الفصول المفيدة في الواو المزيدة 27 - فصل الناصب للْمَفْعُول مَعَه
اخْتلف النُّحَاة فِي الناصب للْمَفْعُول مَعَه بعد الْوَاو على
خَمْسَة أَقْوَال
الأول مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَجُمْهُور الْمُحَقِّقين أَن نَصبه بالعامل
فِيمَا قبله من الْفِعْل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ بوساطة الْوَاو فَهِيَ
الَّتِي صححت وُصُول الْفِعْل إِلَى مَا بعْدهَا كَمَا فِي همزَة
النَّقْل والتضعيف وَالْبَاء المعدية وَنَحْو ذَلِك
وَالثَّانِي قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش وَجَمَاعَة مَعَه أَن الناصب
فِيهِ على الظّرْف لِأَن الْوَاو قَائِمَة مقَام مَعَ وَكَانَت مَعَ
منتصبة على الظّرْف فَلَمَّا وضعت الْوَاو موضعهَا فَلم يكن إِثْبَات
الْإِعْرَاب فِيهَا كَانَ ذَلِك فِيمَا بعْدهَا فانتصبت على
الظَّرْفِيَّة وَنَظِيره جعلهم إِلَّا مَكَان غير كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} لِأَنَّهُ
كَانَت غير مَرْفُوعَة فَلَمَّا وضعت إِلَّا مَكَانهَا وَلَا تصلح
للرفع ارْتَفع مَا بعْدهَا على مَا كَانَت غير مُرْتَفعَة بِهِ وَهُوَ
النَّعْت وَمثله قَول الشَّاعِر
(وكل أَخ مُفَارقَة أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان)
(1/194)
وَالتَّقْدِير غير الفرقدين
وَالْقَوْل الثَّالِث قَالَه الزّجاج أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف يدل
عَلَيْهِ السِّيَاق فَفِي مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة يقدر ولابس
الْخَشَبَة وَكَذَلِكَ فِي الْبَقِيَّة قَالَ لِأَن الْفِعْل لَازم
وَالْوَاو غير معدية بل فِيهَا معنى الْعَطف بَاقٍ بِدَلِيل عدم جَوَاز
تَقْدِيمهَا مَعَ مصاحبها على الْفِعْل فَلَا يُقَال وزيدا قُمْت
فَيقدر بعد الْعَطف فعل يَقْتَضِيهِ الْكَلَام كَمَا فِي الْأَمْثِلَة
وَالرَّابِع وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين أَنه مَنْصُوب على الْخلاف
لِأَن الاسْتوَاء مثلا مَنْسُوب إِلَى الْخَشَبَة وَكَانَ حَقه
اسْتَوَى المَاء والخشبة بِالرَّفْع فَلَمَّا خَالفه صَار التَّقْدِير
سَاوَى المَاء الْخَشَبَة وَالْخلاف ينصب كَمَا ينصب فِي الظّرْف إِذا
كَانَ خَبرا للمبتدأ أَو مَا الحجازية فَإِن الأَصْل فِيهِ أَن يجر
بِالْبَاء فَلَمَّا خَالف الأَصْل نصب
(1/195)
وَالْخَامِس قَالَه الْجِرْجَانِيّ أَن
الناصب لَهُ الْوَاو وَحدهَا لِأَن صِحَة الْكَلَام لما دارت مَعَ
الْوَاو وجودا وعدما دلّ على أَنَّهَا هِيَ العاملة كإلا فِي
الِاسْتِثْنَاء
وَهُوَ أَضْعَف هَذِه الْمذَاهب أما أَولا فَلِأَنَّهُ منتقض بالتضعيف
وبهمزة النَّقْل والتعدية لِأَن صِحَة الْكَلَام فِي النصب دَائِرَة
مَعَ هَذِه وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا عَاملا وَثَانِيا فَلِأَنَّهُ لَو
كَانَت الْوَاو عاملة لم يفْتَقر إِلَى وجود عَامل قبلهَا ولاتصلت
الضمائر بهَا كَمَا تتصل بالحروف العاملة نَحْو لَك وَإنَّك وَامْتنع
الِانْفِصَال فِي نَحْو لَو تركت الفصيل وَأمه لرضعها وَأَيْضًا
فالحروف لَا يعْمل شَيْء مِنْهَا حَتَّى يخْتَص وَالْوَاو غير
مُخْتَصَّة بل تدخل على الِاسْم وَالْفِعْل
وَأما مَذْهَب الْأَخْفَش فَيرد عَلَيْهِ أَن الْأَسْمَاء المنتصبة
هُنَا لَيست ظروفا وَلَا تصلح مَعَه بالِاتِّفَاقِ فَكيف تنتصب على
الظَّرْفِيَّة وَأَيْضًا لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز أَن تَقول كل رجل
مَعَ ضيعته وَلَا يُقَال هَذَا إِلَّا بِالرَّفْع لِأَنَّهُ مَعْطُوف
سد مسد
(1/196)
الْخَبَر وَقد تقدم أَن الصَّيْمَرِيّ
أجَاز النصب فِيهِ وَأَنَّهُمْ غلطوه وَنَقله ابْن بزيزة عَن ابْن
كيسَان أَيْضا
وَأما قَول الزّجاج فضعيف من جِهَة أَن تَقْدِير الْفِعْل لَا يُصَار
إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا وَقَوله إِن
الْفِعْل لَا يعْمل فِي مفعول بَينهمَا الْوَاو جَوَابه أَن الْوَاو
لما كَانَ هُنَا بهَا إرباط الِاسْم بِالْفِعْلِ أثرت فِيهِ من حَيْثُ
الْمَعْنى فَلَا يمْتَنع أَن يُؤثر فِيهِ من جِهَة اللَّفْظ وَأَيْضًا
فَإِنَّهَا فِي الْعَطف لم تمنع الْعَمَل لِأَن الناصب فِي مثل ضربت
زيدا وعمرا هُوَ الْفِعْل بتوسط الْوَاو لما اقْتَضَاهُ الْمَعْنى
فَكَذَلِك هُنَا
وَأما مَذْهَب الْكُوفِيّين فينتقض بالْعَطْف الَّذِي فِيهِ
الْمُخَالفَة مثل قَامَ زيد لَا عَمْرو ونظائر ذَلِك مِمَّا لم يقتض
الْخلاف فِيهِ نصبا فَدلَّ على أَن الْمُخَالفَة لَا أثر لَهَا
وَأَيْضًا يلْزم من اعْتِبَارهَا جَوَاز نصب الأول لِأَنَّهُ مُخَالف
للثَّانِي إِذْ لَو اعْتبرنَا الْخلاف فَلَيْسَ مُخَالفَة الثَّانِي
للْأولِ أولى بِالِاعْتِبَارِ من عَكسه
وَوجه قَول سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا فرق بَين تَعديَة
الْفِعْل بِالْبَاء أَو بِالْوَاو إِلَّا أَن حرف الْجَرّ عَامل
مُسْتَقل وَالْوَاو لَا تعْمل بالاستقلال لعدم اختصاصها بِعَمَل
الْعَامِل الأول فِي الِاسْم الَّذِي بعد الْوَاو كَمَا عمل فِي مَوضِع
الْجَار
(1/197)
وَالْمَجْرُور وَلما خرجت الْوَاو عَن
أَصْلهَا بجعلها مقوية للْعَمَل وموصلة لَهُ إِلَى مَا بعْدهَا لَزِمت
طَريقَة وَاحِدَة وَهَذَا شَأْنهمْ فِيمَا أَخْرجُوهُ عَن أَصله وكما
أَن الْفِعْل اللَّازِم إِذا قوي بِالْهَمْزَةِ عمل النصب وَالْعَمَل
لَيْسَ للهمزة بل للْفِعْل بتقوية الْحَرْف إِيَّاه فَكَذَلِك هُنَا
وَإِنَّمَا حذفت مَعَ اختصارا وتوسعا وأقيمت الْوَاو مقَامهَا
لِأَنَّهَا أخصر مِنْهَا وتوافقها فِي الْمَعْنى لِأَن الْجمع فِيهِ
معنى المصاحبة وَكَانَ فِيهَا مَعْنيانِ الْجمع والعطف فَلَمَّا خلع
مِنْهَا معنى الْعَطف بَقِي الْجمع كَمَا أَن الْفَاء فِيهَا معنى
الْعَطف والاتباع فَإِذا وَقعت فِي جَوَاب الشَّرْط خلع مِنْهَا
الْعَطف وَبَقِي الِاتِّبَاع
فَإِن قيل فَلم لم ينجر مَا بعد الْوَاو بهَا كَمَا ينجر بمع
لِأَنَّهَا هُنَا بمعناها وقائمة مقَامهَا
فَجَوَابه أَنه لما كَانَ أَصْلهَا هُنَا الْعَطف وَالْوَاو العاطفة
لَا تعْمل إِنَّمَا يعْمل فِيمَا بعْدهَا الْفِعْل الَّذِي قبلهَا تركت
هُنَا على أَصْلهَا
وَقد ذكر ابْن جني وَجَمَاعَة من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة أَن
الْمَفْعُول مَعَه إِنَّمَا يجوز
(1/198)
حَيْثُ يصلح الْعَطف فَكل مَوضِع لَا يصلح
فِيهِ الْعَطف لم يجز فِيهِ النصب على الْمَفْعُول مَعَه فَلَا يَصح
قَوْلك انْتَظَرْتُك وطلوع الشَّمْس أَي مَعَ طُلُوع الشَّمْس لعدم
صِحَة الْعَطف فِيهِ
وَهَذَا الْكَلَام كَأَنَّهُ فِي الْغَالِب وَإِلَّا فقد تقدم قَوْلهم
سرت والجبل وَلَا يَصح الْعَطف هُنَا وَهُوَ مِمَّا يجب فِيهِ النصب
كَمَا تقدم فَهَذِهِ الْقَاعِدَة غير مطردَة وَقد نبه عَلَيْهَا ابْن
خروف وَغَيره وَالله أعلم
(1/199)
28 - فصل النصب على الْمَفْعُول مَعَه
قياسي أَو سَمَاعي ومسائل أُخْرَى
الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَكثر الْبَصرِيين أَن النصب فِي هَذَا الْبَاب
قِيَاس على مجْرى نصب الْمصدر والظرف وَنَحْوهمَا لصِحَّة مَعْنَاهُ
وَصِحَّة عَامل النصب فِيهِ وَكَثْرَة مَجِيئه وَمِنْهُم من قصره على
السماع وَألا يُقَال مِنْهُ إِلَّا مَا قالته الْعَرَب لما يتَضَمَّن
من وضع الْحَرْف فِي غير مَوْضِعه فَإِن الْوَاو أَصْلهَا الْعَطف
وَجعلهَا بِمَعْنى مَعَ اتساع لَا سِيمَا وَالنّصب بعْدهَا بالعامل
الَّذِي قبلهَا وكل ذَلِك خُرُوج عَن الْقيَاس فَيقْتَصر بِهِ على
السماع
وَحكى الامام أَبُو بكر الْخفاف فِي شرح الْجمل عَن الْأَخْفَش أَنه
قوى هَذَا القَوْل الثَّانِي وَقَالَ إِنَّه الْأَحْوَط
(1/200)
وَالَّذِي حكى ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل
عَن أبي الْحسن يَعْنِي الْأَخْفَش وَأبي عَليّ الْفَارِسِي أَنَّهُمَا
اختارا كَونه مقيسا
وَحكى أَبُو الْقَاسِم اللورقي عَنْهُمَا أَنَّهُمَا ذَهَبا إِلَى أَن
مَا جَازَ أَن يسْتَعْمل مَعْطُوفًا كَانَ مقيسا وَمَا لم يصلح جعله
مَعْطُوفًا يقْتَصر بِهِ على السماع لِأَن الْمجَاز لَا يُقَاس
عَلَيْهِ وَقد تقدم أَنه يَصح قَوْلهم سرت والجبل ومشيت والساحل وَأَنه
كَلَام صَحِيح مطرد
وَالظَّاهِر الْقيَاس فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا مَا منع مِنْهُ مَانع
مثل قَوْلهم كَانَت هِنْد وعمرا ضاحكة فَإِن نصب عَمْرو هُنَا على أَنه
مفعول مَعَه لَا يَصح لفساد الْمَعْنى فِي خبر كَانَ
وَقد اخْتلفُوا فِي إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى {فَأَجْمعُوا أَمركُم}
وَفِيه ثَلَاث قراءات
إِحْدَاهَا وَهِي المتواترة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا الْقُرَّاء
السَّبْعَة بِقطع الْهمزَة وَكسر الْمِيم من أَجمعُوا من الاجماع وَنصب
شركاءكم فَالَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي والمحققون أَن
شركاءكم مَنْصُوب على أَنه مفعول مَعَه وَالْوَاو بِمَعْنى مَعَ أَي
اجْمَعُوا مَعَ شركائكم أَمركُم وَذَلِكَ لِأَن الْعَطف هُنَا مُتَعَذر
من جِهَة أَن الاجماع إِنَّمَا يكون فِي الْمعَانِي وَالْجمع فِي
الشُّرَكَاء وَمَا يتفرق وَجوز
(1/201)
أَبُو عَليّ وَغَيره أَيْضا أَن يكون هُنَا
فعل مُقَدّر ينْتَصب بِهِ الشُّرَكَاء وَيكون من بَاب عطف جملَة على
جملَة تَقْدِيره فَأَجْمعُوا أَمركُم واجمعوا شركاءكم وَيكون هَذَا
الْمُقدر ثلاثيا وَيكون ذَلِك من بَاب قَوْله
(يَا لَيْت زَوجك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)
وَقَول الآخر
(علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا ... )
تَقْدِيره مُتَقَلِّدًا سَيْفا ومعتقلا رمحا وعلفتها تبنا وسقيتها مَاء
بَارِدًا لِأَن المَاء لَا يعلف وَلكنه يسقى
(1/202)
وَرجح جمَاعَة الأول من جِهَة عدم
التَّقْدِير قَالَ ابْن بابشاذ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن مفعول مَعَه
أكشف من هَذِه الْآيَة
وَرجح الْوَجْه الثَّانِي بِمَا رُوِيَ من قِرَاءَة أبي بن كَعْب رَضِي
الله عَنهُ / فَأَجْمعُوا أَمركُم وَادعوا شركاءكم /
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعَامِل فِي شركاءكم {أَجمعُوا} ) وَإِن
كَانَ لَا يعْمل فِي المتفرق وَلكنه عمل فِيهِ لمقاربة مَا بَين جمعت
وأجمعت)
والوجهان الْأَوَّلَانِ أقوى
وَالثَّانيَِة قِرَاءَة يَعْقُوب / فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاؤكم /
وَالْوَاو فِيهَا عاطفة على الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي فَأَجْمعُوا
وأغنى عَن تأكيده توسيط الْمَفْعُول وَيجوز أَن يرْتَفع بِفعل مُقَدّر
مَعْنَاهُ وليجمعه شركاؤكم وَلَكِن الأول أقوى من جِهَة عدم
التَّقْدِير
(1/203)
وَالثَّالِثَة رَوَاهَا الْأَصْمَعِي عَن
نَافِع {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} بوصل الْهمزَة وَفتح الْمِيم
فعلى هَذَا يجوز أَن يكون الشُّرَكَاء مَعْطُوفًا على مَا قبله وَأَن
يكون مَفْعُولا مَعَه
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فاستقم كَمَا أمرت وَمن تَابَ مَعَك}
فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون مَفْعُولا مَعَه فَيكون مَوضِع من نصبا بذلك
وَيحْتَمل أَن تكون الْوَاو عاطفة على الْمُضمر فِي فعل الْأَمر وسد
الْجَار وَالْمَجْرُور وَمَا اتَّصل بِهِ مسد التَّأْكِيد فَيكون
مَوضِع من رفعا
وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم}
يحْتَمل أَن يكون الْإِيمَان مَفْعُولا مَعَه أَي مَعَ الْإِيمَان
وَيحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على وَجه التَّجَوُّز فِي الْإِيمَان
فتصوره بِصُورَة الْمسكن الَّذِي يسْتَقرّ فِيهِ ويلجأ إِلَيْهِ وَيجوز
أَن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مُقَدّر أَي وَأَخْلصُوا الْإِيمَان
وَقد اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز نصب الْمَفْعُول مَعَه فِي مَوضِع لم
يتَقَدَّم فِيهِ قبل الْوَاو عَامل أصلا وَالْجُمْهُور على أَنه لَا
يَصح ذَلِك بِنَاء على الْمُخْتَار فِيمَا
(1/204)
تقدم أَن الناصب لَهُ الْفِعْل أَو
مَعْنَاهُ بِوَاسِطَة الْوَاو وإيصالها الْعَمَل إِلَيْهِ وَمن قَالَ
إِن الْوَاو هِيَ الناصبة كالجرجاني يجوز نَصبه حَيْثُ لم يتَقَدَّم
عَامل
قَالَ ابْن بزيزة وَقد جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (أَنا وَكَثْرَة المَال أخوفني عَلَيْكُم من قلته)
وَفِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (وَأَنا وإياه فِي لِحَاف
وَاحِد)
قلت لَا يلْزم أَن يكون الحَدِيث الأول بِنصب كَثْرَة إِلَّا أَن تكون
الرِّوَايَة مضبوطة كَذَلِك بِخِلَاف قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
فَإِن الضَّمِير مُتَعَيّن للنصب
(1/205)
فَيحْتَمل أَن يقدر فِيهِ فعل يَصح بِهِ
الْإِعْرَاب دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام مثل كنت أَنا وإياه وَنَحْو
ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم
وَمِمَّا يتَخَرَّج من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة مَا إِذا قَالَ إِن
دخلت الدَّار وزيدا فَأَنت طَالِق وَكَانَ الْمُتَكَلّم نحويا فَإِن
الطَّلَاق إِنَّمَا يَقع بِدُخُولِهَا مَعَ زيد جَمِيعًا لَا بِدُخُول
كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده وَإِن اجْتمعَا فِيهَا وَلم يدخلا جَمِيعًا
فَفِيهَا احْتِمَال ومجال للنَّظَر وَيَنْبَغِي أَن تعْتَبر نِيَّته
فَإِن قصد منع كَونهمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهَا حنث بذلك وَإِلَّا
فَمُقْتَضى كَلَامه وَهُوَ يحتوي التَّعْلِيق على المصاحبة فِي
الدُّخُول
أما إِذا لم يكن نحويا وَلم يعرف مُقْتَضى هَذَا التركيت فالمرجع هُنَا
إِلَى نِيَّته كَمَا فِي نَظَائِره وَالظَّاهِر حِينَئِذٍ ترَتّب
الْوُقُوع على اجْتِمَاعهمَا فِيهَا وَإِن لم يدخلا مَعًا
وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْخبز وَالْعِنَب قَالَ أَصْحَابنَا لَا
يَحْنَث إِلَّا إِذا أكلهما مَعًا إِلَّا إِذا نوى غير ذَلِك لِأَن
الْوَاو العاطفة تجْعَل الْجَمِيع كالشيء الْوَاحِد فَكَأَنَّهُ قَالَ
لَا أكلهما فَقَوْلهم إِلَّا إِذا نوى غير ذَلِك مُقْتَضَاهُ أَنه نوى
منع أكلهما مَعًا أَنه يتَعَلَّق الْحِنْث بِهِ دون مَا إِذا أكل كل
وَاحِد مِنْهُمَا بمفرده
وَهَذَا يقوى عِنْدَمَا يكون الْحَالِف نحويا وَقصد أَن يكون الْوَاو
بِمَعْنى مَعَ وَوَجهه ظَاهر وَالظَّاهِر أَن غير النَّحْوِيّ إِذا قصد
هَذَا الْمَعْنى فِي هَذِه الصُّورَة يعْتَبر مَا نَوَاه بِخِلَاف
الَّتِي قبلهَا وَالله أعلم
(1/206)
|