الفصول المفيدة في الواو المزيدة 7 - فصل الْغَرَض من تكْرَار الْعَامِل فِي
الْعَطف
تقدم الْفرق بَين قَامَ زيد وَعَمْرو وَقَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو وَقد
يكون تكْرَار الْفِعْل لبَيَان أَن قيامهما لم يَقع فِي حَالَة
وَاحِدَة أَو وَقت وَاحِد كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي حَالَة
النَّفْي فَإِن الْوَاو اخْتصّت عِنْده دون حُرُوف الْعَطف فِي حَالَة
النَّفْي بخاصية أُخْرَى غير مَا تقدم فِي اخْتصم زيد وَعَمْرو
وَنَحْوه وَذَلِكَ أَن الْكَلَام يكون بعد دُخُول حرف النَّفْي
عَلَيْهِ كحاله قبل دُخُوله
فَإِذا قلت قَامَ زيد فعمرو ومررت بزيد ثمَّ عَمْرو كَانَ النَّفْي مَا
قَامَ زيد فعمرو وَمَا مَرَرْت بزيد ثمَّ عَمْرو وَكَذَلِكَ
الْبَقِيَّة
قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِلَّا الْوَاو فَإِنَّهُ إِذا قَالَ الْقَائِل
مَرَرْت بزيد وَعَمْرو فإمَّا أَن يكون بني الْكَلَام على فعل وَاحِد
أَو على فعلين فَإِن كَانَ الْكَلَام مَبْنِيا على فعل وَاحِد أَي يكون
مروره بهما وَاحِدًا فَتَقول فِي النَّفْي مَا مَرَرْت بزيد وَعَمْرو
وَإِن كَانَ الْكَلَام مَبْنِيا على فعلين أَي يكون مر بزيد على حِدته
وبعمرو على حِدته لزم تَكْرِير الْعَامِل فَتَقول مَا مَرَرْت بزيد
وَمَا مَرَرْت بِعَمْرو وليزول اللّبْس لِأَنَّهُ إِذا لم يُكَرر
الْعَامِل احْتمل أَنه لم يمر بهما وَلَا بِوَاحِد مِنْهُمَا وَاحْتمل
أَن يُرِيد أَنه لم يمر بهما مَعًا بل مر بِأَحَدِهِمَا فَلَمَّا كَانَ
النَّفْي من غير
(1/63)
إِعَادَة الْعَامِل مسببا إِلَى ذَلِك لم
يجز حذفه وَلم يكن بُد من إِعَادَته
وَقد خَالفه الْمَازِني فِي ذَلِك وَقَالَ لَا يلْزم تَكْرِير
الْعَامِل كَمَا فِي بَقِيَّة حُرُوف الْعَطف وَلِأَن حرف النَّفْي لَا
يُغير مَا بعده عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُوله
وَضعف هَذَا ظَاهر مِمَّا ذَكرْنَاهُ من حُصُول اللّبْس وَأَيْضًا فقد
وجد النَّفْي مغيرا لما دخل عَلَيْهِ عَن حَاله قبل ذَلِك أَلا ترى
أَنَّك تَقول فِي نفي سيفعل لن يفعل وَفِي نفي قد فعل لما يفعل وَفِي
نفي فعل لم يفعل فَإِذا كَانُوا يغيرون مَا بعد حرف النَّفْي عَمَّا
كَانَ عَلَيْهِ مَعَ أَنه لم تدع إِلَيْهِ ضَرُورَة فالأحرى أَن يجوز
ذَلِك إِذا دعت إِلَيْهِ ضَرُورَة وَهُوَ خوف اللّبْس
وَذكر ابْن مَالك أَنه لَا يتَعَيَّن إِعَادَة الْعَامِل فِي النَّفْي
عِنْد بِنَاء الْكَلَام على فعلين بل يَكْتَفِي بِدُخُول لَا بَين
الْوَاو وَمَا بعْدهَا فَتَقول مَا مَرَرْت بزيد وَلَا عَمْرو وَيَزُول
بذلك اللّبْس الْمَحْذُور كَمَا يَزُول بتكرار الْعَامِل
(1/64)
8 - فصل عود الضَّمِير على الْمَعْطُوف
والمعطوف عَلَيْهِ
إِذا تقدم مَعْطُوف ومعطوف عَلَيْهِ وَتَأَخر عَنْهُمَا ضمير يعود
عَلَيْهِمَا وَكَانَ الْعَطف بِالْوَاو لزم عود الضَّمِير على حسب مَا
تقدم من إِفْرَاد وتثنية وَجمع تَقول زيد وَعَمْرو قاما وَزيد وَعمر
وَبكر قَامُوا
وَلَا يجوز أَن تفرد الضَّمِير وتجعله عَائِدًا على الْأَخير إِلَّا
حَيْثُ سمع وَيكون مَا دلّ على الْحَذف من الأول لدلَالَة الثَّانِي
عَلَيْهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه}
فَإِنَّهُ كَانَ الْوَجْه أَن يَجِيء يرضوهما وَلكنه أفرد على تَقْدِير
وَالله أَحَق أَن يرضوه وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه فَحذف الْخَبَر من
الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ وَهُوَ أولى من أَن يَجْعَل
الْمَحْذُوف خبر الثَّانِي لما فِيهِ من التَّفْرِيق بَين الْمُبْتَدَأ
وَخَبره وَلِأَن فِي ذَلِك التَّقْدِير جعل الْخَبَر للأقرب إِلَيْهِ
وَيدل عَلَيْهِ قَول الشَّاعِر
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)
(1/65)
فأفرد رَاض لِأَنَّهُ خبر عَن أَنْت
وَكَانَ الْمُقدر هُوَ الْخَبَر عَن الأول وَلَو كَانَ الملفوظ بِهِ
خَبرا عَن الأول لقَالَ راضون
وَمِنْهُم من جعل أَحَق أَن يرضوه خَبرا عَن الاسمين لِأَن أَمر
الرَّسُول تَابع لأمر الله تَعَالَى وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَائِم عَن الله تَعَالَى كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن
الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} وَهَذَا فِيهِ نظر وَلَا
يَسْتَقِيم مثله فِي قَول الشَّاعِر
(إِن شرخ الشَّبَاب وَالشعر الْأسود ... مَا لم يعاص كَانَ جنونا)
فَإِنَّهُ كَانَ الْوَجْه أَن يُقَال مَا لم يعاصيا وَلكنه أفرد وَحذف
من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ
وَالْمَقْصُود أَن مثل هَذَا يقْتَصر بِهِ على مَا سمع وَلَا يكون
قِيَاسا وَلَيْسَ هَذَا الحكم من إِفْرَاد الْوَاو بل إِذا كَانَ
الْعَطف بحتى فَالْحكم أَيْضا كَذَلِك وَأما إِذا كَانَ الْعَطف
بِالْفَاءِ فَإِنَّهُ يجوز تَثْنِيَة الضَّمِير كَمَا تقدم فِي الْوَاو
وَيجوز إِفْرَاده وَيكون الضَّمِير عَائِدًا إِلَى الثَّانِي وَخبر
الأول مَحْذُوف لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ وَجَاز ذَلِك لِأَن
الْفَاء لما فِيهِ من التَّرْتِيب يَقْتَضِي إِفْرَاد خبر الأول عَن
خَبرا الثَّانِي وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْعَطف بثم لَكِن الْأَحْسَن
إِفْرَاد الضَّمِير لما فِي ثمَّ من المهلة الْمُقْتَضِيَة لفصل خبر
الأول عَن الثَّانِي
وَفِي بَقِيَّة حُرُوف الْعَطف كَلَام لسنا بصدده
(1/66)
|