الفصول المفيدة في الواو المزيدة 9 - فصل دلَالَة الْوَاو العاطفة
اخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَاو العاطفة على مَاذَا تدل وَلَهُم فِي
ذَلِك أَقْوَال الأول
أَنَّهَا تدل على مُطلق الْجمع من غير إِشْعَار بخصوصية الْمَعِيَّة
أَو التَّرْتِيب وَمعنى ذَلِك أَنَّهَا تدل على التَّشْرِيك بَين
الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فِي الحكم الَّذِي أسْند إِلَيْهِمَا من
غير أَن يدل على أَنَّهُمَا مَعًا بِالزَّمَانِ أَو أَن أَحدهمَا قبل
الآخر وَلَا يُنَافِي هَذَا احْتِمَال أَن يكون ذَلِك وَقع مِنْهُمَا
مَعًا أَو مُرَتبا على حسب مَا ذكرا بِهِ أَو على عَكسه وَلَا يفهم
شَيْء من ذَلِك من مُجَرّد الْوَاو العاطفة
وَهَذَا قَول الْجُمْهُور من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول
وَالْفِقْه وَنَصّ عَلَيْهِ
(1/67)
سِيبَوَيْهٍ فِي بضعَة عشر موضعا فِي
كِتَابه
وَنقل أَبُو عَليّ الْفَارِسِي اتِّفَاق أَئِمَّة الْعَرَبيَّة
عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِيه نظر
وَالْقَوْل الثَّانِي
أَنَّهَا للتَّرْتِيب مُطلقًا سَوَاء كَانَت عاطفة فِي الْمُفْردَات
أَو فِي الْجمل وَهُوَ قَول بعض الْكُوفِيّين مِنْهُم ثَعْلَب وَابْن
درسْتوَيْه حَكَاهُ عَنْهُم جمَاعَة من النُّحَاة
وَعَزاهُ جمَاعَة إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله عَلَيْهِ
وَذكر بعض الْحَنَفِيَّة
(1/68)
أَنه نَص عَلَيْهِ فِي كتاب أَحْكَام
الْقُرْآن وَبَعْضهمْ أَخذه من لَازم قَوْله فِي اشْتِرَاط التَّرْتِيب
فِي الْوضُوء وَالتَّيَمُّم وَمَسْأَلَة الطَّلَاق
وَالْحق أَن ذَلِك لَيْسَ قولا لَهُ بل هُوَ وَجه فِي الْمَذْهَب قَالَ
بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْمسَائِل
المبينة على هَذَا الأَصْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالَّذِي قَالَه الإِمَام الشَّافِعِي فِي آيَة الْوضُوء مَا هُوَ
نَصه وَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَمر الله
وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَأشبه وَالله أعلم أَن يكون على
الْمُتَوَضِّئ شَيْئَانِ يبْدَأ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ ثمَّ رَسُول
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي بِهِ على إِكْمَال مَا أَمر الله
بِهِ ثمَّ شبهه بقول الله عز وَجل {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر
الله} وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالصفا وَقَالَ
نبدأ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَذكر الله الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ
مَعًا فَأحب أَي يبْدَأ باليمنى وَإِن بَدَأَ باليسرى فقد أَسَاءَ
وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ
هَذَا لَفظه وَلَيْسَ فِيهِ أَنه أَخذ التَّرْتِيب من مُجَرّد الْآيَة
بل مِنْهَا مَعَ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ مُرَتبا
مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّعْي نبدأ بِمَا بَدَأَ
الله بِهِ وَهَذَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ إِن
الْعَرَب يقدمُونَ فِي كَلَامهم مَا هم بِهِ أهم وببيانه أعنى وَإِن
كَانَا جَمِيعًا يهمانهم ويعنيانهم
وَأما مَسْأَلَة الطَّلَاق إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت
طَالِق وَطَالِق وَطَالِق
(1/69)
فَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهَا فِي الْفَصْل
الْآتِي فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالْقَوْل الثَّالِث
أَن الْوَاو للْجمع بِقَيْد الْمَعِيَّة فَإِذا اسْتعْملت فِي غير
ذَلِك يكون مجَازًا ويعزى هَذَا إِلَى بعض الْحَنَفِيَّة وَأنْكرهُ
عَنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره وَقَالُوا إِنَّهُم لم
يتَعَرَّضُوا لغير كَون الْوَاو للْجمع من غير تعرض لاقتران وَلَا
تَرْتِيب
وَبَعْضهمْ ينْسب هَذَا القَوْل إِلَى أبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن
وَأَخذه من قَوْلهمَا فِيمَا إِذا عقد رجل لغيره نِكَاح أُخْتَيْنِ فِي
عقد وَاحِد من غير إِذْنه فَإِنَّهُمَا قَالَا إِذا بلغه الْخَبَر
فَإِن أجَاز نِكَاحهمَا مَعًا بَطل فيهمَا وَإِن أجَاز نِكَاح
إِحْدَاهمَا ثمَّ نِكَاح الْأُخْرَى بَطل النِّكَاح فِي الثَّانِيَة
وَإِن قَالَ أجزت نِكَاح فُلَانَة وفلانة فَهُوَ كَمَا لَو أجَاز
نِكَاحهمَا مَعًا فَيلْزم من ذَلِك أَن يكون الْوَاو للْجمع بِقَيْد
الْمَعِيَّة كَمَا لَو أجَاز نِكَاحهمَا مَعًا
(1/70)
وَكَذَلِكَ قَالَا أَيْضا فِيمَا إِذا
قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق إِن دخلت
الدَّار فَدخلت إِنَّه يَقع عَلَيْهِ الثَّلَاث كَمَا لَو قَالَ أَنْت
طَالِق ثَلَاثًا وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق لم تقع
إِلَّا طَلْقَة فَيلْزم من ذَلِك أَن يكون الْوَاو للْجمع بِقَيْد
الْمَعِيَّة
وَهُوَ أَيْضا مَذْهَب أَحْمد وَبَعض الْمَالِكِيَّة فَيكون ذَلِك
أَيْضا قولا لَهُم
وَالْحق أَنه لَا دلَالَة فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ على القَوْل بِأَن
الْوَاو للْجمع بِقَيْد الْمَعِيَّة كَمَا أَنه لَا يُؤْخَذ من قَول
الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق أَنه تقع وَاحِدَة
كَون الْوَاو عِنْدهمَا للتَّرْتِيب كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقه إِن
شَاءَ الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي مَسْأَلَة النِّكَاح
أَيْضا
وَقد قَالُوا فِيمَن تزوج أمتين بِغَيْر إِذن الْمولى ثمَّ إِن الْمولى
أعتقهما مَعًا إِنَّه لَا يبطل النِّكَاح مُطلقًا وَإِن أعتقهما
مُتَفَرقًا بَطل فِي الثَّانِيَة وَلَو قَالَ هَذِه حرَّة وَهَذِه
حرَّة كَانَ التَّفْرِيق فَيلْزم على هَذَا أَن يكون الْوَاو عِنْدهم
للتَّرْتِيب وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا بَيَانه
وَالْقَوْل الرَّابِع
أَن الْوَاو للتَّرْتِيب حَيْثُ يَسْتَحِيل الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى
{ارْكَعُوا واسجدوا}
(1/71)
) وَهُوَ مَذْهَب الْفراء فِيمَا حَكَاهُ
عَنهُ كَثِيرُونَ وَبَعْضهمْ نقل عَنهُ القَوْل بالترتيب مُطلقًا
كالقول الثَّانِي
فَهَذَا خُلَاصَة مَا نقل من أَقْوَالهم فِي الْوَاو
وَحكى الإِمَام أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ عَن القَاضِي أبي
الْحسن الْمَاوَرْدِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا أَنه قَالَ الْوَاو
لَهَا ثَلَاثَة مَوَاضِع حَقِيقَة ومجاز ومختلف فِي حَقِيقَته ومجازه
فالحقيقة أَن تسْتَعْمل فِي الْعَطف للْجمع والاشتراك كَقَوْلِك
جَاءَنِي زيد وَعَمْرو وَالْمجَاز أَن تسْتَعْمل بِمَعْنى أَو
كَقَوْلِه تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث
وَربَاع}
والمختلف فِي حَقِيقَته ومجازه أَن تسْتَعْمل فِي التَّرْتِيب
كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} فَذهب
جُمْهُور أهل اللُّغَة وَالْفُقَهَاء إِلَى أَنَّهَا تكون إِذا
اسْتعْملت فِي التَّرْتِيب مجَازًا وَذهب بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي
إِلَى أَنَّهَا تكون حَقِيقَة فِيهِ فَإِذا اسْتعْملت فِي مَوضِع
يحْتَمل الْأَمريْنِ حملت على التَّرْتِيب دون الْجمع لزِيَادَة
الْفَائِدَة
قَالَ الْفراء تحمل على الْجمع إِذا احتملت أَمريْن وعَلى التَّرْتِيب
إِذا لم تحْتَمل غَيره يَعْنِي حَيْثُ يَسْتَحِيل الْجمع
(1/72)
10 - فصل فِي الْأَدِلَّة الدَّالَّة على
القَوْل الأول
بِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع
وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي رَجحه الْمُحَقِّقُونَ وَهِي وُجُوه
أَولهَا
النَّقْل عَن أَئِمَّة اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَقَوْلهمْ حجَّة وَقد
وَقد قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي أجمع البصريون والكوفيون على
أَنَّهَا للْجمع الْمُطلق وَكَأَنَّهُ مَا اعْتد بِخِلَاف الْفراء
وَفِي ذَلِك نظر
وَقَالَ أَبُو سعيد السيرافي أجمع النحويون واللغويون من الْكُوفِيّين
والبصريين إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَجُمْهُور الْفُقَهَاء على أَن
الْوَاو للْجمع من غير تَرْتِيب
(1/73)
وَهَذِه الْعبارَة أَشد من عبارَة
الْفَارِسِي وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ أَبُو عَمْرو
بن الْحَاجِب وَغَيره وَهُوَ يتَخَرَّج إِمَّا على عدم الِاعْتِبَار
بالمخالف إِذا شَذَّ عَن الْجَمَاعَة بِأَن يكون وَاحِدًا أَو
اثْنَيْنِ وَنَحْو ذَلِك وَإِمَّا على أَنه وَإِن اعْتبر خِلَافه
فَالْأَظْهر أَن قَول الْجُمْهُور يكون حجَّة لِأَنَّهُ يبعد عَادَة
أَن يكون الرَّاجِح هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَقَل النَّادِر وَقد
تقدم أَن سِيبَوَيْهٍ نَص على أَن الْوَاو للْجمع الْمُطلق فِي سَبْعَة
عشر موضعا من كِتَابه
وَثَانِيها
الاستقراء التَّام من كَلَام الْعَرَب فِي مجيئها لما لَا يحْتَمل
التَّرْتِيب أَو يَقْتَضِي خِلَافه فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى
{وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى
{وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} والقصة وَاحِدَة فَلَو كَانَت
الْوَاو تَقْتَضِي التَّرْتِيب لوقع التَّنَاقُض بَين مدلولي
الْآيَتَيْنِ
وَقَوله تَعَالَى {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت
ونحيا} وَلَيْسَ مُرَادهم حَيَاة بعد الْمَوْت لأَنهم لم يَكُونُوا
يعترفون بِهِ فَلم يبْق مُرَادهم إِلَّا
(1/74)
الْحَيَاة الَّتِي قبل الْمَوْت وَلَو
كَانَت الْوَاو مرتبَة لتناقض كَلَامهم هَذَا مَعَ وُرُوده فِي
الْقُرْآن الْعَظِيم
وَقَوله تَعَالَى {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ
الراكعين} وَمَا يُقَال على هَذِه من أَنه يحْتَمل أَن يكون فِي شرعهم
السُّجُود قبل الرُّكُوع جَوَابه أَن الأَصْل اسْتِوَاء الشَّرَائِع
فِي كَيْفيَّة أَدَاء الصَّلَاة فمجرد هَذَا الِاحْتِمَال لَا يقْدَح
فِي الأَصْل حَتَّى يثبت بِدَلِيل أَنه كَانَ فِي شرعهم كَذَلِك
وَكَذَلِكَ مَا قَالَه السُّهيْلي أَن المُرَاد بِكُل من السُّجُود
وَالرُّكُوع الْبعيد عَن الصَّلَاة نَفسهَا من إِطْلَاق الْجُزْء على
الْكل فَكَأَنَّهُ قيل لَهَا صلي مُنْفَرِدَة فِي بَيْتك وَهُوَ
المُرَاد بقوله {واسجدي} وَصلي مَعَ النَّاس جمَاعَة وَهُوَ المُرَاد
بقوله {واركعي مَعَ الراكعين} فَهَذَا التَّأْوِيل فِيهِ صرف للْعَطْف
عَن حقيقتة إِلَى مجازه وَتَقْيِيد لَهُ فَلَا يُصَار إِلَيْهِ أَيْضا
إِلَّا بِدَلِيل وَلم يقم دَلِيل على إِرَادَة مَا ذكره
وَمن ذَلِك قَول حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ
(بهاليل مِنْهُم جَعْفَر وَابْن أمه ... عَليّ وَمِنْهُم أَحْمد
المتخير)
(1/75)
وَلَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب لقدم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْني عَمه عَليّ وجعفر رَضِي
الله عَنْهُمَا
وَقَالَ الآخر
(فملتنا أننا مُسلمُونَ ... على دين صديقنا وَالنَّبِيّ)
وَلَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب لقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَيْضا
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(فَقلت لَهُ لما تمطى بجوزه ... وَأَرْدَفَ أعجازا وناء بكلكل)
وَلَو كَانَت للتَّرْتِيب لقدم الكلكل وَهُوَ الصَّدْر ثمَّ الْجَوْز
وَهُوَ الْوسط ثمَّ الأعجاز وَهِي المآخر
وَقَالَ أَبُو النَّجْم
(تعله من جَانب وتنهله)
والعلل لَا يكون إِلَّا بعد النهل بِدَلِيل قَول الْجَعْدِي
(1/76)
(وشربنا عللا بعد نهل)
وَذكر بَعضهم ذَلِك من قَول لبيد
(أغلي السباء بِكُل أدكن عاتق ... أَو جونة قدحت وفض ختامها)
والجونة الخابية المطلية بالقار وقدحت غرفت بالمغرفة وَهِي المقدحة
وَيُقَال مزجت وَقيل بزلت وفض ختامها أَي كسر طينها قَالُوا وَمَعْلُوم
أَنَّهَا لَا تقدح إِلَّا بعد فض ختامها
(1/77)
قلت وَفِي هَذَا الْبَيْت نظر لِأَنَّهُ
يجوز أَن تكون الْوَاو حَالية وَقد مقدرَة بعْدهَا وَيكون مَعْنَاهُ
قدحت وَقد فض ختامها كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {جاؤوها وَفتحت
أَبْوَابهَا} وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَقد يعْتَرض على جَمِيع هَذِه الأبيات الْمُتَقَدّمَة بِأَن
التَّرْتِيب ترك فِيهَا لضَرُورَة الْوَزْن والقافية فَتكون الْوَاو
اسْتعْملت فِي غير التَّرْتِيب مجَازًا لذَلِك لَكِن يُجَاب عَنهُ
بِأَن الأَصْل عدم الْمجَاز إِلَّا أَن يقوم عَلَيْهِ دَلِيل فَإِن قيل
دَلِيله الْأَدِلَّة الَّتِي يحْتَج بهَا على أَن الْوَاو للتَّرْتِيب
فستأتي تِلْكَ الْأَدِلَّة مَعَ الْجَواب عَنْهَا إِن شَاءَ الله
تَعَالَى
وَبِهَذَا أَيْضا اعْترض على الْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدّم ذكرهمَا أَولا
وَجَوَابه مَا ذكرنَا وَيُمكن تَحْرِير الدَّلِيل على وَجه ينْدَفع
عَنهُ الِاعْتِرَاض بِأَن يُقَال لَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب
للَزِمَ من هَذِه الْآيَات الْكَرِيمَة والأبيات الْمُتَقَدّمَة إِمَّا
التَّنَاقُض وَإِمَّا الْخُرُوج عَن موضوعها بالمجاز أَو يلْزم
الِاشْتِرَاك وكل من ذَلِك على خلاف الأَصْل
وَقيل أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى (نموت ونحيا) إِن المُرَاد بهَا
يَمُوت من مضى وَيحيى من يُولد وَهُوَ تَأْوِيل أَيْضا على خلاف
مُقْتَضى الدَّهْر
وَالَّذِي يظْهر أَنهم مَا أَرَادوا إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَات
كل شخص فيهم وقصدوا بذلك إِنْكَار الْبَعْث وَقدمُوا ذكر الْمَوْت
لِأَن الْوَاو لَا يَقْتَضِي ترتيبا
فَإِن قيل فقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ عَنْهُم إِنَّهُم يقدمُونَ مَا هم
بِهِ أهم وببيانه أعنى
(1/78)
فَلم عدل هُنَا إِلَى خلاف ذَلِك
قُلْنَا هَذَا وَإِن كَانَ سجيتهم فَذَلِك فِي الْغَالِب وَلَيْسَ
بضربة لازب عَلَيْهِم وَأَيْضًا فقد يكون مَا قدم من ذَلِك أهم عِنْدهم
فِي ذَلِك الْمقَام وَإِن لم يكن أهم مُطلقًا
وَمِمَّا جَاءَ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم
قَوْله تَعَالَى {كذبت قبلهم قوم نوح وَعَاد وَفرْعَوْن ذُو
الْأَوْتَاد وَثَمُود وَقوم لوط وَأَصْحَاب الأيكة} وَفِي الْآيَة
الْأُخْرَى {كذبت قبلهم قوم نوح وَأَصْحَاب الرس وَثَمُود وَعَاد
وَفرْعَوْن وإخوان لوط وَأَصْحَاب الأيكة وَقوم تبع} فَقدم فِي آيَة
مَا أَخّرهُ فِي الْأُخْرَى وَلم يلْتَزم التَّرْتِيب فَدلَّ على أَن
الْوَاو لَا تَقْتَضِيه وَدلّ أَيْضا على أَن تَقْدِيم الأهم هُوَ فِي
الْغَالِب وَالْأَكْثَر وَلَيْسَ بِلَازِم
الْوَجْه الثَّالِث
أَن الْوَاو اسْتعْملت فِي مَوَاضِع لَا يسوغ فِيهَا التَّرْتِيب نَحْو
تقَاتل زيد وَعَمْرو واختصم بكر وخَالِد وجمعت زيدا وعمرا وَالْمَال
بَين هَذَا وَهَذَا وسيان قيامك وقعودك
وَلَا يتَصَوَّر التَّرْتِيب فِي شَيْء من ذَلِك لِأَن المفاعلة لَا
تكون إِلَّا من اثْنَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّة مَا ذكر وَلَا
يَصح الْإِتْيَان فِي شَيْء مِنْهَا بِالْفَاءِ وَلَا ثمَّ فَلَا تَقول
تقَاتل زيد فعمرو وَلَا المَال بَين هَذَا ثمَّ هَذَا وَلَا سيان قيامك
فقعودك
فَلَو كَانَت الْوَاو تَقْتَضِي التَّرْتِيب لكَانَتْ فِي هَذِه
الصُّور أَو لجَاز دُخُول الْفَاء وَثمّ فِيهَا
(1/79)
وَإِذا ثَبت أَنَّهَا اسْتعْملت فِي
مَوَاضِع لَا يَصح فِيهَا التَّرْتِيب وَلَا تكون فِيهَا إِلَّا للْجمع
الْمُطلق امْتنع اسْتِعْمَالهَا فِي التَّرْتِيب لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي
إِلَى الِاشْتِرَاك وَهُوَ على خلاف الأَصْل
وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي عول جُمْهُور أَئِمَّة الْعَرَبيَّة
عَلَيْهِ وَقد اعْترض عَلَيْهِ بِأُمُور
أَحدهَا مَا تقدم أَن التَّرْتِيب لما امْتنع فِي هَذِه الصُّور لم
يمْتَنع جعلهَا فِي الْجمع الْمُطلق على وَجه الْمجَاز بِدَلِيل تعذر
التَّرْتِيب وللأدلة الدَّالَّة على أَنَّهَا للتَّرْتِيب
وَثَانِيها أَنه لَا يلْزم من التَّجَوُّز بِالْوَاو فِي هَذِه
الْأَمْثِلَة فِي غير التَّرْتِيب أَن يتجوز فِيهَا بِالْفَاءِ وَثمّ
إِذْ لَو قيل بذلك لَكَانَ قِيَاسا فِي اللُّغَة وَلَو سلمنَا جَرَيَان
الْقيَاس فِيهَا فَهُنَا لَا يلْزم ذَلِك لقِيَام الْفرق وَهُوَ أَن
الْفَاء وَثمّ يقتضيان التَّرْتِيب بطرِيق التعقيب والتراخي وَالْوَاو
لَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ لمُطلق التَّرْتِيب
على أَنه قد دخلت الْفَاء فِي بَيت كَمَا تقدم من قَول امْرِئ الْقَيْس
(بَين الدُّخُول فحومل)
وَغَيره وَدخلت أَو فِي سيان فِي قَول الشَّاعِر
(وَكَانَ سيان أَن لَا يسرحوا نعما ... أَو يسرحوه بهَا واغبرت السوح)
(1/80)
فَلم يتَعَيَّن الْوَاو فِي ذَلِك
وَثَالِثهَا أَن هَذَا الدَّلِيل يقلب بصورته فَيُقَال اسْتعْملت
الْوَاو فِي مَوَاضِع كَثِيرَة للتَّرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى
{ارْكَعُوا واسجدوا} {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} والفصال بعد
الْحمل (وغيض المَاء وَقضي الْأَمر واستوت على الجودي) واستواؤها كَانَ
بعد غيض المَاء وَكَذَلِكَ قَوْله {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا
وأخرجت الأَرْض أثقالها} إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول تعداده
وَإِذا كَانَت فِي هَذِه الْمَوَاضِع للتَّرْتِيب فَتكون فِي تِلْكَ
الصُّور الَّتِي لَا يُمكن التَّرْتِيب فِيهَا مجَازًا وَإِلَّا لزم
الِاشْتِرَاك وَاحْتِمَال الْمجَاز أَحَق مِنْهُ
وَالْجَوَاب عَن الأول مَا تقدم أَن الأَصْل فِي الاطلاق الْحَقِيقَة
وَمَا تَدعُونَهُ من الْأَدِلَّة الْمُقْتَضِيَة لكَون الْوَاو
للتَّرْتِيب وَأَنَّهَا الحاملة على جعلهَا مجَازًا فِي هَذِه الصُّور
فَسَيَأْتِي الْجَواب عَن ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَعَن الثَّانِي أَن الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ جَوَاز الْفَاء وَثمّ فِي
هَذِه الصُّور لَيْسَ ذَلِك بطرِيق الْقيَاس فِي اللُّغَة بل هُوَ
اسْتِدْلَال بِعَدَمِ جَوَاز اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي معنى عدم جَوَاز
اسْتِعْمَال مَا هُوَ مثله فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِك من الْقيَاس فِي شَيْء
بل هُوَ كاطراد أَسمَاء الفاعلين والمفعولين وَنَحْو ذَلِك وَالصَّحِيح
قيام كل من
(1/81)
المترادفين مقَام الآخر إِذا كَانَا من
لُغَة وَاحِدَة فَحَيْثُ لَا يَصح ذَلِك يكون دَلِيلا على عدم الترادف
وَمَا ذَكرُوهُ من الْفرق فَغير مَانع من الِاسْتِدْلَال لِأَن
امْتنَاع دُخُول الْفَاء وَثمّ فِي هَذِه الْمَوَاضِع لِكَوْنِهِمَا
دالتين على التَّرْتِيب الْمنَافِي للمعية لَا بخصوصية التعقيب
والتراخي وَالْوَاو بِتَقْدِير أَن يكون للتَّرْتِيب يشاركهما فِي
ذَلِك فيكونان مترادفين من هَذِه الْحَيْثِيَّة فَإِذا امْتنع دخولهما
مَعَ صِحَة دُخُول الْوَاو لزم من ذَلِك أَلا يكون الْوَاو مثلهمَا
وَأما دُخُول الْفَاء فِيمَا بعد بَين فقد تقدم الْجَواب عَنهُ وَأَن
المزاد نواحي الدُّخُول وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثله
وَأما دُخُول أَو بعد سيان فَهُوَ من الشاذ الَّذِي لَا يُقَاس
عَلَيْهِ وَقد أول ذَلِك على أَن السراح وَعَدَمه لما كَانَا متعاقدين
وَلَا يكون إِلَّا أَحدهمَا جِيءَ فِيهِ بِأَو وَالْمرَاد بهَا
التَّقْسِيم لتشمل الْقسمَيْنِ جَمِيعًا وَلَا تعلق لهَذَا بِكَوْن
الْوَاو للتَّرْتِيب
وَعَن الثَّالِث أَن التَّرْتِيب فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَعَ اللَّفْظ
لِأَن اللَّفْظ اسْتعْمل فِيهِ وَلَا يلْزم من وُقُوع الْمَعْنى مَعَ
اللَّفْظ اسْتِعْمَاله فِيهِ وَالدَّلِيل على أَن اللَّفْظ غير
مُسْتَعْمل فِيهِ مَا تقدم من الْآيَات الَّتِي جَاءَت الْوَاو فِيهَا
وَلَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب فَكَانَ التَّرْتِيب هُنَا وَاقعا مَعَ
الْوَاو وَعلم ذَلِك من دَلِيل خارجي لِأَن الْوَاو مستعملة فِيهِ
وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم كَونهَا حَقِيقَة فِيهِ حَتَّى تكون مجَازًا
فِي تِلْكَ المواطن بل الْعَكْس أولى كَمَا بَيناهُ
(1/82)
الْوَجْه الرَّابِع
أَن الْقَائِل جَاءَ زيد وَعَمْرو يحسن أَن يُقَال لَهُ جَاءَا مَعًا
أَو تقدم زيد أَو تقدم عَمْرو وَلَو كَانَت الْوَاو تَقْتَضِي
التَّرْتِيب لما حسن هَذَا الاستفسار
وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن حسن الاستفسار لاحْتِمَال اللَّفْظ لَهُ على
جِهَة الْمجَاز وَجَوَابه أَن الاستفسار لَا يحسن إِلَّا عِنْد دلَالَة
اللَّفْظ على شَيْئَيْنِ وَاحْتِمَال إِرَادَة أَحدهمَا مَعَ تساويهما
كَمَا هُنَا فِي الْوَاو فَإِنَّهَا لما اقْتَضَت مُطلق الْجمع كَانَ
اللَّفْظ مُحْتملا لمجيئهما مَعًا ومترتبا إِمَّا على حسب اللَّفْظ أَو
على عَكسه
فَأَما إِذا كَانَ اللَّفْظ حَقِيقَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ لَا يحسن
الاستفسار من أجل احْتِمَال الْمجَاز إِذْ أَنْوَاع الْمجَاز
مُتعَدِّدَة وَلَيْسَ ثمَّ مَا يدل على صرف اللَّفْظ عَن حَقِيقَته
فَلَا وَجه للاستفسار
نعم لَو قَامَت قرينَة تدل على أَن الْحَقِيقَة غير مُرَادة وَكَانَ
هُنَاكَ مجازات مُحْتَملَة حسن الاستفسار وَلَيْسَ مَا نَحن فِيهِ من
ذَلِك
الْوَجْه الْخَامِس
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الَّذِي صَححهُ الْحَاكِم
(لَا تَقولُوا مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان قُولُوا مَا شَاءَ الله ثمَّ
شَاءَ فلَان) فَهَذَا يدل على أَن الْوَاو للْجمع لَا للتَّرْتِيب
(1/83)
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث
قتيلة بنت صَيْفِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَنَد
صَحِيح وَفِيه قصر
وَالْأول رَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد من حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله
عَنْهُمَا والْحَدِيث مَجْمُوع الطَّرفَيْنِ يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة
الصِّحَّة القوية وَهُوَ وَإِن كَانَ خبر وَاحِد لَا يُفِيد إِلَّا
الظَّن فيلتقي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنَّهَا ظنية
وَقد احْتج جمَاعَة من الْأَئِمَّة بأدلة أُخْرَى لَا تَخْلُو عَن
اعْتِرَاض مُؤثر فنذكرها وَمَا يرد عَلَيْهَا
أَحدهَا لَو كَانَت الْوَاو للتَّرْتِيب لَكَانَ قَول الْقَائِل
رَأَيْت زيدا وعمرا بعده تَكْرَارا لِأَن بعدية رُؤْيَة عَمْرو علمت من
الْوَاو على تَقْدِير أَنَّهَا للتَّرْتِيب وَلَا يعد
(1/84)
النَّاس ذَلِك تَكْرَارا فَلَا يكون
الْوَاو للتَّرْتِيب وَثَانِيها أَنه يلْزم أَيْضا من جعلهَا
للتَّرْتِيب أَن يكون قَول الْقَائِل رَأَيْت زيدا وعمرا قبله متناقضا
لِأَن الْوَاو تَقْتَضِي نقيض مَا تَقْتَضِيه قبل وَلَا يعد هَذَا
الْكَلَام تناقضا
وَثَالِثهَا أَن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ اشْتَرِ خبْزًا
وَلَحْمًا وائت بزيد وَعَمْرو وَنَحْو ذَلِك فالاتفاق على أَنه لَا يجب
عَلَيْهِ مُرَاعَاة التَّرْتِيب فِي الشِّرَاء والإتيان على حسب مَا
تَقْتَضِيه الْوَاو لَو كَانَت للتَّرْتِيب
وَرَابِعهَا وَقد عول عَلَيْهِ جمَاعَة من النُّحَاة أَن وَاو الْعَطف
فِي الْأَسْمَاء الْمُخْتَلفَة كواو الْجمع فِي الْأَسْمَاء المتفقة
فَالْأَصْل فِي الْجمع أَن يُؤْتى بالأسماء منسوقة نَحْو زيد وَزيد
وَزيد لكنه قيل الزيدون تَخْفِيفًا واختصارا وواو الْجمع لَا يُفِيد
ترتيبا اتِّفَاقًا فَكَذَلِك وَاو الْعَطف لَا يفِيدهُ أَيْضا
وخامسها أَن الْجمع الْمُطلق معنى مَعْقُول تمس الْحَاجة إِلَى
التَّعْبِير عَنهُ فَالظَّاهِر أَن الْوَاضِع وضع لَهُ لفظا وَلَيْسَ
ذَلِك غير الْوَاو بِالْإِجْمَاع فَتكون هِيَ الْمَوْضُوعَة لذَلِك
وسادسها أَن الْوَاو أفادت التَّرْتِيب لدخلت فِي جَوَاب الشَّرْط
وَلَا يَصح دُخُولهَا فِيهِ فَلَا يُقَال إِن قَامَ زيد وأكرمه كَمَا
يُقَال إِن قَامَ زيد فَأكْرمه فَلَمَّا لم يَصح ذَلِك لم تكن
للتَّرْتِيب
وَاعْترض على الأول أَنه إِن أَرَادَ التاكرار من غير فَائِدَة
فالملازمة مَمْنُوعَة فَإِنَّهُ لم يخل عَن فَائِدَة وَهِي رفع
احْتِمَال توهم الْمجَاز كَمَا فِي الْأَلْفَاظ الْمُؤَكّدَة فَإِن
الْقَائِل جَاءَ الْقَوْم يُفِيد مَجِيء كلهم لما تَقْتَضِيه الْألف
(1/85)
وَاللَّام من الِاسْتِغْرَاق فَقَوله بعد
ذَلِك كلهم وأجمعون تَأْكِيد لرفع توهم الْمجَاز وَأَنه أَرَادَ بالقوم
بَعضهم فَكَذَلِك هُنَا جَاءَ بقوله بعده تَأْكِيدًا لرفع توهم أَنه
أَرَادَ الْمَعِيَّة تجوزا فَلم تخل عَن فَائِدَة وَإِن أَرَادَ
التّكْرَار مَعَ الْفَائِدَة فَلَا نسلم بطلَان اللَّازِم وَذَلِكَ
ظَاهر
وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يمْنَع لُزُوم التَّنَاقُض وَإِنَّمَا يلْزم
لَو لم تكن كلمة قبله قرينَة لارادة جِهَة التَّجَوُّز فِي تِلْكَ
الصُّورَة كَمَا فِي قَول الْقَائِل رَأَيْت أسدا يَرْمِي
وعَلى الثَّالِث بِأَن أَمْثَال هَذِه القضايا الْعُرْفِيَّة متعارضة
وَإِنَّمَا لم يحمل مَا تقدم على التَّرْتِيب لقِيَام الْقَرِينَة
الدَّالَّة على أَن مُرَاد السَّيِّد الْجمع بَين شرائهما على أَي وَجه
كَانَ وَكَذَلِكَ بَين مَجِيء من طلبهما وَقد تقدم قرينَة تَقْتَضِي
التَّرْتِيب كَمَا إِذا قَالَ السَّيِّد لعَبْدِهِ اسْقِنِي مَاء واشتر
كَذَا أَو اسْقِنِي واطلب فلَانا فَإِن الْقَرِينَة هُنَا تَقْتَضِي
التَّرْتِيب بَين الشَّيْئَيْنِ وَتَقْدِيم سقيه لَا لمدلول الْوَاو
وَأَنَّهَا اقْتَضَت ذَلِك بل لقَرِينَة الْعَطش المحوج إِلَى تَقْدِيم
السَّقْي
فَالْحق أَنه لَا يحْتَج بِشَيْء من هَذِه القضايا الْعُرْفِيَّة على
أحد هذَيْن الطَّرفَيْنِ
وعَلى الْوَجْه الرَّابِع بِأَن تَشْبِيه الشي بالشَّيْء لَا يَقْتَضِي
اشتراكهما فِي كل الْأُمُور بل يَكْفِي اشتراكهما فِي أهمها وَكَذَلِكَ
هُنَا فَإِنَّهُ لَا مَانع من كَون الْوَاو العاطفة جَارِيَة مجْرى
وَاو الْجمع مَعَ كَونهَا مُخْتَصَّة بالترتيب كَمَا فِي الْفَاء وَثمّ
كَيفَ وَإِن الْوَاو العاطفة تَقْتَضِي التَّشْرِيك فِي الْإِعْرَاب
إِمَّا بِنَفسِهَا أَو بتسليط الْفِعْل الَّذِي قبلهَا أَو بإضمار فعل
بعْدهَا على الْخلاف الْمُتَقَدّم
(1/86)
وواو الْجمع لَا تَقْتَضِي شَيْئا من ذَلِك
فَدلَّ على أَنَّهَا لَيست بالسواء فِي جَمِيع الْأُمُور
وعَلى الْخَامِس بِأَنَّهُ مُقَابل بِمثلِهِ وَهُوَ أَن التَّرْتِيب
الْمُطلق أَيْضا معنى مَعْقُول تمس الْحَاجة إِلَى التَّعْبِير عَنهُ
وَلَيْسَ إِلَّا بِالْوَاو فَتكون مَوْضُوعَة لَهُ
وعَلى السَّادِس أَن الْفَاء الدَّاخِلَة عل جَوَاب الشَّرْط لَيست
العاطفة حَتَّى يلْزم قيام الْوَاو مقَامهَا إِذا كَانَت للتَّرْتِيب
بل هِيَ رابطة بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء وَلَو سلم بطرِيق التنازل
أَنَّهَا العاطفة فينتقض مَا ذَكرُوهُ بثم فَإِنَّهَا لَا تدخل على
جَوَاب الشَّرْط فَلَا يدل عدم دُخُول الْوَاو فِيهِ على شَيْء
(1/87)
|