الفصول المفيدة في الواو المزيدة

20 - فصل تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ

لَا يجوز تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْوَاو خَاصَّة بِثَلَاثَة شُرُوط
أَحدهَا أَن لَا يُؤَدِّي إِلَى وُقُوع حرف الْعَطف صَدرا فَلَا تَقول وَعَمْرو زيد قائمان فِي زيد وَعَمْرو قائمان
وَثَانِيها أَن لَا يُؤَدِّي إِلَى مُبَاشرَة حرف الْعَطف عَاملا غير متصرف مثل إِن وعمرا زيدا قائمان
وَثَالِثهَا أَن لَا يكون مجرورا فَلَا تَقول مَرَرْت وَعَمْرو بزيد
وَعند خلوه من هَذِه الثَّلَاثَة يجوز كَقَوْل الشَّاعِر
(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام)

(1/152)


وَقَول الآخر
جمعت وفحشا غيبَة ونميمة ... ثَلَاث خلال لست عَنْهَا بمرعوي)
وَقَول ذِي الرمة
كأنا على أَوْلَاد أحقب لاحها ... وَرمي السفا أنفاسها بسهام)
(جنوب ذوت عَنْهَا التناهي فأنزلت ... بهَا يَوْم ذُبَاب السبيب صِيَام)
يُرِيد لاحها جنوب وَرمي السفا وَقَوله أَيْضا

(1/153)


(وَأَنت غَرِيم لَا أَظن قَضَاءَهُ ... وَلَا الْعَنزي القارظ الدَّهْر جائيا)
قَالُوا يُرِيد لَا أَظن قَضَاءَهُ جائيا هُوَ وَلَا الْعَنزي
وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا جَمِيعه ضَرُورَة اضْطر الشَّاعِر إِلَيْهَا الْوَزْن والقافية وَأَن مثله لَا يَجِيء فِي سَعَة الْكَلَام لَكِن أَئِمَّة الْعَرَبيَّة لم يخصصوه بالشعر
فَإِن قيل فقد جَاءَ التَّقْدِيم مَعَ أَو فِي قَول الشَّاعِر
فلست بنازل إِلَّا ألمت ... برحلي أَو خيالتها الكذوب)
يُرِيد إِلَّا ألمت الكذوب أَو خيالتها فَجَوَابه أَن الكذوب صفة لخيالتها وَقَوله أَو خيالتها عطف على المستكن فِي ألمت وَلم يحْتَج إِلَى تَأْكِيد لطول الْكَلَام بفصل الْجَار وَالْمَجْرُور والمضاف إِلَيْهِ وَالله أعلم

(1/153)


21 - فصل النَّوْع الثَّانِي

الْكَلَام على وَاو الْحَال

وَتسَمى أَيْضا وَاو الِابْتِدَاء وَهِي الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الَّتِي تقع حَالا وكل مَا صَحَّ من الْجمل أَن يكون خَبرا لمبتدأ أَو صلَة لموصول أَو صفة صَحَّ أَن تقع حَالا
ثمَّ لَا تَخْلُو تِلْكَ الْجُمْلَة من أَن تكون اسمية أَو فعلية فَإِن كَانَت اسمية فتجئ على ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا وَهُوَ الْأَكْثَر أَن تكون بِالْوَاو وفيهَا ضمير يعود على صَاحب الْحَال كَقَوْلِك جَاءَ زيد وَهُوَ ضَاحِك وَجَاء وَهُوَ يضْحك قَالَ الله تَعَالَى {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}
وَالثَّانِي أَن تحذف الْوَاو ويكتفى بالضمير الرابط مثل جَاءَ زيد وَجهه مسرور وَجَاء زيد وَعَلِيهِ قلنسوة قَالَ الله تَعَالَى {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة}

(1/155)


وَالثَّالِث أَن يحذف الضَّمِير ويكتفى بِالْوَاو كَقَوْلِك جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة قَالَ الله تَعَالَى {يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَأما الْجُمْلَة الفعلية فَإِن كَانَ الْفِعْل مضارعا مثبتا لم يكن فِيهِ وَاو وَلَا بُد فِيهِ من ضمير رابط يعود على ذِي الْحَال مثل قَوْلك جَاءَ زيد يضْحك قَالَ الله تَعَالَى {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهمَا تمشي على استحياء} وَقَالَ الشَّاعِر
(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد)
وَالْمرَاد عاشيا وَلم تكن هُنَاكَ حَاجَة إِلَى الْوَاو لما بَين الْفِعْل الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل من الْمُنَاسبَة ثمَّ لَا بُد وَأَن يكون ذَلِك الْفِعْل يُرَاد بِهِ الْحَال
فَأَما الْفِعْل المخلص للاستقبال فَلَا يَقع موقع الْحَال لِأَنَّهُ لَا يدل عَلَيْهَا لَا تَقول جَاءَ زيد سيركب وَكَذَلِكَ الْفِعْل الْمَاضِي أَيْضا لَا يجوز أَن يَقع حَالا لعدم دلَالَته عَلَيْهَا إِلَّا أَن يكون مَعَه مَا يدل على الْحَال كَمَا يَأْتِي
وَإِن كَانَ الْفِعْل الْمُضَارع منفيا كنت مُخَيّرا فِيهِ بَين الْإِتْيَان بِالْوَاو وحذفها تَقول قعد زيد لَا يحدثنا وَجلسَ وَمَا يُكَلِّمنَا وَلَا بُد من الضَّمِير كَمَا تقدم قَالَ الله تَعَالَى {فَاضْرب لَهُم طَرِيقا فِي الْبَحْر يبسا لَا تخَاف دركا وَلَا تخشى} وَقَالَ الشَّاعِر

(1/156)


(بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... وَلم تكْثر الْقَتْلَى بهَا حِين سلت)
وَأما الْفِعْل الْمَاضِي الْقَرِيب من الْحَال فَإِن كَانَ مثبتا فَالْوَجْه أَن يُؤْتى بِالْوَاو وَقد سَوَاء كَانَ فِي الْجُمْلَة ضمير عَائِد أَو لم يكن تَقول جَاءَ زيد وَقد قضى حَاجته جَاءَ وَقد طلعت الشَّمْس قَالَ الشَّاعِر
(ذكرتك والخطي يخْطر بَيْننَا ... وَقد نهلت منا المثقفة السسمر)
فموضع قد نهلت نصب على الْحَال وَالتَّقْدِير ناهلة
وَقد يحذف الْوَاو إِذا كَانَ فِي الْجُمْلَة ضمير كَقَوْلِك جَاءَ زيد قد تَعب وَجَاء قد أتعب دَابَّته قَالَ الشَّاعِر
(وَإِنِّي لتعروني لذكراك هزة ... كَمَا انتفض العصفور بلله الْقطر)

(1/157)


فَقَوله بلله الْقطر جملَة حَالية من العصفور قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(إِذا التفتت نحوي ذوى لي رِيحهَا ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل)
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} فِي أحد الْأَقْوَال
أما إِذا لم يكن فِيهَا ضمير فَلَا بُد من الْوَاو كَقَوْلِك جَاءَ زيد وَقد طلعت الشَّمْس وَقد تكون الْوَاو فَقَط وَقد مقدرَة كَقَوْلِه تَعَالَى {كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا} وَقَوله {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} التَّقْدِير وَقد فتحت أَبْوَابهَا وَذَلِكَ لِأَن من تَتِمَّة إكرام أهل الْجنَّة أَن تفتح لَهُم أَبْوَابهَا قبل الْوُصُول إِلَيْهَا فَلَا يتنغصون بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وليجدوا رِيحهَا قبل الْوُصُول إِلَيْهَا

(1/158)


كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث بِخِلَاف جَهَنَّم أعاذنا الله مِنْهَا فَإِن أَبْوَابهَا تفتح حَالَة وصولهم إِلَيْهَا ليفجأهم الْعَذَاب بَغْتَة فَيكون ذَلِك أَشد عَلَيْهِم وعَلى هَذَا يكون جَوَاب الشَّرْط محذوفا تَقْدِيره دخلوها وَقَالَ لَهُم خزنتها
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْفِعْل الْمَاضِي منفيا فَلَا بُد فِيهِ من الْوَاو سَوَاء كَانَ فِيهِ ضمير أَو لم يكن تَقول ذهب عَمْرو وَمَا كلم أحدا وَمر وَمَا نطق بِكَلِمَة وَنزل وَمَا طلع الْفجْر وَكَذَلِكَ الْمَاضِي الْمَنْفِيّ بِلَفْظ الْمُضَارع مثل جَاءَ زيد وَمَا يُكَلِّمنَا وَذهب وَلم تطلع الشَّمْس
هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي يشْتَرط دُخُول الْوَاو فِيهَا وضابطه أَنه مَتى خلت الْجُمْلَة عَن رابط فَلَا بُد من الْوَاو ليَكُون رابطة كَمَا يرْبط الضَّمِير

(1/159)


وسيبويه يقدر هَذِه الْوَاو بإذ فَكل مَوضِع صلح أَن يخلفها إِذْ كَانَت للْحَال وَالْجُمْلَة الَّتِي تَلِيهَا حَالية وَذَلِكَ لِأَن الْحَال تشبه الظّرْف فَإنَّك إِذا قلت جَاءَ زيد وَعَمْرو منطلق كَانَ مَعْنَاهُ وَقت انطلاق عَمْرو وَكَذَلِكَ عطف الظّرْف عَلَيْهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتمرون عَلَيْهِم مصبحين وبالليل} فلولا الشّبَه لما صَحَّ الْعَطف
وَلَا شكّ أَن الأَصْل فِي الْحَال المنتقلة أَن تكون بِغَيْر الْوَاو لِأَن إعرابها لَيْسَ يتبع وَمَا لَيْسَ إعرابه يتبع لَا يدْخلهُ وَاو الْعَطف وَهَذِه الْوَاو وَإِن كَانَت تسمى وَاو الْحَال فأصلها الْعَطف وَأَيْضًا فَإِن الْحَال فِي الْمَعْنى حكم على ذِي الْحَال كالخبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبْتَدَأ إِلَّا أَن الْفرق بَينه وَبَينهَا أَن الحكم بالْخبر يحصل بِالْأَصَالَةِ لَا فِي ضم شَيْء آخر وَالْحكم بِالْحَال إِنَّمَا يحصل فِي ضم غَيرهَا فَإِن قَوْلك جَاءَ زيد رَاكِبًا مَحْكُوم بِهِ على زيد لَكِن لَا بِالْأَصَالَةِ بل بالتبعية بِأَن وصل بالمجيء وَجعل قيدا لَهُ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلنَا زيد رَاكب

(1/160)


وَأَيْضًا فالحال فِي الْحَقِيقَة وصف لذِي الْحَال فَلَا يدخلهَا الْوَاو كالنعت إِلَّا أَنه خُولِفَ هَذَا الأَصْل فِيمَا إِذا كَانَت جملَة لِأَنَّهَا بِالنّظرِ إِلَيْهَا من حَيْثُ هِيَ جملَة مُسْتَقلَّة بالإفادة فتحتاج إِلَى مَا يربطها بِمَا جعلت حَالا عَنهُ وكل وَاحِد من الضَّمِير وَالْوَاو صَالح للربط وَالْأَصْل الضَّمِير بِدَلِيل الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي الْحَال المفردة وَالْخَبَر والنعت
فَإِذا عرف ذَلِك فلتعلم أَنه وَقع للزمخشري فِي كِتَابه الْمفصل كَلَام ضَعِيف وَتَبعهُ عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب فِي مقدمته بِزِيَادَة على الضعْف وَلم يعْتَرض عَلَيْهِ كثير مِمَّن شرح كَلَامه فَنَذْكُر ذَلِك للتّنْبِيه عَلَيْهِ
قَالَ فِي الْمفصل وَالْجُمْلَة تقع حَالا فَإِن كَانَت اسمية فالواو إِلَّا مَا شَذَّ من قَوْلهم كَلمته فوه إِلَى فِي وَمَا عَسى أَن يعثر عَلَيْهِ فِي الندرة وَأما قَوْله لَقيته عَلَيْهِ جُبَّة وشي فَمَعْنَاه مُسْتَقِرَّة عَلَيْهِ جُبَّة وشي انْتهى كَلَامه
وَمُقْتَضى كَلَامه أَن الِاقْتِصَار على الضَّمِير فِي الْجُمْلَة الاسمية دون الْوَاو شَاذ ونادر لَا يعثر عَلَيْهِ إِلَّا قَلِيلا لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمَا عَسى أَن يعثر عَلَيْهِ فِي الندرة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بالشذوذ من جِهَة الْقيَاس وكل ذَلِك لَيْسَ بِصَحِيح

(1/161)


أما الْقيَاس فقد بَينا أَن الأَصْل الضَّمِير وَأَن الْمُعْتَبر إِنَّمَا هُوَ الرابط بَين الجملتين حَتَّى تكون الثَّانِيَة حَالا والربط فِي الضَّمِير أقوى مِنْهُ فِي الْوَاو
وَأما الِاسْتِعْمَال فَلَيْسَ بنادر كَمَا ذكر فقد تقدم مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} وَكَذَلِكَ أَيْضا قَوْله تَعَالَى {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضكُم لبَعض} فِي سُورَة الْبَقَرَة وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْرَاف وَسورَة طه وَقَوله تَعَالَى {نبذ فريق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} فَإِنَّهُم قَالُوا فِي قَوْله {كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} إِنَّهَا فِي مَوضِع الْحَال تَقْدِيره مشبهين بِمن لَا يعلم وَمثله أَيْضا قَوْله {ولى مستكبرا كَأَن لم يسْمعهَا كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا}

(1/162)


وَقد صرح الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْكَشَّاف بِأَن قَوْله تَعَالَى {فِيهِ هدى وَنور} جمله حَالية من الانجيل فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى قبل هَذِه الْآيَة {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور} وَلَا وَاو فِيهَا وَقَالَ الشَّاعِر
(فلولا جنان اللَّيْل مَا آب عَامر ... إِلَى جَعْفَر سرباله لم يمزق)
فَكل هَذِه الشواهد ترد كَونه شاذا أَو ضَعِيفا كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فَإِنَّهُ قَالَ وَتَكون جملَة خبرية فالاسمية بِالْوَاو وَالضَّمِير أَو بِالْوَاو أَو بالضمير على ضعف فَجعل الِاقْتِصَار على كل وَاحِد من الْوَاو وَالضَّمِير دون الآخر ضَعِيفا
وَقد بَينا مَا يتَعَلَّق بالاقتصار على الضَّمِير دون الْوَاو وَأَنه غير ضَعِيف وَلَا شَاذ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} وَمَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم كَلمته فوه إِلَى فِي وَرجع عوده على بدئه بِالرَّفْع ولقيته عَلَيْهِ جُبَّة وشي وَمَا قدره الزَّمَخْشَرِيّ من الِاسْتِقْرَار فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَقَول بشار

(1/163)


(إِذا أنكرتني بلذة أَو نكرتها ... خرجت مَعَ الْبَازِي عَليّ سَواد)
بِمَعْنى عَليّ بَقِيَّة من اللَّيْل وَقَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت
(فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفقا ... فِي رَأس غمدان دَارا مِنْك محلالا)
وَقَول الآخر
(وَقد صبرت للذل أَعْوَاد مِنْبَر ... تقوم عَلَيْهِ فِي يَديك قضيب)
وَأنْشد الْجِرْجَانِيّ مِنْهُ أَيْضا قَول الشَّاعِر
(إِذا أتيت أَبَا مَرْوَان تسأله ... وجدته حاضراه الْجُود وَالْكَرم)
وَجعل وجدت هُنَا لَيست المتعدية إِلَى مفعولين بل بِمَعْنى أصبت

(1/164)


تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد فَقَوله حاضراه الْجُود وَالْكَرم جملَة حَالية وَلَيْسَ فِيهَا وَاو
فَكل هَذِه الشواهد تمنع الضعْف والشذوذ
وَكَذَلِكَ الِاقْتِصَار على الْوَاو دون الضَّمِير فقد تقدم قَوْله تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِن فريقا من الْمُؤمنِينَ لكارهون} وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل)
وَقَالَ الآخر أنْشدهُ ابْن مَالك
سرينا وَنجم قد أَضَاء فمذ بدا ... محياك أخْفى ضوؤه كل شارق)
وَكَذَلِكَ الْبَيْت الْمُتَقَدّم
(ذكرتك والخطي يخْطر بَيْننَا ... )
فَاكْتفى فِيهَا رابطا بِالْوَاو عَن الضَّمِير كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَالله أعلم

(1/165)


22 - فصل الرَّبْط بِالْوَاو أَو بالضمير فِي جملَة الْحَال

تقرر أَن الْجُمْلَة الاسمية إِذا وَقعت حَالا فَإِنَّهَا تكون تَارَة بِالْوَاو وَتارَة بالضمير وَإِن كَانَ الْأَكْثَر الْجمع بَينهمَا وَقد ذكر الْجِرْجَانِيّ أَن الْمُبْتَدَأ من الْجُمْلَة مَتى كَانَ ضمير ذِي الْحَال لم تصلح بِغَيْر الْوَاو الْبَتَّةَ كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد وَهُوَ رَاكب ورأيته وَهُوَ جَالس وَلَو جِئْت بهَا بِغَيْر الْوَاو لم يكن كلَاما
وَقَالَ هُوَ وَغَيره أَيْضا إِن صَاحب الْحَال مَتى كَانَ نكرَة مُقَدّمَة عَلَيْهَا وَجَبت الْوَاو مثل جَاءَنِي رجل وعَلى كتفه سيف وَإِنَّمَا وَجَبت الْوَاو لِئَلَّا يشْتَبه بالنعت وَعَلِيهِ خرج السكاكي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} وَاعْترض على الزَّمَخْشَرِيّ فِي جعل قَوْله وَلها كتاب صفة

(1/166)


لقرية وَأَن الْوَاو توسطت لتأكيد لصوق الصّفة بالموصوف
وعَلى هَذَا فَقَوله تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} أولى بجعله صفة وَإِن كَانَ غَيره جعلهَا حَالا وَيكون حرف الِاسْتِثْنَاء أغْنى عَن الْوَاو وَقَالَ السكاكي وَصَحَّ وُقُوع الْحَال هُنَا من النكرَة لِأَن الْقرْيَة فِي حكم الموصوفة نازلة منزلَة قَوْله وَمَا أهلكنا من قَرْيَة من الْقرى
وَذكر الْجِرْجَانِيّ أَيْضا أَن الْجُمْلَة الاسمية مَتى كَانَ الْخَبَر فِيهَا ظرفا مقدما على الْمُبْتَدَأ فالأكثر فِيهَا أَن تَجِيء بِغَيْر وَاو مثل الأبيات الْمُتَقَدّمَة
(خرجت مَعَ الْبَازِي على سَواد ... )
(فَاشْرَبْ هينئا عَلَيْك التَّاج مرتفقا ... )
(تقوم عَلَيْهِ فِي يَديك قضيب ... )
ثمَّ اخْتَار فِي هَذِه الْمَوَاضِع أَن يكون الثَّانِي مرتفعا بالظرف لَا بالإبتداء وَهُوَ مَحل اتِّفَاق سِيبَوَيْهٍ والأخفش لِأَن سِيبَوَيْهٍ يعْمل الظّرْف إِذا كَانَ مُعْتَمدًا وَهنا لما جرت الْحَال مجْرى الصّفة كَانَ اعْتِمَادًا كَافِيا فِي أَن يرْتَفع

(1/167)


الظَّاهِر بالظرف قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يكون الظّرْف هَا هُنَا خَاصّا فِي تَقْدِير اسْم فَاعل تَقْدِيره كَائِنا
وَيجوز أَن يكون أَيْضا فِي تَقْدِير فعل مَاض مَعَ قد وَلَا يَصح أَن يكون مُقَدرا بِفعل مضارع وَإِنَّمَا اخْتَار تَقْدِيره باسم فَاعل لرجوع الْحَال حِينَئِذٍ إِلَى أَصْلهَا فِي الافراد وَلِهَذَا كثر مجيئها بِلَا وَاو يَعْنِي إِذا كَانَت الْجُمْلَة مصدرة بالظرف وَجوز التَّقْدِير بِفعل مَاض أَيْضا لمجيئها بِالْوَاو قَلِيلا
وَإِنَّمَا امْتنع تقديرها بالمضارع لِأَنَّهَا إِذا تقدرت بِهِ يمْتَنع مجيئها بِالْوَاو وَهنا لَا يمْتَنع ذَلِك ثمَّ ذكر فِي قَوْله فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم
(وجدته حاضراه الْجُود وَالْكَرم ... )
إِن حذف الْوَاو هُنَا حسنه تَقْدِيم الْخَبَر الَّذِي هُوَ حاضراه وَلَو قَالَ وجدته الْجُود وَالْكَرم حاضراه لم يحسن كَالْأولِ لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة قَوْله حَاضرا عِنْده الْجُود وَالْكَرم
قَالَ وَمِمَّا يحسن فِيهِ مَجِيء الاسمية بِلَا وَاو دُخُول حرف على الْمُبْتَدَأ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(فَقلت عَسى أَن تبصريني كَأَنَّمَا ... بني حوالي الْأسود الحوارد)

(1/168)


ثمَّ قَالَ فَإِنَّهُ لَوْلَا دُخُول كَأَن عَلَيْهِ لم يحسن الْكَلَام إِلَّا بِالْوَاو
قلت وَمثله مَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} {كَأَن لم يسْمعهَا} {كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا}
ثمَّ شبه الْجِرْجَانِيّ بِهَذَا أَيْضا أَن تقع الاسمية حَالا بعد مُفْرد فَإِنَّهُ يلطف موقعها بِخِلَاف مَا إِذا أفردت كَقَوْل ابْن الرُّومِي
(وَالله يبقيك لنا سالما ... برداك تبجيل وتعظيم)
فَإِنَّهُ لَو قَالَ يبقيك لنا برداك تبجيل لم يحسن
وَأما الْجُمْلَة الفعلية فقد تقدم أَن الْمُضَارع الْمُثبت يمْتَنع مَجِيئه بِالْوَاو لما بَين الْفِعْل الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل من الْمُنَاسبَة وَتَقْرِير ذَلِك أَن أصل الْحَال المتنقلة أَن تدل على حُصُول صفة غير ثَابِتَة مُقَارنَة لما جعلت قيدا لَهُ والمضارع الْمُثبت كَذَلِك أما دلَالَته على حُصُول صفة غير ثَابِتَة فَلَا بُد من فعل مُثبت وَالْفِعْل يدل على التجدد وَعدم الثُّبُوت وَأما دلَالَته على الْمُقَارنَة فَلِأَنَّهُ مضارع غير مخلص للاستقبال فَلهَذَا وَجب أَن يكون بالضمير وَحده كالحال المفردة وَامْتنع نَحْو جَاءَ زيد وَتكلم عَمْرو

(1/169)


وَأما مَا جَاءَ من قَول بعض الْعَرَب قُمْت وأصك عينه وَقَول عبد الله بن همام السَّلُولي
(فَلَمَّا خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مَالِكًا)
فَقيل إِنَّه على حذف الْمُبْتَدَأ أَي وَأَنا أصك وَأَنا أرهنهم وَقيل الأول شَاذ وَالثَّانِي ضَرُورَة
وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ رَحمَه الله لَيست الْوَاو فيهمَا للْحَال بل هِيَ فيهمَا للْعَطْف وأرهن وأصك بِمَعْنى رهنت وصككت وَلَكِن الْغَرَض فِي إخراجهما على لفظ الْحَال أَن يحكيا الْحَال فِي أحد الْخَبَرَيْنِ ويدعا الآخر على أَصله فِي الْمُضِيّ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لَا يعنيني)

(1/170)


فَكَمَا أَن أَمر هُنَا بِمَعْنى مَرَرْت فَكَذَلِك فِي وأرهنهم وأصك وَيبين ذَلِك أَن الْفَاء تَجِيء مَكَان الْوَاو فِي مثله كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر عَن عبد الله بن عتِيك رَضِي الله عَنهُ حِين دخل على أبي رَافع الْيَهُودِيّ حصنه قَالَ فانتهيت إِلَيْهِ فاذا هُوَ فِي بَيت مظلم لَا أَدْرِي أَيْن هُوَ من الْبَيْت فَقلت أَبَا رَافع فَقَالَ من هَذَا فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت فأضربه بِالسَّيْفِ وَأَنا دهش قَالَ قَوْله فأضربه مضارع عطفه بِالْفَاءِ على مَاض لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى مَاض قلت وَمثله أَيْضا قَول تأبط شرا
(أَلا من مبلغ فتيَان فهم ... بِمَا لاقيت يَوْم رَحا بطان)

(1/171)


(بِأَنِّي قد لقِيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان)
(فشدت شدَّة نحوي فَأَهوى ... لَهَا كفي بمصقول يمَان)
(فأضربها بِلَا دهش فخرت ... صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وللجران)
فَأتى بقوله فأضربها ليصور لِقَوْمِهِ الْحَالة الَّتِي فِيهَا تشجع على ضرب الغول حَتَّى كَأَنَّهُ يبصرهم إِيَّاهَا فَكَذَلِك مَا تقدم من قَوْلهم قُمْت وأصك وَجهه وأرهنهم مَالِكًا وَالظَّاهِر أَن مثل هَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة الحالية وَإِن أُرِيد بِهِ حِكَايَة الْحَال
وَأما إِذا كَانَ الْفِعْل منفيا فَإِنَّهُ يجوز دُخُول الْوَاو وَعدمهَا وهما سَوَاء لِأَنَّهُ يدل على الْمُقَارنَة لكَونه مضارعا وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على الْحُصُول لكَونه منفيا
وَقد اسْتثْنى ابْن مَالك الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بلم فَجعل الْوَاو فِيهِ وَاجِبَة وَجوز خلوه عَن الضَّمِير مثل جَاءَ زيد وَلم تطلع الشَّمْس وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الْمَاضِي

(1/172)


لفظا أَو معنى يجوز الْوَجْهَانِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مثبتا وَيشْتَرط أَن يكون غَالِبا مَعَ قد إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة حَتَّى تقربه إِلَى الْحَال فَيدل على المقاربة
وَمُقْتَضى هَذَا أَن يجب الْوَاو فِي الْمَاضِي الْمَنْفِيّ لانْتِفَاء الْمَعْنيين لكنه لم يجب فِيهِ بل كَانَ مثل الْمُثبت أما الْمَنْفِيّ بلما فَلِأَنَّهَا للاستغراق وَأما الْمَنْفِيّ بغَيْرهَا فَلِأَنَّهُ لما دلّ على انْتِفَاء مُتَقَدم وَكَانَ الأَصْل اسْتِمْرَار ذَلِك حصلت الدّلَالَة على الْمُقَارنَة عِنْد إِطْلَاقه بِخِلَاف الْمُثبت فَإِن وضع الْفِعْل على إِفَادَة التجرد وَتَحْقِيق هَذَا أَن اسْتِمْرَار الْعَدَم لَا يفْتَقر إِلَى سَبَب بِخِلَاف اسْتِمْرَار الْوُجُود وَالله أعلم

(1/173)