الفصول المفيدة في الواو المزيدة 23 - فصل ملخص من كَلَام عبد القاهر فِي سر
الرَّبْط بِالْوَاو)
ذكر الإِمَام عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ هُنَا فصلا بديعا فِي سر
امْتنَاع الْوَاو من بعض الْجمل الحالية ودخولها على بَعْضهَا إِمَّا
على وَجه اللُّزُوم أَو الْأَوْلَوِيَّة أَو يكون دُخُولهَا وَعدمهَا
على السوَاء
ملخصة أَن الْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى مَا هُوَ خبر من الْجُمْلَة لَا
تتمّ الْفَائِدَة إِلَّا بِهِ كَخَبَر الْمُبْتَدَأ وَالْفِعْل
للْفَاعِل وَإِلَى مَا هُوَ زِيَادَة فِي خبر آخر سَابق لَهُ وَهُوَ
الْحَال فَإِنَّهَا خبر فِي الْحَقِيقَة من حَيْثُ إِنَّك تثبت بهَا
الْمَعْنى لذِي الْحَال كَمَا تثبته بِخَبَر الْمُبْتَدَأ للمبتدأ
وبالفعل للْفَاعِل إِلَّا أَن الْفرق بَينهمَا أَنَّك فِي خبر
الْمُبْتَدَأ أثبت الْمَعْنى لَهُ ابْتِدَاء وجردته لَهُ
بِالْمُبَاشرَةِ من غير وَاسِطَة وَفِي الْحَال مثل جَاءَ زيد رَاكِبًا
جِئْت بِهِ لتريد معنى خَاصّا فِي إخبارك عَنهُ بالمجيء وَهُوَ أَن
تَجْعَلهُ بِهَذِهِ الْهَيْئَة فِي مَجِيئه وَلم تجرد إثباتك للرُّكُوب
وَلم تباشره بِهِ ابْتِدَاء بل على سَبِيل التبع لغيره
فَإِذا عرف ذَلِك فَكل جملَة جَاءَت حَالا ثمَّ امْتنعت من الْوَاو
فَذَاك لِأَنَّك عَمَدت إِلَى الْفِعْل الْوَاقِع فِي صدرها فضممته
إِلَى الْفِعْل الأول فِي إِثْبَات وَاحِد وكل جملَة وَقعت حَالا ثمَّ
اقْتَضَت الْوَاو فَأَنت مُسْتَأْنف بهَا خَبرا غير قَاصد إِلَى أَن
تضمها إِلَى الْفِعْل الأول فِي إِثْبَات وَاحِد
(1/174)
فَإِذا قلت جَاءَ زيد يسْرع كَانَ
بِمَنْزِلَة قَوْلك مسرعا فِي أَنَّك تثبت مجيئا فِيهِ إسراع وَتجْعَل
الْكَلَام خَبرا وَاحِدًا فكأنك قلت جَاءَنِي بِهَذِهِ الْهَيْئَة
وَكَذَلِكَ قَوْله
(مَتى أرى الصُّبْح قد لاحت مخايله ... )
هُوَ فِي تَقْدِير مَتى أرى الصُّبْح لائحا باديا بَينا وعَلى هَذَا
الْقيَاس وَإِذا قلت جَاءَنِي زيد وَغُلَامه يسْعَى بَين يَدَيْهِ
وَرَأَيْت زيدا وسيفه على كتفه كَانَ الْمَعْنى أَنَّك أثبت الْمَجِيء
والرؤية ثمَّ استأنفت خَبرا وابتدأت إِثْبَاتًا لسعي الْغُلَام بَين
يَدَيْهِ وَلكَون السَّيْف على عَاتِقه فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنى
أَنَّك استأنفت خَبرا آخر احتجت إِلَى مَا يرْبط الْجُمْلَة
الثَّانِيَة بِالْأولَى فجيء بِالْوَاو كَمَا جِيءَ بهَا فِي قَوْلك
زيد منطلق وَعَمْرو ذَاهِب وتسميتها وَاو الْحَال لَا تخرجها عَن أَن
تكون مجتلبة لضم جملَة إِلَى جملَة
ونظيرها الْفَاء فِي جَوَاب الشَّرْط فَإِنَّهَا وَإِن لم تكن عاطفة
بِمَعْنى أَنَّهَا تدخل مَا بعْدهَا فِي حكم الشَّرْط الْمُعَلق
عَلَيْهِ بالْخبر لَا يُخرجهَا أَن تكون بِمَنْزِلَة العاطفة بِمَعْنى
أَنَّهَا جَاءَت لتربط جملَة لَيْسَ من شَأْنهَا أَن ترتبط بِنَفسِهَا
وكما أَن الْمُضَارع إِذا وَقع جَوَابا للشّرط لم يحْتَج إِلَى الْفَاء
فِي الْجَزَاء فَكَذَلِك لَا يحْتَاج إِلَى الْوَاو فِي الْحَال
قِيَاسا سويا
وَإِنَّمَا امْتنع فِي قَوْلك جَاءَ زيد وَهُوَ يسْرع أَن يدْخل
الْإِسْرَاع فِي صلَة الْمَجِيء ويضامه فِي الْإِثْبَات كَمَا كَانَ
ذَلِك فِي جَاءَ زيد يسْرع لِأَنَّك إِذا أعدت ذكر زيد فَجئْت بضميره
الْمُنْفَصِل كَانَ بِمَنْزِلَة أَن تعيد اسْمه صَرِيحًا فَتَقول
جَاءَنِي زيد وَزيد يسْرع فَلَا تَجِد سَبِيلا إِلَى أَن تدخل يسْرع
فِي صلَة الْمَجِيء وتضمه إِلَيْهِ فِي الْإِثْبَات لِأَن إِعَادَة ذكر
زيد إِنَّمَا يكون لقصد اسْتِئْنَاف الْخَبَر عَنهُ وَإِلَّا كنت
تَارِكًا اسْمه الَّذِي جعلته مُبْتَدأ بمضيعة كَمَا لَو
(1/175)
قلت جَاءَنِي زيد وَعَمْرو يسْرع أَمَامه
وَجعلت يسْرع لزيد وَحَالا مِنْهُ وَجعلت عمرا لَغوا وَذَلِكَ الْحَال
فَإِن قلت إِنَّمَا اسْتَحَالَ ذَلِك من حَيْثُ كَانَ فِي يسْرع ضمير
لعَمْرو وتضمنه ضمير عَمْرو يمْنَع أَن يكون لزيد وَأَن يقدر حَالا
لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك جَاءَنِي زيد وَهُوَ يسْرع لِأَن السرعة هُنَاكَ
لزيد لَا محَالة فَلَا يُقَاس إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى
فَجَوَابه أَن الْمَانِع لَيْسَ هُوَ أَن يكون يسْرع فِي قَوْلك
جَاءَنِي زيد وَعَمْرو يسْرع أَمَامه حَالا من زيد وَهُوَ فعل لعَمْرو
فَإنَّك لَو أخرت عمرا فَرَفَعته بيسرع وَقلت جَاءَنِي زيد يسْرع
عَمْرو أَمَامه صَحَّ جعله حَالا من زيد مَعَ أَنه فعل لعَمْرو فَتعين
أَن يكون الْمَانِع تَركك عمرا بمضيعة إِذْ جعلته حَالا مُبْتَدأ لَا
خبر لَهُ ويفضي بك ذَلِك إِلَى أَن يكون يسْرع فِي مَوضِع نصب لكَونه
حَالا من زيد وَفِي مَوضِع رفع لكَونه خَبرا عَن عَمْرو الْمَرْفُوع
بِالِابْتِدَاءِ وَذَلِكَ بَين التدافع وَهَذَا الْمَانِع لَا تَجدهُ
إِذا أخرت عمرا وَصَارَ بِمَثَابَة قَوْلك جَاءَنِي زيد مسرعا عَمْرو
أَمَامه
ثمَّ ذكر الْجِرْجَانِيّ بعد ذَلِك أَنه يَنْبَغِي على هَذَا الأَصْل
أَن لَا تَجِيء جملَة من مُبْتَدأ وَخبر حَالا إِلَّا مَعَ الْوَاو
وَقَالَ هَذَا هُوَ الأَصْل وَمَا جَاءَ من ذَلِك بِغَيْر وَاو فمؤول
بالمفرد مثل كَلمته فوه إِلَى فِي أَي مشافها وَرجع عوده على بدئه أَي
ذَاهِبًا فِي طَرِيقه وَكَذَلِكَ بَقِيَّة أَمْثَاله وَلَيْسَ الْحمل
على الْمَعْنى وتنزيل الشَّيْء منزلَة غَيره قَلِيلا فِي كَلَامهم وَقد
قَالُوا زيد اضربه فأجازوا أَن يكون الْأَمر فِي مَوضِع الْخَبَر لِأَن
الْمَعْنى اضْرِب زيدا وَوضع الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر
مَوضِع الْفَاعِل وَفعله فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {أدعوتموهم أم
أَنْتُم}
(1/176)
صامتون) لِأَن الأَصْل فِي المعادلة أَن
تكون الثَّانِيَة كالأولى نَحْو أدعوتموهم أم صمتم
ثمَّ قَالَ وَيجوز أَن يكون مَا جَاءَ من قَوْلك إِنَّمَا جَاءَ على
إِرَادَة الْوَاو كَمَا جَاءَ الْمَاضِي على إِرَادَة قد قلت وَهَذَا
فِيهِ نظر لَا يخفى وَالْأولَى تَأْوِيله بالمفرد لِأَن الأَصْل فِيهِ
حِينَئِذٍ أَلا تكون فِيهِ وَاو وَالله أعلم
(1/177)
24 - فصل اسْتِعْمَال الْوَاو فِي الْحَال
عِنْد الْأُصُولِيِّينَ
ذكر الْبَزْدَوِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة أَن اسْتِعْمَال
الْوَاو فِي الْحَال على وَجه الْمجَاز والاستعارة والعلاقة مُطلق
الْجمع وَهَذَا مُقْتَضى مَا تقدم قَرِيبا عَن الْجِرْجَانِيّ أَن وَاو
الْحَال لَا تنفك عَن معنى الْعَطف لما تضمن من ضم جملَة إِلَى جملَة
وَالَّذِي صرح بِهِ الإِمَام فَخر الدّين فِي بعض مباحثه أَنَّهَا
مُشْتَركَة بَين الْعَطف وَالْحَال وَمُقْتَضى كَلَامه كَمَا سَيَأْتِي
أَنَّهَا لَا تكون مُشْتَركَة فِي غير هذَيْن تقليلا للاشتراك وَفِي
ذَلِك نظر لِأَن وَاو الْقسم وواو رب لَا جَامع بَينهمَا وَبَين
العاطفة فادعاء الِاشْتِرَاك بَين هَذِه الْمعَانِي وَأَن تكون مجَازًا
فِي الْحَال أولى لوُجُود العلاقة بَين العاطفة وواو الْحَال وَقد قصر
بعض المصنفين القَوْل بالاشتراك على قسم الْأَسْمَاء وَالْأَظْهَر أَنه
يجْرِي أَيْضا فِي الْأَفْعَال والحروف
(1/178)
وَصرح فَخر الدّين وَجُمْهُور أَصْحَابه
بِوُقُوع الِاشْتِرَاك فِي الْحُرُوف محتجين بإطباق أَئِمَّة
الْعَرَبيَّة على ذَلِك والبحث الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ عَن الإِمَام
فَخر الدّين هُوَ على قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم
يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} فَإِنَّهُ احْتج بهَا على حل
مَتْرُوك التَّسْمِيَة عكس مَا تعلق بِهِ الْمُخَالف وَوجه استدلاله
بِهِ أَن الْوَاو للْعَطْف أَو للْحَال لِأَن الِاشْتِرَاك خلاف
الأَصْل فتقليله أقل مُخَالفَة للدليل والعطف هُنَا ضَعِيف لِأَن عطف
الْجُمْلَة الاسمية على الْجُمْلَة الفعلية قَبِيح لَا يُصَار إِلَيْهِ
إِلَّا لضَرُورَة كَمَا فِي آيَة الْقَذْف وَالْأَصْل عدمهَا هُنَا
وَإِذا تعين أَن يكون للْحَال كَانَ تَقْدِير الْآيَة وَلَا تَأْكُلُوا
مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ حَال كَونه فسقا لَكِن الْفسق هُنَا
غير مُبين وَبَيَانه فِي الْآيَة الْأُخْرَى وَهِي قَوْله تَعَالَى
{أَو فسقا أهل لغير الله بِهِ} فَصَارَ الْفسق مُفَسرًا بِأَنَّهُ
الَّذِي أهل لغير الله بِهِ فَيبقى تَقْدِير الْآيَة وَلَا تَأْكُلُوا
مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ حَال كَونه مهلا بِهِ لغير الله
ثمَّ استفتح القَوْل على حل مَتْرُوك التَّسْمِيَة من أَن تَخْصِيص
التَّحْرِيم بِالصّفةِ يَقْتَضِي نفي الحكم عَمَّا عدهَا وَمن قَوْله
تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ}
الْآيَة وَمن غير ذَلِك هَذَا ملخص بَحثه
(1/179)
وَاعْترض عَلَيْهِ الْمجد الروذراوي
بِأُمُور أَحدهَا منع انحصار الِاشْتِرَاك فِي الْعَطف وَالْحَال فقد
يَجِيء للاستئناف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد مننا على مُوسَى
وَهَارُون} وَأَمْثَاله وَكَذَلِكَ فِي هَذِه الْآيَة فِي موضِعين
أَحدهمَا {وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ}
وَالثَّانِي {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون}
وَثَانِيها منع أَنَّهَا وَاو الْحَال قَالَ وَلَا يلفى فِي كَلَام
الْعَرَب وَاو مقترنة بإن وَاللَّام فِي خَبَرهَا وَهِي للْحَال
وَثَالِثهَا منع الْإِجْمَال فِي لفظ الْفسق فَإِنَّهُ مُطلق الْخُرُوج
عَن الطَّاعَة وَلَو سلم فِيهِ الْإِجْمَال فَمَا الدَّلِيل على أَن
بَيَانه فِي قَوْله {أَو فسقا أهل لغير الله بِهِ}
وَرَابِعهَا أَن الضَّمِير فِي {وَإنَّهُ لفسق} لَا يَصح عوده إِلَى
الْمَذْبُوح لِأَنَّهُ مجَاز مَحْض وَالظَّاهِر أَنه يعود إِلَى الْأكل
الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا} فَيبْطل
الِاسْتِدْلَال بِهِ على كَونه مُبَاحا لِأَن النَّهْي عَنهُ يدل على
تَحْرِيمه فَيكون أكله محرما وفسقا فَلَا يكون مُبَاحا
وخامسها أَن مَا ذكره من تَقْدِير الْآيَة {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم
يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} حَال كَونه مهلا بِهِ لغير الله أخص مِمَّا
لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ لانقسام ذَلِك إِلَى مَا يهل بِهِ لغير
الله وَإِلَى مَا لَا يهل بِهِ لأحد وَالْحمل على الْأَعَمّ أولى
لِأَنَّهُ أَعم فَائِدَة
وسادسها أَن التَّمَسُّك بِهِ فِي الْإِبَاحَة بِمَفْهُوم الصّفة
إِثْبَات متنازع فِيهِ لِأَن الْخصم يُخَالف فِي ذَلِك أَيْضا وَهُوَ
اخْتِيَار فَخر الدّين فِي الْمَحْصُول فَكيف يحْتَج بِهِ هُنَا وَذكر
كلَاما كثيرا لَا فَائِدَة فِي مثله وَلَيْسَ من غرضنا
وَمَعَ ذَلِك فَلَا بُد من إِثْبَات عَمَّا فِي هَذِه الاعتراضات
(1/180)
أما الأول فواو الِاسْتِئْنَاف هِيَ أحد
نَوْعي العاطفة وَلَيْسَت شَيْئا غَيرهَا حَتَّى يلْزم بهَا وَلَا شكّ
أَن نَفْيه محامل الْوَاو الَّتِي يَأْتِي ذكرهَا من الَّتِي بِمَعْنى
مَعَ وواو الصّرْف الناصبة للمضارع وواو الْقسم وواوات لَا يَصح
مِنْهَا شَيْء فِي هَذِه الْوَاو فَتعين الْحصْر بَين وَاو الْعَطف
وواو الْحَال وَيلْزم من وَاو الْعَطف مَا ذكره من الْمُخَالفَة بعطف
الْجُمْلَة الاسمية على الْجُمْلَة الفعلية وَإِن كَانَت للاستئناف
فيترجح كَونهَا للْحَال
وَأما الْجُمْلَة بإن وَاللَّام فَقَالَ لَا يمْنَع وُقُوعهَا حَالا
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ
وَإِن فريقا من الْمُؤمنِينَ لكارهون} فَإِن هَذِه الْجُمْلَة مُتَّفق
على أَنَّهَا حَالية وفيهَا إِن وَاللَّام وَذَلِكَ يرد قَوْله إِنَّه
لَا يلفى فِي كَلَام الْعَرَب
وَأما بَيَان الْفسق بِتِلْكَ الْآيَة فَذَلِك جَار على قَاعِدَة
تَقْيِيد الْمُطلق لِأَن سِيَاق الْآيَتَيْنِ فِي مَا يُؤْكَل وَقد
قيدت تِلْكَ الْآيَة الْفسق بِمَا أهل بِهِ لغير الله فَتحمل هَذِه
الْآيَة عَلَيْهِ وَالتَّقْيِيد فِي الْحَقِيقَة بَيَان المُرَاد
الْمُتَكَلّم
وَأما عود الضَّمِير فَلَا يتَعَيَّن أَن يعود إِلَى الْأكل بل
الْأَظْهر عوده إِلَى الْفِعْل وَهُوَ ذكر اسْم غير الله تَعَالَى على
الذَّبِيحَة فَيكون الْوَصْف بِكَوْنِهِ فسقا هُوَ ذَلِك الْفِعْل
وَالنَّهْي عَن الْأكل مُقَيّدا بِوُجُودِهِ
فَأَما الْحمل على الْأَعَمّ فَلَا يلْزم إِلَّا إِذا لم يمْنَع مِنْهُ
مَانع وَهنا قد قَامَ الدَّلِيل على أَن مَا نهي عَنهُ هُوَ مَا أهل
بِهِ لغير الله فَلَمَّا عرف ذَلِك من عَادَة أهل ذَلِك الزَّمَان
وَهُوَ أَن من لم يذكر اسْم الله سُبْحَانَهُ على الذَّبِيحَة يذكر
اسْم مَا كَانُوا يشركُونَ بِهِ ثمَّ إِن سِيَاق الْآيَة أَيْضا ترشد
إِلَى ذَلِك وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ ليجادلوكم وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون}
(1/181)
) وهم إِنَّمَا يصيرون مُشْرِكين بِذكر
اسْم غير الله لَا بترك اسْم الله تَعَالَى وَاسم غَيره فَفِي هَذَا
إِشْعَار يرجح أَن المُرَاد بقوله تَعَالَى {مِمَّا لم يذكر اسْم الله
عَلَيْهِ} مَا ذكر اسْم غير الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَأما الِاعْتِرَاض بالتمسك بِمَفْهُوم الصّفة فَأمره قريب
وَالْمَقْصُود أَن الْآيَة لَا دلَالَة فِيهَا على تَحْرِيم مَا لم
يذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَإِن قَامَ مِنْهَا دَلِيل على إِبَاحَته
وَإِلَّا فَلَا يضر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/182)
|