الكتاب لسيبويه ؟ باب أي مضافاً الى ما لا يكمل
اسما إلا بصلة
فمن ذلك قولك: اضربْ أيُّ مَن رأيتَ أفضلُ. فمَن كمل اسما برأيتَ فصار
بمنزلة القوم، فكأنك قلت: أيُّ القوم أفضل، وأيهم أفضلُ، وكذلك أيُ
الذين رأيت في الدار أفضلُ. وتقول: أي الذين رأيتَ في الدار أفضل؟ لأن
رأيت من صلة الذين، وفيها متصلة برأيت، لأنك ذكرت موضع الرؤية، فكأنك
قلت أيضا: أي القوم أفضل وأيهم أفضل؛ لأن فيها لم تغير الكلام عن حاله.
كما أنك إذا قلت: أيُ مَن رأيتَ قومَه أفضل؟
(2/404)
كان بمنزلة قولك: أيُ مَن رأيتَ أفضلُ.
فالصلة معملة وغيرَ معملةٍ في القوم سواءٌ.
وتقول: أيَّ من في الدار رأيت أفضلَ، وذاك لأنك جعلت في الدار صلة فتم
المضاف إليه أيٌ اسما، ثم ذكرتَ رأيت، فكأنك قلت: أي القوم رأيت أفضل،
ولم تجعل في الدار ها هنا موضعا للرؤية.
وتقول: أيُّ مَن في الدار رأيتَ أفضل، كأنك قلت: أيُ من رأيتَ في الدار
أفضلُ. ولو قلت أيُ من في الدار رأيتَه زيدٌ، إذا أردت أن تجعل في
الدار موضعا للرؤية لجاز. ولو قلت: أيُ مَن رأيت في الدار أفضل، قدّمتَ
أو أخّرتَ سواء.
وتقول في شيء منه آخر: أيُ مَن إن يأتنا نُعطه نُكرمه. فهذا إن جعلته
استفهاما فإعرابه الرفع، وهو كلام صحيح، من قبل إن يأتنا نعطِه صلةٌ
لمَن فكمل اسما. ألا ترى أنك تقول مَن إن يأتنا نعطِه بنو فلان، كأنك
قلت: القومُ بنو فلان، ثم أضفتَ أيا إليه، فكأنك قلت: أيُ القوم نُكرمه
وأيهم نُكرمه؟ فإن لم تدخل الهاء في نُكرم نصبتَ، كأنك قلت: أيهم
نُكرم.
فإن جعلتَ الكلام خبرا فهو محال؛ لأنه لا يحسن أن تقول في الخبر: أيهم
نُكرمه.
ولكنك إن قلت أيَّ مَن إن يأتنا نعطِه نُكرم تُهين، كان
(2/405)
في الخبر كلاما، لأن أيهم بمنزلة الذي في
الخبر، فصار نكرم صلةً، وأعملت تُهين، كأنك قلت: الذي نُكرمُ تُهين.
وتقول: أيَّ مَن إن يأتنا نُعطه نُكرم تُهن، كأنك قلت: أيَّهم نُكرِم
تُهن.
وتقول: أيُ مَن يأتينا يريد صلتنا فنحدثه، فيستحيل في وجه ويجوز في
وجه.
فأما الوجه الذي يستحيل فهو أن يكون يريد في موضع مُريدٍ إذا كان حالا
فيه وقع الإتيان، لأنه معلّق بيأتينا، كما كان فيها معلقا برأيت في:
أيُ مَن رأيت في الدار أفضل، فكأنك قلت: أيُهم فنحدثه. فهذا لا يجوز في
خبر ولا استفهام.
وأما الوجه الذي يجوز فيه فإن يكون يريدُ مبنيا على ما قبله، ويكون
يأتينا الصلة. فإن أردت ذلك كان كلاما، كأنك قلت: أيهم يريد صلتَنا
فنحدثه وفنحدثه إن أردت الخبر.
وأما أيَّ مَن يأتينا فنحدثه فهو محال. لأن أيَّهم فنحدثه محال. فإن
أخرجت الفاء فقتل: أيَّ من يأتيني نُحدّثُه، فهو كلام في الاستفهام،
محالٌ في الإخبار.
وتقول: أيَّ مَن إن لم يأته مَن إن يأتِنا نُعطه تأتِ يكرمْك. وذلك أن
مَن الثانية صلتها إن يأتنا نعطه، فصار بمنزلة زيد، فكأنك قلت: أي مَن
إن يأته زيدٌ يُعطه تأتِ يكرمْك، فصار إن يأته زيدٌ يعطِه صلة لمن
الأولى، فكأنك قلت: أيهم تأتِ يُكرمْك.
(2/406)
فجميع ما جاز وحسن في أيهم ها هنا جاز في:
أي مَن إن يأته من إن يأتنا نعطه يُعطِه، لأنه بمنزلة أيهم.
وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم: أيهن فلانة وأيتهن فلانة فقال: إذا
قلت أي فهو بمنزلة كل لأن كلا مذكر يقع للمذكر والمؤنث وهو أيضا بمنزلة
بعض، فإذا قلت أيتهن فإنك أردت أن تؤنث الاسم، كما أن بعض العرب فيما
زعم الخليل رحمه الله يقول: كلَّتهن منطلقة.
؟ باب أي إذا كنتَ مستفهما بها عن نكرة
وذلك أن رجلا لو قال: رأيت رجلا قلت: أيا؟ فإن قال: رأيت رجلين قلت:
أيّيْن؟ وإن قال: رأيت رجالا قلت: أيِّين؟ فإن ألحقتَ يا فتى في هذا
الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق يا فتى.
وإذا قال رأيت امرأة قلت: أية يا فتى؟ فإن قال: رأيتُ امرأتين قلت:
أيَّتَين يا فتى؟ فإن قال: رأيتُ نسوة قلت: أيّاتٍ يا فتى؟ فإن تكلم
بجميع ما ذكرنا مجرورا جررتَ أيا، وإن تكلم به مرفوعا رفعتَ أيا، لأنك
إنما تسألهم على ما وضع عليه المتكلم كلامه.
قلت: فإن قال: رأيت عبدَ الله أو مررت بعبد الله؟ قال: فإن الكلام أن
لا تقول أيا، ولكن تقول: مَن عبدُ الله؟ وأيٌ عبدُ الله؟
(2/407)
لا يكون إذا جئت بأي إلا الرفع، كما أنه لا
يجوز إذا قال: رأيت عبدَ الله أن تقول مَنَا؟ وكذلك لا يجوز إذا قال
رأيت عبدَ الله أن تقول أيا؟ ولا تجوز الحكاية فيما بعد أي كما جاز
فيما بعد مَن وذلك أنه إذا قال رأيت عبدَ الله قلت: أيٌ عبدُ الله؟
وإذا قال: مررتُ بعبد الله قلت: أيٌ عبدُ الله؟ وإنما جازت الحكاية بعد
مَن في قولك مَن عبد الله، لأن أيا واقعة على كل شيء، وهي للآدميين.
ومَن أيضا مُسكّنةٌ في غير بابها، فكذلك يجوز أن تجعل ما بعد مَن في
غير بابه.
؟ باب مَن اذا كنت مستفهما عن نكرة
اعلم أنك تثنى مَن إذا قلت رأيت رجلين كما تثنى أيا، وذلك قولك: رأيت
رجلين، فتقول: مَنَيْن كما تقول أيين. وأتاني رجلان فتقول: مَنان،
وأتاني رجال فتقول: مَنون. وإذا قال: رأيت رجالا قلت: مَنين، كما تقول
أيِّين. وإن قلت رأيت امرأة قلت: مَنَهْ؟ كما تقول
(2/408)
أية. فإن وصل قال مَن يا فتى، للواحد
والاثنين والجميع. وإن قال رأيت امرأتين قلت مَنَتيْن كما قلت أيّتَين،
إلا أن النون مجزومة. فإن قال: رأيت نساءَ قلت: مَناتْ كما قلت أيّاتٍ،
إلا أن الواحد يخالف أيا في موضع الجر والرفع، وذلك قولك: أتاني رجلٌ
فتقول مَنُو، وتقول مررت برجل فتقول مَني. وسنبين وجه هذه الواو والياء
في غير هذا الموضع إن شاء الله.
فأي في موضع الجر والرفع إذا وقفتَ بمنزلة زيد وعمرو؛ وذلك لأن التنوين
لا يلحق مَن في الصلة وهو يلحق أيا فصارت بمنزلة زيد وعمرو وأما مَن
فلا ينون في الصلة، فجاء في الوقف مخالفا.
وزعم الخليل أن مَنَهْ ومَنَتَيْن ومَنَيْن ومَناتْ ومَنِين كل هذا في
الصلة مُسكن النون، وذلك أنك تقول إذا رأيت رجالا أو نساء أو امرأة أو
امرأتين، أو رجلاً أو رجلين: مَني يا فتى.
وزعم الخليل رحمه الله أن الدليل على ذلك أنك تقول مَنو في الوقف، ثم
تقول مَن ي فتى، فيصير بمنزلة قولك مَن قال ذاك؟ فتقول: مَن يا فتى إذا
عنيت جميعا، كأنك تقول مَن قال ذاك، إذا عنيت جماعةً. وإما فارق باب
مَن باب أي أن أيا في الصلة يثبت فيه التنوين، تقول: أيٌ ذا وأيةٌ ذهْ.
وزعم أن من العرب، وقد سمعناه من بعضهم، من يقول: أيّونَ
(2/409)
هؤلاء، وأيان هذان. فأيٌ قد تُجمع في الصلة
وتضاف وتثنى وتنون، ومَن لا يثني ويُجمع في الاستفهام ولا يضاف، وأيٌ
منون على كل حال في الاستفهام وغيره، فهو أقوى.
وحدثنا يونس أن ناسا يقولون أبدا: مَنَا ومَنِي ومَنو، عنيت واحدا أو
اثنين أو جميعا في الوقف. فمن قال هذا قال أيا وأيٍ وأيٌ إذا عنى واحدا
أو جميعا أو اثنين. فإن وصل نون أيا. وإنما فعلوا ذلك بمَن لأنهم
يقولون: مَن قال ذاك؟ فيعنون ما شاءوا من العدد. وكذلك أيٌ، تقول أيٌ
يقول ذاك؟ فتعنى بها جميعا وإن شاء عنى اثنين.
وأما يونس فإنه كان يقيس مَنَهْ على أية، فيقول: مَنَةٌ ومنة ومنةٍ،
إذا قال يا فتى. وكذلك ينبغى له أن يقول إذا أثر أن لا يغيرها في
الصلة.
وهذا بعيد، وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يُسمع
بعدُ:
(2/410)
أتَوا نارى فقلتُ مَنونَ أنتْم ... فقالوا
الجِنُّ قلتُ عِموا ظَلامَا
وزعم يونس أنه سمع أعرابيا يقول: ضرب مَنٌ مَناً؟ وهذا بعيد لا تكلم به
العرب ولا يستعمله منهم ناس كثير. وكان يونس إذا ذكرها يقول لا يقبل
هذا كلُ أحد. فإنما يجوز مَنونَ يا فتى على ذا.
وينبغي لهذا أن لا يقول مَنو في الوقف، ولكن يجعله كأي. وإذا قال رأيت
امرأة ورجلا، فبدأت في المسألة بالمؤنث قلت: مَن ومَنا؛ لأنك تقول مَن
يا فتى في الصلة في المؤنث. وإن بدأت بالمذكر قلت مَن ومَنَهْ؟ وإنما
جُمعت أيٌ في الاستفهام ولم تُجمع في غيره لأنه إنما الأصل فيها
الاستفهام، وهي فيه أكثر في كلامهم، وإنما تشبه الأسماء التامة التي لا
تحتاج إلى صلة في الجزاء وفي الاستفهام. وقد تشبه مَن بها في هذه
المواضع لأنها تجرى مجراها فيها. ولم تقوَ قوةَ في أيٍ لما ذكرت لك،
ولما يدخلها من التنوين والإضافة.
(2/411)
؟ باب ما لا تحسن فيه مَن
كما تحسُن فيما قبله
وذلك أنه لا يجوز أن يقول الرجل: رأيت عبدَ الله، فتقول مَنَا، لأنه
إذا ذكر عبد الله فإنما يذكر رجلا تعرفه بعينه، أو رجلا أنت عنده ممن
يعرفه بعينه فإنما تسأله على أنك ممن يعرفه بعينه، إلا أنك لا تدرى
الطويلُ هو أم القصير أم ابنُ زيد أم ابن عمرو؟ فكرهوا أن يُجرى هذا
مجرى النكرة إذا كانا مفترقين. وكذلك رأيته ورأيت الرجل، لا يحسن لك أن
تقول فيهما إلا مَن هو ومنِ الرجل.
وقد سمعنا من العرب من يقال له ذهبنا معهم فيقول: مع مَنِينْ؟ وقد
رأيته، فيقول: مَنا أو رأيت مَنا. وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر
ليسوا عنده ممن يعرفه بعينه، وأن الأمر ليس على ما وضعه عليه المحدِّث،
فهو ينبغي له أن يسأل في ذا الموضع كما سأل حين قال رأيت رجلاً.
(2/412)
؟
باب اختلاف العرب في الاسم
المعروف الغالب إذا استفهمت عنه بمَن
اعلم أن أهل الحجاز يقولون إذا قال الرجل رأيت زيدا: مَن زيدا؟ وإذا
قال مررتُ بزيد قالوا: مَن زيد؟ وإذا قال: هذا عبد الله قالوا: من عبد
الله؟ وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال. وهو أقيسُ القولين.
فأما أهل الحجاز فإنهم حملوا قولهم على أهم حكوا ما تكلم به المسئول،
كما قال بعض العرب: دعنا من تَمْرتان، على الحكاية لقوله: ما عنده
تمرتان. وسمعتُ عربيا مرة يقول لرجل سأله فقال: أليس قُرشياً؟ فقال:
ليس بقرشيا، حكاية لقوله. فجاز هذا في الاسم الذي يكون علَماً غالبا
على ذا الوجه، ولا يجوز في غير الاسم الغالب كما جاز فيه، وذلك أنه
الأكثر في كلامهم، وهو العلَم الأول الذي به يتعارفون. وإنما يُحتاج
الى الصفة إذا خاف الالتباس من الأسماء الغالبة. وإنما حكى مبادرة
للمسئول، أو توكيدا عليه أنه ليس يسأله عن غير هذا الذي تكلم به.
والكُنية بمنزلة الاسم.
وإذا قال: رأيت أخا خالد لم يجز مَن أخا خالد إلا على قول من قال: دعنا
مِن تمرتان، وليس بقرشيا. والوجه الرفع لأنه ليس باسم غالب.
وقال يونس: إذا قال رجلٌ: رأيت زيدا وعمرا، أو زيدا وأخاه،
(2/413)
أو زيدا أخا عمرو، فالرفع يرده إلى القياس
والأصل إذا جاوز الواحد، كما تُردّ ما زيدٌ إلا منطلقٌ إلى الأصل. وأما
ناسٌ فإنهم قاسوه فقالوا: تقول مَن أخو زيد وعمرو، ومن عمرا وأخا زيدٍ،
تُتبع الكلام بعضه بعضا. وهذا حسن.
فإذا قالوا مَن عمرا ومن أخو زيد، رفعوا أخا زيد، لأنه قد انقطع من
الأول بمن الثاني الذي مع الأخ، فكأنك قلت مَن أخو زيد؟ كما أنك تقول
تبا له وويلا؛ وتبا له وويلٌ له.
وسألت يونس عن: رأيت زيدَ بنَ عمرو فقال: أقول مَن زيدَ ابن عمرو؛ لأنه
بمنزلة اسم واحد. وهكذا ينبغي، إذا كنت تقول يا زيدَ ابن عمرو، وهذا
زيدُ بن عمرو، فتسقط التنوين. فأما مَن زيدٌ الطويل فالرفع على كل حال؛
لأن أصل هذا جرى للواحد لتعرفه له بالصفة، فلما جاوز ذلك رده إلى
الأعرف. ومَن نون زيدا جعل ابن صفة منفصلة ورفع في قول يونس. فإذا قال
رأيت زيدا قال: أيٌ زيدٌ، فليس فيه إلا الرفع، يُجريه على القياس.
وإنما جازت الحكاية في مَن لأنهم لمَن أكثر استعمالا وهم مما يغيرون
الأكثر في كلامهم عن حال نظائره. وإن أدخلت الواو والفاء في مَن فقلت:
فمَن أو وَمَنْ، لم يكن فيما بعده إلا الرفع.
(2/414)
؟ باب مَن إذا أردت أن يضاف لك
مَن تسأل عنه
وذلك قولك: رأيت زيدا، فتقول: المَنيَّ. فإذا قال رأيت زيدا وعمرا قلت:
المَنيَّيْن. فإذا ذكر ثلاثة قلت: المَنيِّينْ، وتحمل الكلام على ما
حمل عليه المسئول إن كان مجرورا أو منصوبا أو مرفوعا، كأنك قلت:
القُرشيَّ أم الثّقَفيّ. فإن قال القرشي نصب، وإن شاء رفع على هو، كما
قال صالحٌ في: كيف كنتَ؟ فإن كان المسئول عنه من غير الإنس فالجواب
الهَنُ والهنَةُ، والفلانُ والفلانة؛ لأن ذلك كناية عن غير الآدميين.
؟ باب إجرائهم صلةَ مَن وخبره
إذا عنيت اثنين صلة اللذين، وإذا عنيت
جميعا كصلة الذين
فمن ذلك قوله عز وجل: " ومنهم من يستعمون إليك ". ومن ذلك قول العرب
فيما حدثنا يونس: مَن كانت أمَّك وأيُّهنّ كانت أمَّك، أَلحقَ تاء
التأنيث لما عنى مؤنثا كما قال: يستعمون إليك حين عنى جميعا.
وزعم الخليل رحمه الله أن بعضهم قرأ: " ومَن تقنُتْ مِنْكُنَّ للهِ
وَرَسُولِهِ "، فجُعلت كصلة التي حين عنيتَ مؤنثا. فإذا ألحقت التاء
(2/415)
في المؤنث ألحقت الواو والنون في الجميع.
قال الشاعر حين عنى الاثنين، وهو الفرزدق:
تعال فإنْ عاهدتَني لا لا تخونُني ... نكنْ مثلَ مَن يا ذئبُ يصطحبان
؟
باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي
وليس يكون كالذي إلا مع ما ومَن في الاستفهام، فيكون ذا بمنزلة الذي
ويكون ما حرف الاستفهام، وإجرائهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد.
(2/416)
أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك: ماذا
رأيت؟ فيقول: متاعٌ حسنٌ. وقال الشاعر، لبيد بن ربيعة:
أَلا تَسْأَلانِ المَرْءَ ماذا يُحاوِلُ ... أنَحْبٌ فيُقضى أم ضَلال
وباطلُ
وأما إجراؤهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت؟ فتقول:
خيرا؛ كأنك قلت: ما رأيت؟ ومثل ذلك قولهم: ماذا ترى؟ فنقول: خيرا. وقال
جل ثناؤه: " ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ". فلو كان ذا لغوا لما قالت
العرب: عماذا تسأل؟
(2/417)
ولقالوا: عم ذا تسأل، كأنهم قالوا: عم
تسأل، ولكنهم جعلوا ما وذا اسما واحدا، كما جعلوا ما وإن حرفا واحدا
حين قالوا: إنما.
ومثل ذلك كأنما وحيثما في الجزاء.
ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع ألبتة لكان الوجه في ماذا رأيت
إذا أجاب أن يقول: خيرٌ. وقال الشاعر، وسمعنا بعض العرب يقول:
دعي ماذا عملتِ سأتّقيهِ ... ولكنْ بالمغيَّبِ نَبِّئينِي
فالذي لا يجوز في هذا الموضع، وما لا يحسن أن تُلغيها.
وقد يجوز أن يقول الرجل: ماذا رأيت؟ فيقول: خيرٌ، إذا جعلت ما وذا اسما
واحدا كأنه قال: ما رأيت خيرٌ، ولم يُجبه على رأيت.
ومثل ذلك قولهم في جواب كيف أصبحت؟ فيقول: صالحٌ، وفي مَن رأيت فيقول:
زيدٌ، كأنه قال: أنا صالح ومن رأيت زيدٌ. والنصب في هذا الوجه، لأنه
الجواب، على كلام المخاطَب، وهو أقرب إلى أن
(2/418)
تأخذ به. وقال عز وجل: " ماذا أنزل ربكم
قالوا أساطيرُ الأولين ". وقد يجوز أن تقول إذا قلت من الذي رأيتَ:
زيدا؛ لأن ها هنا معنى فعل فيجوز النصب ها هنا كما جاز الرفعُ في
الأول.
؟
باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام
إذا أنكرتَ أن تُثبت رأيَه على ما ذكر أو تنكر أن يكون رأيه على خلاف
ما ذكر.
فالزيادة تتبع الحرف الذي هو قبلها، الذي ليس بينه وبينها شيء. فإن كان
مضموماً فهو واو، وإن كان مكسورا فهي ياء، وإن كان مفتوحا فهي ألف، وإن
كان ساكنا تحرّك، لئلا يسكن حرفان، فيتحرك كا يتحرك في الألف واللام
والساكن مكسورا، ثم تكون الزيادة تابعة له.
فمما تحرك من السواكن كما وصفتُ لك وتبعته الزيادةُ قول الرجل: ضربت
زيدا، فتقول منكِراً لقوله: أزيدَنيه. وصارت هذه الزيادة
(2/419)
علَماً لهذا المعنى، كعلَم الندبة، وتحركت
النون لأنها ساكنة، ولا يسكن حرفان.
فإن ذكر الاسم مجرورا جررته، أو منصوبا نصبته، أو مرفوعا رفعته، وذلك
قولك إذا قال: رأيت زيدا: أزيدَنيه؟ وإذا قال مررتُ بزيد: أزيدِنيه؟
وإذا قال هذا زيدٌ: أزيدُنيه؟، لأنك إنما تسأل عما وضع كلامه عليه.
وقد يقول لك الرجل: أتعرف زيدا؟ فتقول: أزيدَنيه. إما منكِراً لرأيه أن
يكون على ذلك، وإما على خلاف المعرفة.
وسمعنا رجلا من أهل البادية قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أنا
إنِيه؟ منكِراً لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج.
ويقول: قد قدم زيد، فتقول: أزيدُنيه؟ غيرَ راد عليه متعجبا أو منكرا
عليه أن يكون رأيهُ على غير أن يقدم؛ أو أنكرتَ أن يكون قدِم فقلت:
أزيدُنيه؟ فإن قلت مجيبا لرجل قال: قد لقيتُ زيدا وعمرا قلت: أزيدا
وعمرَنيه؟ تجعل العلامة في منتهى الكلام. ألا ترى أنك تقول إذا ضربتُ
عمرا: أضربتَ عمرَاهْ؟ وإن قال: ضربتُ زيداً الطويل قلت: أزيدا
الطويلاه؟ تجعلها في منتهى الكلام.
وإن قلت: أزيدا يا فتى، تركت العلامة كما تركت علامة التأنيث والجمع
حرف اللين في قولك: مَنا ومَني ومَنو، حين قلت يا فتى، وجعلت يا فتى
بمنزلة
(2/420)
ما هو في مَن حين قلت مَن يا فتى، ولم تقل
مَنين ولا مَنَهْ ولا مَني، أذهبتَ هذا في الوصل، وجعلت يا فتى بمنزلة
ما هو من مسألتك يمنع هذا كله، وهو قولك مَن ومَنَهْ إذا قال رأيت رجلا
وامرأة. فمَنَهْ قد منعتْ مَن من حروف اللين، فكذلك هو ها هنا يمنع كما
يمنع ما كان في كلام المسئول العلامة من الأول. ولا تدخل في يا فتى
العلامة لأنه ليس من حديث المسئول فصار هذا بمنزلة الطويل حين منع
العلامة زيدا كما منع مَن ما ذكرتُ لك؛ وهو كلام العرب.
ومما تُتبعه هذه الزيادة من المتحركات، كما وصفتُ لك قوله: رأيت
عُثمان، فتقول: أعُثماناه، ومررت بعثمان، فتقول: أعُثماناه، ومررتُ
بحذام فتقول: أحَذاميهُ، وهذا عمر فتقول: أعُمرُوهْ، فصارت تابعة كما
كانت الزيادة التي في واغُلامهوهْ تابعة.
واعلم أن من العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم إنْ فيقول:
أعُمَرُ إنِيه، وأزيدُ إنيه، فكأنهم أرادوا أن يزيدوا العلمَ بيانا
وإيضاحا، كما قالوا: ما إنْ، فأكدوا بإن. وكذلك أوضحوا بها ها هنا، لأن
في العلم الهاء، والهاء خفية، والياء كذلك، فإذا جاء الهمزة والنون جاء
حرفان لو لم يكن بعدهما الهاء وحرف اللين كانوا مستغنين بهما.
(2/421)
ومما زادوا به الهاء بيانا قولهم: اضرِبه.
وقالوا في الياء في الوقف: سعدِجْ يريدون سعدى.
فإنما ذكرت لك هذا لتعلم أنهم قد يطلبون إيضاحها بنحو من هذا الذي
ذكرتُ لك.
وإن شئت تركتَ العلامة في هذا المعنى كما تركت علامة الندبة.
وقد يقول الرجل: إني قد ذهبت، فتقول: أذهبتُوه؟ ويقول: أنا خارج،
فتقول: أنا إنِيه، تُلحق الزيادة ما لفظ به، وتحكيه مبادرةً له
وتبييناً أنه يُنكر عليه ما تكلم به، كما فُعل ذلك في: مَن عبدَ الله؟
وإن شاء لم يتكلم بما لفظ به، وألحق العلامة ما يصحح المعنى، كما قال
حين قال: أتخرج إلى البادية: أنا إنِيه.
وإن كنت متثبتا مسترشدا إذا قال ضربت زيدا، فإنك لا تُلحق الزيادة.
وإذا قال ضربتُه فقلت: أقلتَ ضربتُه؟ لم تلحق الزيادة أيضا؛ لأنك إنما
أوقعت حرف الاستفهام على قلت، ولم يكن من كلام المسئول، وإنما جاء على
الاسترشاد، لا على الإنكار.
(2/422)
|