الفصول المفيدة في الواو المزيدة

5 - فصل الْوَاو الدَّاخِلَة على أول الْكَلِمَة أَنْوَاعهَا

أما الْوَاو الَّتِي تدخل على أول الْكَلِمَة وَلَيْسَت مَعْدُودَة مِنْهَا وَهِي الْمَقْصُودَة بِهَذَا الْكتاب فَهِيَ على أَنْوَاع وَاو الْعَطف وواو الْحَال وواو الْقسم وواو رب وواو الْجمع مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة وواو الصّرْف مثل قَوْلهم
(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله)
فَهَذِهِ السِّتَّة هِيَ الَّتِي يعْمل الْكَلَام عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله
وتجيء أَيْضا زَائِدَة فِي الْجَواب بِحَيْثُ لَو حذفت لما اخْتَلَّ الْكَلَام كَمَا

(1/52)


أنْشد الْفراء
(حَتَّى إِذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناكم شبوا)
(وقلبتم ظهر الْمِجَن لنا ... إِن اللَّئِيم الْعَاجِز الخب)
قَالَ أَرَادَ قلبتم
وَقد تَجِيء كَذَلِك فِي غير الْجَواب أَيْضا قَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ

(1/53)


(فَإِذا وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا حِينه ... وَإِذا مضى شَيْء كَأَن لم يفعل)
قَالَ الْأَزْهَرِي أَرَادَ فَإِذا ذَلِك يَعْنِي شبابه وَمَا مضى من أَيَّام تمتعه
وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ جُمْهُور الْبَصرِيين أَنَّهَا لَيست زَائِدَة وَإِنَّمَا هِيَ عاطفة على مَحْذُوف مُقَدّر
وَسَيَأْتِي تَتِمَّة الْكَلَام فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله

(1/54)


6 - فصل النَّوْع الأول

الْكَلَام على الْوَاو العاطفة

وَهِي إِمَّا أَن تعطف مُفردا على مُفْرد أَو جملَة على جملَة فَإِذا عطفت جملَة على أُخْرَى اشْترط أَن يكون بَينهمَا تناسب يَقْتَضِي الْمُشَاركَة بالْعَطْف فَلَا يحسن أَن تَقول زيد قَائِم وَعَمْرو شَاعِر لعدم الْمُنَاسبَة بَينهمَا إِلَّا أَن يكون ذَلِك جَوَابا لمن أنكر هذَيْن الْحكمَيْنِ أَو شكّ فيهمَا فَتكون قرينَة كَلَامه الْمُتَقَدّم هِيَ الْمُقْتَضِيَة لجَوَاز الْعَطف بَين هَاتين الجملتين
وَقد عيب على أبي تَمام قَوْله
(لَا وَالَّذِي هُوَ عَالم أَن النَّوَى ... صَبر وَأَن أَبَا الْحُسَيْن كريم)

(1/55)


إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين هَاتين الجملتين
وَلِهَذَا قَالَ النُّحَاة فِي الْوَاو الَّتِي تعطف جملَة مُبتَدأَة على كَلَام مُتَقَدم تَامّ إِنَّهَا وَاو الِاسْتِئْنَاف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفا} وَإِن كَانَت صورتهَا صُورَة الْعَطف وَبَعْضهمْ يعدها مُغَايرَة للواوات الْمُتَقَدّم ذكرهَا
وَالصَّحِيح أَنَّهَا وَإِن كَانَت للاستئناف فَلم تخرج عَن معنى الْعَطف وَلَكِن لَا تشرك بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا إِلَّا فِي أصل الْإِخْبَار دون شَيْء آخر فَكَأَن الْقَائِل بعد كَلَامه الْمُتَقَدّم قَالَ وأخبرك أَيْضا بِكَذَا
أما إِذا عطفت مُفردا على مُفْرد فَهِيَ على قسمَيْنِ جَامِعَة مُشركَة وجامعة غير مُشركَة
فَالْأول هُوَ الْأَكْثَر مثل قَامَ زيد وَعَمْرو لِأَنَّك لَو قلت قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو

(1/56)


جَازَ فشركت بِالْوَاو بَينهمَا فِي إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِمَا
وَمِثَال الثَّانِي قَول الْقَائِل اخْتصم زيد وَعَمْرو مِمَّا لَا يكون الْفِعْل فِيهِ إِلَّا للاثنين فَهِيَ جَامِعَة وَلم تشرك الْفِعْل فِي إِسْنَاده إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا بمفرده إِذْ لَو قلت اخْتصم زيد واختصم عَمْرو لم يَصح وَكَذَلِكَ إِذا قلت هَذَانِ زيد وَعَمْرو فالواو فِيهِ جَامِعَة غير مُشركَة لِأَنَّهُ لَا يَصح هَذَانِ زيد هَذَانِ عمر إِذْ لَا يخبر عَن الِاثْنَيْنِ بِوَاحِد بِخِلَاف هَذَانِ ضاحكان وَهَذَانِ قائمان
الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف

وَهَذَا يَسْتَدْعِي الْكَلَام فِي شَيْء اخْتلف فِيهِ أَئِمَّة الْعَرَبيَّة وَهُوَ الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَجُمْهُور الْمُحَقِّقين أَن الْعَامِل فِيهِ الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فاذا قلت ضربت زيدا وعمرا فقد انتصبا جَمِيعًا ب ضربت والحرف العاطف دخل بِمَعْنَاهُ وشرك بَينهمَا وَإِنَّمَا عمل الْفِعْل فيهمَا بِوَاسِطَة حرف الْعَطف
وَحجَّة هَذَا القَوْل اخْتِلَاف الْعَمَل لاخْتِلَاف الْعَامِل الْمُتَقَدّم من رفع وَنصب وخفض وَجزم

(1/57)


وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَأَبُو الْفَتْح بن جني الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف حرف الْعَطف لِأَنَّهُ إِنَّمَا وضع لينوب عَن الْعَامِل ويغني عَن إِعَادَته فَلَمَّا أغنت الْوَاو فِي مثل قَامَ زيد وَعَمْرو عَن إِعَادَة قَامَ مرّة أُخْرَى قَامَت مقَامه فَرفعت مَا بعْدهَا وَكَذَلِكَ فِي النصب والخفض والجزم وَهَذَا اخْتِيَار ابْن السراج أَيْضا
وَاعْترض الْجُمْهُور عَلَيْهِ بِأَن الْحَرْف لَا يعْمل عِنْد الْبَصرِيين حَتَّى يخْتَص وحروف الْعَطف غير مُخْتَصَّة فَلَا تصلح للْعَمَل لِأَنَّهَا تدخل على الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال
وَالْقَوْل الثَّالِث أَن الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف فعل مَحْذُوف مُقَدّر بعد حرف

(1/58)


الْعَطف من جنس الْفِعْل الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وحرف الْعَطف دَال على ذَلِك الْمُقدر
وَذكر ابْن يعِيش أَن هَذَا اخْتِيَار الْفَارِسِي وَابْن جني وَهُوَ الْأَصَح عَنْهُمَا وَاخْتَارَهُ أَيْضا أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي فِي نتائج الْفِكر وَاحْتج عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ وَالسَّمَاع أما الْقيَاس فَإِن مَا بعد حرف الْعَطف لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وَلَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا فِي بَاب الْمَفْعُول مَعَه كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ وَأَيْضًا فَإِن النَّعْت هُوَ المنعوت فِي الْمَعْنى وَلَيْسَ بَينه وَبَين المنعوت وَاسِطَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا يعْمل فِيهِ مَا يعْمل فِي المنعوت فِي أصح الْقَوْلَيْنِ فَكيف بالمعطوف الَّذِي هُوَ غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَبَينهمَا وَاسِطَة وَهُوَ الْحَرْف
وَأما السماع فالاتفاق على أَنه يجوز إِظْهَار الْفِعْل ثَانِيًا بعد حرف الْعَطف

(1/59)


فَتَقول قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو وَضربت زيدا وَضربت عمرا وَمِنْه قَول الْأنْصَارِيّ
(بل بَنو النجار إِن لنا ... فيهم قَتْلَى وَإِن تره)
وَالْمرَاد قَتْلَى وتره ثمَّ أظهر إِن فَدلَّ على ذَلِك
وَاعْترض الْجُمْهُور على هَذَا القَوْل بِأَن الأَصْل عدم التَّقْدِير إِلَّا أَن يقوم دَلِيل وَلَا دَلِيل هُنَا وَبِأَن حذف الْفِعْل بعد الْحَرْف إِنَّمَا كَانَ لضرب من الإيجاز والاختصار وإعماله يُؤذن بإرادته وَذَلِكَ يُنَاقض الْغَرَض من حذفه
وَقَول السُّهيْلي إِن مَا بعد حرف الْعَطف لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله هُوَ عين الْمُتَنَازع فِيهِ فَكيف يَجْعَل دَلِيلا
وَكَذَلِكَ قَوْله إِن الصّفة لَا يعْمل فِيهَا الْعَامِل فِي المنعوت مَمْنُوع بل الْأَظْهر أَنه الْعَامِل فِيهَا هُوَ أولى بِالْعَمَلِ فِيهَا من الْمَعْطُوف وَأما ظُهُور الْفِعْل بعد حرف الْعَطف فَهُوَ فِي حَالَة الظُّهُور غير النَّوْع الأول لِأَن حَالَة ظُهُوره يكون من بَاب عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة وَالْأول من بَاب عطف الْمُفْرد على الْمُفْرد
وَالْفرق بَين المقامين أَنَّك إِذا قلت قَامَ زيد وَعَمْرو كَانَ ذَلِك مقتضيا تَثْنِيَة الدَّعْوَى بقيامهما لَا على وَجه التَّصْرِيح بذلك وَإِذا قلت قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو كَانَ فِيهِ التَّصْرِيح بتثنية الدَّعْوَى بقيامهما لقُوَّة التَّأْكِيد بِإِعَادَة الْفِعْل ثَانِيًا وَحِينَئِذٍ

(1/60)


فليسا على السوَاء
وَمِمَّا احْتج بِهِ الْأَولونَ على عدم تَقْدِير الْفِعْل مَا تقدم فِي مثل اخْتصم زيد وَعَمْرو فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يكون فِيهِ الْفِعْل مُقَدرا بعد الْوَاو لِأَنَّهُ يفْسد الْمَعْنى كَمَا تقدم وَكَذَلِكَ جَلَست بَين زيد وَعَمْرو
والسهيلي رَحمَه الله اسْتثْنى هَذَا الْموضع من جملَة أَنْوَاع الْمَعْطُوف وَجعل الْوَاو فِيهِ تجمع بني الاسمين فِي الْعَامِل فكأنك قلت اخْتصم هَذَانِ وَاجْتمعَ الرّجلَانِ إِذا قلت اخْتصم زيد وَعَمْرو وطرد مَا اخْتَارَهُ من تَقْدِيره الْفِعْل بعد الْحَرْف العاطف فِيمَا عدا ذَلِك
فَيُقَال لَهُ الأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَإِذا تبين فِي هَذَا الْموضع أَن الْعَامِل فِي الْمَعْطُوف هُوَ الْعَامِل فِيمَا قبله فَكَذَلِك فِي سَائِر الْمَوَاضِع لِئَلَّا يخْتَلف الحكم فِي الْعَطف وَهُوَ ظَاهر
وَالْمَقْصُود أَن الْوَاو انْفَرَدت عَن جَمِيع حُرُوف الْعَطف بِهَذَا الْموضع فَإِنَّهُ لَا يَصح اخْتصم زيد فعمرو اَوْ ثمَّ عَمْرو وَلَا هَذَا المَال بَين زيد فعمرو وَكَذَلِكَ بَقِيَّة حُرُوف الْعَطف وَلَا يَجِيء فِي هَذَا الْموضع إِلَّا بِالْوَاو
فَأَما قَول امْرِئ الْقَيْس
(بَين الدُّخُول فحومل)

(1/61)


فَإِنَّمَا عطف بِالْفَاءِ فَإِن الْكَلَام على حذف مُضَاف تَقْدِيره بَين نواحي الدُّخُول
وَمثله قَول الآخر
(رُبمَا ضَرْبَة بِسيف صقيل ... بَين بصرى وطعنة نجلاء)
يُرِيد بَين نواحي بصرى
قَالَ السُّهيْلي وَمَعْرِفَة هَذِه الْوَاو الجامعة أصل تنبني عَلَيْهِ فروع كَثِيرَة مِنْهَا أَنَّك تَقول رَأَيْت الَّذِي قَامَ زيد وَأَخُوهُ على أَن تكون الْوَاو جَامِعَة وَإِن كَانَت عاطفة لم يجز لِأَن التَّقْدِير قَامَ زيد وَقَامَ أَخُوهُ فخلت الصِّلَة من عَائِد يعود على الْمَوْصُول وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} غلب الْمُذكر على الْمُؤَنَّث لاجتماعهما وَلَو قلت طلع الشَّمْس وَالْقَمَر لقبح ذَلِك إِلَّا أَن تُرِيدُ الْوَاو الجامعة وَأما فِي الْآيَة فَلَا بُد أَن تكون جَامِعَة لِأَن لفظ جمع يدل عَلَيْهَا

(1/62)