِيرْتُ.
قالَ سيبويه: وسألتهُ يعني الخليلَ عَنِ اليوم فقالَ: كأَنَّهُ مِنْ "يُمْتُ" وإِن لم يستعمل كراهيةَ أن يجمعوا بينَ هَذا المعتل ويَاءٍ1 تدخلها2 الضمةُ في "يَفْعُلُ" كراهيةَ أنْ يجتمعَ ياءانِ [في] 3 إِحداهما ضمةٌ مع المعتل4 ومما جاءَ على "فِعْلٍ" لا يتكلمُ بهِ كراهيةٍ نحو ما ذكرها أولُ وَآأَةٌ وَوَيْسٌ وَوَيْجٌ كَأنَّهُ مِنْ وِلتُ وَوِحْتُ وَأُؤْتُ.
__________
1 أضفت "ياء لإيضاح المعنى.
2 في الأصل "تدخله".
3 زيادة من "ب".
4 انظر: الكتاب 2/ 376.

(3/293)


أَفعلتُ في القياسِ مِنَ اليومِ عَلى مَنْ1 قَالَ: أَطوَلتُ وأَجودَتُ.
قالَ الخليلُ: أَيَّمتُ تقلبُ. هنا كما قلبتْ في "أيامٍ"2 أُفعِلٌ ومُفْعَلٌ ويُفْعَلُ أُووِمْ [بغيرِ هَمْزٍ] 3 ويُوْوَمٌ لأَنَّ الياءَ لا يلزمُها أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ كفَعَّلتُ [وفَوعلتُ مِنْ بِعْتُ] 4 وقَدْ تقعُ وحدَها فكَما أُجريتْ "فَيْعَلتُ وفَوعَلتُ" مجرى "بَيْطرتُ" وصَوْمعتُ أَجريتْ هذهِ مجرَى "أيقنتُ".
وأَبو العباس يقولُ: أَيّمٌ عَلَى "أَفعِلٍ" لأَنَّ الواوَ هُنَا فَاء5 فهيَ تَلزمُ العينَ وهيَ مدغمةٌ وإِذَا كانَ الحرفُ مدغمًا لم يقلبْهُ ما قبلَهُ6.
أفعلُ: مِنَ اليَومِ أيَّمٌ والجمعُ أيائمُ تهمزُ لأَنَّها اعتلتْ كما اعتلتْ في7 "سيدٍ" فكما أَجريتَ سَيدًا مَجرى "فَوْعلَ" مِنْ "قَلْتُ" كذلكَ تجري هَذا مجرى أَوَّلَ. افْعَوعَلتُ مِنْ "قُلْتُ": "اقْوَوَّلْتُ وافْعَالَلتُ" مِنَ الياءِ والواوِ: اسوادَدْتُ وابَياضَضْتُ أَتموا لأَنَّهم لو أسكنوا لكانَ8 فيهِ حذفُ الألفِ
__________
1 في "ب" ما وهو خطأ.
2 انظر: الكتاب 2/ 376.
3 زيادة من "ب".
4 زيادة من "ب".
5 فاء فهي: ساقط في "ب".
6 في المقتضب 1/ 178: وكان الخليل يقول: لو بنيت "أفعلت" من اليوم في قول من قال: أجودت، وأطيبت، لقلت: أيمت، وكان الأصل: أيومت، ولكن انقلبت الواو للياء التي قبلها. كما فعلت في "سيد".
وانظر: الكتاب 2/ 376 والمنصف 2/ 35 والخصائص 3/ 16.
7 في "ب" "من".
8 في "ب" "كان".

(3/294)


والواوِ لئلا1 يلتقي ساكنانِ. افْعَلَلَتُ "ازْوَرَرْتُ" وابْيَضَضْتُ فإِنْ أردتَ "فُعِلَ" قلتُ أُبْيُوضٌ [في هَذا المكانِ] 2 واقْوُول جمعتَ بينَ ثلاثِ واواتٍ لأَنَّ الثانية كالمدةِ كما فعلتُ ذلكَ في "قَوْوِلَ".
قال أبو الحسن: أَقُولُ:3 واقْوُيِلْتُ لئلا أَجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ فُعْلَلٌ من كِلتُ: كُوْلَلٌ وفُعْلِلٌ إِذا أَردتَ الفِعلَ: كُوَلِلٌ ولم يجمعْ4 بمنزلةِ بِيضٍ.
وبِيْعٍ لبعدِها5 مِنَ الطرفِ وصارتْ علَى أَربعةِ أَحرفٍ وكانَ الفعلُ ليسَ أَصله يائهِ6 التحريكُ. سمعنا مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: تَعَيّطتِ7 الناقةُ ثُمَ قالوا: عُوطَطٌ8 فُعْلَلٌ9.
__________
1 في الأصل لأن لا.
2 زيادة من "ب".
3 انظر: المقتضب 1/ 187. كان أبو الحسن يقول في: أقوول، أقويل يقلب آخرهن ياء ويدغم فيها التي قبلها، وعلته في ذلك اجتماع الواوات، ويقول: إنما تجري الأبنية على الأصول وليس في الأصول ما هو هكذا.
4 ولم يجمع: ساقط من "ب".
5 في "ب" بعدها.
6 في الأصل "بابه".
7 تعيطت: وتعوطت الناقة إذا لم تحمل أول سنة يطرقها الفحل، فهي عائط وحائل.
8 العوطط: مصدر، الناقة إذا لم تحمل السنة المقبلة، فهي عائط وعوطط.
9 في سيبويه 2/ 377: سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقالوا: العوطط، فعلل.

(3/295)


بَابُ مَا الهمزُ فيهِ في موضعِ اللامِ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ:
نحو: سَاءَ يَسُوءُ وجَاءَ يَجيءُ وَشاءَ يَشَاءُ.
اعلَم: أَنَّ الواوَ والياءَ لا تُعَلاَّنِ واللام ياءٌ أَو واوٌ لأَنَّهم إِذَا [فعلوا ذلك] 1 يصيرونَ إلى ما يستثقلونَ وإِلى الإِلباس والإِجحافِ فهذهِ الحروفُ تجري مَجرى: قَالَ وبَاعَ إلا أَنكَ تحولُ اللامَ يَاءً إِذا همزتَ العينَ وذلكَ نحو قولكَ2: جَاءٍ همزتَ العينَ التي [هُمِزَتْ] 3 في "بَائعٍ" [واللام مهموزة] 4 فالتقت همزتانِ ولم تكنْ لتجعلَ [اللامَ] 5 بينَ بينَ لأَنَّهما في كلمةٍ واحدةٍ وجميعُ ما ذكرتُ في "فَاعلٍ" بمنزلةِ جَاءٍ.
واعلَم: أَنَّ ياءَ "فَعَائل" أَبدًا مهموزةً لا تكونُ إلا كذلكَ ولم تَردْ إلا كذلكَ وشبهت "بفَعَاعِل فَوَاعل" مِنْ جِئتُ جَوَاءٍ وشَوَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في جَمعٍ وأَمَّا "فَعَائل" مِنْ "جِئتُ" وَسُؤتَ فكخَطَايا تقولُ:
__________
1 أضفت إلى الجملة "إذا فعلوا ذلك" لإيضاح المعنى.
2 قولك: ساقط في "ب".
3 أضفت كلمة "همزت" لإيضاح المعنى.
4 أضفت "واللام مهموزة" للمعنى.
5 أضفت كلمة "اللام" للمعنى.

(3/296)


جَيَايا وسَوَايا وكانَ الخليلُ: يزعمُ: أَنَّ جاءٍ وشَاءٍ. اللامُ فيهما1 مقلوبةٌ واطردَ في هذَا القلب إِذ كانوا يقلبونَ كراهيةَ الهمزةِ الواحدةِ نحو"لاثٍ وشَاكٍ2" فُعَائلُ من جئتُ جُيَاءٌ ومِنْ سَؤتُ سُوَاءٍ لأَنَّها لم تُعرضْ في جَمَعٍ:
"فَعْلَلٌ" مِنْ جئتُ وقَرَأتُ: جَيْأى وقَرْأًى فُعْلُلٌ: وقُرْئىٍ وَجُوْئىٍ فِعْلِلٌ قِرْئِي وجِيْئِيٌ لإلتقاء الهمزتين ولزومهما3، وليسَ يكونُ هَهُنَا قَلْبُ كما في: جَاءٍ لأَنَّهُ لَيس هُنَا شيءٌ أَصلُه الواوُ ولاَ الياءُ فَإِذَا جعلَتهُ طرفًا جعلتَهُ كياءِ "قَاضٍ" وإِنَّما الأصلُ هُنَا الهمزُ فِإِذا جمعتَ قلتَ: قَرَاءٍ وجَيَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ4. فَعَاعلُ: مِنْ جِئتُ وسؤتُ سَوَايا وجَيَايَا لأَنَّ "فَعَاعِلَ" مِنْ قلتُ: وبِعْتُ مهموزتانِ فصارتْ همزةً عرضتْ في جَمعٍ ومَنْ جعلَها مقلوبةً فينبغي أن يقولَ: جياء وسَوَاءٍ لأَنَّهما همزتا الأصلِ التي تكونُ في الواحدِ. افْعَلَلتُ مِنْ: صَدِئتُ اصْدَأَيتُ تقلبُها ياءً كما تقلبُها في "مُفْعَللٍ" [وذلك قولكَ] 5 مُصْدِىءٍ وَيَفْعَلِلُ يَصْدِئي فَيَاعلُ مِنْ جِئْتُ وَسُوْتُ بمنزلةِ فَعَاعل جَيَايا وسَيَايا لأَنَّها عرَضتْ في جَمعٍ.
__________
1 في الأصل "فيه".
2 انظر: الكتاب 2/ 378.
3 في الأصل "ولزومها".
4 أي: أن الهمزة ثابتة في الواحد.
5 أضفت "وذلك قولك" لأن المعنى يقتضيها.
6 في الأصل: سوايا، لأن سيايا فعائل، وهمزة فعائل عارضة في الجمع، كما عرضت همزة قبائل في الجمع ولم تكن في الواحد.

(3/297)


قالَ سيبويه: وسألتُ الخَليلَ عْن "سُؤْتهُ سَوَائيةً؟ فقالَ: هيَ: فَعَاليةٌ بمنزلةِ عَلاَنيةٍ والذينَ قالوا: سَوَايةٌ حذفُوا الهمزةَ وأَصلهُ الهمزةُ1 كما اجتمعَ أَكثرهُم علَى تركِ الهمزِ في "مَلَكٍ2" قالَ: وسألتهُ: عَنْ مَسَائيةٍ فقالَ: [هيَ] 3 مقلوبةٌ وكذلكَ: أَشياءُ وأَشاوي ونظيرهُ قِسِيٌّ5، وأَصلُ مسائيةٍ: مَسَاوِئةٌ فكرهوا الواوَ معَ الهمزةِ وأَصلُ أَشياءٍ: شَيئَاءٌ وأشاوي6 كأَنَّكَ "جمعتَ" إشاوةً وأَصلُ "إِشَاوةٍ: شَيئَاءُ" ولكنَّهم قَلبوا وأَبدلوا مكانَ الياءِ الواو كما قالوا: أَتَيْتَهُ أَتْوَةً وأَمَّا "جَذَبْتُ" وجَبَذْتُ ونحوهُ فليسَ بمقلوبٍ كُلُّ واحدٍ على حدتهِ لأَنَّ الفِعلَ يتصرفُ فيهما7 وأَمَّا كُلُّ وكِلا فَمِنْ لفظتينِ لأَنَّهُ ليسَ هَهُنَا [قُلبٌ ولا] حرفٌ من حروفِ الزوائدِ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 379.
2 ملك: أصله ملأك، حذفت همزته لكثرة استعماله. فلما جمعوه ردوه إلى أصله فقالوا: ملائكة، وملائك.
3 أضفت كلمة "هي" لإيضاح المعنى.
4 انظر: الكتاب 2/ 379.
5 أصل قسى: قووس، لأن ثاني "قوس" واو فقدم السين في الجمع، والعرب تغير الأكثر في كلامها، وانظر: الكتاب 2/ 379 والمنصف 2/ 101-102.
6 أصل: أشاوي: أشيا قالوا: أشياء فعلا مقلوبة، وكان أصلها شيئاء مثل حمراء فقلب فجعل الهمزة التي هي لام أولا. فقال: أشياء لأنها لفعاء، ثم جمع قال أشاوي مثل صحاري فأبدلوا الياء واوا كما قالوا: جبيت جباوة، وهذا شاذ. قال المازني: وإنما احتلنا لأشاوي حيث جاءت هكذا ليعلم أنها مقلوبة عن وجهها وانظر: المنصف 2/ 194 والكتاب 2/ 280.
7 انظر: الكتاب 2/ 380.
8 زيادة من الكتاب 2/ 380.

(3/298)


بَابُ ما يخرجُ على الأصلِ إِذَا لَمْ يكنْ حَرفَ إعرابٍ:
وذلكَ: الشَّقَاوةُ والإِداةُ والنِّهاوَةُ ومِنْ ذلكَ: الأُبوةُ والأُخوةُ والأُخوةُ لا يغيرانِ ولا تحولهما1 فيمن قالَ: مَسْنِيٌّ وعُتِيٌّ للزوم الإِعرابِ غيرَهما وصلاءةٌ2 وعَظاءةٌ3 جاؤوا بهِ علَى قولِهم: صَلاَءٌ كَما قالوا: مَسْنيَّةٌ4 ومَرْضِيَّةٌ حيثُ جاءتا علَى مَرْضيٍّ ومَسْنيٍّ فلحقتِ الهاءُ حرفًا يُعَرَّى5 مِنْها ومَنْ قالَ: صَلاَيةٌ وَعَبَايةٌ فلم يجىء بالواحدِ على الصَّلاَءِ والعَباءِ كما أنّه إذا قال: خُصْيانِ لم يُثنهِ على الواحدِ ولو أرادَ ذلكَ لقال خُصْيتانِ قال وسألته عن الثَنايَينِ6، فقالَ: هُوَ بمنزلةِ: النِّهايةِ7، ومن ثُم قالوا: مِذْرَوانِ لأَنَّ ما بعدَهما مِنَ الزيادةِ لا يفارقانِهما وإِذَا كانَ
__________
1 في الأصل "نحوهما" ولا معنى لها.
2 صلاءة: مدق الطيب، كل حجر عريض يدق عليه عطر أو هبيد.
3 عظاءة: لغة في عظاية، وجمعها عظايا. والعظاية: تطلق على خلقة سام أبرص.
دويبية أكب من الوزغة. وانظر: حياة الحيوان 2/ 102.
4 مسنية: ومسنوة. من سنا الغيث يسنوها، إذا سقاها.
5 في الأصل يعرا.
6 الثنايين: تقول العرب عقلت البعير بثنايين، وذلك أن تعقل يديه جميعا بحبل، أو بطرفي حبل.
7 انظر: الكتاب 2/ 383.

(3/299)


قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ مفتوحٌ كانتِ الهاءُ لازمةً ولم تكن إلا بمنزلتِها لو لم تكنْ هاءً نحو: العَلاَةِ1 وهَنَاةٍ وَمَناةٍ فَتقلبها ألفًا. وقَمَحدوةٌ2 مثلُ: "سَرُوَ" وإنْ كانَ ما قبلَ الياءِ والواوِ فتحةً في الفعلِ قلبتْ ألفًا وإنَّما قالوا: الغَثَيانُ لأَنَّ ما بعدَهُ ساكنٌ كَما قالوا رَمَيا وإِذا كانتِ الكسرةُ قبلَ الواوِ3 ثم كانَ بعدَها ما يقعُ عليهِ الإِعرابُ لازمًا أو غيرَ لازمٍ فهيَ مبدلةٌ مكانَها الياءُ "مَحْنِيةٌ" وهيَ مِنْ "حَنَوْتُ" وهيَ الشيءُ المَحْنِيُّ مِنَ الأرضِ وَغَازِيةٌ وقالوا: قِنْيَةٌ4 للكسرةِ وبينهما حرفٌ والأصلُ "قِنْوَةٌ".
__________
1 الصلاة: حجر يجعل عليه الأقط. والسنديان، ويقال: للناقة علاة تشبه به في صلابتها.
2 قمحددة: مؤخر الرأس. والمشرف على أعلى العنق من خلف.
3 ثم: ساقط في "ب".
4 قنية: -بكسر القاف وضمها- ما اكتسب من قنى. قنا المال قنيا: اكتسبه.

(3/300)


بَابُ ما إِذَا التقتْ فيهِ الهمزةُ [والياءُ] 1 قلبتِ الهمزةُ ياءً والياءُ ألفًا:
وذلكَ: مَطَيّةٌ ومَطَايا ورَكيةٌ ورَكَايا وهَديَّةٌ وهَدَايا وإِنَّما هذهِ "فَعَائِل" كصحيفةٍ وصَحَائِفَ لأَنَّها همزةٌ بينَ أَلفينِ يدلُكَ على ذلكَ أنَّ الذينَ يقولونَ: سَلاءٌ2، كما تَرى فيحققونَ3 يقولونَ: رأيتُ سًلًا فَلا يحققونَ فأَبدلوا مِنْ مَطَايا مكانَ الهمزةِ ياءً لأَنَّها هيَ كانَتْ ثَابتةً في الواحدِ. وقالَ: قال: بعضهم4: هَدَاوَى فأَبدلوا الواوَ لأَنَّ الواوَ قد تبدل مِنَ الهمزةِ وما كانت الواوُ فيه ثابتةً نحو"هَراوةٍ" وإِدَاوَةٍ5 فيقولونَ: هَرَاوى وأَداوى وأَلزموا الواوَ هُنا كَما أَلزموا الياءَ في "مَطَايا" وكما قالوا: حَبَالى ليكونَ آخرهُ كآخرِ واحدهِ وليستْ بأَلفِ التأنيثِ كَما أَنَّ الواوَ في "أَدَاوَى" غيرُ الواوِ في "إِدَاوةٍ" ولم يفعلوا هذا في "جَاءٍ" لئلا يلتبسَ بفَاعل وَفُعِلَ ذلكَ بما كانَ على مثالِ مَفَاعِلَ لأَنَّهُ ليسَ يلتبسُ لعلمِهم أَنَّهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ "مَفَاعِل". و"فَوَاعِل" من "شَوَيْتُ"
__________
1 زيادة من "ب".
2 سلاء: ضرب من النصال. والسلاء-بكسر السين- السمن.
3 في الأصل فيخففون، وهو تصحيف. وانظر: الكتاب 2/ 384.
4 انظر: الكتاب 2/ 385.
5 أداوة: المطهرة، قال ابن سيدة: الأداوة للماء. وجمعها إداوي.

(3/301)


شَوَايا لأَنَّها همزةٌ تعرضُ في الجمع وبعدَها الياءُ همزتَها كما همزت "فَوَاعِل" من "عَوِرْتُ" وكذلك "فَوَاعلُ" مِنْ "حَيِيْتُ" وفَوَاعلُ منهما بمنزلةِ "فَوَاعل" في أَنَّكَ تهمزُ ولا تبدلُ مِنَ الهمزةِ ياءً تقولُ: شَوَاءٌ فُعَائِلُ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ مُطَاءٍ ورُمَاءٍ لأَنَّها همزةٌ لم تعرضْ في الجمعِ فهمزتُها بمنزلةِ همزةِ فَعَالٍ "مِنْ" حَيِيْتُ والجمعُ مَطَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ فَيْاعِلُ مِنْ "شَويتُ" وَحَيِيْتُ حَيَايا وشَيَايا لأَنَّها همزةٌ تَعرضُ في الجمعِ بعدَها الياءُ ولا يخافونَ التباسًا وقالوا: فَلُوَّةٌ وفَلاوى1، لأَنَّ الواحدَ فيهِ واوٌ فأَبدلوا في الجمعِ واوًا وأَمَّا فُعَائلُ وفُعَاعِلُ تقولُ: شَوَاءٍ وَحُيَاءٍ وولا تقولُ: حَيَايا وشَوَايا لئلا يلتبسَ "بحُبَارى".
__________
1 في الأصل "فلاوا" والفلاوى: جمع فلوة، والفلو والفلوة: المهر إذا بلغ السنة المهر الصغير. وقيل: هو العظيم من أولاد ذات الحافر، ويجمع على أفلاء أيضا.

(3/302)


ما بنيَ على: أَفعلاء وأَصلهُ "فُعَلاءُ":
وذلكَ "أَسرَياءُ وأَغنِياءُ وأَشقِياءُ صرفُوها عِنْ سُرَواءَ وغُنياءَ لأَنَّهم يكرهون تحريكَ الواوِ والياءِ وقبلهما الفتحةُ إلا أَنْ يخافوا التباسًا في رَمَيا1 وَغَزَوَا.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 385.

(3/302)


جملُ الأُصولِ التي لا بُدَّ مِنْ حفظِها لإستخراج المسائلِ بجميعِ أَقسامِها:
الياءُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَو حرفٍ مكسورٍ أَو حرفٍ مضمومٍ فإنْ كانتِ الياءُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ وهيَ ساكنةٌ لم تعل إلا في لغةِ مَنْ قالَ: في يَيْأَسُ يَيْئِسُ وفي "يَوْجَلُ يَاجَلُ" وإنْ كانتْ بعدَ حرفٍ مكسورٍ فهيَ علَى حالِها وإنْ كانتِ الياءُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مضمومٍ قلبتْ واوًا وإنْ بعدت مِنَ الطرفِ وإنْ قربتْ أُبدلتِ الضمةُ كَسْرَةً وأُقرتِ الياءُ على حالِها نحو بِيضٍ وما أَشبههُ إلا في الاسمِ الذي علَى "فُعْلَى" نحو: طُوبى"1 وَكُوسَى2، وهذهِ الياءُ لا تغيرُ لِمَا بعدَها إلا أنْ يليهَا تاءُ "افْتَعلَ". وتقولُ: اتَّأسَ مِنَ التَأسِي.
__________
1 طوبى: الواو مبدلة من الياء لأنه فعلى. من الطيب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها مع سكونها.
2 كوسى: مؤنث الأ كيس. وهو من الكيس، الفعل والظرف، وسرعة الفهم.

(3/303)


بَابُ الياءِ المتحركةِ:
الياءُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولًا أَو بعدَ حرفٍ وإذَا كانتْ أَولًا فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فهيَ علَى حالِها لا تقلبُ ولا تغيرُ حركتها إلا في قولِ مَنْ قالُ في "يَوجَلُ يِيجلُ" فيكسُر الياءَ ليثبتَ قلبَ الواوِ بعدَها وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فلا تخلو مِنْ أَن تكون طرفًا أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفًا فلا تخلو من أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَو متحركٌ فإنْ كانَ قبلها ساكنٌ وهيَ طرفٌ فهيَ علَى حالِها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ألفًا فإنَّها تبدلُ همزةً وذلكَ نحو: قَضَاءٍ وسِقَاءٍ أَو يكونَ لامًا في "فَعْلَى" نحو" تَقْوَى" فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المتحركةِ التي هيَ طرفٌ حرفْ متحركٌ أبدلتِ الياءُ لحركةِ ما قبلَها إنْ كانتْ في "فِعْلٍ" وإنْ كانَ المتحركُ قبلَها مفتوحًا أبدلتْ ألفًا نحو: قَضَى وَرَمى وإنْ كانَ مضمومًا قلبتْ واوًا نحو قَضُوَ الرجلُ ورَمُوَ وإنْ كانَ قبلَها مكسورٌ بقيتْ علَى حالِها فإِنْ كانتْ بهذهِ الصفةِ في اسمٍ وكانَ قبلَها مفتوحٌ قلبتْ ألفًا نحو: رَحَى1، الألفُ منقلبةٌ مِنْ "ياءٍ" يدلُّكَ علَى هذَا قولُهم: رَحَيانِ وإنْ كانَ ما قبلَها
__________
1 في الأصل "رحا" وإذا كان أصل الألف من الياء فتكتب بالياء.

(3/304)


مكسورًا تُرِكَتْ على حالِها وإنْ كانَ ما قبلها مضمومًا أُبدلتْ مِنَ الضمةِ كسرةً واتبعتِ الحركة ما بعدَها خلافُ ما عملتْ في الفعلِ وذلكَ نحو قولهم في جمعِ "ظَبيٍ" عَلَى "أَفعُلٍ" أَظَّبٍ كانَ الأَصلُ الضم في الباءِ فأبدلتْ منها كسرةٌ فإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ غير طرفٍ فليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنين فهيَ على حالِها إلا في قولِ مَنْ قالَ في "ظَبيْ ظَبَويٌّ" وقد ذكرتهُ في النَّسَبِ وإنْ كانتِ الياءُ المتحرَكةُ بينَ متحركينِ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ قبلَها حرفٌ مفتوحٌ فإنَّها تقلبُ ألفًا نحو: باعَ ونَاب وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ أَو مكسورٌ وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها وذلكَ نحو: عُيبةٍ1، وصِيَرٍ2 وليسَ يجوزُ أَنْ يقعَ في الكلامِ مضمومٌ بعدَ مكسورٍ في حَشوِ كلمةٍ وبنائِها ليَسَ في الكلامِ مِثلُ "فِعُلٍ" ولا "فُعِلٍ" إلا في الفِعْلِ فإنْ أَردتَ "فُعِلَ" مِنَ البيعِ قلتَ: بِيَعَ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ "بُوعَ" فيبدلُ فهذَا مذكورٌ في موضعِه مبينُ وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانَ ما قبلَها متحركًا وما بعدَها ساكنًا لم يجزْ أَن تعلها لسكونِ ما بعدَها لئلا يجتمع ساكنانِ نح و"دَيَامِيسَ"3 وإنْ كانَ ما قبلَها ساكنًا وما بعدَها متحركًا فهيَ على حالِها نحو: عِثْيَرٍ4.
الواو: والواوُ لا تخلو مِنَ أَن تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَوْ مضمومٍ أَوْ مكسورٍ فإنْ كانتِ الواوُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ فهيَ علَى حالِها إلا في لغةِ مَنْ قَالَ في
__________
1 عيبة: من العيب.
2 صير: جمع صيرة، وهي الحظيرة.
3 دياميس: جمع الديماس-بكسر الدال وفتحها- الكن. أو السرب من الحمام.
4 عثير: الغبار.

(3/305)


يَوْجَلُ: "يَاجَلُ"1 وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ في نحو: "صُوَّمٍ" فإنَّ مِنهم مَنْ قالَ: "صُيَّمٌ" لقربها مِنَ الطرفِ شبهوها بُعتيٍ وقالوا أَيضًا: "صِيَّمٌ" إنَّما جَاءَ هذَا فيما قَرُبَ مِنَ الطرفِ وهو جَمعٌ فإنْ قالوا: صُوَّامٌ وزُوَّارٌ لم يقلبوا وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مكسورٌ قلبتْ ياءً نح و"مِيزانٍ" وأَصلُه: "مِوزَانٌ" لأَنَّهُ مِنَ الوزن إلا أَنْ تكونَ الواوُ علامةً لجمعٍ نحو: "قاضونَ ويَقضُونَ فإنَّكَ تبدلُ من الكسرةِ ضمةً كي لا تزولَ العلامةُ وإنْ كانتِ الواوُ ساكنةً [و] 2 لم يغيرها ما قبلَها فَلَن يغيرَها ما بعدَها إلا أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ" فإنَّها تبدلُ ياءً وتدغمُ فيما بعدَها تقولُ في "فَوْعَلٍ" مِنْ "بِعْتُ" بَيَّعٌ فإنْ كانتِ الواوُ مدةً قبلَها ضمةٌ وهيَ منقلبةٌ مِنْ أَلفٍ زائدةٍ لم يجزْ إدغامُها نحو واوِ: "سُوَيرٍ" والواوُ منقلبةٌ مِنْ أَلفِ "سَاير" وكذلكَ "تبُويعَ" ومثلهُ رُويةٌ وَرُويَا وَنُويٌّ لم يقلبوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقَالَ بعضُهم3: رَيَّا وَرُيَّةٌ ولا يكونُ مثلُ هذَا في "سُوَيرَ وتُبَويعَ"4 لأَنَّ الواوَ بَدَلٌ مِنْ أَلفٍ فأَرادوا أَن يمدوا وأَنْ لا يكونَ بمنزلةِ "فُعِّلَ" و"تُفُعِّلَ" أَلا تَرَاهم قالوا: "تُقُووِلَ" وَقُووِلَ فهذهِ قصةُ الواوِ الساكنةِ إلا أَنْ يقعَ في "يَفعَلُ" وهَيَ في موضعِ الفاءِ بينَ ياءٍ وكسرةٍ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 232.
2 أضفت "واوا" لإيضاح المعنى.
3 انظر: الكتاب 2/ 373.
4 لا تدغم الواو في تبويع "لأنها مادة، فهي بدل من الألف، فأرادوا أن يمدوا كما يمدون الألف وليس باللازم لأننا نقول: تقاولوا، فتكون الألف في مكان الواو، ولا تكون الواو لازمة كلزوم واو مفعول في قولنا: مرمي، ومقضي، وأصله: مرموي، ومقضوي، فقلبت الواو ياء لسكونها ووقوع الياء بعدها وأدغمت في الياء التي هي لام وإنما قلبوها وأدغموها ولم يقولوا: مقضوي مثل تبويع، لأن الواو في تبويع، عارضة غير لازمة".

(3/306)


نحو: وعَدَ يَعِدُ وكَانَ الأصل "يَوْعِدُ" فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أُختهن [الياء] 1 لئلا يختلفَ الفعلُ. وقالَوا: عِدةٌ فأجروا المصدَر علَى الفعل في الحذفِ وإنْ كانَ بعدَ هذهِ الواوِ تَاءُ "افْتَعلَ" أبدلتْ تاءً نحو قولِهم: اتَّعدَ.
الواوُ المتحركةُ: والواوُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولًا أَوْ بعدَ حرفٍ فإنْ كانتْ أولًا فلا تخلُو مِنْ أَن تكونَ مضمومةً أَو مكسورةً أو مفتوحةً فإنْ كانتْ مضمومةً فمِنَ العربِ مَنْ يبدلُها همزةً ومنهم مَنْ يدعُها على حالِها قالوا: في "وجوهٍ" أُجُوةٌ وإنْ كانتْ مكسورةً فكذلكَ إلا أَنَّ الهمزَ أَكثرُ ما يجيءُ في المضمومةِ وهوَ مطردٌ فيها وقالوا في "وسادةٍ إسَادةٌ" وفي "وِشاحٍ أِشَاحٌ" وهذَا أيضًا كثيرٌ فأمَّا المفتوحةُ فليسَ فيها إبدالٌ وقَد شَذَّ منهُ شَيءٌ قالوا: امرأة أَنَاةٌ2، وهيَ ونَاةٌ مِنَ الوَنَى وقالوا: أَحدٌ في "وَحَدٍ" وهَذا شَاذٌ وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ أَولًا وبعدَها حرفٌ ساكنٌ أَو متحركٌ فهي عَلَى حالِها إلا أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ فإنّه يلزمُها البدلُ وأَنْ تُجعلَ همزةً كقولِهم في "فَوعل" مِنَ الوعدِ: أَوعدَ فإنْ كانتِ الواوُ الثانيةُ مدةً كنتَ في همزةِ الأُولى بالخيارِ نحو: "فَوعل" مِنْ "وعَدَ" تقولُ: وَوعدَ {وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} 3 الواوُ الثانيةُ مدةٌ وليسَ الهمزُ لاجتماعِ الواوينِ ولكنْ لضمة الأُولى وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فَلِنْ تخلو مِنْ أَن تكونَ طرفًا أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفًا فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَوْ متحركٌ فإنْ كانَ ما قبلَها ساكنًا وهيَ طرفٌ
__________
1 زيادة من "ب".
2 امرأة وناة: الونى هو الفتور.
3 الأعراف: 20. والآية: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ} ولو كان في غير القرآن لكان همز الواحد جائزا.

(3/307)


فهيَ على حالِها في الاسم إلا أَنْ يكونَ قبلَها واو "فُعُولٍ" في الجَمعِ نحو: "عُتيٍّ" وعُصِيٍّ كانَ الأَصلُ "عُتُوٌّ" وعُصُوٌّ فقلبتْ في الجمعِ وتثبتُ في الوَاحدِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ تقولُ في المصدرِ قَدْ بلغَ عُتُوًّا. وقَد حُكيَ عن بعضِ العَربِ: إنكم لتنظرونَ في نَحُوٍّ كثيرةٍ1 فصححَ الواو في الجمعِ وأَتى بهِ علَى الأَصلِ أَو يكونُ قبلَها أَلفٌ فإنَّها تقلبُ همزةً نحو: "كِسَاءٍ" وإنْ كانتْ قبلَها ياءٌ ساكنةٌ فَقَد قالوا: حَيْوَةٌ فكانَ حَقُّ هذَا "حَيَّةٌ" أَو تكون لامًا في الفعلِ نحو"الدُّنيا" كانَ الأصلُ "الدُنْوَى" أَو تكونُ مضمومةً فيجوزُ هَمزهُ نحو: أُدْؤرٍ "وإنْ كانَ قبلَ الواوِ المتحركةِ وهيَ طَرفٌ حرفٌ متحركٌ فلا يخلو ما قبلَها أَنْ يكونَ مفتوحًا أَوْ مضمومًا أَو مكسورًا فإنْ كانَ مفتوحًا قلبتْ ألفًا نحو: غَزَا وقَضَى2، إنْ كانَ مكسورًا قلبتْ ياءً نح و"غُزِي" وإنّ كانَ مضمومًا في "فِعْلٍ" تُرِكَ على حالِه نحو: يَغزُو فإنْ كانَ في اسمٍ أبدلتْ ياءً وكسرَ ما قبلَها كما قالوا في جَمعِ دَلْوٍ: أَدْلٍ وكانَ الأصلُ أَدْلُوًا فإنْ كانتْ بهذِه الصفةِ وبعدهَا هاءُ التأنيثِ صحتْ وذلكَ نحو: "قَمَحدوةٍ" فإنْ كانتَِ الواوُ غيرَ طرفٍ فَليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنينِ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ياءً فإنَّها تقلبُ ياءً ويدغمُ فيها ما قبلَها وذلكَ3 نحو: "فَيْعُولٍ" مِنْ يَقُومُ قَيومٍ وإنْ كانتْ متحركةً بينَ متحركينِ وكانَ الذي قبلَها مفتوحًا قلبتْ ألفًا وذلكَ نحو: "قَالَ" وبَابٍ ودَارٍ وخَافَ ولا تُبالِ [إلى] 4 أَيّ حركةٍ كانتْ
__________
1 قال سيبويه: 2/ 381 وقال بعضهم: إنك لتنظرون في نحوٍ كثيرة، فشبوهها بعتو، وهذا قليل، إنما أراد جمع النحو.
2 في الأصل "قضا".
3 نحو: ساقط في "ب".
4 زيادة من "ب".

(3/308)


مفتوحةً أَو مكسورةً أَو مضمومةً فإنَّها تقلبُ ألفًا إلا مَا جَاء على "فَعَلانٍ وفَعَلَى" نح و"جَوَلاَنٍ وحَيَدى" جَعلوهُ بمنزلةِ ما لا زائدَ فيهِ فأَخرجوهُ بذلكَ مِنْ شبهِ الفِعْل فصارَ بمنزلةِ الحوِلِ والغِيَرِ الذي ليسَ على مثالِ الفِعلِ وقَد أَعلَ بعضُهم "فَعَلاَنَ وفَعَلى" جَعلوا الزيادةَ كالهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارَانٌ وهَامَانٌ.
قالَ سيبويه: وهذَا ليسَ بالمطردِ1 وإنْ كانَ ما قبلَها مضمومًا وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها نحو: رَجلٍ نُوَمٍ ولا تعتلُّ هذِه لأَنَّ هذَا الوزنَ لا يكونُ فِعْلًا وإنْ كانت مكسورةً وقبلها مضمومٌ فَهذا لا يكونُ إلا في "فُعِلَ" مثلُ قِيلَ كانَ الأصلُ2: قُوِلَ: وهذَا مُبينٌ في موضعهِ ومنهم مَنْ يقولُ: قُوَلَ وإنْ كانَ ما قبلَها مسكورًا وهيَ مفتوحةٌ صحتْ3، لأَنَّها ليستْ علَى مثالِ الفعلِ نحو: حَوِلَ إلا أَنْ يكونَ جمعًا لواحدٍ قَدْ قُلبَ فإنهُ4 لا يثبتُ في الجمعِ إذا كانَ قبلهُ5 كسرةٌ وذلكَ نحو: ديمةٍ ودِيَمٌ وحِيلَةٍ وحِيَلٌ وقَامَةٍ وقِيَمٌ وإنْ كانتْ مضمومةً وقبلَها مضموم فإنْ كانَ الاسم علَى "فُعُلٍ" أسكنوا6 الواوَ لاجتماع الضمتينِ وذلكَ قولُهم: عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ ويجوزُ تثقيلُ فَعِلَ في الشعر ولا يجوزُ أَن تقعَ مضمومةً وقبلَها كسرةٌ لأَنها ليسَ في الكلامِ مثلُ "فُعِلٍ" وفِعِلٌ أَيضًا لَيسَ في الكلامِ إلا في "إبِلٍ وإطِلٍ" فإنْ وقعتْ بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فحكمُها حكمُ التي تقعُ بينَ ساكنين لأَنَّها لا يغيرُها ما بعدَها فهيَ علَى
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 371.
2 في "ب" أصله.
3 في "ب" فتحت. الصحيح ما أثبت.
4 في "ب" فإنها.
5 في "ب" قبلها.
6 في "ب" سكنوا.

(3/309)


حالَها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذيَ قبلَها ياء فإنَّها تقلبُ ياءً وتدغمُ فيها نحو: "سَيّدٍ ومَيَّتٍ كانَ الأصلُ: سَيودٌ1 ومَيوِتٌ" وإنْ وقعتْ بينَ متحركِ وسَاكنٍ فهيَ علَى حالِها إلا أَنْ تكونَ في مصدرٍ قَد اعتلَّ2 فعلُه وقبلَها كسرةٌ وبعدَها أَلفٌ نحو: قُمْتُ قِيامًا وحَالتْ حِيَالًا أَو تكونُ كذلكَ في جمعٍ قد أُعلَّ واحدهُ نحو: دَارٍ ودِيَار وإذَا كانَ بعدَها الألفُ فهي أَجدرُ أَنْ تقلبَ أَو تكونَ كذلكَ أَيضًا في جمعِ3 الواوِ ساكنةً في واحدِه نحو: ثَوبٍ وثِيَابٍ وسَوطٍ وسِيَاطٍ لأَنَّ الكسرةَ قَدْ دخلتْ علَى ما أَصلهُ السكونُ فإنْ جئتَ بِفِعَالٍ غيرِ مُجرٍ لَهُ عَلى "فِعْلٍ" ولا جَمع لشيءٍ مِما ذكرَنا صححت فقلتَ: هَذا قِوامُ الأَمرِ فإنْ جاءَ الجمعُ في هذَا بغيرِ أَلفٍ نحو: عُودٍ وَعِوَدَةٍ وزَوجٍ وَزِوَجَةٍ لَم يُعَلَّ وقَد قالوا: ثَورٌ وَثِوَرَةٌ وَثِيَرَةٌ.
قالَ سيبويه: قلبوها حيثُ كانتْ بعدَ كسرة قالَ: وليسَ هُوَ بمطردٍ4
قالَ أَبو العباس: بنوهُ على "فِعْلَةٍ" ثُمَ حركوهُ فَصَار ثِيَرةً5.
قالَ أبو بكر: والأقيس عندي في ذَا أَنْ يكونوا أَرادوا "فِعَالة"6.
__________
1 في الكتاب 2/ 371، وقولك: في فيعل: سيد وصيب، وإنما أصلها: سيود وصيوب، وكان الخليل يقول: سيد، فيعل، وإن لم يكن: فيعل في غير المعتل، لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء ولا يخصون به غيره من غير المعتل.
2 في "ب" أعل.
3 في "ب" وق.
4 انظر الكتاب 2/ 369 والذي ليس بالمطرد ثيرة.
5 يريد أن أصله "ثيرة" فانقلبت الواو لسكونها وانكسار ما قبلها، ثم حركت الياء فأقرت بحالها، لأن أصلها هنا السكون.
انظر: المنصف 1/ 347 والمقتضب 1/ 130 والخصائص 1/ 112.
6 هذا نقله ابن جني في المنصف 1/ 347 عن ابن السراج.

(3/310)


وقَصروا لأَنَّ "فِعَالةً" مِنْ أَبينةِ الجمعِ "وَفِعَلَةً" لَيْسَ من أَبنيةِ الجمعِ التي تكثرُ فيهِ ولا يُقاسُ عَليهِ فإنْ لم يَقَعْ في هذَا البابِ قبلَ الواوِ كسرةٌ صحتِ الواوُ أَلاَ تَراهم جَمعوا: "قَيْلٌ": إقْوال وأَجرى مجرى حِيَالٍ اخترتُ اختيارًا: "تِيارٌ1 مِنْ اختيار مثلُ "حِيَالٍ" وانقدتُ انْقيادًا "قِيَاداً" "مثلُ" حِيَالٍ فأَمَّا جِوَارٌ فصح لصحتهِ في الفعلِ وذلكَ قولُهم: جاورتُ وإنْ وقعَ بعدَ الواوِ المتحركةِ واوٌ ساكنةٌ نحو: "فُعُولٍ" تركتْ علَى الأَصلِ ويهمزونَ إنْ شاءوا وكذلكَ "فَعُولٌ" نحو: قَوُول إنْ شاَءَ على الأَصلِ وإنْ شَاءَ همزَ المضمومةَ وأَمَّا طَويلٌ وَطِوالٌ فصحتْ في الجمعِ لصحتِها في الواحدِ وقَد تقدمَ مِنْ قولِنا: إنَّ حروفَ العلةِ أَربعةٌ: الواوُ والياءُ والهمزةُ والأَلفُ2 وقد ذكرتُ أُصولَ الياءِ والواوِ وهُما الحرفانِ المعتلانِ كثيرًا. والهمزةُ قد مضى ذكرُها في بابِ الهمزِ والألفِ فلا تكونُ أَبدًا إلا زائدةً أو منقلبةً مِنْ شيءٍ إلا أَنْ تبنى من صوتٍ أَو حرف معنى فِعْلٍ علَى مذهبِ الحكايةِ أو لمعنىً سِوى ذلكَ نحو: عَاعيتُ4 وحَاحيتُ5 إنَّما هُوَ صوتٌ بنيَ منهُ "فِعْلٌ" وكذلكَ لو اكثرتَ مِنْ قولِكَ "لا" لجازَ أَن تقولُ: لا ليتُ تُريدُ: قُلتُ لاَ.
__________
1 انظر: المنصف 1/ 294.
2 الشائع أن حروف العلة ثلاثة: الألف والواو والياء، أما الهمزة فلم يعدها أحد من النحويين حرفا من حروف العلة.
3 معنى: ساقط من "ب".
4 عاعيت: صوت، وهو العيعاء، والعاعاة. إذا قلت: عاي.
5 حاحيت: يقال: حاحيت حيحاء وحاحاة، وهو التصويت بالغنم. إذا قلت: حاي.

(3/311)


ذِكرُ تكررِ هذهِ الحروفِ المعتلةِ واجتماعِ بعضِها معَ بعضٍ:
الياءُ مكررة: إذَا اجتمعتِ الياءانِ فلا تخلوانِ مِنْ أَن تكونا متحركتينِ أَو إحداهما متحركةٌ والأُخرى ساكنةٌ فإن كانتا متحركتينِ وهُما عينٌ ولامٌ أُعلتِ اللامُ دونَ العينِ ولَم يجزْ أَن تُعلا جميعًا وهذَا مذكورٌ في بابِ "حَيِيْتُ" وما أَشبههُ يَلزمُ اللام ما يلزمُ ياءَ "رَمَيْتُ" وخَشِيْتُ ولا يجوزُ إعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ إلا فيما جاءَ شَاذًا مِمَا لم يُستعملْ منهُ "فِعلٌ" وإنْ كانتا متحركتينِ كيفَ وقعَتا فليسَ يجوزُ أَنْ تعلا جميعًا فحكمُ الواحدةِ المعتلةِ منهما حكمُ المنفردةِ فإنْ اجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ في الفعلِ أُعلتِ الآخرةُ نحو: حَيَا يَحْيَى وَهْوَ مُحَييٌّ ولا تكونُ هذِه الياءاتُ الثلاثُ إلا في اسمٍ مبنيٍّ علَى "فِعْلٍ" فإنْ جَاءَ في غيرِ ذلكَ حذفتِ الآخرةُ وذلكَ قولُهم في تصغيرِ عَطَاءٍ: عَطَيٌّ وتصغير أَحْوى: أُحِييٌّ وكان الأصلُ: أَحَيْييٌ1 [و] عُطَييٌ فإنْ كانتِ المتحركةُ قبلَ الياءِ المشددةِ في مثلِ النسبِ إلى "عَمٍّ" قلتَ: عَمَويٌّ نقلتْهُ مِنْ "فَعِلَ" إلى "فَعَلَ" كما قلتَ في "النَّمِرِ: نَمريٌّ" فلما انفتحَ ما قبلَ الياءِ قلبتْ ألفًا فلمَّا جئتَ بياءِ النَّسَبِ بعدَها صارَ حكمُها حكمُ "رَحَى" فقلتَ: عَمَويٌ كما قلتَ: "رَحَويٌّ" ولا توجدُ هذهِ الياءاتُ مجتمعةً في أُصولِ كلامِهم إلا في هذَا النوعِ فإنْ اجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ فإنّما تجدُ ذلكَ في مثلِ النَّسَبِ إلى: أُمَيَّةَ في قَولِ مَنْ قالَ: أُمَيِّيٌّ هؤلاءِ جَعلوا المشددَ كالصحيحِ لأَنَّهُ قَدْ قَوِيَ ومنهم مَنْ يقولُ: أُمَوِيٌّ وَهم الأَكثرُ والأَفصحُ فتحذفُ الياءُ الساكنةُ ويصيرُ مثلَ عَمَويٌّ2.
الواوُ المكررةُ: فإنّ اجتمعتْ واوٌ مع واوٍ أولًا هُمِزَتِ الأولى إلا أَنْ
__________
1 زيادة من "ب"
2 عموي: فنحوه فانقلبت الياء ألفًا، ثم قلبوها واوا من أجل ياء النسب. وكذلك في رحوي.

(3/312)


تكونَ الثانيةُ مدةً وإن كانتا آخرَ كلمةٍ والأولى ساكنةٌ مدغمةٌ في الثانيةِ صحتا إلا ما قد استثنياهُ فِيمَا تقدمَ وإِنْ كانتا في فِعْل بنيَ على "فَعِلٍ" حتى تنقلبَ اللامُ الآخرةُ1 ياءً نحو: قَوِيتُ مِنَ القوةِ وإِنْ كانتا متحركتينِ أُعلتْ إِحداهُما الإِعلالَ الذي قَدْ تَقَدَّمَ ذكرهُ وسيأتي بعدُ أَيضًا ولا تجتمعُ واوانِ في إحداهما ضمةٌ.
قالَ سيبويه: تقولُ في "فَعُلاَنٍ" من "قَويتُ": فَوَّانٌ2 وغَلطَ3 في ذلكَ: وقالوا: ينبغي لَهُ إنْ لم يُدغم أَنْ يقولَ: قَوِيَانٌ: فيدغمُ4 الأُولى ويقلبُ الثانيةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في إِحداهما ضمةٌ والأُخرى متحركةٌ وهذاَ قولُ أَبي عُمَر5. وأَمَّا اجتماعُ ثلاثِ واواتٍ فقالوا في مِثَالِ: اغْدَوْدَنَ مِنْ قلت: إِقْوِوَّلَ تكررُ عينَ الفعلِ وبينهما واوٌ زائدةٌ فتدغم الواوَ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فإِذا بنيتَهُ بناءَ ما لم يسمَّ فاعلهُ قلتَ: افْوووِلَ ولا تدغمُ لأَنَّها قد صارتْ مدةً كما تقولُ: اغدودَنَ "فتوافقُ هذهِ الواوُ الواوَ التي تكونُ بدلًا مِنَ الألفِ في "سُوَيرٍ" وهذَا قولُ الخليلِ6 وكانَ أَبو الحسنِ الأَخفشِ يقولُ في "اغْدَوْدَنَ" [مِنَ قلتُ7 اقْوَيَّلَ] 8 فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يقلبُ التي يليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ ولا يجوزُ أَن تجتمعَ هذهِ الواواتُ وفي إِحداها ضمةٌ لأَنَّهُ إِذا لم يكنْ في الواوينِ فهوَ مِنَ الثلاثةِ9 أَبعدُ. وإِذا بنيتَ
__________
1 في "ب" الأخيرة.
2 انظر: الكتاب 2/ 394، والتصريف 2/ 281.
3 انظر: المنصف 2/ 282.
4 في "ب" فيكسر، والصحيح ما هو مثبت.
5 أي: أبو عمر الجرمي. انظر: المنصف 2/ 282.
6 انظر: التصريف 2/ 33.
7 ما بين القوسين ساقط في "ب".
8 انظر: التصريف 2/ 244.
9 في الأصل: ثلاثة: والتصحيح من "ب".

(3/313)


مثالَ "فَعْلُوةٍ" مِنْ "غَزَوْتُ" قلتَ: غَزْوُيَةٌ وكانَ الأصلُ: "غَزْوُوَةً" فأَبدلتَ الثانيةَ لأَنَّها لامٌ وهيَ أَولى بالعلةِ وإِنَّما جَاءَ: اقْوُووِلَ لأنَّ الواوَ الساكنةَ مدةٌ فهيَ نَظيرةُ الياءِ والألفِ وكان أَبو الحسن الأخفش1 يقولُ في "افْعَوعَلَ" اقْوَيَّلَ فيبدلُ الواوَ الآخرة2 ياءً ثم يقلبُ لَها التي تَليها لأنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ وإِذَا قالَ: "فُعِلَ" قالَ: اقْوُووِلَ فلا يقلبُ وصارتِ الوُسطى مدةً بمنزلةِ الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ فَهذا يدلُّكَ علَى أَن ثلاثَ واواتٍ لَيْست مِنْ أُصولِ كلامِهمِ ولَو سُمِعَ منهم شيءٌ لاتبعوهُ أَو ذكروهُ. وأَمَّا الألِفُ فلا تكونُ أَصلًا إلا زائدةً أو منقلبةً في حرفٍ جَاءَ لمعنىً ليسَ باسمٍ ولاَ فعلٍ أَو صوتٍ كالحرفِ فحكم هذا مَتَى احتيجَ إِلى تكريرهِ أن تُبدلَ همزةً لتشبهَ ما انقلبَ من ياءٍ أو واوٍ وأَمَّا الهمزةُ فقدَ ذكرنا حكمها إِذَا تكررتْ في كتابِ الهَمزِ وأَنَّهما لا يجتمعانِ محققتينِ في كلمةٍ إلا أَن يكونَا عينًا مشددةً نحو: رأسٍ فإِذا اجتمعتا متحركتينِ أَولَ كلمةٍ وكانتِ الأُولى والثانيةُ مفتوحتينِ أبدلتِ الثانيةُ ألفًا فإن احتجتَ إِلى تحريكِ الأَلفِ والألفُ لا تحركُ أَبدلتَها واوًا وذلكَ قولُكَ في آدَمَ: أَوَادِمَ وفي آخرَ: أَواخرُ وكذلكَ في التصغير تقولُ: أُويدِمٌ فأَشبهتْ أَلفَ "فاعِلٍ" وفَاعَلٍ لأَنها وإنْ كانتْ مبدلةً مِنْ همزةٍ فَليست بأَصلٍ في الكلمةِ كأَلفِ فَاعِلٍ ليست بأَصلٍ وإنْ كانتِ الهمزتانِ متأخرتين لامينِ قلتُ في مثلِ "قِمْطْرٍ" مِنْ "قَرأتُ": قِرَأَيٌ ومثلُ مَعَدٍّ "قَرَايُ" فتغيرُ الهمزةَ.
قالَ المازني: وسألتُ الأخفش3: -وهو الذي بدأ بهذهِ المقالةِ فقلتُ
__________
1 انظر: التصريف 2/ 244-245، والمنصف 2/ 244-245.
2 في "ب" الأخيرة.
3 انظر: المنصف 2/ 252.

(3/314)


مَا [بالُ] 1 الهمزةِ الأُولى إذا كانَ أصلهُ السكونُ لا تكونُ مثلَ همزةِ "سَأْلٍ ورَأسً" فقالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّ العينَ لا تجيء أبدًا إلا وبعدَها مثلُها واللامُ قد تجيءُ بعدَها لامٌ لَيْسَتْ من لفظِها أَلا تَرى أَنَّ قِمَطرًا وَهِدَمْلَةً2، قد جاءتِ اللامانِ مختلفتينِ. قَالَ المازني: والقولُ عندي كَما قالَ3.
قالَ: وسألته4 عن: هَذا أَفعلُ مِن هَذا "مِن" أَمَمْتُ: أَي: قصدتُ فَقالَ: أقولُ هذَا أَوَّمُ منهُ فجعلَها واوًا حينَ تحركتْ بالفتحةِ كَما فعلوا ذلكَ في "أَويدم" فقلتُ لهُ: كيفَ تصنعُ بقولِهم: "أَيِمَّةٌ" ألا تَراها أَفْعَلَةً والفاءُ فيها هَمزةٌ فقال: لمّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياءً.
وقالَ الأخفشُ: لو بنيت مثلَ: أُبْلُمٍ مَنْ "أَممْتُ" لقلتَ: أُوَّمٌ أَجعلُها واوًا.
قالَ المازني: فسألتنهُ: كيفَ تصغرُ "أَيِمَّةً" فقال: أُوَيِمّةً لأنَّها قد تحركتْ بالفتحةِ
والمازني يرد هَذا ويقولُ: أُيَيْمَّةٌ والقياسُ عندَهُ أن يقولَ في هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا مِنْ "أَمَمْتُ" وأَخواتِها هَذا أَيَمٌّ مِنْ هذَا ولا يُبدلُ الياءَ واوًا لأنَّها قد ثبتت ياءً بدلًا منَ الهَمزةِ إلا هذهِ الهمزةَ إذا لم يلزمْها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ "الأُبْلُمِ" مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ: أُوْدُمٌ ومثلُ: إصْبَعٍ إيْدَمٌ ومثلُ "أَفكلٍ5" أَأْدَمٌ6، وهذَا أصلُ تخفيفِ الهمزِ فإذَا احتجت إلى تحريكها في تكسيرٍ أو تصغيرٍ جعلتَ كُلَّ واحدةٍ منهن على لفظها الذي
__________
1 زيادة من "ب" وانظر: المنصف 2/ 252.
2 هدملة: الرملة المستوية.
3 انظر: المنصف 2/ 253.
4 الذي سأله المازني هو الأخفش.
5 أفكل: جماعة من الناس. وقد جاءوا بأفكلهم، أي: جميعهم.
6 انظر: التصريف 2/ 315-316.

(3/315)


بنيتْ عليهِ والأَخفش يَرى أَنَّها تحركتْ بفتحةٍ أَبدلها واوًا كما ذكرت1 لكَ. هذا 2 آخرُ التصريفِ.
__________
1 انظر: التصريف 2/ 318.
2 هذا: ساقط من "ب".

(3/316)


مسَائلُ التصريفِ:
هذهِ المسائلُ التي تُسألُ عنها مِنْ هذَا الحدِّ على ضَربينِ:
أَحدهما: ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلًا فأحوجَ إِلى أَن يبحثَ عن أُصولهِ وتَقديراتِه.
والضربُ الثاني: ما قِيسَ علَى كلامِهم.
ذِكرُ النوعِ الأَولِ مِنْ ذلكَ:
قالتِ العربُ: حَاحيتُ3 وهَاهيتُ4 وعَاعيتُ5. وأَجمعَ أَصحابُنا علَى أَنَّ الأَلفَ بَدلٌ مِنْ ياءٍ وللسائلِ أَن يسألَ فيقول: ما الدليلُ على أَنَّها بَدلٌ مِنْ ياءٍ دونَ أَن يكونَ بدلًا مِنْ واوٍ؟ وإِذا6 ثبتَ أَنَها بَدَلٌ مِنْ ياءٍ فَلهُ أنْ يسألَ فيقول: لِمَ قُلبتْ وهيَ ساكنةٌ ألفًا؟ فالجوابُ في ذلكَ يقالُ لَهُ: وجدنَا كُلَّ ما جاءَ مِنَ الواوِ في هَذا البابِ قد ظهرتْ فيهِ الواوُ نحو: "قوقيتُ7، وضوضيتُ8، وزَوزيتُ" ولَمْ نَر منهُ شيئًا جَاءَ بالياءِ ظاهرةً واجتمعَ معَ
__________
1 انظر: التصريف 2/ 318.
2 هذا: ساقط من "ب".
3 حاحيت: إذا قلت: حاي، وهو التصويت بالغنم.
4 هاهيت: صوت، وهو الهيهاء.
5 عاعيت: صوت إذا قلت: عاي.
6 في "ب" إذا.
7 قوقيت: القوقاة، صوت الدجاجة عند البيض. وقوقيت: صحت.
8 ضرضيت: صحت، يقال: ضوضى القوم إذا ضجوا وصاحوا.

(3/316)


هذَا أنا وجدنَا الألِفَ قد أُبدلتْ في بَعض المواضعِ مِنُ الياءِ الساكنةِ ولم نجدها مبدلةً مِنَ الواوِ الساكنةِ وذلكَ قولُهم في "طَيىءٍ طائي وإِنَّما هُوَ: طيِّئي" فقلبوا الياءَ ألفًا. وقالَ الأخفش: إِنَّهم يقولونَ في "الحِيرةِ" حَارِي1 قالَ أَبو بكر: فلو قالوا: حَيْحَيتُ لاجتمعتِ الياءات2، ولا يكونُ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ تقول: "قَوْقوتُ" لأنَّ الواوَ إِذا صارتْ رابعةً انقلبتْ ياءً وإِذَا كانتِ الياءُ رابعةً لم تُقلبْ إِلى غيرِها في مثلِ هذا فقولُكَ: "قَوْقَيْتُ" لمْ يجتمعْ في الحرفِ واوانِ ولو قلتَ: حيحيت "لاجتمعت3" ياءانِ.
[قال أبو بكرُ] 4: وكانَ القياسُ عندي أَنْ تظهرَ الياءُ ولكنَّهم تنكبوا ذلكَ استثقالًا للياءينِ أن يتكررا معَ الحاءِ في "حَاْحَيْتُ" والعينُ في "عَاعَيْتُ" وخَفَّ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لإختلافِ اللفظِ بما أَوجبتهُ العلةُ وَمَعَ ذلكَ فإِنَّ هذَا الفعلَ بنيَ مِنْ صوتٍ الألفُ فيهِ أَصلٌ ليستْ منقلبةً مِنْ شيءٍ أَلا تَرَى أَنَّ الحروفَ والأصواتَ كلها مبنيةٌ على أَصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعضِ الحروفِ إِلى الياءِ نحو: عَليهِ وإِليهِ فلمَّا قلبتِ الألفُ إِلى الياءِ وجبَ أَنْ تقلبَ الياءُ إِلى الألفِ والدليلُ أيضًا على أَنَّ الأَلفات في
__________
1 النسب إلى الحيرة: حاري، لأنهم استثقلوا اجتماع الكسرتين مع الياءات فأبدلوا من كسر الحاء فتحة، ومن الياء ألفًا.
وانظر: الحجة في القراءات 1/ 62 وابن يعيش 10/ 18.
2 لأنه من مضاعف الياء ونظيره قوقيت من مضاعف الواو، وإنما قلبوا الواو ألفًا لشبهها بها، ولأن العرب كرهوا تكرر الياءين وليس بينهما إلا حرف واحد فقلبوا الياء ألفًا، ولم يقولوا في "قوقيت" قاقيت، لأن الواو التي هي لام قد انقلبت ياء.
وانظر: المنصف 2/ 170.
3 في "ب" لاجتمع.
4 زيادة من "ب".

(3/317)


الحروفِ غيرُ منقلباتِ أنَّهُ لا تجوزُ أَمالُتها ولو كانتْ منقلبةً لوجبَ إِمالةُ "حَتى" لأنَّ الأَلفَ إِذَا كانتْ رابعةً في اسمٍ أَو فعلٍ فهيَ منقلبةٌ فلَيس لَكَ أَنْ تقولَ في أَلِف "لاَ" إِنَّها منقلبةٌ مِنْ شيءٍ ولاَ ألفِ "ما" ولاَ "يا" لأنَّ الحروفَ حكمُها حكمُ الأَصواتِ المحكيةِ ولذلكَ بُنَيْتْ.
وقالَ الأخفش: لم يجئ مِنْ هذَا البابِ مما علَمنا إلا هذهِ الثلاثةُ يعني: حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ.
وقالَ محمد بن يزيد1: مِما يُسألُ عنهُ فيما جاءَ على أَصلهِ من بناتِ الواوِ التي علَى "فَعَلَ" نحو: الخَوَنةِ والحَوكَةِ والقَوَدِ هَلْ في الياءِ مثلُ هذا وقد استويا في: عَوِرَ وصَيِدَ البعيرُ؟ قال: والجوابُ في ذلكَ: أَنَّ عَوِرَ وصَيِدَ فِعْلانِ جَاءا في معنى ما لا يعتل مِنَ الأفعالِ فَصحا ليدلا عليه نحو: اعْوَرَّ واصْيدَّ كما صحَّ: اجْتَوَرُوا واعتَونُوا إِذا أردتَ معنى: تَجاوروا وتُعاونوا فأمَّا: الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ونحوهُما فإِنَّما كانَ ذلكَ في الواوِ لأنَّها تباعدتْ مِنَ الألفِ فَثبتَ كما ثَبُتَ ما رُدَّ إلى الأَصلِ ولَمْ تجيء الياءُ في: نَابٍ وغَارٍ وَبَاعَهُ ولا في شيء منه على الأَصل لشبهِ الياءِ بالألفِ لأنَّها إليها أَقربُ وبها أَحقُّ أَلا تَرى أنَّ "بَابَ": قَوْقَيْتُ2 وَضَوْضَيْتُ3 يظهرُ فيهِ الواوُ لا يأتي ما كانَ من بنَاتِ الياءِ في هذَا البابِ إلا مقلوبًا نحو: حَاحَيْتُ وَعَاْعَيْتُ وإنَّما هُ و"فَعْلَلْتُ".
قالَ أَبو بكر: ولمعترضٍ أَن يعترضَ بقولِهم: غَيَبٌ وصَيَدٌ فجوابهُ،
__________
1 انظر: المقتضب 1/ 200 و1/ 114 و1/ 171 و2/ 220 والكتاب 2/ 399.
2 قوقيت: من قوقى الديك إذا صاح.
3 ضوضيت: من الضوضاء. وهو الصياح. وقيل: إن أصل ضوضيت وقوقيت: ضوضوت وقوقوت، قلبت الواو فيهما ياء لوقوعها رابعة.

(3/318)


أَنْ يقالَ لهُ: "صَيَدٌ" صَحَّ كَما صَحَّ فعلهُ وصَحَّ "عَوَرَ" أَيضًا مثلهُ ويجوزُ أَنْ يكونَ: "غَيَبٌ" شُبهَ بِصَيَدَ وإِنْ كانَ جمعُ "غائب" لأَنهُ يجوزُ أَنْ يكونَ1 ينوي بهِ المصدرَ.
قالَ: قولُ سيبويه في بَابِ: علَى وإِلى ولدى لِمَ انقلبتِ الألفُ فيهنَّ مَعَ المضمرِ2 في قولِكَ: عليكَ وإِليكَ ولديكَ وكذلكَ: جَاءني كلام الرجلينِ ورأيتُ كِلا الرجلينِ ومررتُ بكلام الغلامينِ فإِذَا اتصلَ بذلكَ مضمرٌ في موضع جَرِّ أَو نَصْبٍ قلبتِ الألفُ ياء فقلت: رأيتُ كليهما ومررتُ بكليهما وفي الرفعِ تبقى على حالِها فتقولُ: جاءني أخواكَ كلاهما فزعمَ سيبويه: أنَّ ذلكَ لأَنَّ "على وإلى وَلَدى" ظروفٌ لا يَكُنَّ إلا نَصبًا أو جرًا كقولِكَ: غَدَتْ مِنْ عليهِ3 فشبهت "كِلا" معَ المضمرِ بهنَّ في الموضعِ الذي يقعنَ فيه منقلباتٍ ولَمْ تكنْ مما ترتفعُ فبقيتْ "كِلاَ" في الرفعِ على حالِها وشبهَ "كِلا" بهن لأَنَّها لا تفردُ كما لا يُفْردنَ.
قالَ أَبو العباس4: قِيلَ لسيبويه: أَنتَ تزعمُ أَنَّ الألفاتَ في "على" ونحوِها منقلباتُ مِنْ واوٍ ويستدلُ علَى ذلكَ بأنَّ الأَلفاتَ لا تكونُ فيها إمَالةٌ ولو سُميَ رجلٌ بشيءٍ منهنّ قالَ في تثنيتِه: عَلَوانِ وأَلَوانِ فَلمَ قلبتَها مع
__________
1 يكون ساقط في "ب".
2 ما بين القوسين ساقط من "ب".
3 يشير إلى قول مزاحم العقيلي في وصف القطاة. وقد مر شرحه ص/ 492 من هذا الجزء.
4 أبو العباس: محمد بن يزيد المشهور بالمبرد أستاذ ابن السراج. وانظر: المقتضب 3/ 53.
5 انظر: شرح الرماني 4/ 41. وقد منع الرماني الاشتقاق من الحروف، ولكن جوزه مع ذلك على أنه خارج عن الأصل لشبهه الاسم لأنه على ثلاثة أحرف.

(3/319)


المضمرِ ياءً. هلاَّ تركتَها على حالِها فقلتَ: عَلاكَ وإلاكَ كما يقولُ بعضُ1؟ العربِ. قال: فقالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّ هاتينِ يعني: علَى وَلَدى- اسمانِ غيرُ متمكنينِ و "إلى" حرفٌ جاءَ لمعنىً. ففصلَ بينَ ذلكَ وبينَ الأَسماءِ المتمكنةِ فقيلَ لهُ: فهلا فصلتَ بينَها معَ الظاهرِ أيضاً؟ فقالَ: لأَنَّ المضمرَ يتصلُ بهَا.
قِيلَ: فَبَينَ وعِنْدَ ونحو ذلكَ غيرُ متمكنةٍ فِلَم لا2 فصلتَ أَيضًا بينَها وبينَ المتمكنةِ؟ قَالَ: لأَنَّ الواوَ والياءَ والألفَ مِنَ الحَظِّ في إبدالِ بعضهن مِنْ بعضٍ ما ليسَ لِسَائرِ الحروفِ قِيلَ لَهُ: فَما بالُ قولِكَ: فيكم وفينا وفيَّ3 بمنزلةِ: مسلميكَ ونحوها وما علمتُ بينَ هذينِ فصلًا مقنعًا قال: والقولُ عندي في هذا أَنَّ هذهِ الحروفِ لمَّا كانتْ لا تخلو مِنَ الإِضافةِ كما لا يخلو مِنَ الفاعلِ بَنَوْها علَى المُضمرِ علَى إسكانِ موضعِ اللامِ مِنْها كَما فُعِلَ ذلكَ الفِعْلُ بالفعلِ مَعَ الفاعلِ والحجةُ واحدةٌ وأَمَّا "كِلا" فإنَّما أُشبهتهنَّ في الجرِّ والنصبِ علَى ما قالَ سيبويه4. قالَ: وهذَا القولُ مذهبُ الفراءِ وأَصحابهِ.
قالَ أبو العباس5: في هذَا البابِ نظرٌ أكثرُ مِن هذَا وقَد صَدَقَ. وقالَ: زعمَ أَصحابُ الفراءِ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ في بناتِ الحرفين من الأَسماءِ نحو: أُختٍ وبنتٍ وقُلةٍ وثَبَةٍ وجميعُ هذَا المحذوفِ أَنَّ كُلُّ شيءٍ حذفتْ منهُ الياءُ فأولهُ مكسورٌ ليدلَّ عليها وكُلُّ ما حذفتْ منهُ الواوُ فأولهُ مضمومٌ يدلُّ عليها فأُختٌ مِنْ قولِكَ: أَخواتٌ وبنتٌ كُسِرَ أَولُها لأَنَّ المحذوفَ "ياءٌ" وقُلِةٌ المحذوفُ "واو" فيقالُ لَهُ أَمَّا "قُلَةٌ" فَمَا تنكرُ أن تكونَ مِنْ "قَلَوْتُ" إذا
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 104 والحجة لأبي علي 1/ 32.
2 في "ب" فهلا.
3 وفي: ساقط من "ب".
4 انظر: الكتاب 2/ 83.
5 أبو العباس: ساقط من "ب".

(3/320)


طَردت وقولُكَ في "بنتٍ" دَعوى ويُبطلُ ما تقولهُ "عِضَة1"، لأَنَّ أَولَها مكسورٌ وهيَ مِنَ الواوِ يقالُ في جمعِها "عِضَوَاتٌ". قالَ الشاعرُ2:
"هَذَا طَرِيقٌ يآزِمُ المآزِمَا ... وَعِضَوَاتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِمَا
وكانَ يلزمهُ أَنْ يضمَّ أَولَ "سَنَةٍ" فيمَنْ قَالَ "سَنَواتٌ" لأَنَّها مِنَ الواوِ وكذلكَ: هَنَةٌ [هَنَواتٌ] ينشدون فيها4:
أَرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفَاني وَمَلنَّى ... عَلَى هَنَواتٍ شَأنُها مُتَتَابِعُ
قالَ أَبو العباس5: الذاهبُ مِنْ "ابن" واوٌ كمَا ذهبَ مِنْ "أَبٍ وأَخٍ"
__________
1 انظر الكامل/ 470.
2 هذان بيتان من مشطور الرجز وهما من شواهد سيبويه 2/ 81 على جمع عضة على عضوات فدل هذا على أنها محذوفة اللام وأنها من ذوات الاعتلال.
والعضوات: جمع عضة والعضة: من شجر الطلح، وهي ذات شوك، ويأزم: يعض، واللهازم: جمع لهزمة، وهي مضغة في أصل الحنك.
والمآزم: جمع: المأزم. وهو المضيق بين جبلين، يريد أن المضايق بالنسبة إلى ضيقه لا تذكر، ويروى: تمشق بدلا من "تقطع" وتمشق: تضرب.
وروى الأصمعي هذين البيتين عن أبي مهدية، وانظر: التصريف 1/ 59، والكامل للمبرد/ 470 واللسان "أزم، وعضة" والبغداديات لأبي علي/ 8.
3 أضفت كلمة "هنوات" لإيضاح المعنى.
4 من شواهد الكتاب 2/ 81، على أن من العرب من يقول في جمع هنت: هنوات أن مجيئه في الجمع بالواو يدل على أنها من ذوات الاعتلال، ولهذا فإن النسبة إليها عند من يرد المحذوف أن يقول: "هنوي" ومن جعل المحذوف هاء ردها في النصب. والهنوات: الأفعال القبيحة، أي أنه قد جفاني وقطعني بعد تتابع إساءتي. ويروى: متتايع، بالياء. ولم ينسب البيت لقائل معين.
وانظر: المنصف 3/ 139. والمقتضب 2/ 270. وسر صناعة الإعراب 1/ 167. وأمالي ابن الشجري 2/ 38 والتذييل والتكميل 1/ 201. وشرح السيرافي 4/ 91.
5 انظر: المقتضب 2/ 92 و2/ 270. و"أبو العباس" ساقط من "ب".

(3/321)


فإنْ قيلَ: فَما الدليلُ عليهِ وليسَ براجعٍ في تثنيةٍ ولاَ جمعٍ ما يدلُّ علَى أَحدهما دونَ الآخِر؟ قُلنا: نَستدلُّ بالنظائرِ أَمَّا "ابن" فإنَّكَ تقولُ في مؤنثهِ: "ابنةٌ" وتقولُ: "بنتٍ" مِنْ حيثُ قلتَ: "أُختٌ" ومِنْ حيثُ قلتَ: "هَنْتٌ" ولمَ نَر هذهِ التاءَ تلحقُ مؤنثًا إلا ومذكرهُ محذوفُ الواوِ يدلك علَى ذلكَ "أَخوانِ" ومَنْ رَدَّ في هَنٍ قَالَ: هَنَوانِ. قالَ: وأَمَّا "اسمٌ" فَقَد اختُلفَ فيهِ. فَقال بعضُهم هَ و"فِعْلٌ" وقالُ بعضُهم: "فُعْلٌ" وأَسماءٌ تكونُ جمعًا لهذَا الوزنِ1، وهذَا الوزنُ2 تقولُ في جِذْعٍ: أَجْذَاعٌ كمَا تقولُ في "قُفْلٍ": أَقفَالٌ وهَذا لا تُدركَ صيغتُه إلا بالسمعِ وأكثرهم أنشد:
"في كُلِّ سُورَةٍ3 سُمُه
فَضمهُ وجاءَ به عَلَى "فُعُلٍ" وأَنشدَ بعضُهم: "سِمُهْ" فكسرَ السينَ وَهُو أقل4 وأَنشدَ أَبو زيد فذكرَ الوجهينِ:
__________
1 انظر: المنصف 1/ 60. والمقتضب 1/ 229.
2 يريد وزن "فعل" بسكر الفاء ووزن "فعل" بضم الفاء.
3 يشير إلى قول الشاعر:
باسم الذي في كل سورة سمه
والشاهد من مشطور الرجز. رواه أبو زيد في النودار: وقبله:
أرسل فيها بازلا يقرمه ... وهو بها ينحو طريقا يعلمه
باسم الذي في كل ...
يريد: أرسل الراعي في الإبل للضراب بعيرا في التاسعة من عمره محجوزا عن العمل ليقوى على الضراب. أرسله باسم الله الذي يذكر اسمه في كل سورة.
والضمير في "أرسل" للراعي. ويقدمه: يتركه عن الاستعمال ليتقوى للفحلة.
والرجز لرجل من كلب. ونسب إلى رؤبة. ولكنه غير موجود في ديوانه.
وانظر: المقتضب 1/ 229. والمنصف 1/ 60. والإنصاف/ 10 والنوادر/ 166 وشواهد الشافية/ 176.
4 وهو أقل: ساقط من "ب".

(3/322)


"فَدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللهوِ واعمدْ لِمدحَةٍ ... لغيرِ مَعَدٍّ كُلُّها حيثُما انتُمى
لأَعْظَمِهَا قَدْرًَا وأكرمِهَا أَباً ... وأَحْسَنِهَا وَجْهًَا وَأَعْلَنِهَا سُمَا 1
فأَمَّا "ابنٌ" فتقديرهُ "فَعَلٌ"2 متحركٌ وذلكَ أَنَّكَ تقولُ في جمعهِ "أَبَناءُ" كَمَا تقولُ: جَمَلٌ وأَجْمَالٌ وجَبَلٌ وأَجبَالٌ فإنْ قالَ قائلٌ: فلعلهُ "فِعْلٌ" أَو"فُعْلٌ" فإنَّ جمعَها علَى "أَفَعالٍ" قيلَ لَهُ: الدليلُ عَلى ذلكَ أَنَّكَ تقولُ: بَنُونَ في الجمعِ فتحركُ بالفتحِ فإنْ قَالَ: ما أَنكرتَ مِنْ أَنْ يكونَ علَى "فَعْلٍ" ساكن العين قِيلَ لأَن البابَ في جَمعِ "فَعْلٍ" علَى "أَفْعُلٍ" نحو: كَلْبٍ وأَكْلُبٍ وكَعْبٍ وأَكْعُبٍ فأَما دَمٌ فهوَ فَعْلٌ لأَنَّكَ تقولُ: دَمِيَ يَدمى فهوَ دَمٍ فَهذَا مثلُ: فَرِقَ يُفْرَقُ فَرَقًا فهو فَرِقٌ "فَدَمٌ" مَصدرٌ مثلُ بَطَرَ وحَذِرَ هَذا قولُ أَبي العباس3.
قالَ أَبو بكر: وليسَ عندي في قولهم: دَمِيَ يَدْمَة دَمًا حجةٌ لِمَنْ ادَّعى أَنَّ "دَمَاً" فَعَلٌ لأَنَّ قولُهم: دَميَ يَدْمى دَمًَا إنَّما هُ و"فِعْلٌ" ومَصدرٌ اشتقا مِنَ الدمِ كمَا: اشتقَّ تَرِبَ مِنَ "التُّرابِ" وشَعرُ الجبينِ مِنَ الشَعَرِ فقولُهم "دَمَاً" اسمٌ للحدثِ والدمُ اسمٌ للشيءِ الذي هُوَ جسمٌ وقد بينتُ هذَا الضربَ في كتابِ الاشتقاقِ ولكنَّ قولَهم: دَميانِ دَلَّ علَى أَنَّهُ "فَعَلٌ" قالَ الشاعرُ لمَّا اضطر:
__________
1 هذان البيتان أنشدهما أبو زيد في نوادره. والشاهد فيه أن الاسم يجيء على وزن "فعل" وكذلك "فعل بضم الفاء". وإنشاد البيتين على الوجهين -كسر الفاء وضمها- وانظر: المقتضب 1/ 230. والمنصف 1/ 60. والنوادر/ 166، والمخصص 13/ 192. وأمالي ابن الشجري 2/ 66.
2 في المقتضب 1/ 130: فأما ابن فتقديره "فعل" وذلك أنك تقول في جمعه أبناء كما تقول: جمل وأجمال، وجبل وأجبال.
وانظر: الكتاب 2/ 82 والمنصف 1/ 58.
3 انظر: المقتضب 1/ 231، وأمالي ابن الشجري 2/ 34، والخزانة 3/ 349.

(3/323)


فَلَو أَنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبرِ اليَقِينِ 1
وأَمَّا يَدٌ فتقديرُها "فَعلٌ"2 ساكنةُ العينِ لأَنكَ تقولُ: أَيدٍ في الجَمْعِ فَهَذَا جَمْعُ "فَعْلٍ" ولو جَاءَ شَيءٌ لا يعلمُ ما أَصلُه مِنْ هذهِ المتقوصاتِ لكانَ الحكمُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلًا ساكنَ العينِ لأَنَّ الحركةَ زيادةٌ والزيادةُ لا تثبتُ إلا بدليلٍ وأَمَّا أستٌ "فَفَعَلٌ3" متحركةُ العينِ يدلُّك على ذلكَ "أَسْتَاهٌ" فإنْ قيلَ فلعلها4 فَفَعَلٌ أَو فُعْلٌ فإنَّ الدليلَ على ما قُلنا قولكَ5: سَهٌ فتردَّ الهاءَ التي هيَ لامٌ وتحذفُ العينَ وتفتحُ السينَ فأَمَّا حِرُ6 المرأةِ7 فتقديرهُ "فِعْلٌ8" لقولِهم: أَفعالٌ في جمعهِ بمنزلةِ: جِذْعٍ وأَجَذاعٌ ودليلهُ بَينٌ لأَنَّ أَولَهُ مكسورٌ.
قالَ محمد بن يزيد: ما كانَ على حرفينِ ولا يُدرى
__________
1 الشاهد فيه "دم" ووزنه "فعل".
أراد بالخبر اليقين ما اشتهر عند العرب من أنه لا يخرج دم المتباغضين.
وقد اضطرب في نسبة هذا الشاهد، فمنهم من نسبه إلى الفرزدق وإلى الأخطل وإلى مرداس بن عمر أو إلى علي بن بدال، وإلى المثقب العبدي.
وانظر: المقتضب 1/ 231. والبيان والتبيين للجاحظ 3/ 60. وأمالي ابن الشجري 2/ 34. والمنصف 2/ 148. والمخصص 6/ 92. والوحشيات لأبي تمام/ 84، والخزانة 3/ 349. والجمهرة لابن دريد 2/ 303، وشرح السيرافي 5/ 6.
2 انظر: المقتضب 1/ 232 والكتاب 2/ 190 وأمالي ابن الشجري 2/ 34.
3 انظر: الكتاب 2/ 82 والمنصف 1/ 61-62 والمقتضب 1/ 232. ومجالس ثعلب/ 471.
4 في "ب" لعل فعلها.
5 في "ب" قولهم.
6 حر المرأة: ما بدا من وجنتها.
7 المرأة: ساقط من "ب".
8 انظر: المقتضب 1/ 233، والكتاب 2/ 112.

(3/324)


ما أَصلهُ الذي حُذِفَ مِنهُ فإِنَّ حكمَهُ في التصغيرِ والجمعِ أَنْ تثبتَ فيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثرَ ما يحذفُ مِنْ هَذا1: الواوُ والياءُ فالياءُ أَغلبُ علَى الواوِ مِنْ الواوِ علَيها فإنَّما القياسُ علَى الأكثرِ2، فلو سَمينا رجلًا بإنْ التي للجزاءِ ثُمَ صغرنَا فقلنا3. أُنَيٌّ وكذلكَ: أن4 التي تنصبُ الأفعالَ فإنْ سميناَ "بِإِنْ" الخفيفةِ مِنَ الثقيلةِ قُلنا: أُنيَنٌ. فاعلم5. لأَنا قد علَمنا أَنَّ أَصلَها "نونٌ" أُخرى حذفتْ منها وكذلكَ لو سميناهُ "بِرُبَ" الخفيفةِ "مِنَ" رُبَّ [الثقيلةِ] لقلنَا: رُبَيبٌ لأَنا قد علمنا ما حذفَ منهُ وكذلكَ "بَخٍ" المخففةِ تردُّ فيهما الخَاءُ المحذوفَةُ لأَنَّ الأَصلَ التثقيلُ كما قالَ:
في حَسَبٍ بَخٍّ وعَزٍّ أقْعَسَا9
__________
1 في الأصل "هذه".
2 انظر: المقتضب 1/ 233.
3 فقلنا: ساقط من "ب".
4 أضفت "أن" لإيضاح المعنى.
5 فاعلم: ساقط في "ب".
6 زيادة من "ب".
7 انظر: المقتضب 1/ 233-234.
8 في سيبويه 2/ 123 ولو حقرت "رُب" مخففة لقلت: رُبَيْب، لأنها من التضعيف يدلك على ذلك "رُبّ" الثقيلة. وكذلك بخ الخفيفة. وانظر: المقتضب 1/ 234.
9 من شواهد الكتاب 2/ 123 على تشديد "بخ" والاستدلال به على أن "بخ" المخففة محذوفة من المضاعفة المشددة.
ومعنى: بخ: التعجب والتفخيم. والعز الأقعس: الثابت المنتصب الذي لا يتضعضع، ولا يذل، وأصل القعس: دخول الظهر وخروج الصدر، ومن كان كذا كان منتصب الرأس غير مطأطئه فجعل ذلك في العز حتى قيل: عزة قعساء. وعز أقعس.
والرجز للعجاج، وبين الروايتين بعض الخلاف. وانظر: المقتضب 1/ 234، والديوان 31. وأمالي ابن الشجري 1/ 390.

(3/325)


ولو سميت رَجُلًا: ذُوَ لقَلنا: ذَوَاً1 قَد جاءَ2، لأَنَّهُ لا يكونُ اسمٌ علَى حرفينِ أَحدهما: حرفُ لينٍ لأَنَّ التنوينَ يذهبُ بهِ3 فيبقى علَى حرفٍ، فإِنَّما رددتُ ما ذَهَبَ وأَصلُه فَعَلٌ يدلُّكَ علَى ذلكَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} 4 و {ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} 5 وإنَّما قلتَ: هذَا ذُو مالٍ فجئتَ بهِ على حرفينِ لأَنَّ الإِضافةَ لازمةٌ لَهُ ومانعةٌ مِنَ التنوينِ كمَا تقولُ: هذَا فو زيدٍ، ورأيتُ فا زيدٍ، فإذَا أَفردتَ قلتَ: هذا فَمٌ فاعلم، لأن الاسم قد يكونُ علَى حرفين إذَا لم يكنْ أَحدُهما حرفَ لينٍ كما تقدمَ مِنْ نحو: يَدٍ ودمٍ وما أَشبههُ.
قال7: فإذَا سميتَ رَجُلًا "بِهُوَ" فإنَّ الصوابَ أن تقولَ: هذَا هُوٌّ، كَما تَرَى فتثقلُ8، وإن سميتَهُ "بِفي" مِنْ قولِكَ: في الدارِ زيدٌ، زدتَ علَى الياءِ ياءً فقلت: هذا فيٌّ فاعلم9. وإن سميته "بلا" زدتَ علَى الأَلفِ ألفًا ثُمَ همزتَ10 لأَنكَ تحركُ الثانيةَ والأَلفُ إذا حُرِّكتْ كانتْ همزةً فتقول: هذا لاَءٌ فاعلم. وإنَّما كَانَ القياسُ أَنْ تزيدَ علَى كُلِّ حرفٍ مِنْ حروفِ اللينِ ما هَوَ مثلهُ لأَنَّ هذهِ حروف11 لا دليلَ علَى توالِيها12 لأَنَّها لم
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 33 ولو سميت رجلا "ذو" لقلت: هذا ذَوًا، لأن أصله "فعل".
2 في "ب" أقبل.
3 في "ب" يذهبه.
4 الرحمان: 48.
5 سبأ: 16 والآية غير مذكورة في "ب".
6 كما تقدم: ساقط في "ب".
7 أبو العباس المبرد، انظر: المقتضب 1/ 234.
8 انظر: الكتاب 2/ 33.
9 فاعلم: ساقط في "ب".
10 انظر: الكتاب 2/ 33.
11 في "ب" الحروف.
12 في الأصل "ثوانيها".

(3/326)


تكنْ أَسماءً فيعلمُ ما سقطَ مِنْها وَهوَ وهيَ اسمانِ مضمرانِ مجراهما مجرى الحروفِ في جميعِ محالِهما1 وكذلكَ قالتِ العربُ: في "لَوِّ" حَيثُ جعلْتُه اسمًا. قالَ الشاعرُ:
ليتَ شِعْري وَأَينَ مِني لَيْتٌ ... إنَّ لَيتًا وإنَّ لَوًا عَنَاءُ2
فزادَ علَى الواوِ واوًا ليلحقَ الأسماءَ وإنْ سميتَ رجلًا "كَيْ" قلت: هَذا كَيٌّ فاعلَم3. وكذلكَ كُلٌّ ما كانَ علَى حرفينِ ثانيه ياءٌ أَوْ وَاوٌ أَو أَلفٌ4.
وقالَ أَبو الحسن الأخفش: ما كانَ علَى حرفينِ فَلم تدرِ مِنَ الواوِ هَوَ أَمْ مِنَ الياءِ فالذي تحملهُ عليهِ الواو لأَنَّ الواوَ أكثرُ فيما عرفنا أَصلَهُ مِنَ الحرفينِ فيما يُعلم أَنَّهُ مِنَ الوا و"أَبٌ" لأَنكَ تقولُ: أَبوانِ وأَخٌ لأَنَكَ تقولُ: أَخوانِ وهَنٌ لأَنكَ تقولُ: هنوانِ5، وَغدٌ6 لأَنَّهم قَد قالَوا: وغَدْوًا بَلاقعُ7.
قالَ: وأما "ذو" ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأنْ يكونَ
__________
1 انظر: المقتضب 2/ 235 والكتاب 2/ 32.
2 من شواهد سيبويه 2/ 32، على تضعيف "لو" لما جعلها اسما على لفظها، وأخبر عنها والبيت لأبي زبيد الطائي. وانظر: المقتضب 1/ 235 والمنصف 2/ 153 والشعر والشعراء 1/ 304. واللسان "أوا" والخزانة 3/ 282 وشرح السيرافي 4/ 111 والجمهرة لابن دريد 2/ 29. والأغاني 4/ 181. والمقاييس لابن فارس 5/ 199.
3 وكذلك: ساقط من "ب".
4 انظر: المقتضب 1/ 236.
5 في "ب" هذا هنوك.
6 انظر: المنصف 1/ 64 وأبو الحسن يذهب إلى حذف ما وجب الحذف عند رد المحذوف فيقول في النسب إلى غد: غدوي.
7 يشير إلى قول الشاعر:
وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
وغدوا: معنى غد. يقول بينا هم أحياء إذا ماتوا، وكذلك الديار بنيا هي عامرة إذا أقفرت من أهلها فصارت بلاقع، أي: قفارا.
والبيت للبيد بن ربيعة العامري.
وانظر: المنصف 1/ 64. والشعر والشعراء 1/ 178. والأغاني 4/ 95. وأمالي المرتضى 2/ 107. واللسان 19/ 352. ومقاييس اللغة 4/ 415. والموشح للمرزباني/ 97. والديوان/ 21. طبعة أوربا.

(3/327)


ياءً لأَنَّ ما عينهُ واوٌ ولامُه ياءٌ أَكثرُ مما عينهُ ولامهُ واوانِ. وأَمَّا "دَمٌ" فَقَد استبانَ أَنهُ مِنَ الياءِ لقولِ بعضِ العربِ1 إذا ثنّاهُ: دَمَيانِ وقال بعضُهم: دَموانِ فَما علمتَ أَنَهُ مِنَ الواوِ أَكثرُ لأَنَّهم قد قالوا: هَنَوانِ وأَخوانِ وأَبوانِ فقد عرفتَ أَنَّ أَصلَ دمِ: فَعَلٌ وَغَدٌ قَدْ استبانَ لكَ أَنَّهُ "فَعْلٌ" بقولِهم: وَغَدْوًَا بلاقع2. وإنما يحملُ البابُ علَى الأَكثرِ. وذكَر الأخفش "سنينَ وَمِئينَ" فَقَالَ: فِيهَا قولين: أَختارُ أَحدَهما وهو الصحيحُ عندنا3، فَقالَ: وأَمَّا سنينُ وَمِئينُ في قولِ مَنْ رفعَ النونَ فهوَ فَعيلٌ ولكنْ كسرَ الفاءَ لكسرةِ ما بعدها وأَجمعوا كلُّهم على كسرِها وصارتِ4 النون في آخرِ "سنين" بدلًا مِنَ الواوِ لأَنَّ أَصلَها مِنَ الواوِ وفي "مِئينَ" النونُ بدلٌ مِنَ الياءِ لأَنَّ أَصلَها من الياءِ كأَنَّها كانتْ "مئي" [مثلُ مَعي] 5 وقَدْ قالوها في بعضِ الشعرِ ساكنةً ولا أَراهم أَرادوا إلا التثقيلَ ثُمَّ اضطروا فخففوا لأَنَّهم لو أَرادوا غيرَ التخفيفَ لصارَ الاسم علَى "فَعِلٍ" وهذَا بِنَاءٌ قليل. قالَ الشاعرُ:
__________
1 انظر: الخزانة 3/ 349.
2 يشير إلى قول الشاعر الذي مر قبل قليل.
3 انظر: الخزانة 3/ 304.
4 في "ب" فصارت.
5 زيادة من "ب".

(3/328)


حَيْدَةُ خالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئيِ1
مثلُ "المِعِي" وأَمَّا قولُهم: ثلاثُ مِئي فاعلم2. فإنَهُ أَرادَ "بِمئي" جَماعةَ المائةِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ وتقولُ فيهِ: رأيتُ مِئيًا مثلُ: مِعيًَا وقولهم: رَأيتُ مِئًِا مثلُ: مِعَىً خطأٌ لأَنَّ المِئي إنَّما جاءتْ في الشعرِ فتقولُ: ليسَ لكَ أَنْ تدعي أَنَّ هذهِ الياءَ للإِطلاقِ وأنتَ لا تجدُ ما هُوَ علَى حرفينِ يكونُ جماعةً ويكونُ واحدهُ بالهاءِ نحو: تَمْرَةٍ وتَمْرٍ.
قالَ أبو الحسن: وَهوَ مذهبُ وَهوَ قولُ يونس يعني "الياءَ" قاَلَ والقياسُ الجيدُ عندنا أَنْ يكونَ سنينَ فِعلينَ مثلُ غِسْلينَ محذوفةٌ ويكونُ قولُ الشاعرِ: سني والمئي مرخمًا. فإن قلتَ: فإنَّ "فِعْلينَ" لم يجئ في الجمعِ وقدَ جاءَ "فَعيلٌ" نحو: كَليبٍ وعَبيدٍ وقَدْ جَاءَ فيهِ ما لزمهُ "فَعيلٌ" مكسور الفَاءِ نحو: "مِئينٍ" فإنَّ مِنَ الجمعِ أَشياءً لم يجىءُ مثلُها إلا بغير اطرادٍ نح و"سَفْرٍ" وقد جَاءَ منهُ ما ليسَ لَهُ نظيرٌ نحو: "عِدى" وأَنتَ إذا جعلتَ "سنينَ" فَعِيلًا جَعلتَ النونَ بدلًا والبدلُ لا يقاس ولا يطردُ،
__________
1 هذا رجز رواه أبو زيد في النوادر في موضعين: الأول قال فيه: هما لامرأة من بني عامر، والموضع الثاني: قال فيه: هما لامرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن.
وقد خفت ياءات النسب للقافية. فأما المئي والسني، فإنما جمع على "فعول" ثم قلبت الواوات ياءات فصارت: مئي وسني، ثم خفف بأن حذف إحدى الياءين كما فعل في "على" فبقي المئي والسني، وبعد الشاهد:
يأكل أزمان الهزال والسنى
والهزال: بضم الهاء -الضعف من الجوع. والسنى: مرخم سنين جمع سنة بمعنى الجدب والقحط وانظر: المنصف 2/ 68. وأمالي ابن الشجري 1/ 383.
واللسان "حيد". والوادر/ 167. والخزانة 3/ 304 والموشح للمرزباني/ 95. وشرح السيرافي 2/ 36. والخصائص 1/ 311.
2 فاعلم: ساقط في "ب".

(3/329)


ومخالفةُ الجمعِ للواحدِ قد كثَر فإنْ تحملهُ علَى ما لا بدلَ فيهِ أَولى وليسَ يجوزُ أَنْ تقولَ: إِنَّ الياءَ في سنينَ: أَصليةٌ وقَد وجدتها زائدةً في هَذا البناءِ بعينهِ لمّا قلتَ: "فِعْلينَ" وفِعلونَ: يعني أَنكَ تقولُ: سِنينَ يَا هَذا وسنونَ وقالَ: اعلم: أَنَّ قولَ العرب: "آوَّه" لا يجوزُ أن تكونَ فاعلةً والدليلُ عَلَى أنَّ الهاءَ للتأنيث قولُ العرب: "أَوتاهُ" وإنَّما هَذا شاذٌّ لأَنَّهُ حرفٌ بنيَ هكذَا لم يسمعْ فيهِ "فِعْلٌ" قَط العينُ واللامُ مِنَ الواوِ فلمَّا بنوهُ كأَنَّهُ لم يكن لَهُ "فَعْلٌ" بنوهُ علَى الأصلِ كمَا قالوا: مِذْرَوَانِ فبنوهُ علَى الأصلِ إذ لم يكنْ لَهُ واحدٌ يقلبُ1 فيهِ الواوُ إلى الياءِ وكَما قالوا: ثِنايانِ فلم يهمزوا إذَا لم يكنْ لهذَا واحدٌ تكونُ الياءُ آخرَهُ قَالَ: وأما قولُ الشاعرِ2:
فَأَوِّ لِذكْرَاها إذَا مَا ذَكَرْتُها ... ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ دونَها وسَمَاءٌ
فإنهُ مِنْ قولِهم: أَوتاهُ ولكنْ جعلَهُ مثلَ: سَبحَ وهَلَّلَ وقولُه: أَو يريدُ: افعَلْ ورأيتُ بخط بعضِ أَصحابنا مِما قُرِيءَ علَى بعضِ مَشَايخِنا مِنْ كلامِ الأَخفش.
اعلَمْ: أَنَّ قولَ العربِ "أَوَّه" لا يجوزُ أَنْ يكونَ إلا "فَاعلةً" ورأَيتُ إلا ملحقةً في الكتابِ3.
__________
1 في "ب" نقلت.
2 الشاهد فيه "أوه" التي بمعنى أتألم. وروي: فأوه لذكراها، ومن رواه فأو على أنه أمر كقولك: الأمر من قويت: قو ونحوه، ومن قال: فأوه: فاللام عنده هاء، ولم يعرف قائل هذا البيت. والمعنى: أنه يتوجع من تذكر محبوبته. وما بينهما من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطيعة.
وانظر: المنصف 3/ 126. والخصائص 2/ 89. والمحتسب 1/ 39. ومعاني القرآن 2/ 23.
3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

(3/330)


قالَ أبو بكر: جميعُ الأصواتِ التي تُحكى محالفةٌ للأسماءِ والأَفعالِ في تقديرِها فليسَ لَنَا أَن نقولَ في "قَد" أن أَصلَها "فَعْلُ" كما تقولُ في "يَدٍ" ولا ندَعي أَنهُ حذفَ مِنْ "قَدْ" شيءٌ كَما حذفَ في "يَدٍ" ولاَ لنَا أنْ نقولَ: إنَّ الأَلفَ في "مَا ولاَ" منقلبةٌ مِنْ شيءٍ وكذلك صَهْ ومَهْ وأَلفُ "غَاقٍ" لا تَقولُ: إنَّها منقلبةٌ وإنَّما تقدرُ الأسماءَ والأفعالَ بالفاءِ والعينِ واللامِ لتبينَ الزوائدُ مِنْ غيرِها والحروفُ والأصواتُ أُصولٌ لا تكادُ تجدُ فيها زَائدًا ولا تحتاجُ إلى تقديرِها بالفاءِ والعينِ واللامِ لأَنَّها لا تتصرفُ تصرفَ الأَسماءِ ولا تصرفَ الأَفعالِ لأَنَّها لا تصغرُ ولا تُثَنى ولا تجمعُ ولا يُبنى منها فِعل ماضٍ ولاَ مستقبلٍ وأنَّما جعلتِ الفاءُ والعينُ واللامُ في التمثيل ليعتبرَ بهنَّ الزائدُ مِنَ الأصلِ والأَبينةُ المختلفةُ. فَما لا تدخلهُ الزيادةُ ولا تختلفُ أَبنيتهُ فلا حاجَةَ إلى تمثيلهِ وتقديرهِ فأَمَّا قولهُم "تَأَوّهَ" فإنَّما هو مشتقٌّ مِنْ [قولهم] 1: آوَّهَ يرادُ بهِ أَنهُ قَالَ: أَواهُ كمَا قالوا: سَبَّح إذَا قالَ سبحانَ اللهِ وهلّلَ إذَا قَالَ: لا إلهَ إلا الله فهَللَ فَعَّلَ أخذتِ الهاءُ واللامُ مِنْ بعضِ الكلامِ الذي تكلم بهِ وجازَ تقديمُ الهاءِ لأَنَّهُ غيرُ مشتقٍ مِنْ مصدرٍ وإنَّما يصيرُ للكلمةِ تقديرٌ إذَا كانتْ اسمًا أَو فعلًا فمَا عَدا ذلكَ فَلا تقديرَ لَهُ وقولُ الشاعِر:
مِنْ أَعقابِ السُّمِي2
__________
1 زيادة من "ب".
2 يشير إلى قول الراجز: كنهور من أعقاب السمى.
وهو من شواهد الكتاب 2/ 194 على جمع سماء على "سمى" ووزنه فعول، قلبت واوه إلى الياء التي بعدها وكسر ما قبلها لتثبت الياء وبعدها كسرة، ونظيره من السالم: عناق، وعنوق.
وأراد بالسماء هنا السحاب. والكنهور: القطع العظام من السحاب المتراكم والأعقاب: جمع عقب، وهو آخر الشيء. يريد أنه سحاب ثقيل بالماء.
فأتى آخر السحاب لثقله. وقد نسب هذا الرجز إلى أبي نخيلة السعدي.
وانظر: المنصف 2/ 68.

(3/331)


فالسُّمِي مخففٌ مِنْ السّمِيٌّ ويدلكَ علَى ذلكَ أَنَّ "فُعِلَ" ليسَ مِنْ بناءِ الأسماءِ: وإنَّما أَرادَ: السُّمِيَ فخففَ وهيَ "فُعُولٌ" مُثل عُصِيَ فلمَّا خَفَف صارَ: سُميٌ.
قال الأخفشُ: ولو سُمَى بهِ لأنصرفَ لأَنهُ "فُعُولٌ" محذوسف وهوَ ينصرفُ إذا كانَ اسمَ رجلٍ أَلا تَرى أَنَّ "عُنُوقَ جَماعةُ العَنَاقِ" لو كانْت اسمَ رَجلٍ فرخمتهُ فيمنْ قالَ1: يَاحَارِ لقلتَ: بَاعُني تحذفُ القافَ وتقلبُ الواظو. قَالَ: ولَو سميتَ بهِ لصرفتَهُ لأَنَّهُ ليسَ "بَفُعِلُ" ونظيرُ التخفيفِ في سُمِى قولُ الشَاعرِ:
حَيدةُ خَالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئِي2
فخففَ3 الياءَ مِنْ "عَليّ" وقالَ في بيتٍ آخرَ:
"يأكلُ أَزمانَ الهُزَّالِ والسِني4
فهذَا إمَّا أَنْ يكونَ رخمَ "سنينَ" ومِئينَ وإما أن يكون بَنى: سنةً ومائةً على: سِني ومِئي وكانَ أَصلهما5: سُنْوٌ ومِئْوٌ فلمَّا حذفَ النونَ ورخم بقيَ الاسم آخرهُ واوٌ قبلها ضمةٌ فلما أَراد أَن يجعلَهُ اسمًا كالأَسماءِ التي لم يحذفْ منها شيءٌ6 قلبَ الواوَ ياءً وكسرَ ما قبلها لأَنَّهُ
__________
1 قال: ساقط في "ب".
2 يشير إلى قول الارجز الذي مر ص329 من هذه النسخة.
3 في "ب" الجملة مضطربة ليس لها معنى.
4 هذا الرجز من نفس القصيدة التي منها البيتان السابقان وهما:
حيدة خالي ولقيط وعلي ... وحاتم الطائي وهاب المئي
وانظر: المنصف 2/ 68. والخزانة 3/ 304. وأمالي الشجري 1/ 383، والخصائص 1/ 311. والموشح/ 95.
5 في الأصل" أصلها".
6 أضفت كلمة شيء لإيضاح المعنى.

(3/332)


ليسَ في الأَسماءِ اسمٌ آخرهُ واوُ قبلَها ضمةٌ فمَتى وقعَ شيءٌ مِنْ هذا قلبتِ الواوُ فيهِ ياءً وقَدْ بُيّنَ هذا فيما تقدمَ.
قاَلَ [أبو بكر] 1: ويجوزُ عندي أَنْ يكونَ تقديرُ قولِ الشاعر: "سُمِي2" أَنَّهُ "فُعُلٌ" قصرهُ مِنْ "فَعُولٍ" فلمَّا وقعتِ الواوُ بعدَ ضمةٍ وهيَ طرفٌ قَلبها3 يَاءً وهذا التأويلُ عِندي أَحسنُ مِنْ حذفِ اللامِ لأَنَّ حذفَ الزائدِ في الضرورةِ أَوجبُ مِنْ حَذفِ الأَصلِ وسَماءٌ مثلُ "عَناقٍ" في البناءِ والتأنيثِ وكذلكَ جمعهما سَواءٌ تَقُولُ "سُمِيٌّ" وعُنُوقٌ فَسُمِيٌّ5 "فُعُولٌ" وعُنُوقٌ6 "فُعُولٌ7" وقَد حكوا: ثَلاثَ أَسميةٍ بنوها علَى "أَفْعِلَةٍ" وهيَ مؤنثةٌ وإنَّما هذَا البناءُ للمذكرِ وإنَّما فعلوا ذلكَ لأَنَّهُ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ وليسَ كعَناقٍ لأَنَّ "عناقاً" تأنيثُها حقيقيٌّ.
واعلم: أَنّ قولَهم "يُهَرِيقُ" الهاءُ مفتوحةٌ في مكانِ الهمزةِ8، وكانَ الأَصلُ: يُؤَرِيقُ لأَنَّ أَصلَهُ "أَفْعَلَ" مثلُ "أَكْرَمَ" فأَكرَم مثلُ "دحرجَ" ملحقٌ بهِ وكانَ القياسُ أَن يقولَ في مضارعِ أَكرمَ يُؤكرمُ مثلُ "يُدحرجُ" فاستثقلوا ذلكَ لأَنَّهُ كانَ يلزَمُ منهُ أَنْ يقولَ: أَنا أُكْرِمُ مثلُ أُدَحْرِجُ أُأَكرِمْ فحذفوا الهمزةَ استثقالًا لاجتماع الهمزتينِ ثُمَّ أتبعوا باقي حروفِ.
__________
1 زيادة من "ب".
2 يشير إلى قول الشاعر الذي مر/ 615.
3 في الأصل قبلها "والتصحيح من "ب".
4 في "ب" الأصلي.
5 فسمى: ساقط في "ب".
6 عنوق: ساقط في "ب".
7 انظر الكتاب 2/ 194. وقالوا في الجمع عنوق، وكسروها على فعول، كما كسروها على أفعل.
8 انظر شرح السيرافي 1/ 194 وابن يعيش 10/ 5.

(3/333)


المضارعةِ الهمزةَ وكذلك يفعلونَ أَلاَ تَراهم حَذفوا الواوَ من "يَعدُ" استثقالًا لوقوعها بين يَاءٍ وكسرةٍ ثُمَّ أَسقطوها مَع التاءِ والألفِ والنونِ فقالوا: أَعِد ونَعِد وتَعِد فتبعتِ الياءُ أَخواتِها التي تَأتي للمضارعةِ فالذي أبدلَ الهاءَ مِنَ الهمزةِ فَعَلَ ذلكَ استثقالًا لئلا يلزمَهُ أَن يجمعَ بينَ همزتينِ في أَنا أَفعلُ وأَبدلَ فَلَم يحذف شيئًا فإنْ قَالَ قَائلٌ: فمَا تقديرهُ مِنَ الفعلِ قلتَ: يُهَفْعِلُ لأَنَّ الهاءَ زائدةٌ وحَقُّ كُلِّ زائدٍ أَنْ ننطقَ بهِ بعينهِ وكذلكَ لَو قالَ الشاعرُ: "يؤكرم"1، كمَا قالوا: يُؤَثْفِيَنْ2، لكانَ تقديرهُ ووزنهُ مِنَ الفعلِ "يُؤفعلُ" وتقولُ في قَولِ مَنْ قالَ "يُهْرِيقُ" فأسكنَ الهاءَ وجعلَها عوضًا مِنْ ذَهابِ الحركةِ إنْ قيلَ: ما تقديرهُ مِنَ الفعلِ لم يجزْ أَنْ تنطقَ بهِ عَلى الأَصلِ لأَنَّكَ إذَا قيلَ لكَ: ما وَزنُ: يُريقُ قلتَ: يُفْعِلُ وكذا عادةُ النحويينَ والفاءُ ساكنةٌ والهاءُ ساكنةٌ فلا يجوزُ أَن تنطقَ بهما إذَا كانَ تقديرُ "يُريقُ" يُفْعِلُ. وأَنا أَبينُ لكَ ذلكَ بيانًا أكشفهُ بهِ3، فإنَّ الحاجةَ إلى ذلكَ في هذهِ الصناعةِ شديدةً فأَقولُ إني قَد بينتُ ما دَعا النحويينَ إلى أَن يزنوا بالفاءِ والعينِ واللامِ. وأنهم قَصدوا أَنْ يفصلوا بينَ الزائدِ والأصلِ فالقياسُ في كُلِّ لفظٍ مقدرٍ إذا كانَ فيهِ زائدٌ أَن تحكيَ الزائدَ بعينهِ فتقولُ في "أَكرَم" إنَهُ "أَفعلُ" وفي "كَرامةٍ" أَنها "فَعَالَةٌ" وفي كَريمٍ أَنَّهُ "فَعيلٌ". ومُكرَمٌ مُفْعَلٌ لأن ذلكَ كُلَّهُ مِنَ الكَرمِ فالأَصلُ الذي هُوَ الكافُ والراءُ والميمُ موجودٌ في جميعِها فالكافُ فاءٌ والراءُ عَيْنٌ والجيمُ لامٌ فَعَلى هَذا يجري جميعُ الكلامِ في كُلِّ أَصلي وزَائدٍ فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلُّ وتحذفُ فإنَّ النحويينَ يقولونَ إذا سئلوا: ما وزنُ "قَامَ" قَالوا: "فَعَلَ"
__________
1 يشير إلى قول الشاعر: فإنه أهل لأن يؤكرما. وقد مر: 454 من هذا الجزء.
2 يشير إلى قول الشاعر: وصاليات ككما يؤثفين. وقد مر: 454 من هذا الجزء.
3 به: ساقط من "ب".

(3/334)


فيذكرونَ الأَصلَ لأنه عندَهم مثلُ "ضَرَبَ" وإنَّما كانَ الأَصلُ "قَوِمَ" ثُمَّ قلبتِ الواوُ ألفًا ساكنةً وإذَا قيلَ لَهم: ما وزنُ يَقولُ: قالوا: "يَفْعُلُ" لأَنَّ الأَصلَ "كانَ يَقْوُلُ" فحولتِ الحركةُ التي كانت في الواوِ إلى القافِ وإذَا قيلَ لَهم: ما وزنُ مَقولٍ؟ قالوا: مفولٍ لإِنَّ الأَصلَ: مقوولٌ فحولتِ الضمةُ إلى القافِ فاجتمعَ ساكنانِ فَحذفَ أَحدهُما فهذَا الذي قالوهُ صحيحٌ وإنِّما يريدونَ بذلكَ المحافظةَ على الأُصولِ لتُعلمَ وأَنَّ ما يغيرُ مِنَ اللفظِ فَلعلةٍ إلا أَنهُ يجبُ أَنْ تمثلَ الكلمةُ المعتلةُ بما هيَ عليهِ مِنَ اللفظِ كمَا يمثلُ الأصل فيقولُ: مِثَالها المسموعُ كَذا: والأَصلُ كَذا كمَا قالوا في "رُسْلٍ" فيمَن خففَ1، إنَّ الأَصلَ "فُعُلٌ" وإنَّ الذينَ خَففوا قَالوا: "فُعْلٌ" فيجبُ علَى مَنْ أَرادَ أَن يمثلَ الكلمةَ مِنَ الفعلِ بمَا هيَ عليِه ولم يقصد الأَصلَ إِذا قيلَ لَهُ: ما وزنُ "قَالَ" بَعدَ العلةِ قالَ "فَعْلَ" وإنْ قيلَ لَهُ: ما وزنُ قُلْتُ قالَ: فلتُ: فإنْ قيلَ: ما الأَصلُ قَالَ: فَعُلْتُ قيلَ لَهُ: ما وَزنُ قِيلَ قالَ: فِعْلَ فإنْ أَريدَ الأَصلَ قالَ: فُعِلَ فإنْ قيلَ لَهُ: ما وَزنُ مَقولٍ فإنْ كانَ ممن يقدرُ حذفَ واوِ مفعولٍ2، وذاكَ مذهبهُ قَالَ "مَفُعْلٌ". وإنْ كانَ ممن يذهبُ إلى أَنَّ العينَ الذاهبةَ قالَ: مَفولٌ فإنْ سُئلَ عَنِ الأصلِ قالَ: مَفعولٌ وكذلكَ إذا سُئلَ عَنْ "يَدٍ" قَالَ "فَعٍ" فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ "فَعْلٌ" كمَا بينا فيمَا تقدم وإنْ سُئلَ عَنْ "مُذْ" قالَ: "فَلْ" فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ: فُعْلٌ لأَنَّ أصلَ "مُذْ": مُنْذُ فالعينُ هيَ الساقطةُ وكذلكَ: "سَهْ" إنْ قالَ: ما وزنُها في النطقِ "قلت" "فَلْ" فإنْ
__________
1 التخفيف هنا معناه إسكان العين.
2 يرى الخليل وسيبويه أنك إذا قلت: مقول، الذاهب واو مفعول لالتقاء الساكنين والواو الباقية عين الفعل. وكان الأخفش يزعم: أن المحذوفة هي عين الفعل والباقي واو مفعول. قال المازني: وكلا الوجهين حسن جميل. وقول الأخفش أقيس. وانظر: المنصف 1/ 287-288.

(3/335)


قالَ: ما الأَصلُ؟ قلتَ "فَعْلُ" كمَا ذكرنَا ويلزمُ عندي مِنْ مثلِ قَالَ: يَفْعَلُ ومقولٌ: بِمَفْعُولٌ أَن يمثلَ يُكْرِمَ بيؤفعلُ1 فيذكرُ الأَصلَ فأمَّا "أُمهاتٌ" فوزنُها "فُعْلَهاتٌ" يدلُّكَ عَلَى ذلكَ أَنَّهم يقولونَ: أُمٌّ وأُمهاتُ2، فيجيئون3 في الجمعِ بمَا لم يكنْ في الواحدِ. وقد حكى الأخفشُ علَى جهةِ الشذوذِ أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: "أُمَّهَةٌ" فإنْ كانَ هذَا صحيحًا فإنَّهُ جعلَها فُعَّلَةً وأَلحقَها بِجُخْدَبٍ4 ومَنْ لم يعترف بِجُخْدَبٍ ولَم يثبتْ عندَهُ أَنَّ في كلامِ العربِ "فُعْلَلاً" وَجَبَ [عليهِ] 5 أَنْ يقولَ "أُمَّهَةٌ" فُعْلَهَةٌ كمَا قالَ: إنَّ جُنْدَبًا فُنْعَلٌ ولَم يَقلْ: فُعْلُلٌ وإذَا قيلَ لكَ ما وَزنُ "يَغْفُر" فإن قالَ السائلُ6 ما أَصلهُ فقلْ7: يَفْعَلُ ولكنْ أتبعُوا الضمَّ8 الضمَّ وإنْ كانَ سُئِلَ عَنِ اللفظِ فَقُلْ "يُفْعُلُ" وكذَلكَ "مِنْتِنٌ" إنْ قَالَ ما وزنهُ قَلتَ: الأَصلُ "مُفْعِلٌ" ولكنْ أتبعوا الكسرَ الكسرَ واللفظُ "مِفُعِلٌ" وتقولُ في "عِصِي" إنَّها "فُعولٌ" في الأَصلِ وفَعيلٌ في اللفظِ والتمثيلُ باللفظِ غيرُ مَأْلوفٍ فَلا تلتفتْ إلى مَنْ يستوحشُ منهُ ممن يطلبُ العربيةَ فإنَّ مَنْ عرفَ أَلفَ ومَنْ جَهلَ استوحشَ وهذَا مذهبُ أَبي الحسن الأخفش وتقولُ في "قِسِيٍّ" أَصلهُ: فُعُولٌ وكانَ حقهُ "قُووُسٌ" ولكنْ قدَموا اللامَ علَى العينِ وصيروهُ "فُلُوعٌ" وكانَ حقهُ أَنْ يكونَ "قِسُوٌ" فصنَعوا بهِ ما صنَعوا بعِصِيٍّ قلبوا الواوَ ياءً وكسروا القافَ كما كسروا عينَ "عِصيٍّ" فالمسموعُ مِنْ "قِسيٍّ" "فِليعٌ"
__________
1 في "ب" بيأفعل.
2 انظر ابن يعيش 10/ 4-5 والارتشاف/ 21.
3 في الأصل "يجيئوا" والتصحيح من "ب".
4 جخدب: الجراد الطويل الأخضر. ضرب من الجنادب.
5 زيادة من "ب".
6 في "ب" فإن كان السائل يريد ما أصله.
7 في "ب" قلت.
8 في "ب" الضمة.

(3/336)


وأَصلُ "فِليعٌ" فُلُوعٌ وفُلُوعٌ مقلوبٌ مِنْ فُعُولٍ. وقَالوا في "أَيْنُقٍ" إنَّ أَصلَها "أَنْوَقٌ" فاستثقلوا الضمةَ في الواوِ فحذفتِ الواوُ وعوضتِ الياء فيقولونَ إذا سئلوا عَنْ وزنِها أَنَّها "أَفْعُلٌ" واللفظ على هذا التأويلِ هو"أَيْفُلٌ" ولقائلٍ أَنْ يقولَ: إنَّهم قلَبوا فَصارَ "أَونقاً" ثُمَّ أَبدلوا مِنَ الواوِ ياءً والياءُ قَدْ تبدلُ مِنَ الواوِ لغيرِ علةٍ استخفافًا فَعَلى هَذا القول يكونُ وزنُ "أَينُقٍ" "أَعفُل" كما قالَ الخليلُ في أَشياءٍ: إنَّها "لَفْعَاء" لأَنَّ الواحدَ شَيءٌ فاللامُ همزةٌ فلمَّا وجدَها مقدمةً قالَ هيَ: لَفْعاء1 وقَد قالَ غيرهُ: إنَّها "فَعْلاَءُ" كانَ الأصلُ عندَهُ شَيئَاءُ فحذفتِ الهمزةُ.
قَالَ المازني2: قالَ الخليلُ: أَشياءُ "فَعْلاَءُ" مقلوبةٌ وكانَ أصلُها شَيئاءَ مثل: حمراءَ فقلبَ فجعلتِ الهمزةُ التي هي لامٌ أَولًا فَقَالَ: أَشياءُ كأَنَّها لَفْعَاءُ ثُمَّ جَمعَ فَقالَ: أَشاوى مثلَ: صَحَارى وأَبدلَ الياءَ واوًا كمَا قالَ: جَبَيْتُ الخراجَ جِبَاوَةً وهَذا شَاذٌّ وإنَّما احتلنا لأَشاوى حيثُ جاءتْ هكذَا لتعلمَ أَنَّها مقلوبةٌ عن وجهِها.
قالَ: وأخبرني الأصمعي: قَالَ: سمعتُ رَجلًا مِنْ أَفصحِ العربِ يقولُ لخلفٍ الأحمر3: إنَّ عندكَ لأَشَاوِي قالَ: ولو جاءتِ الهمزةُ في "أَشياءَ" في موضِعها مؤخرَةً بعدَ الياءِ كنتَ تقولُ: شَيئاءُ
__________
1 انظر الكتاب 2/ 379 والتصريف 2/ 94.
2 انظر التصريف 2/ 94، والكتاب 2/ 379.
3 خلف الأحمر: هو خلف بن حسان ويكنى أبا محمد وأبا محرز، كان مولى لبني بردة بن موسى الأشعري، أعتقه وأبويه، وكانا فرغانين. كان أعلم الناس بالشعر وكان شاعرا وضع على شعراء عبد القيس شعرا كثيرا. أخذ عنه عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء وكان يضرب به المثل في عسل الشعر. مات سنة 180هـ، ترجمته في مراتب النحويين 26-47. وأخبار النحويين/ 40 والأمالي لأبي علي 1/ 156 والشعر والشعراء/ 763 وطبقات الزبيدي/ 113 ومعجم الأدباء 11/ 66.

(3/337)


قالَ: وكانَ أَبو الحسن الأَخفش1 يقولُ: أَشْيئَاءُ أَفْعِلاَءُ وجُمعَ شيَءٌ عليهِ كما جَمعوا شَاعرًا على شعراءَ ولكنَّهم حذفوا الهمزةَ التي هيَ لام استخفافًا وكانَ الأصلُ: أُشْيئاءُ [أُشْيِعَاعٌ2] فثقل ذلك فحذفوا فسألتهُ3 عَن تصغيرِها فقالَ: العربُ تقول أَشَيَّاءٌ فاعلَم فيدعونَها على لفظِها فقلتُ: لِمَ لاَ رُدتْ إلى واحدِها4، كما رُدتْ "شعراءُ" إلى واحِدها؟ فَلَم يأتِ بمقنعٍ.
وقالَ5: قَالَ الخليلُ: أَشَياءُ مقلوبةٌ كما قلبَوا "قِسيٌّ6" وكانَ أَصلُها "قُوُوسٌ" لأَنَّ ثانيَ "قَوْسٍ" واوٌ فَقُدّمَ السينُ في الجمعِ وهم مما يغيرونَ الأَكثرَ في كلامِهم قَالَ الشَاعرُ:
"مَروانُ مَروانُ أَخوُ اليومِ اليَمِي7،
__________
1 انظر: التصريف 2/ 94.
2 زيادة من "ب".
3 الذي سأل هو المازني والذي سئل هو الأخفش. انظر: التصريف 2/ 100.
4 يريد: أنهم يقولون شُيَيْئات، لأن كل جمع على غير واحده هو من "أبنية الجمع فإنه يرد بالتصغير إلى واحده".
5 أي أبو عثمان المازني. انظر: التصريف 2/ 101.
6 انظر: التصريف 2/ 101-102 والكتاب 2/ 379
7 من شواهد سيبويه 2/ 379 "على قلب "اليوم" إلى "اليمي" فأخر الواو ووقعت الميم قبلها مكسورة فانقلبت ياء للكسرة.
ومعنى "اليمي" الشديد. كما يقال لليل: أليل، للشديد الظلام.
ونسب هذا الشاهد إلى أبي الأخزر الحماني، والحماني: منسوبة إلى حمان- بكسر الحاء وتشديد الميم- محلة بالبصرة سميت بالقبيلة. وتكملة البيت:
مروان مروان أخو اليوم اليمي ... ليوم ردع أو فعال مكرم.
وانظر: الخصائص 1/ 64 و3/ 76. والتصريف 2/ 102 وأدب الكاتب 602.
واللسان "يوم" والمحتسب 1/ 144. ومعجم مقاييس اللغة 6/ 60 وروايته:
نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي
وارتشاف الضرب/ 388. والمخصص 15/ 72.

(3/338)


يريدُ "اليومَ" فأخَّر الواوَ وقدمَ الميمَ ثمَ قَلَب الواوَ حيثُ صارتْ طرفًا كما قالَ: "أَدلٍ" في جَمعِ "دَلْوٍ" ومما أُلزمَ حذفُ الهمزةِ لكثرةِ استعمالِهم "مَلكٌ" إنَّما هُو"مَلأَكٌ" فلمَّا جَمعوهُ وردوهُ إلى أَصلهِ قالوا: ملائكةٌ وملائكُ وقَد قالَ الشاعرُ فَ ظَردَّ1 الواحدَ إلى أصله حين2 احتاج:
فلَسْتُ لإِنْسِيٍّ ولكنْ لَمَلأَكِ ... تَنَزَّلُ مِنَ جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ3
قالَ: ومِنَ القلبِ: طأَمنَ واطمأنَ4، قال: وأَمَّا: جَذَبَ وجَبَذَ فلَيسَ واحدٌ منهما مقلوبًا عَنْ صاحبهِ5، لأَنُّهما يتصرفانِ وأما "طَأَمَن" فليسَ أَحدٌ يقولُ فيهِ "طمأَنَ" ومما يُسأْلُ عنهُ "أَوَّلُ" إنْ قالَ قائلٌ: هذهِ همزةٌ أُبدلَ منها واوٌ واحتجَّ بأَنَّهُ لم يرَ الفاءَ والعينَ مِنَ جنسٍ واحدٍ قيلَ لَهُ: قَد قالوا:
__________
1 في "ب" فردوا.
2 حين: ساقط في "ب".
3 من شواهد سيبويه 2/ 379. على همز ملاك. وهو واحد الملائكة، والاستدلال به على أن ملكا، مخفف الهمزة محذوفها من "ملاك" والملك مشتق من الألوكة وهي الرسالة، لأن الملائكة رسل الله إلى أنبيائه.
والمعنى: أنه مدح رجلا فقال: باينت الإنس في أخلاقك وأشبهت الملائكة في طهارتك وفضلك، فكأنك لملك ولدت. ومعنى: يصوب ينزل.
والبيت لعلقمة بن عبدة.
وانظر: المنصف 2/ 102 وشرح السيرافي 5/ 108. وارتشاف الضرب/ 382. وأمالي ابن الشجري 2/ 20 وتهذيب إصلاح المنطق/ 126. وإصلاح المنطق/ 71.
4 انظر: الكتاب 2/ 379 والتصريف 2/ 104.
5 انظر: الكتاب 2/ 380 والمنصف 2/ 105.

(3/339)


الدَّدَنُ1، وكَوْكَبٌ ويقالُ لِمَن اعترضَ بهذَا- أَي: الواوين- مِنْ أَوَّلِ تجعلَها بدلًا مِنَ الهمزةِ؟ فإن قالَ: الأوَلى، قيلَ لَهُ: لو كانتْ همزة لوجبَ أَنْ تبدلَ الفاءَ كمَا قالوا: آمِنٌ، وإنْ قالَ: الثانيةُ قيلَ لَهُ: لو كانتِ الثانيةُ همزةً لوجبَ حذفُها في التخفيفِ وكنتَ تقولُ: أَوَّلُ فَعَّلُ2 كمَا تقولُ في تخفيفِ "مَؤَلةٍ" مَوَلَةٌّ فإنْ قالَ: وَلَم قالوا: أَوائلُ ولم يقولوا: أَواولُ؟ قيلَ: هذَا كانَ الأصلُ ولكنَّهم تجنبوا اجتماع الواوينِ وبينَهما ألف الجمعِ ومِما يغيّرُ في الجمعِ الهمزتانِ إذَا اكتنفتا الأَلفَ نحو: ذُؤابة إذا جمعتها قلتَ: ذَوَائِبٌ وكان الأصل: "ذأآئبٌ" لأن الألف التي في "ذُؤَابةٍ" كالألفِ التي في "رِسَالةٍ" حقُّها أَنْ تبدلَ منها همزةً في الجمعِ ولكنَّهم استثقلوا أَنْ تقعَ ألَفُ الجمعِ بينَ همزتينِ كَما استثقلوا أَنْ تقعَ بينَ واوينِ فأَبدلوا الأُولى التي هيَ أَصلٌ وتنكبوا إِبدالَ الثانيةَ التي هيَ بَدلٌ مِنْ حرفٍ زائِدٍ الزوائدُ أصلُها السكونُ وإنَّما أبدلتْ لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرارُ مِنَ الجمع بين ساكنينِ وكان ملازمةُ الهمزةِ تدلُّ علَى أنَّ المبدلَ زائدٌ فأمَّا خَطَايا وأَدَاوَى فإنَّهم جعلوا موضعَ الهمزةِ3 ياءً وواوًا وأزالوا البناءَ عَنْ وزنِ "فَعَائلٍ" إلى "فَعَالٍ" ثم نقلوها إلى "فَعَائِلَ" وعَاولَ فجاءوا ببناءٍ أخرَ وَلمْ ينطقوا بالهمزةِ معَ هذا البناءِ وإنَّما هو شيءٌ يقدرهُ النحويون أَلا تَرَى أَنَّ الشاعرَ إذَا اضطَرَّ فقالَ4:
__________
1 الددن: اللعب واللهو. وفي "ب" "ددن" بدون أل.
2 زيادة من "ب".
3 ياء: ساقط في "ب".
4 من شواهد الكتاب 2/ 59، عل يإجراء "سمائيا" على الأصل ضرورة، وتكملة الشاهد:
له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا
والبيت لأمية بن أبي الصلت من هوازن.
وانظر: المقتضب 1/ 144. والخصائص 1/ 212 و2/ 348. والمنصف 2/ 66. والحجة لأبي علي 1/ 207. وشرح السيرافي 1/ 212. وشرح الحماسة/ 784. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 215. والديوان 70.

(3/340)


سَماءُ الإِلهِ فوقَ سَبعِ سَمَائِيَا
لمَّا رَدَّ البناءَ إلى "فَعَائلَ" وكسرَ رَدَّ الهمزةَ فحروفُ المَدِّ إذَا أبدلتْ للضرورةِ قَبُحَ أَنْ تبدلَ بدلًا بعدَ بدَلٍ فتشبهُ الأُصولَ أَلاَ ترى أَنَّ أَلفَ "سَائرٍ" لما أُبدلتْ في "سُوَيرٍ" واوًا لم تُدغم فتقديرُ خَطيئةٍ: فَعَيلةٌ وتقديرُ إدَاوةٍ: فِعَالةٌ وخَطيئةٌ مثلُ: صَحيفةٍ كانَ القِياسُ عَلَى ذلك أَنْ يقالَ1 فيها: خَطائيٌ [خَطَاعيٌ] 2 مثل صَحَائف فكانَ يجتمعُ همزتانِ فتنكبوا "فَعَائِلَ" إلى "فَعَائَلَ" كما قَالوا في مَدَارِي: مَدَارَى وكانَ مَدَارِي: مَفَاعِلُ فجعلوه "مَفَاعَلَ".
والنحويونَ يقولونَ: إنَّهُ لما نقلَ وقعتِ الهمزةُ بينَ أَلفينِ فأُبدلتْ يَاءً: قالوا: وإنَّما "فُعِلَ" ذلكَ بها3 لأَنَّكَ جمعتَ بينَ ثلاثةِ أَلفاتٍ وهذَا المعنى إنَّما يقعُ إذَا كانتِ الهمزةُ عارضةً في الجمعِ وهَذا تقديرٌ قدروهُ لا أَنَّ هَذا الأَصلَ سُمعَ مِنَ العربِ كما قد تأتي بعضُ الأشياءِ على الأصولِ مثل: حَوكةٍ واستحوذَ فَخَطايا وبابُها لم يُسمع فيه إلا الياءُ وأَما "إداوةٌ" فهي "فِعَالةٌ" مثلُ "رِسَالةٍ" وكانَ القياسُ فيها "أَدَائيء"4 مثلُ "رَسَائل" تثبتُ الهمزةُ التي هيَ
__________
1 أن يقال: ساقط في "ب".
2 زيادة من "ب".
3 زيادة من "ب".
4 لم يمكنهم أن يظهروا الواو التي في الواحد ظاهرة، أي: أن أصلها أن تقع بعد الهمزة المكسورة على هذه الصورة: "أدائو" بمنزلة: أداعو، فا نقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فصارت: أدائي "بمنزلة: أداعي: فجرى عليها ما جرى على "خطأ" من تغيير الحركة والقلب.

(3/341)


بَدلٌ مِنْ أَلفِ "إداوةٍ" كما تثبتُ الهمزةُ التي هيَ بَدلٌ مِنْ أَلفِ "رِسَالةٍ" فتنكبوا "أَدَاي" كما تنكبوا "خَطاي" فجعلوا فَعَائِلَ: فَعَائَلَ وأَبدلوا منها1 الواوَ ليدلوا علَى أَنَّهُ قد كانتْ في الواحدِ واوٌ ظاهرةٌ فقَالوا: أَدَاويٌ فهذهِ الواوُ بَدلٌ مِنَ الألفِ الزائدةِ في "إدَاوةٍ" والأَلفُ التي هي لامٌ بَدلٌ مِنَ الواوِ التي هيَ لامٌ في "إدَاوةٍ". ومِمَا يُسأَلُ عَنهُ "سُرِيَّةٌ" ما تقديرُها مِنَ الفعلِ وهَلْ هيَ "فُعَليَّةٌ" أَو"فُعِيلَةٌ" وممَّ هيَ مشتقةٌ والذي عندي فيها أَنَّها فُعْليَّةٌ مشتقةٌ مِنَ "السرِّ" لأَنَّ الإِنسان كثيراَ ما يُسِرُّها ويسترُ أَمْرَها عن حُرَّتِهِ.
وكانَ الأخفشُ يقولُ: إنَّها "فُعِيلَةٌ" [مشتقةُ مِنَ "السرورِ" لأَنَّها يُسَرُّ بها وإنَّما2 حكمنا3] بأَنَّها "فَعْلِيَّةٌ" ولم نَقلْ: إنَّها "فُعِيلةٌ" لضربينِ: لأَنَّ مثالَ "فَعْليَّةٌ" كثيّر نحو: قُمْريةٍ وفُعِيلةٌ قليلٌ نحو: مُرِيقَةٍ.
والضربُ الآخرُ: الاشتقاقُ ومَا يدلُّ عليهِ المعنى لأَنَّ الذي يقولُ إنَّها "فُعِيلةٌ" يُقالُ لَهُ: مِمَّ اشتققتَ ذلكَ فإِنْ قالَ: أَردتُ: ركبتُ سراتَها وسراةُ كُلِّ شيءٍ أَعلاهُ فقدَ ردَّ هذَا أبو الحسن الأخفش فقالَ: ذَا لا يشبهُ لأَنَّ الموضعَ الذي تؤتى المرأةُ منهُ ليسَ هُوَ سراتُها وإنَّما سَرَاةُ الشيء ظهرهُ أَوْ مقدمهُ لأَنَّ أَولَ النهارِ سَرَاتُه وظهرُ الدابةِ: سَرَاتها فهذَا عندي بعيدٌ كمَا قالَ أبو الحسن فإنْ قيلَ: إنَّهُ من "سَرَيْتُ" فهوَ أَقربُ مِنْ أَن يكونَ من "السَّرَاةِ" والصوابُ عندي ما بدأتُ بهِ وأَمَّا "عُلِيّةٌ" فهيَ "فُعِيّلةٌ" ولو كانتْ "فُعْليّةً" لقلتَ "عُلْويّةٌ" وهيَ من "عَلَوتُ" لأنَّ هذِه الواوَ إذا سكنَ ما قبلَها صحتْ كما تنسبُ إلى "دَلوٍ" دَلَوِيٌّ ولكنَّها قلبتْ في "عُلِيّةٍ" لمَّا كانتْ
__________
1 في "ب" هنا.
2 انظر: شرح المفصل 10/ 24-25. وشرح الشافية 2/ 147.
3 ما بين القوسين ساقط في "ب"

(3/342)


"فُعِيَّلَةٌ" مثلُ "مُرِيَّقةٍ" وكانَ الأصلُ "عُلْيُوَة" فأبدلتِ الواوُ ياءً وأُدغمتِ الياءُ فِيَها وكذلكَ كُلٌّ ياءٍ ساكنةٍ بعدَها واوٌ تقلبُ لَها ياءٌ وتدغمُ فيها وقَد مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ. ومِنَ ذلكَ قولهُم1: لا أَدرِ ولَم يكُ ولَم أبلِ وجميعُ هذهِ إنّما حذفتْ لكثرةِ استعمالِهم إيّاها في كلامِهم وإنّما كثر استعمالُهم لهذهِ الأَحرفِ للحاجةِ إلى معانِيها كثيراً2، لأَنَّ: لا أَدري أَصلٌ في الجهالاتِ ويكونُ عبارةٌ عن الزمانِ ولَم أَبلِ مستعملةٌ فيما لا يكترثُ بهِ وهذهِ أَحوالٌ تكثُر فيجبُ أن تكثَر الألفاظ التي يعبرُ بهنَّ عنْها وليسَ كُلُّ ما كثر3 استعمالهُ حُذِفُ فأَصلُ لا أَدرِ: لا أَدري وكانَ حَقُّ هذهِ الياءِ أَنْ لا تُحذفَ إلا لجزمٍ4، فحذفتْ لكثرةِ الاستعمالِ وحَقُّ لم يكُ: لم يكنْ وكانَ أَصلُ الكلمةِ قبلَ الجزمِ "يكونُ" فلمَّا دخلتْ عليها "لَم" فجزمتَها سكنتِ النونُ فالتقى ساكنانِ لأَنَّ الواوَ ساكنةٌ فحذفتِ الواوِ لإلتقاءِ الساكنينِ فوجبَ أَنْ تقولُ: لم يكنْ فلمَّا كثرَ استعمالُها وكانتِ النونُ قد تكونُ زائدةً وإعرابًا في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأَمَّا: لَم أَبل فحقهُ أَنْ تقولَ: لم أُبالِ كَما تقولُ لَم أِرامِ يَا هذَا فحُذفتِ الأَلفُ لغيرِ شيءٍ أَوجبَ ذلكَ إلا ما يؤثرونَهُ مِنَ الحذفِ في بعضِ ما يكثُر استعمالُه وليسَ هذَا مما يُقاسُ عليهِ.
وزَعَم الخليلُ: أَنَّ نَاسًا مِنَ العربَ يقولونَ: لَم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الألفِ كما حذفوا: عُلَّبِطٍ وكذلكَ يفعلونَ5 في المصدرِ فيقولونَ:
__________
1 قولهم: ساقط في "ب".
2 انظر: الكتاب 2/ 392، والمنصف2/ 232.
3 انظر: التصريف 2/ 232، والكتاب 2/ 392.
4 في "ب" بجزم.
5 انظر: الكتاب 2/ 392.

(3/343)


بَالَةٌ: "بَالِيةٌ" كمَا قيلَ في عَافَى: عِافيةٌ. ولم يقولوا: لا أُبَلْ لأَنَّ هَذا موضعُ رفعِ كمَا لم يحذفوا حينَ قالوا: لم يكنِ الرجلُ لأَنَّ هذَا موضعٌ تُحَركُ فيهِ النونُ ومما يشكلُ قولُهم: مِتَّ تَموتُ وكانَ القياسُ أَن يقولَ مَنْ قَالَ: مِتَّ: تَماتُ مثلُ: خَفْتُ تَخافُ ومَنْ قالَ: تَمُوتُ وجبَ1 أَنْ يقولَ: مُتَّ كَما قلتَ: قُمتَ تَقُومُ فهذَا إنّما جاءَ شاذًّا كَمَا قالوا في الصحيح: فَضِلَ يَفْضُل.
قالَ المازني2: وأَخبرني الأَصمعي قالَ سمعتُ عيسى بن عمر يُنشدُ لأبي الأسود3:
ذكرتُ ابنَ عباسٍ ببابِ ابن عَامرٍ ... وما مَرَّ مِنْ عيشي ذكرتُ وَما فَضِلْ4
قالَ: ومثلُ "مِتَّ تَموتَ": دِمْتَ تَدومُ وهَذا مِنَ الشاذِّ ومثلُه في الشذوذِ5: كُدتُ أَكادُ.
__________
1 زيادة من "ب".
2 انظر: التصريف 1/ 256.
3 أبو الأسود: اسمه ظالم بن عمرو الدؤلي الكناني البصري، من سادات التابعين ومن أكمل الناس عقلا، وضع شيئًا من النحو بإرشاد الإمام عليٍّ حين فشا اللحن. وفي القرآن الكريم نقط المصحف الشريف، مات سنة 69هـ، ترجمته في أخبار النحويين/ 10، ومراتب النحويين/ 6.
4 قاله أبو الأسود في عبد الله بن عامر، وعامر أمير البصرة في قصة ذكرها صاحب الأغاني.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 168، والأغاني 11/ 116، والتصريف 1/ 256، والمفصل للزمخشري/ 52.
5 في "ب" من الشاذ.

(3/344)


وزَعِم الأصمعي: أَنَّهُ سمعَ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: لا أَفعلُ ذاكَ ولاَ كَوْداً1، فجعلَها مِنَ الواوِ2.
وقالَ أصحابنا3: إنَّ "لَيْسَ" أَصلُها لَيِسَ نحو: صَيِدَ4 البعيرُ ولَم يقلبوا الياءَ ألفًا لأَنَّهم لم يريدوا أَنْ يصرفوها فيستعملوا مِنْها "يَفْعَلُ" ولا فَاعِلُ ولا شيئًا مِنْ أَمثلةِ الفِعْل فأسكنوا الياءَ وتركوها على حالِها بمنزلةِ "لَيْتَ" ومِنْ ذلكَ "هَمّرِشٌ"5.
قالَ الأخفش: الميمُ الأُولى عندَنا نونٌ لتكونَ من بناتِ الخمسةِ حتَّى تصيرَ في مثالِ "جَحْمَرِشٍ" 6 لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ من بناتِ الأربعةِ علَى هذا النباءِ وأَمَّا "هُمَّقِعٌ"7 فَهما ميمانِ لأنَّا لم نجدْ هذَا البناءَ في بناتِ الخمسةِ وكذلكَ "شُمّخرٌ"8 ندعهُ على حالِه ونجعلهُ من بناتِ الأَربعةِ لأَنَّ الأربعةَ قد جاءتْ علَى هذَا البناءِ نحو"دُبَّخْسٍ9" وكذلك "غُطَمّشٌ"10 مثلُ: عَدَبّسٍ11 وهوَ مِنْ بناتِ الأَربعةِ.
__________
1 انظر التصريف 1/ 357.
2 انظر التصريف 1/ 357.. لا أفعل ذاك ولا كودا، ولا همًا، أي لا أهم ولا أكاد. تقولها لمن يطلب إليك شيئا ولا تريد أن تعطيه.
3 انظر: التصريف 2/ 258.
4 صيد: صيد البعير صيدا إذا كان لا يستطيع الالتفات.
5 همرش: العجوز الكبيرة.
6 جحمرش: العجوز، والمرأة السمجة، والأرنب المرضع، ومن الأفاعي الخشناء.
7 همقع: بضم الهاء وتشديد الميم -الأحمق، الهمقعة: تمر التنضب.
8 شمخر: الرجل الجسيم، المتكبر، وزنه "فعل".
9 دبخس: الضخم. مثل به سيبويه وفسره السيرافي.
10 غُطَمّشٌ: هو الرجل كليل البصر، وأيضا الظالم الجائر وهناك شاعر اسمه الغطمش.
11 عدبس: الشديد الموثق الخلق من الإبل وغيرها.

(3/345)


قالَ: ولو كانتْ منْ بناتِ الخمسةِ وكانتِ الأُولى نونًا لأظهرتَ النونَ لئلا تلتبسَ بمثلَ "عَدَبَّسٍ".
وقال: إنْ صَغَّرْتَ "هَمَّرِشٌ" فالقياسُ أنْ تقولَ: هُنَيمِرٌ لأنّ الأولى كانت نونًا وإن شئت قلتَ: هُمَّيرِشٌ وقلتَ مثلَ هذَا يجوزُ أَنْ يكونَ جمعهُ "هَمَارشَ" لأَنَّ النونَ والميمَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وإنْ لم تكنْ في هذا المكانِ زائدةً فإنّها تشبهُ ما هُوَ زائدٌ فَتُلقَى هَهُنَا.
قَالَ: فإنْ قلتَ: ما لكَ لم تبينْ النونَ في "هَمَّرِشٍ" فلأَنَّهُ لَيسَ لَها مثالٌ تلتبسُ بهِ فتَفصلُ بينَهما.
وقالَ الأخفشُ: كلَمونُ1، مثلُ: زَرَجُونَ2، وَهوَ العنبُ تقولُ: هذهِ كلمونُكَ لأَنَّ هذهِ النونَ مِنَ الأصلِ وهذَا مِنْ بناتِ الأربعةِ مثلُ: "قَرَبُوسٍ"3 ولَمْ تزدْ فيهِ هذهِ الواوَ والنونُ كزيادةِ نونِ الجميعِ.
وحكي [عن] 4 الفَراءِ في قولِهم: ضَرَبَ علَيهم سَايةً أَنَّ معناهُ طريقٌ قالَ: وهيَ فَعْلَةٌ مِنْ "سَوُّيتُ" قلبوا الياءَ ألفًا استثقالًا لسِيَّةٍ فقلبوا الياءَ لأَنَّ قبلَها فتحةً كمَا قالوا: دَويَّةٌ ودَاويةٌ وهذاَ الذي قالهُ الفراءُ يجوزُ أَنْ يكونَ كما قالَ والقياسُ أَنْ يكونَ وزنُ "سايةٍ" فَعْلَةً لأَنَّ الأَلفَ [لا] 5 تُبدلُ إبدالًا مطردًا إلا مِنْ حرفٍ متحركٍ وقدَ مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ.
__________
1 كلمون: العنب.
2 زرجون: الواحدة زرجونة، وهي محركة: صبغ أحمر، الخمر أو قضبانها.
3 قربوس: السرج.
4 زيادة من "ب".
5 زيادة من "ب".

(3/346)


وقالَ محمد بن يزيد1: قولُ سيبويه في "ضَيْوَنٍ"2، إذَا جمعهُ قالَ: ضَياونُ فيصححهُ في الجمعِ كما جاءَ في الواحدِ علَى أصلِه.
وزعمَ أَنَّهُ لو جَمع "أَلبَبَ" في قولِه3: قَدْ عَلِمتْ ذاكَ بناتُ أَلَببه لقالَ "الأَلبَّب"4 فَاعِلّةٌ قالَ: فيقالُ لَهُ: هَلا صححتُه في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ أَو أعللتَ "ضَيْوَنَ" في الجمع كما أعللتهُ وقلت: صححتهُ في الواحدِ شذوذًا فأَردهُ في الجمع إلى القياسِ كما فَعَلْتَ "بألببٍ" 5 ولِمَ فرقتَ بينَهما وقد استويَا في مجيءِ الواحدِ علَى الأَصلِ.
وزعمَ أَنَّهُ إِذَا صغَرَّ أَلْبِب وحَيْوَةً6 وضَيْوَنَ أَعلَّهُنَ وسَوًى بينهَن في التصغيرِ فقالَ "أُلَيّبٌ وضُييَنٌ وحُييَّةٌ". فيقالُ لَهُ: لِمَ استوينَ في التصغيرِ وخالفتَ بينَ "أَلبَب" وبينَهما في الجمعِ، ولِمَ خالفَ بينَ جمعِ "حَيوةٍ" وبينَ تصغيرِها فصححتَ "ضَيْوَنَ" في الجمعِ وأَعللتَها في التصغيرِ وزعَم أَنَّ الواوَ لا تصحُّ بعدَ ياءٍ ساكنةٍ وقد صحَتا في الواحِد في "حَيوُةٍ وضَيْوَن" على الأَصلِ شَاذتينِ فهَلاّ أتبعتهما التصغيرَ أَو رددتَ إلى القياسِ في الجمعِ كما فعلتَ في التصغيرِ كما سويتَ بينَ جمعَ "أَلبَبٍ" وتصغيرهِ في الردِ إلى القياسِ؟
__________
1 انظر: المقتضب 1/ 171.
2 الضيون: السنور الذكر، وهو شاذ من وجهين. صحة الواو، ومجيئه على "فيعل" بفتح العين- وهو بناء يختص به الصحيح. وانظر: الكتاب 2/ 403.
3 من شواهد الكتاب 2/ 403 على فك الإدغام ألببة للضرورة، ولم يشرحه الأعلم، واستشهد به في 2/ 61 فقال: إذا سميت رجلا بألبب من قولك: قد علمت ذاك بنات ألبب. تركته على حاله. وانظر: المقتضب 1/ 171، والمنصف2/ 161. واللسان "ألبب" والخزانة 3/ 392.
4 في الأصل "الأب".
5 في "ب" بالأب.
6 حيوة: اسم رجل.

(3/347)


قالَ: والجوابُ عندي في ذلكَ أَنَّ البابَ مختلفٌ فأَمَّا "ضَيْوَنٌ" فَقَد جُعلَ في الواحدِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ فالوجهُ أَن يجريَ علَى ذلكَ في الجمعِ فيصيرُ: "ضَيَاونُ" بمنزلةِ جَدَاولٍ وأَسَاودٍ وتقولُ في التصغيرِ: ضُيَيِّنٌ علَى ما قالَهُ سيبويه1، لأَنَّ ياءَ التصغيرِ قبلَ الواوِ فيصيرُ بمنزلةِ "أُسَيّدٍ" ولا يكونُ أَمثل منهُ حالًا مَع ما فيهِ قبلَ التصغيرِ ويكونُ جمعهُ بمنزلةِ "أَسَاوِدٍ" ومَنْ قالَ في التحقيرِ: "أُسَيودٌ" فلاَ أَرى بأسًا بأَنْ يقولَ: "ضُيَيْونٌ" لأَنَها عينٌ مثلُها ولا يكونُ إلا ذلكَ لصحتِها. وأَمَّا "أَلبَبُ" فيجبُ أَنْ يكونَ في الجمعِ والتحقيرِ مُبيّنًا جاريًا على الأَصلِ فتقولُ: "أَلاَبِبُ وأُلَيَبَبٌ" فتُجري جمعَهُ علَى واحدِه كما فعلتَ "بضَيْوَنٍ" لا فرقَ بينَهما وكذلكَ تصغيرهُ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ ليسَ لها فيه عَملٌ كَما كانَ لَها في تصغيرِ "ضَيْوَنٍ" فكذلكَ خالفهُ وكانَ تصغيرهُ كجمعِه وأَمَّا "حَيْوَةٌ" فَمِنْ بنات الثلاثةِ والواوُ في موضعِ اللامِ فلا سبيلَ إلى تصحيحِها لأَنَّ أَقصى حالاتِها أَنْ تجعلَ "كَغَزْوةٍ" في التصغيرِ فتقولُ: "حُيَيّةٌ" وجمعُها كجمعِ "فَرْوَةٍ" حَياءٌ تقولُ: "فِرَاءٌ"
وأَمَّا "مَعِيشَةٌ" فكانَ الخليلُ يقولُ: يصلحُ أَنْ تكونَ "مَفْعَلةً" ويصلحُ أَن يكونَ "مَفْعِلةً".
وكانَ أبو الحسن الأَخفش يخالفهُ ويقولُ في "مَفْعُلَةٍ" مِنَ العيشِ "مَعُوشةٌ" وفي "فُعْلٍ" مِنَ البيعِ والعيشِ "بُوعٌ وعُوشٌ" ويقولُ في "أَبيضَ وبِيضٍ": هو"فِعْلٌ" ولكنَّهُ جَمعٌ والواحدُ ليسَ علَى مذهبِ الجمعِ2.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 403.
2 انظر: التصريف 1/ 296.

(3/348)


قالَ أبو عثمان المازني: قولُ الأخفش في "مَعيشةٍ" "مَعُوشةٌ" تَركٌ لقولِه في "مَبيعٍ ومَكيلٍ" وقياسهُ علَى "مَكيلٍ ومَبيعٍ" "مَعِيشةٌ" لأَنَّهُ زعمَ أَنَّهُ حينَ أَلقى حركةَ عِينِ "مَفْعولٍ" علَى الفاءِ انضمتِ الفاءُ ثُمَّ أُبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ لأَنَّ بعدَها ياءً ساكنةً وكذلكَ يلزمهُ في "مَعْيشةٍ" وإلا رجعَ إِلى قولِ الخليلِ في "مَبيعٍ1" وذكرَ لي عَن الفراءِ أَنَّهُ كانَ يقولُ: "مَؤونةٌ مِنَ الأَينِ" وَهوَ التعبُ والشدة فكانَ المعنى: أَنَّهُ عظيمُ التعبِ في الإِنفاقِ علَى مَنْ يَعُولُ2.
قَال أَبو بكر: وهَذا على مذهبِ الخليلِ لا يجوزُ أَن يكونَ: "مَوْؤنةً مِنَ الأينِ" لأَنَّها "مَفْعُلَةٌ" ولو بنى "مَفْعُلَة" مِنِ الأينِ لقالَ: "مَئِينُةٌ" كَما قالَ: "مَعِيشةٌ" وعلَى مذهبِ الأخفشِ يجوزُ أَنْ تكونَ "مؤونةٌ" مِنَ الأينِ إلا أَنَّ أبا عثمان قَد أَلزمهُ المناقضةَ في هَذا المذهبِ3، وَمَوْؤُنَةٌ عندي وَهْوَ القياسُ "مَفْعُلَةٌ" مأْخوذٌ مِنَ "الأَونِ" يقالُ "للأتانِ" إِذا أقربتْ4، وعظمَ بَطنُها: قد "أَوَّنَتْ" وإِذَا أَكلَ الإِنسانُ وشَربَ وامتلأَ بطنهُ وانتفختْ خاصرتاهُ يقالُ: قَد "أَوَّنَ" تأْوينًا. قالَ رؤبةُ:
سِرًْا وَقدْ أَوَّنْ تَأْوينَ العُقُقْ5
__________
1 على قياس الأخفش في "ميعشة" أن يبدل الضمة المنقولة من الياء إلى العين كسرة "معيشة" كما قال الخليل قياسا على "مبيع" وكذلك قياسه على مبيع في "فعل" من البيع أن يقول: "بِيع" كقول الخليل فيبدل من الضمة كسرة كما أن في "مبيع" لأن مبيعا ومعيشة وبيعا كل واحد منها ليس بجمع، فإن كان يقول "معوشة وبوع" يلزمه أن يقول في "مبيع" مبوع فيخالف العرب أجمعين. انظر: المنصف 1/ 298.
2 انظر: المنصف 1/ 301، وشرح الشافية/ 148.
3 انظر: المنصف 2/ 297-298.
4 أقربت: قرب وقت ولادتها.
5 هذا البيت من أرجوزة لرؤبة في وصف المفازة ومطلع هذه الأرجوزة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
وبيت الشاهد هو الرابع والخمسون بعد المئة. وأون: أكل وشرب حتى صارت خاصرتاه كالأونين. أي: العدلين. والعقق: جمع عقوق، وهي الحامل، كرسل مع رسول. وصف أتنا وردت الماء فشربت حتى امتلأت خواصرها، فصار بطن كل منها كالأونين. وانظر: المنصف 2/ 3، والموشح للمرزباني/ 27، والتهذيب 1/ 60، واللسان "أون"، والمحتسب 1/ 214، والديوان/ 108.

(3/349)


وقالَ أَيضًا: "الأَوْنَانِ"1 جَانبا الخرجِ فينبغي أَنْ يكونَ "مَوؤُنَةٌ" مأخوذةً مِنَ "الأونِ" لأَنّها ثقلٌ علَى الإِنسانِ فتكونُ "مَوؤُنةً" مَفْعُلَةً فإنْ قَالَ قائلٌ: إنَّ مَوؤُنةً مَفْعُولةٌ قيلَ لَهُ: فَقُلْ في مَعِيَشةٍ إنَّها مَفْعُولةُ مثلُ: "مَبِيَعةٍ" ومَفعولٌ ومَفعولةٌ لا يكادُ يجيءُ إلا علَى ما كانَ مبنيًا علَى "فَعْلٍ" تقولُ: "بِيعَ" فهوَ مَبِيعٌ وبِعتُ فهِيَ مَبِيعَةٌ وقِيلَتْ فهيَ مَقُولةٌ وليسَ حَقُّ المصادر أَنْ تجيء على "مَفْعُولةٍ" وقَد اختلفَ أَصحابُنا2 في "مَعقولٍ" فقالَ بعضُهم: هَوَ مصدرٌ3، وقالَ بعضُهم: صفةٌ ولَو كانَ "معقولٌ" مصدرًا لا خلافَ فيهِ ما وجَبَ أَن يردَّ إليهِ شيءٌ ولا يقاسُ عليهِ إِذَا وجدَ عنهُ مذهبٌ لقلتِه. ومِنْ هَذا البابِ "أُسطُوانةٌ".
قالَ الأخفش: تَقولُ في "أُسطُوانةٍ" إِنَّهُ فُعْلُوانةٌ لأَنكَ تقولُ: أَسَاطينُ فأَساطينُ فَعَالين كانتْ "أُفْعُلاَنةً" لم يجزْ: أَسَاطينُ لأَنَّهُ لا يكونُ في الكلامِ "أَفاعينُ". وقَد قالَ بعضُ العربِ في ترخيمِ "أُسطُوانةٍ": سُطَينةٌ فَهَذا قولُ مَنْ لغتهُ حَذْفُ بعضِ الهمزِ كَما قالوا: ويلمهِ يريدونَ: وَيْلٌ لأمُهِ.
__________
1 الأونان: العدلان.
2 أي: البصريون.
3 الذي يرى "مفعول" مصدرا هو الأخفش ويحتج بقولهم: خذ ميسورة ودع معسورة، بينما يراه سيبويه صفة.
وانظر: الكتاب 2/ 250، والأصول/ 496.

(3/350)


وقَد قالَ قومٌ علَى قولِ مَنْ قاَلَ: سُطَينةٌ أَنها "أُفْعُلاَنةٌ" وَغُيِّرَ الجَمعُ فَجُعِلَ النونُ كأَنَّها مِنَ الأصلِ كما قالوا: مَسيلٌ وَمُسْلان وهَذا مذهبٌ وَهوَ قليلٌ والقياسُ في نحو هذا أَنْ تكونَ الهمزةُ هيَ الزيادةَ.
وقَد قَالَ بعضُ العربِ "مُتَسَطٍّ" فهذَا يدل على أَنَّ "أُسطُوانَة" أُفْعُوالةٌ وأَشباهها نحو: "أُرجُواَنةٍ وأُقحُوانةٍ" الهمزةُ فيها زائدةٌ لأَنَّ الألفَ والنونَ كأَنَّهما زيدا علَى "أَفْعَلٍ" ولا يجيء في الكلامِ "فُعْلُوٌ" ومَع ذَا إِنَّ الواوَ لو جعلَها زائدةً لكانتْ إِلى جنبِ زائدتينِ وهَذا لا يكادُ يكونُ.
قالَ: وأَمّا مُوسَى فالميمُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ "مُفْعَل" أَكثر مِنْ "فُعْلَى" مُفْعَلٌ يُبنى مِنْ كُلٍّ "أَفْعَلتُ" ويدلُّكَ علَى أَنَّهُ "مُفْعَلٌ" أَنَّهُ يصرفُ في النكرةِ. و"فُعْلَى" لا تنصرفُ علَى حالٍ.

(3/351)


الضربُ الثاني ما قِيسَ على كلامِ العربِ وليسَ من كلامِهم:
هَذا النوعُ ينقسم قسمينِ: أَحدهما: ما بُنيَ مِنْ حروفِ الصحةِ وأُلحقَ بما هُوَ غيرُ مضاعفٍ والقسمُ الآخرُ: ما بُنيَ من المعتلَ بناءَ الصحيحِ ولَم يجىء في كلامِهم مثالُهُ إلا مِنَ الصحيحِ.
النوعُ الأولُ: وهوَ الملحقُ إِذَا سُئلتَ كيفَ تبني مثلَ "جَعْفرٍ" مِنْ ضَرَبَ قلتَ: ضَرْبَبٌ ومِنْ "عَلِمَ" قلتُ: عَلْمَمٌ. ومِنْ ظَرُفَ قلتُ: "ظَرْفَفٌ" وإِنْ كانَ فعلًا فكذلكَ تُجريهِ مَجرى: دَحْرَج في جميعِ أَحوالهِ.
وقالَ أبو عثمان [المازني] 1: المطردُ الذي لا ينكسرُ أَنْ يكونَ موضعُ
__________
1 زيادة من "ب" وانظر: المنصف 3/ 14.

(3/351)


اللام مِنَ الثلاثةِ مكررًا للإِلحاقِ مثلُ: "مَهْددٍ1 وقَرْدَدٍ"2 قالَ: وأَمَّا مثالُ: حَوْقَلَ الرجلُ حَوْقَلةً وَبَيْطَرَ الدابةَ بيطرةً وَسَلْقَيْتُهُ3 وَجَعْبَيتُهُ4 فليسَ بمطردٍ إلا أَنْ يُسْمَعَ.
قالَ: ولكنَّكَ إِنْ سئلتَ عن مثالِه جعلتَ في جوابِكَ زائدًا بإزاءِ الزائدِ وجعلتَ البناءَ كالبناءِ الذي سُئلتَ عنهُ فإِذَا قيلَ لكَ: ابنِ مِنْ ضَرَبَ مثلُ "جَدْوَلٍ" قلتَ: ضَرْوَبٌ ومثلُ "كَوْثَرٍ" قلتَ: ضَوْرَبُ ومثلُ جَيْأَلٍ5 قلتَ: ضَيْرَبٌ وإِنْ كانَ فعلًا فكذلكَ6.
وقَد يبلغُ ببناتِ الأربعةِ الخمسةَ مِنَ الأَسماءِ كما بلغَ بالثلاثةِ الأَربعةَ فما أُلحقَ مِنَ الأَربعةِ بالخمسةِ قَفَعْدَدٌ7، ملحقٌ "بسَفَرْجَلٍ" وهَمَرْجَلٍ8، وقَد يلحق الثلاثةَ بالخمسةِ نحو"عَفَنْجَجٍ9" هُوَ مِنَ الثلاثةِ فالنونُ وإِحدى الجيمينِ زائدتانِ ومثلُ ذلكَ: حَبَنْطَى10
__________
1 الميم في مهدد أصلية، لأنها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة، وكانت مدغمة كمسد ومرد.
2 قردد: المكان الغليظ المرتفع، الأرض الصلبة. وظهر التضعيف، لأنه ملحق بجعفر ولذلك لم يدغم فيهما.
3 سلقيته: إذا ألقيته على ظهره.
4 جعبيته: يقال: جعباه إذا صرعه.
5 جيئل: غير مصروف، الضبع، لأنه اسم لها علم، بمنزلة جعار.
6 انظر: التصريف 1/ 45-46.
7 قفعدد: القصير.
8 همرجل: واسع الخطو.
9 عفنجج: الجافي الأخرق، الضخم الأحمق.
10 حبنطى: قال أبو زيد: الحبنطى غير مهموز، العظيم البطن. وقال غير سيبويه: حبنطأ مقصور مهموز. وزعم الكسائي: أن احبنطيت واحبنطأت لغتان، والحبنطأ مهموز، العظيم البطن، انظر: التصريف 3/ 10، والكتاب 2/ 339.

(3/352)


ودَلَنْطَى1 وسَرندَى2، النونُ والألفُ زائدتانِ لأنكَ تقولُ: حَبِطَ ودَلَظَهُ بيدهِ وسَرَدهُ فهذا مِنَ الثلاثةِ وقالَ جميعُ أَصحابنا إِذَا بنيتَ مِنْ "ضَرَبَ" نَحو: دَحْرَجَ قلت: ضَرْبَبَ حتى يَصِيرَ الحرف أربعة ولا يدغم الباءَ في الباءِ لأنكَ إنما أردت أن تلحقه بوزن دَحْرَجَ ولو أدغمتَ لحركتَ ما كان ساكنًا وسكنت ما كان متحركًا وزَال دليلُ الإِلحاقِ وإِنْ بنيت مِنْ "دَحْرَجَ" مثلُ: سَفَرجلٍ اسمًا زدتَ حرفًا حتى يكونَ خمسةً تقولُ: دَحَرْجَجٌ ولا تكونُ الألفُ ملحقةً أَبدًا إلا أَنْ تكونَ آخرًا نحو: "عَلقَى3"، وتعرفُ أَنَّها ملحقةٌ إِذا رأَيتها منونةً [في كلامِ العَربِ لأَنَّها إِنّما تكونُ للتأنيثِ في نحو: عَطْشَى وَبُشرى فإِذَا لم تكنْ للتأنيثِ كانتْ ملحقةً وكانتْ منونةً نح و"عَلْقًى وَمِعْزَىً" لأَنَّها منونةٌ4] ومِنَ العربِ مَنْ ينونُ دِفْلَى وذِفْرى5، فيجعلهما ملحقتينِ.
واعلَمْ: أَنَّ الواوَ إِذَا انضمَّ ما قبلَها والياءُ إِذا انكسَر ما قبلَها لا يكونانِ ملحقينِ نحو: عَجُوزٍ وعَمُودٍ وسَعيدٍ وقَضِيبٍ وإِذَا كانَ ما قبلَها مفتوحًا نحو: حَوْقَلَ وبَيْطَرَ فهما ملحقتانِ وكذلكَ إِذا سُكِّنَ ما قبلَهما فحكمُها حكمُ الصحيحِ نحو"جَهْوَرٍ" وحِذْيَمٍ6، وأَمَّا المِيمُ والهمزةُ فلا تكادانِ تكونانِ ملحقتينِ إلا قليلًا في7 نحو: زُرْقُمٍ8 وسُتْهُمٍ9 وشَأملٍ10
__________
1 دلنظى: الشديد الدفع، يقال: دلظه بمنكبه إذا دفعه.
2 سرندى: الجريء، يقال: اسرنداه إذا ركبه، وهي سرنداة.
3 علقى: شجر تدوم خضرته.
4 ما بين القوسين ساقط في "ب".
5 ذفرى: الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن.
6 جذيم: قاطع.
7 في: ساقطة في "ب".
8 زرقم: بمعنى الأزرق.
9 ستهم: بمعنى الأستة، وهو الكبير العجز أو الاست.
10 شأمل: الريح التي تهب من قبل الحجر، أو ما استقبلك عن يمينك، وأنت مستقبل أو ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات نعش.

(3/353)


وشَمْأَلٍ1 وَدُلاَمِص2، وأَمَّا التاءُ فتكونُ ملحقةً في نحو: "سَنْبَتَةٍ"3 وعَنْكبوتٍ وجَبَروتٍ4 وبِنْتٍ وأًختٍ إلا أَنَّها في "بنتٍ" وأُختٍ قامتْ مَقامَ حَرفٍ مِنَ الأَصلِ ولا تكونُ السينُ ملحقةً وكذلكَ الهاءُ ولا تكونُ اللامُ ملحقةً إلا في "عَبْدلٍ5" وحدَهُ والنونُ تكونُ ملحقةً في "رَعْشَنٍ"6 و"سِرحانٍ" وأَمَّا حروفُ الأَصلِ فتكونُ كلها ملحقةً نحو: مَهْددٍ وقَعْدَدٍ وَجِلبابٍ وكَوَأْلَلٍ7 واسْحَنْكَك8، فإِذَا وجدتَ شيئًا ملحقًا قد ضعفَ واجتمعَ فيه حرفانِ مثلانِ فلا تدغمهُ فإنَّهُ إِنّما ضعفَ ليبلغَ زِنَةَ ما أُلحقَ بهِ فمثلُ: اسْحَنْكَكَ واقْعَنْسَسَ لا يدغمُ لأَنَّهُ أُلحقَ باحْرنجَمَ وأَمَّا "احمرَّ واصفرَّ" فهوَ مدغمُ لَيْسَ لَهُ شيءٌ مثلُه لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ [وكذلكَ اطمأنَّ مدغمٌ لأَنَّهُ لَيسَ لَهُ شيءٌ مثلهُ لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ] 9 وأَمَّا: مَعَدُّ10 وصُمَلٌّ11 وطِمِرٌّ12، فإِنَّ هذهِ إِنّما أُدغمتْ لأَنَّ
__________
1 شمأل: الريح التي تهب من قبل الحجر كشأمل.
2 دلامص: هو البراق.
3 سنبتة: الدهر والتاء فيه للإلحاق.
4 جبروت: هو التجبر، يقال: فيه تجبر وجبروت.
5 عبدل: في معنى عبد الله، واللام زائدة كزيادتها في هنالك.
6 رعشن: جبان.
7 كوألل: القصير.
8 اسحنكك: الليل: أظلم. والكلام عليه: تعذر.
9 ما بين القوسين ساقط في "ب".
10 معد: موضع رجل الراكب. ويقال: هو اللحم الذي تحت الكتف أو أسفل منه. وقيل: المعدان من الفرس: ما بين رءوس كتفه إلى مؤخرة متنه. ومعد بن عدنان أبو العرب.
11 صمل: شديد.
12 طمر: الثوب الخلق، الفرس الجواد.

(3/354)


الأولَ منها ساكنٌ وبعدَهُ حرفٌ [مثلهُ] 1 فإِذَا التقى حرفانِ مثلانِ والأَولُ منهما ساكنٌ لم يكنْ فيهما إلا الإِدغامَ.
واعلَمْ: أَنَّ النونَ الساكنةَ إِذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ معَ الميمِ والواوِ والياءِ والراءِ واللامِ فإنَّهم يبنونَها في نحوِ2: أُنْمُلةٍ ومُنْيَةٍ وأَنْوَكَ3 لأَنَّهم لو أَدغموها لالتبستْ فَتُوهم السامعَ أَنَّها مِنَ المضَاعفِ وإِنّما قالوا: امّحَى فأَدغموا النونَ لأَنَّ هَذا بناءٌ لا يكونُ إلا "انْفَعَلَ" ولا يكونُ في الكلامِ "افَّعلَ" فيخافُ4 أَن يلتبسَ بهذَا وكذلكَ "انفعل" مِنْ وَجِلْتُ اوَّجَلَ ومِنْ رأيتُ ارَّأَى ومِنْ لَحَنَ الحَّنَ لا تبينُ النون لأَنَّ هَذا موضعٌ لا يخافُ أَنْ يلتبسَ بغيرهِ وتقولُ في مثل: قُنْفَخْرٍ5 مِنْ: عَمِلَ عُنْمَلٌّ6، ومثلُ: عَنْسَلٍ7 مِنْ: بِعْتُ وقُلْتُ: بَنْيَعٌ وقَنْوَلٌ ومثالُ: قِنْفَخْرٍ بِنْيَّعٌ وَقِنوَّلٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ ما كانَ مِنْ قِنْفَخْرٍ بِعِلِكِدٍ8 وتقولُ في مِثْلِ: جَحْنْفَلٍ9 مِنْ عَلِمتُ عَلَنْمَمٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ بِغَطمّشٍ10.
__________
1 زيادة من "ب".
2 في "ب" مثل.
3 أنوك: أحمق، والجمع نوكى أجري مجرى هلكى لأنه شيء أصيبوا به في عقولهم.
4 في "ب" فيخافون.
5 قنفخر: الفائق في نوعه.
6 عنمل: النون زائدة في هذا البناء.
7 عنسل: الناقة السريعة.
8 علكد: العجوز القصيرة، الغليظ العنق، العجوز الداهية. الحقيرة القليلة الخير.
9 جحنفل: الغليظ الشفة.
10 غطمش: الظالم الجائر، اسم شاعر من ضبة.

(3/355)


قالَ الأخفش: ولا تقولهُ مِنْ كَسَرتُ ولا جَعَلْتُ لأَنَّ النونَ تقعُ قبلَ لامٍ أَوْ رَاءٍ فإِنْ بنيتَها ثَقُلَ الكلامُ لقربِ اللامِ والراءِ منها وإِنْ أدغمتَ خشيتَ الالتباسَ ولا تقولُ أَيضًا مثلُ "عَنْسَلٍ" مِنْ شَرَيتُ ولاَ مِنْ عَلِمتُ لأَنَّ النونَ مِنْ مخرجِ الراءِ واللامِ فإِنْ أدغمتَ التبسَ وإِنْ بنيتَ ثَقُلَ وتقولُ في مِثْلِ "عَنْسَلٍ" مِنْ قلتُ وعَمِلتُ: عَنْمَلٌ وقَنْوَلٌ ومِنْ "بِعْتُ" بَنْيَعٌ ولَم يجزِ الإِدغامُ فيلتبسُ قَالَ: وتقولُ في مِثْلِ "كُنْتَأْلٍ مِنْ قَويِتُ" قُنْوَيٌّ تبين النونَ لأَنَّكَ لو أدغمتَها التبستْ "بِفُعّلٍ" مِنْ قَوِيْتُ إِذَا ثقلتَ العينَ واللامَ وكذلكَ مثلُ "كُنْتَألٍ1" مِنْ نَمَيْتُ نُنْمَيٌّ ومَنْ قالَ: نَمَوْتُ قالَ: نَنْمَوُّ ومِنْ حَيِيتُ حُيْيَيٌّ وتقولُ فيماَ كانَ مِنَ المضاعفِ على مثالِ "فَعَلٍ" بغير الإِدغامِ وذلكَ نحو قَصَصٍ مِنْ قَصَّ يَقُصُّ ومثلُه: مَشَشٌ2 وعَسَسٌ3 وتقولُ عَلَى مثالِ4 ذلكَ مِنْ "رَدَدْتُ رَدَد" فإِنْ كانَ المضاعفُ علَى مثالِ: فَعُلٍ وفَعِلٍ لَمْ يقعْ إلا مدغمًا وذلكَ رجلُ صَنفُّ5 الحالِ هُو"فَعِلٌ" والدليلُ على ذلكَ قولُهم: الضَّفَفُ في المصدرِ فهذَا نظيرهُ من غيرِ المضاعفِ الحَذَرُ والرجلُ حَذِرٌ وقَدْ جَاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ قالوا: قَومٌ ضَفِفُو الحالِ فَشذّ هذَا كَما شَذَّ "الحَوكةَ6" وإِنْ كانَ المضاعفُ "فُعَلٌ" أَو"فِعَلٌ" أَو"فُعُلٌ" مِما لا
__________
1 كنتأل: قصير.
2 مشش: داء يعرض للخيل، يقال: مشش الفرس مششًا.
3 عسس: هم الذين يطوفون في الليل من قبل السلطان. وأصل العس: طلب الشيء. يقال منه: عس يعس عسا.
4 مثال: ساقط من "ب".
5 ضف: يقال: قوم ضففو الحال، والضف: شدة المعيشة.
6 الحوكة: جمع حائك. ويقال: مشية حيكى، أن يحرك الماشي أليتيه.

(3/356)


يكونُ مثالُه فعلًا فهوَ علَى الأَصلِ نحو: خُزَرٍ1، وَمِرَرٍ2، وحُضَضٍ3، وحُضُضٍ4، وأَمَّا قولهُم قَصَصٌ وقَصٌّ وهم يعنون المصدرَ فهما اسمانِ:
أَحدهما محركُ [العينِ] 5.
والآخرُ ساكنُ [العينِ] 6 في لغتينِ7.
وأَمَّا قولُ الشِاعرِ:
هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كُمُنْهَاض الفَكَك8.....
فإِنَّهُ احتاجَ فحركَ فجعلَ الفَكَّ الفكَكَ
قاَل9 المازني: فإِذَا أَلحقتَ هذهِ الأشياءُ الأَلفَ والنونَ في آخرِها،
__________
1 خزز: وهو الذكر من الأرانب.
2 مرر: يقال، مر. ومرار ومرر في جمع مرة.
3 حضض يقال: حضض وحضض، لداء معروف.
4 حضض: حضظ-الضاد وبالظاء- مثل حضض. قال المازني: ولا أدري ما صحته. وانظر: التصريف 3/ 91.
5 أضفت كلمة "العين" لإيضاح المعنى.
6 أضفت كلمة "العين" لإيضاح المعنى.
7 أي: بمنزلة غيرهما من غير المضاعف نحو قولهم: نشز ونشز. فكما لا يقال أن نشزا مسكن من "نشز" فكذلك لا ينبغي أن يقال: أن قصا مسكن من قصص، ولكن كل واحد منهما أصل.
8 الشاهد فيه فك الإدغام في "الفكك" وأروى: اسم امرأة. وأروى ماء بقرب العقيق عند الحاجر، وهو لفزارة. وأروى أيضا: قرية من قرى مرو على فرسخين منها. ومنهاض: وصف من انهاض، مطاوع هاض العظم يهيضه هيضا، كسره، والفكك: مصدر من فك يده فكا، إذا أزال المفصل، يقال: أصابه فكك.
والرجز لرؤبة من قصيدة يمدح بها الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان.
وانظر: المنصف 2/ 307، والديوان/ 43.
9 انظر: التصريف 2/ 307.

(3/357)


تركتَ الصدرَ على ما كانَ عليهِ قبلَ أَن تُلحقَ وذلكَ نحو: رَدَدَانَ وإِنْ أَردتَ "فَعُلاَنَ" أَو "فَعِلانَ" أدغمتَ فقلتَ: رَدَّانَ1، فيهما وهوَ أَوثقُ مِنْ أَن تُظهرَ.
قالَ: وكانَ أَبو الحسن الأخفش يُظهر فيقولُ: رَدُدَانُ وَرَدِدَانُ ويقولُ: هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ ولذلكَ يظهرُ ليسلَم البناء2.
قَالَ المازني: والقولُ عندي علَى خلافِ ذلكَ لأَنَّ الألفَ والنونَ يجيئانِ كالشيءِ المنفصلِ أَلاَ تَرَى أَنَّ التصغيرَ لا يُحتسبُ بهما فيهِ كَما لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولاَ بأَلفي التأنيثِ فيحقرونَ "زَعْفَرَانَ": زُعَيفِرَانٌ وَخُنْفَساءَ: خُيَنفَساءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما3، كما يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ. قَالَ: وهذَا قولُ الخليلِ وسيبويه وَهوُ الصوابُ4.
الضربُ الثاني: مِما قيسَ مِنَ المعتلِّ علَى الصحيحِ:
هذَا الضربُ يَنْقسمُ بعددِ الحروفِ المعتلةِ ثلاثةِ أَقسامِ وهيَ: الياءُ والواوُ والهمزةُ ثُمَّ يمتزجُ بعضُها معَ بعض فتحدثُ أَربعةُ أَقسامٍ: ياءٌ وواوٌ ويَاءٌ معَ همزةٍ وَواوٌ معَ همزةٍ واجتماعُ ياءٍ وَواوٍ وهمزةٍ فذلكَ سبعةُ أَقسامٍ.
__________
1 يجعل المازني هنا الألف والنون مزيدتين بعد التغيير في الطرف كزيادة تاء التأنيث بعد التغيير في الطرف. أما التغيير هنا فهو الإدغام، لأن الأصل الفك أما رردان -بالفتح– فقد أبقوه على الأصل مع مقتضى الإدغام لخفة الفتحة.
2 انظر: التصريف 2/ 311.
3 في الأصل "حذفوها".
4 انظر: التصريف 2/ 311.

(3/358)


القِسمُ الأولُ: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الياءِ:
تقولُ: في مثالِ حَمَصِيصَةٍ1، مِنْ رَمَيْتُ رَمَوِيَّةٌ وكانتْ قبلَ أَن تغيرَها رَمَييَّةٌ فاجتمعَ فيها مِنَ الياءاتِ ما كانَ يجتمعُ في رَحَيِيَّةٍ إذا نسبتَ إلى رَحَى فغيرتَ كما غَيرتَ "رَحَى" في النسبِ فقَلبتَ اللامَ الأولى ألفًا ثم أَبدلتَها واوًا لأَنَّ بعدَها ياءً ثقيلةً كياءِ النسبِ فإنْ قلتَ: إنَّ ياءَ النسبِ منفصلةٌ فَلِمَ شَبَّهْتَ هَذَا بهَا فإِنَّهم إذا كرهوا اجتماعَ الياءاتِ2 في المنفصلِ فهم لغيرِ المنفصلِ أَكرهُ أَلا تَرى أَنَّ الهمزتينِ إذا التقتَا منفصلتينِ خلافهما إذا اجتمعتا في كلمةٍ واحدةٍ لأَنَّ الجميعَ مِنْ أَهلِ التحقيقِ والتخفيفِ يجمعونَ على إبْدَالِها إذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ ومَنْ قاَلَ في "حَيَّةٍ" في النسَبِ "حُيَّيٌّ" وفي أُمَيّةٍ: أُمَيِّيٌّ3، فجمعَ بينَ أَربعِ ياءاتٍ لم يَقلْ ذلكَ في "مثلِ" "حَمَصِيصَةٍ" مِنْ "رَمَيتُ" ولَمْ يكنْ فيها إلا التغيرُ وهَذا أَقيسُ. وكانَ الخليلُ وسيبويه وأَبو الحسن الأخفش يَرَوْنَهُ وَهوَ قولُ المازني4، وتقولُ في "فَيْعِلٍ" مِنْ حَيِيْتُ حَيٌّ5، وكانَ الأَصلُ: حَيِيٌّ فاجتمعتْ ثَلاثُ ياءاتٍ الأُولى الياءُ الزائدةُ في "فَيْعِلٍ" والثانيةُ عينٌ والثالثةُ لامٌ فحذفتِ الأخيرةُ كمَا فعلَوا في تصغيرِ أَحوى حينَ
__________
1 خمصيصة: بتحريك الميم وسكونها– بقلة رملية حامضة تجعل في الأقط.
2 في الأصل "الياءان" والتصحيح من "ب".
3 قال سيبويه 3/ 393: ومن قال في النسب إلى أمية: أميي، وإلى حية: حيي، تركها على حالها.
4 انظر التصريف 2/ 273-274 والكتاب 2/ 393.
5 أصل هذا "حيؤ" فقلبت الواو الأولى ياء لوقوع الياء قبله ساكنة. وقلبت الآخرة لانكسار ما قبلها فصار في التقدير "حييا" فكرهوا اجتماع ثلاث ياءات والوسطى مكسورة، فحذفوا الآخرة لضعفها، فصار حيا. وانظر: الكتاب 2/ 393، والتصريف 2/ 280.

(3/359)


قالوا: أُحَيٌّ فحذفوا استثقالًا للجمعِ بينَ هذهِ الياءاتِ الثلاثِ التي آخرُها لامٌ قبلَها كسرةٌ وتقولُ في فَعُلانٍ من حَيِيتُ: حَيُوانٌ فتقلبُ1 الياءَ التي هيَ لامٌ واوًا لانضمامِ ما قبلَها ومَنْ أسكنَ قالَ: حَيْوَان "كما يقولُ إذَا أسكنَ" "لَقَضْو2 الرجلُ" لا يغيرُ لأَنَّ الإِسكانَ لَيْسَ بأَصلٍ فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ تُقلبِ الياءُ مِنْ حَيوانٍ ألفًا وهيَ عينٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ قيلَ: إذا أُعْلتِ اللامُ لَمْ تُعل العينُ والواجب إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لأَنَّ اللامات متى لم تدخلْ عليها الزوائدُ كانتْ أَطرافًا يقعُ علَيها الإِعرابُ ويلحقُها التغيرُ أَيضًا إذا دخلتْ علَيها الزوائدُ.
وقالَ الخليلُ: أَقولُ في مثلَ "فَعَلانَ" مِنْ حَيِيتُ: حَيَّانُ3، وتسكنُ وتدغمُ إنْ شئتَ ويقولُ في مِثَالِ "مَفْعُلةٍ" مِنْ "رَمَيتُ": مَرْمُوةٌ إذا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذَا بنيتَها علَى التذكيرِ4، ومعنى قولي: بنيتَها علَى التأنيثِ أَي: لا يقدرُ فيها التذكيرُ قبلَ الهاءِ ثُمَ تدخلُ الهاءُ إنّما تجعلها في أَولِ أَحوالِها وَقَعتْ وصَيغِتْ مَع الهاءِ فإنْ قَدرتَ [أنَّ] 5 التذكيرَ سبقَ ثُمَ أدخلتَ الهاءَ للتأنيثِ فلا بُدُّ مِنَ الإِعلالِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ يكونَ اسمٌ آخرهُ واوٌ قبلَها ضمةٌ والدليلُ عَلى أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا
__________
1 في الأصل "فثقلت" والتصحيح من "ب".
2 لقضو الرجل: إن لفظ حيوان "أخفي من لفظ" لقضو" لأن هذا فيه سكون الياء قبل الواو. وليس في "لقضو الرجل" شيء من شأنه إذا سكن ما قبل الواو أن تقلب الواو له، وإنما هو الضاد. والضاد لا يمتنع سكونها قبل الواو.
وانظر: الكتاب 2/ 382.
3 انظر: التصريف 2/ 287، وفي سيبويه وقتول في: "فعلان"- بضم العين – من حييت، حيان، تدغم "فعلان" من "رددت" الكتاب 2/ 394.
4 في الأصل "التنكير" والتصحيح من "ب".
5 زيادة من "ب".

(3/360)


يقلبُ فيها الواوُ قراءةُ الناسِ: خُطُواتِ1 لأَنَّهُ إنما عَرَض التثقيلُ في الجمعِ ولم تكنِ الواحدةُ مثقلةً ومَنْ ثقلَ "خُطُواتٍ" لزمهُ أَنْ يقولَ: في كُلْيةٍ كُلُواتٌ2، لأَنَّ الياءَ انضمَّ ما قبلَها وَهوَ موضعٌ تثبتُ فيهِ الواوُ لأَنَّها غيرُ طَرفٍ ولكنَّ العربَ لا تقولهُ لأَنَّ لَهُ نظيرًا مِن غيرِ المعتلِّ لا يحولُ في أَكثرِ كلامِ العربِ نح و"ظُلْماتٍ" والرُّسْلِ فألزمَ هذَا الإِسكانَ إذْ كانَ غيرُ المعتلِّ يسكنُ ولكنْ مَنْ قالَ "مِدْيةٌ" في "مُديةٍ" فَلا بأَسَ بأَنْ يقولَ: مِدِيَاتٌ3، لأَنَّهُ لا يلزمهُ قَلْبُ شيءٍ إلى شَيءٍ والإِسكانُ أَكثرُ في الياءِ والواوِ لإستثقالِهمِ الحركةَ فِيهما ومَنْ قَالَ: رِشْوَةٌ ثُمَ جَمعَ بالتاءِ فحركَ فقياسهُ رِشِيَاتٌ كما يلزمهُ أَنْ يقلبَ الياءَ في كُلْيةٍ واوًا إذَا انضمَّ ما قبلَها كذا يلزمهُ أَنْ يقلبَ الواوَ ياءً إذا انكسرَ ما قبلَها للجمعِ في "رِشْوَةٍ" كمَا كانَ قَائلًا في "كُليةٍ" كُلُواتٌ ولكنَّ هذَا متنكبٌ4 كمَا كانُ تثقيلُ كُليةٍ متنكبًا.
وقالَ الأخفشُ: تقولُ في "مَفْعُلةٍ" مِنْ "رَميتُ" [مَرموةٌ إذَا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذا بنيتَها علَى التذكيرِ] 5 كمَا تقدمَ مِنْ قولِنا مثلُ "عَرْقُوةٍ" وفُعْلُلَةٌ مِنْ "رَميتُ" رُمْيُوَةٌ وَفُعْلَةٌ مِنْ "قَضَيْتُ وَرَمَيْتُ" إذَا لم تبنهِ علَى تذكير "قُضُوَةٌ وَرُمُوَةٌ إنْ بنيتَهُ على تذكيرٍ قَلتَ: رُمْيَةٌ. وفَعَلانٌ مِنْ "رَمَيْتُ" رَمَيَانُ كمَا قلتَ: رَمَياَ. وتقولُ في فِعْلاَلةٍ مِنْ رَميتُ: رِمْيَايةٌ ومِنْ "حَيِيْتُ" حِيايَّةٌ وإذَا كانتْ علَى تذكيرٍ همزتَ وتقولُ في "فِعْلِلَةٍ" مِنْ
__________
1 يشير إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} البقرة: 168 وفي آية أخرى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الأنعام: 142.
2 انظر: الكتا ب 2/ 394.
3 أي: كما قلت في "خطوة" خطوات، لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة.
4 تنكبوا هذا فرارًا من أن يصيروا إلى ما يستثقلون فألزموها التخفيف.
5 ما بين القوسين زيادة من التصريف 2/ 287، لأن المعنى يقتضيها.

(3/361)


"رَميتُ" رِميِيةٌ قالَ1: وتقولُ في "فَعَلانٍ" مِنْ حَيِيتُ حَيَيانٌ لا تدغمُ وإنَّما قالتِ العربُ: الحَيَوانُ فصيروا الآخرةَ واوًا لأَنَّهم استثقلوا الياءين وكانَ هذَا البابُ مِما لا يدغمُ فَحولوا الآخرةَ واوًا لئلا يختلفَ الحرفانِ.
قالَ: وتقولُ في "فَعُلانٍ" مِنْ حَيِيتْ: حَيُوانٌ فتبدلُ الآخرةَ واوًا لمَا انضمَّ ما قبلَها.
قالَ: وتقولُ في "فُعُلانِ وَفُعَلانَ": حُيُيَانٌ وحُيَيَانٌ ولا تقلبُ الأُولى واوًا وإنْ كانَ ما قبلَها مضمومًا لأَنَّها في موضعِ العينِ.
قالَ أبو بكر: إنْ كانَ ما حُكيَ عن الأخفشِ مِنْ قولِه2 في "فُعُلانٍ" مِنْ "حَيِيتُ": حُيُيانٌ صحيحًا عَنْهُ فهو غَلَطٌ لأَنُّهُ قَد تركَ قولَهُ في "فَعُلانٍ" حَيُوَانٌ فإنْ احتجَّ عنهُ محتج أَنَهُ كانَ يلزمُ أَنْ يقولَ "حُوُوَانٌ" فتقلبُ الياءين للضمتينِ ثم تقلبُ الواو الأَخيرةَ ياءً وتكسرُ ما قبلَها فلمَّا فَعَلَ ذلكَ وأَعلَّ اللاَّم لَمْ يجزْ أَنْ يعلَّ العينَ رَدَّ الياءَ قيلَ لَهُ: إذَا وجبَ إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لَمْ يتسعْ لنَا هذَا التقديرُ لأَنَّ العينَ كالحرفِ الصحيحِ إذَا كانتِ اللامُ معتلةً وكانَ بعضُ أَصحابِنا مِنَ الحذاقِ بالتصريفِ لا يجيزُ في شيءٍ مِنَ الأبنيةِ أَنْ يجتمعَ واوانِ بينَهما ضمةٌ. وقالَ: أجري هذهِ الأَشياءَ على ما تلفظُ بهِ العربُ فأَنقلُ "فَعُلَ" إلى "فَعَلَ" في "حَيُوانٍ وقَوُوَانٍ" فأَقولُ: قَوِيَانٌ وحَيِيَانٌ فأَمَّا "فُعُلانُ" فأستقبح أَن أبنيَ مثلَهُ لأَنَهُ يخرجُ إلى ما ليسَ في الأسماءِ نحو: فُعِلَ وفُعِلاَنَ فإنْ قالَ قائلٌ: فَلِمَ لا تُدغم قيلَ: لا يجوزُ الإِدغامُ في "فُعُلٍ" و"فُعُلانٍ" لخروجهِ
__________
1 قال: ساقط في "ب".
2 من قوله: ساقط في "ب".

(3/362)


عَنْ مثالِ الفعلِ فالوجهُ أَنْ لا أَبني مثلَ هَذَا كما أَنهُ لو قيلَ لي: كيفَ تبني علَى مثالِ "كَابُلٍ"1 مِنْ "ضَرَبْتُ" لم يجزْ أَن أَبني.
وقالَ الأخفشُ: "أَفْعُلَّةٌ" مِنْ رَمَيْتُ "أَرْمُوَّةٌ" وتقولُ في مثالَ "دُرَجَةٍ"2 مِنْ "رَمَيْتُ": رُمَيةٌ وجميعُ ما ذكرتُ لكَ من هذَا المثقلِ بُنيَ مثقلًا علَى أَنَّ الحرفَ الأولَ منهُ سَاكنٌ وتقولُ في مثلِ "عُرَضْنَةٍ3 مِنْ" رَمَيْتُ: رُمَيْنَةٌ وتقولُ في مثلِ "صَمَحْمَحٍ4" مِنْ "رَمَيْتُ": رَمَيْمًَا وتقولُ في مثلِ "حِلِبْلاَب5" من "رَميتُ": رِمِيْمَاءٌ ولو قالَ قَائلٌ: ابن لي مثلَ بكرٍ مِنْ يَدٍ قلتَ لَهُ: إنَّ العربَ لما أَرادتْ هذَا البناءَ جاءتْ بهِ منقوصًا وإذَا أَتمَمتَهُ فلَيس مِنْ كلامِهم فإنْ أَحبَّ أَنْ تتكلفَ لَهُ ذلكَ لتريهِ كيفَ يكونُ لو تكلموا بهِ قلتَ: يَدْيٌ أثبت الياءَ وأَعربتَ لأَنَّهُ مثلُ "ظَبيٍ" فإنْ قالَ لكَ قَائلٌ: ابنِ لي مِنْ ياءٍ مثلُ "بكرٍ" قلتَ: ليسَ في أَسماءِ العربِ اسمٌ فاؤهُ وعنيهُ ولامهُ من موضعٍ واحدٍ فإن تكلفتَ ذلكَ علَى قياسِ كلامِهم قلتَ: يَيْيٌ يَا هَذا جمعتَ بينَ ثلاثِ ياءاتٍ كمَا فعلتَ ذلكَ في تصغيرِ "حَيَّةٍ" حينَ قلتَ: حُيَيَّةٌ وهيَ في هذَا أَقوى منها في "حُيَييّةٍ" لأَنَّ الياءَ الأُولى في موضعِ الفاءِ وهيَ في تصغير "حَيَّةٍ" في موضعِ العينِ وموضعُ العينِ أَضعفُ مِنْ موضعِ الفاءِ فإنْ قَالَ [قائل] 6: ابنِ من ياءٍ مثال "جَعْفرٍ" قلتَ: "يَيْئَاً" ولَو بنيتَ مثالَ: قُعْدُدٍ لقلتِ: يُيْئُيٌ تحذفُ
__________
1 كابل: موضع، وهو أعجمي.
2 درجة: المرقاة.
3 عرضنة: مشية بها نشاط، ونظرة العرضنة: نظرة بمؤخرة العين.
4 صمحمح: غليظ شديد، والقصير الأصلع.
5 زيادة من "ب".
6 قُعدد: وقَعدد: اللئيم من الحسب.

(3/363)


الرابعةَ وتدعُ ثلاثَ ياءاتٍ ولَو أَردتُ مثلَ "سَفَرجلٍ" أَو مثلَ "صَمَحْمَحٍ" لقلتَ فيهما جَميعًا "يَوَيَّاً" تبدلُ الواوَ.
قالَ الأخفش: لأَنكَ إذَا أبدلتَ الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى مَا قالَ مِمَّا احتجَّ بهِ أَنّهُ لا أَصلَ يرجعُ إليهِ في اجتماعِ الياءاتِ إلا ما جاءَ في النَّسبِ ونحو هذَا إذا وقَعَ في النَّسَبِ قلبوا الياءَ ألفًا ثُمَ قلبوها واوًا فإنْ بنيتَ نح و"جحمرِشٍ"1 مِنَ الياءِ.
قالَ الأخفش: تقولُ: يَيَّوِيٌ ثلاثُ ياءاتٍ ثُمَّ واوٌ ثُمَّ ياءٌ بعدَها واجتمعتِ الياءاتُ الأُول لأَنَّهنَّ لسنَ بأَثقلَ مِنْ بابِ تصغيرِ "حَيَّةٍ" إذا قلتَ "حُيَيَّةٌ".
قالَ: ومثالُ "جَحمرِشٍ" مِنْ حَيِيتُ: "حَيَوَيٌ" تقلبُ إحدى الياءاتِ واوًا لئلا تجتمعَ أَربعُ ياءاتٍ ولم تقلبِ الأُولى والثانيةَ من "حَيِيتُ" لأَنكَ لو قلبتَها كنتَ قد قلبتَ حرفينِ فكانَ قلبُ الحرفِ الرابعِ أَولى لأَنَّكَ إنَّما تَقلبُ حرفًا واحدًا.
قالَ: وتقولُ في مثالِ "قُذَعْمِيلةٍ2 من "قَضيتُ" قُضَوِيَّةٌ لأَنَّها تصيرُ في مثلِ النَّسَبِ إلى "أُمَيّةٍ" فيجتمعُ فيها أَربعُ ياءاتٍ فتحذفُ منهنَّ واحدةً ثُمَ تبدل الأُولى واوًا كمَا قلتَ في أُميَّةٍ: أُمَويٌّ وتقولُ في مثلِ "قُذَعْمِلَةٍ" [وهيَ القصيرةُ] 3 مِنْ "قَضيتُ قُضَيَّةٌ فتحذفُ ياءً وكانَ الأَصلُ "قُضَيِّيةٌ" فتكونُ ثلاثُ ياءاتٍ أَولُها ساكنٌ فحذفوا الآخرةَ كما أَنَّ أَصلَ "مُعَيَّةٍ" إذا صغرتَ: مُعَوِية مُعَيِّيةٌ فحذفوا الآخرةَ وإذَا بنيتَ "فَعُلاً" مِنْ
__________
1 جحمرش: العجوز الكبيرة.
2 قذعملية: قذعمل: القصير الضخم من الإبل.
3 زيادة من "ب".

(3/364)


قَضَيْتُ اسمًا قلتَ: قَضٍ وإنْ بنيْتُه "فَعْلاً" قلتَ: قَضْوًَا وإنَّما قلبتِ الواوَ ياءً في الاسم لأَنَّ الاسم لا يكونُ آخرهُ كذا1، وكذلكَ إنْ بنيتَ اسمًا علَى "فَعِلٍ" مِنْ "قَضَيْتَ" يستوي لفظُ "فَعِلٍ وفَعُلٍ" فإنْ قالَ قَائلٌ: فكيفَ لا تخافُ في هذَا اللبسَ وكيفَ لا تتركُ بناءَ هذَا أصلًا إذا كانَ يلتبسُ كما تركتُ بناءَ "فَنْعَلٍ" مِنْ "ضَرَبْتُ" إذ كانَ يلتبسُ بِفَعَّلَ قيلَ: إنَّ بينَ هذينِ فرقًا لأَنَّ "فَنْعَلَ" مِنْ "ضَرَبْتُ" لا يظهرُ بناؤهُ واضحًا أَبدًا وأَمَّا "فَعُلَ" مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ فَقَدْ يصحُّ إذَا قلتَ "فَعُلَةٌ" ولم تبنهِ على تذكيرهِ2 نحو: رَمُوَةٍ وغَزُوَةٍ وتقولُ هو أَيضًا في الفعلِ فيصحُّ تقولُ: لرَمُوَ الرجلُ ولغَزُوَ الرجلُ وأَنتَ لا تصححُ فَنْعَلَ مِنْ ضَرَبْتُ3 في وجهٍ مِنَ الوجوه.
واعلَم: أَنَّ أَربعَ ياءاتٍ لا يجتمعنَ إلا في لغةٍ رَديئةٍ هذَا عَدِيييُّ وأُمَيَّيٌّ في النَسَبِ إلى "عِدَيِّ" وأُمَيَّةَ وهذَا لا يقاسُ علَيةِ ولا يقولُه إلا قليلٌ مِنَ العربِ. واجتماعٌ ثلاثِ ياءاتٍ مرفوضٌ أَيضًا إذا سكنتِ الأُولى. فأَمَّا إذا سكنَ ما قبلَ الياءِ الأُولى وهنَّ4 ثلاثُ ياءاتٍ فإنَّ ذلكَ في الكلامِ كثيرٌ. نحو: "ظَبِييُّ" ومكان مَحْييٌّ5 فيهِ وإذَا كانتْ ثلاثُ ياءاتٍ فكانتِ الأُولى منهنَّ مكسورة وما قبلَ الأُولى متحركٌ. فإنَّ ذلكَ أَيضًا مرفوضٌ تقلبُ الأُولى منهنَ واوًا نحو: "شَجَوىٍّ ورَحَويٍّ" فإنْ كانتِ الوسطى متحركةٍ والأُولى متحركةٍ وما قبلَها سَاكنٌ فإنَّ ذلكَ متروكٌ في
__________
1 في "ب" هكذا.
2 في "ب" تذكير، بسقوط الهاء.
3 من ضربت: ساقط في "ب".
4 في "ب" وهي.
5 محيي فيه: هو مفعول من "حييت" وكان الأصل "محيوي" لأن العين واو بعدها واو مفعول، وبعد مفعول الياء التي هي لام الفعل.

(3/365)


كلامِهم فإنْ بنيتَ مثلَ "جَحمرِشٍ" مِن "رَمَيْتُ" فالأَصلُ فيهِ أَن تقولَ: رَمْيَيٌّ فتجتمعُ ثَلاثُ ياءاتٍ والميمُ قبلَ الياءِ الأولى ساكنةٌ وهذَا لا مِثْلَ لَهُ.
قَالَ الأخفش: مَنْ جمعَ هذِه الياءات [فإنْ] 1 أَرادَ أَنْ يدغمَ في قولِ مَنْ قالَ: قَتَّلوا فإنَّهُ يقولُ: رَمَيٌّ ياءانِ ويحذفُ الآخرةَ لأَنَّ الأُولى قد سكنتْ قالَ: وما أَرى إذا كانتِ الياء الأُولى والثانيةُ متحركتينِ إلا أَنْ تُلقَى ياء إذا كُنَّ فيهِ2 ثلاثُ ياءات متحركاتٍ لأَنَّ ياءً متحركةً أثقلُ مِنْ ياءٍ ساكنةٍ.
__________
1 زيادة من "ب".
2 فيه، ساقط في "ب".

(3/366)


الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ ويشبهُ ذلكَ "بفُوعِلٍ" مِنْ وَعَدَ إذَا قالَ فيها "وَوُعِدَ" فلاَ يلزمهُ الهمزُ كمَا يلزمهُ الهمزُ إذَا اجتمعت واوانِ في أولِ كلمةٍ لأَنَّ الثانيةَ مدةٌ ومثلُه قولُ الله جَلَّ ثناؤهُ1: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} 2 وجميعُ ذا عن المازني3 وتقولُ في مثل "هِدْمْلَةٍ"4 مِنْ قُلْتُ: قِوَلَّةٌ وتقولُ في مثلِ عَنْكَبُوتٍ مِنْ "بِعْتُ" وقُلْتُ: قَوْلَلُوتٌ وَبَيْعَعُوتٌ فإذا جمعتَ قلتَ: بياعِعٌ وقَوَاللٌ وإن عوضتَ قلتَ: بَيَاعيعُ وقَوَاليلُ ولَمْ تدغم قبلَ العوضِ لأَنَهُ ملحق ببناتِ الأربعةِ [ولَم يعرضْ فيهِ ما يهمز مِنْ أَجلهِ] 5 فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ وتقولُ في مثالِ: اطمَأَنَنْتُ مِنْ "غَزَوْتُ": اعزَوّا6 ومِنْ "رَمَيْتُ" ارْمِيَّا فتبدلُ الطَّرف7 ويقولُ النحويونَ فيها مِنَ القولِ والبيعِ: اقْوَلَّلٌ وابْيَعَّعٌ وإنّما فعلتَ هَذَا بالواوِ والياءِ لأَنَّ هذَا موضعٌ لا تعتلانِ فيهِ ويجريانِ مَجرى غيرهِما8، ويقولونَ فيها مِنَ الضربِ "اضْرَبَّبٌ" يحولونَ الحركةَ علَى اللاّم الأُولى كمَا فَعلوا في "اطمأَنَّ" والذي يذهبُ إليهِ أبو عثمان وهوَ الصوابُ عندي أَن يقولُ: اضْرَبَّبَ فيدعُ الكلامَ علَى أَصلِه إذْ كنتَ تَخرجُ مِنْ إدغامٍ إلى
__________
1 في "ب" جل وعز.
2 الأعراف: 20، ووري: من وارى، وأصله وري.
3 انظر: التصريف 2/ 245.
4 الهدملة: الرملة المشرقة.
5 أضفت هذه العبارة "ولم يعرض فيه ما يهمز من أجله" انظر: التصريف 2/ 259.
6 في التصريف 2/ 263 وتقول في "غزوت": غزويت واغزوا.
7 أن تبدل الطرف ياء.
8 انظر: تصريف المازني 2/ 263.
9 انظر: التصريف 2/ 266: أما الأخفش فكان يقول فيها من: ضرب وأخواته اضربب، بتشديد الباء الآخرة، أي: الجمع بين لامين في الطرف، وابن السراج صوب رأي المازني في هذه المسألة. أما ابن جني في المنصف2/ 267 فقد استحسن رأي الأخفش وقال: وأرى أن أبا عثمان في هذا قد غصب أبا الحسن حقه، لأن اللامان يلتقيان غير مدغمين أولاوهما في الأخرى وذلك نحو قردد وجلبب.

(3/367)


إدغامٍ وإنّما تفعلُ هذَا إذا اختلفتِ اللاماتُ أَلاَ تَرى أَنَّ "اطمأنَّ" لامهُ الأُولى همزةٌ والأُخريانِ مِنْ جنسٍ واحدٍ فلَم يوصلْ إلى الإِدغامِ حتَى أَلقى حركةَ الأُولى علَى الهمزةِ وليسَ ذلكَ في بابِ "ضَرَبَ" لأَنَّ اللامات من جنسٍ واحدٍ فإذَا أَنْتَ غيرتَ لم يخرجك ذلكَ مِنْ أَن يكونَ الاستثقالُ على حالِه كما قالَ سيبويه1 في "فَعَّلَ" مِنْ "رَدَدْتُ" لا أَغيرهُ لأَني لو فعلتُ ذلكَ لصرتُ مِنْ كثرة الدالاتِ إلى مثلِ ما فررتُ منهُ فأقررتُ البناءَ على أصلهِ فكذلكَ هذَا إذا بنيتَهُ علَى مثالِ "اطمأنَّ" تركتَهُ علَى أَصلهِ وحَقُّ هذَا في التقديرِ أَن لا تجعلَ اللامَ الأُولى أَصلًا فتكون قَد جمعتَ بينَ لامينِ زائدتينِ فتجمعُ ما لا يجمعُ مثلهُ وكذلكَ أَيضًا إنْ جعلتَ الآخرةَ أصلًا ولكنْ تجعلُ الأُولى زائدةً ملحقةً والثانيَة أًصلًا والآخرةَ زائدةً وإذَا قلتَ "يَفْعَلُ" مِنْ ارْمياَّ واغْزوَّا قلتَ: يَرْمييُّ2، ولَمْ يَرْمييُّ فاعلَمْ ولَنْ يَرْمِييَّ يا فتى وكذلكَ: يَغْزَوِّي ولَن يَغْزَوِّيَ فاعلَمْ ولَمْ يَغْزَوِّ يا هَذَا فَأَمَّا مثالُ: "اغْدَوْدَنَ" مِن "رَدَدتُ" فإنَّكَ تقولُ: ارْدَوَدَّ تدغمُ لأَنَّ اغدودنَ قد تكررتْ فيهِ الدالُ وهوَ ثلاثي وليسَ بملحقٍ بالأربعةِ لأَنهُ ليسَ في الأربعةِ مثلُ: احْرَوْجَمَ3، فيكونُ: اغْدَوْدَنَ ملحقًا بهِ وتقولُ فيهِ مِنْ وَدِدْتُ ايْدَوَدَّ تقلبُ الواوَ ياءً لانكسارِ ما قبلَها وهيَ ساكنةٌ وتقولُ في "فُعْلُولٍ" مِنْ "غَزوتُ" غُزْوِيٌّ4 تبدلُ الواوَ الآخرةَ ياءً فيصيرُ غُزْوِوْيٌ فتبدلُ الواوَ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 398.
2 انظر: التصريف 2/ 267.
3 احروجم: لا يوجد هذا البناء وإنما الموجود: احرنجم، ومعناه اجتمع.
4 أصل غزوي، غزوو، فقلبت الآخرة ياء لاجتماع ثلاث واوات فصارت غزوويا، ثم أبدلت لهما الواو التي قبلها وأبدلت من الضمة قبلها كسرة فصارت غزويا، كالواو في "غزوى" هي الواو الأولى التي كانت في "غزوو".

(3/368)


الساكنةَ ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي تليها ثُمَ تدغُمها فيها فتصيرُ بمنزلةِ ياءِ النَّسَبِ إلى عَدْوٍ وغَزْوٍ وتقولُ في مَفعُولٍ مِنَ القُوَّةٍ مَقْوِيٌّ وكانَ الأَصلُ: مَقْووٌّ فغيرتَ لاجتماع الواواتِ.
قالَ سيبويه1: تقولُ في "فُعْلُولٍ" مِنْ غَزَوتُ: غُزْوِيٌّ2، وأَصلُها: "غُزْوُوٌّ" فلمَّا كانوا يستثقلون الواوينِ في "عُيِيٍّ" ومَعْدِيٍّ أُلزمَ هذَا بدل الياءِ حيثُ اجتمعت ثلاثُ واواتٍ مَع الضمتينِ في "فُعْلُولٍ" فأُلْزِمَ هذَا التغييرُ كَما أُلزم "مَحْنِيةِ"3 البدَلُ إِذْ غيرتْ في ثِيَرةٍ وسِيَاطٍ ونحوهما وتقولُ في "فُعْلُولٍ" من "قَوِيْتُ": قُوِيٌّ تغيرُ منهما ما غيرتَ مِنْ "فُعْلُولٍ" مِنْ "غَزَوْتُ" وتقولُ في "أُفْعُولةٍ" مِنْ "غَزَوْتُ": أُغْزُوَّةٌ وقَد جاءَ في الكلامِ "أُدْعُوَّةٌ" وقَد تكونُ أُدْعِيَّةٌ علَى أَرضٍ مَسِنيةٍ5، هَذا قولُ سيبويه6.
وتقولُ في "أُفعُولٍ" في "قَوِيْتُ" أُقْوِيٌّ لأَنَّ فيها ما في مَفعُولٍ مِنَ الواواتِ.
وقالَ سيبويه تقولُ في فَعلاَنٍ مِنْ "قَوِيْتُ": قَوَوانٌ وكذلكَ "حَيِيْتُ" فالواوُ الأولى كوا و"عَوِرَ" وقَوَيتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في "نَزَوَانٍ"7
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 292.
2 صار بمنزلة النسب إلى غزو وعدو وما أشبه ذلك.
3 محنية: هي منعطف الوادي حيث ينعرج.
4 انظر: الكتاب 2/ 392-393.
5 مسنية: ومسنوة، اسم مفعول من سنا الغيث الأرض يسنوها إذا سقاها. ومسنى هي الأرض المسقية بالساقية، والسانية الناقة أو البعير، يسقى عليه الماء من البئر.
6 انظر: الكتاب 2/ 393.
7 نزوان: الارتفاع. يقال: نزا ينزو نزوا ونزاء ونزوانا، إذا علا وارتفع.

(3/369)


وصارتْ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لَوَوِيٌّ وَأَحْوَوِيٌّ ولا تدغمُ لأَنَّ هَذا الضربَ لا يدغمُ في "رَدَدْتُ"1.
وقالَ المازني: تصحُّ اللامُ في "فَعَلانٍ" فتقولُ: "قَوَوانٌ" كَما صحتْ في "نَزَوانٍ" وتصحُّ العينُ كما صحتْ في "جَوَلانٍ"2.
وقال سيبويه: تقولُ في "فَعَلانٍ" مِنْ "قَوِيْتُ" قَوَّانٌ وكذلكَ "فَعُلانٌ" مِنْ حَيِيْتُ حَيَّانٌ تدغمُ لأَنَّكَ تُدغمُ "فَعُلاَنَ" مِنْ "رَدَدتُ" وقَد قويتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في "نَزَوانٍ" فصارت بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ.
قالَ: ومَنْ قَالَ: "حَييَّ عَن بَينّةٍ"3، قالَ: "قَوُوانٌ"4.
قال أبو العباس: قَوُوانٌ غَلط يَنبغي إِن لم تُدغمْ أَن تقولَ: "قَوِيَانٌ" فتكسرُ الأولى وتقلبُ الثانيةُ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في أَحدِهما ضمةٌ والأُخرى متحركة.
قالَ: وهَذا قولُ أَبي عُمَرَ وجميعِ أهلِ العلمِ5 قالَ سيبويه: تقولُ في "فَيْعِلاَنٍ" مِنْ حَيِيْتُ وقَوِيْتُ وَشَوَيْتُ: قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّك تحذفُ ياءً هَهُنَا كَما حذفتها في "فَيْعِلٍ"6، يَعني أَنَّكَ لو قلتَ: "فَيْعِلٌ" مِنَ القوةِ لقلت "قَيٌّ" كي لا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَ الأخيرةِ التي هيَ لامٌ ياءٌ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 393-394.
2 انظر التصريف 2/ 282 والجولان، مصدر جال يجول جولا وجولانا.
3 الأنفال: 42.
4 انظر: الكتاب 2/ 394.
5 انظر: المنصف 2/ 282.
6 انظر: الكتاب 2/ 394.

(3/370)


مشددةٌ مكسورةٌ قالَ: فهم يكرهونَ هَهُنَا مَا يكرهونَ في تصغيرِ "شَاويةٍ" في قولهم: رأَيتُ شُوَيّةً1.
قالَ أبو بكر: فجعلَ الألفَ والنونَ نظيرتي الهاءِ لأَنَّهما زائدتانِ كزيادتِها وأَنَّ ما قبلَ الألفِ مفتوحٌ كَما أنَّ ما قبلَ الهاءِ مفتوحٌ وتقولُ في "فُعُلَةٍ" مِنْ: غَزَوْتُ ورَمَيْتُ: غُزُوَةٌ ورُمُوَةٌ فإنْ بنيتَها على "فُعُلٍ" علَى التذكيرِ قلتَ: غُزَيةٌ وَرُمِيَةٌ لأَنَّ مذكرهما: رُمٍ2 وغُزٍ3.
قاَل أَبو بكر: وهوَ عندي قبيحٌ لأَنَّهُ يخرجُ إلى مثالٍ لا يكونُ إلا للفعلِ فأَمَّا "خُطُواتٌ" فلَم يقلبوا الواوَ لأَنَّهم لم يجمعوا "فُعُلَ" ولاَ فُعُلةً جاءت علَى "فُعُلٍ" وإِنّما عَرَضَتْ هذه الحركةُ في الجمع أَلاَ تَرى أَنَّ الواحدة4 خُطْوَةٌ فَخُطوةٌ5 نظيرُ فُعْلَةٍ التي لا مذكَّر لَها ومَنْ قَالَ: خُطُواتٌ بالتثقيلِ فإِنَّ قياسَ ذلكَ أَن تقولَ في "كُلْيةٍ": كُلُواتٍ ولكنَّهم لم يتكلموا إلا بكُلَياتٍ مخففةً فرارًا مِنْ أَنْ يصيروا إلى ما يستثقلونَ ولكنَّهُ لا بأسَ بأَنْ تقولَ في مِدْيَةٍ: مدِياتٌ كَما قلتَ في خُطْوةٍ: خُطُواتٌ لأَنَّ الياءَ مَع الكسرةِ والواوَ مع الضمةِ ومَنْ ثقلَ في "مِدِيَاتٍ" فإِنَّ قياسَهُ أَنْ يقولَ: جِرْوَةٌ6، جِرِيَاتٌ لأَنَّ قبلَها كسرةً وهيَ لامٌ ولكنَهم لا يتكلمونَ بذلكَ إلا مخففًا فِرارًا مِنَ الاستثقال7 والتغييرِ.
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 394.
2 في الأصل "رمى".
3 في الأصل "غزى".
4 في الأصل "الواحد".
5 في الأصل "خطوات".
6 في الأصل "جرو" والتصحيح من "ب".
7 في "ب" الاستقبال، وهو خطأ.

(3/371)


فإِذَا كانتِ الياءُ مَع الكسرةِ والواوُ مَع الضمةِ فكأَنَّكَ رفعتَ لسانَكَ بحرفين مِنْ موضعٍ واحدٍ رفعتَهُ لأَنَّ العملَ مِنْ موضعٍ واحدٍ1، فإِنْ خالفتَ الحركةَ فكأَنَّهما حرفانِ مِنْ موضعينِ متقاربين الأولُ ساكنٌ نحو: "وَتْدٍ" هَذا قولُ سيبويه:2 يريدُ أَنَّ الضمة في "خُطْوةٍ" مَع الواوِ مِنْ مخرجٍ واحدٍ وكذلكَ الكسرةُ مِنْ "مِدْيَةٍ" مَع الياء مِنْ موضعٍ واحدٍ مِنَ الفمِ ولَيْسَت كذلكَ في "جِرْوَةٍ" ومِدْيَةٍ فشبَّه الضمةَ معَ الواوِ والكسرةَ معَ الياءِ بِدَالٍ سَاكنةٍ لقيتْ دَالًا متحركةً فأُدغِمتْ فيها ضرورةً لا بُدَ مِنْ ذلكَ وشبَّه الكسرةَ معَ الواوِ والضمةَ معَ الياءِ بحرفينِ متقاربينِ من مخرجٍ واحدٍ التقيا والأولُ ساكنُ فالنطقُ بهِ ممكنٌ لا ضرورة أحوجتْ إلى إدغامهِ لأَنَّ الإِدغامَ إِنّما هَوَ حرفٌ ساكنٌ لقيَهُ حرفٌ3 مثلُهُ فمتى لَمْ يقفِ المتكلمُ وقَعَ الإِدغام ضرورة.
وقالَ سيبويه: تقولُ في "فَوْعَلَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَوْزَوَّةٌ وأُفْعُلَّةٍ: أُغْزَوَّةٌ وفي "فُعُلٍّ": غُزُوٌّ وفَوْعُلٍّ: غَوَزَوٌّ. وأُفْعُلَّةٌ مِنْ رَميتٌ: أُرميَّةٌ تكسرُ العينَ كما تكسرُها في "فُعُولٍ" إِذَا قلتَ: ثُدِيٌّ ومَنْ قَالَ في [عُتُوٍّ] 4 عُتيٌِّ قَالَ في "أُفْعُلَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ. أُغُزِيَّةٌ5. وتقولُ في "فِعْلاَلةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْواوَةٌ إِذا لَم تكنْ علَى "فِعْلاَلٍ" وتقولُ في مِثْلِ: كوَأْلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَوَزْوًَا ومِنْ قَوِيْتُ: قَوَوًَّا ومِنْ حَيِيتُ: حَوَيًّا وتقولُ في "فِعْوَلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْووٌّ لا تجعلَها ياءً والتي قبلَها مفتوحةٌ أَلا تَرى أَنَّهم لم يقولوا
__________
1 في الأصل "إذا" والتصحيح من "ب".
2 انظر: الكتاب 2/ 395.
3 حرف: ساقط من "ب".
4 أضفت كلمة "عتو" لإيضاح المعنى.
5 انظر: الكتاب 2/ 395.

(3/372)


في "فَعَلٍّ": غَزَيٌّ للفتحةِ كما قَالوا: عُتِيٌّ. وتقولُ في مِثال "عِثْوَلٍّ"1 مِنَ القوةِ: قِيَّوٌّ وكانَ الأصلُ: قِيْوَوٌّ ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ ياءً كما قلبتَها في "سَيّدٍ". وتقول. في مثلِ: حِلِبْلابٍ مِنْ "غَزَوْتُ" ورَمَيْتُ: غِزِيزاءُ وَرِميَماءُ كسرتَ الزايَ والواوَ ساكنةٌ وقلبتَها ياءً. وتقولُ2 في "فَوْعَلَّةٍ" من أَعْطَيْتُ: عَوْطَوَّةٌ علَى الأصلِ لأَنَّها مِنْ "عَطَوْتُ" وتقولُ في "فَعِلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَزٍ تلزمُها البدلَ إِذَا كانْتُ تُبدلُ وقبلَها الضمَّة فَهي هَهُنَا بمنزلةِ مَحِنيَةٍ. وتقولُ في "فَعْلُوَةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَزْوِيَةٌ وكانَ الأصلُ: "غَزْوُوَةٌ3" فقَلبتَ الأخيرةَ وكسرتَ ما قبلَها لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ الأُولى مَضمومةٌ ولكن إِذَا كانتْ واوٌ واحدةٌ قبلَها ضمةٌ قَد ثبتتْ إِذَا لم تَكنْ طَرفَ اسمٍ نحو: عَرْقُوةٍ جعلت الواو في "سَرُوَ وَلَغْزُوُ4، لا تَرى أَنَّ "فَعَلْتُ" في المضاعفِ مِنَ الواوِ لم يستعملْ لَم يقولوا: قَوَوْتُ مِنَ القوةِ وأَلزموهُ "فَعِلْتُ" لتنقلبَ الواوُ ياءً وأَمَّا "غِزَوٌّ" فلمَّا انفتحتِ الزايُ صارتِ الواوُ الأولى بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ وصارت بمنزلةِ وا و"قَوٍّ" هَذا لَفظُ سيبويه5. وتقولُ في "فَيْعَلى" من غَزَوْتُ غَيْزَوَى لأَنَّكَ لَمْ تلحقِ الألفَ "فَيْعَلاً" ولكنَّكَ بنيتَ الاسمَ عَلَى هَذا أَلا تَراهم قَالوا: مِذْروانِ6 إِذْ كانوا لا يفردونَ الواحد7 فهوَ في "فَيْعَلَى": أَجدرُ لأَنَّ هذهِ الألفَ لا تلحقُ اسمًا بُنيَ على التذكيرِ.
__________
1 عثول: وعثوثل: الشيخ الثقيل. والقدم المسترخي، وقيل: قثول، مثل: عثول.
2 وتقول: ساقط في "ب".
3 انظر: الكتاب 2/ 396.
4 في الأصل "يغزو".
5 انظر: الكتاب 2/ 396.
6 مذروان: قيل: أطراف الإليتين ليس لهما واحد.
7 في "ب" واحدا.

(3/373)


وقالَ الأخفش: إِذا اشتققتَ مِنْ "وعَدتُ" اسمًا علَى "أَفْعَلَ" مثلَ "يزيدٍ" في العلةِ قلتَ: هَذا عِدٌ وإِن أَردتَ اسمًا علَى حَدِّ "أَبْيَنَ" قلتَ: أَيْعَدٌ وكذلكَ "يَفْعِلُ": يَوْعِدُ.
قالَ أبو بكر: قولهُ: اشتققتَ اسمًا على "أَفْعَلَ" إِنْ لم يردْ بهِ أَنَّه سَمى1 بالفعلِ بعدَ أَنْ أَعلَّ كما سَمى "بيزيدَ" وإلا فالكلامُ خَطأٌ لأَنَّ هَذا البناءَ لا يكونُ إلا للفعلِ أَعني: عِدْ ولَو سميتَ "بقُمْ" لقلتَ: هَذا قُوْمٌ لأَنَّ الواوَ إِنَّما كانت تسقطُ لإلتقاءِ الساكنينِ فلمَّا وجبَ الإِعرابُ وتحركتِ الميمُ ردتِ الواوُ فإِنْ سميتَ بالمصدرِ مِنْ وَعَدْتُ قلتَ: عِدَةٌ ومن "وَزَنْتُ" زِنّةٌ فإِنْ أَردتَ أَنْ تبنيَ "فِعْلَةً" ولا تَنوي مصدرًا قلتَ: وِعدَةٌ وَوزنَةٌ وأَما "وجْهَةٌ" فإِنَّهُ جاءَ علَى الأصلِ ولم يَبنِ علَى "فِعْلٍ".
قالَ الأخفشُ: وأَمَّا قولُهم: الدَّعَةُ والضَّعَةُ وفي الوَقَاحِ: هَذا بَيِّنُ القَحةِ فكل شَاذ فالذينَ قَالوا: الضِّعَةُ2 والقِحَةُ3 أخرجوهُ علَى فِعْلَةٍ ونقصوهُ لعلةِ الواوِ وإِنَما يقولونُ في الوضيعِ: قَدْ وَضَعَ يَوضُعُ ولكنَّ المصدرَ لا يجيءُ على القياسِ وتقولُ في "فَوْعَلٍ" مِنْ وَدَدْتُ: أَوْدَدَ وكانَ الأصلُ: وَوْدَدَ فأُبدلتِ الأُولى همزةً لاجتماع الواوينِ4 في أول
__________
1 في الأصل "سما" والتصحيح من "ب".
2 الضعة: خلاف الرفعة في القدر والأصل، وضعة، حذفوا الفاء على القياس، كما حذفت من عدة وزنة، ثم أنهم عدلوا بها عن "فعلة" فأقروا الحذف على حاله، وإن زالت الكسرة التي كانت موجبة له فقالوا: الضعة فتدرجوا بالضَّعة إلى الضِّعة وهي وضعة كجفنة وقصعة. انظر: اللسان.. "وقح".
3 القحة: التوقيح، أن يوقح الحاضر بشحمة تذاب حتى إذا تشيطت الشحمة وذابت كوي بها مواضع الحفاء والأشاعر.
4 زيادة من "ب".

(3/374)


الكلمةِ وتقولُ في المَفعُولِ: مُوَودَدٌ ولا تدغمُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولا تهمزُ كَما تهمزُ "فَوْعَلَ" لأَنَّ الواوَ ليستْ أَولَ الكلمةِ1، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ يقولُ: أَعِدُ يَقولُ: مَوْعودٌ ولا يبنيهِ2 عَلَى "أُعِد" لأن تلكَ العلةَ قد زَالتْ وهيَ أَنَّ الواوَ مضمومةٌ.
قالَ: الأخفشُ: وليسَ كُلُّ مَا غُيِّرَ "فُعِلٌ" منهُ غُيّرَ المفعُولُ منهُ ألا تَرَى أنَّهم يقولونَ: غُزِيٌ ودُعِيٌ ثُم يَقولونَ: مَغْزوٌّ ومَدعُوٌّ وتقولُ في "فَيْعُولٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَيْزُوٌّ مِثْلُ: مَفْعُولٍ منهُ إِذا قلتَ: مَغْزُوّ3 وفَيْعُولٌ مِنْ قَوْيتُ: قَيُّوٌّ تقلبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في "مَفْعُلَةٍ" مِنْ قَوِيْتُ: مَقْوِيَةٌ تقلبُ الأخيرةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ وَاوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في [مِثَالِ: عَرْقُوةٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَزْوِيَةٌ لئلا يجتمعَ واوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ4 في] "فُعْلَةٍ" مِن غَزَوْتُ: غُزْيَةٌ إِنْ بنيتَها على تذكير فإِنْ لم تبنِها على تذكيرٍ قلتَ: غُزُوَةٌ لأَنَّهُ غيرُ منكرٍ أَنْ يكونَ في حَشوِ الكلمةِ واوٌ قبلَها ضَمةٌ وإِنَّما يتنكبُ ذلكَ إِذَا كانتْ طَرفَ اسمٍ وتقولُ في مثلِ: مَلَكوتٍ مِنْ غَزَوْتُ وَقَضَيْتُ: غَزَوتٌ وقَضَوْتٌ وكانَ الأصلُ: غَزَوُوتٌ فقلبتَ الواوَ التي هيَ لامٌ ألفًا لأَنَّها "فَعَلُوتٌ" فالتقى ساكنانِ فحذفتِ الألفُ لإلتقاءِ الساكنينِ وكذلكَ عَمِلْتُ في "قَضَوُتٍ" وتقولُ في "فَعْلاَلةٍ" مِن غَزَوْتُ وقَوِيْتُ: غِزْوَاوَةٌ وَقِوَّاوَةٌ إِذَا لَم يكنْ علَى تذكيرٍ فإِنْ كانتْ على تذكيرٍ همزَتها فقلتَ: قَوَّاءةٌ
__________
1 في "ب" كلمة.
2 في "ب" فلا.
3 إنما صار بمنزلة مغزو، لأن قبل لامه واو "فيعول" فهي نظية واو مفعول.
4 ما بين القوسين ساقط في "ب".

(3/375)


وغِزَوّاءةٌ1 وتقولُ في مثالِ: كَوَأَلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَوَزْوًَا ومن "قَوِيْتُ" علَى مذهبِ الأخفشِ: قويًَّا وعلَى مذهبِ2 غيرِه: قَوَوّاً3 تجمعُ بينَ ثلاثَ واواتٍ كما فعلَ ذلكَ في "افْعَوعَلَ" مِنْ: قُلْتُ فقالَ اقْوَوَّلَ والأخفشُ يقولُ: اقْوَيَّلَ4. قَال أبو بكر5: والذي أَذهبُ إِليهِ: القلبُ والإِبدالُ كَما فَعلَ الأخفشُ لأَنّي وجدتُهم يقلبونَ إِذا اجتمعتْ واوانِ وضَمةٌ فإِذَا اجتمعت ثَلاثُ واواتٍ فهيَ أثقلُ لأَنَّ الضمةَ بعضُ واوٍ6، والكلُّ أُثقلُ مِنَ البعضِ وتقولُ في "فِعْليَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْوِيّةٌ ومِنْ قَوِيْتُ: قَوِيَّةٌ.
وقالَ الأخفش: تقولُ في "فِعْلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْيٌ لا تكونُ فيه إلا الياءُ لانكسارِ ما قبلَها.
وقال بعضُ أصحابِنا:7 لا أَقولَ إلا غِزْوٌ فأَمَّا مذهبُ الأخفشِ فإِنَّهُ أَبدلَ الواوَ الأُولى الساكنةَ لكسرهِ ما قبلَها ثُمَ أَدغَمها في الأُخرى فقلبَها ياءً أَو يكونُ أَبدلَها لأَنَّها طَرفٌ قبلَها كسرةٌ وحجةُ مَنْ لم يبدلْ أَنْ يقولَ: المدغمُ كالصحيح ولا يكونُ8 قَلبُ9 الأُولى ياءً لأَنَّها غيرُ منفصلةٍ مِمّا بعدَها وإِنَما وقعتاَ معًا مشددةً وإِذَا كانتْ مشددةً فهيَ كالحرفِ الصحيحِ
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 395.
2 في "ب" قول بدلا من "مذهب".
3 انظر: الكتاب 2/ 396.
4 انظر: التصريف 2/ 244، والمقتضب 1/ 187. وابن السراج يذهب إلى صحة مذهب الأخفش، وكذلك ابن جني.
5 قال أبو بكر: ساقط في "ب".
6 في "ب" الواو.
7 أي: البصريون. قال سيبويه 2/ 396: وتقول في "فعل" من غزوت: غزا لزمتها البدل، إذ كانت تبدل وقبلها الضمة فهي هَهُنَا بمنزلة محنية.
8 في "ب" يجوز.
9 قلب: ساقط في "ب".

(3/376)


القسمُ الثاني: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الواوِ:
تقولُ في مثلِ: اغْدَوْدَنَ1 مِنْ قلتُ: أقْوَوَّلَ تكررُ العينَ وهيَ واوٌ وتجعلُ واوَ افعَوعلَ الزائدةَ بينهما وهيَ ساكنةٌ [فتدغمُها في الواوِ التي بعدَها وكانَ أَبو الحسن الأخفش] 2 يقولُ: أقوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ3 الآخرةَ [ياءً] 4 ثُمَ يَقلبُ لهَا [الواوَ] 5 التي تَليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ [واوات] 6، وإذَا قلتَ "فُعِلَ" منْ هذَا قلتَ: "أُبْيُويعٌ وأُقْووُلَ" فلم تدغم لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن: اقْوُوِولَ فلا يقلبُ ويقول: صارتِ الوسطى مدةً بمنزلةِ
__________
1 اغْدَوْدَنَ: يقال: اغْدَوْدَنَ النبت إذا طال واسترخى.
2 ما بين القوسين ساقط في "ب".
3 الواو: ساقط في "ب".
4 زيادة من "ب".
5 أضفت "الواو" لتوضيح المعنى.
6 انظر: تصريف المازني 2/ 244.

(3/166)


القسمُ الثالث: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الهمزةِ:
تقولُ فيما فاؤُهُ همزةٌ إِذا ألحقتها همزةً قبلَها نحو: أَخَذَ وأَكَلَ وأَبقَ1 لَو قلتَ: هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا قَلتَ: هَذا آكلُ مِن ذَا تبدلُ الهمزةَ التي هيَ فَاءٌ ألفًا ساكنةً كأَلفِ "خَالدٍ" فإِذَا أَردتَ تكسيرَهُ أَو تصغيرَهُ جعلتَها واوًا فتقولُ في تصغيرِ آدمٍ: أُويدِمٍ وفي تصغيرِ آخرَ: أُوَيخرٍ.
وزعَم الخليلُ2: أَنَّهم حينَ جَعلوا الهمزةَ ألفًا جعلوها كالألفِ الزائدةِ التي في "خالدٍ وحَاتِمٍ" فحينَ احتاجوا إلى تحريكِها فعلَوا بها ما فَعلوا بأَلفِ "خَالدٍ وحَاتِمٍ" حينَ قالوا: خَوَالدُ وحَوَاتمُ قالَ الشاعِرُ:
أَخالد قَدْ هَويتُكَ بعدَ هِنْدٍ ... فَشيبني الخَوَالدُ والهنودُ3
فكذلكَ فعلَوا بألفِ "آدمٍ" حينَ قالوا: أَوادمُ.
قَال المازني: سألتُ أَبا الحسن4 الأخفش عن: هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا،
__________
1 أبق: وتأبق: استخفى، والإباق: هروب العبد من سيده.
2 انظر تصريف المازني 2/ 313.
3 من شواهد سيبويه 2/ 98، على تكسير خالدة على خوالد، وهند على هنود، وخالد مرخم خالدة.
والبيت لجرير من قصيدة طويلة يهجو فيها اليتم. وانظر: التصريف 2/ 314. والمقتضب 2/ 323. والمخصص لابن سيده 17/ 82 وشرح السيرافي 4/ 178. واللسان "هود" وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 83.
4 أبا الحسن: ساقط في "ب".

(3/377)


مِنْ "أَمِّمْتُ" أَي: قصدتُ فقالَ: أَقولُ: هَذا أَوَّمُ مِنْ هَذا فجعلَها واوًا حينَ تحركتْ بالفتحةِ كما فعلَوا ذلكَ في أُويدمٍ.
قالَ: فقلتُ لَهُ: فكيفَ تصنعُ بقولِهم: أيَّمَةٌ أَلاَ تَراها: أَفْعِلَةٌ والفاءُ منها همزةٌ فقالَ: لمَّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياء وقالَ: لو بنيتَ مثلَ "أُبْلُمٍ1" مِنْ "أَممتُ" لقلتَ: أُوَّمٌ أَجعلُها واوًا فسألتهُ: كيفَ تصغرُ أَيِّمةً فقالَ: أُوَيِّمَةٌ لأَنَّها قَدْ تحركتْ بالفتحةِ2.
قالَ المازني: وليسَ القولُ عندي علَى ما قَالَ: لأَنَّها حينَ أُبدلتْ في آدمٍ وأَخواتِه ألفًا ثبتتْ في اللفظِ ألفًا كالألفِ التي لا أصلَ لَها في الفاءِ3، ولاَ في الواوِ فحينَ احتاجوا إلى حركتِها فعلوا بهَا ما فعلوا بالألفِ وأَمَّا ما كانً مضاعفًا فإِنَّهُ تُلْقَى حركتُهُ علَى الفاءِ ولا تُبدلُ همزتُهُ ألفًا ولو أُبدلتْ ألفًا لمّا حركوا الأَلفِ لأَنَّ الألف قد يقعُ بعدَها المدغمُ ولا تغيرُ فتغييرهم أيِّمةً يدلُ على أَنَّها لا تجري مَجرى أَيَّمُ ما تُبدلُ منهُ الألفُ4.
قَالَ:5 والقياسُ عندي أَنْ أَقولَ في: هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا مِنْ "أَمَمْتُ وأَخواتِها": هَذا أَيَّمُ مِنْ ذَا وأُصَغِر أَيمةً: أُيَيِمةٌ ولا أُبدلُ6 الياءَ واوًا لأَنَّها قد ثبتتْ ياءً بدلًا مِنَ الهمزةِ إلا أَنَّ هذهِ الهمزةَ إِذا لم يلزمها تحريكٌ7 فبنيتَ مثلَ "الأُبلُمِ8" مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ: أُوْدُمٌ ومثل "إِصْبَعٍ":
__________
1 في الأصل "ابل" والتصحيح من "ب".
2 انظر: التصريف 2/ 315.
3 في الأصل "ياء" والتصحيح من "ب".
4 انظر: التصريف 2/ 316.
5 أي: أبو عثمان المازني.
6 في المنصف 2/ 318، ولا أبدل الهمزة.
7 أي: أن هذه الهمزة، إذا لم يلزمها تحريك تبعت ما قبلها.

(3/378)


إيدَمٌ ومثلُ أَفْكَلٍ1، فاجعلُها ألفًا إذا انفتحَ ما قبلَها وياءً ساكنةً إِذا انكسرَ ما قبلَها وواوًا ساكنةً إِذا انضمَّ ما قبلَها فإِذَا احتَجْتَ إِلى تحريكها في تصغيرٍ أَو تكسيرٍ جَعَلْتَ كُلَّ واحدةٍ منهنَ على لفظها الذي قَدْ بُنيتْ عليهِ فاترك الياءَ ياءً والواوَ واوًا واقلب الألفَ واوًا كما فعلتْ ذلكَ العربُ في تصغيرِ آدمٍ وتكسيرِهِ2.
قالَ أبو بكر: هَذا مذهبُ المازني والقياسُ عندَهُ3، وأَبو الحسن الأخفش يَرى: أَنَّها إِذا تحركتْ بالفتحةِ أَبدلَها واوًا4.
قالَ أبو بكر:5 والذي أَذهبُ إِليهِ قولُ الأخفش فأَمَّا الذي قالَهُ المازني في: "هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا" "مِنْ" أَقَمْتُ انَّهُ يقولُ: أَيّمٌ مِنْ ذَا وأَنَّهُ يصغرُ أَيَّمةً: أُيَيِمةٌ ففيهِ نظرٌ وقولُ الأخفش عندي أقيسُ لأَنَّها أُبدلتْ ياءً في "أَيّمةٍ" مِنْ أَجل الكسرةِ فإذَا زالتِ العلةُ بَطلَ6 المعمولُ وقولُه: إني أُصغرُ فأَقولُ: أُييِّمةٌ لأَنَّها قَدْ ثبتت في "أَيمةٍ" غير واجبٍ ولَو وجَبَ هذَا لوجب أَن يقولَ في مِيزانٍ: مَيَازين في الجَمعِ ويصغرُ فيقولُ: مُيَيزِينٌ لأَنَّ الياءَ قد ثبتتْ في الواحدِ وليسَ الأمرُ كَذا أَلا تَرى أَنَّهم يقولونَ:
__________
8 الأبلم: جمع أبلمة، وهي خوصة المقل، يقال: المال بيننا شق الأبلمة، ويقال: أبلمة، وإبلمة وأبلمة.
1 أفكل: الرعدة، وجماعة من الناس.
2 انظر: التصريف 2/ 318.
3 انظر: التصريف 2/ 318.
4 انظر: التصريف 2/ 318.
5 قال أبو بكر: ساقط في "ب".
6 في "ب" فبطل.

(3/379)


مِيزَانٌ ومَوَازينُ ومُوَيزينٌ1، لأَنَّهم إِنَّما أَبدلوا الواوَ ياءً في الواحدِ مِنْ أَجلِ الكسرةِ فَقالوا: مِيزَانٌ والأَصلُ مُوَازنٌ لأَنَّهُ مِنْ الوزنِ فلمَّا انفتحتِ الميمُ رجعتِ الواوُ فقالوا: مَوَازينُ لأَنَّ ذلكَ السببَ قَد زالَ والهمزتانِ إِذَا اجتَمعا في كلمةٍ فحقُّ الثانية أَنْ تُبدَل فتقولُ في: أَنا أَفعلُ مِنْ "أَمَمْتُ": أَنا أؤمُّ الناسَ وتقولُ فيها مِنْ أطَ2: أَيِطٌّ وكانَ الأصلُ: أُأْمُمٌ وآطِطٌ فأُدغمتْ وأُلقيتِ الحركةُ علَى الهمزةِ وأُبدلت منها الحرفُ الذي فيهِ حركتُها وكذلكَ "أَيَّمةٌ" كانَ أَصلهُ: أَأَمِمَةٌ. فإِنْ قَالَ قائلٌ: فَلِمَ لَمْ تبدلْ مِنَ الهمزةِ ألفًا كما فعلتَ في "آدم" وهيَ ساكنةٌ مثلُها قبلَها فَتحةٌ كمَا أَنَّ قبلَها فتحةٌ فهلا قَلتَ: أَنا أُأُمٌّ إِذا أَردتَ: أَوَمُّ وآمُّهُ في أيِمّةٍ وهذَا موضعٌ يقعُ فيهِ المدغمُ كَما قالوا: آمَّةُ وهم يريدونَ "فَاعِلةً" قِيلَ لَهُ: الفرقُ بينَ: آمَةٍ وأَيمةٍ أَنَّ الأَلفَ في "فَاعِلةٍ" لا يجوزُ أَنْ تتحركَ لأَنَّها زائدةٌ غير منقلبةٍ مِنْ شيءٍ وإِذا قدرتَ في "أَيِمَّةٍ" القلبَ فصارتْ آمِمَةً فأردتَ الإِدغامَ ساغَ لكَ أَن تُلقِي الحركةَ على ما قبلَ [الميمِ] 4 لأَنَّ الأَلفِ بدَلٌ مِنْ همزةٍ والهمزةُ يجوزُ أَنْ تتحركْ وأَنْ تثبتَ إِذَا لم يكنْ قبلَها همزةٌ وليستْ أَلفُ "فاعِلةٍ" كذلكَ ولاَ أَعلمُ للمازني في ذلكَ حجةً إلا أن يقولَ: إِنَّهُ أبدلتِ الهمزةُ لغير الكسرةِ ويحتجّ بأَنَّها قد تبدلُ ياءً في بعضَ المواضعِ لغير كسرٍ يقولُ في مثلِ "اطْمَأْنَتَتُ" مِنْ قَرَأْتُ: اقْرَأْيَأَتُ،
__________
1 قال ابن جني في المنصف 2/ 322 وأصل الاحتجاج على أبي عثمان بميزان ومويزين لأبي بكر. وإنما زدت أنا بعده هذه الزيادات لأن الكلام اقتضاها، وأكثر منها، فاقتصرت عليها.
2 أطط: صوت.
3 في الأصل: فهل لا.
4 أضفت "الميم" لإيضاح المعنى.
5 في "ب" كسرة.

(3/380)


فيبدلُ مِنَ الهمزةِ الوسطى ياءً لئلا تجتمعَ همزتانِ ويدعُ باقي الهمزِ علَى حالهِ فإِذَا قلتَ: هُوَ1 يَفعلُ قلتَ: هُوَ يَقْرَئْيِ يا فتى2، مثلُ3: يَقْرَعِيْنَ4 فَلم يغيرْهُ ولَمْ يُلقِ حركة الياءِ علَى الهمزةِ لأَنَّ هذَا ليس موضعَ تغييرٍ وقَد فَارقَ حُكم "اطمأنَ" لأَنَّ الحروفَ قد اختلفتْ ووجبَ ذلكَ فيها والهمزة5 أختُ الحروفِ المعتلاتِ فإِذَا كانتْ لامًا مكررةً أُبدلتِ الثانيةُ ياءً وجَرى عليهَا ما يجري علَى ياء "رَميْتُ" ولَو بنيتَ مثلَ "دحْرَجتُ" مِنْ "قَرأتُ" قلتَ: قَرْأَيْتُ ومثلُه مِنْ كلامِ العرَبِ جِاءٍ6، وتقولُ في مِثَالِ "قِمَطْرٍ"7 مِنْ "قَرأتُ": قِرَأْيٌ ومثلُ "مَعَدٍّ":8 قَرَأْيُ فتغيرُ9 الهمزةَ.
قالَ المازني: سأَلتُ أبا الحسن الأخفش وهوَ الذي بدأَ بهذهِ المَقالةِ فقلتُ: ما بالُ الهمزةِ الأُولى إِذَا كان أصلُها السكونَ لا تكونُ كهمزةِ: سأآلٍ وَرَأآسٍ؟ 10 فقالَ: مِنْ قبلِ أَن العينَ لا تجيءُ أبدًا إلا وبعدَها مثلُها واللامُ قد يجيءُ بعدَها لامٌ لَيْستْ مِنْ لفظِها أَلا تَرَى أَنَّ قِمَطرًا و"هِدَمْلَةً" و"سِبْطْرْاً"11 قَد جاءتِ اللامانِ مختلفتين وكذلكَ
__________
1 هو: ساقط في "ب".
2 يا فتى: ساقط في "ب".
3 في "ب" وزن.
4 في "ب" يقرعيع.
5 يري ابن السراج أن حروف العلة أربعة، أحدها الهمزة. وانظر: المنصف 2/ 251.
6 انظر: التصريف 2/ 251.
7 قمطر: وهو الشديد. ومنه قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} الإنسان 10.
8 معد: موضع رجل الراكب.
9 أضفت "فاء" لأن المعنى يقتضيها.
10 رأاس: هو الذي يبيع الرءوس.
11 سبطر: طويل، ممتد، وهو معنى السبط. وقريب من لفظه، الماضي الشهم والأسد يمت عند الوثبة.

(3/381)


جميعُ الأربعةِ والخمسةِ والعينانِ لا تنونانِ كذلك فلذلكَ فرقتُ بينهما1.
قال المازني: والقولُ عندي كَما قَال:
قالَ الأخفش: وقَد ذكروا في "جائي وشائي" أنَّهما يهمزانِ جميعًا فيرفعونه ويجرونه وينصبونَ ويهمزونَ همزتينِ.
قالَ: وقَد سمعناَ مِنَ العرب مِنَ يجمعُ بينَ همزتين فيقولُ: غَفر الله لَهُ خَطَائئه2 وخَطَائيٌ.
قالَ: وهوَ قليلٌ لا يكادُ يعرفُ قال: وإِنَّما أبدلوا في "جَاءٍ وشَاءٍ"3 ولم يفتحوا كما فتحوا في "خَطَائي" لأَنَّ خَطَائي قَد وجدوا لَها نظيرًا من الجمعِ يقولونَ في مَدارٍ: مَدَارَى4 وفي إبلٍ مَعَاي مَعَايا ولم يجدوا في "فَاعلٍ" بناءً قد ذهبَ بهِ إليهِ غيرُ فاعل فيذهبوا بهِ إليه.
وقالَ بعضُهم: إِنَّ همزةَ جِائي هيَ اللامُ وقلبَ العينَ وجعلَها5 بعدَ اللام كمَا قالوا: لاثٍ6 وشَاكٍ7 يريدونَ: شَائِكًَا ولائِثًَا وأَمَّا الذينَ قالوا: شَاكُ السلاحِ فإنَّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبُوها.
__________
1 انظر: التصريف 2/ 252-253.
2 انظر: التصريف 2/ 70 و2/ 57 بوزن خطاععه.
3 أصل: جاء وشاء: جائي، وشائي بوزن: جاعع وشاعع.
4 مدارا: ساقط في "ب".
5 في "ب" فجعلها.
6 لاث: هو الذي قد لاث الشيء، أي: أداره ولاث الشيء: أحاط.
7 شاك: هو ذو شوكة. وأصله: شائك. وهو السلاح.

(3/382)