الكتاب لسيبويه بابٌ لا تجوز فيه التثنية والجمع
بالواو والياء والنون وذلك نحو: عشرين، وثلاثين، والاثنين. لو سميت
رجلاً بمسلمين قلت:
(3/392)
هذا مسلمون، أو سميته برجلين قلت: هذا
رجلان، لم تثنَّه أبداً ولم تجمعه كما وصفت لك، من قبل أنَّه لا يكون
في اسم واحد رفعان ولا نصبان ولا جران ولكنك تقول: كلُّهم مسلمون،
واسمهم مسلمون، وكلُّهم رجلان، واسمهم رجلان. ولا يحسن في هذا إلا هذا
الذي وصفت لك وأشباهه.
وإنَّما امتنعوا أن يثنوا عشرين حين لم يجيزوا عشرونان، واستغنوا عنها
بأربعين. ولو قلت ذا لقلت مائانان، وألفانان، واثنانان، وهذا لا يكون
وهو خطأ لا تقوله العرب.
وإنما أوقعت العرب الاثنين في الكلام على حد قولك: اليوم يومان واليوم
خمسة عشر من الشهر. والذين جاءوا بها فقالوا: أثناءٌ إنَّما جاءوا بها
على حد الاثن كأنَّهم قالوا: اليوم الاثن. وقد بلغنا أنَّ بعض العرب
يقول: اليوم الثُّنى. فهكذا الاثنان كما وصفنا، ولكنَّه صار بمنزلة
الثَّلاثاء والأربعاء اسماً غالبا، فلا تجوز تثنيته.
وأما مقبلاتٌ فتجوز فيها التثنية إذا صارت اسم رجل، لأنَّه لا يكون فيه
رفعان ولا نصبان ولا جران فهي بمنزلة ما في آخره هاءٌ في التثنية
والجمع بالتاء. وذلك قولك في أذرعتان: أزرعاتان وفي تمراتٍ اسم رجل:
تمراتان. فإذا جمعت بالتاء قلت: تمرات، تحذف تحذف وتجيء أخرى كما تفعل
ذلك بالهاء إذا قلت: تمرة وتمرات.
(3/393)
؟
باب جمع الاسم الذي في آخره هاء
التأنيث
زعم يونس أنَّك إذا سميت رجلا طلحة أو امرأة أو سلمة أو جبلة، ثم أردت
أن تجمع جمعته بالتاء، كما كنت جامعة قبل أن يكون اسماً لرجل أو امرأة
على الأصل. ألا تراهم وصفوا المذكّر وبالمؤنث، قالوا: رجلٌ ربعةٌ
وجمعوها بالتاء: فقالوا ربعاتٌ ولم يقولوا: ربعون. وقالوا: طلحة
الطلحات ولم يقولوا: طلحة الطَّلحين. فهذا يجمع على الأصل لا يتغير عن
ذلك، كما أنَّه إذا صار وصفا للمذكر لم تذهب الهاء.
فأما حبلى فلو سميت بها رجلا أو حمراء أو خنفساء لم تجمعه بالتاء، وذلك
لأن تاء التأنيث تدخل على هذه الألفات فلا تحذفها. وذلك قولك حبليات،
وحباريات، وخنفساوات. فلمَّا صارت تدخل فلا تحذف شيئاً أشبهت هذه عندهم
أرضات ودريهمات. فأنت لو سميت رجلاً بأرض لقلت: أرضون ولم تقل: أرضات؛
لأنه ليس ههنا حرف تأنيث يحذف، فغلب على حبلى التذكير حيث صارت الألف
لا تحذف، وصارت بمنزلة ألف حبنطي التي لا تجيء للتأنيث. ألا تراهم
قالوا: زكرياوون فيمن مد، وقالوا زكريَّون فيمن قصر.
واعلم أنَّك لا تقول في حبلى وعيسى وموسى إلاَّ حبلون وعيسون وموسون،
وعيسون وموسون خطأٌ. ولو كنت لا تحذف ذا لئلا يلتقي ساكنان، وكنت
إنَّما تحذفها وأنت كأنك تجمع حبلٌ وموسٌ لحذفتها في التاء، فقلت:
حبارات وحبلات وشكاعات، وهو نبت. وإذا جمعت
(3/394)
ورقاء اسم رجل بالواو والنون وبالياء
والنون جئت بالواو ولم تهمز، كما فعلت ذلك في التثنية والجمع بالتاء
فقلت: ورقاوون.
وسمعت من العرب من يقول: ما أكثر الهبيرات، يريد جمع الهبيرة،
واطَّرحوا هبيرين كراهية أن يصير بمنزلة ما لا علامة فيه.
؟؟
باب جمع أسماء الرجال والنساء
اعلم أنَّك إذا جمعت اسم رجل فأنت بالخيار: إن شئت ألحقته الواو والنون
في الرفع، والياء والنون في الجر والنصب، وإن شئت كسرته للجمع على حد
ما تكسَّر عليه الأسماء للجمع.
وإذا جمعت اسم امرأة فأنت بالخيار إن شئت جمعته بالتاء، وإن شئت
كسَّرته على حد ما تكسَّر عليه الأسماء للجمع.
فإن كان آخر الاسم هاء التأنيث لرجلٍ أو امرأة، لم تدخله الواو والنون،
ولا تلحقه في الجمع إلا التاء. وإن شئت كسرته للجمع.
فمن ذلك إذا سميت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر، كننت بالخيار إن شئت قلت:
زيدون، وإن شئت قلت: أزيادٌ، كما قلت: أبياتٌ، وإن شئت قلت الزُّيود؛
وإن شئت قلت: العمرون، وإن شئت قلت: العمور والأعمر، وإن شئت قلتها ما
بين الثلاثة إلى العشرة. وكذلك بكرٌ. قال الشاعر، وهو رؤبة، فيما لحقته
الواو والنون في الرفع؛ والياء والنون في الجر والنصب:
(3/395)
أَنا ابنُ سَعْدٍ أَكْرَمُ السَّعدينا
والجمع هكذا في الأسماء كثير، وهو قول يونس والخليل.
وإن سميته ببشرٍ أو بردٍ أو حجرٍ فكذلك، إن شئت ألحقت فيه ما ألحقت في
بكرٍ وعمروٍ، وإن شئت كسرت فقلت: أبرادٌ، وأبشارٌ وأحجارٌ. وقال
الشاعر، فيما كسر واحده، وهو زيد الخيل:
ألا أَبْلِغِ الأَقْيَاسَ قَيْسَ بن نوفلٍ ... وَقَيْسَ بنَ أُهْبَانٍ
وَقَيْسَ بنَ جَابِرِ
وقال الشاعر:
رأَيْتُ سُعوداً من شُعوبٍ كثيرةٍ ... فلم أرَ سَعْداً مِثْلَ سَعْدِ
بنِ مَالِكِ
وقال الشاعر، وهو الفرزدق:
وشيَّد لي زُرارةُ باذخاتٍ ... وَعَمْرُو الخيرِ إذ ذُكِرَ العُمورُ
(3/396)
وقال: فأين الجنادب لنفرٍ يسمَّى كلُ واحدٍ
منهم جندبا.
وقال الشاعر:
رأَيْتُ الصَّدع مِن كعبٍ وكانوا ... من الشَنآنِ قد صاروا كِعابَا
وإذا سمَّيت امرأةً بدعدٍ فجمعت بالتاء قلت: دعداتٌ، فثقلت كما ثقَّلت
أرضاتٌ؛ لأنَّك إذا جمعت الفعل بالتاء فهو بمنزلة جمعك الفعلة من
الأسماء. وقولهم: أرضاتٌ دليلٌ على ذلك.
وإذا جمعت جمل على من قال: ظلماتٌ قلت: جملاتٌ، وإن شئت كسَّرتها كما
كسَّرت عمراً فقلت: أدعدٌ. وإن سمَّيت بهندٍ أو جملٍ فجمعت بالتاء
فقلت: جملاتٌ ثقَّلت في قول من ثقَّل ظلماتٌ وهنداتٌ فيمن ثقل في
الكسرة فقال: كسراتٌ - ومن العرب من يقول كسراتٌ - وإن شئت كسّرت كما
كسّؤت بردا وبشرا فقلت: أهنادٌ وأجمالٌ.
وإن سميت امرأةً بقدمٍ فجمعت بالتاء قلت: قدماتٌ كما تقول هنداتٌ
وجملاتٌ، تسكِّن وتحرِّك هذين خاصَّة، وإن شئت كسَّرت كما كسَّرت
حجراً.
(3/397)
قال الشاعر فيما كسر للجمع، وهو جرير:
أخالدَ قد عَلِقْتُكِ بعد هندٍ ... فشيّبني الخَوالدُ والهُنودُ
وقالوا: الهنود كما قالوا: الجذوع، وإن شئت قلت: الأهناد كما تقول:
الأجذاع.
وإن سميت رجلا بأحمر فإن شئت قلت: أحمرون، وإن شئت كسَّرته فقلت:
الأحامر، ولا تقول: الحمر لأنَّه الآن اسمٌ وليس بصفة، كما تجمع
الأرانب والأرامل، كما قلت: أداهم حين تكلَّمت بالأدهم كما يكلم
بالأسماء، وكما قلت: الأباطح.
وإن سميت امرأةً بأحمر فإن شئت قلت: أحمراتٌ، وإن شئت كسرته كما تكسِّر
الأسماء فقلت: الأحامر. وكذلك كسَّرت العرب هذه الصفات حين صارت أسماء،
قالوا: الأجارب، والأشاعر. والأجارب بنو أجرب؛ وهو جمع أجرب.
وإن سميت رجلا بورقاء فلم تجمعه بالواو والنون وكسَّرته، فعلت به
(3/398)
ما فعلت بالصَّلفاء إذا جمعت؛ وذلك قولك:
صلافٍ، وخبراء وخبارٍ، وصحراء وصحارٍ، فورقاء تحوَّل اسماً كهذه
الأشياء؛ فإن كسَّرتها كسرتها هكذا. وكذلك إن سميت بها امرأة فلم تجمع
بالتاء.
وإن سميت رجلا بمسلمٍ فأردت أن تكسِّر ولا تجمع بالواو والنون قلت:
مسالمٌ، لأنه اسم مثل مطرفٍ.
وإن سميته بخالدٍ فأردت أن تكسَّر للجميع قلت: خوالد؛ لأنَّه صار اسماً
بمنزلة القادم والآخر، وإنما تقول: القوادم والأواخر. والأناسي وغيرهم
في ذا سواءٌ. ألا تراهم قالوا: غلامٌ، ثم قالوا: غلمانٌ كما قالوا:
غربانٌ، وقالوا: صبيانٌ كما قالوا: قضبانٌ، وقد قالوا: فوارس في
الصِّفة فهذا أجدر أن يكون. والدَّليل على ذلك أنك لو أردت أن تجمع
قوماً على خالد وحاتم كما قلت: المناذرة والمهالبة لقلت: الحواتم
والخوالد.
ولو سمَّيت رجلاً بقصعة فلم تجمع بالتاء قلت: القصاع، وقلت: قصعاتٌ إذا
جمعت بالتاء.
ولو سميت رجلاً أو امرأة بعبلةٍ، ثم جمعت بالتاء لثقلت كما ثقلت تمرة
لأنها صارت اسما. وقد قالوا: العبلات فثقلوا حيث صارت اسماً، وهم حيٌّ
من قريش.
ولو سميت رجلاً أو امرأة بسنةٍ لكنت بالخيار، إن شئت قلت: سنواتٌ وإن
شئت قلت: سنون، لا تعدو جمعهم إياها قبل ذلك، لأنَّها ثمَّ اسمٌ غير
وصف كما هي ههنا اسم غير وصف. فهذا اسمٌ قد كفيت جمعه.
(3/399)
ولو سمّيته ثبةً لم تجاوز أيضاً جمعهم
إياها قبل ذلك ثباتٌ وثبون.
ولو سميته بشيةٍ أو ظبةٍ لم تجاوز شياتٌ وظباتٌ؛ لأنَّ هذا اسمٌ لم
تجمعه العرب إلاَّ هكذا. فلا تجاوزنَّ ذا في الموضع الآخر؛ لأنَّه ثم
اسم كما أنَّه ههنا اسم. فكذلك فقس هذه الأشياء.
وسألته عن رجل يسمَّى بابنٍ فقال: إن جمعت بالواو والنون قلت: بنون كما
قلت قبل ذلك، وإن شئت كسرت فقلت: أبناء.
وسألته عن امرأةٍ تسمَّى بأمٍ، فجمعها بالتاء وقال: أمَّهات، وأمَّات
في لغة من قال: أمَّات، لا يجاوز ذلك، كما أنَّك لو سميت رجلاً بأبٍ ثم
ثنيته لقلت: أبوان لا تجاوز ذلك.
وإذا سميت رجلاً باسمٍ فعلت به ما فعلت بابنٍ، إلاَّ أنَّك لا تحذف
الألف، لأنَّ القياس كان في ابنٍ أن لا تحذف منه الألف، كما لم تحذفه
في التثنية، ولكنَّهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه، فحركوا الباء وحذفوا
الألف كمنين وهنين: ولو سميت رجلاً بامرئٍ لقلت: امرءون. وإن شئت كسرته
كما كسرت ابناً واسماً وأشباهه.
ولو سميته بشاةٍ لم تجمع بالتاء، ولم تقل إلاَّ: شياهٌ، لأنَّ هذا
الاسم قد جمعته العرب فلم تجمعه بالتاء.
(3/400)
ولو سميت رجلاً بضربٍ لقلت: ضربون وضروبٌ،
لأنه قد صار اسماً بمنزلة عمروٍ، وهم قد يجمعون المصادر فيقولون:
أمراضٌ وأشغالٌ وعقولٌ، فإذا صار اسماً فهو أجدر أن يجمع بتكسير.
وإن سميته بربة، في لغة من خفَّف فقال: ربة رجلٍ فخفف، ثم جمعت قلت:
رباتٌ وربون في لغة من قال: سنون. ولا يجوز ظبون في ظبةٍ؛ لأنَّه اسمٌ
جمع ولم يجمعوه بالواو والنون. ولو كانوا كسَّروا ربة وامرأً أو جمعوه
بواو ونون فلم يجاوزا به ذلك لم تجاوزه، ولكنَّهم لمَّا لم يفعلوا ذلك
شبَّهاه بالأسماء.
وأما عدةٌ فلا تجمعه إلاَّ عداتٌ. لأنَّه ليس شيء مثل عدةٍ كسر للجمع،
ولكنك إن شئت قلت: عدون إذا صارت اسما كما قلت: لدون.
ولو سميت رجلا شفةً أو أمةً ثم قلت: آم في الثلاثة إلى العشرة، وأمَّا
في الكثير فإماء، ولقلت في شفةٍ: شفاهٌ.
ولو سمّيت امرأة بشفةٍ أو أمةٍ ثم كسّرت لقلت: آمٍ، وشفاهٌ وإماءٌ، ولا
تقل: شفاتٌ ولا أماتٌ، لأنَّهن أسماء قد جمعن، ولم يفعل بهن هذا. ولا
تقل إلاَّ آمٍ في أدنى العدد؛ لأنه ليس بقياس. فلا تجاوز به هذا؛
لأنَّها أسماء
(3/401)
كسرتها العرب، وهي في تسميتك بها الرجال
والنساء أسماء بمنزلتها هنا. وقال بعض العرب: أمةٌ وإموانٌ، كما قالوا:
أخٌ وأخوانٌ، قال الشاعر، وهو القتال الكلابي:
أمَّا الإماءُ فلا يدعونني ولدا ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار
ولو سمّيت رجلاً ببرةٍ ثم كسرت لقلت: برًى مثل ظلمٍ، كما فعلوا به ذلك
قبل التسمية، لأنَّه قياس.
وإذا جاء شيءٌ مثل برةٍ لم تجمعه العرب ثم قست وألحقت التاء والواو
والنون لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين جمع
بالتاء والواو والنون ولم يكسر على الأصل.
وإذا سميت رجلاً أو امرأة بشيء كان وصفا، ثم أردت أن تكسِّره كسرته على
حدّ تكسيرك إيّاه لو كان على القياس. فإن كان اسماً قد كسرته العرب لم
تجاوز ذلك. وذلك أن لو سمّيت رجلاً بسعيدٍ أو شريفٍ، وجمعته كما تجمع
الفعيل من الأسماء التي لم تكن صفةً قط فقلت:
(3/402)
فعلانٌ وفعلٌ إن أردت أن تكسره، كما كسرت
عمراً حين قلت: العمور. ومن قال: أعمرٌ قال في هذه أفعلة. فإذا جاوزت
ذلك كسرته على المثال الذي كسر عليه الفعيل في الأكثر، وذلك نحو: رغيفٍ
وجريبٍ، تقول: أرغفة وأجربة، وجربان ورغفان. وقد يقولون: الرغف، كما
قالوا: قضب الرَّيحان. قال لقيط بن زرارة:
إنّ الشِّواء والنَّشيل والرُّغف
وقالوا: السُّبل، وأميلٌ وأملٌ.
وأكثر ما يكسَّر هذا عليه: الفعلان، والفعلان، والفعل. وربما قالوا:
الأفعلاء في السماء، نحو: الأنصباء، والأخمساء. وذلك نحو الأول الكثير.
فلو سميت رجلاً بنصيبٍ لقلت: أنصباء إذا كسرته. ولو سميته بنسيبٍ، ثم
كسرته لقلت: أنسباء؛ لأنَّه جمع كما جمع النَّصيب، وذلك لأنَّهم
يتكلمون به كما يتكلمون بالأسماء.
وأمَّا والدٌ وصاحبٌ فإنَّهما لا يجمعان ونحوهما كما يجمع قادم الناقة،
(3/403)
لأنَّ هذا وإن تكلم به كما يتكلم بالأسماء
فإن أصله الصفة وله مؤنَّث يجمع بفواعل، فأرادوا أن يفرقوا بين
المؤنَّث والمذكر، وصار بمنزلة المذكر الذي يستعمل وصفا نحو: ضاربٍ،
وقاتلٍ.
وإذا جاء صفة قد كسرت كتكسيرهم إيَّاها لو كانت اسماً، ثم سميت بها
رجلا كسرته على ذلك التكسير؛ لأنَّه كسِّر تكسير الأسماء فلا
تجاوزنَّه.
ولو سمّيت رجلاً بفعال، نحو جلالٍ، لقلت: أجلَّة، على حد قولك أجربةٌ،
فإذا جاوزت ذلك قلت: جلاَّن؛ لأنَّ فعالا في الأسماء إذا جاوز الأفعلة
إنَّما يجيء عاَّمته على فعلانٍ، فعليه تقيس على الأكثر.
وإذا كسَّرت الصفة على شيء قد كسِّر عليه نظيرها من الأسماء كسَّرتها
إذا صارت اسماً على ذلك، وذلك شجاعٌ وشجعانٌ، مثل زقاقٍ وزقَّان،
وفعلوا ما ذكرت لك بالصفة إذا صارت اسماً، كما قلت في الأحمر: الأحامر،
والأشقر: الأشاقر، فإذا قالوا: شقرٌ أو شقرانٌ، فإنَّما يحمل على
الوصف، كما أنَّ الذين قالوا: حارثٌ قالوا: حوارث إذا أرادوا أن يجعلوا
ذلك
(3/404)
اسماً. ومن أراد أن يجعل الحارث صفةً، كما
جعلوه الذي يحرث، جمعوه كما جمعوه صفة، إلا أنَّه غالب كزيدٍ.
ولو سمَّيت رجلا بفعيلةٍ، ثم كسَّرته قلت: فعائل. ولو سمَّيته باسمٍ قد
كسَّروه فجعلوه فعلا في الجمع مما كان فعيلةً، نحو: الصَّحف والسَّفن،
أجريته على ذلك في تسميتك به الرجل والمرأة، وإن سميته بفعيلةٍ صفةً
نحو: القبيحة والظريفة، لم يجز فيه إلاَّ فعائل؛ لأنَّ الأكثر فعائل
فإنَّما تجعله على الأكثر.
ولو سميت رجلا بعجوز لجاز فيه العجز؛ لأنَّ الفعول من الأسماء قد جمع
على هذا، نحو عمودٍ وعمدٍ، وزبور وزيرٍ.
وسألت الخليل، عن أبٍ فقال: إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها
قلت: أبون، وكذلك أخٌ تقول: أخون، لا تغيِّر البناء، إلا أن تحدث العرب
شيئاً، كما تقول: دمون.
ولا تغيِّر بناء الأب عن حال الحرفين؛ لأنَّه عليه بني، إلاَّ أن تحدث
العرب شيئاً، كما بنوه على غير بناء الحرفين.
وقال الشاعر:
(3/405)
فلما تبيَّن أصواتنا ... بكين وفدَّيننا
بالأبِينَا
أنشدناه من نثق به، وزعم أن جاهليٌ. وإن شئت كسَّرت، فقلت: آباءٌ
وآخاءٌ.
وأما عثمان ونحوه فلا يجوز فيه أن يكسِّره، لأنك توجب في تحقيره
عثيمين؛ فلا تقول عثامين فيما يجب له عثيمان ولكن عثمانون. كما يجب
عثيمان؛ لأنَّ أصل هذا أن يكون الغالب عليه باب غضبان، إلا أن تكسِّر
العرب شيئاً منه عل مثال فعاعيل، فيجيء التحقير عليه.
ولو سميت رجلا بمصران، ثمَّ حقَّرته قلت: مصيرانٌ، ولا تلتفت إلى
مصارين، لأنك تحقِّر المصران كما تحقِّر القضبان، فإذا صار اسماً جرى
مجرى عثمان؛ لأنه قبل أن يكون اسماً لم يجر مجرى سرحانٍ محقَّراً.
باب يجمع فيه الاسم
إن كان لمذكَّر أو مؤنث بالتاء كما يجمع ما كان آخره هاء التأنيث
وتلك الأسماء التي آخرها تاء التأنيث، فمن ذلك بنتٌ إذا كان اسماً لرجل
تقول: بناتٌ، من قبل أنَّها تاء التأنيث، لا تثبت مع تاء الجمع، كما لا
تثبت الهاء، فمن ثم صيرت مثلها.
(3/406)
وكذلك هنتٌ وأختٌ، لا تجاوز هذا فيها.
وإن سمَّيت رجلاً بذيت ألحقت تاء التأنيث، فتقول: ذياتٌ، وكذلك هنتٌ
اسم رجل، تقول: هنات.
باب ما لا يكسِّر مما كسر للجمع
وما لا يكسَّر من أبنية الجمع إذا جعلته اسماً لرجل أو امرأة أما ما لا
يكسَّر فنحو: مساجد ومفاتيح، لا تقول إلاَّ مساجدون ومفاتيحون، فإن
عنيت نساءً قلت: مساجداتٌ ومفاتيحاتٌ؛ وذلك لأنَّ هذا المثال لا يشبه
الواحد، ولم يشبَّه به فيكسَّر على ما كسر عليه الواحد الذي على ثلاثة
أحرف. وهو لا يكسَّر على شيء، لأنه الغاية التي ينتهى إليها، ألا تراهم
قالوا: سراويلاتٌ حين جاء على مثال ما لا يكسَّر.
ولو أردت تكسير هذا المثال رجعت إليه، فلما كان تكسيره لا يرجع إلاَّ
إليه لم يحرك.
وأمَّا ما يجوز تكسيره فرجل سمَّيته بأعدالٍ أو أنمارٍ، وذلك قولك:
أعاديل وأنامير؛ لأنَّ هذا المثال قد يكسَّر وهو جميع، فإذا صار واحداً
فهو أجدر أن يكسَّر. قالوا: أقاويل في أقوالٍ، وأبابيت في أبياتٍ،
وأناعيم في أنعامٍ. وكذلك أجربةٌ تقول فيها: أجارب؛ لأنَّهم قد كسَّروا
هذا المثال وهو جميع، وقالوا: في الأسقية: أساقٍ.
(3/407)
وكذلك لو سميت رجلاً بأعبدٍ جاز فيه
الأعابد، لأنَّ هذا المثال يحقَّر كما يحقَّر الواحد، ويكسَّر وهو
جميع، فإذا صار واحداً فهو أحسن أن يكسَّر، قالوا: أيدٍ وأيادٍ، وأوطبٌ
وأواطب.
وكذلك كل شيء بعدد هذا مما كسر للجمع، فإن كان عدة حروفه ثلاثة أحرف
فهو يكسر على قياسه لو كان اسماً واحداً، لأنه يتحوَّل فيصير كخزرٍ
وعنبٍ ومعيٍ، ويصير تحقيره كتحقيره لو كان اسماً واحداً.
ولو سميت رجلا بفعولٍ جاز أن تكسره فتقول: فعائل، لأن فعولا قد يكون
الواحد على مثاله، كالآتي والسُّدوس. ولو لم يكن واحداً لم يكن بأبعد
من فعولٍ من أفعالٍ من إفعالٍ. وبكون مصدراً والمصدر واحد كالقعود
والرُّكوب.
ولو كسرته اسم رجل لكان تكسيره كتكسير الواحد الذي في بنائه، نحو فعولٍ
إذا قلت: فعائل. ففعولٌ بمنزلة فعالٍ إذا كان جميعاً. والفعال نحو:
جمالٍ إن سميت بها رجلا، لأنَّها على مثالٍ جرابٍ.
(3/408)
ولو سميت رجلا بتمرة لكانت كقصعة؛ لأنَّها
قد تحولت عن ذلك المعنى؛ لست تريد فعلةً من فعلٍ؛ فيجوز فيها تمارٌ كما
جاز قصاع.
باب جمع الأسماء المضافة
إذا جمعت عبد الله ونحوه من الأسماء وكسَّرت قلت: عباد الله وعبيد
الله، كتكسيرك إيَّاه لو كان مفردا. وإن شئت قلت: عبدو الله، كما قلت:
عبدون لو كان مفردا، وصار هذا فيه حيث صار علما، كما كان في حجر حجرون
حيث صار علما.
وإذا جمعت أبا زيدٍ قلت: آباء زيدٍ، ولا تقول: أبو زيدين؛ لأنَّ هذا
بمنزلة ابن كراع، إنما يكون معرفة بما بعده. والوجه أن تقول: آباء
زيدٍ، وهو قول يونس. وهو أحسن من آباء الزَّيدين، وإنَّما أردت أن
تقول: كل واحدٍ منهم يضاف إلى هذا الاسم.
وهذا مثل قولهم: بنات لبونٍ، إنَّما أردت كلَّ واحدة تضاف إلى هذه
الصفة وهذا الاسم.
ومثل ذلك ابنا عمٍ وبنو عمٍ، وابنا خالة، كأنَّه قال: هما ابنا هذا
الاسم، تضيف كلَّ واحد منهما إلى هذه القرابة، فكأنه قال: هما مضافان
إلى هذا القول. وآباء زيدٍ نحو هذا، وبنات لبون.
وتقول: أبو زيدٍ، تريد أبون على إرادتك الجمع الصحيح.
(3/409)
باب من الجمع بالواو
والنون وتكسير الاسم
سألت الخليل عن قولهم. الأشعرون، فقال: إنما ألحقوا الواو والنون، كما
كسروا، فقالوا: الأشاعر، والأشاعث، والمسامعة، فكلما كسروا مسمعاً
والأشعث حين أرادوا بني مسمعٍ وبني الأشعث، ألحقوا الواو والنون. وكذلك
الأعجمون. وقد قال بعضهم: النُّميرون. وليس كل هذا النحو تلحقه الواو
والنون، كما ليس كلُّ هذا النحو يكسَّر، ولكن تقول فيما قالوا: وكذلك
وجه هذا الباب.
وسألوا الخليل عن مقتويٍ ومقتوين، فقال: هذا بمنزلة الأشعري والأشعرين.
فإن قلت: لم لم يقولوا مقتون؟ فإن شئت قلت: جاءوا به على الأصل كما
قالوا: مقاتوهُ. حدثنا بذلك أبو الخطاب عن العرب. وليس كلُّ العرب يعرف
هذه الكلمة. وإن شئت قلت: هو بمنزلة مذروين، حيث لم يكن له واحد يفرد.
(3/410)
وأمَّا النَّصارى فإنه جماع نصرىٍ ونصران،
كما قالوا: ندمان وندامى، وفي مهريٍ مهارى، وإنَّما شبَّهوا هذا
ببخاتي، ولكنَّهم حذفوا إحدى الياءين كما حذفوا من أُثفية، وأبدولا
مكانها ألفاً، كما قالوا صحارى.
هذا قول الخليل. وأمَّا الذي نوجِّهه عليه فأنَّه جاء على نصرانةٍ،
لأنَّه قد تكلم به في الكلام، فكأنَّك جمعت نصران، كما جمعت الأشعث
ومسمعا، وقلت نصارى، كما قلت ندامى، فهذا أقيس، والأول مذهبٌ.
يعني طرح إحدى الياءين حيث جمعت وإن كانت للنسب، كمال تطرح للتحقير من
ثماني، فتقول: ثمينٌ، وأدع ياء الإضافة، كما قلت في بختيةٍ بالتثقيل في
الواحد، والحذف في الجمع إذ جاءت مهارى وأنت تنسبها إلى مهرة. وأن يكون
جمع نصران أقيس، إذ لم نسمعهم قالوا: نصرىٌّ.
قال أبو الأخزر الحماني:
فكِلْتاهما خرَّت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف
باب تثنية الأسماء المبهمة التي أواخرها
معتلة
وتلك الأسماء: ذا، وتا، والذي، والتي، فإذا ثنيت ذا قلت: ذان، وإن ثنيت
تا قلت: تان، وإن ثنيت الذي قلت: اللَّذان، وإن جمعت فألحقت الواو
والنون قلت: اللَّذون.
وإنما حذفت الياء والألف لتفرق بينها وبين ما سواها من الأسماء
المتمكنة غير المبهمة، كما فرقوا بينها وبين ما سواها في التحقير.
(3/411)
واعلم أنَّ هذه الأسماء لا تضاف إلى
الأسماء كما تقول: هذا زيدك، لأنها لا تكون نكرة فصارت لاتضاف، كما لا
يضاف ما فيه الألف واللام.
باب ما يتغير في الإضافة إلى الاسم
إذا جعلته اسم رجل أو امرأة، ومالا يتغير إذا كان اسم رجل أو امرأة.
أمَّا مالا يتغير فأبٌ وأخٌ ونحوهما، تقول: هذا أبوك وأخوك كإضافتهما
قبل أن يكونا اسمين، لأن العرب لمَّا ردته في الإضافة إلى الأصل
والقياس تركته على حاله في التسمية، كما تركته في التثنية على حاله.
وذلك قولك: أبوان في رجل اسمه أبٌ، فأمَّا فمٌ اسم رجل، فإنَّك إذا
أضفته قلت: فمك، وكذلك إضافة فمٍ. والذين قالوا: فوك، لم يحذفوا الميم
ليردوا الواو، ففوك لم يغيَّر له فمٌ في الإضافة. وإنَّما فوك بمنزلة
قولك: ذو مالٍ. فإذا أفردته وجعلته اسماً لرجل، ثم أضفته إلى اسم لم
تقل: ذُوك، لأنه لم يكن له اسمٌ مفردٌ ولكن تقول: ذواك.
وأما مايتغيّر: فلدى، وإلى وعلى، إذا صرن أسماء لرجال أو لنساء قلت:
هذا لداك وعلاك، وهذا إلاك. وإنما قالوا: لديك، وعليك، وإليك في غير
التسمية ليفرقوا بينها وبين الأسماء المتمكنة، كما فرقوا بين عني ومني
وأخواتها وبين هني، فلمَّا سميت بها جعلتها بمنزلة الأسماء، كما أنَّك
لو سميت بعن أو من قلت: عني كما تقول هني.
(3/412)
وحدثنا الخليل أن ناساً من العرب يقولون:
علاك، ولداك، وإلاك.
وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف.
وسألت الخليل عمن قال: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك ثم قال: مررت
بكليهما، فقال: جعلوه بمنزلة عليك ولديك في الجر والنصب لأنَّهما ظرفان
يستعملان في الكلام مجرورين ومنصوبين، فجعل كلا بمنزلتهما حين صار في
موضع الجر والنصب. وإنَّما شبَّهوا كلا في الإضافة بعلى لكثرتهما في
كلامهم، ولأنَّهما لايخلوان من الإضافة. وقد يشبَّه الشيء بالشيء وإن
كان ليس مثله في جميع الأشياء. وقد بين ذلك فيما مضى، وستراه فيما بقي
إن شاء الله، كما شبه أمس بغاقٍ وليس مثله، وكما قالوا: من القوم
فشبَّهوها بأين.
ولا تفرد كلا، إنَّما تكون للمثنى أبداً.
باب إضافة المنقوص إلى الياء
التي هي علامة المجرور المضمر اعلم أنَّ الياء لا تغيَّر ألف،
وتحرِّكها بالفتحة لئلاَّ يلتقي ساكنان وذلك قولك: بشراى، وهداى،
وأعشاى.
(3/413)
وناسٌ من العرب يقولون: بشرىَّ وهدىَّ،
لأنَّ الألف خفية، والياء خفية، فكأنهم تكلموا بواحدةٍ فأرادوا
التبيان، كما أنَّ بعض العرب يقول: أفعى لخفاء الألف في الوقف، فإذا
وصل لم يفعل. ومنهم من يقول: أفعى في الوقف والوصل، فيجعلها ياء ثابتة.
باب إضافة كل اسم آخره ياء
تلي حرفا مكسورا إلى هذه الياء.
اعلم أن الياء التي هي علامة المجرور إذا جاءت بعد ياء لم تكسرها وصارت
ياءينٍ مدغمةً إحداهما في الأخرى. وذلك قولك: هذا قاضيَّ وهؤلاء
جواريَّ، وسكنت في هذا لأن الضمير تصير فيه مع هذه الياء كما تصير فيه
الياء في الجر، لأن هذه الياء تكسر ما تلي.
وإن كانت بعد واوٍ ساكنة قبلها حرفٌ مضموم تليه قلبتها ياءً، وصارت
مدغمةً فيها. وذلك قولك: هؤلاء مسلمىَّ وصالحىَّ، وكذلك أشباه هذا. وإن
وليت هذه الياء ياء ساكنة قبلها حرفٌ مفتوح لم تغيرها، وصارت مدغمةً
فيها، وذلك قولك: رأيت غلامىَّ. فإن جاءت تلي ألف الاثنين في الرفع فهي
بمنزلتها بعد ألف المنقوص، إلا أنَّه ليس فيها لغة من قال: بُشرىَّ،
فيصير المرفوع بمنزلة المجرور والمنصوب، ويصير كالواحد نحو عصىَّ،
فكرهوا الالتباس حيث وجدوا عنه مندوحةً.
واعلم أنَّ كلَّ اسمٍ آخره ياء تلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون
(3/414)
في الرفع، والياء والنون في الجر والنصب
للجمع، حذفت منه الياء التي هي آخره، ولا تحركها لعلة ستبيَّن لك إن
شاء الله، ويصير الحرف الذي كانت تليه مضموما مع الواو، لأنَّه حرف
الرفع فلا بد منه، ولا تكسر الحرف مع هذه الواو، ويكون مكسوراً مع
الياء. وذلك قولك: قاضون وقاضين وأشباه ذلك.
هذا باب التصغير
اعلم أنَّ التصغير إنَّما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة: على فعيلٍ،
وفعيعلٍ وفعيعيلٍ.
فأمَّا فعيلٌ فلما كان عدة حروفه ثلاثة أحرف، وهو أدنى التصغير، لا
يكون مصغَّرٌ على أقل من قعيلٍ، وذلك نحو قييسٍ، وجميلٍ، وجبيلٍ. وكذلك
جميع ما كان على ثلاثة أحرف.
(3/415)
وأمَّا فعيعلٌ فلما كان على أربعة أحرف وهو
المثال الثاني، وذلك نحو جعيفرٍ ومطيرفٍ، وقولك في سبطرٍ: سبيطرٌ،
وغلامِ: غُليّم، وعلبطٍ علبيطٌ. فإذا كانت العدة أربعة أحرف صار
التصغير على مثال: فعيعلٍ، تحركن جمع أو لم يتحركن، اختلفت حركاتهن أو
لم يختلفن كما صار كل بناء عدة حروفه ثلاثةٌ على مثال فعيلٍ تحركن جمع
أو لم يجمع اختلفت حرتكاتهن أولم يختلفن.
وأمَّا فعيعيلٌ فلما كان على خمسة أحرف، وكان الرابع منه واواً أو
ألفاً أو ياء، وذلك نحو قولك في مصباحٍ: مصيبيحٌ، وفي قنديلٍ: قنيديلٌ،
وفي كردوسٍ: كريديسٌ، وفي قربوسٍ: قريبيسٌ، وفي حمصيصٍ حميصيصٌ، لا
تبالي كثرة الحركات ولا قلتها ولا اختلافها.
واعلم أنَّ تصغير ما كان على أربعة أحرف إنّما يجيء على حال مكسَّرة
للجمع في التحرك والسكون، ويكون ثالثه حرف اللين، كما أنك إذا كسَّرته
للجمع كان ثالثه حرف اللين، إلاَّ أنَّ ثالث الجمع ألف، وثالث التصغير
ياء، وأول التصغير مضموم، وأول الجمع مفتوح.
وكذلك تصغير ما كان على خمسة أحرف يكون في مثل حاله لو كسرته للجمع،
ويكون خامسه ياء قبلها حرف مكسور، كما يكون ذلك لو كسرته للجمع، ويكون
ثالثه حرف لينٍ كما يكون ثالثه في الجمع حرف لين. غير
(3/416)
أنَّ ثالثه في الجمع ألف وثالثه في التصغير
ياء، وأوله في الجمع مفتوح وفي التصغير مضموم.
وإنما فعل ذلك لأنَّك تكسر الاسم في التحقير كما تكسره في الجمع
فأرادوا أن يفرقوا بين علم التصغير والجمع.
باب تصغير ما كان على خمسة أحرف.
ولم يكن رابعه شيئاً مما كان رابع ما ذكرناه مما كان عدة حروفه خمسة
أحرف.
وذلك نحو: سفرجلٍ، وفرزذقٍ، وقبعثري، وشمردلٍ، وجحمرشٍ، وصهصلق. فتحقير
العرب هذه الأسماء: سفيرجٌ، وفريزدٌ، وشميردٌ، وقبيعثٌ، وصهصيلٌ.
وإن شئت ألحقت في كل اسم (منها) ياءً قبل آخر حروفه عوضاً. وإنَّما
حملهم على هذا أنَّهم لايحقّرون ماجاوز ثلاثة أحرف إلاَّ على زنته
وحاله لو كسَّروه للجمع. إلاَّ أنَّ نطير الحرف اللين الثالث الذي في
الجمع الياء في التصغير. وأول التصغير مضموم وأوَّل الجمع مفتوح، لما
ذكرت لك. فالتصغير والجمع بمنزلة واحدةٍ في هذه الأسماء في حروف اللين
وانكسار الحرف بعد حرف اللين الثالث، وانفتاحه قبل حرف اللين، إلاَّ
أنَّ أوَّل التصغير وحرف لينه كما ذكرت لك، فالتصغير والجمع من وادٍ
واحد.
(3/417)
وإنَّما منعهم أن يقولوا: سفيرجلٌ أنَّهم كسَّروه لم يقولوا: سفارجل،
ولافرازدق، ولاقباعثر، ولاشماردل.
وسأبيِّن لك إن شاء الله لم كانت هذه الحروف أولى بالطرح في التصغير من
سائر الحروف التي من بنات الخمسة.
وهذا قول يونس. وقال الخليل: لو كنت محقِّراً هذه الأسماء لا أحذف منها
شيئاً كما قال بعض النحويين، لقلت: سفيرجلٌ كما ترى، حتى يصير بزنة
دنينيرٌ، فهذا أقرب وإن لم يكن من كلام العرب.
باب تصغير المضاعف
الذي قد أدغم أحد الحرفين منه في الآخر
وذلك قولك في مدقٍّ: مديقٌّ وفي أصمَّ: أصيمٌّ، ولاتغيِّر الإدغام عن
حاله كما أنَّك إذا كسَّرت مدقَّا للجمع قلت: مداقُّ، ولو كسرت أصم على
عدَّة حروفه كما تكسر أجدلاً فتقول: أجادل لقلت: أصامُّ. فإنَّما أجريت
التحقير على ذلك، وجاز أن يكون الحرف الدغم بعد الياء الساكنة، كما كان
ذلك بعد الألف التي في الجمع. |