الكتاب لسيبويه باب آخر تكون أن فيه
مخففة
وذلك قولك: قد علمت أن لا يقول ذاك، وقد تيقنت أن لا تفعل ذاك، كأنه
قال: أنَّه لا يقول وأنَّك لا تفعل.
(3/165)
ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " علم أن سيكون
منكم مرضى " وقوله: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً "، وقال أيضاً:
" لئلاَّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء ".
وزعموا أنَّها في مصحف أبيّ ٍ: أنَّهم لا يقدرون.
وليست أن التي تنصب الأفعال تقع في هذا الموضع، لأن ذا موضع يقين
وإيجابٍ.
وتقول: كتبت إليه أن لا تقل ذاك، وكتبت غليه أن لا يقول ذاك وكتبت إليه
أن لا تقول ذاك.
فأما الجزم فعلى الأمر. وأما النصب فعلى قولك لئلاَّ يقول ذاك. وأما
الرفع فعلى قولك: لأنك لا تقول ذاك أو بأنَّك لا تقول ذاك، تحبره بأن
ذا قد وقع من أمره.
فأما ظننت وحسبت وخلت ورأيت، فانَّ أن تكون فيها على وجهين: على أنها
تكون أن التي تنصب الفعل، وتكون أنَّ الثقيلة. فإذا رفعت قلت: قد حسبت
أن لا يقول ذاك، وأرى أن سيفعل ذاك. ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا
حتى تكون أنه. وقال عزَّ وجلَّ: " وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ "، كأنك
قلت: قد حسبت أنَّه لا يقول ذاك. وإنما حسنت أنَّه ههنا لأنك قد أثبتَّ
هذا في ظِّنك كما أثبتَّه في علمك، وأنَّك أدخلته في ظنك على أنه ثابتٌ
الآن كما كان في العلم، ولولا ذلك لم يحسن
(3/166)
أنَّك ههنا ولا أنَّه، فجرى الظن ههنا مجرى
اليقين لأنَّه نفيه. وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت، فتقول:
ظننت أن لا تفعل ذاك.
ونظير ذلك: تظن أن يفعل بها فاقرةٌ و: إن ظنَّا أن يقيما حدود الله.
فلا إذا دخلت ههنا لم تغير الكلام عن حاله وإنما منع خشيت أن تكون
بمنزلة خلت وظننت وعلمت إذا أردت الرفع أنك لا تريد أن تخبر أنك تخشى
شيئاً قد ثبت عندك ولكنه كقولك: أرجو، وأطمع، وعسى. فأنت لا توجب إذا
ذكرت شيئاً من هذه الحروف، ولذلك ضعف أرجو أنَّك تفعل، وأطمع أنَّك
فاعلٌ.
ولو قال رجلٌ: أخشى أن لا تفعل، يريد أن يخبر أنه يخشى أمراً قد استقرّ
عنده كائن، جاز. وليس وجه الكلام.
واعلم أنَّه ضعيفٌ في الكلام أن تقول: قد علمت أن تفعل ذاك ولا قد علمت
أن فعل ذاك حتَّى تقول: سيفعل أو قد فعل، أو تنفي فتدخل لا؛ وذلك
لأنَّهم جعلوا ذلك عوضاً مما حذفوا من أنَّه، فكرهوا أن يدعوا السين أو
قد إذ قدروا على أن تكون عوضاً، ولا تنقص ما يريدون لو لم يدخلوا قد
ولا السين.
وأما قولهم: أما أن جزاك الله خيراٍ، فإنَّهم إنما أجازوه لأنه دعاءٌ،
ولا يصلون إلى قد ههنا ولا إلى السين. وكذلك لو قلت: أما أن يغفر الله
(3/167)
لك جاز لأنه دعاءٌ، ولا تصل هنا إلى السين.
ومع هذا أيضاً أنَّه قد كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه إنَّه، وإنَّه لا
تحذف في غير هذا الموضع. سمعناهم يقولون: أما إن جزاك الله خيراً،
شبهوه بأنَّه، فلمَّا جازت إنَّ كانت هذه أجوز.
وتقول: ما علمت إلاَّ أن أن تقوم، وما أعلم إلا أن تأتيه، إذا لم ترد
أن تخبر أنك قد علمت شيئاً كائناً البتة، ولكنك تكلمت به على وجه
الإشارة كما تقول: أرى من الرأي أن تقوم، فأنت لا تخبر أن قياماً قد
ثبت كائناً أو يكون فيما تستقبل البتَّة، فكأنه قال: لو قمتم. فلو أراد
غير هذا المعنى لقال: ما علمت إلاَّ أن ستقومون.
وإنمَّا جاز قد علمت أن عمروٌ ذاهبٌ، لأنك قد جئت بعده باسم وخبر كما
كان يكون بعده لو ثقَّلته وأعملته، فلمَّا جئت بالفعل بعد أن
(3/168)
جئت بشيء كان سيمتنع أن يكون بعده لو ثقلته
أو قلت: قد علمت أن يقول ذاك، كان يمتنع، فكرهوا أن يجمعوا عليه الحذف
وجواز ما لم يكن يجوز بعده مثقلاً، فجعلوا هذه الحروف عوضاً.
؟ ؟؟؟؟
هذا باب أم وأو
أما أم فلا يكون الكلام بها إلاَّ استفهاماً. ويقع الكلام بها في
الاستفهام على وجهين: على معنى أيهما وأيهم، وعلى أن يكون الاستفهام
الآخر منقطعاً من الأول.
وأما أو فإنما يثبت بها بعض الأشياء، وتكون في الخبر. والاستفهام يدخل
عليها على ذلك الحد. وسأبين لك وجوهه إن شاء الله تعالى.
؟ باب أم إذا كان الكلام بها بمنزلة أيهما
وأيهم
وذلك قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ، وأزيداً لقيت أم بشراً؟ فأنت الآن
مدَّع أنَّ عنده أحدهما، لأنَّك إذا قلت: أيهما عندك، وأيَّهما لقيت.
فأنت مدّعٍ أن المسئول قد لقي أحدهما، أو أن عنده أحدهما، الاَّ أن
علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهما هو.
والدليل على أن قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ بمنزلة قولك: أيهما عندك،
أنَّك لو قلت: أزيدٌ عندك أم بشرٌ فقال المسئول: لا، كان محالاً، كما
أنَّه إذا قال: أيهما عندك، فقال: لا فقد أحال.
واعلم أنك إذا أردت هذا المعنى فتقديم الاسم أحسن، لأنك لا تسأله عن
اللقى، وإنَّما تسأله عن أحد الاسمين لا تدري أيهما هو، فبدأت بالاسم
(3/169)
لأنَّك تقصد قصد أن يبين لك أي الاسمين في
هذا الحال، وجعلت الاسم الآخر عديلاً للأول، فصار الذي لا تسأل عنه
بينهما.
ولو قلت: ألقيت زيداً أم عمراً كان جائزاً حسناً، أو قلت: أعندك زيدٌ
أم عمرو كان كذلك.
وإنما كان تقديم الاسم ههنا أحسن ولم يجز للآخر إلاَّ أن يكون مؤخراً،
لأنه قصد قصد أحد الاسمين، فبدأ بأحدهما، لأن حاجته أحدهما، فبدأ به مع
القصة التي لا يسأل عنها، لأنه إنما يسأل عن أحدهما من أجلها، فإنما
يفرغ مما يقصد قصده بقصته ثم يعدله بالثاني.
ومن هذا الباب قوله: ما أبالي أزيداً لقيت أم عمرا، وسواءٌ عليَّ
أبشراً كلمت أم زيدا، كما تقول: ما أبالي أيَّهما لقيت. وإنَّما جاز
حرف الاستفهام ههنا لأنك سويت الأمرين عليك كما استويا حين قلت: أزيدٌ
عندك أم عمرو، فجرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النِّداء
قولهم: اللهمَّ اغفر لنا أيَّتها العصابة.
(3/170)
وإنما لزمت أم ههنا لأنك تريد معنى
أيَّهما. ألا ترى أنَّك تقول: ما أبالي أي ذلك كان، وسواءٌ عليَّ أي
ذلك كان، فالمعنى واحد، وأي ههنا تحسن وتجوز كم جازت في المسألة.
ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ، وليت شعري أزيدٌ ثمَّ أم
عمروٌ، فإنَّما أوقعت أم ههنا كما أوقعته في الذي قبله؛ لأن ذا يجري
على حرف الاستفهام حيث استوى علمك فيهما كما جرى الأول. ألا ترى أنك
تقول، ليت شعري أيهما ثم، وما أدري أيهما ثمَّ، فيجوز أيهما ويحسن، كما
جاز في قولك: أيهما ثمَّ.
وتقول: أضربت زيداً أم قتلته، فالبدء ههنا بالفعل أحسن، لأنك إنما تسأل
عن أحدهما لا تدري أيهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما، فالبدء بالفعل
ههنا أحسن، كما كان البدء بالاسم ثمَّ فيما ذكرنا أحسن كأنك قلت: أي
ذاك كان بزيدٍ. وتقول: أضربت أم قتلت زيداً لأنك مدَّعٍ أحد الفعلين:
ولا تدري أيهما هو، كأنك قلت: أي ذاك كان بزيد.
وتقول: ما أدري أقام أم قعد، إذا أردت: ما أدري أيهما كان. وتقول: ما
أدري أقام أو قعد، إذا أردت: أنه لم يكن بين قيامه وقعوده شيءٌ، كأنه
قال: لا أدَّعي أنه كان منه في تلك الحال قيامٌ ولا قعودٌ بعد
(3/171)
قيامه أي: لم أعدَّ قيامه قياماً ولم يستبن
لي قعودٌ بعد قيامه، وهو كقول الرجل: تكلمت ولم تكلَّم.
هذا باب أم منقطعةً
وذلك قولك: أعمروٌ عندك أم عندك زيدٌ، فهذا ليس بمنزلة: أيهَّما عندك.
ألا ترى أنك لو قلت: أيهما عندك عندك، لم يستقم إلاَّ على التكرير
والتوكيد.
ويدلك على أن هذا الآخر منقطعٌ من الأول قول الرجل: إنِّها لإبلٌ ثم
يقول: أم شاءٌ يا قوم. فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعةً، كذلك تجيء
بعد الاستفهام، وذلك أنه حين قال: أعمروٌ عندك فقد ظنَّ أنَّه عنده، ثم
أدركه مثل ذلك الظن في زيد بعد أن استغنى كلامه، وكذلك: إنها لإبلٌ أم
شاءٌ، إنما أدركه الشك حيث مضى كلامه على اليقين.
وبمنزلة أم ههنا قوله عز وجلَّ: " آلم تنزيل الكتاب
(3/172)
لا ريب فيه من رب العالمين. أم يقولون
افتراه "، فجاء هذا الكلام على كلام العرب قد علم تبارك وتعالى وذلك من
قولهم، ولكن هذا على كلام العرب ليعرَّفوا ضلالتهم.
ومثل ذلك: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم
أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين، كأنَّ فرعون قال: أفلا تبصرون أم أنتم
بصراء. فقوله: أم أنا خيرٌ من هذا، بمنزلة: أم أنتم بصراء؛ لأنهم لو
قالوا: أنت خيرٌ منه كان بمنزلة قولهم: نحن بصراء عنده وكذلك: أم أنا
خيرٌ بمنزلته لو قال: أم أنتم بصراء.
ومثل ذلك قوله تعالى: " أم اتَّخذ ممَّا يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين ".
فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون: أن الله عز وجلَّ لم
يتخَّذ ولداً، ولكنه جاء حرف الاستفهام ليبصَّروا ضلالتهم. ألا ترى أن
الرجل يقول للرجل: آلسعادة أحب إليك أم الشقاء؟ وقد علم أن السعادة أحب
إليه من الشقاء، وأن المسئول سيقول: السعادة، ولكنَّه أراد أن يبصر
صاحبه وأن يعلمه.
(3/173)
ومن ذلك أيضاً: أعندك زيدٌ أم لا، كأنه حيث
قال: أعندك زيدٌ، كان يظن أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس
عنده فقال: أم لا.
وزعم الخليل أنّ قول الأخطل:
كذبتك عنك أم رأيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظّلامِ من الرَّباب خَيالاَ
كقولك: إنَّها لإبلٌ أم شاءٌ. ومثل ذلك قول الشاعر، وهو كثَّير عزة:
أليس أبِي بالَّنضر أم ليس والِدِي ... لكل نَجيبٍ من خُزاعةَ أزْهَرَا
ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك الاستفهام ويحذف الألف. قال التميمي،
وهو الأسود بن يعفر:
(3/174)
لَعَمْرُك ما أدْرِي وإن كنتُ دارياً ...
شُعَيْثُ بن سهمٍ أم شُعَيْثُ بن مِنْقَر
وقال عمر بن أبي ربيعة:
لَعَمْرُك ما أدَرِي وإنْ كنتُ دارياً ... بسبعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم
بَثمانِ
هذا باب أو
تقول: أيَّهم تضرب أو تقتل، تعمل أحدهما، ومن يأتيك أو يحدثك أو يكرمك؛
لا يكون ههنا إلاَّ أو؛ من قبل أنك إنما تستفهم عن الاسم المفعول،
وإنما حاجتك إلى صاحبك أن يقول: فلانٌ.
وعلى هذا الحد يجري ما، ومتى، وكيف، وكم، وأين.
وتقول: هل عندك شعيرٌ أو برٌّ أو تمرٌ؟ وهل تأتينا أو تحدثنا، لا يكون
إلاَّ ذلك. وذاك أن هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام، لأنك
(3/175)
إذا قلت: هل تضرب زيداً، فلا يكون أن
تدَّعي أن الضرب واقعٌ، وقد تقول: أتضرب زبداً وأنت تدَّعي أنَّ الضرب
واقعٌ.
ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل:
أطرباً! وأنت تعلم أنه قد طرب، لتوبَّخه وتقِّرره. ولا تقول هذا بعد
هل.
وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدّثني، وهل عندك برٌّ أم شعيرٌ، على
كلامين. وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا.
وعلى هذا قالوا: هل تأتينا أم هل تحدثنا. قال زفر بن الحارث:
أبا مالِكٍ هل لُمَتْنَي مذ حَضَضتَني ... على القتل، أم هل لامني لك
لائمُ
(3/176)
وكذلك سمعناه من العرب. فأمَّا الذين
قالوا: أم هل لامني لك لائم فإنَّما قالوه على أنه أدركه الظن بعد ما
مضى صدر حديثه. وأما الذين قالوا: أو هل فإنَّهم جعلوه كلاماً واحداً.
وتقول: ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا، وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا،
فهل ههنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت: هل تأتينا، وإنما أدخلت هل
ههنا لأنك إنما تقول: أعلمني، كما أردت ذلك حين قلت: هل تأتينا أو
تحدثنا، فجرى هذا مجرى قوله عزَّ وجلَّ: " هل يسمعونكم إذ تدعون. أو
ينفعونكم أو يضرون "، وقال زهير:
ألا لَيْتَ شِعْري هل يَرى الناسُ ما أرَى ... من الأمرِ أو يَبْدُو
لهم ما بداليا
(3/177)
وقال مالك بن الريب:
ألا لَيْتَ شَعْري هل تغيرَّت الرَّحا ... رَحَا الحَزْنِ أو أضْحَتْ
بفلجٍ كما هِيَا
فهذا سمعناه ممن ينشده من بني عِّمه. وقال أناسٌ: أم أضحت على كلامين،
كما قال علقمة بن عبدة:
هل ما علمتَ وما استُودِعْتَ مَكْتومُ ... أم حَبْلُها إذ نَأَتْك
اليومَ مصْرومُ
أم هل كبيرٌ بَكى لم يَقْضِ عَبْرتَه ... إثْرَ الأَحِبْةِ يومَ
البَينِ مَشْكومُ
(3/178)
؟
هذا باب آخر من أبواب أو
تقول: ألقيت زيدا أو عمرا أو خالدا، وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ،
كأنك قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء، وذلك أنّك للم تدَّع أن أحداً منهم
ثمَّ. ألا ترى أنه إذا أجابك قال: لا، كما يقول إذا قلت: أعندك أحدٌ من
هؤلاء.
واعلم أنَّك إذا أردت هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن؛ لأنك إنَّما تسأل
عن الفعل بمن وقع. ولو قلت: أزيداً لقيت أو عمرا أو خالدا، وأزيدٌ عندك
أو عمروٌ أو خالدٌ كان هذا في الجواز والحسن بمنزلة تأخير الاسم إذا
أردت معنى أيهما. فإذا قلت: أزيدٌ أفضل أم عمرو لم يجز ههنا إلاَّ أم،
لأنك إنَّما تسأل عن أفضلهما ولست تسأل عن صاحب الفضل.
(3/179)
ألا ترى أنَّك لو قلت: أزيدٌ أفضل لم يجز،
كما يجوز: أضربت زيداً فذلك يدلك أن معناه معنى أيهما. إلا أنَّك إذا
سألت عن الفعل استغنى بأول اسمٍ.
ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ أفضل أم عمروٌ، وليت شعري أزيدٌ أفضل أم
عمروٌ. فهذا كله على معنى أيهما أفضل.
وتقول: ليت شعري ألقيت زيدا أو عمراً، وما أدري أعندك زيدٌ أو عمروٌ،
فهذا يجري مجرى ألقيت زيداً أو عمراً، وأعندك زيدٌ أو عمروٌ. فإن شئت
قلت: ما أدري أزيدٌ عندك أو عمروٌ، فكان جائزا حسا كما جاز أزيدٌ عندك
أو عمرو.
وتقديم الاسمين جميعا مثله وهو مَّؤخر وإن كانت أضعف. فأما إذا قلت: ما
أبالي أضربت زيداً أم عمراً، فلا يكون هنا إلاَّ أم، لأنه لا يجوز لك
السكوت على أوّل الاسمين، فلا يجيء هذا إلاَّ على معنى أيهَّما، وتقديم
الاسم ههنا أحسن.
وتقول: أتجلس أو تذهب أو تحدثنا، وذلك إذا أردت هل يكون شيءٌ من هذه
الأفعال. فأمَّا إذا
ادَّعيت أحدهما فليس إلاَّ أتجلس أم تذهب أم تأكل، كأنَّك قلت: أيَّ
هذه الأفعال يكون منك.
وتقول: أتضرب زيداً أم تشم عمرا أم تكلم خالدا. ومثل ذلك
(3/180)
أتضرب زيدا أو تضرب عمرا أو تضرب خالداً،
إذا أردت هل يكون شيءٌ من ضرب واحد من هؤلاء. وإن أردت أي ضرب هؤلاء
يكون قلت: أم.
قال حسان بن ثابت:
ما أبالِي أنبَّ بالحَزْن تيسٌ ... أم لحَانِى بظَهْرِ غيبٍ لَئيمُ
كأنه قال: ما أبالي أي الفعلين كان.
وتقول: أزيدا أو عمرا رأيت أم بشراً، وذلك أنَّك لم ترد أن تجعل عمراً
عديلا لزيد حتى يصير بمنزلة أيهما، ولكنَّك أردت أن يكون حشواً، فكأنك
قلت: أأحد هذين رأيت أم بشراً. ومثل ذلك قول صفَّية بنت عبد المطلب:
(3/181)
كيف رأيت زبرا أأقطاً أو تَمْرا أم قرشيَّا
صَقْرَا
وذلك أنَّها لم ترد أن تجعل لتمر عديلاً للأقط؛ لأن المسئول عندها لم
يكن عندها ممن قال: هو إما تمرٌ وإما أقطٌ وإما قرشيٌّ، ولكنها قالت:
أهو طعامٌ أم قرشيٌّ، فكأنها قالت: أشيئاً من هذين الشيئين رأيته أم
قرشياً.
وتقول: أعندك زيدٌ أو عندك عمروٌ أو عندك خالدٌ؟ كأنَّك قلت: هل عندك
من هذه الكينونات شيءٌ؟ فصار هذا كقولك: أتضرب زيدا أو تضرب عمرا أو
تضرب خالدا. ومثل ذلك: أتضرب زيداً أو عمراً أو خالدا؟
(3/182)
وتقول: أعاقلٌ عمروٌ أو عالمٌ؟ وتقول:
أتضرب عمرا أو تشتمه؟ تجعل الفعلين والاسم بينهما بمنزلة الاسمين
والفعل بينهما؛ لأنَّك قد أثبتَّ عمراً لأحد الفعلين كما أثبتَّ الفعل
هناك لأحد الاسمين، وادعَّيت أحدهما كما ادَّعيت ثمَّ أحد الاسمين. وإن
قدمت الاسم فعربيٌّ حسن.
وأما إذا قلت: أتضرب أو تحبس زيداً؟ فهو بمنزلة أزيدا أو عمراً تضرب.
قال جرير:
أثَعْلَبَةَ الفَوارِسَ أو رِياحاً ... عَدَلتَ بهمِ طُهَيّةَ
والخِشابَا
وإن قلت: أزيدا تضرب أو تقتل؟ كان كقولك: أتقتل زيداً أو عمراً وأم في
كل هذا جيدّةٌ.
وإذا قال: أتجلس أم تذهب، فأم وأو فيه سواءٌ؛ لأنك لا تستطيع أن تفصل
علامة المضمر فتجعل لأو حالاً سوى حال أم. وكذلك: أتضرب زيداً أو تقتل
خالدا، لأنَّك لم تثبت أحد الفعلين لسمٍ واحد.
وإن أردت معنى أيهما في هذه المسألة قلت: أتضرب زيداً أم تقتل خالدا؟
لأنَّك لم تثبت أحد الفعلين لاسمٍ واحد.
(3/183)
هذا باب أو في غير
الاستفهام
تقول: جالس عمراً أو خالدا أو بشراً، كأنَّك: قلت: جالس أحد هؤلاء ولم
ترد إنساناً بعينه، ففي هذا دليلٌ أن كلهم أهلٌ أن يجالس، كأمَّك قلت:
جالس هذا الضرب من الناس.
وتقول: كل لحماً أو خبزا أو تمراً، كأنك: قلت: كل أحد هذه الأشياء.
فهذا بمنزلة الذي قبله.
وإن نفيت هذا قلت: لا تأكل خبزا أو لحما أو تمرا. كأنك قلت: لا تأكل
شيئاً من هذه الأشياء.
ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً " أي: لا
تطع أحداً من هؤلاء.
وتقول: كل خبزا أو تمراً، أي: لا تجمعهما.
ومثل ذلك أن تقول: ادخل على زيد أو عمروٍ أو خالدٍ، أي: لا تدخل على
أكثر من واحدٍ من هؤلاء. وإن شئت جئت به على معنى ادخل على هذا الضرب.
وتقول: خذه بما عزَّ أو هان، كأنه قال: خذه بهذا أو بهذا، أي
(3/184)
لا يفوتَّنك على كل حال ومن العرب من يقول:
خذه بما عن وهان، أي خذه بالعزيز والهين، وكل واحدة منهما تجزئ عن
أختها.
وتقول: لأضربنَّه ذهب أو مكث، كأنه قال: لأضربنَّه ذاهباً أو ماكثاً،
ولأضربنَّه إن ذهب أو مكث. وقال زيادة بن زيد العذري:
إذا ما انتَهى عِلمْي تَناهَيْتُ عنده ... أطالَ فأَمْلَى أو تَناهَى
فأَقْصَرَا
وقال:
فلستُ أبالِي بعد يومِ مطرّفٍ ... حُتوفَ المَنايا أكْثرتْ أو أقلَّت
(3/185)
وزعم الخليل أنَّه يجوز: لأضربنَّه أذهب أم
مكث، وقال: الدليل على ذلك أنَّك تقول: لأضربنَّك أي ذلك كان.
وإنما فارق هذا سواء وما أبالي، لأنَّك إذا قلت: سواءٌ عليَّ أذهبت أم
مكثت فهذا الكلام في موضع سواءٌ عليَّ هذان. وإذا قلت: ما أبالي أذهبت
أم مكثت هو في موضع: ما أبالي واحداً من هذين. وأنت لا تريد أن تقول في
الأول: لأضربنَّ هذين، ولا تريد أن تقول: تناهيت هذين، ولكنك إنَّما
تريد أن تقول: إن الأمر يقع على إحدى الحالين. ولو قلت: لأضربنَّه أذهب
أو مكث لم يجز، لأنَّك لو أردت معنى أيهما قلت: أم مكث، ولا يجوز
لأضربنَّه مكث فلهذا لا يجوز: لأضربنَّه أذهب أو مكث، كما يجوز: ما
أدري أقام زيدٌ أو قعد. ألا ترى أنَّك تقول: ما أدري أقام كما تقول:
أذهب، وكما تقول: أعلم أقام زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: لأضربنَّه أذهب.
وتقول: وكل حقٍ له سميناه في كتابنا أو لم نسمِّه، كأنه قال: وكل حق له
علمناه أو جهلناه، وكذلك كل حقٍّ هو لها داخلٍ فيها أو خارجٍ منها،
كأنه قال: إن كان داخلا أو خارجا. وإن شاء أدخل الواو كما قال: بما
عزَّ وهان.
(3/186)
وقد تدخل أم في: علمناه أو جهلناه وسميناه
أو لم نسمه، كما دخلت في: أذهب أم مكث وتدخل أو على وجهين: على أنه
يكون صفة للحق، وعلى أن يكون حالاً، كما قلت: لأضربنَّه ذهب أو مكث،
أي: لأضربنَّه كائنا ما كان. فبعدت أم ههنا حيث كان خبراً في موضع ما
ينتصب حالاً، وفي موضع الصفة.
باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام
وذلك قولك: هل وجدت فلانا عند فلانٌ؟ فيقول: أو هو ممن يكون ثمَّ؟
أدخلت ألف الاستفهام.
وهذه الواو لا تدخل على ألف الاستفهام، وتدخل عليها الألف، فإنما هذا
استفهامٌ مستقبلٌ بالألف، ولا تدخل الواو على الألف، كما أن هل لا تدخل
على الواو. فإنما أرادوا أن لا يجروا هذه الألف مجرى هل، إذ لم تكن
مثلها، والواو تدخل على هل.
وتقول: ألست صاحبنا أو لست أخانا، ومثل ذلك: أما أنت أخانا أو ما أنت
صاحبنا، وقوله: ألا تأتينا أو لا تحدثنا، إذا أردت التقرير
(3/187)
أو غيره ثم أعدت حرفاً من هذه الحروف لم
يحسن الكلام، إلا أن تستقبل الاستفهام.
وإذا قلت: ألست أخانا أو صاحبنا أو جليسنا، فإنك إنما أردت أن تقول:
ألست في بعض هذه الأحوال، وإنما أردت في الأول أن تقول: ألست في هذه
الأحوال كلِّها. ولا يجوز أن تريد معنى ألست صاحبنا أو جليسنا أو
أخانا، وتكرِّر لست مع أو، إذا أردت أن تجعله في بعض هذه الأحوال ألا
ترى أنك إذا أخبرت فقلت: لست بشراً أو لست عمراً، أو قلت: ما أنت ببشر،
أو ما أنت بعمرو، لم يجيء إلا على معنى لا بل ما أنت بعمرو، ولا بل لست
بشراً. وإذا أرادوا معنى أنك لست واحداً منهما قالوا: لست عمرا ولا
بشرا، أو قالوا: أو بشرا، كما قال عزَّ وجل: " ولا تطع منهم آثما أو
كفوراً:. ولو قلت: أو لا تطع كفورا انقلب المعنى. فينبغي لهذا أن يجيء
في الاستفهام بأم منقطعا من الأول، لأن أو هذه نظيرتها في الاستفهام
أم، وذلك قولك: أما أنت بعمرو أم ما أنت ببشر، كأنه قال: لا بل ما أنت
ببشر. وذلك: أنه أدركه الظن في أنه بشرٌ بعدما مضى كلامه الأول،
فاستفهم عنه.
وهذه الواو التي دخلت عليها ألف الاستفهام كثيرةٌ في القرآن. قال الله
(3/188)
تعالى جده: " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم
بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم
يلعبون ". فهذه الواو بمنزلة الفاء في قوله تعالى: " أفأمنوا مكر لله "
وقال عزَّ وجلَّ: " أئنَّا لمبعوثون. أو آباؤنا الأوَّلون "، وقال: "
أو كلّما عاهدوا عهداً ".
باب تبيان أم لم دخلت على حروف الاستفهام
ولم تدخل على الألف تقول: أم من تقول، أم من تقول، ولا تقول: أم أتقول؟
وذاك لأن أم بمنزلة الألف، وليست: أي ومن وما ومتى بمنزلة الألف، وإنما
هي أسماء بمنزلة: هذا وذاك، إلاَّ أنهم تركوا ألف الاستفهام ههنا إذ
كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة، فلما علموا أنه لا
يكون إلا كذلك استغنوا عن الألف.
وكذلك هل إنمَّا تكون بمنزلة قد، ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع
إلاَّ في الاستفهام.
(3/189)
قلت: فما بال أم تدخل عليهن وهي بمنزلة
الألف؟ قال: إنّ أم تجيء ههنا بمنزلة لا بل، للتحوَّل من الشيء إلى
الشيء، والألف لا تجيء أبدا إلاَّ مستقبلة، فهم قد استغنوا في
الاستقبال عنها واحتاجوا إلى أم؛ إذ كانت لترك شيء إلى شيء؛ لأنهم لو
تركوها فلم يذكروها لم يتبيّن المعنى.
(3/190)
باب ما ينصرف وما لا
ينصرف
هذا باب أفعل
اعلم أن أفعل إذا كان صفةً لم ينصرف في معرفة ولا نكرة، وذلك لأنَّها
أشبهت الأفعال نحو: أذهب وأعلم.
قلت: فما باله لا ينصرف إذا كان صفةً وهو نكرةٌ؟ فقال: لأنَّ الصفات
أقرب إلى الأفعال، فاستثقلوا التنوين فيه كما استثقلوه في الأفعال،
وأرادوا أن يكون في الاستثقال كالفعل، إذ كان مثله في البناء والزيادة
وضارعه، وذلك نحو: أخضر، وأحمر، وأسود، وأبيض، وآدر. فإذا حقرت قلت:
أخيضر وأحيمر وأسيود، فهو على حاله قبل أن تحقره، من قبل أن الزيادة
التي أشبه بها الفعل مع البناء ثابتةٌ، وأشبه هذا من الفعل ما أميلح
زيداً، كما أشبه أحمر أذهب.
(3/193)
هذا باب أفعل إذا كان اسماً وما أشبه
الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد فما كان من الأسماء أفعل،
فنحو: أفكلٍ، وأزملٍ، وأيدعٍ، وأربعٍ، لا تنصرف في المعرفة، لأنَّ
المعارف أثقل، وانصرفت في النكرة لبعدها من الأفعال، وتركوا صرفها في
المعرفة حيث أشبهت الفعل، لثقل المعرفة عندهم.
وأما ما أشبه الأفعال سوى أفعل فمثل اليرمع واليعمل، وهو جماع اليعملة،
ومثل أكلبٍ. وذلك أن يرمعاً مثل: يذهب، واكلبٌ مثل: أدخل. ألا ترى أنَّ
العرب لم تصرف أعصر، ولغةٌ لبعض العرب يعصر، لا يصرفونه أيضاً، وتصرف
ذلك في النكرة، لأنَّه ليس بصفة.
واعلم أن هذه الياء والألف لا تقع واحدةٌ منهما في أول اسمٍ على أربعة
أحرف إلا وهما زائدتان. ألا ترى أنَّه ليس اسمٌ مثل أفكلٍ يصرف وإن لم
يكن له فعلٌ يتصرف.
ومما يدلك أنها زائدة كثرة دخولها في بنات الثلاثة، وكذلك
(3/194)
الياء أيضا. وإن لم تقل هذا دخل عليك أن
تصرف أفكل وأن تجعل الشيء إذا جاء بمنزلة الرجازة والربابة لأنه ليس له
فعلٌ، بمنزلة القمطرة والهدملة.
فهذه الياء الألف تكثر زيادتهما في بنات الثلاثة، فهما زائدتان حتى
يجيء أمرٌ بين نحو: أولقٍ، فانَّ أولقاً إنمَّا الزيادة فيه الواو،
يدلك على ذلك قد ألق الرجل فهو مألوقٌ. ولو لم يتبين أمر أولقٍ لكان
عندنا أفعل؛ لأن أفعل من هذا الضرب أكثر من فوعلٍ. ولو جاء في الكلام
شيءٌ نحو أكللٍ وأيققٍ فسميت به رجلاً صرفته، لأنه لو كان أفعل لم يكن
الحرف الأول إلا ساكناً مدغما.
وأما أوَّل فهو أفعل. يدلَّك على ذلك قولهم: هو أول منه، ومررت بأول
منك، والأولى وإذا سميت الرجل بالبب فهو غير مصروف، والمعنى عليه، لأنه
من اللب، وهو أفعل. وهو أفعل. ولو لم يكن المعنى هذا لكان فعلل. والعرب
تقول: قد علمت ذاك بنات ألبيه يعنون لبّه.
(3/195)
ومما يترك صرفه لأنه يشبه الفعل ولا يجعل
الحرف الأول منه زائداً إلاّ بثببتٍ، نحو تنضبٍ، فإنما التاء زائدة
لأنه ليس في الكلام شيءٌ على أربعة أحرف ليس أوله زائدة يكون على هذا
البناء؛ لأنه ليس في الكلام فعلل.
ومن ذلك أيضاً: ترتب وترتب - وقد يقال أيضاً: ترتب - فلا يصرف. ومن قال
ترتبٌ صرف؛ لأنه وإن كان أوله زائداً فقد خرج من شبه الأفعال.
وكذلك التدرأ، إنما هو من درأت. وكذلك التتفل. ويدلك على ذلك قول بعض
العرب: التتَّفل، وأنه ليس في الكلام كجعفر.
وكذلك رجلٌ يسَّمى: تألب، لأنَّه تفعل. ويدلك على ذلك أنَّه يقال
للحمار ألب يألب، بفعل، وهو طرده طريدته. وإنما قيل له تألبٌ من ذلك.
وأما ما جاء نحو: نهشل وتولب فهو عندنا من نفس الحرف، مصروفٌ
(3/196)
حتىَّ يجيء أمرٌ يبينَّه. وكذلك فعلت به
العرب؟ لأنَّ حال التاء والنون في الزيادة ليست كحال الألف والياء،
لأنَّهما لم تكثرا في الكلام زائدتين ككثرتهما. فإن لم تقل ذلك دخل
عليك أن لا تصرف نهشلا ونهسراً. وهو قول العرب، والخليل، ويونس.
وإذا سميت رجلاً بإثمدٍ لم تصرفه، لأنَّه يشبه إضرب، وإذا سميت رجلاً
بإصبع لم تصرفه، لأنه يشبه إصنع. وإن سميته بأبلمٍ لم تصرفه، لأنه يشبه
أقتل. ولا تحتاج في هذا إلى ما احتجت إليه في ترتبٍ وأشباهها لأنَّها
ألفٌ. وهذا قول الخليل ويونس.
وإنما صارت هذه الأسماء بهذه المنزلة لأنهم كأنهم ليس أصل الأسماء
عندهم على أن تكون في أولها الزوائد وتكون على هذا البناء. ألا ترى أن
تفعل ويفعل في الأسماء قليل. وكان هذا البناء إنما هو في الأصل للفعل،
فلما صار في موضع قد يستثقل فيه التنوين استثقلوا فيه ما استثقلوا فيما
هو أولى بهذا البناء منه. والموضع الذي يستثقل فيه التنوين المعرفة.
ألا ترى أكثر ما لا ينصرف في المعرفة قد ينصرف في النكرة وإنما صارت
أفعل في الصفات أكثر لمضارعة الصِّفة الفعل.
(3/197)
وإذا سمَّيت رجلاً بفعل في أوله زائدة لم
تصرفه، نحو يزيد ويشكر وتغلب ويعمر. وهذا النحو أحرى أن لا تصرفه،
وإنَّما أقصى أمره أن يكون كتنضبٍ ويرمعٍ.
وجميع ما ذكرنا في هذا الباب ينصرف في النكرة فإن قلت: فما بالك تصرف
يزيد في النكرة، وإنما منعك من صرف أحمر في النكرة وهو اسم أنه ضارع
الفعل؟ فأحمر إذا كان صفةً بمنزلة الفعل قبل أن يكون اسماً فإذا كان
اسماً ثم جعلته نكرة فإنما صيرَّته إلى حاله إذ كان صفة.
وأما يزيد فإنك لمَّا جعلته اسماً في حالٍ يستثقل فيها التنوين استثقل
فيه ما كان استثقل فيه قبل أن يكون اسماً، فلَّما صيرَّته نكرة لم يرجع
إلى حالة قبل أن بكون اسماً. وأحمر لم يزل اسماً.
وإذا سمَّيت رجلاً بإضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفه وقطعت الألفات حتَّى
يصير بمنزلة الأسماء، لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال. ألا ترى أنك
ترفعها وتنصبها. وتقطع الألف؛ لأن الأسماء لا تكون بألف الوصل، ولا
يحتج باسمٍ ولا ابن، لقلة هذا مع كثرة الأسماء. وليس لك أن تغيِّر
(3/198)
البناء في مثل ضرب وضورب وتقول: إن مثل هذا
ليس في الأسماء؛ لأنك قد تسمِّى بما ليس في الأسماء، إلاَّ أنك استثقلت
فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي شبهَّتها بها نحو: إثمدٍ
وإصبعٍ وأبلمٍ، فإنما أضعف أمرها أن تصير إلى هذا.
وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرىءٍ، لأن ألف امرىءٍ كأنك أدخلتها
حين أسكنت الميم على مرءٌ ومرأ ومرءٍ، فلمَّا أدخلت الألف على هذا
الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا، كما تركت ألف إبنٍ، وكما تركت
ألف إضرب في الأمر، فإذا سمَّيت بامرىءٍ رجلاً تركته على حاله، لأنَّك
نقلته من اسم إلى اسم، وصرفته لأنَّه لا يشبه لفظه لفظ الفعل.
ألا ترى أنك تقول: امرؤٌ وامرىءٍ وامرأً، وليس شيء من الفعل هكذا. وإذا
جعلت إضرب أو أقتل اسماً لم يكن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء، لأنَّك
نقلت فعلا إلى اسم. ولو سمَّيته انطلاقا لم تقطع الألف، لأنَّك نقلت
اسما إلى اسم.
واعلم أن كلَّ اسم كانت في أوله زائدة ولم يكن على مثال الفعل
(3/199)
فإنّه مصروف؛ وذلك نحو: إصليتٍ وأسلوبٍ
وينبوبٍ وتعضوض، وكذلك هذا المثال إذا اشتققته من الفعل، نحو يضروبٍ
وإضريب وتضريب، لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال الفعل، وليس بمنزلة
عمر. ألا ترى أنك تصرف يربوعا، فلو كان يضروبٌ بمنزلة يضرب لم تصرفه.
وإن سمَّيت رجلا هراق لم تصرفه، لأن هذه الهاء بمنزلة الألف زائدة،
وكذلك هرق بمنزلة اقم.
وإذا سمَّيت رجلا بتفاعلٍ نحو تضاربٍ، ثم حقَّرته فقلت تضيرب لم تصرفه،
لأنه يصير بمنزلة تغلب، ويخرج إلى ما لا ينصرف، كما تخرج هند في
التحقير إذا قلت: هنيدة إلى ما لا ينصرف البتَّة في جميع اللغات.
وكذلك أجادل اسم رجل إذا حقَّرته، لأنَّه يصير أجيدل مثل أميلح. وإن
سمَّيت رجلاً بهرق قلت: هذا هريق قد جاء، لا تصرف.
هذا باب ما كان من أفعل صفة
في بعض اللغات واسما في أكثر الكلام
وذلك: أجدلٌ وأخيلٌ وأفعى. فأجود ذلك أن يكون هذا النحَّو اسماً، وقد
جعله بعضهم صفة؛ وذلك لأن الجدل شدَّة الخلق، فصار أجدل عندهم بمنزلة
شديدٍ.
(3/200)
وأما أخيلٌ فجعلوه أفعل من الخيلان للونه،
وهو طائر أخضر، وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه.
وعلى هذا المثال جاء أفعى، كأنَّه صار عندهم صفة وإن لم يكن له فعلٌ
ولا مصدر.
وأما أدهم إذا عنيت القيد، والأسود إذا عنيت به الحَّية، والأرقم إذا
عنيت الحية، فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة؛ لم تختلف في ذلك العرب.
فإن قال قائل: أصرف هذا لأني أقول: أداهم وأراقم. فأنت تقول: الأبطح
والأباطح، وأجارع وأبارق وإنما الأبرق صفة. وإنما قيل: أبرق لأن فيه
حمرةٌ وبياضا وسوادا كما قالوا: تيسٌ أبرق، حين كان فيه سواد وبياض.
وكذلك الأبطح إنما هو المكان المنبطح من الوادي، وكذلك الأجرع إنما هو
المكان المستوي من الرمل المتمكِّن. ويقال: مكانٌ جرعٌ. ولكن الصفة
ربَّما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع الأسماء حتَّى يستغنوا
بها عن الأسماء، كما يقولون: الأبغث
(3/201)
فهو صفة جعل اسماً، وإنما هو لون. ومما
يقوي إنه صفة قولهم: بطحاء وجرعاء، وبرق، فجاء مؤنثه كمؤنث أحمر.
هذا باب أفعل منك اعلم أنك إنما تركت صرف أفعل منك لأنه صفة.
فإن سميت رجلاً بأفعل هذا، بغير منك، صرفته في النكرة، وذلك نحو أحمدٍ
وأصغرٍ وأكبر، لأنك لا تقول: هذا رجلٌ أصغر ولا هذا رجل أفضل، وإنَّما
يكون هذا صفة بمنك. ولو سميته أفضل منك لم تصرفه على حال.
وأما أجمع وأكتع فإذا سميت رجلا بواحدٍ منهما لم تصرفه
(3/202)
في المعرفة وصرفته في النكرة، وليس واحد
منهما في قولك: مررت به أجمع أكتع، بمنزلة أحمر لأن أحمر صفة للنكرة،
وأجمع وأكتع إنما وصف بهما معرفة فلم ينصرفا لأنهما معرفة. فأجمع ههنا
بمنزلة كلَّهم.
؟؟ باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف تقول: كل أفعلٍ يكون وصفا لا
تصرفه في معرفة ولا نكرة، وكل أفعل يكون اسماً تصرفه في النكرة. قلت:
فكيف تصرفه وقد قلت: لا تصرفه. قال لأن هذا مثالٌ يمثلَّ به، فزعمت
أنَّ هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجر، فإن كان اسماً وليس بوصف
جرى.
ونظير ذلك قولك: كل أفعلٍ أردت به الفعل نصبٌ أبداً، فإنمَّا زعمت أنَّ
هذا البناء يكون في الكلام على وجوه، وكان أفعل اسماً، فكذلك منزلة
أفعل في المسألة الأولى، ولو لم تصرفه ثمَّ لتركت أفعل ههنا نصباً،
فإنَّما أفعل ههنا اسمٌ بمنزلة أفكلٍ. ألا ترى أنَّك تقول: إذا كان هذا
البناء وصفاً لم أصرفه. وتقول: أفعل إذا كان وصفا لم اصرفه. فإنَّما
تركت صرفه ههنا كما تركت صرف أفكلٍ إذا كان معرفةً.
وتقول: إذا قلت هذا رجلٌ أفعل لم أصرفه على حال، وذلك لأنَّك
(3/203)
مثلت به الوصف خاصةً، فصار كقولك كل أفعل
زيد نصبٌ أبداً؛ لأنَّك مثَّلت به الفعل خاصَّة.
قلت: فلم لا يجوز أن تقول: كل أفعل في الكلام لا أصرفه إذا أردت الذي
مثَّلت به الوصف كما أقول: كل آدم في الكلام لا أصرفه؟ فقال: لا يجوز
هذا، لأنَّه لم يستقرِّ أفعل في الكلام صفةً بمنزلة آدم، وإنَّما هو
مثال. ألا ترى أنَّك لوسميَّت رجلا بأفعلٍ صرفته في النكرة؛ لأنَّ قولك
أفعلٌ لا يوصف به شيء، وإنَّما يمَّثل به. وإنَّما تركت التنوين فيه
حين مثلَّت به الوصف، كما نصبت أفعلاً حين مثلَّت به الفعل. وأفعلٌ لا
يعرف في الكلام فعلا مستعملاً. فقولك: هذا رجلٌ أفعلٌ بمنزلة قولك:
أفعل زيدٌ، فإذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة أفعل إذا لم يعمل في اسم
مظهر ولا مضمر.
قلت: فما منعه أن يقول: كل أفعل يكون صفةً لا أصرفه، يريد
(3/204)
الذي مثلَّت به الوصف. فقال: هذا بمنزلة
الذي ذكرنا قبل، لو جاز هذا لكان أفعل وصفا بائنا في الكلام غير مثال،
ولم نكن نحتاج إلى أن أقول: يكون صفة ولكني أقول: لأنَّه صفة؛ كما
أنَّك إذا قلت: لا تصرف كل آدم في الكلام قلت: لأنه صفة، ولا تقول:
أردت به الصفة، فيرى السائل أن آدم يكون غير صفة لأن آدم الصفة بعنيها.
وكذلك إذا قلت: هذا رجلٌ فعلان يكون على وجهين؛ لأنك تقول: هذا إن كان
عليه وصفٌ له فعلى لم ينصرف، وإن لم يكن له فعلى انصرف. وليس فعلان هنا
بوصفٍ مستعمل في الكلام له فعلى، ولكنه هاهنا بمنزلة أفعلٍ في قولك: كل
أفعلٍ كان صفةً فأمره كذا وكذا. ومثله كل فعلانٍ كان صفة وكانت له فعلى
لم ينصرف. وقولك: كانت له فعلى وكان صفة، يدلك على أنه مثال.
وتقول: كل فعلًى إو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرف، وإن كانت
الألف جاءت للتأنيث لم ينصرف، قلت: كل فعلى أو فعلى، فلم ينَّون؛ لأن
هذا الحرف مثال. فإن شئت أنثته وجعلت الألف للتأنيث، وإن شئت صرفت
وجعلت الألف لغير التأنيث.
وتقول: إذا قلت: هذا رجلٌ فعنلًى نونت لأنك مثلت به وصف
(3/205)
المذكَّر خاصةً، وفعنلًى مثل حبنطًى، ولا
يكون إلا منوَّناً ألا ترى أنك تقول: هذا رجلٌ حبنطًى يا هذا. فعلى هذا
جرى هذا الباب.
وتقول: كل فعلى في الكلام لا ينصرف وكل فعلاء في الكلام لا ينصرف لأن
هذا المثال لا ينصرف في الكلام البتة كما أنك لو قلت: هذا رجل أفعل لم
ينصرف، لأنك مثلَّته بما لا ينصرف وهي صفة، فأفعل صفة كفعلاء.
هذا باب ما ينصرف من الأفعال إذا سميت به رجلا زعم يونس: أنك إذا سميت
رجلاً بضارب من قولك: ضاربٌ، وأنت تأمر، فهو مصروف.
وكذلك إن سميته ضارب، وكذلك ضرب. وهو قول أبي عمرو والخليل، وذلك
لأنَّها حيث صارت اسماً في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع، ولم
تجيء في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل
الأسماء إذا كانت على بناء الفعل غلبت الأسماء عليها إذا أشبهتها في
البناء وصارت أوائلها الأوائل التي هي في الأصل للأسماء، فصارت بمنزلة
ضارب الذي هو اسم، وبمنزلة حجرٍ وتابلٍ، كما أنَّ يزيد وتغلب يصيران
بمنزلة تنضبٍ ويعمل إذا صارت اسماً.
وأما عيسى فكان لا يصرف ذلك. وهو خلاف قول العرب، سمعناهم يصرفون الرجل
يسَّمى: كعبساً؛ وإنَّما هو فعل من الكعسبة، وهو العدو الشديد
(3/206)
مع تداني الخطا. والعرب تنشد هذا البيت
لسحيم بن وثيل اليربوعي:
أنا ابنُ جَلاَ وطلاّع الثنّايا ... مثى أَضَعِ العمِامةَ تَعْرِفونِي
ولا نراه على قول عيسى ولكنَّه على الحكاية، كما قال:
بَني شابَ قَرناها تَصُرُّ وتَحْلُبُ
كأنه قال: أنا ابن الذي يقال له: جلا.
فإن سميت رجلاً ضَّرب أو ضرِّب أو ضورب لم تصرف. فأما فعَّل فهو مصروف،
ودحرج ودحرج لا تصرفه لأنَّه لا يشبه الأسماء.
(3/207)
ولا يصرفون خضَّم، وهو اسم للعنبر بن عمرو
بن تميم.
فإن حقرت هذه الأسماء صرفتها، لأنَّها تشبه الأسماء، فيصير ضاربٌ
وضاربٌ ونحوهما بمنزلة ساعد وخاتم.
فكل اسم يسمى بشيء من الفعل ليست في أوله زيادة وله مثال في الأسماء
انصرف؛ فإن سميته باسمٍ في أوله زيادة وأشبه الأفعال لم ينصرف.
فهذه جملة هذا كله.
وإن سميِّت رجلاً ببقِّم أو شلَّم وهو بيت المقدس لم تصرفه البتة؛ لأنه
ليس في العربية اسمٌ على هذا البناء، ولأنه أشبه فعِّلا، فهو لا ينصرف
إذا صار اسما؛ لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء، لأنَّه جاء على بناء
الفعل الذي
(3/208)
إنما هو في الأصل للفعل لا للأسماء،
فاستثقل فيه ما يستثقل في الأفعال. فإن حقرته صرفته.
وإن سميت رجلا ضربوا فيمن قال: أكلوني البراغيث قلت: هذا ضربون قد
أقبل، تلحق النون كما تلحقها في أولى لو سميت بها رجلاً من قوله عز
وجل: " أولي أجنحةٍ ". ومن قال: هذا مسلمون في اسم رجل قال: هذا ضربون،
ورأيت ضربين. وكذلك يضربون في هذا القول.
فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال هذا مسلمينٌ قلت: هذا ضربينٌ قد
جاء. ولو سميت رجلا: مسلمينٌ على هذه اللغة لقلت: هذا مسلمينٌ، صرفت
وأبدلت مكان الواو ياءً، لأنَّها قد صارت بمنزلة الأسماء، وصرت كأنَّك
سميّته بمثل: يبرين. وإنَّما فعلت هذا بهذا حين لم يكن
(3/209)
علامةً للإضمار، وكان علامةً للجمع، كما
فعلت ذلك بضربت حين كانت علامةً للتأنيث، فقلت هذا ضربة قد جاء. وتجعل
التاء هاء لأنهَّا قد دخلت في الأسماء حين قلت هذه ضربه، فوقفت إذا
كانت بعد حرف متحرك قلبت التاء هاء حين كانت علامة للتأنيث.
وإن سميَّته ضرباً في هذا القول ألحقته النون، وجعلته بمنزلة رجل سمي
برجلين. وإنما كففت النون في الفعل، لأنك حين ثنيت وكانت الفتحة لازمةً
للواحد حذفت أيضاً في الاثنين النون، ووافق الفتح في ذاك النصب في
اللفظ، فكان حذف النون نظير الفتح، كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح
في: هيهات.
وإن سميت رجلا بضربن أو يضربن، لم تصرفه في هذا، لأنه ليس له نظيرٌ في
الأسماء؛ لأنَّك إن جعلت النون علامة للجمع فليس في الكلام مثل: جعفرٍ،
فلا تصرفه. وإن جعلته علامةً للفاعلات حكيته. فهو في كلا القولين لا
ينصرف.
باب ما لحقته الألف في آخره فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة،
وما لحقته الألف فانصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة
أمّا لا ينصرف فيهما فنحو: حبلى وحبارى، وجمزى ودفلى، وشروى وغضبى.
وذاك أنَّهم أرادوا أن يفرقوا بين الألف التي تكون بدلاً من
(3/210)
الحرف الذي هو من نفس الكلمة، والألف التي
تلحق ما كان من بنات الثلاثة ببنات الأربعة، وبين هذه الألف التي تجيء
للتأنيث.
فأما ذفرى فقد اختلفت فيها العرب، فيقولون: هذه ذفرى أسيلةٌ، ويقول
بعضهم: هذه ذفرى أسيلةٌ، وهي أفلّهما، جعلوها تلحق بنات الثلاثة ببنات
الأربعة، كما أن واو جدولٍ بتلك المنزلة.
وكذلك: تترى فيها لغتان.
وأما معزىً فليس فيها إلا لغة واحدة، تنوَّن في النكرة.
وكذلك: الأرطى كلهم يصرف. وتذكيره مما يقوى على هذا التفسير.
وكذلك: العلقى. ألا ترى أنَّهم إذا أنثوا قالوا: علقاةٌ وأرطاةٌ،
لأنهما ليستا ألفي تأنيث.
وقالوا: بهمى واحدة، لأنَّها ألف تأنيث، وبهمى جميع.
(3/211)
وحبنطًى بهذه المنزلة، إنما جاءت ملحقة
بجعفلٍ. وكينونته وصفاً للمذكَّر يدلك على ذلك، ولحاق الهاء في المؤنث.
وكذلك قبعثرى؛ لأنك لم تلحق هذه الألف للتأنيث. ألا ترى أنك تقول:
قبعثراةٌ، وإنما هي زيادة لحقت بنات الخمسة، كما لحقتها الياء في قولك:
دردبسٍ.
وبعض العرب يؤنث العلقى، فينزِّلها منزلة: البهمى، يجعل الألف للتأنيث.
وقال العجاج.
يَسْتَنُّ في عَلْقَى وفي مكُورِ
فلم ينونه.
وإنما منعهم من صرف: دفلى وشروى ونحوهما في النكرة أن ألفهما حرف
يكسَّر عليه الاسم إذا قلت: حبالى، وتدخل تاء التأنيث لمعنىً
(3/212)
يخرج منه، ولا تلحق به أبدا بناءً ببناء،
كما فعلوا ذلك بنون رعشنٍ وبتاء سنبتة وعفريت. ألا تراهم قالوا: جمزىً
فبنوا عليها الحرف، فتوالت فيه ثلاث حركات، وليس شيء يبنى على الألف
التي لغير التأنيث نحو نون رعشنٍ، توالى فيه ثلاث حركات فيما عدته
أربعة أحرف، لأنَّها ليست من الحروف التي تلحق بناءً ببناء، وإنما تدخل
لمعنى، فلما بعدت من حروف الأصل تركوا صرفها، كما تركوا صرف مساجد حيث
كسروا هذا البناء على ما لا يكون عليه الواحد.
وأما موسى وعيسى فإنهما أعجميان لا ينصرفان في المعرفة، وينصرفان في
النكرة، أخبرني بذلك من أثق به.
وموسى مفعل، وعيسى فعلى؛ والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة ياء
معزى. وموسى الحديد مفعل، ولو سميت بها رجلا لم تصرفها لأنها مؤنثة
بمنزلة معزى إلا أن الياء في موسى من نفس الكلمة.
هذا باب
ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في النكرة
والمعرفة وذلك نحو حمراء، وصفراء، وخضراء، وصحراء، وطرفاء، ونفساء،
(3/213)
وعشراء، وقوباء، وفقهاء، وسابياء، وحاوياء،
وكبرياء. ومثله أيضا: عاشوراء ومنه أيضا: أصدقاء وأصفياء. ومنه زمكاَّء
وبروكاء وبراكاء، ودبوقاء، وخنفساء، وعنظباء، وعقرباء، وزكرياَء.
فقد جاءت في هذه الأبنية كلَّها للتأنيث. والألف إذا كانت بعد ألفٍ،
مثلها إذا كانت وحدها، إلا أنَّك همزت الآخرة للتحريك، لأنه لا ينجزم
حرفان، فصارت الهمزة التي هي بدلٌ من الألف بمنزلة الألف لو لم تبدل،
وجرى عليها ما كان يجري عليها إذا كانت ثابتة، كما صارت الهاء في هراق
بمنزلة الألف.
واعلم أن الألفين لا تزادان أبدا إلا للتأنيث، ولا تزادان أبداً لتلحقا
بنات الثلاثة بسرداحٍ ونحوها. ألا ترى أنك لم ترقطّ فعلاء مصروفةً ولم
نر شيئاً من بنات الثلاثة فيه ألفان زائدتان مصروفا.
فإن قلت: فما بال علباءٍ وحرباء؟ فإ، َّ هذه الهمزة التي بعد الألف
إنما هي بدل من ياءٍ، كالياء التي في درحايةٍ وأشباهها، وإنَّما جاءت
هاتان الزائدتان هنا لتلحقا علباءً وحرباءً، بسرداحٍ وسربالٍ. ألا ترى
أن هذه الألف والياء لا تلحقان اسما فيكون أوله مفتوحاً، لأنه ليس في
الكلام مثل
(3/214)
سرداحٍ ولا سربالٍ، وإنما تلحقان لتجعلا
بنات الثلاثة على هذا المثال والبناء، فصارت هذه الياء بمنزلة ما هو من
نفس الحرف، ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً فتلحقا هذا البناء به، ولا
تلحق ألفان للتأنيث شيئاً على ثلاثة أحرف وأول الاسم مضموم أو مكسور،
وذلك لأنَّ هذه الياء والألف إنما تلحقان لتبلغا بنات الثلاثة بسرداحٍ
وفسطاط لا تزادان ههنا إلا لهذا، فلم تشركهما الألفان اللتان للتأنيث،
كما لم تشركا الألفين في مواضعهما، وصار هذا الموضع ليس من المواضع
التي تلحق فيها الألفان اللتان للتأنيث، وصار لهما إذا جاءتا للتأنيث
أبنية لا تلحق فيها الياء بعد الألف، يعني الهمزة. فكذلك لم تلحقا في
المواضع التي تلحق فيها الياء بعد الألف.
واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا قوباءٌ كما ترى، وذلك لأنهم أرادوا
أن يلحقوه ببناء فسطاط والتذكير يدلك على ذلك والصرف.
وأما غوغاء، فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء، فيؤنث ولا يصرف، ومنهم
من يجعلها بمنزلة قضقاضٍ، فيذكر ويصرف، ويجعل الغين والواو مضاعفتين،
بمنزلة القاف والضاد. ولا يجيء على هذا البناء إلا ما كان مردَّداً.
والواحدة غوغاء.
هذا باب ما لحقته نونٌ بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك نحو:
عطشان، وسكران، وعجلان، وأشباهها. وذلك أنهم جعلوا
(3/215)
النون حيث جاءت بعد ألف كألف حمراء، لأنها
على مثالها في عدَّة الحروف والتحرك والسكون، وهاتان الزائدتان قد اختص
بهما المذكر. ولا تلحقه علامة التأنيث، كما أن حمراء لم تؤنَّث على
بناء المذكَّر. ولمؤنث سكران بناءٌ على حدةٍ كما كان لمذكَّر حمراء
بناءٌ على حدة.
فلما ضارع فعلاء هذه المضارعة وأشبهها فيما ذكرت لك أجري مجراها.
باب ما لا ينصرف في المعرفة مما ليست نونه بمنزلة الألف التي في نحو:
بشرى، وما أشبهها وذلك كل نون لا يكون في مؤنثها فعلى وهي زائدةٌ؛ وذلك
نحو: عريانٍ وسرحانٍ وإنسانٍ. يدلك على زيادته سراحٍ فإنما أرادوا حيث
قالوا: سرحانٌ أن يبلغوا به باب سرداحٍ، كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى
باب هجرعٍ.
ومن ذلك: ضبعانٌ. يدلَّك على زيادته قولك: الضَّبع والضبِّاع أشباه هذا
كثير.
وإنما تعتبر أزيادة هي أم غير زيادة بالفعل، أو الجمع، أو بمصدر، أو
مؤنث نحو: الضَّبع وأشباه ذلك.
(3/216)
وإنما دعاهم إلى أن لا يصرفوا هذا في
المعرفة أن آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فجعلوه بمنزلته
في المعرفة، كما جعلوا أفكلاً بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا
نكرة. وذلك أفعل صفة؛ لأنه بمنزلة الفعل، وكان هذه النون بعد الألف في
الأصل لباب فعلان الذي له فعلى، كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال
فلما صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه
بمنزلة ما هذه الزيادة له في الأصل.
فإذا حقرت سرحان اسم رجل فقلت: سريحينٌ صرفته، لأن آخره الآن لا يشبه
آخر غضبان، لأنك تقول في تصغير غضبان: غضيبان؛ ويصير بمنزلة غسليٍن
وسنينٍ فيمن قال: هذه سنينٌ كما ترى. ولو كنت تدع صرف كل نون زائدة
لتركت صرف رعشنٍ، ولكنك إنَّما تدع صرف ما آخره كآخر غضبان، كما تدع
صرف ما كان على مثال الفعل إذا كانت الزيادة في أوله. فإذا قلت: إصليت
صرفته لأنه لا يشبه الأفعال، فكذلك صرفت هذا لأن آخره لا يشبه آخر
غضبان إذا صغرته. وهذا قول أبي عمروٍ والخليل ويونس.
وإذا سميّت رجلاً: طّحان، أو سمّان من السمن، أو تبان من التبن، صرفته
في المعرفة والنكرة، لأنها نونٌ من نفس الحرف، وهي بمنزلة دال حمادٍ.
وسألته: عن رجل يسَّمى: دهقان، فقال: إن سميَّته من التَّدهقن فهو
مصروف. وكذلك: شيطان إن أخذته من التشيَّطن. فالنون عندنا في مثل
(3/217)
هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه
النون. وإن جعلت دهقان من الدَّهق، وشيطان من شيَّط لم تصرفه.
وسألت الخليل: عن رجل يسمى مراناً، فقال: أصرفه، لأنَّ المران إنما
سمِّى للينه، فهو فعّالٌ، كما يسمَّى الحماض لحموضته. وإنَّما المرانة
اللين.
وسألته: عن رجل يسَّمى فيناناً فقال: مصروف، لأنَّه فيعالٌ، وإنما يريد
أن يقول لشعره فنونٌ كأفنان الشجر.
وسألته: عن ديوانٍ، فقال: بمنزلة قيراطٍ، لأنَّه من دونت. ومن قال
ديوانٌ فهو بمنزلة بيطار.
وسألته: عن رمان فقال: لا أصرفه، وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى
يعرف.
وسألته: عن سعدان والمرجان، فقال: لا أشك في أن هذه النون زائدة، لأنه
ليس في الكلام مثل: سرداحٍ ولا فعلالٌ إلا مضعَّفاً. وتفسيره كتفسير
عريانٍ، وقصته كقصته.
فلو جاء شيء في مثال: جنجانٍ، لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان،
إلاّ أن يجيء أمر بيِّن، أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه، فيعلم أنَّهم
جعلوها زائدة، كما قالوا: غوغاء فجعلوها بمنزلة: عوراء. فلَّما لم
يريدوا ذلك
(3/218)
وأرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا،
كما أنَّه لو كان خضخاضٌ لصرفته وقلت: ضاعفوا هذه النون.
فإن سمعناهم لم يصرفوا قلنا: لم يريدوا ذلك، يعني التضعيف، وأرادوا
نوناً زائدة، يعنى في: جنحان.
وإذا سميت رجلا: حبنطي، أو علقي لم تصرفه في المعرفة، وترك الصرف فيه
كترك الصرف في: عريان، وقصتَّه كقصته.
وأما علباءٌ وحرباء اسم رجل فمصروف في المعرفة والنكرة، من قبل أنَّه
ليست بعد هذه الألف نون فيشَّبه آخره بآخر غضبان، كما شبه آخر علقى
بآخر شروى. ولا يشبه آخر حمراء، لأنه بدلٌ من حرفٍ لا يؤنَّث به
كالألف، وينصرف على كل حال، فجرى عليه ما جرى على ذلك الحرف، وذلك
الحرف بمنزلة الياء والواو اللتين من نفس الحرف.
وسألته عن تحقير علقى، اسم رجل، فقال: أصرفه، كما صرفت سرحان حين
حقرته، لأنَّ آخره حينئذ لا يشبه آخر ذفرى. وأما معزى فلا يصرف إذا
حقرتها اسم رجل، من أجل التأنيث. ومن العرب من يؤنث علقى فلا ينوِّن.
وزعموا أنَّ ناساً يذكِّرون معزًى، زعم أبو الخطّاب أنهى سمعهم يقولون:
ومِعْزًى هَدِباً يَعلو ... قِرانَ الأرضِ سودانا
(3/219)
ونظير ذلك قول الله عز وجلَّ: " والله يشهد
إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ
بالله إنَّه لمن الصَّادقين "؛ لأن هذا توكيدُ كأنه قال: يحلف بالله
إنه لمن الصادقين.
.وقال الخليل: أشهد بأنك لذاهبُ غير جائز، من قبل أنَّ حروف الجر لا
تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنه لمنطلقٌ، أتبع آخره أوله. وإن
قلت: أشهد أنه ذاهبُ، وإنه لمنطلقُ،. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني،
لأن اللام لا تدخل أبداً على أنَّ، وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون
إلا مبتدأة باللام.
ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنه لخيرٌ منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت
ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيهم أفضل، معلقةَّ في الموضعين
جميعا.
وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء، كما تصرف عبد الله إلى الابتداء إذا
قلت قد علمت لعبد الله خيرُ منك، فعبد الله هنا بمنزلة إنَّ في أنه
يصرف إلى الابتداء.
ولو قلت: قد علمت أنه لخيرُ منك، لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك،
ورأيت لعبد الله هو الكريم، فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد الله
إلاَّ وهما مبتدءان.
ونظير ذلك قوله عز وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من
خلاقٍ "، فهو ههنا مبتدأ.
ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ
إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزقتم
كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد "، فإنكم ههنا بمنزلة أيهم إذا قلت:
ينبئهم أيهم أفضل.
وقال الخليل مثله: إنَّ الله يعلم ما تدعون من دونه من شيءٍ فما ههنا
بمنزلة أيهم، ويعلم معلقة. قال الشاعر:
ألم تر إنّيِ وابنَ أَسْوَدَ ليلةً ... لَنَسْرِي إلى نارينِ يَعلْو
سَناهُمَا
هذا باب هاءات التأنيث اعلم أن كل هاء كانت في اسم للتأنيث فإن ذلك
الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة.
قلت: فما باله انصرف في النكرة وإنما هذه للتأنيث، هلا ترك صرفه في
النكرة، كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث؟
قال: من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم، وإنما هي بمنزلة اسم ضمَّ
إلى اسم فجعلا اسما واحداً نحو: حضرموت. ألا ترى أن العرب تقول في
حبارى: حبير، وفي جحجبى: جحيجب ولا يقولون في دجاجةٍ إلا دجيجة، ولا في
قرقرةٍ إلا قريقرة، كما يقولون في حضرموت، وفي خمسة عشر: خميسة عشر،
فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء.
ويدلك على أن الهاء بهذه المنزلة أنها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات
الأربعة قط، ولا الأربعة بالخمسة، لأنها بمنزلة: عشر وموت، وكرب في معد
يكرب. وإنما تلحق بناء المذكر، ولا يبنى عليها الاسم كالألف، ولم
يصرفوها في المعرفة، كما يصرفوا معد يكرب ونحوه. وسأبين ذلك إن شاء
الله.
هذا باب ما ينصرف في المذكر البتة مما ليس في آخره حرف التأنيث كلَّ
مذكر سمي بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف
(3/220)
كائناً ما كان، أعجمياً أو عربياً، أو
مؤنثاً، إَّلا فعل مشتقاً من الفعل، أو يكون في أوله زيادة فيكون كيجد
ويضع، أو يكون كضرب لا يشبه الأسماء. وذلك أن المذكر أشد تمكنا، فلذلك
كان أحمل للتنوين، فاحتمل ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف، لأنَّه ليس شيء
من الأبنية أقلُّ حروفا منه، فاحتمل التنوين لخفته ولتمكنه في الكلام.
ولو سميت رجلا قدماً أو حشاً صرفته. فإن حّقرته قلت: قد بمٌ فهو مصروف،
وذلك لاستخفافهم هذا التحقير كما استخفوا الثلاثة، لأنَّ هذا لا يكون
إَّلا تحقير أقلَّ العدد، وليس محقَّر أقلُّ حروفا منه، فصار كغير
المحَّقر الذي هو أقُّل ما كان غير محَّقر حروفا. وهذا قول العرب
والخليل ويونس.
واعلم أن كل اسم لا ينصرف فإن الجر يدخله إذا أضفته أو أدخلت فيه الألف
واللام، وذلك أنَّهم أمنوا التنوين، وأجروه مجرى الأسماء. وقد أوضحته
في أول الكتاب بأكثر من هذا وإن سميت رجلاً ببنتٍ أو أختٍ صرفته، لأنك
بنيت الاسم على هذه التاء وألحقها ببناء الثلاثة، كما ألحقوا: سنبتةً
بالأربعة. ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها، إنما هذه
التاء فيها كتاء عفريتٍ، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة.
وليست كالهاء لما ذكرت لك، وإنَّما هذه زيادة في الاسم بني عليها
وانصرف في المعرفة. ولو أنَّ الهاء التي في دجاجة كهذه التاء انصرف في
المعرفة.
(3/221)
وإن سمَّيت رجلاً بهنه، وقد كانت في الوصل
هنتٌ، قلت هنة يا فتى، تحرك النون وتثبت الهاء؛ لأنك لم تر مختصاً
متمكنِّا على هذه الحال التي تكون عليها هنة قبل أن تكون اسماً تسكن
النون في الوصل، وذا قليل. فإن حولته إلى الاسم لزمه القياس.
وإن سميت رجلاً ضربت قلت: هذا ضربه، لأنه لا يحرَّك ما قبل هذه التاء
فتوالى أربع حركات؛ وليس هذا في الأسماء، فتجعلها هاء، وتحملها على ما
فيه هاء التأنيث.
هذا باب فعل اعلم أنَّ كل فعلٍ كان اسماً معروفاً في الكلام أو صفةً
فهو مصروف. فالأسماء نحو: صردٍ وجعلٍ، وثقبٍ وحفرٍ، إذا أردت جماع
الحفرة والثقُّبة.
وأما الصفات فنحو قولك: هذا رجلٌ حطمٌ.
قال الحطم القيسي:
(3/222)
قد لفَّها الليلُ بسواقٍ حطمٌ فإنما صرفت
ما ذكرت لك، لأنه ليس باسمٍ يشبه الفعل الذي في أوله زيادة، وليست في
آخره زيادة تأنيث، وليس بفعل لا نظير له في الأسماء، فصار ما كان منه
اسماً ولم يكن جمعاً بمنزلة حجرٍ ونحوه وصار ما كان منه جمعاً بمنزلة
كسرٍ وإبرٍ.
وأما ما كان صفة فصار بمنزلة قولك: هذا رجلٌ عملٌ، إذا أردت معنى كثير
العمل.
وأما عمر وزفر، فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنَّهما ليسا كشيء مما
ذكرنا، وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما، وهو بناؤهما في
الأصل، فلما خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما، وذلك نحو: عامرٍ
وزافرٍ.
ولا يجيء عمر وأشباهه محدوداً عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك
البناء معرفة. كذلك جرى في الكلام.
(3/223)
فإن قلت: عمرٌ آخر صرفته، لأنه نكرة فتحول
عن موضع عامرٍ معرفةً.
وإن حقَّرته صرفته؛ لأن فعيلاً لا يقع في كلامهم محدوداً عن فويعلٍ
وأشباهه، كما لم يقع فعلٌ نكرةً محدوداً عن عامرٍ، فصار تحقيره كتحقير
عمرٍو، كما صارت نكرته كصردٍ وأشباهه. وهذا قول الخليل. وزحل معدول في
حالةٍ، إذا أردت اسم الكوكب فلا ينصرف. وسألته عن جمع وكتع فقال: هما
معرفة بمنزلة كلُّهم، وهما معدولتان عن جمع جمعاء، وجمع كتعاء، وهما
منصرفان في النكرة.
وسألته عن صغر من قوله: الصغري وصغر فقال: أصرف هذا في المعرفة لأنه
بمنزلة: ثقبةٍ وثقبٍ، ولم يشبهَّ بشيء محدود عن وجهه.
قلت: فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال: لأن أخر خالفت
أخواتها وأصلها، وإنما هي بمنزلة: الطول والوسط والكبر، لا يكنَّ صفة
إلا وفيهن ألف ولام، فتوصف بهنَّ المعرفة. ألا أنك لا تقول:
(3/224)
نسوةٌ صغرٌ، ولا هؤلاء نسوةٌ وسطٌ، ولا
تقول: هؤلاء قومٌ أصاغر. فلما خالفت الأصل وجاءت صفة بغير الألف واللام
تركوا صرفها، كما تركوا صرف لكع حين أرادوا يا ألكع، وفسق حين أرادوا
يا فاسق. وترك الصرف في فسق هنا لأنه لا يمكن بمنزلة يا رجل للعدل. فإن
حقرت أخر اسم رجل صرفته، لأن فعيلاً لا يكون بناءً لمحدد عن وجهه، فلما
حقَّرت غيرت البناء الذي جاء محدوداً عن وجهه.
وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع، فقال: هو بمنزلة أخر، إنما
حدُّه واحداً واحداً، واثنين اثنين، فجاء محدوداً عن وجهه فترك صرفه.
قلت أفتصرفه في النكرة؟ قال: لا، لأنه نكرة يوصف به نكرة، وقال لي: قال
أبو عمرو: " أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع " صفةٌ، كأنك قلت: أولي
أجنحةٍ اثنين اثنين، وثلاثةٍ ثلاثةٍ. وتصديق قول أبي عمروٍ وقول ساعدة
بن جؤية:
وَعاودَني دِيني فبتُّ كأنَّما ... خِلالَ ضُلوعِ الصَّدر شرعٌ ممدَّد.
(3/225)
ثم قال:
ولكنَّما أهلي بوادٍ أنيسُه ... ذئابٌ تبغَّى الناسَ مثْنَى ومَوْحَدُ.
فإذا حَّقرت ثناء وأحاد صرفته، كما صرفت أخيراً وعميراً، تصغير عمر
وأخر إذا كان اسم رجل؛ لأنَّ هذا ليس هنا من البناء الذي يخالف به
الأصل.
فإن قلت: ما بال قال صرف اسم رجل، وقيل التي هي فعل، وهما محدودان عن
البناء الذي هو الأصل؟ فليس يدخل هذا على أحد في هذا القول، من قبل أنك
خففت فعل وفعل نفسه، كما خففت الحركة
(3/226)
من علم، وذلك من لغة بني تميم، فتقول: علم
كما حذفت الهمزة من يرى ونحوها، فلَّما خفَّت وجاءت على مثال ما هو في
الأسماء صرفت. وأمَّا عمر فليس محذوفاً من عامرٍ كما أن ميتاً محذوف من
مّيتٍ، ولكنه اسمٌ بني من هذا اللفظ وخولف به بناء الأصل. يدلك على
ذلك: أن مثنى ليس محذوفاً من اثنين.
وإن سميت رجلاً ضرب ثم خففته فأسكنت الراء صرفته؛ لأنك قد أخرجته إلى
مثال ما ينصرف كما صرفت قيل، وصار تخفيك لضرب كتحقيرك إيَّاه، لأنَّك
تخرجه إلى مثال الأسماء. ولو تركت صرف هذه الأشياء في التخفيف للعدل
لما صرفت اسم هارٍ، لأنه محذوف من هائرٍ.
باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل اعلم أنه ليس شيءٌ يكون على هذا
المثال إلاَّّ لم ينصرف في معرفة ولا نكرة. وذلك لأنه ليس شيء يكون
واحداً يكون على هذا من البناء والواحد الذي هو أشدُّ تمكناً وهو الأول
فلما لم يكن هذا من بناء الواحد هو أشد تمكناً وهو الأول تركوا صرفه؛
إذ خرج من بناء الذي هو أشد تمكناً. وإنما صرفت مقاتلاً وعذافراً، لأن
هذا المثال يكون للواحد.
قلت: فما بال ثمانٍ لم يشبه: صحارى وعذارى؟ قال: الياء في ثماني ياء
الإضافة أدخلتها على فعالٍ، كما أدخلتها على يمانٍ وشآمٍ، فصرفت
(3/227)
الاسم إذ خفَّفت كما إذ ثقلت يمانيٌّ
وشآميٌّ. وكذلك: رباٍع، فإنَّما ألحقت هذه الأسماء ياءات الإضافة.
قلت: أرأيت صياقلةً وأشباهها؛ لم صرفت؟ قال: من قبل أن هذه الهاء
إنَّما ضُّمت إلى صياقل، كما ضمت موت إلى حضر، وكرب إلى معدي في قول من
قال: معد يكرب. وليست الهاء من الحروف التي تكون زيادةً في هذا البناء،
كالياء والألف في صياقلةٍ، وكالياء ةالألف اللتين يبنى بهما الجميع إذا
كسرت الواحد، ولكنَّها إنَّما تجيء مضمومة إلى هذا البناء كما تضم ياء
الإضافة إلى مدائن ومساجد بعد ما يفرغ من البناء، فتلحق ما فبه الهاء
من نحو: صياقلةٍ باب طلحةٍ وتمرةٍ، كما تلحق هذا بباب تميمىٍّ،
وقيسىٍّ، يعني قولك مدائنيٌّ ومساجديٌّ فقد أخرجت هذه الياء مفاعيل
ومفاعل إلى باب تميمي، كما أخرجته الهاء إلى باب طلحةٍ. ألا ترى أنَّ
الواحد تقول له: مدائنىٌّ، فقد صار يقع للواحد ويكون من أسمائه.
وقد يكون هذا المثال للواحد نحو: رجلٍ عباقيةٍ، فلما لحقت هذه الهاء لم
يكن عند العرب مثل البناء الذي ليس في الأصل للواحد، ولكنه صار عندهم
بمنزلة اسمٍ ضم إليه فجعل اسماً واحداً، فقد تغير بهذا عن حاله، كما
تغيَّر بياء الإضافة.
ويقول بعضهم: جندلٌ وذلذلٌ، يحذف ألف جنادل وذلاذل وينونون، يجعلونه
عوضاً من هذا المحذوف.
واعلم أنَّك إذا سميت رجلاً مساجد، ثم حقَّرته صرفته؛ لأَّنك قد حوّلت
(3/228)
هذا البناء. وإن سميته حضاجر ثم حقَّرته
صرفته، لأنها إنما سِّميت بجمع الحضجر؛ سمعنا العرب يقولون: أوطبٌ
حضاجر. وإنَّماجعل هذا اسما لضَّبع لسعة بطنها.
وأما سراويل فشيءٌ واحد، وهو أعجمي أعرب كما أعرب الآجرُّ، إَّلا أنَّ
سراويل أشبه من كلامهم مالا ينصرف في نكرة ولا معرفة كما أشبه بقَّم
الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء. فإن حقرتها اسم رجل لم تصرفها كما
لا تصرف عناق اسم رجل.
وأما شراحيل فتحقيره ينصرف؛ لأنَّه عربيٌّ ولا يكون إَّلا جماعا. وأمّا
أجمالٌ وفلوس ق فإنها تنصرف وما اشبهها، ضارعت الواحد. ألا ترى أنك
تقول: أقوالٌ وأقاويل، وأعرابٌ وأعاريب، وأيدٍ وأيادٍ. فهذه الأحرف
تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل إذا كسر للجميع كما يخرج إليه الواحد إذا
كسر للجمع.
وأما مفاعل ومفاعيل فلا يكسر؛ فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا، لأن
(3/229)
هذا البناء هو الغاية، فلما ضارعت الواحد
صرفت؛ كما أدخلوا الرفع والنصب في يفعل حين ضارع فاعلاً، وكما ترك صدف
أفعل حين ضارع الفعل.
وكذلك الفعول لو كسّرت، مثل الفلوس، لأن تجمع جمعاً لأخرج إلى فعائل،
كما تقول: جدودٌ وجدائد، وركوبٌ وركائب. ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل
لم تجاوز هذا ويقوَّي ذلك أنَّ بعض العرب يقول: أتيٌ للواحد، فيضمُّ
الألف.
وأما أفعالٌ فقد يقع للواحد، من العرب من يقول: هو الأنعام.
وقال الله عز وجل " نسقيكم مما في بطونه ".
وقال أبو الخطاب: سمعت العرب يقولون: هذا ثوبٌ أكياشٌ، ويقال: سدوسٌ
لضرب من الثياب، كما تقول: جدورٌ. ولم يكسَّر عليه شيء كالجلوس
والقعود.
وأما بخاتيُّ فليس بمنزلة مدائنيٍّ لأنك لم تلحق هذه الياء بخاتٍ
للإضافة، ولكنها التي كانت في الواحد إذا كسرته للجمع، فصارت بمنزلة
الياء في حذريةٍ، إذا قلت حذارٍ، وصارت هذه الياء كدال مساجد، لأنهَّا
(3/230)
جرت في الجمع مجرى هذه الدال، لأنَّك بنيت
الجمع بها، ولم تلحقها بعد فراغ من بنائها.
وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذارٍ. حدثني أبو الخطَّاب أنَّه سمع
العرب ينشدون هذا البيت غير منوَّن، قال:
يحدو ثماني مولعاً بلَقاحِها ... حتَّى هَمَمْنَ بَزْيغةِ الأرْتاجِ
وإذا حقَّرت بخاتيَّ اسم رجل صرفته، كما صرفت تحقير مساجد.
وكذلك صحارٍ فيمن قال: صحيرٌ، لأنه ليس ببناء جمع.
وأما ثمانٍ إذا سميت به رجلاً فلا تصرف؛ لأنها واحدة كعناقٍ.
وصحارٍ جماعٌ كعنوقٍ، فإذا ذهب ذلك البناء صرفته. وياء ثمانٍ كياء
قمريٍّ وبختىٍّ، لحقت كلحاق ياء يمانٍ وشآمٍ وإن لم يكن فيهما معنى
إضافة إلى بلد ولا إلى أب، كما لم يك ذلك في بختيٍّ.
(3/231)
ورباعٍ بمنزلته وأجري مجرى سداسيٍ. وكذلك
حواريٌ. وأما عواريُّ وعواديَّ وحواليٌّ فإنه كسر عليه حوليٌ وعاديٌ
وعاريّةٌ، وليست ياء لحقت حوالٍ.
باب تسمية المذكر بلفظ الاثنين والجميع الذي تلحق له الواحد واواً
ونوناً
فإذا سميَّت رجلاً برجلين فإن أقيسه وأجوده أن تقول: هذا رجلان ورأيت
رجلين، ومررت برجلين، كما تقول: هذا مسلمون ورأيت مسلمين. ومررت
بمسلمين. فهذه الياء والواو بمنزلة الياء والألف. ومثل ذلك قول العرب:
هذه قنَّسرون وهذه فلسطون. ومن النحويين من يقول: هذا رجلان كما ترى،
يجعله بمنزلة عثمان.
وقال الخليل: من قال هذا قال: مسلمينٌ كما ترى، جعله بمنزلة قولهم:
سنينٌ كما ترى، وبمنزلة قول بعض العرب: فلسطينٌ وقنَّسرينٌ كما ترى.
فإن قلت: هل تقول: هذا رجلينٌ، تدع الياء كما تركتها في مسلمين؟ فإنه
إنما منعهم من ذلك أن هذه لا تشبه شيئاً من الأسماء في كلامهم،
ومسلمينٌ مصروف كما كنت صارفاً سنياً.
(3/232)
وقال في رجل اسمه مسلماتٌ أو ضرباتٌ: هذا
ضرباتٌ كما ترى ومسلماتٌ كما ترى. وكذلك المرأة لو سميتها بهذا انصرفت.
وذلك أن هذه التاء لما صارت في النصب والجر جراً أشبهت عندهم الياء
التي في مسلمين، والياء التي في رجلين، وصار التنوين بمنزلة النون. ألا
ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ. الدَّليل
على ذلك قول العرب: هذه عرفاتٌ مباركاً فيها. ويدلك أيضاً على معرفتها
أنك لا تدخل فيها ألفاً ولاما، وإنما عرفاتٌ بمنزلة أبانين، وبمنزلة
جمع. ومثل ذلك أذرعاتٌ، سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس:
تنورَّتها مِن أذرعاتٍ، وأهُلها ... بيَثْرِبَ، أَدْنَى دارِها نظرٌ
عالِ
ولو كانت عرفات نكرةً لكانت إذاً عرفات في غير موضع.
(3/233)
ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول: هذه
قريشيات كما ترى، شبهوها بهاء التأنيث، لأن الهاء تجئ للتأنبث ولا تلحق
بنات الثلاثة بالأربعة، ولا الأربعة بالخمسة.
فإن قلت: كيف تشبهها بالهاء وبين التاء وبين الحرف المتحرك ألف؟ فإن
الحرف الساكن ليس عندهم بحاجز حصين، فصارت التاء كأنِّها ليس بينها
وبين الحرف المتحرك شيء. ألا ترى أنِّك تقول: اقتل فتتبع الألف التاء،
كأنها ليس بينها شيء وسترى أشباه ذلك إن شاء الله مما يشبَّه بالشيء
وليس مثله في كل شيء. ومنه ما قد مضى هذا باب الأسماء الأعجمية اعلم أن
كلَّ اسم أعجمي أعرب وتمكن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة،
فإنك إذا سميت به رجلاً صرفته، إَّلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع
العربي. وذلك نحو: اللجام، والديباج، واليرندج، والنَّيروز، والفرند،
والزَّنجبيل، والأرندج، والياسمين فيمن قال: ياسمينٌ كما ترى،
والسهريز، والآجر فإن قلت: أدع صرف الآجر، لأنه لا يشبه شيئاً من كلام
العرب، فإنه
(3/234)
قد أعرب وتمكن في الكلام، وليس بمنزلة شيء
ترك صرفه من كلام العرب؛ لأنَّه لا يشبه الفعل وليس في آخره زيادة،
وليس من نحو عمر، وليس بمؤنث، وإنمَّا هو بمنزلة عربيٍّ ليس له ثلنٍ في
كلام العرب، نحو إبل، وكدت تكاد، وأشباه ذلك وأما إبراهيم، وإسماعيل،
وإسحاق ويعقوب، وهرمز، وفيروز، وقارون، وفرعون، وأشباه هذه الأسماء
فإنَّها لم تقع في كلامهم إلا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ولم
تمكن في كلامهم كما تمكن الأول، ولكنها وقعت معرفة، ولم تكن من أسمائهم
العربيَّة فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية: كنهشلٍ
وشعثمٍ، ولم يكن شيء منها قبل ذلك اسماً يكون لكل شيء من أمةٍ. فلما لم
يكن فيها شيء من ذلك استنكروها في كلامهم.
وإذا حقرت اسماً من هذه الأسماء فهو على عجمته كما أن العناق إذا
حقرتها اسم رجل كانت على تأنيثها.
وأما صالحٌ، فعربي، وكذلك شعيبٌ.
وأما نوحٌ، وهودٌ، ولوطٌ فتنصرف على كل حال، لخفتها.
هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث اعلم أن كل مذكّر سّميته مؤنّث على أربعة
أحرف فصاعداً لم ينصرف.
وذلك أن أصل المذكر، عندهم أن يسمى بالمذكر، وهو شكله والذي يلائمه،
(3/235)
فلما عدلوا عنه ما هو له في الأصل، وجاءوا
بما لا يلائمه ولم يكن منه فعلوا ذلك به، كما فعلوا ذلك بتسميتهم
إيَّاه بالمذكر وتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي.
فمن ذلك: عناق، وعقرب، وعقاب، وعنكبوت، وأشباه ذلك.
وسألته: عن ذراع فقال: ذراعٌ كثر تسميتهم به المذكر، وتمكن في المذكر
وصار من أسمائه خاصَّة عندهم، ومع هذا أنهَّم يصفون به المذكر فيقولن:
هذا ثوبٌ ذراعٌ. فقد تمكن هذا الاسم في المذكر.
وأما كراع فإن الوجه ترك الصرف، ومن العرب من يصرفه يشبهه بذراع؛ لأنه
من أسماء المذكر. وذلك أخبث الوجهين.
وإن سمَّيت رجلاً ثماني لم تصرفه لأن ثماني اسم لمؤنث، كما أنك لا تصرف
رجلا اسمه ثلاث؛ لأنَّه ثلاثا كعناق.
ولو سميت رجلا حبارى، ثم حقرته فقلت: حبير لم تصرفه، لأنَّك لو حقرت
الحبارى نفسها فقلت: حبيرٌ كنت إنمَّا تعني المؤنَّث، فالياء إذا ذهبت
فإنما هي مؤنثة؛ كعنيّقٍ.
واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنَّث صرفته، وذلك أن تسِّمى رجلاً
بحائضٍ أو طامثٍ أو متئمٍ. فزعم أنه إنما يصرف هذه الصفات لأنَّها
مذكرةٌ وصف بها المؤنث، كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكَّر،
(3/236)
وذلك نحو قولهم: رجلٌ نكحةٌ، ورجلٌ ربعةٌ،
ورجل خجأةٌ فكأنَّ هذا المؤنَّث وصفٌ لسلعة أو لعين أو لنفس، وما أشبه
هذا. وكأنَّ المذكر وصف لشيء، كأنك قلت: هذا شيءٌ حائضٌ ثم وصفت به
المؤنَّث، كما تقول هذا بكرٌ ضامرٌ، ثم تقول: ناقةٌ ضامرٌ.
وزعم الخليل أن فعولاً ومفعالاً إنَّما امتعتنا من الهاء لأنَّهما إنما
وقعتا في الكلام على التذكير، ولكنَّه يوصف به المؤنث، كما يوصف بعدلٍ
وبرضاً. فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسَّمى قاعداً إذا أردت صفة
القاعد من الزوج ولم تكن لتصرف رجلاً يسمى ضارباً إذا أردت الناقة
الضارب، ولم تصرف أيضاً رجلاً يسمى عاقراً؛ فإنَّ ما ذكرت لك مذكَّر
وصف به مؤنَّث، كما أن ثلاثةٌ مؤنثٌ لا يقع إَّلا لمذكرين.
ومما جاء مؤنَّثاً صفةً تقع للمذكر والمؤنَّث: هذا غلامٌ يفعةٌ،
وجاريةٌ يفعةٌ، وهذا رجل ربعةٌ، وامرأة ربعةٌ.
فأما ما جاء من المؤنَّث لا يقع إَّلا لمذكر وصفاً، فكأنه في الأصل صفة
لسلعة أو نفسٍ، كما قال: " لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمةٌ " والعين عين
القوم وهو ربيثتهم، كما كان الحائض في الأصل صفةً لشيء وإن لم
يستعملوه؛ كما أنَّ أبرق في الأصل عندهم وصفٌ، وأبطح، وأجرع، وأجدل،
فبمن ترك الَّصرف، وإن لم يستعملوه وأجروه مجرى الأسماء. وكذلك جنوبٌ
وشمالٌ، وحرورٌ وسمومٌ وقبولٌ ودبورٌ، إذا سميت رجلاً بشيء منها صرفته
(3/237)
لأنَّها صفاتٌ في أكثر كلام العرب: سمعناهم
يقولون: هذه ريح حرورٌ، وهذه ريحٌ شمالٌ، وهذه الريح الجنوب، وهذه ريح
سمومٌ، وهذه ريحٌ جنوبٌ. سمعنا ذلك من فصحاء العرب، لا يعرفون غيره.
قال الأعشى:
لها زجلٌ كحفيف الحصا ... د صادَفَ باللَّيل رِيحاً دَبورَا
ويجعل اسماً، وذلك قليل، قال الشاعر.
حَالت وحِيلَ بها وغَيَّرَ آيَها ... صرفُ البِلَى تَجري به الرِيّحانِ
ريحُ الجَنوبِ مع الَّشمال وتارةً ... رِهَمُ الرَّبيع وصائبُ
التَّهتان
فمن جعلها أسماء لم يصرف شيئاً منها اسم رجل، وصارت بمنزلة: الصعَّود
والهبوط، والحرور، والعروض.
(3/238)
وإذا سميت رجلاً بسعاد أو زينب أو جيأل،
وتقديرها جيعل، لم تصرفه؛ من قبل انَّ هذه أسماءٌ تمكنت في المؤنث
واختص بها وهي مشتقة، وليس شيء منها يقع على شيء مذكر: كالرَّباب،
والثوَّاب، والدَّلال. فهذه الأشياء مذكرة، وليست سعاد وأخواتها كذلك،
ليست بأسماء للمذكر، ولكنهَّا اشتقَّت فجعلت مختصاً بها المؤنث في
التسمية، فصارت عندهم كعناقٍ. وكذلك تسميتك رجلا بمثل: عمان؛ لأنَّها
ليست بشيء مذكر معروف، ولكنَّها مشتقة لم تقع إلا علما لمؤنث وكان
الغالب عليها المؤنَّث، فصارت عندهم حيث لم تقع إلاَّ لمؤنّثٍ كعناق لا
تعرف إلا َّعلما لمؤنَّث، كما إن هذه مؤنثة في الكلام. فإن سمَّيت
رجلاً بربابٍ، أودلالٍ صرفته؛ لأنه مذكر معروف.
واعلم أنَّك إذا سميت رجلاً خروقاً، أو كلابا، أو جمالا، صرفته في
النكرة والمعرفة، وكذلك الجماع كلُّه. ألا تراهم صرفوا: أنماراً،
وكلاباً؛ وذلك لأنَّ هذه تقع على المذكر، وليس يختص به واحد المؤنَّث
فيكون مثله. ألا ترى أنَّك تقول: هم رجالٌ فتذكِّر كما ذكرت في الواحد،
فلمَّا لم تكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر
الذي يوصف به المؤنّث، وكان هذا مستوجبا لصرف إذا صرف ذراعٌ وكراعٌ لما
ذكرت لك.
(3/239)
فإن قلت: ما تقول في رجل يسمَّى: بعنوق فإن
عنوقا بمنزلة خروقٍ؛ لأن هذا التأنيث هو التأنيث الذي يجمع به
المذكَّر، وليس كتأنيث عناق، ولكن تأنيثه تأنيث الذي يجمع المذكَّرين،
وهذا التأنيث الذي في عنوقٍ تأنيث حادث، فعنوقٌ البناء الذي يقع
للمذكرين، والمؤنث الذي يجمع المذكرين. وكذلك رجل يسمَّى: نساءً، لأنها
جمع نسوةٍ.
فأمَّا الطًّاغون فهو اسمٌ واحدٌ مؤنث، يقع على الجميع كهيئة للواحد.
وقال عزَّ وجلَّ: " والذين اجتنبوا الطَّاغوت أن يعبدوها ".
وأمَّا ما كان اسماً لجمع مؤنث لم يكن له واحدٌ فتأنيثه كتأنيث الواحد،
لا تصرفه اسم رجل، نحو: ابل، وغنم؛ لأنَّه ليس له واحد، يعني أنه إذا
جاء اسماً لجمع ليس له واحد كسر عليه، فكان ذلك الاسم على أربعة أحرف،
لم تصرفه اسماً لمذكر.
هذا باب تسمية المؤنث اعلم أن كل مؤنث سميته بثلاثة أحرف متوالٍ منها
حرفان بالتحرك لا ينصرف، فإن سميته بثلاثة أحرف فكان الأوسط منها
ساكناً وكانت شيئاً مؤنثاً أو اسماً الغالب عليه المؤنث كسعاد، فأنت
بالخيار: إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه. وترك الصرف أجواد.
(3/240)
وتلك الأسماء نحو: قدر، وعنز، ودعد، وجمل،
ونعم، وهند.
وقال الشاعر فصرفت ذلك ولم يصرفه:
لم تتلفَّع بِفَضْلِ مِئْزَرِها ... دعدٌ ولم تغذ دعد في العلب
فصرفت ولم يصرف. وإنمَّا كان المؤنث بهذه المنزلة ولم يكن كالمذكر لأن
الأشياء كلَّها أصلها التذكير ثم تختصَّ بعد، فكل مؤنث شيءٌ، والشيء
يذكَّر، فالتذكير أول، وهو أشد تمكناً، كما أنَّ النكرة هي أشد تمكناً
من المعرفة، لأنَّ الأشياء إنمَّا تكون نكرةً ثم تعرف فالتذكير قبل،
وهو أشد تمكناً عندهم. فالأول هو أشد تمكناً عندهم.
(3/241)
فالنكرة تعرف بالألف واللام والإضافة، وبأن
يكون علماً. والشيء يختص بالتأنيث فيخرج من التذكير، كما يخرج المنكور
إلى المعرفة.
فإن سميت المؤنث بعمرو أو زيد، لم يجز الصرف.
هذا قول ابن أبي إسحاق وأبي عمرو، فيما حدثنا يونس، وهو القياس؛ لأنَّ
المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث. والأصل عندهم أن يسمىَّ المؤنث بالمؤنث، كما
أنَّ أصل تسمية المذكَّر بالمذكر.
وكان عيسى يصرف امرأة اسمها عمرو، لأنَّه على أخف الأبنية.
هذا باب أسماء الأرضين إذا كان اسم الأرض على ثلاثة أحرف خفيفةٍ وكان
مؤنثاً، أو كان الغالب عليه المؤنث كعمان، فهو بمنزلة: قدر، وشمس،
ودعد.
وبلغنا عن بعض المفسَّرين أن قوله عزَّ وجلَّ: " اهبطوا مصر "، إنما
أراد مصر بعينها.
فإن كان الاسم الذي على ثلاثة أحرف أعجميَّا، لم ينصرف وإن كان خفيفا،
لأن المؤنث في ثلاثة الأحرف الخفيفة إذا كان أعجمياً، بمنزلة المذكَّر
في الأربعة فما فوقها إذا كان اسما مؤنثاً. ألا ترى أنَّك لو سَّميت
مؤنثَّا بمذكر خفيف لم تصرفه، كما لم تصرف المذكَّر إذا سميته بعناق
ونحوها.
(3/242)
فمن الأعجمَّية: حمص، وجور، وماه. فلو سميت
امرأة بشىء من هذه الأسماء لم تصرفها، كما لا تصرف الرَّجل لو سميَّته
بفارس ودمشق.
وأمَّا واسطٌ فالتذكير والصرف أكثر، وإنمَّا سمي واسطاً، لأنه مكانٌ
وسط البصرة والكوفة. فلو أرادوا التأنيث قالوا: واسطةٌ. ومن العرب من
يجعلها اسم أرض فلا يصرف.
ودابقٌ الصرف والتذكير فيه أجود. قال الراجز، وهو غيلان:
ودابِقُ وأَيْنَ مِّني دابِقُ
وقد يؤنث فلا يصرف.
وكذلك منًى، الصرف والتذكير أجود، وإن شئت أنثت ولم تصرفه.
وكذلك هجر، يؤنث ويذكَّر. قال الفرزدق:
منهنّ ايَّام صِدْقٍ قد عُرِفْتُ بها ... أيَّام فارِسَ والأَيَّامُ
منْ هجرا
(3/243)
فهذا أنت.
وسمعنا من يقول: " كجالب التَّمر إلى هجر " يا فتى.
وأمَّا حجر اليمامة فيذكَّر ويصرف. ومنهم من يؤنث فيجريه مجرى امرأةٍ
سميِّت بعمروٍ، لأن حجرا شيء مذكر سِّمي به المذكَّر.
فمن الأرضين: ما يكون مؤنَّثا ويكون مذكَّرا، ومنها مالا يكون إلا على
التأنيث، نحو: عمان، والزاب، وإراب، ومنها ما لا يكون إَّلا على
التذكير نحو فلجٍ، وما وقع صفة كواسطٍ ثم صار بمنزلة زيد وعمرو،
وإنمَّا وقع لمعنى، نحو قول الشاعر:
ونابِغةُ الجعديُّ بالرَّمل بيتُه ... عليه ترابٌ من صَفيحٍ موضَّع
أخرج الألف واللام وجعله كواسط.
وأمَّا قولهم: قباء وحراء، فد اختلفت العرب فيهما، فمنهم من يذكر
ويصرف، وذلك أنهَّم جعلوهما اسمين لمكانين، كما جعلوا واسطاً بلداً أو
مكانا. ومنهم من أنَّث ولم يصرف، وجعلهما اسمين لبقعتين من الأرض.
قال الشاعر، جرير:
(3/244)
ستَعْلَمُ أَيُّنَا خَيْرٌ قديمَا ...
وأَعْظَمُنَا ببَطْنِ حِرَاءَ نارَا
وكذلك أضاخ؛ فهذا أنَّث، وقال غيره فذكر. وقال العجاج:
وربِّ وجهٍ من حراءٍ مُنْحَنِ
وسألت الخليل فقلت: أرأيت من قال: قباء يا هذا، كيف ينبغي له أن يقول
إذا سمَّى به رجلاً؟ قال: يصرفه، وغير الصرف خطأٌ، لأنَّه ليس بمؤنَّث
معروف في الكلام، ولكنَّه مشتق كجلاس، وليس شيئاً قد غلب عليه عندهم
التأنيث كسعاد وزينب. ولكه مشتقٌّ يحتمله المذكَّر ولا ينصرف في
المؤنث، كهجر وواسط. ألا ترى أنَّ العرب قد كفتك ذلك لمَّا جعلوا واسطا
للمذكَّر صرفوه، فلو علموا أنَّه شيء للمؤَّنث كعناق
(3/245)
لم يصرفوه، أو كان اسماً غلب التأنيث لم
يصرفوه، ولكنَّه اسمٌ كغرابٍ ينصرف في المذكَّر ولا في المؤنث؛ فإذا
سميت به الرجل فهو بمنزلة المكان.
قلت: فإن سمَّيته بلسان، في لغة من قال: هي اللسان؟ قال: لا أصرفه، من
قبل أنَّ اللَّسان قد استقر عندهم حينئذٍ أنَّه بمنزلة: عناق قبل أن
يكون اسماً لمعروف، وقباء وحراء ليسا هكذا، إنَّما وقعا علماً علماً
على المؤنَّث والمذكر مشتقين وغير مشتقين في الكلام لمؤنَّث من شيء،
والغالب عليهما التأنيث، فإنَّما هما كمذكر إذا وقع على المؤنَّث لم
ينصرف. وأمَّا اللِّسان فبمنزلة اللذاذ واللذَّاذة، يؤنِّث قوم ويذكر
آخرون.
هذا باب أسماء القبائل والأحياء وما يضاف إلى الأب والأم أمَّا ما يضاف
إلى الآباء والأمهات فنحو قولك: هذه بنو تميمٍ، وهذه بنو سلولٍ، ونحو
ذلك.
(3/246)
فإذا قلت: هذه تميمٌ، وهذه أسدٌ، وهذه
سلولٌ، فإنَّما تريد ذلك المعنى، غير أنَّك إذا حذفت المضاف تخفيفاً،
كما قال عزَّ وجلَّ: " واسأل القرية "، ويطؤهم الطريق، وأنَّما يريدون:
أهل القرية وأهل الطريق. وهذا في كلام العرب كثير، فلمَّا حذفت المضاف
وقع عل المضاف إليه ما يقع على المضاف، لأنه صار في مكانه فجرى مجراه.
وصرفت تميماً وأسداً؛ لأنك لم تجعل واحداً منهما اسماً للقبيلة؛ فصارا
في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف. ألا ترى أنَّك لو قلت:
اسأل واسطاً كان في الانصراف على حاله إذا قلت: أهل واسطٍ فأنت لم تغير
ذلك المعنى وذلك التأليف، إلا أنَّك حذفت. وإن شئت قلت: هؤلاء تميمٌ
وأسدٌ؛ لأنَّك تقول: هؤلاء بنو أسدٍ وبنو تميم، فكما أثبتَّ اسم الجميع
ههنا أثبت هنالك اسم المؤنث، يعني في: هذه تميمٌ وأسدٌ.
فإن قلت: لم لم يقولوا: هذا تميمٌ، فيكون الفظ كلفظه إذا لم ترد معنى
الإضافة حين تقول: جاءت القرية، تريد: أهلها؟ فلأنَّهم أرادوا أن
يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل، فكرهوا الالتباس.
ومثل هذا القوم، هو واحدٌ في اللفظ، وصفته تجري على المعنى، لا تقول
القوم ذاهبٌ.
وقد أدخلوا التأنيث فيما هو أبعد من هذا، أدخلوه فيما لا يتغير منه
المعنى
(3/247)
لو ذكرَّت، قالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا:
ذهبت بعض أصابعه، وقالوا: ما جاءت حاجتك. وقد بين أشباه هذا في موضعه.
وإن شئت جعلت تميماً وأسداً اسم قبيلة في الموضعين جميعاً فلم تصرفه.
والدليل على ذلك قول الشاعر
نَبَا الخزُّ عن روحٍ وأنْكَرَ جِلْدَهُ ... وعَجّتْ عجيجاً مِن جُذامَ
المَطارِفُ
وسمعنا من العرب من يقول، للأخطل:
فإنْ تَبْخَلْ سَدُوسُ بدِرْهَمَيْها ... فإنَّ الريح طيَّبة قَبولُ
(3/248)
فإذا قالوا: ولد سدوسٌ كذا وكذا، أو ولد
جذامٌ كذا وكذا، صرفوه: ومما يقويِّ ذلك أن يونس زعم: أنَّ بعض العرب
يقول: هذه تميم بنت مرٍّ. وسمعناهم يقولون: قيس بنت عيلان، وتميم صاحبة
ذلك. فإنَّما قال: بنت حين جعله اسماً لقبيلة.
ومثل ذلك قوله: باهلة بن أعصر، فباهلة امرأةٌ ولكنَّه جعله اسماً للحي،
فجاز له أن يقول: ابن.
ومثل ذلك تغلب ابنة وائلٍ.
غير أنه قد يجيء الشيء يكون الأكثر في كلامهم أن يكون أباً، وقد يجيء
الشيء يكون الأكثر في كلامهم أن يكون اسماً للقبيلة. وكلٌّ جائز حسن.
فإذا قلت: هذه سدوس، فأكثرهم يجعله اسماً للقبيلة. وإذا قلت: هذه تميمٌ
فأكثرهم يجعله اسماً للأب. وإذا قلت: هذه جذام فهي كسدوس. فإذا قلت: من
بني سدوسٍ فالصرف، لأنَّك قصدت قصد الأب.
(3/249)
وأما أسماء الأحياء فنحو: معدٍّ، وقريشٍ،
وثقيفٍ. وكلُّ شيء لا يجوز لك أن تقول فيه: من بني فلان، ولا هؤلاء بنو
فلان، فإنمَّا جعله اسم حي فإن قلت: لم تقول هذه ثقيفٍ، فإنهم إنما
أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة
ثقيفٍ أو هذه جماعةٌ من ثقيف ثم حذفوها ههنا كما حذفوا في تميمٍ. ومن
قال: هؤلاء جماعة ثقيف قال: هؤلاء ثقيف. فإن أرادت الحيَّ ولم ترد
الحرف قلت: هؤلاء ثقيف، كما تقول: هؤلاء قومك، والحيّ جينئذٍ بمنزلة
القوم، فكينونة هذه الأشياء للأحياء أكثر.
وقد تكون تميمٌ اسماً للحي. وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن، ويعني
قريش وأخواتها. قال الشاعر:
غلَبَ المَساميحَ الوَليدُ سَماحةً ... وكَفَى قُرَيشَ المُعْضِلاتِ
وسادَهَا
وقال:
عَلِمَ القَبائِلُ مِن معدَّ وغيرِها ... أنّ الجَوادَ محمَّد بنُ
عُطارِدِ
(3/250)
وقال:
ولَسْنا إذا عدَّ الحَصَى بأقلةٍ ... وإنْ معدَّ اليومَ مودٍ ذَليلُهَا
وقال:
وأنت أمرؤٌ من خير قومِك فيهِمُ ... وأنتَ سِواهمْ في معدَّ مخيَّر
وقال زهير:
تمدُّ عليهمْ من يمينٍ واشملٍ ... بحورٌ له مِن عَهْدِ عادَ وتبعَّا
وقال:
لو شَهْدَ عادَ في زمانِ عاد ... لا بتزَّها مبارك الجلاد
(3/251)
وتقول: هؤلاء ثقيف بن قسيٍ، فتجعله اسم
الحي وتجعل ابن وصفاً، كما تقول: كلٌّ ذاهبٌ وبعضٌ ذاهبٌ، فهذه الأشياء
إنمَّا هي آباءٌ، والحدُّ فيها أن تجري ذلك المجرى، وقد جاز فيها ما
جاز في قريشٍ إذا كانت جمعاً لقوم. قال الشاعر فيما وصف به الحيُّ ولم
يكن جمعاً:
بحيٍّ نميريٍّ عليه مهابةٌ ... جميعٍ إذا كان اللِّئامُ جَنادِعَا
وقال
سادُوا البِلادَ وأصْبَحُوا في آدمٍ ... بَلَغُوا بها بِيضَ الوجُوهِ
فُحولاَ
فجعله كالحي والقبيلة.
وقال بعضهم: بنو عبد القيس؛ لأنه أب.
فأما ثمود وسبأ، فهما مرةً للقبيلتين، ومرةً للحيين، وكثرتهما سواءٌ.
وقال تعالى: " وعاداً وثموداً " وقال تعالى: " ألا
(3/252)
إنَّ ثموداً كفروا ربَّهم " وقال: " وآتينا
ثمود النَّاقة مبصرةً "، وقال: " وأمَّا ثمود فهديناهم "، وقال: " لقد
كان لسبأٍ في مساكنهم " وقال " من سبأٍ بنبأٍ يقين " وكلن أبو عمرٍ ولا
يصرف سبأ، يجعله اسماً للقبيلة. وقال الشاعر:
مِنْ سَبَأَ الحاضِرينَ مَأْرِبَ إذ ... يَبْنونَ مِنْ دُونِ سَيْله
العَرِمَا
وقال في الصرف، للنابغة الجعدي:
أضحت ينفرها الوالدان مِنْ سبأٍ ... كأنّهم تحت دَفَّيْها دَحاريج
(3/253)
هذا باب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة كما
أنّ عمان لم يقع إَّلا اسما لمؤنث، وكان التأنيث هو الغالب عليها وذلك:
مجوس، ويهود. قال امرؤ القيس:
أحارِ أريكَ بَرْقاً هَبَّ وَهْناً ... كنارِ مَجوسَ تَسْتَعِرُ
اسْتِعارَا
وقال:
أولئك أوْلَى من يَهودَ بِمَدْحهِ ... إذا أنْت يوماً قلتَها لم تؤنَّب
فلو سميت رجلاً بمجوس لم تصرفه، كما لا تصرفه إذا سميته بعمان.
وأما قولهم: اليهود والمجوس، فإنما أدخلوا الألف واللام ههنا كما
أدخلوها في المجوسّ واليهودي، لأنهم أرادوا اليهوديِّين والمجوسِّيين،
ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة، وشبهوا ذلك بقولهم: زنجيٌّ وزنجٌ، إذا
أدخلوا
(3/254)
الألف واللام على هذا، فكأنك أدخلتها على:
يهودِّيين ومجوسييِّن، وحذفوا ياءي الإضافة وأشباه ذلك. فإن أخرجت
الألف واللام من المجوس صار نكرة، كما أنك لو أخرجتها من المجوسييِّن
صار نكرة.
وأما نصارى فنكرة، وإنمَّا نصارى جمع نصران ونصرانةٍ، ولكنهَّ لا
يستعمل في الكلام إلاّ بباءي الإضافة إلا في الشعر، ولكنهم بنو الجميع
على حذف الياء، كما أن ندامى جمع ندمان، والنَّصاري ههنا بمنزلة:
النصرانييِّن. ومما يدلك على ذلك قول الشاعر.
صدَّت، كما صدَّ عمَّا لا يحلُّ له ... ساقي نَصارَى قُبَيْلَ الفِصْحِ
صُوّامِ
فوصفه بالنكرة، وإنمَّا النَّصاري جماع نصران ونصرانةٍ. والدليل على
ذلك قول الشاعر:
(3/255)
فكلتاهما خرَّت وأسجد رأسها ... كما سجدت
نصرانةٌ لم تحنَّف
فجاء على هذا كما جاء بعض الجميع على غير ما يستعمل واحداً في الكلام،
نحو: مذاكير وملامح.
هذا باب أسماء السُّور تقول: هذه هودٌ كما ترى، إذا أردت أن تحذف سورة
من قولك: هذه سورة هود، فيصير هكذا كقولك هذه تميمٌ كما ترى.
وإن جعلت هوداً اسم السورة لم تصرفها، لأنَّها تصير بمنزلة امرأة
سميتها بعمرو. والسُّور بمنزلة النسِّاء، والأرضين.
وإذا أردت أن تجعل اقتربت اسماً قطعت الألف، كما قطعت ألف إضرب حين
سمَّيت به الرجل، حتَّى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو إصبع.
وأمّا نوح بمنزلة هودٍ، تقول: هذه نوحٌ، إذا أردت أن تحذف سورة من
قولك: هذه سورة نوحٍ. ومما يدلُّك على أن ّك حذفت سورةً
(3/256)
قولهم: هذه الرَّحمن. ولا يكون هذا أبداً
إلا وأنت تريد: سورة الرَّحمن. وقد يجوز أن تجعل نوح اسماً ويصير
بمنزلة امرأة سميتها بعمرو، إن جعلت نوح اسماً لها لم تصفره.
وأمَّا حم فلا ينصرف، جعلته اسماً لسورة أو أضفته إليه، لأنَّهم أنزلوه
بمنزلة اسم أعجمي، نحو: هابيل وقابيل. وقال الشاعر: وهو الكميت:
وَجَدْنا لكم في آلِ حاميمَ آيةً ... تأوَّلها مِنّا تقيٌّ ومُعْرِبُ
وقال الحمَّاني:
أو كُتُباً بينَّ مِن حامِيما ... قد عَلِمَتْ أَبناءُ إبراهيما
(3/257)
وكذلك: طاسين، وياسين.
واعلم أنه لا يجيء في كلامهم على بناء: حاميم وياسين، وإن أردت في هذا
الحكاية تركته وقفاً على حاله. وقد قرأ بعضهم: " ياسين والقرآن "، و "
قاف والقرآن ". فمن قال هذا فكأنه جعله اسما أعجميا، ثم قال: أذكر
ياسين.
وأما صاد فلا تحتاج إلى أن تجعله اسما أعجميّا، لأنَّ هذا البناء
والوزن من كلامهم، ولكنَّه يجوز أن يكون اسماً للسُّورة فلا تصرفه.
ويجوز أيضاً أن يكون ياسين وصاد اسمين غير متمكنين، فيلزمان الفتح، كما
ألزمت الأسماء غير المتمكنة الحركات، نحو: كيف، وأين، وحيث، وأمس.
وأما طسم فإن جعلته اسماً لم يكن بدٌّ من أن تحرَّك النون، وتصيَّر
ميماً كأنك وصلتها إلى طاسين، فجعلتها اسماً واحداً بمنزلة دراب جرد
وبعل بكَّ. وإن شئت حكيت وتركت السواكن على حالها.
وأما كهيعص وآلمر فلا يكنَّ إلاَّ حكاية. وإن جعلتها بمنزلة طاسين لم
يجز لأنهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها بمنزلة: هابيل،
وقابيل، وهاروت.
وإن قلت: اجعلها بمنزلة: طاسين ميم لم يجز، لأنَّك وصلت ميماً إلى
طاسين، ولا يجوز أن تصل خمسة أحرف فتجعلهن اسماً واحداً.
وإن قلت: اجعل الكاف والهاء اسماً، ثم اجعل الياء والعين اسماً، فإذا
(3/258)
صارا اسمين ضممت أحدهما إلأى الآخر فجعلتها
كاسم واحدا، لم يجز ذلك لأنَّه لم يجيء مثل حضرموت في كلام العرب
موصولاً بمثله. وهذا أبعد، لأنك تريد أن تصله بالصاد.
فإن قلت: أدعه على حاله واجعله بمنزلة إسماعيل لم يجز؛ لأنَّ إسماعيل
قد جاء عدة حروف على عدة حروف أكثر العربية، نحو: اشهيبابٍ. وكهيعص ليس
على عدّة خروفه شىء، ولا يجوز فيه إلاَّ الحكاية.
وأما نون فيجوز صرفها في قول من صرف هنداً، لأن النون تكون أنثى فترفع
وتنصب.
ومما يدلُّ على أن حاميم ليس من كلام العرب أن العرب لا تدري ما معنى
حاميم. وإن قلت: إنَّ لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنه قد يجيء
الاسم هكذا وهو أعجميٌ، قالوا: قابوس ونحوه من الأسماء.
باب تسمية الحروف والكلم التي تستعمل وليست ظروفاً ولا أسماء غير ظروف؛
ولا أفعالاً فالعرب تختلف فيها، يؤنثها بعضٌ ويذكِّرها بعض، كما أن
اللَّسان يذكَّر
(3/259)
ويؤنَّث، زعم ذلك يونس، وأنشدنا قول
الراجز:
كَافاً وميمَيْنِ وسِيناً طاسِما
فذكَّر ولم يقل: طاسمة. وقال الراعي:
كما بيِّنت كافٌ تَلوحُ ومِيمُهَا
فقال: بيِّنت فأنث
وأما إنَّ وليت، فحركت أواخرهما بالفتح، لأنَّهما بمنزلة الأفعال نحو
كان فصار الفتح أولى، فإذا صيرت واحداً من الحرفين اسماً للحرف فهو
ينصرف على كل حال. وإن جعلته اسماً للكلمة وأنت تريد بلغة من ذكر لم
تصرفها، كما لم تصرف امرأة اسمها عمرو، وإن سميتها بلغة من أنث كنت
بالخيار. ولا بدَّ لكلِّ واحدٍ من الحرفين إذا جعلته اسماً أن يتغير عن
حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسماً، كما أنَّك إذا جعلت فعل اسما
تغيّر عن حاله وصار بمنزلة الأسماء، وكما أنَّك إذا سمَّيته بأفعل
غيرته عن حاله في الأمر. قال الشاعر: وهو أبو طالب:
(3/260)
ليت شعري مسافر بن أبي عم ... رو ولَيْتٌ
يَقولُها المَحْزونُ
وسألت الخليل عن رجلٍ سمَّيته أنَّ فقال: هذا أنَّ لا أكسره، وأنَّ غير
إنَّ: إنَّ كالفعل وأنَّ كالاسم. ألا ترى أنَّك تقول: علمت أنك منطلق
فمعناه: علمت انطلاقك، ولو قلت هذا لقلت لرجل يسمَّى بضاربٍ: يضرب،
ولرجل يسمى يضرب: ضارب. ألا ترى أنَّك لو سميته بإن الجزاء كان
مكسوراً، وإن سميته بأن التي تنصب الفعل كان مفتوحاً.
وأما لو، وأو، فهما ساكنتا الأواخر، لأن قبل آخر كل واحدٍ منهما حرفاً
متحركاً، فإذا صارت كلُّ واحدة منهما اسماً، فقصتّها في التأنيث
والتذكير والانصراف، كقصة ليت وإنَّ، إلاَّ أنَّك تلحق واواً أخرى
فتثقل؛ وذلك لأنَّه ليس في كلام العرب اسمٌ آخره واوٌ قبلها حرف مفتوح.
قال الشاعر، أبو زبيد:
لَيْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ منِّي لَيْتَ ... إنّ لَيْتاً وإنَّ لَوّاً
عَنَاءُ
(3/261)
وقال:
ألامُ عَلَى لوٍّ وَلَوْ كنتُ عالماً ... بِأَذنَابِ لوٍّ لم تَفُتْني
أَوَائلُهْ
وكان بعض العرب يهمز، كما يهمز النؤور، فيقول: لوءٌ. وإنَّما دعاهم إلى
تثقيل لوٍّ الذي يدخل الواو من الإجحاف لو نوَّنت وما قبلها متحرك
مفتوح، فكرهوا أن لا يثقِّلوا حرفاً لو انكسر ما قبله أو انضمَّ ذهب في
التنوين، ورأوا ذلك إخلالاً لو لم يفعلوا.
فممَّا جاء فيه الواو وقبله مضموم: هو، فلو سمَّيت به ثقَّلت، فقلت:
هذا هوٌّ وتدع الهاء مضمومة، لأنَّ أصلها الضمُّ تقول: هما وهم وهنَّ.
ومما جاء وقبله مكسور: هي، فإن سميت به رجلاً ثقلته، كما ثقلت هو. وإن
سميت مؤنثاً بهو لم تصرفه لأنه مذكر.
ولو سميت رجلاً ذو لقلت: هذا ذوّاً، لأن أصله فعلٌ. ألا ترى أنك
(3/262)
تقول: هاتان ذواتا مالٍ. فهذا دليلٌ على أن
ذو فعلٌ، كما أنَّ أبوان دليلٌ على أن أباً فعلٌ.
وكان الخليل يقول: هذا ذوٌّ بفتح الذال، لأنَّ أصلها الفتح، تقول: ذوا،
وتقول: ذوو.
وأمَّا كي فتثقَّل ياؤها لأنه ليس في الكلام حرف آخره ياءً ما قبله
مفتوح. وقصَّتها كقصَّة لو.
وأمَّا في فتثقَّل ياؤها، لأنهَّا لو نونت أجحف بها اسماً. وهي كياء هي
وكواو هو، وليس في الكلام اسم هكذا، ولم يبلغوا بالأسماء هذه الغاية أن
تكون في الوصل لا يبقى منها إَّلا حرف واحد، فإذا كانت اسماً لمؤنث لا
ينصرف ثقلت أيضاً؛ لأنه إذا أثر أن يجعلها اسماً فقد لزمها أن تكون
نكرة وأن تكون اسماً لمذكَّر، فكأنَّهم كرهوا أن يكون الاسم في التذكير
والنكَّرة على حرف، كما كرهوا أن يكون كذلك في الوصل. وليس من كلامهم
أن يكون في الانصراف والوصل على بناء وفي غير الانصراف والوصل على
آخره، فصار الاسم لغير منصرف يجيء على بنائه إذا كان اسماً
(3/263)
لمنصرف، ومن ثمَّ مدَّوا لا وفي في
الانصراف وغير الانصراف، والتأنيث والتذكير، ككي ولو، وقصتها كقصتَّهما
في كل شيء.
وإذا صارت ذا اسماً أو ما مدَّت، ولم تصرف واحداً منهما إذا كان اسم
مؤنث، لأنهما مذكران. فأمَّا لا فتمدهُّا، وقصتها قصَّة في، في التذكير
والتأنيث، والانصراف وتركه.
وسألته عن رجل اسمه: فو، فقال: العرب قد كفتنا أمر هذا، لما أفردوه
قالوا: فمٌ، فأبدلوا الميم مكان الواو، حتَّى يصير على مثال تكون
الأسماء عليه، فهذا البدل بمنزلة تثقيل لو ليشبه الأسماء فإذا سميتَّه
بهذا فشبهه بالأسماء كما شبهت العرب ولو لم يكونوا قالوا: فمٌ لقلت:
فوهٌ لأنَّه من الهاء قالوا: أفواهٌ كما قالوا سوط وأسواط.
وأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فإذا
صرن أسماء فهنّ مددن كما مدت لا مدت إلا أنهن إذا كن أسماء يجرين مجرى
رجلٌ ونحوه، ويكنَّ نكرة بغير ألف ولام. ودخول الألف واللام فيهنَّ
يدلك على أنهن نكرة إذا لم يكن فيهن ألف ولام، فأحريت هذه الحروف مجرى
ابن مخاضٍ وابن لبونٍ، وأجريت الحروف الأول مجرى سام أبرص وأمٍ حبينٍ
ونحوهما. ألا ترى أن الألف واللام لا تدخلان فيهن.
(3/264)
واعلم أن هذه الحروف إذا تهجيت مقصورةٌ،
لأنها ليست بأسماء وإنمَّا جاءت في الَّتهجيَّ على الوقف. ويدلك على
ذلك: أن القاف والصاد والدال موقوفة الأواخر، فلولا أنهَّا على الوقف
حركت أواخرهن. ونظير الوقف ههنا الحذف في الباء وأخواتها. وإذا أردت أن
تلفظ بحروف المعجم قصرت وأسكنت، لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء، ولكنك
أردت أن تقطع حروف الاسم، فجاءت كأنها أصواتٌ يصوت بها، إلا أَّنك تقف
عندها لأنها بمنزلة عه.
فإن قلت ما بالي أقول: واحدٌ اثنان، فأشمُّ الواحد، ولا يكون ذلك في
هذه الحروف؟ فلأن الواحد اسمٌ متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف
مما يدرج، وليس أصلها الإدراج، وهي ههنا بمنزلة لا في الكلام، إَّلا
أنهَّا ليست تدرج عندهم؛ وذلك لأن لا في الكلام على غير ما هي عليه إذا
كانت اسماً.
وزعم من يوثق به: أنهَّ سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة، طرح همزة
أربعة على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء، لأنهَّ جعلها ساكنة، والساكن
لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
(3/265)
واعلم أنَّ الخليل كان يقول: إذا تهجَّيت
فالحروف حالها كحالها في المعجم والمقَّطع، تقول: لام ألف، وقاف لام.
قال: تُكَتّبانِ في الطريق لاَم ألِفْ وأمَّا زاي ففيها لغتان: فمنهم
من يجعلها في التهجي ككي، ومنهم من يقول: زاي، فيجعلها بزنة واو، وهي
أكثر.
وأمَّا أم ومن وإن، ومذ في لغة من جر، وأن، وعن إذا لم تكن ظرفا، ولم
ونحوهن إذا كنَّ أسماء لم تغيرَّ، لأنَّها تشبه الأسماء نحو: يدٍ،
ودمٍ، تجريهنَّ إن شئت إذا كن أسماء للتأنيث.
وأما نعم وبئس ونحوهما فليس فيهما كلامٌ، لأنهما لا تغيران لأنَّ عامة
الأسماء على ثلاثة أحرف. ولا تجريهن إذا كن أسماء للكلمة، لأنَّهن
أفعالٌ، والأفعال على التذكير، لأنهَّا تضارع فاعلاً.
واعلم أنك إذا جعلت حرفاً من حروف المعجم نحو: البا والتا وأخواتهما
(3/266)
اسماً للحرف أو للكلمة أو لغير ذلك جرى
مجرى لا إذا سميت بها، تقول: هذا باءٌ كما تقول: هذا لاءٌ فاعلم.
باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء اعلم أنَّك إذا سميت
كلمةً بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها، لأنهَّا مذكَّرات. ألا ترى أنك
تقول: تحيت ذاك، وخليف ذاك، ودوين ذاك. ولو كن مؤنّثاتٍ لدخلت فبهن
الهاء، كما دخلت في قد يديمةٍ ووريئّةٍ.
وكذلك قبل وبعد، تقول: قبيل وبعيد. وكذلك أين وكيف ومتى عندنا، لأنَّها
ظروف، وهي فيعندنا على التذكير، وهي الظروف بمنزلة ما ومن في الأسماء،
فنظيرهنَّ من الأسماء غير الظروف مذكر. والظروف قد تبيَّن لنا أن
أكثرها مذكر حيث حقرت، فهي على الأكثر وعلى نظائرها.
وكذلك إذ، هي كالحين وبمنزلة ما هو جوابه، وذلك متى.
وكذلك ثمَّ وهنا، هما بمنزلة أين، وكذلك حيث، وجواب أين كخلف ونحوها.
وأما أمام فكلُّ العرب تذكَّره. أخبرنا بذلك يونس.
وأما إذا ولدن فكعند، ومثلهن عن فيمن فال: من عن يمينه. وكذلك منذ في
لغة من رفع، لأنهَّا كحيث.
(3/267)
ولو لم تجد في هذا الباب ما يؤكد التذكير
لكان أن تحمله على التذكير أولى حتىَّ يتبين لك أنه مؤنث.
وأما الأسماء غير الظروف فنحو بعض، وكل، وأي، وحسب. ألا ترى أنَّك
تقول: أصبت حسبي من الداء.
وقط كحسب، وإن لم تقع في جميع مواقعها. ولو لم يكن اسماً لم تقل: قطك
درهمان، فيكون مبنياً عليه، كما أنَّ على بمنزلة فوق وإن خالفتها في
أكثر الواضع. سمعنا من العرب من يقول: نهضت من عليه، كما تقول: نهضت من
فوقه.
واعلم أنهَّم إنمَّا قالوا: حسبك درهمٌ، وقطك درهمٌ، فأعربوا حسبك
لانهَّا أشد تمكنا. ألا ترى أنهَّا تدخل عليها حروف الجرّ، تقول:
بحسبك، وتقول: مررت برجلٍ حسبك، فتصف به. وقط لا تمكَّن هذا التمكَّن.
واعلم أنَّ جميع ما ذكرنا لا ينصرف منه شيءٌ إذا كان اسماً للكلمة،
وينصرف جميع ما ذكرنا في المذكر، إلا أن وراء وقدام لا ينصرفان،
لأنهَّما مؤنثان.
وأما ثمَّ وأين وحيث ونحوهن إذا صيرن اسماً لرجل أو امرأة أو حرفٍ أو
كلمة، فلا بد لهنَّ من أن يتغيرن عن حالهنَّ ويصرن بمنزلة زيد وعمرو،
لأنَّك وضعتهن بذلك الموضع، كما تغيرت ليت وإنَّ. فإن أردت حكاية هذه
الحروف تركتها على حالها قال: " إن الله ينهاكم عن قيل وقال "، ومنهم
من يقول: عن قبل وقالٍ، لما جعله اسماً. قال ابن مقبل:
(3/268)
أَصْبَحَ الدهرُ وقد ألْوَى بهمْ ... غيرَ
تَقْوالِك مِن قيلٍ وقالِ
والقوافي مجرورة. قال:
ولم أسمع به قِيلاً وقالاَ
وفي الحكاية قالوا: مذشبَّ إلى دبَّ، وإن شئتٍّ: مذشبٍّ إلى دب: وتقول
إذا نظرت في الكتاب: هذا عمروٌ، وإنمَّا المعنى هذا اسم عمرو وهذا ذكر
عمروٍ، ونحو هذا، إلا أنَّ هذا يجوز على سعة الكلام، كما تقول: جاءت
القرية. وإن شئت قلت: هذه عمروٌ، أي هذه الكلمة اسم عمرو، كما تقول:
هذه ألفٌ وأنت تريد هذه الدراهم الفٌ. وإن جعلته اسماً للكلمة لم
تصرفه، وإن جعلته للحرف صرفته.
وأبو جادٍ وهوّازٌ وحطّيٌّ، كعمروٍ وفي جميع ما ذكرنا، وحال هذه
الأسماء حال عمروٍ. وهي أسماءٌ عربية، وأمَّا كلمن وسعفص وقريشيات
فإنهنَّ أعجمية لا ينصرفن، ولكنهَّن يقعن مواقع عمروٍ وفيما ذكرنا، إلا
أنَّ قريشيات بمنزلة عرفاتٍ وأذرعاتٍ. فإمَّا الألف وما دخلته الألف
واللام فإنمَّا يكنَّ معارف بالألف واللام، كما أنَّ الرجل لا يكون
معرفة بغير ألف ولام.
(3/269)
باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث كما
جاء المذكر معدولا عن حده نحو: فسق، ولكع، وعمر، وزفر وهذا المذكر نظير
ذلك المؤنث.
فقد يجيء هذا المعدول اسماً للفعل، واسماً للوصف المنادى المؤنث، كما
كان فسق ونحوه المذكّر، وقد يكون اسماً للوصف غير المنادى وللمصدر ولا
يكون إلاَّ مؤنثاً لمؤنث. وقد يجيء معدولاً كعمر، ليس اسماً لصفة ولا
فعلٍ ولا مصدرٍ.
أما ما جاء اسماً للفعل وصار بمنزلته فقول الشاعر:
مَناعِها مِن إبِلٍ مناعها ... ألا ترى الموت لدى ارباعها
(3/270)
تَراكِها مِن إبِلٍ تَراكِهَا ... ألا ترى
الموتَ لَدَى أَوْراكِهَا
وقال أبو النجم:
حَذارِ من أرْماحِنا حَذارِ
وقال رؤبة:
نَظارِ كَيْ أرْكَبَها نَظارِ
ويقال: نزال، أي انزل. وقال زهير:
ولَنِعْمَ حَشْوُ الدّرْعِ أنتَ إذا ... دُعِيَتْ نَزالِ ولجَّ في
الذَّعر
(3/271)
ويقال للضَّبع: دباب، أي دبي. قال الشاعر:
نَعاء ابنَ لَيْلَى للسمَّاحة والنَّدى ... وأَيْدِي شمالٍ بارِداتِ
الأنامِلِ
وقال جرير:
نَعاءُ أبا لَيْلَى لكْلِ طمرةٍ ... وجَرْداء مِثْلِ القوْس سمحٍ
حُجولُها
فالحد في جميع هذا افعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره لأنه لا يكون بعد
الألف ساكن. وحرّك بالكسر، إنَّ الكسر مما يؤنث به. تقول: إنك ذاهبةٌ
وأنت ذاهبة، وتقول: هاتي هذا للجارية، وتقول: هذي أمة الله، واضر. إذا
أردت المؤنث، وإنَّما الكسرة من الياء.
ومما جاء من الوصف منادّى وغير منادّى: يا خباث وبالكاع. فهذا
(3/272)
اسم للخبيثة وللَّكعاء ومثل ذلك قول
الشاعر، النابغة الجعدي:
فقلتُ لها عِيثِي جَعارِ وجرِّري ... بلحم امرىء لم يَشْهَدِ اليومَ
ناصِرُهُ.
وإنَّما هو اسم للجاعرة، وإنَّما يريد بذلك الضَّبع. ويقال لها: فثام،
لأنَّها تقثم أي تقطع. وقال الشاعر:
لِحَقَتْ حَلاقِ بهمْ على أكْسائهمْ ... ضَرْبَ الرِّقاب ولا يهمُّ
المغنم
فحلاق معدول عن الحالقة، وإنَّما يريد بذلك المنية لأنها تحلق. وقال
الشاعر، مهلهلٌ:
(3/273)
ما أرجّى بالعيش بعد ندامى ... قد أراهم
سقوا بكأسِ حَلاقِ
فهذا كله معدولٌ عن وجهه وأصله، فجعلوا آخره كآخر ما كان للفعل، لأنَّه
معدول عن أصله، كما عدل: نظار وحذار وأشباههما عن حدهن، وكلهن مؤنث،
فجعلوا بابهنَّ واحدا.
فإن قلت: ما بال فسقٌ ونحوه لا يكون جزماً كما كان هذا مكسورا؟ فإنَّما
ذلك لم يقع في موضع الفعل فيصير بمنزلة: صه، ومه ونحوهما، فيشبَّه ها
هنا به في ذلك الموضع. وإنَّما كسروا فعال ها هنا، لأنَّهم شبهوها بها
في الفعل.
ومما جاء اسماً للمصدر قول الشاعر النابغة:
إنّا اقْتَسَمْنا خطَّتينا بيننا ... فَحَمَلْتُ بَرّةَ واحْتَمَلْتَ
فَجارِ
ففجار معدول عن الفجرة. وقال الشاعر:
فقال امْكُثِي حتَّى يَسارِ لَعَلَّنا ... نحجُّ معاُ قالتْ: أعاماً
وقابله
(3/274)
فهي معدولة عن الميسرة. وأجري هذا الباب
مجرى الذي قبله أنه عدل كما عدل، ولأنَّه مؤنّث بمنزلته. وقال الشاعر
الجعدي:
وذكرتَ مِن لَبَنِ المحلَّق شُرْبةً ... والخَيْلُ تَعْدو بالصعَّيد
بَدَادِ
فهذا بمنزلة قوله: تعدو بدداً، إَّلا أنَّ هذا معدولٌ عن حده مؤنثاً.
وكذلك عدلت عليه مساس. والعرب تقول: أنت لا مساس، ومعناه لا تمسنُّي
ولا أمسُّك. ودعني كفاف، فهذا معدول عن مؤنث وإن كانوا لم يستعملوا في
كلامهم ذلك المؤنث الذي عدل عنه بداد وأخواتها.
ونحو ذا في كلامهم. ألا تراهم قالوا: ملامح ومشابه وليالٍ، فجاء جمعه
على حدِّ ما لم يستعمل في الكلام، لا يقولون: ملمحة ولا ليلاة. ونحو ذا
كثير. قال الشاعر، الملتمس:
(3/275)
جَمادِ لها جَمادِ ولا تَقولي ... طَوالَ
الدهرِ ما ذُكِرَتْ حَمادِ
فهذا بمنزلة جموداً؛ ولا تقولي: حماد عدل عن قوله: حمداً لها، ولكنه
عدل عن مؤنث كبداد.
وأما ما جاء معدولاً عن حده من بنات الأربعة فقوله:
قالت: له ريحُ الصَّبا قَرْقارِ
فإنَّما يريد بذلك قال له: قرقر بالرَّعد للسَّحاب، وكذلك عرعار، وهو
بمنزلة قرقار، وهي لعبة وإنمَّا هي من عرعرت. ونظيرها من الثلاثة خراج،
أي اخرجوا، وهب لعبة أيضاً.
(3/276)
واعلم أنَّ جميع ماذكرنا إذا سميت به
امرأةً فإنَّ بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرف؛ وهو
القياس، لأنَّ هذا لم يكن اسماً علما، فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي
يكون فعال محدوداً عنه، وذلك الفعل افعل؛ لأن فعال لا يتغير عن الكسر،
كما أنَّ افعل لا يتغير عن حال واحدة. فإذا جعلت افعل اسماً لرجل أو
امرأة تغَّير وصار بمنزلة الأسماء، فينبغي لفعال التي هي معدولة عن
افعل أن تكون بمنزلة بل هي أقوى. وذلك أنَّ فعال اسمٌ للفعل، فإذا
نقلته إلى الإسم إلى شيء هو مثله والفعل إذا نقلته إلى الاسم إلى الاسم
نقلته إلى الاسم نقلته إلى شيء هو منه أبعد.
وكذلك كل فعال إذا كانت معدولة عن غير افعل إذا جعلتها اسماً، لأنَّك
إذا جعلتها علماً فأنت لا تريد ذلك المعنى. وذلك نحو حلاق التي هي
معدولة عن الحالقة، وفجار التي هي معدولة عن الفجرة، وما أشبه هذا. ألا
ترى أنَّ بني تميم يولون: هذه قطام وهذه حذام؛ لأنَّ هذه معدولة عن
حاذمة، وقطام معدولة عن قاطمة أو قطمة وإنمَّا كل واحدةٍ منهما معدولةٌ
(3/277)
عن الاسم هو علم ليس عن صفة، كما أن عمر
معدول عن عامرٍ علماً لا صفةً. لولا ذلك لقلت: هذا العمر، تريد:
العامر.
وأما أهل الحجاز فلما رأوه اسماً لمؤنث ورأوا ذلك البناء على حاله لم
يغيِّروه؛ لانَّ البناء واحد، وهو ههنا اسم للمؤنث كما كان ثمَّ اسماً
للمؤنث، وهو ههنا معرفة كما كان ثمَّ، ومن كلامهم أن يشبهٍّوا الشيء
بالشيء، وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء. وسترى ذلك إن شاء الله، ومنه
ما قد مضى.
فأما ما كان آخره راءً فإنَّ أهل الحجاز وبني تميم فيه متفقون، ويختار
بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يرى، والحجازية هي اللغة
الأولى القدمى.
فزعم الخليل: أن إجناح الألف أخفُّ عليهم، يعني: الإمالة، ليكون العمل
من وجهٍ واحد، فكرهوا ترك الخفة وعلموا أنهَّم إن كسروا الراء وصلوا
إلى ذلك، وأنهَّم إن رفعوا لم يصلوا.
(3/278)
وقد يجوز أن ترفع وتنصب ما كان في آخره
الراء. قال الأعشى:
ومرَّ دهرٌ على وَبارِ ... فهَلَكَتْ جَهْرةً وَبارُ
والقوافي مرفوعة.
فمما جاء وآخره راءٌ: سفار وهو اسم ماء، وحضار وهو اسم كوكب، ولكنَّهما
مؤنثان كماوية والشِّعري، كأنَّ تلك اسم الماءة وهذه اسم الكوكبة.
ومما يدلَّك على أن فعال مؤنثة قوله: دعيت نزال، ولم يقل دعي نزال
وأنهم لا يصرفون رجلاً سموه رقاش وحذام ويجعلونه بمنزلة رجل سموه يضق
وأعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب من فقال ما كان منه بالراء وغير ذلك
إذا كان شيء منه اسماً لمذكر لم ينجزّ أبداً، وكان المذكر في هذا
بمنزلته إذا سمي بعناقٍ، لأنَّ هذا البناء لا يجيء معدولاً عن مذكّر
فيشبَّه به.
تقول: هذا حذام ورأيت حذام قبل، ومررت بحذام قبل سمعت ذلك ممن يوثق
بعلمه.
وإذا كان جميع هذا نكرةً انصرف كما ينصرف عمر في النكرة، لأنَّ ذا لا
يجيء معدولاً عن نكرة.
(3/279)
ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمى به
مذكَّرا، لا يضعه على التأنيث، بل يجعله اسماً مذكراً كأنه سمى رجلاً
بصباح.
وإذا كان الاسم على بناء فعال نحو: حذامٍ ورقاش، لا تدري ما أصله
أمعدولٌ أم غير معدول، أم مؤنث أم مذكر، فالقياس فيه أن تصرفه؛ لأنَّ
الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدولٍ، مثل: الذَّهاب، والصَّلاح
والفساد، والربَّاب.
واعلم أن فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل، ولا
يجوز من أفعلت، لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة، إلاَّ أن تسمع شيئاً
فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه. فمن ذلك: قرقار وعرعار.
واعلم أنَّك إذا قلت: فعال وأنت تأمر امرأة أو رجلاً أو أكثر من ذلك،
أنَّه على لفظك إذا كنت تأمر رجلاً واحداً. ولا يكون ما بعده إلا
نصباً؛ لأن معناه افعل كما أنَّ ما بعد افعل لا يكون إلا نصباً. وإنما
منعهم أن يضمروا في فعال الاثنين والجميع والمرأة، لأنهَّ ليس بفعل،
وإنما هو اسمٌ في معنى الفعل.
واعلم أن فعال ليس بمطرد في الصفات نحو: حلاق، ولا في مصدر نحو: فجار،
وإنَّما يطرد هذا الباب في النداء وفي الأمر.
باب تغيير الأسماء المبهمة إذا صارت علاماتٍ خاصة وذلك: ذا، وذي، وتا،
وألا، وألاء وتقديرها أولاع. فهذه الأسماء لما كانت مبهمة تقع على كلّ
شكل شيء، وكثرت في كلامهم، خالفوا بها ما سواها
(3/280)
من الأسماء في تحقيرها وغير تحقيرها، وصارت
عندهم بمنزلة لا وفي نحوها، وبمنزلة الأصوات نحو: غاق وحاء. ومنهم من
يقول: غاقٍ وأشباهها؛ فإذا صار اسماً عمل فيه ما عمل بلا؛ لأنَّك قد
حولته إلى تلك الحال كما حولت لا.
وهذا قول يونس والخليل ومن رأينا من العلماء، إلا أنك لا تجري ذا اسم
مؤنث لأنه مذكر إلا في قول عيسى، فإنه كان يصرف امرأة سميتّها: بعمرو.
وأم ذي فبمنزلة: في، وتا بمنزلة: لا.
وأما ألاء فتصرفه اسم رجل وترفعه وتجره وتنصبه، وتغيره كما غيرت هيهات
لو سميت رجلاً به، وتصرفه لأنه ليس فيه شيء مما لا ينصرف به.
وأما ألا فبمنزلة: هدىً منوَّنا، وليس بمنزلة: حجا ورمى لأنَّ هذين
مشتقان، وألا ليس بمشتق ولا معدولا، وإنَّما ألا وآلاء بمنزلة: البكا
والبكاء، إنمَّا هما لغتان.
وأمَّا الذي فإذا سميت به رجلاً أو بالتي أخرجت الألف واللام لأنك
تجعله علماً له، ولست تجعله ذلك الشيء بعينه كالحارث، ولو أردت ذلك
لأثبتّ الصلة. وتصرفه وتجربه مجري عمٍ.
(3/281)
وأمّا اللائي واللاتي فبمنزلة: شآتي وضاري،
وتحرج منه الألف واللام. ومن حذف الياء رفع وجرَّ ونصب أيضاً، لأنه
بمنزلة الباب. فمن أثبت الياء جعلها بمنزلة قاضي، وقال فيمن قال: اللاء
ولاء، لأنه يصيرها بمنزلة بابٍ حرف الإعراب العين، وتخرج الألف واللام
هاهنا كما أخرجتهما في الذي وكذلك: ألا في معنى الذين بمنزلة: هديٍ.
وسألت الخليل: عن ذين اسم رجل فقال: هو بمنزلة رجلين ولا أغيِّره لأنه
لا يختلُّ الاسم لأن يكون هكذا.
وسألته: عن رجل سمَّي بأولى من قوله: نحن أولو قوَّةٍ وأولو بأسٍ شديد،
أو بذوي، فقال: أقول هذا ذوون، وهذا ألون، لأني لم أضف، وإنما ذهبت
النون في الإضافة. وقال الكميت:
فلا أَعْنِي بذلك أَسْفَلِيكم ... ولكنّي أُريد به الذّوينَا
قلت: فإذا سميت رجلاً بذي مالٍ هل تغيره؟ قال لا، ألا تراهم قالوا: ذو
يزنٍ منصرف، فلم يغيروه كأبي فلانٍ، فذا من كلامهم مضاف؛ لأنهَّ صار
المجرور منتهى الاسم، وآمنوا التنوين وخرج من حال التنوين حيث أضفت،
(3/282)
ولم يكن منتهى الاسم، واحتملت الإضافة ذا
كما احتملت أبازيدٍ، وليس مفردٌ آخره هكذا فاحتملته كما احتملت الهاء
عرقوةٌ.
وسألته عن أمسٍ اسم رجل؟ فقال: مصروفٌ؛ لأن أمس ليس هاهنا على الحد
ولكنَّه لما كثر في كلامهم وكلن من الظروف تركوه على حالٍ واحدة، كما
فعلوا ذلك بأين؛ وكسروه كما كسروا غاقٍ، إذ كانت الحركة تدخله لغير
إعراب، كما أنَّ حركة غاق لغير إعراب. فإذا صار اسماً لرجل انصرف؛
لأنكَّ قد نقلته إلى غير ذلك الموضع، كما أنكَّ إذا سميّت بغلق صرفته.
فهذا يجري مجرى هذا، كما جرى ذا مجرى لا.
واعلم أنَّ بني تميم يقولون في موضع الرفع: ذهب أمس بما فيه، وما رأيته
مذ أمس، فلا يصرفون في الرَّفع، لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في
الكلام لا عن ما ينبغي له أن يكون عليه في القياس. ألا ترى أنَّ أهل
الحجاز يكسرونه في كلّ المواضع، وبنو تميم يكسرونه في أكثر المواضع في
النصب والجر، فلما عدلوه عن أصله في الكلام ومجراه تركوا صرفه كما
تركوا صرف أخر حين فارقت أخواتها في حذف الألف واللام منها، وكما تركوا
صرف سحر ظرفاً؛ لأنه إذا كان مجروراً أو مرفوعاً أو منصوباً غير ظرف لم
يكن معرفةً إلا وفيه الألف واللام، أو يكون نكرةً إذا أخرجتا منه،
فلمّا
(3/283)
صار معرفةً في الظرف بغير ألف ولام خالف في
هذه المواضع، وصار معدولاً عندهم كما عدلت أخر عندهم. فتركوا صرفه في
هذا الموضع كما ترك صرف أمس في الرفع.
وإن سميت رجلاً بأمس في هذا القول صرفته، لأنهَّ لا بد لك من أن تصرفه
في الجر والنصب، لأنه في الجر والنصب مكسورٌ في لغتهم، فإذا انصرف في
هذين الموضعين انصرف في الرَّفع، لأنك تدخله في الرفع وقد جرى له
الصَّرف في القياس في الجر والنصب؛ لأنكَّ لم تعدله عن أصله في الكلام
مخالفاً للقياس. ولا يكون أبداً في الكلام اسمٌ منصرف في الجر والنصب
ولا ينصرف في الرفع. وكذلك سحر اسم رجل تصرفه، وهو في الرجل أقوى؛ لأنه
لا يقع ظرفاً ولو وقع اسم شيء وكان ظرفاً. صرفته وكان كأمس لو كان أمس
منصوباً غير ظرف مكسورٍ كما كان.
وقد فتح قوم أمس في مذ لما رفعوا وكانت في الجر هي التي ترفع، شَّبهوها
بها. قال:
(3/284)
لقد رأيتُ عَجَباً مُذْ أمْسَا ...
عَجائزاً مِثْلَ السَّعالي خَمْسَا
وهذا قليل.
وأما ذه اسم رجل فأنَّك تقول: هذا ذهٌ قد جاء، والهاء بدلٌ من الياء في
قولك ذي أمة الله كما أن ميم فمٍ بدلٌ من الواو. والياء التي في قولك:
ذهي أمة الله، إنما هي ياءٌ ليست من الحرف، وإنما هي لبيان الهاء. فإذا
صارت اسماً لم تحتج إلى ذلك لما لزمتها الحركة والتنوين، والدَّليل على
ذلك أنَّك إذا سكت: ذه.
وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: ذه أمة الله، فيسكنون الهاء في الوصل كم
يقولون: بهم في الوصل.
هذا باب الظروف المبهمة غير المتمكنة وذلك لأنهَّا لا تضاف ولا تصرَّف
تصرَّف غيرها، ولا تكون نكرة. وذاك: أين، ومتى، وكيف، وحيث، وإذ، وإذا،
وقبل، وبعد. فهذه الحروف وأشباهها لما كانت مبهمة غير متمكنة شبِّهت
بالأصوات وبما ليس باسمٍ ولا ظرف. فإذا التقى في شيء منها حرفان ساكنان
حركوا الآخر
(3/285)
منهما. وإن كان الحرف الذي قبل الآخر
متحرَّكا أسكنوه كما قالوا: هل، وبل، وأجل، ونعم، وقالوا: جير فحركوه
لئلا يسكن حرفان.
فأمّا ما كان غايةً نحو: قبل، وحيث فإنَّهم يحركونه بالضمة. وقد قال
بعضهم: حيث، شبهَّوه بأين. ويدلَّك على أن قبل وبعد غير متمكنين أنه لا
يكون فيهما مفردينٍ ما يكون فيهما مضافين؛ لا تقول: قبل وأنت تريد أن
تبني عليها كلاماً، ولا تقول: هذا قبل، كما تقول: هذا قبل العتمة،
فلمّا كانت لا تمكَّن، وكانت تقع على كلّ، شبهّت حين بالأصوات وهل وبل؛
لأنهَّا ليست متمكنة.
وجزمت لدن ولم تجعل كعند لأنَّها لا تمكن في الكلام تمكن عند ولا تقع
في جميع مواقعه، فجعل بمنزلة قط لأنها غير متمكنة.
وكذلك قط وحسب، إذا أردت ليس إلاَّ وليس إَّلا وليس إَّلا ذا. وذا
بمنزلة قطُّ إذا أردت الزمان، لما كن غير متمكنات فعل بهنَّ ذا. وحركوا
قطُّ وحسب بالضمة لأنهمَّا غايتان. فحسب للانتهاء، وقط كقولك: منذ كنت.
وأما لد فهي محذوفةً، كما حذفوا يكن. ألا ترى أنَّك إذا أضفت إلى مضمر
رددته إلى الأصل، تقول: من لدنه ومن لدني؛ فإنمَّا لدن كعن.
وسألت الخليل عن معكم ومع، لأيِّ شيء نصبتها؟ فقال: لأنَّها استعملت
غير مضافة اسماً كجميع، ووقعت نكرة، وذلك قولك: جاءا معاً
(3/286)
وذهبا معاً وقد ذهب معه، ومن معه، صارت
ظرفاً، فجعلوها بمنزلة: أمام وقداَّم. قال الشاعر فجعلها كهل حين اضطر،
وهو الراعي:
وريشي منكمُ وهَوايَ مَعْكُمْ ... وإنْ كانت زِيارتُكُمْ لماما
وأمّا منذ فضمّت لأنهَّا للغاية، ومع ذا أن من كلامهم أن يتبعوا الضمَّ
الضمَّ، كما قالوا: ردُّ يافتى.
وسألت الخليل عن من عل، هلا جزمت اللام؟ فقال: لأنهَّم قالوا: من علٍ،
فجعلوها بمنزلة المتمكّن، فأسبه عندهم من معالٍ، فلما أرادوا أن يجعل
بمنزلة قبل وبعد حرَّكوه كما حركوا أوَّل فقالوا: ابدأ بهذا أوَّل، كما
قالوا: يا حكم أقبل في النداء؛ لأنهَّما لما كانت أسماء متمكنة كرهوا
أن يجعلوها
(3/287)
بمنزلة غير المتمكنة، فلهذه الأسماء من
التمكن ماليس من التمكن ما ليس لغيرها، فلم يجعلوها في الإسكان بمنزلة
غيرها وكرهوا أن يخلوا بها. وليس حكم وأوَّل ونحوهما كالذَّي ومن؛
لأنهَّا لا تضاف ولا تتم اسماً، ولا تكون نكرة، ومن أيضاً لا تتم اسما
في الخبر، ولا تضاف كما تضاف أيٌ، ولا تنوَّن كما تنوَّن أيٌّ.
وجميع ما ذكرنا من الظروف التي شبهت بالأصوات ونحوها من الأسماء غير
الظروف إذا جعل شيء منها اسماً لرجل أو امرأة تغيَّر، كما تغيَّر لو
وهل وبل وليت، كما فعلت ذلك بذا وأشباهها؛ لأن ذا قبل أن تكون اسما
خاصاً كمن، في أنهَّ لا يضاف ولا يكون نكرةً، فلم يتمكن تمكُّن غيره من
الأسماء.
وسألت الخليل عن قولهم: مذ عامٌ أوَّل، ومذ عامٍ أوَّل فقال: أوَّل
ههنا صفة، وهو أفعل من عامك، ولكنَّهم ألزموه هنا الحذف استخفافاً،
فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفضل منك. وقد جعلوه اسماً بمنزلة أفكّلٍ،
وذلك قول العرب: ما تركت له أولاً ولا آخراً، وأنا أوَّل منه، ولم يقل
رجلٌ أوَّل منه، فلمَّا جاز فيه هذان الوجهان أجازوا أم يكون صفة وأن
يكون اسما. وعلى أي الوجهين جعلته اسماً لرجل صرفته اسماً في النكرة.
وإذا قلت عامٌ أوَّل فإنما جاز هذا الكلام لأنك تعلم به أنك تعني العام
الذي يليه عامك، كما أنَّك إذا قلت أوَّل من أمس أو بعد غدٍ فإنمَّا
تعني الذي يليه أمس والذي يليه غدٌ. وأما قولهم: ابدأ به أوَّل وابدأ
بها أوَّل فإنمَّا تريد أيضاً أوَّل من كذا، ولكن الحذف جائز جيدِّ،
كما تقول: أنت أفضل، وأنت تريد من غيرك. إلاَّ أن الحذف لزم صفة عامٍ
لكثرة استعمالهم إياه حتى استغنوا عنه. ومثل هذا في الكلام كثير.
والحذف يستعمل في قولهم: ابدأ به أوَّل أكثر. وقد يجوز أن يظهروه، إلا
أنهَّم إذا أظهروه لم يكن إلا الفتح.
(3/288)
وسألته عن قول بعض العرب، وهو قليل: مذ
عامٌ أول؟ فقال: جعلوه ظرفاً في ها الموضع، فكأنه قال: مذ عامٌ قبل
عامك.
وسألته عن قوله: زيد أسفل منك؟ فقال: هذا ظرف، كقوله عز وجل: "
والرَّكب أسفل منكم " كأنه قال: زيدٌ في مكانٍ أسفل من مكانك. ومثل
الحذف في أوَّل لكثرة استعمالهم إياه قولهم: لا عليك. فالحذف في هذا
الموضع كهذا.
ومثله: هل لك في ذلك؟ ومن له في ذلك؟ ولا تذكر له حاجة، ولا لك حاجة
ونحو هذا أكثر من أن يحصى قال يا لَيْتَها كانت لأهْلي إِبِلاَ أو
هُزِلَتْ في جَدْبِ عامٍ أَوَّلاَ يكون على الوصف والظرف.
وسألته عن قوله: من دونٍ، ومن فوقٍ، ومن تحتٍ، ومن قبلٍ، ومن بعدٍ، ومن
دبرٍ؟ ومن خالف؟ فقال: أجروا هذا مجرى الأسماء المتمكنة، لأنهَّا تضاف
وتستعمل غير ظرف. ومن العرب من يقول: من فوق ومن تحت، يشبهه بقبل وبعد.
وقال أبو النجم:
(3/289)
أقبٌّ مِنْ تَحْتُ عريضٌ مِنْ عَلُ
وقال آخر:
لا يَحْمِلُ الفارسَ إلاَّ المَلْبُونْ ... المَحْض من أَمامِه ومِنْ
دُونْ
وكذلك من أمامٍ ومن قدّامٍ، ومن وراءٍ، ومن قبلٍ، ومن دبرٍ.
وزعم الخليل أنهن نكراتٌ كقول أبي النجم:
يأتي لها من أيمنٍ وأَشْمُلٍ
وزعم أنهّن نكراتٌ إذا لم يضفن إلا معرفة، كما يكون أيمن وأشمل نكرة.
وسألنا العرب فوجدناهم يوافقونه، ويجعلونه كقولك: من يمنةٍ وشأمةٍ،
وكما جعلت ضحوةٌ نكرة وبكرة معرفة.
(3/290)
وأما يونس فكان يقول: من قدام، ويجعلها
معرفة، وزعم أنهَّ منعه من الصرف أنهَّا مؤنثة. ولو كانت شأمةٌ كذا لما
صرفها وكانت تكون معرفةً. وهذا مذهبٌ، إلا أنهَّ ليس يقوله أحدٌ من
العرب.
وسألنا العلويين والتمَّيميّين، فرأيناهم يقولون: من قد يديمةٍ ومن
ورئيِّةٍ لا يجعلون ذلك إلاَّ نكرة، كقولك: صباحاً ومساءً، وعشيةً
وضحوةً. فهذا سمعناه من العرب.
وتقول في النصب على حد قولك: من دونٍ ومن أمامٍ: جلست أماماً وخلفاً،
كما تقول يمنةً وشأمةً. قال الجعدي.
لها فرطٌ يكون ولا تراه ... أماماً من معرسَّنا وودنا
وسألته عن قوله: جاء من أسفل يا فتى؟ فقال: هذا أفعل من كذا وكذا، كما
قال عز وجل: " إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم ".
وسألته عن هيهات اسم رجل وهيهاة؟ فقال: أما من قال: هيهاة فهي عنده
بمنزلة علقاة. والدليل على ذلك أنَّهم يقولون في السكوت: هيهاه. ومن
قال: هيهات فهي عنده كبيضاتٍ. ونظير الفتحة في الهاء الكسرة في التاء،
(3/291)
فإذا لم يكن هيهات ولا هيهاة علماً لشيء.
فهما على حالهما لا يغيرَّان عن الفتح والكسر؛ لأنهَّما بمنزلة ما
ذكرنا مماَّ لم يتمكن.
ومثل هيهاة ذيَّة، إذا لم يكن اسماً، وذلك قولك: كان من الأمر ذيَّة
وذيَّة، فهذه فتحةٌ كفتحة الهاء ثمَّ؛ وذلك أنهَّا ليست أسماءً
متمكنِّاتٍ، فصارت بمنزلة الصَّوت.
فإن قلت: لم تسكن الهاء في ذيةَّ وقبلها حرف متحرك؟ فإنَّ الهاء ليست
ههنا كسائر. الحروف ألا ترى أنهَّا تبدل في الصلة تاءً وليست زائدة في
الاسم، فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو في الاسم ومن الاسم، وصارت
الفتحة أولى بها لأن ما قبل هاء التأنيث مفتوح أبداً، فجعلوا حركتها
كحركة ما قبلها لقربها منه، ولزوم الفتح، وامتنعت أن تكون ساكنة كما
امتنعت عشر في خمسة عشر، لأنهَّا مثلها في أنهَّا منقطعة من الأوَّل،
ولم تحتمل أن يسكن حرفان وأن يجعلوهما كحرف.
ونظير هيهات وهيهاة في اختلاف اللغتين، قول العرب: استأصل الله
عرقاتهم، واستأصل الله عرقاتهم، بعضهم يجعله بمنزلة عرسٍ وعرساتٍ، كأنك
قلت: عرقٌ وعرقان وعرقاتٌ. وكلاً سمعنا من العرب.
ومنهم من يقول: ذيت فيخفِّف، ففيها إذا خففت ثلاث لغات: منهم من يفتح
كما فتح بعضهم حيث وحوث، ويضمّ يعضهم حيث وحوث، ويضم بعضهم كما ضمتها
العرب، ويكسرون أيضاً كما أولاء؛ لأنَّ التاء الآن إنمَّا هي بمنزلة ما
هو من نفس الحرف.
(3/292)
وسالت الخليل عن شتّان فقال: فتحها كفتحة
هيهاة، وقصتها في غير المتمكن كقصتها ونحوها، ونونها كنون سبحان
زائدةٌ. فإن جعلته اسم رجل فهو كسبحان.
باب الأحيان في الانصراف وغير الانصراف اعلم أن غدوة وبكرة جعلت كلَّ
واحدةٍ منهما اسماً للحين، كما جعلوا أمَّ حبينٍ اسماً للدابة معرفة.
فمثل ذلك قول العرب: هذا يوم اثنين مباركاً فيه، وأتيتك يوم اثنين
مباركاً فيه. جعل اثنين اسماً له معرفةً، كما تجعله اسماً لرجل.
وزعم يونس عن أبي عمرو، وهو قوله أيضاً وهو القياس، انكَّ إذا قلت:
لقيته العام الأول، أو يوماً من الأيام، ثم قلت: غدوة أو بكرة وأنت
تريد المعرفة لم تنون وكذلك إذا لم تذكر العام الأول ولم تذكر، إلاَّ
المعرفة ولم تقل يوماً من الأيام، كأنك قلت: هذا الحين في جميع هذه
الأشياء. فإذا جعلتها اسماً لهذا المعنى لم تنوّن. وكلك تقول العرب.
(3/293)
فأما ضحوةٌ وعشيةٌ فلا يكونان إلاَّ نكرةً
على كلّ حال، وهما كقولك: آتيك غذاً وصباحاً ومساءً. وقد تقول: أتيتك
ضحوةً وعشيةً، فيعلم أنكَّ تريد عشيّة يومك وصحوته، كما تقول: عاماً
أول فيعلم أنك تريد العام الذي يليه عامك.
وزعم الخليل أنه يجوز أن تقول: آتيتك اليوم غدوةً وبكرةً، تجعلها
بمنزلة ضحوةٍ.
وزعم أبو الخطَّاب أنهَّ سمع من يوثق به من العرب يقول: آتيك بكرةً وهو
يريد الإتيان في يومه أو في غده. ومثل ذلك قول الله عز وجل: " ولهم
رزقهم فيها بكرة وعشياَّ ". هذا قول الخليل.
وأمَّا سحر إذا كان ظرفا فإنَّ ترك الصرف فيه قد بينته لك فيما مضى.
وإذا قلت: مذ السَّحر أو عند السَّحر الأعلى، لم يكن إلا بالألف
واللام. فهذه حاله، لا يكون معرفةً إلا بهما. ويكون نكرةً إلا في
الموضع الذي عدل فيه.
وأما عشيّةٌ فإنَّ بعض العرب يدع فيه التنوين، كما ترك في غدوة.
هذا باب الألقاب إذا لقَّبت مفرداً بمفرد أضفته إلى الألقاب، وهو قول
أبي عمرو، ويونس والخليل، وذلك قولك: هذا سعيد كرزٍ، وهذا قيس قفَّة قد
جاء، وهذا زيدٌ بطَّةً، فإنما جعلت قفَّة معرفةً لأنَّك أردت المعرفة
التي أردتها إذا قلت:
(3/294)
هذا قيسٌ. فلو نونت قفةً. صار الاسم نكرةً،
لأن المضاف إنَّما يكون نكرة ومعرفة بالمضاف إليه، فيصير قفة هاهنا
كأنها كانت معرفة قبل ذلك ثم أضفت إليها.
ونظير ذلك انه ليس عربيٌّ يقول: هذه شمس فيجعلها معرفة، إلا أن يدخل
فيها ألفاً ولاماً. فإذا قال: عبد شمس صارت معرفة، لأنه أراد شيئاً
بعينه، ولا يستقيم أن يكون ما أضفت إليه نكرةً.
فإذا لقَّبت المفرّد بمضاف والمضاف بمفرد، جرى أحدهما على الآخر
كالوصف، وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل. وذلك قولك: هذا زيدٌ وزن
سبعةٍ، وهذا عبد الله بطَّة يا فتى، وكذلك إن لقبت المضاف بالمضاف.
وإنمَّا جاء هذا مفترقاً هو والأول لأنَّ أصل التسمية والذي وقع عليه
الأسماء، أن يكون للرجل اسمان: أحدهما مضاف، والآخر مفرد أو مضاف،
ويكون أحدهما وصفاً للآخر؛ وذلك الاسم والكنية، وهو قولك: زيدٌ أبو
عمروٍ، وأبو عمرٍو زيدٌ، فهذا أصل التسمية وحدُّها. وليس من أصل
التسمية عندهم أن يكون للرجل اسمان مفردان، فإنما أجروا الألقاب على
أصل
(3/295)
التسمية، فأرادوا أن يجعلوا اللفَّظ
بالألقاب إذا كانت أسماءًٍ على أصل تسميتهم، ولا يجاوزوا ذلك الحَّد.
باب الشيئين الَّلذين ضم أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد
كعيضموزٍ وعنتريس وذلك نحو: حضرموت وبعلبك. ومن العرب من يضيف بعل إلى
بكٍّ، كما اختلفوا في رام هرمز، فجعله بعضهم اسماً واحداً، وأضاف بعضهم
رام إلى هرمز. وكذلك مار سرجس، وقال بعضهم:
مارَ سَرْجِسُ لا قِتالاَ
وبعضهم يقول في بيت جرير:
لقيّم بالجزيرة خَيْلَ قيسٍ ... فقلتمْ مارَ سَرْجِسَ لا قِتَالاَ
وأما معد يكرب ففيه لغات: منهم من يقول: معد يكربٍ فيضيف، ومنهم من
يقول: معد يكرب فيضيف ولا يصرف، يجعل كرب اسماً مؤنثاً
(3/296)
ومنهم من يقول: معد يكرب فيجعله اسماً
واحداً فقلت ليونس: هلا صرفوه إذ جعلوه اسماً واحداً وهو عربي؟ فقال:
ليس شيءٌ يجتمع من شيئين فيجعل اسماً سميِّ به واحدٌ إلا لم يصرف.
وإنما استثقلوا صرف هذا لأنَّه ليس أصل بناء الأسماء. يدلك على هذا
قلته في كلامهم في الشيء الذي يلزم كلَّ من كان من أمته ما لزمه، فلما
لم يكن هذا البناء أصلاً ولا متمكنِّا كرهوا أن يجعلوه بمنزلة المتمكن
الجاري على الأصل، فتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي. وهو مصروف في
النكرة، كما تركوا صرف إبراهيم وإسماعيل لأنهما لم يجيئا على مثال ما
لا يصرف في النكرة كأحمر، وليس بمثال يخرج إليه الواحد للجميع نحو:
مساجد ومفاتيح، وليس بزيارة لحقت لمعنىً كألف حبلى، وإنمَّا هي كلمة
كهاء التأنيث، فثقلت في المعرفة إذ لم يكن أصل بناء الواحد؛ لأنَّ
المعرفة أثقل من النكرة. كما تركوا صرف الهاء في المعرفة وصرفوها في
النكرة لما ذكرت بك، فإنما معد يكرب واحدٌ كطلحة، وإنما بني ليلحق
بالواحد الأول المتمكن، فثقل في المعرفة لما ذكرت بك، ولم يحتمل ترك
الصرف في النكرة. وأما خمسة عشر وأخواتها وحادي عشر وأخواتها، فهما
شيئان جعلا شيئاً واحداً. وإنمَّا أصل خمسة عشر: خمسةٌ، وعشرةٌ، ولكنهم
جعلوه
(3/297)
بمنزلة حرف واحد. وأصل حادي عشر أن يكون
مضافاً كثالث ثلاثةٍ، فلمَّا خولف به عن حال أخواته مما يكون للعدد
خولف به وجعل كأولاء، إذ كان موافقاً له في أنهَّ مبهم يقع على كل شيء.
فلمَّا اجتمع فيه هذان أجري مجراه، وجعل كغير المتمكن. والنون لا تدخله
كما تدخل غاقٍ، لأنَّها محالفة لها ولضربها في البناء؛ فلم يكونوا
لينونوا لأنهَّا زائدة ضمت إلى الأول، فلم يجمعوا، عليه هذا والتنوين.
ونحو هذا في كلامهم: حيص بيص مفتوحة، لأنهَّا ليست متمكِّنة.
قال أمية بن أبي عائذ
قد كنتُ خَرّاجا وَلُوجاً صَيْرَفاً ... لم تلتَحِصْني حَيْصَ بَيْصَ
لَحاصِ
واعلم أنَّ العرب تدع خمسة عشر في الإضافة والألف واللام على حال
(3/298)
واحدة، كما تقول: اضرب أيهُّم أفضل،
وكالآن، وذلك لكثرتها في الكلام وأنهَّا نكرة فلا تغيَّر.
ومن العرب من يقول: خمسة عشرك، وهي لغة رديئة.
ومثل ذلك: الخازباز، وهو عند بعض العرب: ذبابٌ يكون في الرَّوض، وهو
عند بعضهم: الداء، جعلوا لفظه كلفظ نظائره في البناء، وجعلوا آخره
كسراً كجير وغاق؛ لأنَّ نظائره في الكلام التي لم تقع علاماتٍ إنما
جاءت متحركة بغير جرٍ ولا نصب ولا رفع، فألحقوه بما بناؤه كبنائه، كما
جعلوا حيث في بعض اللغات كأين، وكذلك حينئذٍ في بعض اللغات، لأنَّه
مضاف إلى غير متمكن، وليس كأين في كل شيء. كما جعلوا الآن كأين وليس
مثله في كل شيء، ولكنه يضارعه في أنه ظرف، ولكثرته في الكلام كما يضارع
حينئذٍ أين في أنه أضيف إلى اسم غير متمكن. فكذلك صار هذا: ضارع خمسة
عشر في البناء، وأنهَّ غير علم.
ومن العرب من يقول: الخربار، ويجعله بمنزلة سربال. قال الشاعر:
(3/299)
مِثْلُ الكِلابِ تهرَّ عند دِرَابِها ...
وَرِمَتْ لَهازِمُها من الخرباز
وأما صهيل التي للأمر فمن شيئين يدلك على ذلك حي على الصلاة وزعم أبو
الحطَّاب: أنهَّ سمع من يقول: حي هل الصلاة. والدَّليل على أنهما جعلا
اسماً واحداص قول الشاعر:
وهيَّج الحيَّ مِن دارٍ فظلَّ لهم ... يومٌ كثيرٌ تناديه وحيَّهله
والمواقي مرفوعة. وأنشدناه هكذا أعرابيٌّ من أفصح الناس، وزعم أنه شعر
أبيه.
وقد قال بعضهم: الخازباء، جعلها بمنزلة: القاصعاء والنافقاء.
وجميع هذا إذا صار شيءٌ منه علماً أعرب وغيِّر، وجعل كحضرموت، كما
غيرّت أولاد واذ ومن والأصوات ولو ونحوها، حين كنَّ علامات.
قال الشاعر، وهو الجعدي:
(3/300)
بحيهَّلا يُزْجونَ كلَّ مطيّةٍ ... أَمامَ
المطايا سَيْرُها المُتقاذِفُ
وقال بعضهم:
وجنَّ الخازِبازِ به جُنونَا
ومن العرب من يقول: هو الخازباز والخازباز، وخازبازٍ فيجعلها كحضرموتٍ.
ومن العرب من يقول: حيهَّلا، ومن العرب من يقول: حهيَّل إذا وصل، وإذا
وقف أثبت الألف. ومنهم من لا يثبت الألف في الموقف والوصل.
وقد قال بعضهم: الخازباز جعله بمنزلة حضرموت.
وأما عمرويه فإنهَّ زعم أنه أعجميٌّ، وأنه ضربٌ من الأسماء الأعجمية،
وألزموا آخره شيئاً لم يلزم الأعجمية، فكما تركوا صرف الأعجمية جعلوا
ذا بمنزلة الصوَّت، لأنهمَّ رأوه قد جمع أمرين، فحطوه درجةً عن إسماعيل
وأشباهه؛ وجعلوه في النكرة بمنزلة غاقٍ، منونةً مكسورة في كلِّ موضع.
(3/301)
وزعم الخليل: أن اللذين يقولون: غاق غاق،
وعاء وحاء، فلا ينونون فيها ولا في أشباهها، أنها معرفة، وكأَّنك قلت
في عاء وحاء الإتباع، وكأنه قال: قال الغراب هذا النحو. وأنَّ الذين
قالوا: عاء وحاء وغاقٍ، جعلوها نكرة.
وزعم الخليل: أن الذين قالوا: صهٍ ذاك أرادوا النكرة، كأنهم قالوا:
سكوتاً: إيهٍ وإيهاً وويهٍ وويهاً، إذا وقفت قلت: ويهاً، ولا يقول:
إيهٍ في الوقف. وإيهاً وأخواته نكرةٌ عندهم، وهو صوتٌ.
وعمرويه عندهم بمنزلة حضرموت، في أنهَّ ضم الآخر إلى الأول. وعمرويه في
المعرفة مكسورة في حال الجر والرفع والنصب غير منوَّن. وفي النكرة
تقول: هذا عمرويهٍ آخر، ورأيت عمرويهٍ آخر.
وسألت الخليل عن قوله: فداءٍ لك، فقال: بمنزلة أمس؛ لأنهَّا كثرت في
كلامهم، والجرُّ كان أخفَّ عليهم من الرفع إذ أكثروا استعمالهم إيَّاه،
وشبهوه بأمس، ونون لأنه نكرة. فمن كلامهم أن يشبِّهوا الشيء بالشيء وإن
كان ليس مثله في جميع الأشياء.
وأما يوم يومٍ، وصباح مساءٍ، وبيت بيتٍ، وبين بينٍ، فإنَّ
(3/302)
العرب تختلف في ذلك: يجعله بعضهم بمنزلة
اسمٍ واحد، وبعضهم يضيف الأوّل إلى الآخر ولا يجعله اسماً واحداً. ولا
يجعلون شيئاً من هذه الأسماء بمنزلة اسمٍ واحد إلا في حال الظرف أو
الحال، كما يجعلوا: يا ابن عمَّ ويا ابن أمَّ بمنزلة شيء واحدٍ إلا في
حال النداء.
والآخر من هذه الأسماء في موضع جر، وجعل لفظه كلفظ الواحد وهما اسمان
أحدهما مضاف إلى الآخر. وزعم يونس، وهو رأيه، أنَّ أبا عمرٍو كان يجعل
لفظه كلفظ الواحد إذا كان شيءٌ منه ظرفاً أو حالا.
وقال الفرزدق:
ولولا يَوْمُ يومٍ ما أردنا ... جَزاءَك والقُروضُ لها جَزاءُ
فالأصل في هذا والقياس الإضافة. فإذا سميت بشيء من هذا رجلاً أضفت، كما
أنَّك لو سميته ابن عم لم يكن إلا على القياس.
وتقول: أنت تأتينا في كل صباح مساءٍ، ليس إلاَّ.
وجعل لفظهنَّ في ذلك الموضع كلفظ خمسة عشر، ولم يبن ذلك البناء في غير
هذا الموضع. وهذا قول جميع من نثق بعلمه وروايته عن العرب. ولا أعلمه
إلا قول الخليل.
(3/303)
وزعم يونس: أن كفة كفّةٍ كذلك، تقول: لقيته
كفة كفّةٍ، وكفة كفة. والدليل على أنَّ الآخر مجرور ليس كعشر من خمسة،
أنَّ يونس زعم أن رؤية كان يقول: لقيته كفةً عن كفّةٍ يا فتى. وإنمَّا
جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأنَّ حد الكلام وأصله أن يكون ظرفاً أو
حالاً.
وأمَّا أيادي سبا وقالي قلا، وبادي بدا، فإنما هي بمنزلة: خمسة عشر.
تقول: جاءوا أيادي سبا. ومن العرب من يجعله مضافاً فينون سباً.
قال الشاعر، وهو ذو الرمة:
فيالكِ من دارٍ تحمَّل أهلُها ... أيادِي سَباً بعدي وطال احتيالُهَا
فينون ويجعله مضافاً كمعد يكربٍ.
وأما قوله: كان ذلك بادي بدا؛ فإنهَّم جعلوها بمنزلة: خمسة عشر. ولا
نعلمهم أضافوا، ولا يستنكر أن تضيفها، ولكن لم أسمعه من العرب. ومن
العرب من يقول: بادي بدي. قال أبو نخيلة:
(3/304)
وقد عَلَتْني ذُرْأةٌ بادِي بَدِي ...
ورثَيْةٌ تَنْهَضُ في تَشَدُّدِي
ومثل أيادي سبا وبادي بدا قوله: ذهب شغر بغر. ولا بد من أن يحرِّكوا
آخره كما ألزموا التحريك الهاء في ذيَّة ونحوها؛ لشبه الهاء بالشيء
الذي ضم إلى الشيء.
وأما قالي قلا فمنزلة حضرموت. قال الشاعر:
سيُصْبِحُ فوقي أقْتَمُ الرِّيشِ واقِعاً ... بِقاليِ قَلاَ أومِن وراء
دَبِيلِ
وسألت الخليل عن الياءات لم لم تنصب في موضع النصب إذا كان
(3/305)
الأول مضافاً، وذلك قولك: رأيت معد يكرب،
واحتملوا أيادي سباً؟ فقال: شبَّهوا هذه الياءات بألف مثنى حيث عرَّوها
من الرفع والجر، فكما عروا الألف منهما عرَّوها من النصب أيضاً، فقالت
الشعراء حيث اضطرّوا، وهو رؤية:
سوَّي مساحيهنَّ تَقْطيطَ الْحُقَقْ
وقال بعض السّعدييِّن:
يا دار هند عفت إلاَّ أثافيها
وإنما اختصت هذه الياءات في هذا الموضع بذا لأنهم يجعلون الشيئين ههنا
(3/306)
اسماً واحداً، فتكون الياء غير حرف
الإعراب، فيسكنونها ويشبِّهونها بياء زائدة ساكنةٍ نحو ياء دردبيس
ومفاتيح. ولم يحركوها كتحريك الراء في شغر لاعتلالها، كما لم تحرك قبل
الإضافة وحركت نظائرها من غير الياءات، لأن للياء والواو حالاً ستراها
إن شاء الله، فألزموها الإسكان في الإضافة ههنا إذ كانت قد تسكن فيما
لا يكون وما بعده بمنزلة اسمٍ واحدٍ في الشعر.
ومثل ذلك قول العرب: لا أفعل ذاك حيرى دهرٍ. وقد زعموا أن بعضهم ينصب
الياء، ومنهم من يثقل الياء أيضاً.
وأما اثنا عشر فزعم الخليل أنه لا يغير عن حاله قبل التسمية، وليس
بمنزلة خمسة عشر، وذلك أن الإعراب يقع على الصدر فيصير اثنا في الرفع،
واثني في النصب والجر، وعشر بمنزلة النون ولايجوز فيها الإضافة. كما لا
يجوز في مسلمين، ولا تحذف عشر مخافة أن يلتبس بالاثنين فيكون علم العدد
قد ذهب. فإن صار اسم رجل فأضفت حذفت عشر لأنك لست تريد العدد، وليس
بموضع التباس، لأنك لا تريد أن تفرق بين عددين فإنما هو بمنزلة زيدين.
وأما أخول أخول فلا يخلو من أن يكون كشغر بغر، وكيوم يوم.
(3/307)
باب ما ينصرف ومالا ينصرف من بنات الياء
والواو التي الياءات والواوات منهن لامات اعلم أن كل شيء كانت لامه ياء
أو واواً، ثم كان قبل الياء والواو حرفٌ مكسور أو مضموم، فإنها تعتلُّ
وتحذف في حال التنوين، واواً كانت أو ياءً، وتلزمها كسرة قبلها أبداً،
ويصير اللفظ بما كان من بنات الياء والواو سواء.
واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على الصفة فإنه ينصرف في حال
الجر والرفع. وذلَّك أنَّهم حذفوا الياء فخف عليهم، فصار التنوين
عوضاً. وإذا كان شيء منها في حال النصب نظرت: فإن كان نظيره من غير
المعتلة مصروفاً صرفته، وإن كان غير مصروف لم تصرفه؛ لأنَّك تتم في حال
النصب كما تتم غير بنات الياء والواو. وإذا كانت الياء زائدة وكانت حرف
الإعراب، وكان الحرف الذي قبلها كسراً فإنها بمنزلة الياء التي من نفس
الحرف، إذ كانت حرف الإعراب.
وكذلك الواو تبدل كسرةً إذا كان قبلها حرف مضموم وكانت حرف الإعراب وهي
زائدة: تصير بمنزلتها إذا كانت من نفس الحرف وهي حرف الإعراب.
فمن الياءات والووات اللواتي ما قبلها مكسورٌ قولك: هذا قاضٍ، وهذا
غازٍ، وهذه مغاز، وهؤلاء جوارٍ. وما كان ما منهن ما قبله مضموم فقولك:
هذه أدلٍ وأظبٍ، ونحو ذلك.
هذا ما كانت الياء فيه والواو من نفس الحرف.
(3/308)
وأما ما كانت الياء فيه زائدة وكان الحرف
قبلها مكسوراً فقولك: هذه ثمانٍ وهذه صحارٍ، ونحو ذلك.
وأما ما كانت الواو فيه زائدة وكان الحرف قبلها مضموماً فقولك: هذه عرق
كما ترى، إذا أرت جمع عرقوة. قال الرجز:
حتَّى تُقضِّي عَرْقِيَ الدلىِّ
وجميع هذا في حال النصب بمنزلة غير المعتل. ولو سميت رجلاً بقيل فيمن
ضم القاف كسرتها اسماً حتى تكون كبيضٍ.
واعلم أنَّ كل ياء أو واو كانت لاماً، وكان الحرف قبلها مفتوحاً،
فإنَّها مقصورة تبدل مكانها الألف، ولا تحذف في الوقف، وحالها في
التنين وترك التنوين بمنزلة ما كان غير معتل؛ إلاَّ أنَّ الألف تحذف
لسكون التنوين ويتمُّون الأسماء في الوقف.
وإن كانت الألف زائدة فقد فسرنا أمرها.
وإن جاءت في جميع ما لا ينصرف فهي غير منونة، كما لا ينون غير
(3/309)
المعتل، لأنَّ الاسم متمٌّ. وذلك قولك:
عذارى وصحارى، فهي الآن بمنزلة مدارى ومعايا لأنها مفاعل، وقد أتم
وقلبت ألفاً.
وإن كانت الياء والواو قبلها حرف ساكن وكانت حرف الإعراب، فهي بمنزلة
غير المقتل وذلك نحو قولك ظبيٌ ودلوٌ وسألت الخليل عن رجل يسمى بقاض
فقال هو بمنزلة قبل أن يكون اسماً في الوقف والوصل وجميع الأشياء كما
أن مثنى ومعلى إذا كان إسماً فهو إذا كانت نكرة، ولا يتغير هذا عن حالٍ
كان عليها قبل أن يكون اسماً كما لم يتغيَّر معلَّى، وكذلك عمٍ. وكل
شيء كان من بنات الياء والواو انصرف نظيره من غير المعتل فهو بمنزلته.
وسألت الخليل عن رجل يسمى بجوارٍ، فقال: هو في حال الجر والرفع بمنزلته
قبل أن يكون اسماً. ولو كان من شأنهم أن يدعوا صرفه في المعرفة لتركوا
صرفه قبل أن يكون معرفة، لأنَّه ليس شيء من الانصراف بأبعد من مفاعل،
فلو امتنع من الانصراف في شيء لامتنع إذا كان مفاعل وفواعل ونحو ذلك.
قلت: فإن جعلته اسم امرأة؟ قال: أصرفها؛ لأن هذا التنوين جعل عوضاً،
فيثبت إذا كان عوضاً كما ثبتت التنوينة في أذرعات إذ صارت كنون مسلمين.
(3/310)
وسألته عن قاضٍ اسم امرأة، فقال: مصروفة في
حال الرفع والجر، تصير ههنا بمنزلتها إذ كانت في مفاعل وفواعل. وكذلك
أدلٍ اسم رجل عنده؛ لأنَّ العرب اختارت في هذا حذف الياء إذا كانت في
موضع غير تنوين في الجر والرفع، وكانت فيما لا ينصرف، وأن يجعلوا
التنوين عوضاً من الياء ويحذفوها.
وسألته عن رجلٍ يسمَّى أعمى فقلت: كيف تصنع به إذا حقرته؟ فقال: أقول:
أعيمٍ، أصنع به ما صنعت به قبل أن يكون اسماً لرجل؛ لأنَّه لو كان
يمتنع من التنوين ههنا لامتنع منه في ذلك الموضع قبل أن يكون اسماً
لرجلٍ، كما أنَّ أحيمر وهو اسمٌ لرجل وغير اسم سواءٌ. ومن أبى هذا فخذه
بقاضٍ اسم امرأة، فإن لم يصرفه فخذه بجوارٍ فجوارٍ فواعل، وفواعل أبعد
من الصرف من فاعل معرفةً وهو اسم امرأة، لأنَّ ذا قد ينصرف في المذكر،
وفواعل لا يتغير على حال، وفاعلٌ بناءٌ ينصرف في الكلام معرفةً ونكرةً
وفواعل بناء لا ينصرف. فأشد أحوال قاضٍ اسم امرأة أن يكون بمنزلة هذا
المثال الذي لا ينصرف البتَّة في النكرة. فإن كانت هذه، يعني قاض،
(3/311)
لا تنصرف ههنا لم تنصرف إذا كانت في فواعل.
فإن صرف فجوارٍ قبل أن يكون اسماً بمنزلة قاضٍ اسم امرأة.
وسألته عن رجل يسمَّى برمي أو أرمي؟ فقال: أنوِّنه، لأنَّه إذا صار
اسماً فهو بمنزلة قاضٍ إذا كان اسم امرأة.
وسألت الخليل فقلت: كيف تقول مررت بأفيعل منك، من قوله مررت بأعيمي
منك؟ فقال: مررت بأعيمٍ منك، لأنَّ ذا موضع تنوين. ألا ترى بأنك تقول:
مررت بخيرٍ منك، وليس أفعل منك بأثقل من أفعل صفة.
وأما يونس فكان ينظر إلى كل شيء من هذا إذا كان معرفة كيف حال نظيره من
غير المعتل معرفةً، فإذا كان لا ينصرف لم ينصرف، يقول: هذا جواري قد
جاء، ومررت بجواري قبل. وقال الخليل: هذا خطأٌ لو كان من شأنهم أن
يقولوا هذا في موضع الجرّ لكانوا خلقاء أن يلزموا الرفع والجر، إذ صار
عندهم بمنزلة غير المعتل في موضع الجر، ولكانوا خلقاء أن ينصبوها في
النكرة إذا كانت في موضع الجر، فيقولوا: مررت بجواري قبل، لأنَّ ترك
التنوين في ذا الاسم في المعرفة والنكرة على حالٍ واحدة.
ويقول يونس للمرأة تسمَّى بقاضٍ: مررت بقاضي قبل، ومررت بأعيمي منك.
فقال الخليل: لو قالوا هذا لكانوا خلقاء أن يلزموها الجر والرفع، كما
قالوا حين اضطروا في الشعر فأجروه على الأصل، قال الشاعر الهذلىّ:
(3/312)
أبِيتُ عَلَى مَعارِيَ واضِحاتٍ ... بهنّ
ملوَّب كدَمِ العِباطِ
وقال الفرزدق:
فلو كانَ عبدُ الله مَوْلَى هجوتُه ... ولكنّ عبدَ الله مَوْلَى
مَوَالِيَا
فلمَّا اضطرُّوا إلى ذلك في موضع لا بدَّ لهم فيه من الحركة أخرجوه على
الأصل.
قال الشاعر، ابن قيس الرقيات:
(3/313)
لا بَارَكَ اللهُ في الغوانِيِ هَلْ ...
يُصْبِحْنَ إلاّ لهنَّ مطَّلب
وقال: وأنشدني أعرابي من بني كليب، لجرير:
فيَوْماً يُوافيني الهَوَى غيرَ ماضىٍ ... ويوماً ترى منهنّ غُولاْ
تغوَّل
قال: ألا تراهم كيف جرُّوا حين اضطرُّوا، كما نصبوا الأول حين
اضطرُّوا. وهذا الجر نظير النصب.
فإن قلت: مررت بقاضي قبل اسم امرأة، كان ينبغي لها أن تجرَّ في الإضافة
فتقول: مررت بقاضيك.
وسألناه عن بيتٍ أنشدناه يونس:
(3/314)
قد عَجِبتُ منيِّ ومِن يُعَيْلِيَا ...
لمَّا رأتْنيِ خَلَقاً مُقْلَوْلِيَا
فقال: هذا بمنزلة قوله:
ولكنَّ عبد الله مولى مَوالِيَا
وكما قال:
سَمَاءُ الإلِه فوقَ سبعِ سَمَائِيَا
فجاء به على الأصل؛ وكما أنشدناه من نثق بعربيَّته:
(3/315)
ألم يأتيِكَ والأنبَاءُ تَنْمِي ... بمَا
لاقَتْ لَبونُ بي زياد
فجعله حين اضطرّ مجروماً من الأصل. وقال الكميت:
خَريعُ دَوَادِيَ في مَلْعبٍ ... تأزَّر طوَّراً وتُلْقيِ الإزارَا
اضطر فأخرجه كما قال: ضنينوا وسألته عن رجل يسمّى يغزو، فقال: رأيت
يغزى قبل، وهذا يغزٍ، وهذا يغزي زيدٍ، وقال: لا ينبغي له أن يكون في
قول يونس إلا يغزي، وثبات الواو خطأ، لأنه ليس في الأسماء واو قبلها
حرف مضموم، وإنما هذا بناءٌ اختصَّ به الأفعال، ألا ترى أنَّك تقول:
سرو الرجل ولا ترى في الأسماء فعل على هذا البناء. ألا ترى أنَّه قال:
أنا أدلو حين كان فعلاً، ثم قال: أدلٍ حين جعلها اسماً. فلا يستقيم أن
يكون الاسم إلا هكذا.
(3/316)
فإن قلت: أدعه في المعرفة على حاله
وأغيِّره في النكرة. فإن ذلك غير جائز، لأنك لم تر اسماً معروفاً أجري
هكذا.
قال الشاعر:
لا مَهْلَ حتَّى تَلْحَقِي بعَنْسِ ... أهل الريِّاط البيض والقلنسي
عنس: قيبلة. ولم يقل القلنسو.
ولا يبنون الاسم على بناءٍ إذا بلغ حال التنوين تغيَّر وكان خارجاً من
حد الأسماء، كما كرهوا أن يكون إي وفي، في السكوت وترك التنوين، على
حالٍ يخرج منه إذا وصل ونون فلا يكون على حدّ الأسماء، فقرّوا من هذا
كما فرُّوا من ذاك. ويكفيك من ذا قولهم: هذه أدلي زيدٍ.
فإن قلت: إنما أعرب في النكرة، فلم يغيِّر البناء. كذلك أيضاً لا يكون
في المعرفة على بناء يتغيَّر في النكرة.
وتقول في رجل سمَّيته بارمه: هذا إرمٍ قد جاء، وينون، في قول الخليل،
وهو القياس.
(3/317)
وتقول: رأيت إرمي قبل، يبين الياء، لأنها
صارت اسماً وخرجت من موضع الجزم، وصارت من موضعٍ يرتفع فيه وينجر
وينتصب.
وإذا سميت رجلا بعه قلت: هذا وعٍ قد جاء، صيَّرت آخره كآخر إرمه حين
جعلته اسماً. فإذا كان كذلك كان مختلاً؛ لأنَّه ليس اسم على مثال عٍ،
فتصيره بمنزلة الأسماء، وتلحقه حرفاً منه كان ذهب، ولا تقول: عيٌّ
فتلحقه بالأسماء بشيء ليس منه، كما وأنَّك لو حقَّرت شيةً وعدةً لم
تلحقه ببناء المحقَّر الذي أصل بنائه على ثلاثة أحرف بشيء ليس منه وتدع
ما هو منه، وذلك قولك: هذا وعٍ كما ترى.
ولو سمَّيت رجلاً لأعدت الهمزة والألف فقلت: هذا إرأ قد جاء، وتقديره:
إدعي، تلحقه بالأسماء بأن تضم إليه ما هو منه، كما تقول: وعيدةٌ
وشيَّةٌ ولا تقول: عديَّةٌ ولا وشيَّةٌ، لأنك لا تدع ما هو منه وتلحق
ما ليس منه.
ولا يجوز أن تقول: هذا عه، كما لم يجز ذلك في آخر إرمه.
(3/318)
وإن سمَّيت رجلاً قل أو خف أو بع أو أقم
قلت: هذا قولٌ قد جاء وهذا بيعٌ قد جاء، وهذا خافٌ قد جاء، وهذا أقيمٌ
قد جاء؛ لأنَّك قد حركت آخر حرفٍ وحوَّلت هذا الحرف من المكان وعن ذلك
المعنى، فإنّما حذقت هذه الحروف في حال الأمر لئَّلا ينجزم حرفان، فإذا
قلت: قولا أو خافا أو بيعا أو أقيموا، أظهرت للتحرك، فهو ههنا إذا صار
اسماً أجدر أن يظهر.
ولو سميت رجلا لم يرد أو لم يخف، لوجب عليك أن تحكيه؛ لأنَّ الحرف
العامل هو فيه، ولو لم تظهر هذه الحروف لقلت: هذا يريد وهذا يخاف.
وكذلك لو سمَّيته بتردد من قولك: إن تردد أردد، وإن تخف أخف لقلت: هذا
يخاف ويرد. ولو لم تقل ذا لم تقل في إرمه إرمي، ولتركت الياء محذوفة،
ولكنما أظهرتها في موضع التحرُّك، كما تظهرها إذا قلت: ارميا وهو يرمي.
وإذا سمَّيت رجلا باعضض قلت: هذا إعض كما ترى، لأنك إذا حرَّكت اللام
من المضاعف أدغمت، وليس اسمٌ من المضاعف تظهر عينه ولامه فإذا جعلت
إعضض اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب، وأدغمت كما تدغم أعضُّ إذا
أردت أنا أفعل؛ لأنّ آخره كآخره، ولو لم
(3/319)
تدغم ذا لما أدغمت إذا سميت بيعضض من قولك:
إن يعضض أعضض، ولا تعضض.
وإذا سميت رجلاً بألببٍ من قولك:
قد علمت ذاك بنات ألبب
تركته على حاله، لأن هذا اسم، جاء على الأصل، كما قالوا: رجاء ابن
حيوة، وكما قالوا: ضيون، فجاءوا به على الأصل. وربَّما جاءت العرب
بالشيء على الأصل ومجرى بابه في الكلام على غير ذلك.
باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد قال الخليل يوماً وسأل أصحابه: كيف
تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في لك والكاف التي في مالك،
والباء التي في ضرب؟ فقيل له: نقول: باء الكاف. فقال: إنما جئتم بالاسم
ولم تلفظوا بالحرف. وقال: أقول كه وبه. فقلنا: لم ألحقت الهاء، فقال:
رأيتهم قالوا: عه فألحقوا هاءاً حتى صيروها يستطاع الكلام بها، لأنَّه
لا يلفظ بحرف. فإن وصلت قلت: ك وب فاعلم يا فتى، كما قالوا: ع يا فتى.
فهذه طريقة كلِّ حرفٍ كان متحركاً، وقد يجوز أن يكون الألف هنا بمنزلة
الهاء، لقربها منها وشبهها بها، فتقول: با وكا، كما تقول: أنا.
(3/320)
وسمعت من العرب من يقول: ألاتا، بلى فا؛
فإنما أرادوا ألا تفعل وبلى فافعل، ولكنه قطع كما كان قاطعاً بالألف في
أنا، وشركت الألف الهاء كشركتها في قوله: أنا، بيّنَوها بالألف كبيانهم
بالهاء في هيه وهنَّه وبغلتيه. قال الراجز:
بالخَيْر خيراتٍ وإن شرافا ... ولا أريد الشرَّ إلاَّ أنْ تَا
يريد: إن شرَّا فشرٌّ، ولا يريد إلا أن تشاء.
ثم قال: كيف تلفظون بالحرف الساكن نحو ياء غلامي وباء اضرب ودال قد؟
فأجابوا بنحوٍ مما أجابوا في المرة الأولى فقال: أقول إب وإي وإد،
فألحق ألفاً موصولة. قال: كذاك أراهم صنعوا بالساكن، ألا تراهم قالوا:
ابنٌ واسمٌ حيث أسكنوا الباء والسين، وأنت لا تستطيع أن تكلَّم بساكنٍ
في أول اسم كما لا تصل إلى اللفظ بهذه السواكن، فألحقت ألفاً حتى وصلت
اللفظ بها، فكذلك تلحق هذه الألفات حتى تصل إلى اللفظ بها كما ألحقت
المسكَّن الأول في الاسم. وقال بعضهم: إذا سمَّيت رجلاً بالباء من ضرب
قلت: رب فأردُّ العين. فإن جعلت هذه المتحركة اسماً حذفت
(3/321)
الهاء كما حذفتها من عه حين جعلتها اسماً،
فإذا صارت اسماً صارت من بنات الثلاثة؛ لأنَّه ليس في الدنيا اسمٌ أقل
عدداً من اسمٍ على ثلاثة أحرف، ولكنَّهم قد يحذفون مما كان على ثلاثةٍ
حرفاً وهو الأصل له، ويردونه في التحقير والجمع؛ وذلك قولهم في ذمً:
دميٌ، وفي حرٍ: حريحٌ، وفي شفة: شفيهةٌ، وفي عدة: وعيدةٌ. فهذه الحروف
إذا صيرت اسماً صارت عندهم من بنات الثلاثة المحذوفة، وصارت من بنات
الياء والواو؛ لأنَّا رأينا أكثر بنات الحرفين التي أصلها الثلاثة أو
عامتها، من بنات الياء والواو، وإنَّما يجعلونها كالأكثر، فكأنهم إن
كان الحرف مكسوراً ضموا إليه ياءً لأنَّه عندهم له في الأصل حرفان، كما
كان لدمٍ في الأصل حرفٌ؛ فإذا ضممت إليه ياء صار بمنزلة في، فتضم إليه
ياءً أخرى تثقله بها حتىَّ يصير على مثال الأسماء. وكذلك فعلت بفي.
وإن كان الحرف مضموماً ألحقوا واواً ثم ضموا إليها واواً أخرى حتَّى
يصير على مثال الأسماء، كما فعلوا بذلك بلو وهو وأو. فكأنَّهم إذا كان
الحرف مضموماً صار عندهم من مضاعف الواو، كما صارت لو وأو وهو إذ كانت
فيهن الواوات من مضاعف الواو. وإن كان مكسوراً فهو عندهم من مضاعف
الياء كما كان ما فيه نحو في وكي من مضاعف الياء عندهم
(3/322)
وإن كان الحرف مفتوحاً ضموا إليه ألفاً ثم
ألحقوا ألفا أخرى حتَّى يكون على مثال الأسماء، فكأنَّهم أرادوا أن
يضاعفوا الألفات فيما كان مفتوحاً كما ضاعفوا الواوات والياءات فيما
مكسوراً أو مضموماً، كما صارت ما ولا ونحوهما إذ كانت فيهما ألفات مما
يضاعف.
فإن جعلت إي اسماً ثقلته بياء أخرى واكتفيت بها حتى يصير بمنزلة اسمٍ
وابنٍ.
فأما قاف وياء وزاي وباء وواو فإنَّما حكيت بها الحروف ولم ترد أن تلفظ
بالحروف كما حكيت بغاقٍ صوت الغراب، وبقب وقع السيف، وبطيخ الضحك،
وبنيت كلَّ واحد بناء الأسماء. وقب هو وقع السيف. وقد ثقَّل بعضهم وضم
ولم يسلم الصوت كما سمعه فكذلك حين حكيت الحروف حكيتها ببناء للأسماء
ولم تسلم الحروف كما لم تسلَّم الصوت. فهذا سبيل هذا الباب.
ولو سميت رجلاً بأب قلت: هذا إبٌ، وتقديره في الوصل: هذا آبٌ كما ترى،
تريد الباء وألف الوصل من قولك: اضرب. وكذلك كلَُ شىء
(3/323)
مثله لا تغيره عن حاله؛ لأنك تقول: إبٌ،
فيبقى حرفان سوى التنوين. فإذا كان الاسم ههنا في الابتداء هكذا لم
يختل عندهم أن تذهب ألفه في الوصل، وذلك أنَّ الحرف الذي يليه يقوم
مقام الألف. ألا تراهم يقولون: من آبٌ فلا يبقى إلا حرف واحد فلا يختل
ذا عندهم إذ كان كنونه حرف لا يلزمه في الابتداء وفي غير هذا الموضع
إذا تحرك ما قبل الهمزة في قولك ذهب آبٌ لك وكذلك إب، لا يختلُّ أن
يكون في الوصل على حرف إذا كان لا يلزمه ذلك في كل المواضع، ولولا ذلك
لم يجز؛ لأنَّه ليس في الدنيا اسمٌ يكون على حرفين أحدهما التنوين،
لأنَّه لا يستطاع أن يتكلم به في الوقف المبتدأ.
فإن قلت: يغيَّر في الوقف. فليس في كلامهم أن يغيروا بناءه في الوقف
عما كان عليه في الوصل، ومن ثمَّ تركوا أن يقولوا هذا في، كراهية أن
يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين فيوافق ما كان على حرف.
وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرفون بهما حرفٌ واحد كقد، وأن
ليست واحدةٌ منهما منفصلة من الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله:
أأريد، ولكن الألف كألف أيم في أيم الله، وهي موصولة كما أن ألف أيمٍ
موصولة، حدثنا بذلك يونس عن أبى عمرو، وهو رأيه.
والدليل على أن ألف أيمٍ ألف وصل قولهم: إيم الله، ثم يقولون:
(3/324)
ليم الله. وفتحوا ألف أيمٍ في الابتداء
شبهوها بألف أحمر لأنَّها زائدة مثلها. وقالوا في الاستفهام: آلرجل،
شبهوها أيضاً بألف أحمر، كراهية أن يكون كالخبر فيلتبس، فهذ1 قول
الخليل. وأيم الله كذلك، فقد يشبَّه الشيء بالشيء في موضع ويخالفه في
أكثر من ذلك، نحو: يا ابن عمَّ في النداء.
وقال الخليل: وممَّا يدل على أنَّ أل مفصولة من ألرَّجل ولم يبن عليها،
وأنَّ الألف واللام فيها بمنزلة قد، قول الشاعر:
دع ذا وعجَّل ذا وألحقنا بذل ... بالشَّحم إنّا قد مَلِلْناه بَجَلْ
قال: هي ههنا كقول الرجل وهو يتذكَّر: قدي، فيقول: قد فعل ولا يفعل مثل
هذا علمناه بشيءٍ مما كان من الحروف الموصولة.
ويقوا الرجل: ألي، ثم يتذكر، فقد سمعناهم يقولون ذلك، ولولا أنَّ الألف
واللام بمنزلة قد وسوف لكانتا بناءً بني عليه الاسم لا يفارقه،
ولكنَّهما جميعاً بمنزلة هل وقد وسوف، تدخلان لتعريف وتخرجان.
وإن سميت رجلاً بالضاد من ضرب قلت: ضاءٌ، وإن سميته بها من
(3/325)
ضراب قلت: ضىٌّ، وإن سميته بها من ضحى قلت:
ضوٌّ. وكذلك هذا الباب كله. وهذا قياس قول الخليل ومن خالفه رد الحرف
الذي يليه.
باب الحكاية التي لا تغيَّر فيها الأسماء عن حالها في الكلام وذلك قول
العرب في رجل يسمَّى تأبَّط شراً: هذا تأبَّط شراً وقالوا: هذا برق
نحره، ورأيت برق نحره. فهذا لا يتغير عن حاله التي كان عليها قبل أن
يكون اسماً.
وقالوا أيضاً في رجل اسمه ذرَّى حبَّا: هذا ذرَّى حباً. وقال الشاعر من
بني طهية:
إنّ لها مركَّناً إرزبَّا ... كأنّه جَبْهةُ ذرَّى حَبّا
فهذا كله يترك على حاله. فمن قال: أغيِّر هذا دخل عليه أن يسمَّى الرجل
ببيت شعرٍ، أو بله درهمان، فإن غيره عن حاله فقد ترك قول الناس وقال ما
لا يقوله أحد. وقال الشاعر:
كَذَبْتُمْ وبيتِ الله لا تَنْكِحْونَها ... بَنيِ شابَ قَرْنَاهَا
تصرُّ وتَحْلُبُ
وعلى هذا يقول: بدأت بالحمد لله رب العالمين. وقال الشاعر:
(3/326)
وجدْنا في كتابِ بني تميمٍ ... أحقُّ
الخيلِ بالرَّكض المُعارُ
وذلك لأنه حكى أحقُّ الخيل بالركض المعار فكذلك هذه الضروب إذا كانت
أسماءً. وكلُّ شيء عمل بعضه في بعض فهو على هذه الحال.
واعلم أن الاسم إذا كان محكياً لم يثن ولم يجمع، إلا أن تقول: كلهم
تأبَّط شرَّا، وكلاهما ذرَّى حباً، لم تغيِّره عن حاله قبل أن يكون
اسما. ولو تثنيت هذا أو جمعته لثنيت أحقُّ الخيل بالركض المعار إذا
رأيته في موضعين.
ولا تضيعه إلى شيء إلا أن تقول: هذا تأبَّط شرّاً صاحبك أو مملوكك. ولا
تحقره قبل أن يكون علماً. ولو سميت رجلاً زيدٌ أخوك لم تحقره.
فإن قلت: أقول زييد أخوك، كما أقول قبل قبل أن يكون اسماً. فإنَّك
إنَّما حقرت اسماً قد ثبت لرجل ليس بحكاية، وإنَّما حقرت اسماً على
حياله.
(3/327)
فإذا جعلا اسماً فليس واحدٌ به من صاحبه
ولم يجعل الأوَّل والآخر بمنزلة حضرموت، ولكن الاسم الآخر مبني على
الأول. ولو حقرتهما جميعاً لم يصيرا حكايةً، ولكان الأول اسماً تاماً.
وإذا جعلت هذا زيدٌ اسم رجل فهو يحتاج في الابتداء وغيره إلى ما يحتاج
إليه زيد، ويستغني كما يستغني. ولا يرخَّم المحكيُّ أيضاً ولا يضاف
بالياء؛ وبذلك لأنَّك لا تقول: هذا زيدٌ أخوكي ولا برق نحر هي، وهو
يضيف إلى نفسه، ولكنَّه يجوز أن يحذف فيقول: تأبَّطي وبرقي، فتحذف
وتعمل به عملك بالمضاف، حتى تصير الإضافة على شيء واحد لا يكون حكايةً
لو كان اسماً فمن لم يقل ذا فطول له الحديث فإنه يقبح جداً.
وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى خيراً منك، أو مأخوذاً بك، أو ضارباً
رجلاً، فقال: هو على حاله قبل أن يكون اسماً. وذلك أنَّك تقول: رأيت
خيراً منك، وهذا خيرٌ منك، ومررت بخيرٍ منك.
قلت: فإن سميت بشيءٍ منها امرأة؟ فقال: لا أدع التنوين، من قبل أن
خيراً ليس منتهى الاسم، ولا مأخوذاً، ولا ضارباً. ألا ترى أنك إذا قلت:
ضاربٌ رجلا أو مأخوذٌ بك وأنت تبتدئ الكلام احتجت ههنا إلى الخبر كما
احتجت إليه في قولك: زيدٌ، وضاربٌ ومنك بمنزلة شئ من الاسم، في أنَّه
لم يسند إلى مسند وصار كمال الاسم، كما أنَّ المضاف إليه
(3/328)
منتهى الاسم وكماله. ويدلك على أنَّ ذا
ينبغي له أن يكون منوناً قولهم: لا خيراً منه لك، ولا ضارباً رجلاً لك،
فإنَّما ذا حكاية، لأن خيراً منك كلمة على حدة، فلم يحذف التنوين منه
في موضع حذف التنوين من غيره، لأنَّه بمنزلة شئ من نفس الحرف، إذ لم
يكن في المنتهى. فعلى هذا المثال تجري هذه الأسماء. وهذا قول الخليل.
وإن سميت رجلا بعاقلةٍ لبيبةٍ أو عاقلٍ لبيبٍ، صرفته وأجريته مجراه قبل
أن يكون اسماً. وذلك قولك: رأيت عاقلةً لبيبةً يا هذا، ورأيت عاقلاً
لبيباً يا هذا. وكذلك في الجر والرفع منوَّن؛ لأنه ليس بشيء عمل بعضه
في بعض فلا ينوَّن، وينوَّن لأنك نونتنه نكرةً، وإنَّما حكيت.
فإن قلت: ما بالي إن سميته بعاقلة لم أنوِّن؟ فإنك إن أردت حكاية
النكرة جاز، ولكن َّ الوجه ترك الصرف. والوجه في ذلك الأول الحكاية وهو
القياس، لأنَّهما شيئان، ولأنَّهما ليس واحدٌ منهما الاسم دون صاحبه،
فإنما هي الحكاية وإنما ذا بمنزلة امرأةً بعد ضارب إذا قلت هذا ضاربٌ
امرأةً إذا أردت النكرة، وهذا ضاربٌ طلحة إذا أردت المعرفة.
وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى من زيدٍ وعن زيدٍ فقال: أقول: هذا
(3/329)
من زيدٍ، وعن زيدٍٍ. وقال أغيره في ذا
الموضع وأصيَّره بمنزلة الأسماء كما فعل ذلك به مفرداً يعني عن ومن ولو
سمّيته قط لقلت زيدٍ لقلت: هذا قط زيدٍ، ومررت بقط زيد، حتَّى تكون
بمنزلة حسبك، لأنَّك قد حولته وغيرته، وإنما عمله فيما بعده كعمل
الغلام إذا قلت: هذا غلام زيدٍ. ألا ترى أنَّ من زيدٍ لا يكون كلاماً
حتَّى يكون معتمداً علة غيره. وكذلك قط زيدٍ، كما أنَّ غلام زيدٍ لا
يكون كلاماً حتَّى يكون معه غيره. ولو حكيته مضافاً ولم أغيره لفعلت به
ذلك مقرداً، لأني رأيت المضاف لا يكون حكايةً كما لا يكون المفرد
حكايةً. ألا ترى أنَّك لو سميت رجلا وزن سبعة قلت: هذا وزن سبعة فتجعله
بمنزلة طلحة. والدَّليل على ذلك أنَّك لو سميت رجلا خمسة عشر زيدٍ
لقلت: هذا خمسة عشر زيدٍ، تغير كما تغير. أمس، لأنَّ المضاف من حد
التسمية.
قلت: فإن سمَّيته بفي زيدٍ لا تريد الفم؟ قال: أثقِّله فأقول: هذا فيُّ
زيدٍ كما ثقلَّته إذا جعلته اسماً لمؤنث لا ينصرف. ولا يشبه ذا فاعبد
الله، لأن ذا إنما احتمل عندهم في الإضافة حيث شبهوا آخره بآخر أبٍ،
يعني الفم مضافاً، وصار حرف الإعراب غير محرك فيه إذ كان مفرداً على
غير حاله في الإضافة. فأما في فليست هذه حاله، وياؤه تحرك في النصب.
وليس شيءٌ يتحرك حرف إعرابه في الإضافة ويكون على بناءٍ إلا لزمه ذلك
في الانفراد. وكرهوا أن يكون على حالٍ إن نون كان مختلاً عندهم.
(3/330)
ولو سميته طلحة وزيداً، أو عبد الله زيداً،
وناديت نصبت ونونت الآخر ونصبته، لأن الأول في موضع نصب وتنوين.
واعلم أنك لا تثَّني هذه الأسماء، ولا تحقرها، ولا ترخمها، ولا تضيفها
ولا تجمعها. والإضافة إليها كالإضافة إلى تأبَّط شرَّا؛ لأنَّها
حكايات.
وسألت الخليل عن إنَّما وأنَّما وكأنَّما وحيثما وإمَّا في، قولك:
إمَّا أن تفعل وإما أن لا تفعل، فقال: هن حكايات، لأنَّ ما هذه لم تجعل
بمنزلة موت في حضرموت. ألا ترى أنها لم تغيِّر حيث عن أن يكون فيها
اللغتان: الضمُّ ولافتح. وإنّما تدخل لمنع أن من النصب، ولتدخل حيث في
الجزاء، فجاءت مغيِّرة، ولم تجيء كموت في حضر ولا لغواً.
والدَّليل على أن ما مضمومة إلى إن قول الشاعر:
(3/331)
لقد كذبتك نفسك فاكذبنها ... فإن جزعا وإن
إجْمالَ صَبْرِ
وإنَّما يريدون إمَّا. وهي بمنزلة ما مع أن في قولك: أمَّا أنت منطلقاً
انطلقت معك.
وكان يقول: إلاَّ التي للاستثناء بمنزلة دفلى، وكذلك حتَّى. وأما إلاِّ
وإما في الجزاء فحكاية. وأما التي في قولك: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ فلا
تكون حكايةً، وهي بمنزلة شروى. وكان يقول: أمَّا التي في الاستفهام
حكاية، وألا التي في الاستفهام حكاية. وأما قولك: ألا إنه ظريف، وأما
إنه ظريف، فبمنزلة قفاً ورحى ونحو ذلك. ولعلّ حكاية؛ لأنَّ اللام ها
هنا زائدة، بمنزلتها في لأفعلن. ألا ترى أنك تقول: علَّك. وكذلك كأنَّ،
لأنَّ الكاف دخلت للتشبيه. ومثل ذلك كذا وكأي، وكذلك: ذلك، لأنَّ هذه
الكاف لحقت للمخاطبة، وكذلك أنت التاء بمنزلة الكاف.
وقال: ولو سميت رجلاً: هذا، أو هؤلاء، تركته على حاله، لأنِّي إذا تركت
هاء التنبيه على حالها فإنما أريد الحكاية، فمجراها ها هنا مجراها قبل
أن تكون اسماً.
وأما هلَّم فزعم أنَّها حكاية في اللغتين جميعاً، كأنَّها لمَّ أدخلت
عليها الهاء، كما أدخلت ها على ذا؛ لأنِّي لم أر فعلاً قط بني على ذا
ولا اسماً ولا شيئاً يوضع موضع الفعل وليس من الفعل. وقول بني تميم:
هلممن يقوّي ذا، كأنَّك
(3/332)
قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. قال: وكذلك
لوما ولولا. وسمعت من العرب من يقول: لا من أين يا فتى، حكى ولم يجعلها
اسماً.
ولو سميت رجلاً بو زيدٍ، أو وزيداً، أو زيد، فلا بدَّ لك من أن تجعله
نصباً أو رفعا أو جرّا تقول: مررت بوزيداً، ورأيت وزيداً وهذا زيداً.
كذلك الرفع والجر، لأنَّ هذا لا يكون إلا تابعا.
وقال: زيدٌ الطَّويل حكايةٌ، بمنزلة زيدٌ منطلقٌ، وهو اسم امرأة
بمنزلته قبل ذلك، لأنهما شيئان، كعاقلةٍ لبيبةٍ. وهو النداء على الأصل،
تقول: يا زيد الطويل. وإن جعلت الطويل صفةً صرفته بالإعراب، وإن دعوته
قلت: يا زيداً الطويل. وإن سميته زيداً وعمراً، أو طلحة عمر لم
تغيِّره. ولو سميت رجلا أولاء قلت: هذا أولاءٌ. وإذا سميت رجلاً: الذي
رأيته والذي رأيت، لم تغيَّره عن حاله قبل أن يكون اسماً؛ لأن الذي ليس
منتهى الاسم، وإنَّما منتهى الاسم الوصل؛ فهذا لا يتغير عن حاله كما لم
يتغير ضاربٌ أبوه اسم امرأة عن حاله، فلا يتغير الذي كما لم يتغير
وصله. ولا يجوز لك أن تناديه كما لا يجوز لك أن تنادي الضارب أبوه إذا
كان اسماً، لأنَّه بمنزلة اسمٍ واحد فيه الألف واللام. ولو سمّيته
الرجل المنطلق جاز أن تناديه فتقول يا الرجل منطلقٌ لأنك سميته بشيئين
كلُّ واحدٍ منهما اسمٌ تامٌ.
والذي مع صلته بمنزلة اسم واحد نحو الحارث، فال يجوز فيه النداء كما لا
يجوز فيه قبل أن يكون اسماً. وأما الرَّجل منطلقٌ فبمنزلة تأبَّط شراً،
لأنَّه لا يتغير عن حاله، لأنه قد عمل بعضه في بعض. ولو سميته الرجل
والرجلان لم يجز فيه النداء، لأنَّ ذا يجري مجراه قبل أن يكون اسماً في
الجر والنصب والرفع.
(3/333)
ولا يجوز أن تقول: يا أيُّها الذي رأيت؛
لأنه اسمٌ غالب كما لا يجوز يا أيُّها النَّضر وأنت تريد الاسم الغالب.
وإذا ناديته والاسم زيدٌ وعمروٌ، قلت: يا زيداً وعمراً؛ لأن الاسم قد
طال ولم يكن الأوّل المنّهى ويشرك الآخر، وإنَّما هذا بمنزلته إذا كان
اسمه مضافاً.
وإن ناديته واسمه طلحة وحمزة نصبت بغير تنوين كنصب زيد وعمرو، وتنون
زيداً وعمراً وتجريه على الأصل. وكذلك هذا وأشباهه يردُّ إذا طال على
الأصل، كما رد ضارباً رجلاً.
وأما كزيدٍ وبزيدٍ فحكايات، لأنَّك لو أفردت الباء والكاف غيَّرتها ولم
تثبت كما ثبتت من.
وإن سميت رجلا عمَّ فأردت أن تحكي في الاستفهام، تركته على حاله كما
تدع أزيد وأزيدٌ، إذا أردت النداء.
وإن أردت أن تجعله اسماً قلت: عن ماءٍ لأنَّك جعلته اسماً وتمد ماءٍ
كما تركت تنوين سبعة؛ لأنَّك تريد أن تجعله اسماً مفردا أضيف هذا إليه
بمنزلة قولك: عن زيد. وهن ههنا مثلها مفردةً؛ لأن المضاف في هذا بمنزلة
الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية؛ كم أن الألف واللام لا تجعلان
الاسم حكاية؛ وإنما هو داخلٌ في الاسم وبدلٌ من التنوين، فكأنه الألف
واللام.
(3/334)
هذا باب الإضافة،
وهو باب النسبة
اعلم أنَّك إذا أضفت رجلاً إلى رجل فجعلته من آل ذلك الرجل، ألحقت ياءي
الإضافة.
فإن أضفته إلى بلد فجعلته من أهله، ألحقت ياءي الإضافة؛ وكذلك إن أضفت
سائر الأسماء إلى البلاد، أو إلى حيٍّ أو قبيلةٍ.
واعلم أن ياءي الإضافة إذا لحقتا الأسماء فإنَّهم مما يغيرونه عن حاله
قبل أن تلحق ياءي الإضافة. وإنَّما حملهم على ذلك تغييرهم آخر الاسم
ومنتها، فشجعهم على تغييره إذا أحدثوا فيه ما لم يكن.
فمنه ما يجيء على غير قياس، ومنه ما يعدل وهو القياس الجاري في كلامهم
وستراه إن شار الله.
قال الخليل: كلُّ شيء من ذلك عدلته العرب تركته على ما عدلته عليه، وما
جاء تاماً لم تحدث العرب فيه شيئاً فهو على القياس.
فمن المعدول الذي هو على غير قياس قولهم في هذيلٍ: وفي فقيم كنانة:
فقميٌّ، وفي مليح خزاعة: ملحيٌّ، وفي ثقيفٍ: ثقفيٌّ، وفي زبينة:
(3/335)
زبانيٌّ، وفي طّيءٍ: طائيٌّ، وفي العالية:
علويٌّ، والبادية بدويٌّ، وفي البصرة: بصريٌّ، وفي السَّهل سهليٌّ، وفي
الدَّهر: دهريٌّ، وفي حيٍّ من بني عديٍ يقال لهم بنو عبيدة: عبديٌّ
فضموا العين وفتحوا الباء فقالوا عبديٌّ؟ وحدَّثنا من نثق به أنَّ
بعضهم يقول في بني جذيمة جذميٌّ، فيضم الجيم ويجريه مجرى عبديٌّ.
وقالوا في بني الحبلى من الأنصار: حبليٌّ، وقالوا في صنعاء: صنعائيٌّ،
وفي شتاء: شتويٌّ، وفي بهراء قبيلة من قبيلة قضاعة: بهرانيٌّ، وفي
دستواء: دستوانيٌّ مثل بحرانيٍّ.
وزعم الخليل أنَّهم بنوا البحر على فعلان، وإنَّما كان للقياس أن
يقولوا: بحريٌّ.
وقالوا في الأفق: أفقيٌّ، ومن العرب من يقول: أفقيٌّ فهو على القياس.
وقالوا في حروراء، وهو موضع: حروريٌّ، وفي جلولاء: جلوليٌّ، كما قالوا
في خراسان: خرسيٌّ، وخراسانيٌّ أكثر، وخراسيٌّ لغةٌ.
وقال بعضهم: إبل حمضيةٌ إذا أكلت الحمض، وحمضية أجود. وقد يقال: بعيرٌ
حامضٌ وعاضةٌ إذا أكل العضاه، وهو ضربٌ من الشجر. وحمضيةٌ أجود وأكثر
وأقيس في كلامهم.
وقال بعضهم: خرفيَّ، أضاف إلى الخريف وحذف الياء. والخرفيٌّ في كلامهم
أكثر من الخريفي إما أضافه إلى الخرف، وإما بني الخريف على فعلٍ.
وقالوا: إبلٌ طلاحيةٌ، إذا أكلت الطَّلح. وقالوا في عضاهٍ: عضاهيٌّ في
قول من جعل الواحدة عضاهة مثل قتادةٍ وقتادٍ. والعضاهة بكسر العين،
(3/336)
على القياس. فأما من جعل جميع العضة عضوات،
وجعل الذي ذهب الواو فإنَّه يقول: عضويٌّ. وأما من جعله بمنزلة المياه
وجعل الواحدة عضاهةً فإنه يقول عضاهيٌّ.
وسمعنا من العرب من يقول: أمويٌّ. فهذه الفتحة كالضمة في السَّهل إذا
قالوا سهليٌّ.
وقالوا: روحانيٌّ في الروَّحاء، ومنهم من يقول: روحاويٌّ كما قال بعضهم
بهراويٌّ، حدثنا بذلك يونس. وروحاويٌّ أكثر من بهراويٌ.
وقالوا: في القفا: قفيٌّ، وفي طهية: طهويٌّ، وقال بعضهم طهويٌّ على
القياس، كما قال الشاعر:
بكلِّ قريشيٍّ إذا ما لَقِيتُه ... سريعٍ إلى داعِي النَّدى والتكرُّم
ومما جاء محدوداً عن بنائه محذوفة منه إحدى الياءين ياءي الإضافة قولك
في الشَّأم: شآم، وفي تهامة: تهامٍ، ومن كسر التاء قال: تهاميٌّ، وفي
اليمن يمانٍ.
وزعم الخليل أنهم ألحقوا هذه الألفات عوضاً من ذهاب إحدى الياءين،
وكأنَّ الذين حذفوا الياء من ثقيفٍ وأشباهه جعلوا الياءين عوضاً منها.
فقلت: أرأيت تهامة، أليس فيها الألف؟ فقال: إنَّهم كسَّروا الاسم على
(3/337)
أن يجعلوه فعلياً أو فعلياً، فلمَّا كان من
شأنهم أن يحذفوا إحدى الياءين ردوا الألف، كأنَّهم بنوه تهميٌّ أو
تهميٌّ، وكأنَّ الذين قالوا: تهامٍ، هذا البناء كان عندهم في الأصل،
وفتحتهم التاء في تهامة حيث قالوا: تهامٍ يدٌّلك على أنَّهم لم يدعوا
على بنائه.
ومنهم من يقول: تهاميٌّ ويمانيٌّ وشآميٌّ، فهذا كبحراني وأشباهه مما
غيَّر بناؤه في الإضافة. وإن شئت قلت: يمنيٌّ.
وزعم أبو الخطَّاب أنه سمع من العرب من يقول في الإضافة إلى الملائكة
والجن جميعاً روحانيٌّ، وللجميع: رأيت روحانيِّين.
وزعم أبو الخطاب، أن العرب تقوله لكل شيء فيه الرُّوح من الناس
والدوابّ والجن.
وجميع وزعم أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقول شآمي هذا إذا صار
اسماً في غير هذا الموضع فأضفت إليه جرى على القياس، كما يجري تحقير
ليلة ونحوهما إذا حوّلتَّهما فجعلتها اسماً علما.
وإذا سمّيت رجلاص زبينة لم تقل: زبانيٌّ، أو دهراً لم تقل: دهريٌّ،
ولكن تقول في الإضافة إليه: زبنيٌّ، ودهريٌّ.
(3/338)
باب ما حذف الياء
والواو فيه القياس
وذلك قولك في ربيعة: ربعيٌّ، وفي حنيفة: حنفيٌّ، وفي جذيمة: جذميٌّ،
وفي جهينة: جهنيٌّ، وفي قتيبة: قتبيٌّ، وفي شنوءة: شنىءٌّ وتقديرها:
شنوعة وشنعيٌّ؛ وذلك لأن هذه الحروف قد يحذفونها من الأسماء لما أحدثوا
في آخرها لتغييرهم منتهى الاسم، فلما اجتمع في آخر الاسم تغييره وحذف
لازم لزمه حذف هذه الحروف؛ إذ كان من كلامهم أن يحذف لأمرٍ واحد، فكلما
ازداد التغيير كان الحذف ألزم، إذ كان من كلامهم أن يحذفوا لتغييرٍ
واحد.
وهذا شبيهٌ بإلزامهم الحذف هاء طلحة، لأنَّهم قد يحذفون ممَّا لا
يتغيَّر، فلمَّا كان هذا متغيَّراً في الوصل كان الحذف له ألزم.
وقد تركوا التغيير في مثل حنيفة، ولكنه شاذٌّ قليل، قد قالوا في سليمة:
سليميٌّ، وفي عميرة كلبٍ: عميريٌّ. وقال يونس: هذا قليلٌ خبيث. وقالوا
في خريبة: خريبيٌّ. وقالوا سليقيٌّ للرجل يكون من أهل السليقة.
وسألته عن شديدةٍ فقال: لا أحذف، لاستثقالهم التضعيف، وكأنَّهم
تنكَّبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف.
قلت: فكيف تقول في بني طويلة؟ فقال: لا أحذف، لكراهيتهم تحريك هذه
الواو في فعل، ألا ترى أنَّ فعل من هذا الباب العين فيه ساكنة والألف
مبدلةٌ، فيكره هذا كما يكره التضعيف، وذلك قولهم في بني حويزة:
حويزيٌّ.
(3/339)
باب الإضافة إلى اسم
كان على أربعة أحرف فصاعداً إذا كان آخره ياءً ما قبلها حرفٌ منكسر
فإذا كان الاسم في هذه الصفة أذهبت الياء إذا جئت بياءي الإضافة،
لأنَّه لا يلتقي حرفان ساكنان. ولا تحرَّك الياء إذا كانت في هذه الصفة
لم تنكسر ولم تنجر، ولا تجد الحرف الذي قبل ياء الإضافة إلا مكسوراً.
فمن ذلك قولهم في رجل من بني ناجية: ناجيٌّ، وفي أدلٍ: أدليٌّ، وفي
صحارٍ: صحاريٌّ، وفي ثمانٍ: ثمانيٌّ، وفي رجل اسمه يمان: يمانيٌّ.
وإنَّما ثقلَّت لأنك لو أضفت إلى رجل اسمه بخاتيٌّ يمنيٌ أو هجريٌ
أحدثت ياءين سواهما وحذفتهما. والدليل على ذلك أنك لو أضفت إلى رجل
اسمه بخاتي لقلت بخاتيٌ كما ترى.
ولو كنت لا تحذف الياءين اللتين في الاسم قبل الإضافة لم تصرف بخاتيٌّ
ولكنهما ياءان تحدثان وتحذف الياءان اللتان كانتا في الاسم قبل
الإضافة.
وتقول إذا أضفت إلى رجل اسمه يرمي: يرميٌّ كما ترى.
وإذا أضفت إلى عرقوةٍ قلت: عرقيٌّ.
وقال الخليل: من قال في يثرب: يثربيٌّ، وفي تغلب تغلبيٌّ ففتح مغيِّراً
(3/340)
فإنه غيَّر مثل يرمي على ذا الحد قال:
يرمويٌّ، كأنه أضاف إلى يرمي. ونظير ذلك قول الشاعر:
فكييف لنا باشُّرب إنْ لم تكن لنا ... دَوانِيقُ عند الحانويِّ ولا
نَقْدُ
والوجه الحانيُّ، كما قال علقمة بن عبدة:
كأسُ عَزيزِ مِنَ الأعْنابِ عتَّقها ... لبعضِ أَرْبابِها حانِيّةٌ
حُومُ
لأنَّه إنَّما أضاف إلى مثل: ناجية، وقاض.
وقال الخليل: الذين قالوا: تغلبيٌّ ففتحوا مغيِّرين كما غيَّروا حين
قالوا سهليٌّ وبصريٌّ في بصري، ولو كان ذا لازماً كانوا سيقولون في
يشكر:
(3/341)
يشكريٌّ، وفي جلهم: جلهميٌّ. وأن لا يلزم
الفتح دليلٌ على أنَّه تغيير كالتغيير الذي يدخل في الإضافة ولا يلزم؛
وهذا قول يونس.
باب الإضافة إلى كل شيءٍ من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات
لاماتهنَّ، إذا كان على ثلاثة أحرف وكان منقوصاً للفتحة قبل اللام تقول
في هدىً: هدويُّ، وفي رجل اسمه حصىً: حصويٌّ، وفي رجل اسمه رحى:
رحويٌّ. وإنما منعهم من الياء إذا كانت مبدلة استثقالاً لإظهارها أنهم
لم يكونوا ليظهروها إلى ما يستخفُّون، إنما كانوا يظهرونها إلى توالي
الياءات والحركات وكسرتها، فيصير قريبا من أميٍّ؛ فلم يكونوا ليردُّوا
الياء إلى ما يستثقلون إذ كانت معتلَّة مبدلة فراراً ممّا يستثقلون قبل
أن يضاف الاسم، فكرهوا أن يردُّوا حرفا قد استثقلوه قبل أن يضيفوا إلى
الاسم في الإضافة، إذ كان ردُّه إلى بناء هو أثقل منه في الياءات
وتوالي الحركات؛ وكسرة اليا، وتوالي الياءات مما يثقله، لأنَّا رأيناهم
غيَّروا للكسرتين والياءين الاسم استثقالاً، فلما كانت الياءان والكسرة
والياء فيما توالت حركاته ازدادوا استثقالا. وستراه إن شاء الله.
وإذا كانت الياء ثالثة، وكان الحرف قبل الياء مكسورا، فإن الإضافة إلى
ذلك الاسم تصيره كالمضاف إليه في الباب الذي فوقه، وذلك
(3/342)
قولهم في عمٍ: عمويٌّ، وفي ردٍ: ردويٌّ.
وقالوا كلهم في الشجَّي: شجويٌّ، وذلك لأنَّهم رأوا فعل بمنزلة رأوا
فعل بمنزلة فعل في غير المعتل، كراهية للكسرتين مع الياءين ومع توالي
الحركات، فأقروا الياء وأبدلوا، وصيروا الاسم إلى فعلٍ، لأنَّها لم تكن
لتثبت ولا تبدل مع الكسرة، وأرادوا أن يجري مجرى نظيره من غير المعتل،
فلما وجدوا الباب والقياس في فعلٍ أن يكون بمنزلة فعلٍ أقرُّوا الياء
على حالها وأبدلوا، إذ وجدوا فعل قد اتلأبَّ لأن يكون بمنزل فعلٍ.
وما جاء من فعلٍ بمنزلة فعلٍ قولهم في النَّمر: نمريٌّ، وفي الحبطات
حبطيٌّ، وفي شقرة: شقريٌّ، وفي سلمة: سلمىٌّ. وكأنَّ الذين قالوا:
تغلبيٌّ أرادوا أن يجعلوه بمنزلة تفعل، كما جعلوا فعل كفعلٍ للكسرتين
مع الياءين، إلاَّ أنَّ ذا ليس بالقياس اللازم، وإنما هو تغيير؛ لأنَّه
ليس توالي ثلاث حركات. والذين قالوا: حانويٌّ شبهوه بعمويٍ.
وإن أضفت إلى فعلٍ لم تغيره، لأنها إنما هي كسرة واحدة، كلُّهم يقولون:
سمريٌّ. والدٌّئل بمنزلة النَّمر، تقول: دؤليٌّ. وكذلك سمعناه من يونس
وعيسى.
وقد سمعنا بعضهم يقول في الصَّعق: صعقيَّ، يدعه على حاله وكسر الصاد،
لأنَّه يقول: صعقٌ، والوجه الجيد فيه: صعقيٌّ، وصعقيٌّ جيد.
فإن أضفت إلى علبطٍ قلت: علبطيٌّ، وإلى جندلٍ قلت: جندليٌّ لأنَّ
(3/343)
ذا ليس كالنَّمر ليس فيه إلا حرفاً واحدا
وهو النون وحدها، فلما كثر فيه الكسر والياءات ثقل، فلذلك غيَّروه إلى
الفتح.
باب لإضافة إلى فعيل وفعيل من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات
لاماتهن، وما كان في اللفظ بمنزلتهما وذلك في قولك في عديٍ: وفي غنيٍ:
غنويٌّ، وفي قصيٍّ: قصويٌّ وفي أميَّة: أمويٌّ. وذلك أنهم كرهوا أن
توالى في الاسم أربع ياءات، فحذفوا الياء الزائدة التي حذفوها من سليم
وثقيف حيث استثقلوا هذه الياءات، فأبدلوا الواو من الياء التي تكون
منقوصة، لأنَّك إذا حذفت الزائدة فإنَّما تبقى التي تصير ألفا، كأنه
أضاف إلى فعلٍ أو فعلٍ.
وزعم يونس أنّ أناساً من العرب يقولون: أميِّيٌّ، فلا يغيِّرون لمَّا
صار
(3/344)
إعرابها كإعراب ما لا يعتل، شبهوه به كما
قالوا طيَّئيٌّ. وأما عديِّيٌّ فيقال وهذا أثقلن لأنه صارت مع الياءات
كسرةٌ.
وسألته عن الإضافة إلى حيةٍ فقال: حيويٌّ، كراهية أن تجتمع الياءات.
والدليل على ذلك قول العرب في حية بن بهدلة: حيويٌّ، وحركت الياء
لأنَّه لا تكون الواو ثابتةً وقبلها ياء ساكنة. فإن أضفت إلى ليةٍ قلت:
لوويٌّ؛ لأنَّك احتجت إلى أن تحرك هذه الياء كما احتجت إلى تحريك ياء
حيّةٍ. فلما حركتها رددتها إلى الأصل كما تردُّها إذا حركتها في
التصغير. ومن قال: أميِّيٌّ قال: حييٌّ.
وكان أبو عمرو يقول: حييٌّ وليِّيٌّ. وليّةٌّ من لويت يده ليةً.
وسألته عن الإضافة إلى عدوَ فقال: عدوّيٌّ. وإلى كوّةٍ فقال: كوّيٌّ،
وقال: لا أغيره لأنه لم تجتمع الياءات، وإنَّما أبدل إذا كثرت الياءات
فأفرُّ إلى الواو فإذا قدرت على الواو ولم أبلغ من الياءات غاية
الاستثقال لم أغيَّره، ألا تراهم قالوا في الإضافة إلى مرمىٍ مرميٌّ،
فجعله بمنزلة البختي إذ كان آخره كآخره في الياءات والكسرة. وقالوا في
مغزوٍّ: مغزوّيٌّ؛ لأنَّه لم تجتمع الياءات. فكذلك كوةٌ وعدوٌّ. وحيّةٌ
قد اجتمعت فيه الياءات. فإن أضفت إلى عدوّةٍ قلت: عدويٌّ من أجل الهاء،
كما قلت في شنوءة: شنئىٌّ.
(3/345)
وسألته عن الإضافة إلى تحيَّةٍ فقال:
تحويٌّ، وتحذف أشبه ما فيها بالمحذوف من عديٍ وهو الياء الأولى، وكذلك
كلُّ شيء كان في آخره هكذا.
وتقول في الإضافة إلى قسيٍ وثديٍ: ثدويٌّ وقسويٌّ؛ لأنَّها فعول
فتردُّها إلى أصل البناء، وإنما كسر القاف والثاء قبل الإضافة لكسرة ما
بعدهما وهو السين والدال، فإذا ذهبت العلَّةُ صارتا على الأصل. تقول في
الإضافة إلى عدوٍ: عدويٌّ، وإلى عدوةٍ: عدويٌّ، وإلى مرمّىٍ: مرميٌّ
تحذف اليائين وتثبت ياءي الإضافة. وإلى مرميةً مرميٌّ، تحذف اليائين
الأوليين. ومن قال: حانويٌّ قال: مرمويٌّ.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ياءً
وكان الحرف الذي قبل الياء ساكنا، وما كان آخره واواً وكان الحرف الذي
قبل الواو ساكنا وذلك نحو ظبيٍ ورميٍ وغزوٍ ونحوٍ، تقول، ظبييٌّ
ورمييٌّ وغزويٌّ ونحويٌّ، ولا تغيّر الياء والواو في هذا الباب؛ أنه
حرف جرى مجرى غير المعتل. تقول: غزوٌ فلا تغيِّر الواو كما تغير في
غدٍ. وكذلك الإضافة إلى نحيٍ وإلى العري.
فإذا كانت هاء التأنيث بعد هذه الياءات فإنَّ فيه اختلافاً: فمن الناس
من يقول في رمية: رمييٌّ وفي ظبيةٌّ، وفي دميةٍ: دمييٌّ، وفي فتيةٍ:
فتييٌّ، وهو القياس، من قبل أنَّك تقول رميٌّ ونحيٌّ فتجريه مجرى ما لا
يعتل نحو درع وترس ومتن، فلا يخالف هذا النحو، كأنَّك أضفت إلى شيء ليس
فيه ياء.
(3/346)
فإذا جعلت هذه الأشياء بمنزلة ما لا ياء
فيه فأجره في الهاء مجراه وليست فيه هاء، لأنَّ القياس أن يكون هذا
النحو من غير المعتل في الهاء بمنزلته إذا لم تكن فيه الهاء، ولا ينبغي
أن يكون أبعد من أمييٍّ، فإذا جاز في اميَّة أمييٌّ، فهو أن يجوز في
رمييٍّ أجدر، لأنَّ قياس أميَّة وأشباهها التغيير. فهذا الباب يجرونه
مجرى غير المعتل.
وحدثنا يونس أنَّ أبا عمروٍ وكان يقول في ظبيةٍ: ظبييٌّ. ولا ينبغي أن
يكون في القياس إلاَّ هذا إذ جاز في أمية وهي معتلة، وهي أثقل من
رمييٍ: وأما يونس فكلن يقول في ظبيةٍ: ظبويٌّ، وفي دميةٍ: دمويٍ، وفي
فتيةٍ: فتويٍ. فقال الخليل: كأنهم شبَّهوها حيث دخلتها الهاء بفعلةٍ؛
لأنَّ اللَّفظ بفعلةٍ إذا أسكنت العين وفعلةٍ من بنات الواو سواء.
يقول: لو بينت فعلةً من بنات الواو لصارت ياءً، لو أسكنت العين على ذلك
المعنى لثبتت ياءً ولم ترجع إلى الواو، فلمَّا رأوها آخرها يشبه آخرها
جعلوا إضافتها كإضافتها، وجعلوا دميةً كفعلةٍ، وجعلوا فتيةً بمنزلة
فعلةٍ.
هذا قول الخليل: وزعم أنَّ الأول أقيسهما وأعربهما. ومثل هذا قولهم في
حي من العرب يقال لهم: بنو زنية: زنويٌّ، وفي البطية: بطويٌّ.
(3/347)
وقال: لا أقول في غزوةٍ إلاَّ غزويٌّ،
لأنَّ ذا لا يشبه آخره آخر فعلة إذا أسكنت عينها. ولا تقول في غدوةٍ
إلا غدويٌّ لأنه لا يشبه فعلةً ولا فعلةً، ولا يكون فعلةٌ ولا فعلةٌ من
بنات الواو هكذا.
ولا تقول في عروةٍ إلا عرويٌّ لأن فعلةً من بنات الواو إذا كانت واحدةً
فعلٍ لم تكن هكذا وإنما تكون ياءً، ولو كانت فعلة ليست على فعلٍ كما أن
بسرةً على بسرٍ لكان الحرف الذي قبل الواو يلزمه التحريك، ولم يشبه
عروةً، وكنت إذا أضفت إليه جعلت مكان الواو ياءً كما فعلت ذلك بعرقوةٍ،
ثم يكون في الإضافة بمنزلة فعلٍ.
وإن أسكنت ما قبل الواو في فعلةٍ من بنات الواو التي ليست واحدة فعلٍ
فحذفت الهاء لم تغيَّر الواو، لأنَّ ما قبلها ساكن. ويقوَّي أنَّ
الواوات لا تغيَّر قولهم في بني جروة، وهم حي من العرب: حرويٌّ.
وأما يونس فجعل بنات الياء في ذا وبنات الواو سواءُ، ويقول في عروةٍ:
عرويٌّ. وقولنا: عرويٌّ.
هذا باب الإضافة إلى كل شيء لامه ياءٌ أو واو وقبلها ألف ساكنة غير
مهموزة وذلك نحو سقايةٍ وصلابةٍ ونفايةٍ وشقاوةٍ وغباوةٍ. تقول في
الإضافة
(3/348)
إلى سقاية: سقائيٌّ، وفي صلاية: صلائيٌّ،
وإلى نفاية: نفائيٌّ، كأنَّك أضفت إلى سقاء وإلى صلاءٍ، لأنَّك حذفت
الهاء، ولم تكن الياء لتثبت بعد الألف فأبدلت الهمزة مكانها، لأنَّك
أردت أن تدخل ياء الإضافة على فعالٍ أو فعالٍ أو فعالٍ.
وإن أضفت إلى شقاوة وغباوة وعلاوةٍ قلت: شقاويٌّ وغباويٌّ وعلاويٌّ؛
لأنَّهم قد يبدلون مكان الهمزة الواو لثقلها، ولأنَّها مع الألف
مشبَّهة بآخر حمراء حين تقول: حمراويٌّ وحمراوان. فإن خففت الهمزة فقد
اجتمع فيها لأنَّها تستثقل وهي مع ما شبهها وهي الألف، وهي في موضع
اعتلال وآخره كآخره حمراء. فإن خفّفت الهنزة اجتمعت حروف مشابهة كأنها
ياءات، وذلك قولك في كساء: كساوان، ورداء: رداوان، وعلباء: علباوان.
وقالوا في غداء: غداويٌّ، وفي رداء: رداويٌّ، فلما كان من كلامهم
قياساُ مستمراً أن يبدلوا الواو مكان هذه الهمزة في هذه الأسماء
استثقالاً لها، صارت الواو إذا كانت في الاسم أولى؛ لأنَّهم قد
يبدلونها وليست في الاسم فراراً إليها، فإذا قدروا عليها في الاسم لم
يخرجوها، ولا يفرُّون إلى الياء لأنَّهم لو فعلوا ذلك صاروا إلى نحو ما
كانوا فيه؛ لأنَّ الياء تشبه الألف فيصير بمنزلة ما اجتمع فيه أربع
ياءات؛ لأنَّ فيها حينئذٍ ثلاث ياءات، والألف شبيهة بالياء فتضارع
أمييٌّ؛ فكرهوا أن يفروا إلى ما هو أثقل ممَّا هم فيه، فكرهوا الياء
كما كرهوا في حصىً ورحىً. قال الشاعر، وهو جرير، في بنات الواو:
(3/349)
إذا هَبَطْنَ سَماوِياً مَوارِدُهُ ... من
نحو دَومْةِ خبث قلَّ تعريسى
وياء درحاية بمنزلة الياء التي من نفس الحرف، ولو كان مكانها واو كانت
بمنزلة الواو التي من نفس الحرف؛ لأنَّ هذه الواو والياء يجريان مجرى
ما هو نفس الحرف، مثل السَّماوي والطَّفاوي.
وسألته عن الإضافة إلى رايةٍ وطايةٍ وثايةٍ وآيةٍ ونحو ذلك، فقال: أقول
رائيٌّ وطائيٌّ وثائيٌّ وآئيٌّ. وإنَّما همز والاجتماع الياءات مع
الألف، والألف تشبَّه بالياء، فصارت قريباً مما تجتمع فيه اربع ياءات،
فهمزوها استثقلاً، وأبدلوا مكانها همزة، لأنَّهم جعلوها بمنزلة الياء
التي تبدل بعد الألف الزائدة؛ لأنهم كرهوها هاهنا كما كرهت ثمَّ، وهي
هنا بعد ألف كما كانت ثمَّ، وذلك نحو ياء رداءٍ.
ومن قال: أمييٌّ قال: آييٌّ وراييٌّ بغير همز، لأنَّ هذه لامٌ غير
(3/350)
معتلّة، وهي أولى بذلك أنه ليس فيها أربع
ياءات، ولأنَّها أقوى. وتقول واوٌ فتثبت كما تثبت في غزوٍ. ولو أبدلت
مكان الياء الواو فقلت: ثاوىٌّ وآوىٌّ وطاويٌّ وراويٌّ جاز ذلك، كما
قالوا: شاويٌّ، فجعلوا الواو مكان الهمزة. ولا يكون في مثل سقايةٍ
سقاييٌّ فتكسر الياء ولا تهمز، لأنَّها ليست من الياءات التي لا تعتل
إذا كانت نتهى الاسم، كما لا تعتل ياء أمية إذا لم تكن فيها هاءٌ.
ومثل ذلك قصيٌّ، منهم من يقول: قصيٍّ.
وإذا أضفت إلى سقاية فكأنَّك أضفت إلى سقاءٍ، كما أنك لو أضفت إلى رجلٍ
اسمه ذو جمَّةٍ قلت: ذوويٌّ كأنك أضفت إلى ذواً. ولو قلت: سقاويٌّ جاز
فيه وفي جميع جنسه كما يجوز في سقاءٍ.
وحولايا وبرداريا بمنزلة سقايةٍ؛ لأنَّ هذه الياء لا تثبت إذ كانت
منتهى الاسم، والألف تسقط في النسبة لأنَّها سادسة فهي كهاء درحاية.
واعلم أنك إذا أضفت إلى ممدود منصرف فإن القياس والوجه أن تقره على
حاله؛ لأن الياءات لم تبلغ غاية الاستثقال، ولأنَّ الهمزة تجري على
وجوه العربية غير معتلة مبدلة. وقد أبدلها ناسٌ من العرب كثيرٌ على ما
فسَّرنا، يجعل مكان الهمزة واواً.
وإذا كانت الهمزة من أصل الحرف فالإبدال فيها جائز، كما كان فيما
(3/351)
كان بدلاً من واو أو ياء، وهو فيها قبيح.
وقد يجوز إذا كان أصلها الهمز مثل قراء ونحوه.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم آخره ألف مبدلة من حرف من نفس الكلمة على
أربعة أحرف وذلك نحو ملهى ومرمىً، وأعشى وأعمى وأعيا، فهذا يجري مجرى
ما كان على ثلاثة أحرف وكان آخره ألفاً مبدلة من حرف من نفس الكلمة نحو
حصَّى ورحىً.
وسألت يونس عن معزى وذفرى فيمن نون فقال: هما بمنزلة ما كان من نفس
الكلمة، كما صار علباء حين انصرف بمنزلة رداء في الإضافة والتثنية، ولا
يكون أسوأ حالاً في ذا من حبلى.
وسمعنا العرب يقولون في أعيا: أعيويٌّ. بنو أعيا: حيٌ من العرب من
جرمٍ. وتقول في أحوى: أحوويٌّ. وكذلك سمعنا العرب تقول.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفاً زائدة لا ينون وكان على
أربعة أحرف وذلك نحو حبلى ودفلى؛ فأحسن القول فيه أن تقول: حبلىٌّ
ودفلىٌّ؛ لأنها زائدة لم تجيء لتلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة،
فكرهوا أن يجعلوها بمنزلة ما هو من نفس الحرف وما أشبه ما هو من نفس
الحرف.
(3/352)
وقالوا في سلَّى: سلِّىٌّ.
ومنهم من يقول: دفلاويٌّ، فيفرق بينها وبين التي من نفس الحرفبأن يلحق
هذه الألف فيجعله كآخر ما لا يكون آخره إلا زائداً غير منون، نحو:
حمراويٍّ وضهياويٌ، فهذا الضرب لا يكون إلا هكذا، فبنوه هذا البناء
ليفرقوا بين هذه الألف وبين التي من نفس الحرف، فقالوا في دهنا:
دهناويٌّ، وقالوا قي دنيا: دنياويٌّ وإن شئت قلت دنييٌّ على قولهم
سلىٌّ.
ومنهم من يقول: حبلوي فيجعلها بمنزلة ما هو نفس الحرف. وذلك أنَّهم
رأوها زائدة يبنى عليها الحرف، ورأوا الحرف في الغدَّة والحركة
والسُّكون كملهى فشبَّهوها بها، كما أنهم يشبهون الشيء بالشيء الذي
يخالفه في سائر المواضع.
قال: فإن قلت في ملهى: ملهيٌ لم أر بذلك بأساً، كما لم أر بحبلوىٍّ
بأساً. وكما قالوا: مدارى فجاءوا به على مثال: حبالى وعذارى ونحوهما من
فعالى، وكما تستوي الزيادة غير المنونة والتي من نفس الحرف إذا كانت كل
واحدة منهما خامسة.
ولا يجوز ذا في قفا، لأنَّ قفا وأشباهه ليس بزنة حبلى، وإنما هي على
ثلاثة أحرف فلا يحذفونها.
(3/353)
وأمَّا جمزى فلا يكون جمزاويٌّ ولا ولكن
جمزيٌّ، لأنَّها ثقلت وجاوزت زنة ملهى فصارت بمنزلة حبارى لتتابع
الحركات. ويقوِّي ذلك أنَّك لو سميت امرأة قدما لم تصرفها كما لم تصرف
عناق.
والحذف في معزى أجوز، إذ جاز في ملهى لأنها زائدة.
وأما حبلى فالوجه فيها ما قلت لك.
قال الشَّاعر:
كأنَّما يقعُ البصريٌّ بيْنهمُ ... مِن الطَّوائف والأعناق بالوَذَمِ
يريد: بصرى.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفاً وكان على خمسة أحرف تقول في
حبارى: حباريٌّ، وفي جمادى: جماديٌّ، وفي قرقرى: قرقريٌّ. وكذلك كلُّ
اسم كان آخره ألفاً وكان على خمسة أحرف.
(3/354)
وسألت يونس عن مرامى فقال: مراميٌ، جعلها
بمنزلة الزيادة. قال: لو قلت: مرامويٌّ لقلت: حبارويٌّ، كما أجازوا في
حبلى حبلويٌّ. ولو قلت ذا لقلت في مقلولى: مقلولويٌّ. وهذا لا يقوله
أحد، إنَّما يقال: مقلوليٌّ، كما تقول في يهيرى يهيريٌّ. فإذا سوِّى
بين هذا رابعاً وبين الألف فيه زائدة نحو حبلى لم يجز إلا أن تجعل ما
كان من نفس الحرف إذا كان خامساً بمنزلة حبارى. وإن فرَّقت، بين الزائد
وبين الذي من نفس الحرف دخل عليك أن تقول في قبعثرى: قبعثرويٌّ، لأنَّ
آخره منَّون فجرى مجرى ما هو من نفس الكلمة. فإن لم تقل ذا وأخذت
بالعدد فقد زعمت أنهما يستويان. وإنَّما ألزموا ما كان على خمسة أحرف
فصاعداً الحذف لأنه حين كان رابعاً في الاسم بزنة ما ألفه من نفسه،
فلمَّا كثر العدد كان الحذف لازماً، إذ كان من كلامهم أن يحذفوه في
المنزلة الأولى.
وإذا ازداد الاسم ثقلاً كان الحذف ألزم، كما أنَّ الحذف لربيعة حين
اجتمع تغييران.
وأمَّا الممدود، مصروفاً كان أو غير مصروف، كثر عدده أو قلَّ، فإنه لا
يحذف، وذلك قولك في خنفساء: خنفساويٌّ، وفي حرملاء: حرملاويٌّ وفي
معيوراء معيوراويٌّ. وذلك أنَّ آخر الاسم لما تحرك وكان حيّاً
(3/355)
يدخله الجر والرفع والنصب صار بمنزلة:
سلامانٍ وزعفرانٍ، وكالأواخر التي من نفس الحرف نحو: آحر نجامٍ
واشهيبابٍ، فصارت هكذا كما صار آخر معزى حين نون بمنزلة آخر مرمى.
وإنَّما جسروا على حذف الألف لأنَّها ميتة لا يدخلها جر ولا رفع ولا
نصب فحذفوها كما حذفوا ياء ربيعة وحنيفة. ولو كانت الياءان متحركتيتن
لم تحذفا لقوة المتحرك. وكما حذفوا الياء الساكنة من ثمانٍ حيث أضفت
إليه. فإنَّما جعلوا ياءي الإضافة عوضاً. وهذه الألف أضعف، تذهب مع
كلِّ، تذهب مع كلِّ حرف ساكن، فإنَّما هذه معاقبةٌ كما عاقبت هاء
الجحاجحة ياء الجحاجيح، فإنَّما يجسرون بهذا على هذه الحروف الميتة.
وسترى للمتحرك قوةً ليست للساكن في مواضع كثيرة إن شاء الله تعالى.
ولو أضفت إلى عثيرٍ، وهو التراب، أو حثيلٍ، لأجريته مجرى حميريٍ.
وزعم يونس أن مثنى بمنزلة معزى ومعطى، وهو بمنزلة مرامى، لأنَّه خمسة
أحرف. وإن جعلته كذلك فهو ينبغي له أن يجيز في عبدَّي: عبدَّويٌّ، كما
جاز
(3/356)
في حبلى: حبلويٌّ. فإن جعل النون بمنزلة
حرفٍ واحد، وجعل زنته كزنته فهو ينبغي له إن سمَّى رجلاً باسم مؤنَّث
على زنة معدٍّ مدغم مثله أن يصرفه، ويجعل المدغم كحرف واحد. فهذه النون
الأولى بمنزلة حرف ساكنٍ ظاهر. وكذلك يجرى في بناء الشِّعر وغيره.
فأما المصروف نحو حراءٍ فمن العرب من يقول: حراويٌّ، ومنهم من يقول
حرائيٌّ، لا يحذف الهمزة.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم ممدود لا يدخله التنوين كثير العدد كان أو
قليله فلإضافة إليه أن لا يحذف منه شيء، وتبدل الواو مكان الهمزة
ليفرقوا بينه وبين المنوّن الذي هو من نفس الحرف وما جعل بمنزلتة، وذلك
قولك في زكريَّاء: زكريّاويٌّ، وفي بروكاء: بروكاويٌّ.
هذا باب الإضافة إلى بنات الحرفين اعلم أن كل اسم على حرفين ذهبت لامه
ولم يردَّ في تثنيته إلى الأصل ولا في الجمع بالتَّاء، كان أصله فعل أو
فعل أو فعل، فإنَّك فيه بالخيار، إن شئت تركته على بنائه قبل أن تضيف
إليه، وإن شئت غيرته فرددت إليه ما خذف منه، فجعلوا الإضافة تغيَّر
فترد كما تغيَّر فتحذف، نحو ألف حبلى، وياء ربيعة وحنيفة، فلما كان ذلك
من كلامهم غيَّروا بنات الحرفين التي حذفت لاماتهن بأن ردوا فيها ما
حذف منها، وصرت في الرد وتركه على حاله بالخيار، كما صرت في حذف ألف
حبلى وتركها بالخيار.
(3/357)
وإنما صار تغيير بنات الحرفين الردَّ
لأنَّها أسماء مجهودةٌ، لا يكون اسمٌ على أقل من حرفين، فقويت الإضافة
على ردِّ اللامات كما قويت على حذف ما هو من نفس الحرف حين كثر العدد،
وذلك قولك: مرامى.
فمن ذلك قولهم في دمٍ: دميٌّ، وفي يدٍ: يديٌّ، وإن شئت قلت: دمويٌّ
ويدويٌّ، كما قالت العرب في غدٍ: غدويٌّ. كلُّ ذلك عربي.
فإن قال: فهلاَّ قالوا: غدويٌّ، وإنَّما يدٌ وغدٌ كلُّ واحد منهما
فعلٌ، يستدل على ذلك بقول ناسٍ من العرب: آتيك غدواً، يريدون غداً.
قال الشاعر:
وما الناسُ إلاّ كالديارِ وأَهْلُها ... بها يومَ حلَّوها وغَدْواً
بَلاقِعُ
وقولهم: أيدٍ، وإنَّما هي أفعلٌ، وأفعلٌ جماع فعلٍ؟ لأنَّهم ألحقوا ما
الحقوا ولا يريدون أن يخرجوا من حرف الإعراب التحرُّك الذي كان فيه،
لأنَّهم أرادوا أن يزيدوا، لجهد الاسم، ما حذفوا منه، فلم يريدوا أن
يخرجوا منه شيئاً كان فيه قبل أن يضيفوا، كما أنَّهم لم يكونوا ليحذفوا
حرفاً من الحروف من ذا الباب، فتركوا الحروف على حالها، لأنَّه ليس
موضع حذف.
ومن ذلك أيضا قولهم في ثبةٍ: ثبيٌّ وثبويٌّ، وشفةٍ: شفيٌّ وشفهيٌّ.
(3/358)
وإنَّما جاءت الهاء لأنَّ اللام من شفةٍ
الهاء. ألا ترى أنك تقول: شفاهٌ وشفيهةٌ في التصغير.
وتقول في حرٍ: حريٌّ، وحرحيٌّ، لأنَّ اللام الحاء، تقول في التصغير:
حريحٌ، وفي الجمع: أحراحٌ.
وإن أضفت إلى رب فيمن خفَّف فرددت قلت ربيٌّ. وإنَّما أسكنت كراهية
التضعيف، فيعاد بناؤه. ألا تراهم قالوا في قرة قريٌّ لأنَّها من
التضعيف، كما قالوا في شديدة: شديديٌّ كراهية التضعيف، فيعاد بناؤه.
باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرَّدّ وذلك قولك في أب
أبويٌّ، وفي أخٍ: أخويٌّ، وفي حمٍ: حمويٌّ، ولا يجوز إلاَّ ذا، من قبل
أنَّك ترد من بنات الحرفين التي ذهبت لاماتهن إلى الأصل ما لا يخرج
أصله في التثنية، ولا في الجمع بالتاء؛ فلما أخرجت التثنية الأصل لزم
الإضافة أن تخرج الأصل، إذ كانت تقوى على الرد فيما لا يخرج لامه في
تثنيته ولا في جمعه بالتاء، فإذا رد في الأضعف في شيءٍ كان في الأقوى
أردَّ:
(3/359)
واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا هنوك
ورأيت هناك ومررت بهنيك، ويقول: هنوان فيجريه مجرى الأب. فمن فعل ذا
قال: هنواتٌ، يردُّه في التثنية والجمع بالتاء، وسنةٌ وسنوات، وضعة وهو
نبتٌ ويقول: ضعواتٌ، فإذا أضفت قلت: سنويٌّ وهنويٌّ.
والعلة ههنا هي العلة في: أبٍ وأخٍ ونحوهما.
ومن جعل سنةً من بنات الهاء قال: سنيهةٌ وقال: سانهت، فهي بمنزلة شفة،
تقول: شفهيٌّ وشنهيٌّ.
وتقول في عضةٍ: عضويٌّ، على قول الشاعر:
هذا طَريقٌ يَأْزِمُ المَآزِمَا ... وعِضَواتٌ تَقْطَعُ اللَّهازما
ومن العرب من يقول: عضيهةٌ، يجعلها من بنات الهاء بمنزلة شفةٍ إذا
قالوا ذلك.
وإذا أضفت إلى أختٍ قلت: أخويٌّ، هكذا ينبغي له أن يكون على القياس.
(3/360)
وذا القياس قول الخليل، من قبل أنَّك لما
جمعت بالتاء حذفت تاء التأنيث كما تحذف الهاء، وردت إلى الأصل.
فالإضافة تحذفه كما تحذف الهاء، وهي أردُّله إلى الأصل.
وسمعنا من العرب من يقول في جمع هنتٍ: هنواتٌ. قال الشاعر:
أَرَى ابنَ نِزارٍ قد جَفاني وملَّني ... على هَنَواتٍ كلُّها
مُتَتابِعُ
فهي بمنزلة أختٍ وأما يونس فيقول أختيٌ وليس بقياس.
هذا باب الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين فإن شئت تركته في
الإضافة على حاله قبل أن يضيف، وإن شئت حذفت الزوائد ورددت ما كان له
في الأصل. وذلك: ابنٌ واسمٌ واستٌ، واثنان واثنتان وابنةٌ. فإذا تركته
على حالة قلت: اسمىٌّ واستىٌّ وابنىٌّ واثنىٌّ في اثنين واثنتين.
وحدثنا يونس: أن أبا عمرو كان يقوله.
وإن شئت حذفت الزوائد التي في الاسم ورددته إلى أصله فقلت: سمويٌّ
وبنويٌّ وستهيٌّ. وإنَّما جئت في استٍ بالهاء لأنَّ لامها هاء، ألا ترى
أنَّك تقول: الأستاه وستيهةٌ في التحقير، وتصديق ذلك أنَّ أبا الخطاب
كان يقول: إنَّ بعضهم إذا أضاف إلى أبناء فارسٍ قال: بنويٌّ. وزعم يونس
أن أبا عمرو وزعم أنَّهم يقولون: ابنيٌّ، فيتركه على حاله كما ترك دم.
(3/361)
وأما الذين حذفوا الزوائد وردُّوا فإنهم
جعلوا الإضافة تقوى على حذف الزوائد كقوتها على الرد كما قويت على الرد
في دمٍ، وإنَّما قويت على حذف الزوائد لقوتها على الردّ، فصار ماردّ
عوضاً. ولم يكونوا ليحذفوا ولا يردوا لأنهم قد ردوا ما ذهب من الحرف
للإخلال به، فإذا حذفوا شيئاً ألزموا الرد، ولم يكونوا ليردّوا
والزائد، لأنَّه إذا قوي على رد الأصل قوي على حذف ما ليس من الأصل،
لأنهما متعاقبان.
وسألت الخليل عن الإضافة إلى ابنمٍ فقال: إن شئت حذفت الزوائد فقلت:
بنويٌّ كأنك أضفت إلى ابنٍ. وإن شئت تركته على حاله فقلت: ابنميٌّ كما
قلت: ابنيٌّ واستيٌّ.
واعلم أنَّك إذا حذفت فلا بدَّ لك من أن ترد، لأنه عوضٌ وإنَّما هي
معاقبة، وقد كنت ترد ما عدة حروفه حرفان وإن لم يحذف منه شيء، فإذا
حذفت منه شيئاً ونقصته منه كان العوض لازماً. وأمَّا بنتٌ فإنك تقول:
بنويٌّ من قبل أن هذه التاء التي هي للتأنيث لا تثبت في الإضافة كما لا
تثبت في الجمع بالتاء.
وذلك لأنهم شبَّهوها بهاء التأنيث، فلمَّا حذفوا وكانت زيادة في الاسم
كتاء سنبتةٍ وتاء عفريتٍ، ولم تكن مضمومة إلى الاسم كالهاء، يدلك على
ذلك سكون ما قبلها، جعلناها بمنزلة ابنٍ.
فإن قلت: بنيٌّ جائز كما قلت: بناتٌ، فإنَّه ينبغي لك أن تقول بنيٌّ في
(3/362)
ابني؛ كما قلت في بنون، فإنَّما ألزموا هذه
الردَّ في الإضافة لقوتها على الرد، ولأنَّها قد ترد ولا حذف، فالتاء
يعوَّض منها كما يعوَّض من غيرها. وكذلك: كلتا وثنتان، تقول: كلويٌّ
وثنويٌّ، وبنتان: بنويٌّ.
وأما يونس فيقول ثنتيٌّ، وينبغي له أن يقول: هنتيٌّ في هنه؛ لأنَّه إذا
وصل فهي تاء كتاء التأنيث.
وزعم الخليل أنَّ من قال بنتي قال هنتي وهذا لا يقوله أحد وأعلم ذيت
بمنزلة بنتٍ، وإنَّما أصلها ذية عمل بها ما عمل بينت. يدلُّك عليه
اللفظ والمعنى، فالقول في هنت وذيت مثله في بنت، لأن ذيت يلزمها
التثقيل إذا حذفت التاء.
ثمَّ تبدل واواً مكان التاء، كما كنت تفعل لو حذفت التاء من أخت وبنت،
وإنَّما ثقلَّت كتثقيلك كي اسما.
وزعم أن أصل بنت وابنةٍ فعل كما أن أخت فعلٌ؛ يدلك على ذلك أخوك وأخاك
وأخيك، وقول بعض العرب فيما زعم يونس آخاءٌ. فهذا جمع فعل.
وتقول في الإضافة إلى ذيَّة وذيت: ذيويٌ فيهما؛ وإنَّما منعك من ترك
التاء في الإضافة أنه كان يصير مثل: أختيٍّ، وكما أن هنت أصلها
(3/363)
فعل، يدلك على ذلك قول بعض العرب: هنوك،
وكما أن استٌ فعل يدلك على ذلك أستاهٌ.
فإن قيل: لعله فعل أو فعل فإنه يدلك على ذلك قول بعض العرب سهٌ، لم
يقولوا: سه ولا سه، وقولهم: ابن ثم قالوا: بنون ففتحوا يدلُّك أيضا.
واثنتان بمنزلة ابنة، أصلها فعلٌ، لأنَّه عمل بها ما عمل بابنة؛ وقالوا
في الاثنين: أثناء؛ فهذا يقوِّي فعل، وأنَّ نظائرها من الأسماء أصلها
تحرك العين، وهنت عندنا متحركة العين تجعلها بمنزلة نظائرها من
الأسماء، وتلحقها بالأكثر.
ولم يجيء شيء هكذا ليست عينه في الأصل متحركة إلا ذيت؛ وليست باسم
متمكِّن.
وأما كلتا فيدلك على تحريك عينها قولهم: رأيت كلا أخويك: فكلاً كمعاً
واحد الأمعاء ومن قال: رأيت كلتا أختيك، فإنَّه يجعل الألف ألف تأنيث.
فإن سمَّى بها شيئاً لم يصرفه في معرفة ولا نكرة، وصارت التاء بمنزلة
الواو في شروى.
ولو جاء شيء مثل بنتٍ وكان أصله فعل أو فعل واستبان لك أن أصله فعل أو
فعل؛ لكان في الإضافة متحرك العين، كأنّك
(3/364)
تحذف إلى اسم قد ثبت في الكلام على حرفين،
فإنما تردُّ والحركة قد ثبتت في الاسم.
وكل اسم تحذف منه في الإضافة شيئاً فكأنك ألحقت ياءي الإضافة اسماً لم
يكن فيه شيء مما حذف، لأنَّك إنَّما تلحق ياءي الإضافة بعد بناء الاسم.
ومن ثم جعل ذيت في الإضافة كأنَّها اسمٌ لم يكن فيه قبل الإضافة تاء،
كذلك ثقلَّتها كتثقيلك: كي، ولو، وأو، أسماء.
وأمَّا فم فقد ذهب من اصله حرقان، لأنه كان أصله فوهٌ، فأبدلوا الميم
مكان الواو، ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم، فهذه الميم بمنزلة العين
نحو ميم دمٍ، ثبتت في الاسم في تصرفه في الجر والنصب، والإضافة
والتثنية. فمن ترك دمٌ على حاله إذا أضاف، ترك فمٌ على حاله، ومن ردَّ
إلى دمٍ اللام ردَّ إلى فمٍ العين فجعلها مكان اللام، كما جعلوا الميم
مكان العين في فمٍ.
قال الشاعر وهو الفرزدق:
هما نفثا في فيَّ من فمويها ... على الناتج العوي أشدَّ رجام
(3/365)
وقالوا: فموان، فإنما ترد في الإضافة كما
ترد في التثنية وفي الجمع بالتاء، وتبني الاسم كما تثنِّي به، إلاَّ أن
الإضافة أقوى على الردِّ. فإن قال: فمان فهو بالخيار، إن شاء قال:
فمويٌّ، وإن شاء قال: فميٌّ. ومن قال: فموان قال: فمويٌّ على كل حال.
وأما الإضافة إلى رجل اسمه ذو مالٍ فإنَّك تقول: ذوويٌّ، كأنَّك أضفت
إلى ذواً. وكذلك فعل به حين أفرد وجعل اسماً، ردَّ إلى أصله؛ لأنَّ
أصله فعل، يدلَّك على ذلك قولهم: ذواتا، فإن أردت أن تضيف فكأنك أضفت
إلى مفرد لم يكن مضافاً قطٌّ، فافعل به فلعك به إذا كان اسماً غير
مضاف.
(3/366)
وكذلك الإضافة إلى ذاه ذوويٌّ، لأنَّك إذا
أضفت حذفت الهاء، فكأنَّك تضيف إلى ذي، إلا أنَّ الهاء جاءت بالألف
والفتحة، كما جاءت بالفتحتين في امرأة، فلأصل أولى به، إلا أن تغيِّر
العرب منه شيئاً فتدعه على حاله نحو: فمٍ.
وإذا أضفت إلى رجل اسمه فوزيد فكأنَّك إنما تضيف إلى فمٍ، لأنَّك
إنَّما تريد أن تفرد الاسم ثم تضيف إلى الاسم. فافعل به فعلك به إذا
أفردته اسماً. وأما الإضافة إلى شاءٍ فشاويٌّ، كذلك يتكلَّمون به.
قال الشاعر:
فلستُ بشاويٍّ عليه دَمَامةٌ ... إذا ما غدَا يَغْدُو بقَوْسٍ
وأَسْهُمِ
وإن سمَّيت به رجلاً أجريته على القياس تقول، شائيٌّ، وإن شئت قلت
شاويٌ كما قلت: عطاويٌّ، كما تقول في زبينة وثقيفٍ بالقياس إذا سمت به
رجلاً.
وإذا أضفت إلى شاةٍ قلت: شاهيٌّ، ترد ما هو من نفس الحرف، وهو الهاء.
ألا ترى أنك تقول: شويهةٌ، وإنما أردت أن تجعل شاةً بمنزلة الأسماء،
فلم يوجد شيء هو أولى به مما هو من نفسه، كما هو التحقير كذلك.
(3/367)
وأما الإضافة إلى لاتٍ من اللات والعزَّى،
فإنك تمدُّها كما تمد لا إذا كانت اسماً، كما تثقل لو وكي إذا كان كل
واحد منهما اسماً. فهذه الحروف وأشباهها التي ليس لها دليل بتحقير ولا
جمع ولا فعلٍ ولا تثنية إنما تجعل ما ذهب منه مثل ما هو فيه ويضاعف،
فالحرف الأوسط ساكن على ذلك يبنى، إلا أن تستدل على حركته بشيء. وصار
الإسكان أولى به لأن الحركة زائدة، فلم يكونوا ليحرِّكوا إلا بثبتٍ،
كما أنهم لم يكونوا ليجعلوا الذّهب من لو غير الواو إلا بثبت، فجرت هذه
الحروف على فعل أو فعل أو فعل.
وأما الإضافة إلى ماءٍ فمائيٌّ، تدعه على حاله، ومن قال: عطاويٌّ قال:
ماويٌّ يجعل الواو مكان الهمزة، وشاويٌّ بقوِّى هذا.
وأما الإضافة إلى امرئٍ فعلى القياس تقول امرئتي وتقديرها إمرعي لأنه
ليس من بنات الحرفيين وليس الألف ههنا بعوض فهو كالانطلاق اسم رجل وإن
أضعت إلى امرأة فكذلك تقول امرئي، امرئ، لأنك كأنك تضيف إلى امرئٍ،
فالإضافة في ذا كالإضافة إلى استغاثةٍ إذا قلت: استغاثيٌ. وقد قالوا:
مرئيٌ تقديرها: مرعيٌ في امرئ القيس، وهو شاذ.
(3/368)
هذا باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات
الحرفين وذلك عدةٌ وزنةٌ. فإذا أضفت قلت: عديٌّ وزنيٌّ، ولا ترده
الإضافة إلى أصله، لبعدها من ياءي الإضافة، لأنَّها لو ظهرت لم يلزمها
اللام لو ظهرت من التغير، لوقوع الياء عليها.
ولا تقول: عدويٌ بعد اللام شيئاً ليس من الحرف، يدلُّك على ذلك
التصغير. ألا ترى أنَّك تقول: وعيدةٌ فترد الفاء، ولا ينبغي أن تلحق
الاسم زائدةً، فتجعلها أولى من نفس الحرف في الإضافة كما لم تفعل ذلك
في التحقير، ولا سبيل إلى رد الفاء لبعدها، وقد ردوا في التثنية والجمع
بالتاء بعض ما ذهبت لاماته، كما ردوا في الإضافة، فلو ردوا في الإضافة
الفاء لجاء بعضه مردوداً في الجميع بالتاء فهذا دليلٌ على أن الإضافة
لا تقوى حيث لم يردُّوا في الجميع بالتاء.
فإن قلت: أضع الفاء في آخر الحرف لم يجز، ولو جاز ذا لجاز أن تضع الواو
والياء إذا كانت لاماً في أول الكلمة إذا صغرت. ألا تراهم جاءوا بكل
شيءٍ من هذا في التحقير على أصله. وكذا قول يونس، ولا نعلم أحداً يوثق
بعلمه قال خلاف ذلك.
وتقول في الإضافة إلى شيةٍ: وشويٌّ، لم تسكن العين كما لم تسكن الميم
إذا قال: دمويٌّ، فلما تركت الكسرة على حالها جرت مجرى شجويٍّ، وإنَّما
ألحقت الواو ههنا كما ألحقتها في عه حين جعلتها اسماً ليشبه الأسماء،
لأنَّك
(3/369)
جعلت الحرف على مثال الأسماء في كلام
العرب. وإنَّما شيةٌ وعدةٌ فعلةٌ، لو كان شيء من هذه الأسماء قعلة لم
يحذفوا الواو، كما لم يحذفوا في الوجبة والوثبة والوحدة وأشباهها.
وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء الله.
فإنَّما ألقوا الكسرة فيما كان مكسور الفاء على العينات وحذفوا الفاء،
وذلك نحو عدةٍ وأصلها وعدةٌ وشيةٍ وأصلها وشيةٌ، فحذفوا الواو وطرحوا
كسرتها على العين. وكذلك أخواتها.
هذا باب الإضافة إلى كل اسم ولي آخره ياءين مدغمةً إحداهما في الأخرى
وذلك نحو أسيّدٍ، وحميّرٍ، ولبيّدٍ، فإذا أضفت إلى شيء من هذا تركت
الياء الساكنة وحذفت المتحركة لتقارب الياءات مع الكسرة التي
(3/370)
في الياء والتي في آخر الاسم، فلما كثرت
الياءات وتقاربت وتوالت الكسرات التي في الياء والدال استثقلوه،
فحذفوا، وكان حذف المتحرك هو الذي يخففه عليهم؛ لأنهم لو حذفوا الساكن
لكان ما يتوالى فيه من الحركات التي لا يكون حرفٌ عليها مع تقارب
الياءات والكسرتين في الثقل مثل أسيّدٍ، لكراهيتهم هذه المتحرِّكات.
فلم يكونوا ليفروا من الثقل إلى شيءٍ هو في الثِّقل مثله وهو أقل في
كلامهم منه، وهو أسيديٌّ وحميريٌّ ولبيديٌّ. وكذلك تقول العرب.
وكذلك سيدٌ وميتٌ ونحوهما؛ لأنهما ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى،
يليها آخر الاسم. وهم ممَّا يحذفون هذه الياءات في غير الإضافة. فإذا
أضافوا فكثرت الياءات وعدد الحروف ألزموا أنفسهم أن يحذفوا.
فما جاء محذوفاً من نحو سيد وميت: هينٌ وميتٌ، ولينٌ وطيبٌ وطيءٌ، فإذا
أضفت لم يكن إلاَّ الحذف، إذ كنت تحذف هذه الياء في غير الإضافة. تقول:
سيديٌّ وطيبيٌّ إذا أضفت إلى طيبٍ. ولا أراهم قالوا طائيٌّ إلا فراراً
من طيئيٌّ وكان القياس طيئيٌّ وتقديرها طيغيٌّ ولكنهم جعلوا الألف مكان
الياء، وبنوا الاسم على هذا كما قالوا في زبينة: زبانيٌّ.
وإذا أضفت إلى مهيمٍ قلت: مهيِّيميٌّ لأنَّك إذ حذفت الياء التي تلي
الميم صرت إلى مثل أسيدي فتقول: مهيميٌّ، فلم يكونوا ليجمعوا على
(3/371)
الحرف هذا الحذف كما أنَّهم إذا حقروا
عيضموز لم يحذفوا الواو لأنَّهم لو حذفوا الواو احتاجوا إلى أن يحذفوا
حرفاً آخر حتَّى يصير إلى مثال التحقير، فكرهوا أن يحملوا عليه هذا
وحذف الياء. وستراه مبينَّاً في بابه إن شاء الله. فكان ترك هذه الياء
إذ لم تكن متحركة كياء تميمٍ، وفصلت بين آخر الكلمة والياء المشدَّدة،
فكان أحبَّ إليهم ممَّا ذكرت لك، وخفَّ عليهم تركها لسكونها، تقول:
مهيَّيميٌّ فلا تحذف منها شيئاً، وهو تصغير مهوّم.
باب ما لحقته الزائدتان للجمع والتثنية وذلك قولك: مسلمون ورجلان
ونحوهما؛ فإذا كان شيءٌ من هذا اسم رجل فأضفت إليه حذفت الزائدتين
الواو والنون، والألف والنون، والياء والنون لأنَّه لا يكون في الاسم
رفعان ونصبان وجراَّان، فتذهب الياء لأنَّها حرف الإعراب، ولأنه لا
تثبت النون إذا ذهب ما قبلها لأنَّهما زيدتا معاً ولا تثبتان إلا معاً.
وذلك قولك رجليٌّ ومسلميٌّ.
ومن قال من العرب: هذه قنَّسرون، ورأيت قنَّسرين، وهذه يبرون، ورأيت
يبرين، قال: يبريٌّ وقنسريٌّ. وكذلك ما أشبه هذا.
ومن قال: هذه يبرين، قال: يبرينيٌّ كما تقول: غسلينيٌّ، وسريحين
سريحينيٌّ. فأمّا قنَّسون ونحوها فكأنهم ألحقوا الزائدتين قنَّسر،
وجعلوا الزائدة التي قبل النون حرف الإعراب، كما فعلوا ذلك في الجمع.
(3/372)
هذا باب الإضافة إلى كل اسم لحقته التاء
للجمع وذلك مسلماتٌ وتمراتٌ ونحوهما. فإذا سميت شيئاً بهذا النحو ثم
أضفت إليه: مسلميٌّ وتمريٌّ، وتحذف كماا حذفت الهاء، وصارت كالهاء في
الإضافة كما صارت في المعرفة حين قلت: رأيت مسلماتٍ وتمراتٍ قبل. ولا
يكون أن تصرف التاء بالنصب في هذا الموضع.
ومثل ذلك قول العرب في أذرعاتٍ: أذرعيٌّ، لا يقول أحدٌ إلا ذاك. وتقول
في عاناتٍ: عانيٌّ، أجريت مجرى الهاء، لأنَّها لحقت لجمع مؤنث، كما
لحقت الهاء الواحد للتأنيث، فكذلك لحقته للجمع. ومع هذا أنها حذفت كما
حذفت واو مسلمين في الإضافة، كما شبهوها بها في الإعراب. وتقول في
الإضافة إلى محىّ: محتىٌّ، وإن شئت قلت: محويٌّ.
(3/373)
هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين ضم
أحدهما إلى الآخر فجعلا اسماً واحداً كان الخليل يقول: تلقي الآخر
منهما كما تلقي الهاء من حمزة وطلحة؛ لأنَّ طلحة بمنزلة حضرموت. وقد
بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
فمن ذلك خمسة عشر ومعدي يكرب في قول من لم يضف. فإذا أضفت قلت: معديٌّ
وخمسيٌّ. فهكذا سبيل الباب. وصار بمنزلة المضاف في إلقاء أحدهما حيث
كان من شيئين ضم أحدهما إلى الآخر. وليس بزيادةٍ في الأول كما أن
المضاف إليه ليس بزيادة في الأول المضاف.
ويجيء من الأشياء التي هي من شيئين جعلا اسماً واحداً ما لا يكون على
مثاله الواحد، نحو: أيادي سبا، لأنه ثمانية أحرف، ولم يجيء اسم واحد
عدته ثمانية أحرف. ونحو: شغر بغر، ولم يكن اسمٌ واحد توالت فيه ولا
بعدته من المتحركات ما في هذا كما أنه قد يجيء في المضاف والمضاف إليه
ما لا يكون على مثله الواحد نحو صاحب جعفرٍ وقدم عمر ونحو هذا مما لا
يكون الواحد على مثاله. فمن كلام العرب أن يجعلوا الشيء كالشيء إذا
أشبهه في بعض المواضع. وقالوا: حضرميٌّ كما قالوا: عبدريٌّ، وفعلوا به
ما فعلوا بالمضاف.
وسألته عن الإضافة إلى رجل اسمه اثنا عشر، فقال، ثنويٌّ في قول من قال:
بنويٌّ في ابن، وإن شئت قلت: اثنىٌّ في اثنين، كما قلت: ابنيٌّ؛ وتحذف
(3/374)
عشر كما تحذف نون عشرين، فتشبَّه عشر
بالنون كما شبَّهت عشر في خمسة عشر بالحاء. وأمّا اثنا عشر التي العدد
فلا تضاف ولا يضاف إليها.
هذا باب الإضافة إلى المضاف من الأسماء اعلم أنه لا بد من حذف أحد
الاسمين في الإضافة. والمضاف في الإضافة يجري في كلامهم على ضربين.
فمنه ما يحذف منه الاسم الآخر، ومنه ما يحذف منه الأول.
وإنما لزم الحذف أحد الاسمين لأنَّهما اسمان قد عمل أحدهما في الآخر،
وإنما تريد أن تضيف إلى الاسم الأول، وذلك المعنى تريد. فإذا لم تحذف
الآخر صار الأول مضافاً إلى مضاف إليه؛ لأنَّه لا يكون هو والآخر اسماً
واحداً، ولا تصل إلى ذلك كما لا تصل إلى أن تقول: أبو عمرين، وأنت تريد
أن تثنَّي الأول. وقد يجوز: أبو عمرين إذا لم ترد أن تثنّيى الأب وأردت
أن تجعله أبا عمرين اثنين. فالإضافة تفرد الاسم.
فأما ما يحذف منه الأول، فنحو: ابن كراع، وابن الزُّبير، تقول زبيريٌّ
وكراعيٌّ، وتجعل ياءي الإضافة في الاسم الذي صار به الأول معرفة فهو
أبين وأشهر إذ كان به صار معرفةً.
ولا يخرج الأول من أن يكون المضافون إليه وله. ومن ثمَّ قالوا
(3/375)
في أبي مسلمٍ: مسلميٌّ، لأنَّهم جعلوه
معرفة بالآخر، كما فعلوا ذلك بابن كراع، غير أنَه لا يكون غالباً حتى
يصير كزيد وعمرو، وكما صار ابن كراع غالباً.
وأبو فلان عند العرب كابن فلانٍ. ألا تراهم قالوا في أبي بكر بن كلابٍ:
بكريٌّ كما قالوا في ابن دعلجٍ: دعلجيٌّ، فوقعت الكنية عندهم موقع ابن
فلانٍ. وعلى هذا الوجه يجري في كلامهم، وذلك يعنون، وصار الآخر إذا كان
الأول معرفة بمنزلته لو كان علماً مفرداً.
وأما ما يحذف منه الآخر فهو الاسم الذي لا يعرَّف بالمضاف إليه ولكنَّه
معرفة كما صار معرفةً يزيد، وصار الأوَّل بمنزلته لو كان علماً مفرداً؛
لأنَّ المجرور لم يصر الاسم الأول به معرفةً؛ لأنك لو جعلت المفرد اسمه
صار به معرفةً كما يصير معرفةً إذا سميته بالمضاف. فمن ذلك: عبد القيس،
وامرؤ القيس، فهذه الأسماء علامات كزيد وعمر، فإذا أضفت قلت: عبديٌّ
وامرئيٌّ، ومرئيٌّ، فكذلك هذا أشباهه.
وسألت الخليل عن قولهم في عبد منافٍ منافيٌّ فقال: أما القياس فكما
ذكرت لك، إلا أنَّهم قالوا منافيٌّ مخافة الالتباس، ولو فعل ذلك بما
جعل اسماً من شيئين جاز؛ لكراهية الالتباس.
وقد يجعلون للنَّسب في الإضافة اسماً بمنزلة جعفر، ويجعلون فيه من حروف
الأول والآخر، ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف، كما قالوا سبطرٌ، فجعلوا
فيه حروف السَّبط إذ كان المعنى واحدا. وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء
الله.
فمن ذلك: عبشميٌّ، وعبدريٌّ. وليس هذا بالقياس، إنَّما قالوا هذا كما
(3/376)
قالوا: علويٌّ وزبانيٌّ. فذا ليس بقياس كما
أنَّ علويٌّ ونحو علويٌّ ليس بقياس.
هذا باب الإضافة إلى الحكاية فإذا أضفت إلى الحكاية حذفت وتركت الصدر
بمنزلة عبد القيس وخمسة عشر، حيث لزمه الحذف كما لزمها، وذلك قولك في
تأبَّط شراً تأبطيٌّ. ويدلك على ذلك أنَّ من العرب من يفرد فيقول: يا
تأبَّط أقبل، فيجعل الأول مفرداُ. فكذلك تفرده في الإضافة. كذلك حيثما
وإنما ولولا وأشباه ذلك تجعل الإضافة إلى الصدر.
وسمعنا من العرب من يقول: كونيٌّ، حيث أضافوا إلى كنت، وأخرج الواو حيث
حرك النون.
(3/377)
هذا باب الإضافة إلى الجمع اعلم أنك إذا
أضفت إلى جميع أبداً فإنَّك توقع الإضافة على واحده الذي كسر عليه؛
ليفرق بينه إذا كان اسماُ لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجميع.
فمن ذلك قول العرب في رجل من القبائل: قبليٌّ وقبليةٌّ للمرأة. ومن ذلك
أيضاً قولهم في أبناء فارس بنويٌّ، وقالوا في الرباب: ربيٌّ وإنَّما
الربِّاب جماعٌ وواحده ربةٌ، فنسب إلى الواحد وهو كالطوائف.
وقال يونس: إنَّما هي ربة ورباب، كقولك: جعفرة وجفار، وعلبة وعلاب،
والربةٌّ: الفرقة من الناس.
وكذلك لو أضفت إلى المساجد قلت: مسجديٌّ، ولو أضفت إلى الجمع قلت:
جمعيٌّ كما تقول: ربيٌّ. وإن أضفت إلى عرفاء قلت: عريفيٌّ. فكذلك ذا
وأشباهه. وهذا قول الخليل، وهو القياس على كلام العرب وزعم الخليل أن
نحو ذلك قولهم في المسامعة مسمعيٌ والمهالبة مهلبيٌ لأن المهالبة
والمسامعة ليس منهما واحدٌ اسماً لواحد.
وتقول في الإضافة إلى نفرٍ نفريٌّ، ورهط رهطيٌّ، لأن نفر بمنزلة حجر لم
يكسر له واحد وإن كان فيه معنى الجميع. ولو قلت: رجليٌّ في الإضافة إلى
نفر لقلت في الإضافة إلى الجمع: واحديٌّ، وليس يقال هذا.
(3/378)
وتقول في الإضافة إلى أناس: إنسانيٌّ
وأناسيٌّ، لأنه لم يكسر له إنسان وهو أجود القولين. وقال أبو زيد:
النسسبة إلى محاسن محاسني؛ لأنه لا واحد له. فصار بمنزلة نفر.
وتقول في الإضافة إلى نساء: نسويٌّ، أنه جماع نسوة وليس نسوة بجمع كسر
له واحد.
وإن أضفت إلى عباديد قلت: عباديديٌّ؛ لأنه ليس له واحد؛ وواحده يكون
على فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلال؛ فإذا لم يكن واحدٌ لم تجاوزه حتَّى
تعلم؛ فهذا أقوى من أن أحدث شيئاً لم تكلَّم به العرب.
وتقول في الأعراب: أعرابيٌّ؛ أنه ليس له واحد على هذا المعنى. ألا ترى
أنَّك تقول: العرب فلا تكون على هذا المعنى؟ فهذا يقوِّيه.
وإذا جاء شيء من هذه الأبنية التي توقع الإضافة على واحدها اسماً لشيءٍ
واحدٍ تركته في الإضافة على حاله، ألا تراهم قالوا في أنمارٍ:
أنماريٌّ؛ لأن أنماراً اسم رجل، وقالوا في كلابٍ: كلابيٌّ.
ولو سميت رجلاً ضرباتٍ لقلت: ضربيٌّ، لا تغيَّر المتحرِّكة لأنك لا
تريد أن توقع الإضافة على الواحد.
(3/379)
وسألته عن قولهم: مدائنيٌّ فقال: صار هذا
البناء عندهم اسماً لبلد.
ومن ثم قالت بنو سعدٍ في الأبناء: أبناويٌّ، كأنهم جعلوه اسم الحي
والحيُّ كالبلد، وهو واحد يقع على الجميع، كما يقع المؤنث على المذكر.
وسترى ذلك إن شاء الله.
وقالوا في الضِّباب إذا كان، اسم رجل: ضبابيَّ، وفي معافر: معافريٌّ.
وهو فيما يزعمون معافر بن مرٍّ، أخو تميم بن مرّ.
هذا باب ما يصير إذا كان علماً في الإضافة على غير طريقته وإن كان في
الإضافة قبل أن يكون علماً على غير طريقة ما هو بنائه فمن قولهم في
الطَّويل الجَّمة: جمَّاني، وفي الطَّويل اللَّحية: اللحيانيِّ، وفي
الغليظ الرقبة: الرقبانيِّ. فإن سميت، برقبة أو جمة أو لحية قلت:
رقبيٌّ ولحيٌّ وجمَّيٌّ ولحويٌّ، وذلك لأن المعنى، قد تحول، إنما أردت
حيث قلت: جمانيٌّ الطويل الجمَّة، وحيث قلت: اللِّحياني الطَّويل
اللِّحية، فلما لم تعن ذلك أجري مجرى نظائره التي ليس فيها ذلك المعنى.
ومن ذلك أيضاً قولهم في القديم السنِّ: دهريٌّ، فإذا جعلت، الدَّهر اسم
رجل قلت: دهريٌّ.
(3/380)
وكذلك ثقيف إذا حولته من هذا الموضع قلت
ثقيفيٌّ. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله،
أو ذا شيء.
أما ما يكون صاحب شيء يعالجه فإنه مما يكون فعَّالاً، وذلك قولك لصاحب
الثياب: ثوَّاب، ولصاحب العاج: عواجٌ؛ ولصاحب الجمال التي ينقل عليها:
جمَّال، ولصاحب الخمر التي يعمل عليها: حمارٌ، وللذي يعالج الصرف:
صرافٌ. وذا أكثر من أن يحصى. وربَّما ألحقوا ياءي الإضافة كما قالوا:
البتِّيٌّ، أضافوه إلى البتوت، فأوقعوا الإضافة على واحده، وقالوا:
البتات.
وأمَّا ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فإنَّه مما يكون فاعلا وذلك
قولك لذي الدرع: ولذي النَّبل: نابلٌ، ولذي النُّشاب: ناشبٌ، ولذي
التَّمر: تامرٌ، ولذي اللبن: لابنٌ.
قال الحطيئة:
ففررتني وزعمتَ أنَّك ... لابِنٌ بالصيف تامرِ
(3/381)
وتقول لمن كان شيءٌ من هذه الأشياء صنعته:
لبَّان، وتمارٌ، ونبَّال.
وليس في كلِّ شيءٍ من هذا قيل هذا. ألا ترى أنَّك لا تقول لصلحب البر:
برارٌ، ولا لصاحب الفاكهة: فكَّاه، ولا لصاحب الشَّعير: شعارٌ، ولا
لصاحب الدَّقيق: دقَّاق.
وتقول: مكانٌ آهلٌ، أي: ذو أهلٍ. وقال ذو الرمَّة:
إلى عطنٍ رحْبِ المَبَاءةِ آهِلِ
وقالوا لصاحب الفرس: فارسٌ.
وقال الخليل: إنَّما قالوا: عيشةٌ راضيةٌ، وطاعمٌ وكاسٍ على ذا، أي:
ذات رضاً وذو كسوة وطعامٍ، وقالوا: ناعلٌ لذي النَّعل.
وقال الشاعر:
كِليني لهمٍّ يا أميمة ناصِبِ
أي: لهمٍّ ذي نصبٍ.
وقالوا: بغَّال لصاحب البغل، شبَّهوه بالأوَّل، حيث كانت الإضافة؛
لأنَّهم يشبَّهون الشيء بالشيء وإن خالفه.
(3/382)
وقالوا لذي السيف: سيافٌ، وللجميع: سيافةٌ.
وقال امرؤ القيس:
وليس بذي رمحٍ فيَطْعنَني به ... وليس بذي سيفٍ وليس بنَبْالِ
يريد: وليس بذي نبل. فهذا وجه ما جاء من الأسماء ولم يكن له فعل. وهذا
قول الخليل.
؟؟؟؟ باب ما يكون مذكَّرا يوصف المؤنَّث
وذلك قولك: امرأةٌ حائضٌ، وهذه طامثٌ، كما قالوا: ناقةٌ ضامرٌ، يوصف به
المؤنَّث وهو مذكر. فإنَّما الحائض وأشباهه في كلامهم على أنَّه صفة
شيء، والشيء مذكر، فكأنهم قالوا: هذا شيء حائضٌ، ثمَّ وصفوا به
المؤنَّث كما وصفوا المذكر بالمؤنَّث فقالوا: رجلٌ نكحةٌ. فزعم الخليل
أنَّهم إذا قالوا حائضٌ فإنَّه لم يخرجه على الفعل، كما انه حين قال:
دارع
(3/383)
لم يخرجه على فعل، وكأنَّه قال: درعيٌّ.
فإنَّما أراد ذات حيضٍ ولم يجيء على الفعل.
وكذلك قولهم: مرضعٌ، إذا أراد ذات رضاعٍ ولم يجرها على أرضعت. ولا
ترضع. فإذا أراد ذلك قال: مرضعةٌ. وتقول: هي خائضة غداًُ لا يكون إلا
ذلك، لأنَّك إنَّما أجريتها على الفعل، على هي تحيض غداً.
هذا وجه ما لم يجر على فعله فيما زعم الخليل، مما ذكرنا في هذا الباب.
وزعم الخليل أنَّ فعولا، ومفعالا، ومفعلا، نحو قؤول ومقوالٍ، إنَّما
يكون في تكثير الشيء وتشديده والمبالغة فيه، وإنَّما وقع كلامهم على
أنَّه مذكر. وزعم الخليل أنَّهم في هذه الأشياء كأنهم يقولون: قوليٌّ،
وضربيٌّ. ويستدل على ذلك بقولهم: رجل عملٌ وطعمٌ ولبسٌ، فمعنى ذا كمعنى
قؤول ومقوال في المبالغة، إلا أن الهاء تدخله، يقول: تدخل في فعلٍ في
التأنيث.
وقالوا: نهرٌ، وإنما يريدون نهاريٌّ فيجعلونه، بمنزلة عمل، وفيه ذلك
المعنى.
وقال الشاعر:
لستُ بليليٍ ولكنَّي نَهِرْ ... لا أُدْلِجُ الليلَ ولكنْ أَبْتَكِرْ
(3/384)
فقولهم: نهرٌ في نهاريٌ يدُّل على أن عملاً
كقوله: عمليٌّ؛ أن في عمل من المعنى ما في نهرٍ، وقؤولٌ كذلك، لأنه في
معنى قولي.
وقالوا: رجل حرحٌ ورجل ستةٌ، كأنه قال: حريٌّ واستيٌّ.
وسألته عن قولهم: موت مائت، شغل شاغل، وشعر شاعر، فقال: إنَّما يريدون
في المبالغة والإجادة، وهو بمنزلة قولهم: هم ناصبٌ، وعيشةٌ راضيةٌ في
كل هذا.
فهذا وجه ما كان من الفعل ولم يجر على فعله، وهذا قول الخليل: يمتنع من
الهاء في التأنيث في فعولٍ وقد جاءت في شيء منه. وقال: مفعالٌ ومفعيلٌ
قل ما جاءت الهاء فيه، ومفعلٌ قد جاءت الهاء فيه كثيراً نحو مطعنٍ
ومدعسٍ، ويقال: مصكٌّ ومصكٌّة ونحو ذلك.
؟
هذا باب التثنية
اعلم أنَّ التثنية تكون في الرفع بالألف والنون، وفي النصب والجر
بالياء والنون، ويكون الحرف الذي تليه، الياء والألف مفتوحاً.
أمَّا ما لم يكن منقوصاً ولا ممدوداً فإنك لا تزيده في التثنية على أن
تفتح آخره كما تفتحه في الصلة إذا نصبت في الواحد، وذلك قولك: رجلانٍ،
وتمرتان، ودلوان، وعدلان، وعودان، وبنتان، وأختان، وسيفان، وعريانان،
وعطشانان، وفرقدان، وصمحمحان، وعنكبوتان، وكذلك هذه الأشياء ونحوهما.
وتقول في النصب والجرِّ: رأيت رجلين؛ ومررت بعنكبوتين؛ تجريه كما وصفت
لك.
(3/385)
هذا باب
تثنية ما كان من المنقوص على ثلاثة أحرف
اعلم أنَّ المنقوص إذا كان على ثلاثة أحرف فإن الألف بدلٌ؛ وليست
بزيادة كزيادة ألف حبلى.
فإذا كان المنقوص من بنات الواو أظهرت الواو في التثنية؛ لأنَّك إذا
حركت فلا بد من ياء أو واو؛ فالذي من الأصل أولى.
وإن كان المنقوص من بنات الياء أظهرت الياء.
فأمَّا ما كان من بنات الواو فمثل قفاً، لأنه من قفوت الرجل، تقول:
قفوان، وعصاً عصوانٍ؛ لأنَّ في عصاً ما في قفاً. تقول: عصوت ولا تميل
ألفها، وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه إمالة الألف، ورجاً رجوان،
لأنَّه من بنات الواو، يدلُّك على ذلك قول العرب: رجا فلا يميلون
الألف، وكذلك الرِّضا تقول: رضوان، لأنَّ الرِّضا من الواو، يدلك على
ذلك مرضوٌّ والرضوان. وأما مرضيٌّ فبمنزلة مسنية. والسَّنا بمنزلة
القفا، تقول: سنوان وكذلك ما ذكرت لك وأشباهه، وإذاعلمت أنه من بنات
الواو وكانت الإمالة تجوز في الألف أظهرت الواو، لأنَّها ألف مكان
الواو، فإذا ذهبت الألف فالتي الألف بدلٌ منها أولى. يدلك على ذلك
أنَّهم يقولون:
(3/386)
غزا فيميلون الألف، ثم يقولون: غزوا،
وقالوا: الكبا ثم قالوا الكبوان، بذلك أبو الخطاب عن أهل الحجاز.
وسألت الخليل عن العشا الذي في العينين فقال: عشوان، لأنَّه من الواو،
غير أنَّهم قد يلزمون بعض ما يكون من بنات الواو انتصاب الألف ولا
يجيزون الإمالة تخفيفاً للواو.
وأما الفتى فمن بنات الياء، قالوا: فتيانٌ وفتيةٌ، وأما الفتوَّة
والندوَّة فإنما جاءت فيهما الواو لضمَّة ما قبلهما، مثل لقضو الرجل من
قضيت، وموقنٌ، فجعلوا الياء تابعةً.
ولو سمَّيت رجلا بخطا قم ثنَّيت لقلت: خطوان، لأنَّها من خظوت. ولو
جعلت على اسما ثم ثنَّيت لقلت: علوان، لأنَّها من علوت، ولأنَّ ألفها
لازمة الانتصاب، وهي التي في قولك: على زيدٍ درهمٌ، وكذلك الجميع
بالتاء في جميع ذا، لأنَّه يحرك، ألا تراهم قالوا: قنوات وأدواتٌ،
وقطواتٌ.
وأما ما كان من بنات الياء فرحىً، وذلك لأنَّ العرب لا تقول إلاَّ رحىً
ورحيان، والعمى كذلك: عمى وعميان وعميٌ: وتقول: عميانٌ، والهدى هديان،
لأنَّك تقول: هديت، ولأنَّك قد تميل الألف في هدى. فهذا سبيل ما كان
المنقوص على ثلاثة أحرف، وكذلك الجميع بالتاء.
فأمَّا ربا فربوان؛ لأنَّك تقول: ربوت.
(3/387)
فإذا جاء شيء من المنقوص ليس له فعلٌ تثبت
فيه الواو، ولا له اسمٌ تثبت فيه الواو، وألزمت ألفه الانتصاب، فهو من
بنات الواو؛ لأنَّه ليس شيء من بنات الياء يلزمه الانتصاب لا تجوز فيه
الإمالة، إنَّما يكون ذلك في بنات الواو، وذلك نحو لدى، وإلى؛ وما
أشبههما. وإنَّما تكون التثنية فيهما إذا صارتا اسمين؛ وكذلك الجميع
بالتاء.
فإن جاء شيء من منقوص ليس له فعلٌ تثبت فيه الياء، ولا اسم تثبت فيه
الياء، وجازت الإمالة في ألفه؛ فالياء أولى به في التثنية؛ إلا أن تكون
العرب قد ثنته فتبيَّن لك تثنيتهم من أي البابين هو، كما استبان لك
بقولهم: قنوان وقطوات، أن القناة والقطاة من الواو. وإنَّما صارت الياء
أولى حيث كانت الإمالة في بنات الواو وبنات الياء أنَّ الياء أغلب على
الواو حتى تصيِّرها ياءً من الواو على الياء حتى تصيِّرها واواً.
وسترى ذلك في أفعل؛ وفي تثنية ما كان على أربعة أحرف. فلمَّا
(3/388)
لم يستبن كان الأقوى أولى حتَّى يستبين لك،
وهذا قول يونس وغيره؛ لأنَّ الياء أقوى وأكثر.
وكذلك نحو متى إذا صارت اسماً وبلى، وكذلك الجميع بالتاء.
هذا باب
تثنية ما كان منقوصا
وكان عدة حروفه أربعة أحرف فزائداً إن كانت ألفه بدلاً من الحرف
الذي من نفس الكلمة، أو كان زائداً غير بدل أما ما كانت الألف فيه
بدلاً من حرف من نفس الحرف فنحو أعشى، ومغزى وملهى ومغتزى، ومرمى
ومجرى، تثنى ما كان من ذا من بنات الواو كتثنية ما كان من بنات الياء؛
لأنَّ أعشى ونحوه لو كان فعلا لتحول إلى الياء.
فلما صار لو كان فعلا لم يكن إلاَّ من الياء، صار هذا النحو من الأسماء
متحولا إلى الياء، وصار بمنزلة الذي عدَّة حروفه ثلاثة وهو من بنات
الياء. وكذلك مغزى، لأنَّه لو كان يكون في الكلام مفعلت لم يكن إلا من
الياء، لأنَّها أربعة أحرف كالأعشى، والميم زائدة كالألف وكلَّما ازداد
الحرف كان من الواو أبعد.
فلمّا صار لو كان فعلا إلاَّ من الياء، صار هذا النحو من الأسماء
متحولا إلى الياء، وصار بمنزلة الذي عدَّة حروفه ثلاثة وهو من بنات
الياء. وكذلك مغزى، لأنَّه لو كان يكون في الكلام مفعلت لم يكن إلا من
الياء، لأنَّها أربعة أحرف كالأعشى، والميم زائدة كالألف وكلمَّا ازداد
الحرف كان من الواو أبعد.
وأما مغتزي فتكون تثنيته بالياء، كما أن فعله متحول إلى الياء.
(3/389)
وذلك أعشيان ومغزيان، ومغتزيان.
وكذلك، جمع ذا بالتاء كما كان جمع ما كان على ثلاثة أحرف بالتاء مثل
التثنية.
وأما ما كانت ألفه زائدةً فنحو: حبلى، ومعزى، ودفلى، وذفرى، لا تكون
تثنيته إلا بالياء، لأنك لو جئت بالفعل من هذه الأسماء بالزيادة لم يكن
إلا من الياء كسلقيته، وذلك قولك: حبليان، ومعزيان، ودفليان، وذفريان.
وكذلك جمعها بالتاء.
باب جمع المنقوص بالواو والنون في الرفع وبالنون والياء في الجر والنصب
اعلم أنَّك تحذف الياء وتدع الفتحة التي كانت قبل الألف على حالها،
وإنما حذفت لأنه لا يلتقي ساكنان، ولم يحركا كراهية الياءين مع الكسرة
والياء مع الضمة والواو حيث كانت معتلة، وإنما كرهوا ذا كما كرهوا في
الإضافة إلى حصى حصيٌّ. وإن جمعت قفاً اسم رجل قلت: قفون، حذفت كراهية
الواوين مع الضمَّة وتوالي الحركات.
(3/390)
وأما ما كان على أربعة ففيه ما ذكرنا مع
عدة الحروف وتوالي حركتين لازماً، فلما كان معتلاً كرهوا أن يحر؟ كوه
على ما يستثقلون إذ كان التحريك مستثقلاً، وذلك قولك: رأيت مصطفين،
وهؤلاء مصطفون؛ ورأيت حبنطين؛ وهؤلاء خبنطون؛ ورأيت قفين؛ وهؤلاء قفون.
؟
هذا باب تثنية الممدود
اعلم أنَّك كلَّ ممدود كان منصرفاً فهو في التثنية والجمع بالواو
والنون في الرفع، وبالياء والنون في الجر والنصب؛ بمنزلة ما كان آخره
غير معتل من سوى ذلك. وذلك نحو قولك: علباءان؛ فهذا الأجود الأكثر.
فإن كان الممدود لا ينصرف وآخره زيادةٌ جاءت علامةً للتأنيث فإنك إذا
ثنيته أبدلت واواً كما تفعل ذلك في قولك: حنفاويٌّ؛ وكذلك إذا جمعته
بالتاء.
واعلم أنَّ ناساً كثيراً من العرب يقولون: علباوان وحرباوان، شبّهوها
ونحوهما بحمراء، حيث كان زنة هذا النحو كزنته، وكان الآخر زائداً كما
كان آخره حمراء زائداً، وحيث مدت كما مدت حمراء.
وقال ناسٌ: كساوان وغطاوان، وفي رداء رداوان، فجعلوا ما كان آخره بدلاً
من شيء من نفس الحرف بمنزلة علباء، لأنَّه في المد مثل
(3/391)
وفي الإبدال، وهو منصرف كما انصرف، فلمَّا كان حاله كحال علباء إلاَّ
أنَّ آخره بدلٌ من شيء من نفس الحرف تبع علباءٍ كما تبع علباءٌ حمراء،
وكانت الواو أخف عليهم حيث وجد لها شبهٌ من الهمزة. وعلباوان أكثر من
قولك كساوان في كلام العرب، لشبهها بحمراء.
وسألت الخليل عن قولهم: عقلته بثنايين وهنايين، لم لم يهمزوا؟ فقال:
تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد ثم يبنوا عليه، فهذا بمنزلة السَّماوة،
لمَّا لم يكن لها جمع كالعظاء والعباء يجيء عليه جاء على الأصل. والذين
قالوا: عباءة جاءوا به على العباء. وإذا قلت: عباية فليس على العباء.
ومن ثم زعم قالوا مذروان، فجاءوا به على الأصل، فشبهوها بذا حيث لم
يفرد واحده. وقالوا لك نقاوةٌ ونقاوةٌ. وإنَّما صارت واواً لأنها ليست
آخر الكلمة. وقالوا لواحده: نقوةٌ، لأنَّ أصلها كان من الواو. |