الكتاب لسيبويه

باب تحقير بنات الخمسة
زعم الخليل: أنَّه يقول في سفرجلٍ: سفيرجٌ حتَّى يصير على مثال فعيعلٍ، وإن شئت قلت: سفيريجٌ. وإنَّما تحذف آخر الاسم لأن التحقير يسلم حتى ينتهى إليه ويكون على مثال مايحقَّرون من الأربعة.
ومثل ذلك جردحلٌ تقول: جريدحٌ، وشمردلٌ تقول: شميردٌ، وقبعثري: قبيعثٌ، وجحمرشٌ: جحيمرٌ. وكذلك تقول في فرزدقٍ فريزدٌٌ. وقد قال بعضهم: فريزقٌ لأن الدال تشبه التاء، والتاء من حروف الزيادة والدال من موضعها، فلما كانت أقرب الحروف من الآخر كان حذف الدال أحبَّ إليه، إذ أشبهت حرف الزيادة، وصارت عنده بمنزلة الزيادة.
وكذلك خدرنقٌ خديرقٌ فيمن قال: فريزقٌ، ومن قال: فريزدٌ قال: خديرنٌ.
ولايجوز في جحمرشٍ حذف الميم وإن كانت تزاد، لأنَّه لايستنكر أن يكون بعد الميم حرف ينتهى إليه في التحقير كما كان ذلك في جعيفرٍ، وإنما يستنكر أن يجاوز إلى الخامس، فهو لايزال في سهولةٍ حتى يبلغ الخامس

(3/448)


ثم يرتدع، فإنَّما حذف الذي ارتدع عنده حيث أشبه حروف الزوائد، لأنَّه منتهى التحقير، وهو الذي يمنع المجاوزة، فهذا قولان، والأَّول أقيس، لأنَّ مايشبه الزوائد ههنا بمنزلة ما لايشبه الزوائد.
واعلم أنَّ كلَّ زائدة لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير، فإذا صار الاسم خمسةً ليست فيه زيادة أجريته مجرى ماذكرنا من تحقير بنات الخمسة، وذلك قولك في عضر فوطٍ: عضيرفٌ، كأنَّك حقرت عضرفٌ، وفي قذعميلٍ: قذيعمٌ وقذيعلٌ فيمن قال: فريزيقٌ، كأنَّك حقَّرت قذعلٌ. وكذلك الخزعبيلة (تقول: خريعيبةٌ، ولايجوز خزيعيلةٌ، لأنَّ الباء ليست من حروف الزيادة) .

باب تحقير بنات الحرفين
اعلم أنَّ كل اسمٍ كان على حرفين فحقرته رددته إلى أصله حتَّى يصير على مثال فعيلٍ، فتحقير ماكان على حرفين كتحقيره لو لم يذهب منه شيء وكان على ثلاثة، فلو لم تردده لخرج عن مثال التحقير، وصار على أقل من مثال فعيلٍ.
باب ماذهبت منه الفاء نحو عدةٍ وزنةٍ، لأنَّهما من وعدت ووزنت، فإنَّما ذهبت الواو وهي فاء فعلت، فإذا حقرت قلت: وزينةٌ ووعيدةٌ، وكذلك شيةٌ تقول:

(3/449)


وشيةٌ لأنَّها من وشيت وإن شئت قلت: أعيدةٌ وأزينةٌ وأشيّةٌ، لأنَّ كلَّ واو تكون مضمومة يجوز لك همزها.
ومما ذهبت فاؤه وكان على حرفين كل وخذ، فإذا سمَّيت رجلاً بكل وخذ قلت: أكيلٌ وأخيذٌ، لأنَّهما من أكلت وأخذت فالألف فاء فعلت.
باب ماذهبت عينه فمن ذلك مذ، يدلك على أن العين ذهبت منه قولهم: منذ، فإن حقَّرته قلت: منيذٌ.
ومن ذلك أيضاسل، لأنَّه من سألت، فإن حقَّرته قلت: سؤيلٌ، ومن لم يهمز قال: سويلٌ، لأن من يهمز يجعلها من الواو بمنزلة خاف يخاف.
أخبرني يونس: أنَّ الذي لايهمز يقول: سلته فأنا أسأل وهو مسولٌ، إذا أراد المفعول.
ومثل ذلك أيضاسهٌ، تقول: ستيهةٌ، فالتاء هي العين، يذُّلك على ذلك قولهم في استٍ: ستيهةٌ، فرددت اللام وهي الهاء والتاي العين بمنزلة نون

(3/450)


ابنٍ، يقولون: سهٌ، يريدون الاست، فحذفوا موضع العين، فإذا صغَّرت قلت: ستيهةٌ. ومن قال: استٌ فإنما حذف موضع اللام، وقال:
إنَّ عبيداً هي صئبان السَّه
باب ماذهبت لامه فمن ذلك دمٌ. تقول: دمىٌّ، يدلُّك دماءٌ على أنَّه من الياء أو من الواو.
ومن ذلك أيضاً يدٌ، تقول: يديّةٌ، يدلك أيدٍ على أنَّه من بنات الياء أو الواو، ودماءٌ وأيدٍ دليلان على أنَّ ماذهب منهما لام.
ومن ذلك أيضا شفةٌ تقول: شفيهةٌ، يدلك على أنَّ اللام هاءٌ شفاهٌ. وهي دليلٌ أيضاً على أنَّ ماذهب من شفةٍ اللام، وشافهت.
ومن ذلك حرٌ تقول: حريجٌ، يدلَّك أنَّ الذي ذهب لام، وأنَّ اللام حاءٌ قولهم: أحراجٌ.

(3/451)


ومن قال في سنةٍ: سانيت قال سنيّةٌ، ومن قال: ساتهت قال: سنيَّهةٌ.
ومن العرب من يقول في عضةٍ: عضيهةٌ، يجعلها من العضاه، ومنهم من يقول: عضيّةٌ، يجعلها من عضَّيت كما قالوا: سانيت. ومن ذلك قالوا عضواتٌ، كما قالوا: سنواتٌ.
ومن ذلك: فلُ تقول: فلينٌ. وقولهم: فلانٌ دليلٌ على أن ماذهب لام وأنَّها نون. وفلٌ وفلانٌ معناها واحد. قال (الراجز) أبو النجم:
في لجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاناً عن فُلِ.
ولو حقرت رب مخفَّفة لقلت: ربيبٌ، لأنَّها من التضعيف، يدلك على ذلك ربَّ الثقيلة.
وكذلك بخ الخفيفة، يدلك على ذلك قول العجاج:
في حسبٍ بخٍّ وعزٍّ أَقْعَسَا

(3/452)


فرده إلى أصله حيث اضطر، كما رد ماكان من بنات الياء إلى أصله حين اضطر. قال:
وَهْيَ تَنوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلاَ.
وأظنُّ قط كذلك، لأنَّها يعنى بها انقطاع الأمر أو الشيء، والقطُّ قطعٌ فكأنَّها من التضعيف.
ومن ذلك فمٌ تقول: فويهٌ، يدلك على أنَّ الذي ذهب لام وأنَّها الهاء قولهم: أفواهٌ، وحذفت الميم ورددت الذي من الأصل، كما فعلت ذلك حين كسَّرته للجمع فقلت: افواهٌ.
ومثله مويهٌ، ردُّوا الهاء كما ردوا حين قالوا: مياهٌ وأمواهٌ.
ومثل ذلك ذه ذييّة لو كانت امرأة، لأنَّ الهاء بدلٌ من الياء كما كانت الميم في فمٍ بدلاً من الواو. ولو كسرت ذه للجمع لأذهبت هذه الهاء كما أذهبت ميم فمٍ حين كسَّرته للجمع.

(3/453)


وإذا خفَّفت أنَّ ثم حقَّرتها رددتها إلى التضعيف، كما رددت ربَّ. وتخفيفها قول الأعشى.
قد علموا ... أن هالكٌ كل من يحفى ويَنْتَعِلُ
وكذلك إن خففَّت إنَّ، وتخفيفها في قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ، كما تخفف لكنَّ.
وأما إن الجزاء وأن التي تنصب الفعل بمنزلة عن وأشباهها، وكذلك إن التي تلغى في قولك: ما إن يفعل، وإن التي في معنى ما، فتقول في تصغيرها: هذا عنىُّ وأنىُّ. وذلك أن هذه الحروف قد نقصت حرفا وليس على نقصانها دليلٌ من أي الحروف هو، فتحمله على الأكثر، والأكثر أن يكون النقصان ياءً. ألا ترى أن ابنٌ واسمٌ ويدٌ وماأشبه هذا إنَّما نقصانه الياء.
باب ماذهبت لامه وكان أوله ألفا موصولة
فمن ذلك اسمٌ وابنٌ، تقول: سمىٌّ وبنىٌّ، حذفت ألف حين حركت الفاء فاستغنيت عنها، وإنما تحتاج إليها في حال السكون.

(3/454)


ويدلّك على أنَّه إنما ذهب من اسمٍ وابنٍ اللام وأنَّها الواو أو الياء قولهم: أسماءٌ وأبناءٌ.
ومن ذلك أيضاً استٌ تقول: ستيهةٌ، يدلك على ذهاب اللام وأنَّها هاءٌ قولك: أستاهٌ.

باب تحقير ماكانت فيه تاء التأنيث
اعلم أنَّهم يردُّون ماكانت فيه تاء التأنيث إلى الأصل، كما يردون ماكانت فيه الهاء، لأنَّهم ألحقوها الاسم للتأنيث، وليس ببدلٍ لازم كياء عيدٍ، وليست كنون رعشنٍ لازمةً، وإنَّما تجمع الاسم الذي هي فيه، كما تجمع مافيه الهاء. وإنَّما ألحقت بعد مابنى الاسم ثم بني بها بناءً بنات الثلاثة بعد، فلما كانت كذلك لم تحتمل أن تثبت مع الحرفين حتَّى تصير معهما في التحقير على مثال فعيلٍ، كما لم يجز ذلك للهاء. فإذا جئت بما ذهب من الحرف حذفتها وجئت بالهاء، لأنَّها العلامة التي تلزم لو كان الحرف على أصله. وإنَّما تكون التاء في كل حرفٍ لو كان على أصله كانت علامته الهاء لشبهها بها؛ وذلك قولك في أختٍ: أخيّةٌ، وفي بنتٍ: بنيَّةٌ، وذيتٍ: ذييَّةٌ، وفي هنتٍ: هنيّةٌ. ومن العرب من يقول في هنتٍ هنيهةٌ، وفي هنٍ هنيةٌ، يجعلها بدلاً من الياء (كما جعلوا الهاء بدلاً من الياء في ذه) .
ولو سميت امرأة بضربت ثم حقَّرت لقلت: ضريبةٌ، تحذف التاء وتجيء بالهاء مكانها؛ وذلك لأنَّك لمَّا حقَّتها جئت بالعلامة التي تكون في الكلام لهذا المثال، وكانت الهاء أولى بها من بين علامات التأنيث لشبهها بها،

(3/455)


ألا ترى أنَّها في الوصل تاء، ولأنَّهم لايؤنثون بالتاء شيئاً إلاَّ شيئاً علامته في الأصل الهاء فألحقت في ضربت الهاء حيث حقَّرت، لأنَّه لاتكون علامة ذلك المثال التاء، كما لا تكون علامة مايجيء على أصله من الأسماء التاء. وهذا قول الخليل.

باب تحقير ماحذف منه ولايردّ
في التحقير ماحذف منه من قبل أنَّ مابقي إذا حقِّر يكون على مثال المحقَّر، ولايخرج من أمثلة التحقير.
وليس آخره شيئاً لحق الاسم بعد بنائه كالتاء التي ذكرنا والهاء.
فمن ذلك قولك في ميتٍ: مييتٌ، وإنَّما الأصل ميتٌ، غير أنَّك حذفت العين.
ومن ذلك قولهم في هارٍ: هويرٌ، وإنَّما الأصل هائرٌ، غير أنَّهم حذفوا الهمزة كما حذفوا ياء ميِّتٍ، وكلاهما بدلٌ من العين.
وزعم يونس: أن ناساً يقولون: هويئرٌ على مثال هويعرٍ، فهؤلاء لم يحقروا هاراً إنَّما حقَّروا هائراً، كما قالوا: رويجلٌ كأنهم حقَّروا راجلاً، كما قالوا أبينون كأنَّهم حقروا أبنى مثل أعمى.
ومثل ذلك مرٍويرى، قالوا: مرىٌّ ويرىٌّ، كما قلت: هويرٌ ومييتٌ

(3/456)


ومن قال هويئرٌ فإنّه لاينبغي له أن يقيس عليه، كما لا يقيس على من قال أبينون وأنيسيانٌ، إلاَّ أن تسمع من العرب شيئاً فتؤدِّيه وتجيء بنظائره مما ليس على القياس.
وأمَّا يونس فحدثني أن ابا عمرٍ وكان يقول في مرٍ: مريءٍ مثل مريعٍ، وفي يرى: يرئيءٍ يهمز ويجر، لأنَّها بمنزلة ياء قاضٍ، فهو ينبغي له أن يقول: مييِّتٌ، وينبغي له أن يقول في ناس: أنيِّسٌ، لأنَّهم إنما حذفوا ألف أناسٍ. (وليس من العرب أحدٌ إلا يقول: نويسٌ) .
ومثل ذلك رجل يسمى بيضع تقول: يضيع، وإذا حقرت خيراً منك وشٌّرا منك، قلت: خييرٌ منك، وشريرٌ منك، لاتردّ الزيادة كما لا تردّ ماهو من نفس الحرف.

باب تحقير كل حرف كان فيه بدلٌ
(فإنك) تحذف ذلك البدل وترد الذي هو من أصل الحرف، إذا حقرته، كما تفعل ذلك إذا كسَّرته للجمع.
فمن ذلك ميزانٌ وميقاتٌ وميعادٌ، تقول: مويزينٌ ومويعيدٌ ومويقيتٌ

(3/457)


وإنما أبدلوا الياء لاستثقالهم هذه الواو بعد الكسرة، فلمَّا ذهب مايستثقلون ردِّ الحرف إلى أصله.
وكذلك فعلوا حين كسَّروا للجمع، قالوا: موازين ومواعيد ومواقيت ومثل ذلك قيلٌ ونحوه، تقول: قويلٌ كما قلت: أقوالٌ. وإنَّما أبدلوا لما ذكرت لك.
فأمَّا عيدٌ فإن تحقيره عييدٌ، لأنَّهم ألزموا هذا البدل، قالوا: أعيادٌ ولم يقولوا: أعوادٌ كما قالوا: أقوالٌ، فصار بمنزلة همزةٍ قائلٍ لأن همزة قائلٍ بدلٌ من واو.
فإن قلت: فقد يقولون ديمٌ فإنَّما فعلوا ذلك كراهية الواو بعد الكسرة، كما قالوا في الثور ثيرةٌ، فلو كسَّروا ديمةً على أفعلٍ أو أفعالٍ لأظهروا الواو، وإنّما أعيادٌ شادٌّ.
وإذا حقرت الطي قلت: طوىٌّ، وإنَّما أبدلت الياء مكان الواو كراهية الواو الساكنة بعدها ياءٌ، ولو كسَّرت الطي على أفعلٍ أو أفعالٍ أظهرت الواو.
ومثل ذلك ريَّان وطيَّان تقول: رويَّان وطويَّان، لأنَّ الواو قد تحركت وذهب ماكانوا يستثقلون، كما ذهب ذلك في ميزان، وهذا البدل

(3/458)


لا يلزم كما لا تلزم ياء ميزان، ألا تراهم حيث كسَّروا قالوا: رواءٌ وطواءٌ.
وإذا حقَّرت قىٌّ قلت: قوىٌّ؛ لأنَّه من القواء، يستدل على ذلك بالمعنى وممَّا يحذف منه البدل ويرد الذي من نفس الحرف موقنٌ وموسرٌ، وإنما أبدلوا الياء كراهية الياء الساكنة بعد الضمة، كما كرهوا الواو الساكنة بعد الكسرة، فإذا تحرَّكت ذهب ما استثقلوا، وذلك مييقنٌ ومييسرٌ. وليس البدل ههنا لازماً كما يم يكن ذلك في ميزانٍ، ألا ترى أنك تقول: مياسير.
ومن ذلك أيضاً عطاءٌ وقضاءٌ ورشاءٌ، تقول: عطىٌّ وقضىٌّ ورشىٌ؛ لأن هذا البدل لايلزم، ألا ترى أنك تقول: أعطيةٌ وأرشيةٌ وأقضيةٌ.
وكذلك جميع الممدود لايكون البدل الذي في آخره لازماً أبداً.
وكذلك إذا حقَّرت الصِّلاء تقول: صلىٌّ؛ لأنَّك لو كسَّرته للجمع رددت الياء، وكذلك صلاءةٌ لو كسرتها رددت الياء.
وأما ألاءةٌ وأشاءةٌ فأليئةٌ واشيئةٌ؛ لأن هذه الهمزة ليست مبدلة. ولو كانت كذلك الكان الحرف خليقاً أن تكون فيه الايةٌ كما كانت في عباءةٍ عبايةٌ، وصلاءةٍ صلايةٌ، وسحاءةٍ سحايةٌ، فليس له شاهدٌ من الياء والواو، فإذا لم يكن كذلك فهو عندهم مهموز ولاتخرجها إلاَّ بأمرٍ واضح، وكذلك قول العرب ويونس.
ومن ذلك منسأةٌ تقول: منيسئةٌ؛ لأنها من نسأت، ولأنهم لايثبتون هذه الألف التي هي بدلٌ من الهمزة كما لا يلزمون الهمزة التي هي بدلٌ من الياء والواو. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرته للجمع قلت: مناسىء.

(3/459)


وكذلك البريَّة تهمزها. فأما النّبيِّ فإنَّ العرب قد اختلفت فيه، فمن قال النَّبآء قال: كان مسيلمة نبيِّىء سوءٍ، وتقديرها تبيِّعٌ، وقال العباس ابن مراداسٍ.
ياخاتم النُّباءِ إنك مرسلٌ ... بالحقّ كلُّ هُدَى السَّبيل هداكما
ذا القياس، لأنه مّما لايلزم. ومن قال: أنبياء قال: نبىُّ سوءٍ كما قال في عيدٍ حين قالوا أعيادٌ: عييدٌ، وذلك لأنهم ألزموا الياء؛ وأمّذا النُّبوَّة فلو حقرتها لهمزت؛ وذلك قولك: كان مسيلمة نبوَّته نبيِّة سوءٍ؛ لأن تكسير النبَّوَّة على القياس عندنا؛ لأنّ هذا الباب لايلزمه البدل، وليس من العرب أحد إلا وهو يقول: تنبأ مسيلمة؛ وإنما هو من أنبأت.
وأما الشَّاء فإن العرب تقول فيه: شوىٌّ، وفي شاةٍ: شويهةٌ، والقول فيه: أنَّ شاءً من بنات الياءات أو الواوات التي لاتكون لاماتٍ، وشاةً من بنات الواوات التي تكون عينات ولامها هاء، كما كانت سواسيةٌ ليس من لفظ سىٍّ، كما كانت شاءٌ من بنات الياءات التي هي لامات وشاةٌ من بنات الواوات التي هن عينات، والدليل على ذلك هذا شوىٌّ، وإنما ذا كامرأةٍ ونسوةٍ؛ والنِّسوة ليست من لفظ امرأة؛ ومثله رجلٌ ونفرٌ.
ومن ذلك أيضاً قيراطٌ ودينارٌ. تقول: قريريطٌ ودنينيرٌ، لأنَّ الياء بدلٌ من الراء والنون فلم تلزم. ألا تراهم قالوا: دنانير وقراريط. وكذلك الدّيباج فيمنقال: دبابيج، والديماس فيمن قال: دماميس. وأما من قال دياميس

(3/460)


وديابيج فهي عنده بمنزلة واو جلواخٍ وياءٍ جريالٍ، وليست ببدل. وجميع ماذكرناه قول يونس والخليل.
وسألت يونس عن بريةٍ فقال: هي من برأت، وتحقيرها بالهمز كما أنَّك لو كسرت صلاءةً رددت الياء فقلت: اصليةٌ.
فهذه الياء لاتلزم في هذا الباب كما لا تلزم الهمزة في بنات الياء والواو التي هنَّ لامات.
ولو سمَّيت رجلاً ذوائب قلت: ذؤيئبٌ؛ لأنَّ الواو بدلٌ من الهمزة التي في ذؤابةٍ.
باب تحقير ماكانت الألف بدلاً من عينه.
إن كانت بدلاً من واو ثم حقَّرته رددت الواو. وإن كانت بدلاً من ياء رددت الياء، كما أنَّك لو كسَّرته رددت الواو إن كانت عينه واواً، والياء إن كانت عينه ياء، وذلك قولك في بابٍ: بويبٌ كما تقول: ابوابٌ

(3/461)


ونابٍ نييبٌ كما تقول: أنياب وأنيبٌ. فإن حقَّرت ناب الإبل فكذلك، لأنَّك تقول: أنيابٌ.
ولو حقَّرت رجلاً اسمه سار أو غاب لقلت: غييبٌ وسييرٌ، لأنَّهما من الياء، ولو حقَّرت السار وأنت تريد السائر لقلت: سويرٌ، لأنها ألف فاعلٍ الزائدة.
وسألت الخليل عن خافٍ والمال في التحقير فقال: خافٍ يصلح أن يكون فاعلاً ذهبت عينه وأن يكون فعلاً، فعلى أيهما حملته لم يكن إلا بالواو وإنَّما جاز فيه فعلٌ لأنه من فعلت أفعل، وأخاف دليلُ على أنها فعلت، كما قالوا: فزعت تفزع. وأما مالٌ فإنه فعلٌ، لأنهم لم يقولوا: مائلٌ، ونظائره في الكلام كثيرة فاحمله على أسهل الوجهين.
وإن جاء اسم نحو الناب لاتدري أمن الياء هو أم من الواو فاحمله على الواو حتَّى يتبين لك أنها من الياء؛ لأنها مبدلةٌ من الواو أكثر، فاحمله على الأكثر حتَّى يتبين لك. ومن العرب من يقول في نابٍ: نويبٌ، فيجيء بالواو؛ لأنَّ هذه أللف مبدلة من الواو أكثر، وهو غلطٌ منهم.
وأخبرني من أثق به أنه يقول: مال الرجل، وقد ملت بعدنا فأنت تمال، ورجلٌ مالٌ، إذا كثر ماله، وصوف الكبش إذا كثر صوفه، وكبشٌ أصوف. هذه الكثيرة. وكبشٌ صافٌ، ونعجةٌ صافةٌ.
باب تحقير الأسماء التي تثبت الأبدال البدالٌ فيها وتلزمها وذلك إذا كانت أبدالاً من الواوات والياءات التي هي عيناتٌ.

(3/462)


فمن ذلك قائلٌ وقائمٌ وبائعٌ، تقول: قويئمٌ وبويئعٌ. فليست هذه العينات بمنزلة التي هن لامات، لو كانت مثلهن لما أبدلوا، لأنهم لايبدلون من تلك (اللامات) إذا لم تكن منتهى الاسم وآخره. ألا تراهم يقولون: شقاوةٌ وغباوةٌ، فهذه الهمزة بمنزلة همزة ثائرٍ وشاءٍٍ من شأوت. ألا ترى أنك إذا كسرت هذا الاسم للجمع ثبتت فيه الهمزة، تقول: قوائم وبوائع وقوائل. وكذلك تثبت في التصغير.
ومن ذلك أيضاً أدؤرٌ ونحوها، لأنك أبدلت منها كما أبدلت من واو قائمٍ، وليست منتهى الاسم، ولو كسَّرتها للجمع لثبتت، خلافاً لباب عطاءٍ وقضاءٍ وأشباههما إذ كانت تخرج ياءاتهن وواواتهن إذا لم يكنَّ منتهى الاسم. فلما كانت هذه تبدل وليست منتهى الاسم كانت الهمزة فيها أقوى.
وكذلك أوائل اسم رجل؛ لأنَّك أبدلت الهمزة منها كما أبدلتها في أدؤرٍ وهي عينٌ مثل واو أدؤرٍ؛ لأنَّ أوائل لو كانت على أفاعل (وكان مما يجمع) لكان في التكسير تلزمه الهمزة، فإنَّما هو بمنزلته لو كان أفاعلاً، وقويت فيه الهمزة إذا لم تكن منتهى الاسم.
وكذلك النَّؤور والسُّؤور وأشباه ذلك، لأنَّها همزات لازمة لو كسَّرت للجمع الأسماء لقوتهن حيث كن بدلاً من معتل ليس بمنتهى الاسم، فلما لم يكنَّ منتهى أجرين مجرى الهمزة التي من نفس الحرف.

(3/463)


وكذلك فعائل؛ لأن علته كعلة قائلٍ، وهي همزة ليست بمنتهى الاسم، ولو كانت في فعائل ثم كسّرته للجمع لتثبت. وجميع ماذكرت لك قول الخليل ويونس.
ومن ذلك أيضاً تاء تخمةٍ، وتاء تراثٍ، وتاء تدعةٍ، يثبتن في التصغير كما يثبتن لو كسرت الأسماء للجمع، ولأنَّهن بمنزلة الهمزة التي تبدل من الواو نحو ألف أرقةٍ، إنَّما هي بدلٌ من واو ورقةٍ، ونحو ألف أددٍ إنما هي بدلٌ من واو وددٍ، وإنما أددٌ من الود، وإنَّما هو اسمٌ، يقال: معدُّ ابن عدنان بن أددٍ. والعرب تصرف أدداً ولايتكلمون به بالألف واللام، جعلوه بمنزلة ثقبٍ ولم يجعلوه مثل عمر.
والعرب تقول: تميم بن ودٍ وأدٍ، يقالان جميعاً، فكذلك هذه التاءات، إنما هي بدلٌ من واو وخامةٍ وورثت وودعت، فإنما هذه التاءات كهذه الهمزات.
وهذه الهمزات لايتغيّرون في التحقير كما لا يتغير همزة قائلٍ؛ لأنَّها قويت حيث كانت في أوّذذل الكلمة ولم تكن منتهى الاسم، فصارت بمنزلة الهمزة من نفس الحرف نحو همزة أجلٍ وأبدٍ، فهذه الهمزة تجري مجرى أدؤرٍ.
ومن ذلك أيضاً: متلجٌ ومتهمٌ ومتخمٌ، تقول في تحقير متَّلجٍ: متيلجٌ ومتيهمٌ ومتيخمٌ، تحذف التاء التي دخلت لمفتعلٍ وتدع التي هي بدلٌ من الواو، لأن هذه التاء أبدلت هاهنا، كما ابدلت حيث كانت أول الاسم، وأبدلت هاهنا من الواو كما أبدلت في أرقةٍ وأوؤرٍ الهمزة من الواو، وليست

(3/464)


بمنزلة واو موقنٍ ولاياء ميزانٍ، لأنهما إنَّما تبعتا ماقبلهما. ألا ترى أنَّهما يذهبان إذا لم تكن قبل الياء كسرة ولاقبل الواو ضمة، تقول: أيقن وأوعد.
وهذه لم تحدث لأنَّها تبعت ماقبلها، ولكنها بمنزلة الهمزة في أدؤرٍ وفي أرقةٍ. ألا ترى أنها تثبت في التصرف، تقول: اتَّهم ويتَّهم، ويتَّخم، ويتَّلج واتَّلجت واتلج واتَّخم: فهذه التاء قوية. ألا تراها دخلت في التقوى والتقَّية فلزمت فقالوا: اتَّقى منه، وقالوا: التُّقاة، فجرت مجرى ما هو من نفس الحرف.
وقالوا في التُّكأة: أتكأته، وهما يتكئان، جاءوا بالفعل على التُّكاة. أخبرني من أثق به أنَّهم يقولون: ضربته حتى أتكأته أي (حتَّى) أضجعته على جنبه الأيسر.
فأمَّا ياء قيلٍ وياء ميزانٍ فلا يقويان لأنَّ البدل فيهما لما قبلهما.
ومثل ذلك متعدٌ ومتَّزنٌ، لاتحذف التاء كما لاتحذف همزة أدؤرٍ. وإنَّما جاءوا بها كراهية الواو والضمة التي قبلها، كما كرهوا واو أدورٍ والضمة. وإن شئت قلت: موتعدٌ وموتزنٌ، كما تقول: أدورٌ ولاتهمز.

هذا باب تحقير ماكان فيه قلبٌ
اعلم أنَّ كل ما كان فيه قلبٌ لايردّ إلى الأصل؛ وذلك لأنَّه اسم بني على ذلك كما بنى ماذكرناه على التاء، وكما ينى قائلٌ على أن يبدل من الواو الهمزة، وليس شيئاً تبع ماقبله كواو موقنٍ وياء قيلٍ، ولكن الاسم

(3/465)


يثبت على القلب في التحقير، كما تثبت الهمزة في أدؤرٍ إذا حقرت، وفي قائل. وإنَّما قلبوا كراهية الواو والياء، كما همزوا كراهية الواو والياء. فمن ذلك قول العجاج:
لاثٍ به الأشَاءُ والعبرىُّ
إنما أراد لائثٌ، ولكنه أخرّالواو وقدم الثاء. وقال طريف بن تميم العنبريٌّ:
فتعرفوني أنني أنا ذاكم ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
إنَّما يريد الشائك فقلب. ومثل ذلك أينقٌ إنَّما هو أنوقٌ في الأصل، فأبدلوا الياء مكان الواو وقلبوا، فإذا حقرت قلت: لويثٍ وشويكٍ وأيينقٌ. وكذلك لو كسرت للجمع لقلت: لواثٍ وشواكٍ كما قالوا: أيانق.

(3/466)


وكذلك مطمئنٌّ، إنّما هي من طأمنت فقلبوا الهمزة.
ومثل ذلك القيسيُّ، إنما هي في الأصل القووس، فقلبوا كما قلبوا أينقٌ.
ومثل ذلك قولهم: أكره مسائيك، إنَّما جمعت المساءة ثم قلبت. وكذلك زعم الخليل. ومثله قول الشاعر، وهو كعب بن مالك:
لقد لقيت قريظة ماسآها ... وحلَّ بدارهم ذلٌّ ذَليلُ
ومثل ذلك قد راءه يريد قد رآه. قال الشاعر، وهو كثير عزَّة:
وكلُّ خليل رَاءَني فَهْوَ قائلٌ ... مِنَ أجْلِكِ: هذا هامَةُ اليوْمِ أو غَدِ
وإنما أراد ساءها ورآني ولكنَّه قلب. وإن شئت قلت:

(3/467)


راءني، إنما أبدلت همزتها ألفاً وأبدلت الياء بعد، كما قال بعض العرب: راءة في رايةٍ، حدثنا بذلك أبو الخطاب.
ومثل الألف التي أبدلت من الهمزة قول الشاعر، وهو حسان بن ثابت:
سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحشة ... ضلت هذيل بما جاءت ولم تصب

باب تحقير كل اسم كانت عينه واواً
وكانت العين ثانية أو ثالثة أما ما كانت العين فيه ثانية فواوه لا تتغير في التحقير، لأنَّها متحركة فلا تبدل ياءً لكينونة ياء التصغير بعدها. وذلك قولك في لوزةٍ: لويزةٌ، وفي جوزةٍ: جويزةٌ، وفي قولةٍ: قويلةٌ.
وأما ما كانت العين فيه ثالثة مما عينه واوٌ فإنَّ واوه تبدل ياءً في التحقير، وهو الوجه الجيد؛ لأنَّ الياء الساكنة تبدل الواو التي تكون بعدها ياءً.
فمن ذلك ميّت وشيّد، وقيام وثيُّوم، وإنَّما الأصل ميوتٌ وسيودٌ وقيوامٌ وقيوومٌ.

(3/468)


وذلك قولك في أسود: أسيد، وفي أعور أعير، وفي مرودٍ: مريدٌ، وفي أحوى: أحيُّ، وفي مهوىً: مهىٌّ، وفي أرويَّة: أريةٌ، وفي مرويةٍ مريةٌ.
واعلم أنَّ من العرب من يظهر الواو في جميع ما ذكرنا، وهو أبعد الوجهين، يدعها على حالها قبل أن تحقَّر.
واعلم أنَّ من قال: أسيود فإنه لا يقول في مقامٍ ومقالٍ: مقيومٌ ومقيولٌ، لأنَّها لو ظهرت كان الوجه أن لا تترك، فإذا لم تظهر لم تظهر في التحقير وكان أبعد لها، إذ كان الوجه في التحقير إذا كانت ظاهرة أن تغيَّر، لو جاز ذلك لجاز في سيِّد سييودٌ وأشباهه.
واعلم أنَّ أشياء تكون الواو فيها ثالثة وتكون زيادةً، فيجوز فيها ماجاز في أسود. وذلك نحو جدولٍ وقسورٍ، تقول: جديولٌ وقسيورٌ كما قلت: أسيود وأريويةٌ؛ وذلك لأنَّ هذه الواو حيّةٌ، وإنما ألحقت الثلاثة بالأربعة. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرت هذا النحو للجمع ثبتت الواو كما تثبت في أسود حين قالوا: أساود، وفي مرودٍ حين قالوا: مراود. وكذلك جداول وقساور. وقال الفرزدق:

(3/469)


إلى هادراتٍ صِعابِ الرُّؤس ... قَساوِرَ لِلقَسْوَرِ الأَصْيَدِ
واعلم أنَّ الواو إذا كانت لاماً لم يجز فيها الثبات في التحقير على قول من قال: أسيود، وذلك قولك في غزوةٍ: غزيةٌ، وفي رضوى: رضيَّا، وفي عشواء عشيَّاء. فهذه الواو لاتثبت كما لا تثبت في فعيل، ولو جاز هذا لجاز في غزوٍ غزيوٌ، وهاء التأنيث ههنا بمنزلتها لو لم تكن، فهذه الواو التي هي آخر الاسم ضعيفة. وسترى ذلك، ونبيِّن لك إن شاء الله تعالى ذكره في بابه.
والوو التي هي عين أقوى، فلمَّا كان الوجه في الأقوى أن تبدل ياءً لم تحتمل هذه أن تثبت، كما لم يحتمل مقالٌ مقيولٌ.
وأمّا واو عجوزٍ وجزورٍ فإنَّها لاتثبت أبداً، وإنما هي مدة تبعت الضمة، ولم تجيء لتلحق بناءً ببناء. ألا ترى أنَّها لاتثبت في الجمع إذا قلت عجائز، فإذا كان الوجه فيما يثبت في الجمع أن يبدل. فهذه الميّتة التي لاتثبت في الجمع لايجوز فيها أن تثبت.
وأمَّا معاوية فإنه يجوز فيها ماجاز في أسود؛ لأن الواو من نفس الحرف،

(3/470)


وأصلها التحريك، وهي تثبت في الجمع، ألا ترى أنَّك تقول: معاوٍ. وعجوزٌ ليست كذلك، وليست كجدول ولاقسور. ألا ترى أنَّك لو جئت بالفعل عليها لقلت: جدولت وقسورت. وهذا لايكون في مثل عجوزٍ.
؟ هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات وواوات اعلم أنَّ كل شيء منها كان على ثلاثة أحرف فإن تحقيره يكون على مثال فعيلٍ، ويجري على وجوه العربية، لأنَّ كل ياء أو واوٍ كانت لاماً وكان قبلها حرفٌ ساكن جرى مجرى غير المعتل، وتكون ياء التصغير مدغمة لأنَّهما حرفان من موضع والأول منهما ساكن. وذلك قولك في قفاً: قفىٌّ، وفي فتىً فتىٌّ، وفي جروٍ: جرىٌّ، وفي ظبيٍ: ظبيٌّ.
واعلم أنَّه إذا كان بعد ياء التصغير ياءان حذفت التي هي آخر الحروف، ويصير الحرف على مثال فعيلٍ، ويجري على وجوه العربية. وذلك قولك في عطاءٍ: عطىٌّ، وقضاءٍ: قضىٌّ، وسقايةٍ سقيّةٌ، وإداوةٍ أديّةٌ، وفي شاويةٍ شويةٌ، وفي غاوٍ: غوىٌّ. إلاَّ أن تقول: شويويةٌ وغويوٍ، في من قال: أسيود؛ وذلك لأن هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلت، واستثقلت إذا كانت بعد كسرة في غير المعتل، فلمَّا كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالاً فحذفوها. وكذلك أحوى إلاَّ في قول من قال: أسيود. ولاتصرفه لأنَّ الزيادة ثابتة في أوّله، ولايلتفت إلى ماقلَّته كما لا يلتفت إلى قلة يضع.

(3/471)


وأما عيسى فكان يقول: أحىٌّ ويصرف وهو خطأ. لو جاز ذا لصرفت أصمَّ لأنَّه أخف من أحمر، وصرفت أرأس إذا سميت به ولم تهمز فقلت: أرس.
وأما أبو عمرٍ فكان يقول: أحّىٍ. ولو جاز لقلت في عطاءٍ: عطيٍ لأنَّها ياء كهذه الياء، وهي بعد ياء مكسورة، ولقلت في سقايةٍ: سقيِّية وشاوٍ: شوٍى.
وأما يونس فقوله: هذا أحىُّ كما ترى، وهو القياس والصواب.
واعلم أن كل واو وياء أبدل الألف مكانها ولم يكن الحرف الذي الألف بعده واوا ولاياءً، فإنها ترجع ياءً وتحذف ألألف، لأنَّ مابعد ياء التصغير مكسوراً أبداً؛ فإذا كسروا الذي بعده الألف لم يكن للألف ثبات مع الكسرة. وليست بألف تأنيث فتثبت ولاتكسر الذي قبلها. وذلك قولك في أعمى: أعيمٍ، وفي ملهًى: مليهٍ كما ترى، وفي أعشى: أعيشٍ كما ترى وفي مثنىًّ: مثنينٍ كما ترى، إلاََّّ أن تقول: مثينيٌّ في قول من قال محيميدٌ.

(3/472)


وإذا كانت الواو والياء خامسة وكان قبلها حرف لين فإنَّها بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تليها فيما كان على مثال فعيلٍ لأنَّها تصير بعد الياء الساكنة، وذلك في قولك في مغزٍو: مغيزىٌّ، وفي مرمىٍ: مريميٌّ، وفي سقاءٍ: سقيقيٌّ.
وإذا حقرت مطايا اسم رجل قلت: مطىٌّ، والمحذوف الألف التي بعد الطاء، كما فعلت ذلك بقبائل، كأنَّك حقَّرت مطياً. ومن حذف الهمزة في قبائل فإنه ينبغي له أن يحذف الياء التي بين الألفين، فيصير كأنه حقر مطاءً. وفي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ؛ لأنَّك لو حقرت مطاءً لكان على مثال فعيلٍ، ولو جقَّرت مطياً لكان كذلك.
وكذلك خطايا اسم رجل، إلا أنك تهمز آخر الاسم، لأنَّه بدلٌ من همزته، فقول: خطيءٍ فتحذفه وتردُّ الهمزة، كما فعلت ذلك بألف منساةٍ.
ولاسبيل إلى أن تقول: مطيءٍ، لأن ياء فعيلٍ لاتهمز بعد ياء التصغير، وإنما تهمز بعد الألف إذا كسرته للجمع، فإذا لم تهمز بعد تلك الألف فهي بعد ياء التصغير أجدر أن لاتهمز، وإنما انتهت ياء التحقير إليها وهي بمنزلتها قبل أن تكون بعد الألف. ومع ذا إنَّك لو قلت فعائلٌ من المطي لقلت مطاءٍ، ولو كسرته للجمع لقلت: مطايا، فهذا بدلٌ أيضاً لازم.

(3/473)


وتحقير فعائلٍ كفعائل من بنات الياء والواو ومن غيرهما سواءٌ. وهو قول يونس، لأنَّهم كأنهم مدُّوا فعالٌ أو فعولٌ أو فعيلٌ بالألف، كما مدوا عذافرٌ. والدليل على ذلك أنّك لاتجد فعائل إلا مهموزاً، فهمزة فعائلٍ بمنزلتها في فعائل، وياء مطايا بمنزلتها لو كانت في فعائلٍ، وليست همزةً من نفس الحرف فيفعل بها مايفعل بما هو من نفس الحرف، إنَّما هي همزةٌ تبدل من واو أو ياء أو ألفٍ، من شيء لايهمز أبداً إلاَّ بعد ألف، كما يفعل ذلك بواو قائلٍ، فلمَّا صارت بعدها فلم تهمز صارت في أنَّها لاتهمز بمنزلتها قبل أن تكون بعدها، ولم تكن الهمزة بدلاً من شيءٍ من نفس الحرف، ولا من نفس الحرف، فلم تهمز في التحقير، هذا مع لزوم البدل يقوى وهو قول يونس والخليل.
وإذا حقرت رجلاً اسمه شهاوى قلت: شهيٌّ، كأنك حقرت شهوى كما أنك حين حقرت صحارى قلت: صحيرٍ، ومن قال: صحيرٌ قال شهيٌّ أيضاً كأنه حقَّر شهاوٌ، ففي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ.
وإذا حقرت عدوىٌّ اسم رجل أو صفة قلت: عدييٌّ (أربع ياءات) لابدَّ من ذا. ومن قال: عدوىٌّ فقد أطأ وترك المعنى، لأنه لا يريد أن يضيف إلى عدىٍّ محقراً، إنما يريد أن يحقر المضاف إليه، فلا بدّ من ذا. ولايجوز عديويٌّ في قول من قال: أسيودٌ، لأنَّ ياء الإضافة بمنزلة الهاء في غزوةٍ، فصارت الواو في عدويٍّ آخرة كما أنَّها في غزوةٍ آخرة، فلمَّا لم يجز غزيوةٌ كذلك لم يجز عديويٌّ.

(3/474)


وإذا حقَّرت أمويٌّ قلت: أميِّيٌّ كما قلت في عدوىٍ، لأنَّ أمويٌ ليس بناؤه بناء المحقَّر، إنَّما بناؤه بناء فعلىٍّ، فإذا أردت أن تحقِّر الأموي لم يكن من ياء التصغير بدٌّ، كما أنَّك لو حقَّرت الثقفيَّ لقلت: الثقيفيُّ، فإنما أمويٌّ بمنزلة ثقفيٍّ، أخرج من بناء التحقير كما أخرج ثقيفٌ إلى فعلىٍّ.
ولو قلت ذا لقلت إذا حقرت رجلاً يضاف إلى سليمٍ سلمىٌّ فيكون التحقير بلا ياء التحقير.
وإذا حقرت ملهوىٌّ قلت: مليهىٌّ تصير الواو ياءً لكسرة الهاء. وكذلك إذا حقَّرت حبلوىٌّ؛ لأنك كسرت اللام فصارت ياءً ولم تصر وواً فكأنَّك أضفت إلى حبيلي، لأنك حقرت. وهي بمنزلة واو ملهوىٍّ وتغيرت عن حال علامة التأنيث كما تغيَّر عن حال علامة التأنيث حين قلت حبالى، فصارت بمنزلة ياء صحارى؛ فإذا قلت حبلوىٌّ فهو بمنزلة ألف معزى فإذا تغير إلى ياءٍ كما تغيرت واو ملهويٌ، لأنك لم ترد أن تحقِّر حبلى ثم تضيف إليه.
؟ هذا باب تحقير كل اسم كان من شيئين ضمَّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد زعم الخليل أن التحقير إنما يكون في الصَّدر؛ لأن الصدر عندهم بمنزلة المضاف والآخر بمنزلة المضاف إليه؛ إذ كانا شيئين. وذلك قولك في حضرموت: حضيرموت. وبعلبَّ: بعيلبكُّ، وخمسة عشر: خميسة عشر. وكذلك جميع ماأشبه هذا، كأنك حقرت عبد عمروٍ وطلحة زيدٍ.

(3/475)


وأمَّا اثنا عشر فتقول في تحقيره: ثنيَّا عشر، فعشر بمنزلة نو اثنين، فكأنك حقرت اثنين، لأن حرف الإعراب الألف والياء، فصارت عشر في اثني بمنزلة النون، كما صار موت في حضر موت بمنزلة ريسٍ في عنتريسٍ.
؟؟؟؟؟؟

هذا باب الترخيم في التصغير
اعلم أنَّ كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز لك أن يحذفه في الترخيم، حتَّى تصير الكلمة على ثلاثة أحرف لأنها زائدة فيها، وتكون على مثال فعيلٍ، وذلك قولك في حارثٍ: حريثٌ، وفي أسود: سويدٌ، وفي غلاب: غليبة.
وزعم الخليل أنه يجوز أيضاً في ضفنددٍ: ضفيدٌ، وفي خفييدٍٍ: خفيدٌ، وفي مقعنس: قعيسٌ. وكذلك كلَّ شيء كان أصله الثلاثة.
وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة تحذف الزوائد حتى يصير الحرف على أربعة لا زائدة فيه، ويكون على مثال فعيعلٍ، لأنه ليس فيه زيادة وزعم أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل: بريةٌ وسميعٌ.

(3/476)


باب ماجرى في الكلام مصغَّراً وترك تكبيره
لأنه عندهم مستصغر فاستغني بتصغيره عن تكبيره وذلك قولهم: جميلٌ وكعيتٌ، وهو البلبل. وقالوا: كعتانٌ وجملانٌ فجاءوا به على التكبير. ولو جاءوا به وهم يريدون أن يجمعوا المحقر لقالوا: جميلاتٌ. فليس شيء يراد به التصغير إلا وفيه ياء التصغير.
وسألت الخليل عن كيت فقال: هو بمنزلة جميلٍ؛ وإنما هي حمرةٌ مخالطها سوادٌ ولم يخلص؛ فإنَّما حقروها لأنَّها بين السواد والحمرة ولم يخلص أن يقال أسود ولا أحمر وهو منهما قريب، وإنَّما هو كقولك: هو دوين ذلك.
وأما سكيتٌ فهو ترخيم سكيَّتٍ. والسُّكّيت: الذي يجيء آخر الخيل.

باب مايحقر لدنوه من الشيء
وليس مثله. وذلك قولك: هو أصيغر منك، وإنَّما أردت أن تقلل الذي بينهما ومن ذلك قولك هو دوين ذاك، وهو فويق ذاك. ومن ذا أن تقول أسيِّد، أي قد قارب السواد.
وأما قول العرب: هو مثيل هذا وأميثال هذا، فإنَّما هذا، فإنَّما أرادوا أن يخبروا أن المشبَّه حقيرٌ، كما أن المشبّه به حقيرٌ.
وسألأت الخليل عن قول العرب: ما أميلحه. فقال: لم يكن ينبغي أن

(3/477)


يكون في القياس، لأنَّ الفعل لايحقَّر، وإنما تحقَّر الأسماء لأنها توصف بما يعظم ويهون، والأفعال لاتوصف، فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إياها في أشياء كثيرة، ولكنهم حقروا هذا اللفظ وإنما يعنون الذي تصفه بالملح، كأنَّك قلت: مليِّحٌ، شبهوه بالشيء الذي تلفظ به وأنت تعني شيئاً آخر نحو قولك: يطؤهم الطريق، وصيد عليه يومان. ونحو هذا كثير في الكلام.
وليس شيء من لفعل ولا شيءٌ مما سمِّى به الفعل يحقر إلاّ هذا وحده وماأشبهه من قولك: ما أفعله.
واعلم أن علامات الإضمار لا يحقَّرون، من قبل أنها لا تقوى قوة المظهرة ولاتمكن تمكنُّها، فصارت بمنزلة لا ولو وأشباههما. فهذه لا تحقَّر لأنها ليست أسماء، وإنما هي بمنزلة الأفعال التي لا تحقَّر.
فمن علامات الإضمار وأنا ونحن، ولو حقرتهنَّ لحقرت الكاف التي في بك والهاء التي في به وأشباه هذا.
ولا يحقر أين ولا متى، ولا كيف؛ ولا حيث ونحوهنَّ، من قبل أن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت، حين قلت: فويق ذاك ودوين ذاك، وتحيت ذاك، وليست أسماء تمكَّن فتدخل

(3/478)


فيها الألف واللام ويوصفن، وإنَّما لهنَّ مواضع لا يجاوزنها فصرن بمنزلة علامات الإضمار.
وكذلك من وما وأيهم، إنَّما هنَّ بمنزلة أين لا تمكَّن الأسماء التامَّة نحو زيدٍ ورجلٍ. وهنَّ حروف استفهام كم أنَّ أين حرف استفهام، فصرن بمنزلة هل في أنهنَّ لا يحقرن.
ولا نحقّر غير، لأنَّها ليست منزلة مثلٍ، وليس كل شيء يكون غير الحقير عندك يكون محقَّراً مثله، كما لا يكون كلُّ شيء مثل الحقير حقيراً، وإنما معنى مررت برجلٍ غيرك معنى مررت برجلٍ ليس بك وسواك لا يحقر لأنه ليس اسماً متمكنا وإنما هو كقولك مررت برجلٍ ليس بك، فكما قبح تحقير ليس قبح تحقير سوى.
وغير أيضاً ليس باسم متمكَّن. ألا ترى أنَّها لا تكون إلاَّ نكرة، ولا تجمع، ولا تدخلها الألف واللام.
وكذلك حسبك لا يحقَّر كما لا يحقَّر غيرٌ، وإنَّما هو كقولك: كفاك فكما لا يحقَّر كفاك، كذلك لا تحقِّر هذا.
واعلم أنَّ اليوم والشهر والسنة والساعة والليلة يحقرن. وأمَّا أمس وغدٌ فلا يحقَّران؛ لأنَّهما ليسا اسمين لليومين بمنزلة زيدٍ وعمروٍ، وإنما هما اليوم الذي قبل يومك، واليوم بعد يومك، ولم يتمكنا كزيدٍ

(3/479)


واليوم والساعة والشهر وأشباههن، ألا ترى أنَّك تقول: هذا اليوم وهذه الليلة فيكون لما أنت فيه، ولما لم يأت، ولما مضى وتقول: هذا زيدٌ وذلك زيدٌ، فهو اسم ما يكون معك وما يتراخى عنك. وأمس وغدٌ لم يتمكنا تمكَّن هذه الأشياء، فكرهوا أن يحقروهما كما كرهوا تحقير أين، واستغنوا عن تحقيرها بالذي هو أشد تمكنا، وهو اليوم والليلة والساعة. وكذلك أول من أمس، والثَّلاثاء، والأربعاء، والبارحة لما ذكرنا وأشباههنَّ.
ولا تحقَّر أسماء شهور السنة، فعلامات ما ذكرنا من الدَّهر لا تحقّر، إنَّما يحقَّر الاسم غير العلم الذي يلزم كل شيء من أمته، نحو: رجلٍ وامرأةٍ وأشباههما.
واعلم أنَّك لا تحقِّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل، ألا ترى أنه قبيح: هو ضويربٌ زيداً، وهو ضويربٌ زيدٍ، إذا أردت بضارب زيدٍ التنوين. وإن كان ضارب زيدٍ لما مضى فتصغيره جيد.
ولا تحقِّر عند كما تحقِّر قبل وبعد ونحوهما، لأنك إذا قلت عند

(3/480)


فقد قللت ما بينهما، وليس يراد من التقليل أقلُّ من ذا، فصار ذا كقولك: قبيل ذاك، إذا أردت أن تقلَّل ما بينهما. وكذلك عن ومع، صارتا في أن لا تحقّرا كمن.

باب تحقير كل اسم كان ثانيه ياء
تثبت في التحقير وذلك نحو: بيتٍ وشيخٍ وسيِّد. فأحسنه أن تقول: شييخٌ وسييدٌ فتضم؛ لأن التحقير يضم أوائل الأسماء، وهو لازمٌ له، كما أن الياء لازمه له.
ومن العرب من يقول: شييخٌ وبييتٌ وسييدٌ، كراهية الياء بعد الضمّة.

باب تحقير المؤنَّث
اعلم أن كل مؤنَّث كان على ثلاثة أحرف فتحقيره بالهاء، وذلك قولك في قدمٍ: قديمةٌ، وفي يدٍ: يديَّة.
وزعم الخليل أنَّهم إنَّما أدخلوا الهاء ليفرقوا بين المؤنث والمذكر. قلت: فما بال عناقٍ؟ قال: استثقلوا الهاء حين كثر العدد، فصارت القاف بمنزلة الهاء، فصارت فعيلةً في العدد والزنة، فاستثقلوا الهاء. وكذلك جميع ما كان على أربعة أحرف فصاعدا.
قلت: فما بال سماءٍ، قالوا: سميَّة؟ قال: من قبل أنها تحذف

(3/481)


في التحقير، فيصير تحقيرها كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف، فلمَّا خفَّت صارت بمنزلة دلوٍ، كأنَّك حقَّرت شيئاً على ثلاثة أحرف.
فإن حقّرت امرأة سقَّاء قلت: سقيقيٌّ ولم تدخلها الهاء؛ لأنَّ الاسم قد تم.
وسألته عن الذين قالوا في حبارى: حبيِّرة فقال: لمَّا كانت فيه علامة التأنيث ثابتةً أرادوا أن لا يفارقها ذلك التحقير، وصاروا كأنَّهم حقروا حبارة. وأمَّا الذين تركوا الهاء فقالوا: حذفنا الياء والبقية على أربعة أحرف، فكأنا حقرنا حبارٌ. ومن قال في حبارى: حبيِّرة قال: في لغيزى: لغيغيزةٌ، وفي جميع ما كانت فيه الألف خامسة فصاعداً إذا كانت ألف تأنيث.
وسألته عن تحقير نصفٍ نعت امرأة فقال: تحقيرها نصيفٌ، وذاك لأنه مذكر وصف به مؤنث. ألا ترى أنك تقول: هذا رجلٌ نصفٌ. ومثل ذلك أنك تقول: هذه امرأةٌ رضىً، فإذا حقّرتها لم تدخل الهاء؛ لأنَّها وصفت بمذكر، وشاركت المذكّر في صفته لم تغلب عليه. ألا ترى أنك لو رخمت الضامر لم تقل ضميرةٌ.

(3/482)


وتصديق ذلك فيما زعم الخليل قول العرب في الخلق: خليقٌ وإن عنوا المؤنَّث؛ لأنه مذكّر يوصف به المكّر، فشاركه فيه المؤنث. وزعم الخليل أن الفرس كذلك.
وسألته عن الناب من الإبل فقال: إنما قالوا: نييبٌ؛ لأنَّهم جعلوا الناب الذكر اسماً لها حين طال نابها على نحو قولك للمرأة: إنَّما أنت بطينٌ ومثلها أنت عينهم فصار اسماً غالباً وزعم أن الحرف بتلك المنزلة، كأنَّه مصدر مذكر كالعدل، والعدل مذكر؛ وقد يقال: جاءت العدل المسلمة. وكأنَّ الحرف صفةٌ، ولكنَّها أجريت مجرى الاسم، كما أجري الأبطح، والأبرق، والأجدل.
وإذا رخَّمت الحائض فهي كالضامر؛ لأنَّه إنما وقع وضفاً لشيء، والشَّيء مذكَّر. وقد بيَّنا هذل فيما قبل.
قلت: فما بال المرأة إذا سمِّيت بحجر قلت: حجيرة؟ قال: لأن حجر قد صار اسماً لها علما وصار خالصاً؛ وليس بصفة ولا اسماً شاركت فيه مذكراً على معنىً واحد، ولم ترد أن تحقِّر الحجر، كما أنَّك أردت أن تحقِّر المذكر حين قلت: عديلٌ وقريشٌ؛ وإنَّما هذا كقولك للمرأة: ما أنت إلا رجيلٌ، وللرجل: ما أنت إلا مريَّة، فإنما حقَّرت الرجل والمرأة. ولو سميت امرأة بفرسٍ لقلت: فريسة كما قلت: حجيرة، فإذا حقَّرت الناب والعدل وأشباههما، فإنَّك تحقِّر ذلك الشيء، والمعنى يدلُّ على ذلك،

(3/483)


وإذا سمَّيت رجلاً بعين أو أذنٍ فتحقيره بعينٍ أو أذنٍ فتحقيره بغير هاء، وتدع الهاء ههنا كما أدخلتها في حجرٍ اسم امرأة.
ويونس يدخل الهاء؛ ويحتجّ بأذينة، وإنما سمَّى بمحقَّر.

باب ما يحقر على غير بناء مكبره
الذي يستعمل في الكلام فمن ذلك قول العرب في مغرب الشمس: مغيربان الشمس، وفي العشيِّ: آتيك عشيَّاناً.
وسمعنا من العرب من يقول في عشَّية: عشيشيةٌ، فكأنهم حقَّروا مغربانٌ وعشيانٌ وعشاةٌ.
وسألت الخليل عن قولك: آتيك أصيلالاً؛ فقال: إنما هو أصيلانٌ أبدلوا اللام منها. وتصديق ذلك قول العرب: آتيك أصيلاناً.
وسألته عن قول بعض العرب: آتيك عشيَّاناتٍ ومغيرباناتٍ، فقال: جعل ذلك الحين أجزاءً؛ لأنَّه حين كلمَّا تصوَّيت فيه الشمس ذهب منه جزءٌ، فقالوا: عشيَّانات، كأنَّهم سمَّوا كلَّ جزء منه عشيَّة. ومثل ذلك قولك المفارق في مفرقٍ، جعلوا المفرق مواضع، ثم قالوا: المفارق كأنَّهم سموا كل موضع مفرقاً. قال الشاعر، وهو جرير:
قال العواذل ما لجهلك بعد ما ... شاب المَفارِقُ واكْتسيْنَ قَتَيِرَا

(3/484)


ومن ذلك قولهم للبعير: ذو عثانين، كأنهم جعلوا كل جزء منه عثنوناً. ونحو ذا كثير.
فأمَّا غدوةٌ فتحقيرها عليها، تقول: غديةٌ، وكذلك سحر تقول: أتانا سحيراً. وكذلك ضحى، تقول: أتانا ضحيا.
وقال الشاعر، وهو النابغة الجعدي:
كأنّ الغُبار الذي غادًرتْ ... ضُحَيَّا دَوَاخِنُ من تَنْضُبِ
واعلم أنك لا تحقر في تحقيرك هذه الأشياء الحين، ولكنك تريد أن تقرِّب حيناً من حين، وتقلِّل الذي بينهما، كما أنك إذا قلت: دوين ذاك، وفويق ذاك؛ فإنما تقرب الشيء من الشيء وتقلَّل الذي بينهما وليس المكان بالذي يحقر.
ومثل ذلك قبيل وبعيد، فلمَّا كانت أحياناً وكانت لا تمكن، وكانت لم تحقَّر؛ لم تمكَّن على هذا الحد تمكُّن غيرها. وقد بيَّنا ذلك فيما جاء تحقيره مخالفاً كتحقير المبهم، فهذا مع كثرتها في الكلام.
وجميع ذا إذا سمَّي به الرجل حقَر على القياس.

(3/485)


ومما يحقر على غير بناء مكبَّره المستعمل في الكلام إنسانٌ، تقول: أنيسيانٌ وفي بنون: أبينون، كأنهم حقَّروا إنسيانٌ، وكأنهم حقَّروا أفعل نحو أعمى، وفعلوا هذه الأشياء لكثرة استعمالهم إيَّاها في كلامهم، وهم مما يغيِّرون الأكثر في كلامهم عن نظائره، وكما يجيء جمع الشيء على غير بنائه المستعمل. ومثل ذلك ليلةٌ، تقول لييليةٌ، كما قالوا: ليالٍ، وقولهم في رجلٍ: رويجلٌ؛ ونحو هذا.
وجميع هذا أيضاً إذا سميت به رجلاً أو امرأة صرفته إلى القياس كما فعلت ذلك بالأحيان.
ومن ذلك قولهم في صبية: أصيبيةٌ، وفي غلمةٍ: أغيلمةٌ، كأنَّهم حقروا أغلمةً وأصبيةً، وذلك أنَّ أفعلة يجمع به فعالٌ وفعيلٌ، فلمَّا حقروه جاءوا به على بناء قد يكون لفعالٍ وفعيلٍ. فإذا سمَّيت به امرأةً أو رجلا حقرته على القياس، ومن العرب من يجريه على القياس فيقول: صبيَّة وغليمةٌ. وقال الراجز:
صُبَيّةً على الدُّخان رُمْكَا ... ما إن عدا أصغرهم أن زكَّا

(3/486)


باب تحقير الأسماء المبهمة
اعلم أن التحقير يضم أوائل هذه الأسماء، فإنه يترك أوائلها على حالها قبل أن تحقر؛ وذلك لأنَّ لها نحواً في الكلام ليس لغيرها - وقد بيّنَّا ذلك - فأرادوا أن يكون تحقيرها على غير تحقير ما سواها.
وذلك قولك في هذا: هذيَّا، وذاك: ذياك، وفي ألا: أليَّا.
وإنَّما ألحقوا هذه الألفات في أواخرها لتكون أواخرها عل غير حال أواخر غيرها، كما صارت أوائلها على ذلك.
قلت: فما بال ياء التصغير ثانيةً في ذا حين حقرت؟ قال: هي في الأصل ثالثة، ولكنَّهم حذفوا الياء حين اجتمعت الياءات، وإنَّما حذفوها من ذييَّا. وإما تيَّا فإنما هي تحقيرتا، وقد استعمل ذلك في الكلام. قال الشاعر، كعبٌ الغنويٌّ:
وخبَّرتماني أنَّما الموتُ في القُرى ... فكيف وهَاتَا هَضْبةٌ وقليب

(3/487)


وقال عمران بن حطَّان:
وليسَ لعَيْشِنا هذا مَهاهٌ ... وليست دارُنا هاتَا بدارِ
وكرهوا أن يحقَّروا المؤنث على هذه فيلتبس الأمر. وأما من مدَّ ألاء فيقول: ألياءٍ، والحقوا هذه الألف لئلا يكون بمنزلة غير المبهم من الأسماء، كما فعلوا ذلك في آخر ذا وأوّله. وأولئك هما أولا، وأولاء، كما أنَّ هو ذا، إلا أنَّك زدت الكاف للمخاطبة.
ومثل ذلك الذي والتي، تقول: اللذيَّا واللتّيَّا. قال العجاج:
بعد اللَّتيَّا واللّتيَّا والتي
وإذا ثنَّيت هذه الألفات كما تحذف ألف ذواتا، لكثرتها في الكلام، إذا ثنيَّت. وتصغير ذلك في الكلام ذيَّاك وذيالك، وكذلك اللَّذيا إذا قلت: اللذيُّون، والتي إذا قلت: اللَّتيات، والتثنية إذا قلت: اللّذيَّان واللَّتيَّان وذيَّان.

(3/488)


ولا يحقر من ولا أيٌّ إذا صارا بمنزلة الذي، لأنهما من حروف الاستفهام، والذي بمنزلة ذا، أنَّها ليست من حروف الاستفهام، فمن لم يلزمه تحقيرٌ كما يلزم الذي، لأنه إنَّما يريد به معنى الذي وقد أستغني عنه بتحقير الذي، مع ذا الذي ذكرت لك.
واللاتي لا تحقَّر، استغنوا بجمع الواحد إذا حقر عنه، وهو قولهم: اللّتيَّات، فلمَّا استغنوا عنه صار مسقطاً.
فهذه الأسماء لمَّا لم يكن حالها في التحقير حال غيرها من الأسماء غير المبهمة، ولم تكن، حالها في أشياء قد بيَّناها حال غير المبهمة، صارت يستغني ببعضها عن بعض، كما استغنوا بقولهم: أتانا مسيّاناً وعشيَّاناً عن تحقير القصر في قولهم: أتانا قصراً، وهو العشيّ.

باب تحقير ما كسر عليه الواحد للجمع
وسأبين لك تحقير ذلك إن شاء الله اعلم أن كل بناء كان لأدنى العدد فإنك تحَّقر ذلك البناء لا تجاوزه إلى غيره، من قبل أنك إنَّما تريد تقليل الجمع، ولا يكون ذلك البناء إلاَّ لأدنى العدد، فلما كان ذلك لم تجاوزه.

(3/489)


واعلم أن لأدنى العدد أبنيةٌ هي مختصَّة به، وهي له في الأصل، وربَّما شركه فيه الأكثر، كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر.
فأبنية أدنى العدد أفعلٌ نحو: أكلبٍ وأكعبٍ. وأفعالٌ نحو: أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ، وأفعلةٍ نحو: أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ. وفعلةٌ نحو: غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ.
فتلك أربعوة أبنية، فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر وأن شركه الأقل. ألا ترى ما خلا هذا إنَّما يحقر على واحده، فلو كان شيءٌ مما خلا هذا يكون للأقل كان يحقر على بنائه، كما تحقر الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وذلك قولك في أكلبٍ: أكيلبٌ، وفي أجمالٍ: أجيمالٌ، وفي أجربة: أجيربة، وفي غلمةٍ: غليمةٌ، وفي ولدةٍ: وليدةٌ. وكذلك سمعناها من العرب.
فكل شيء خالف هذه الأبنية في الجمع فهو لأكثر العدد، وإن عني به على الأقلُّ فهو داخلٌ على بناء الأكثر وفيما ليس له، كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيِّزه.
وسألت الخليل عن تحقير الدُّور، فقال: أردُّه إلى بناء أقل العدد؛ لأني إنما أريد تقليل العدد، فإذا أردت أن أقلله وأحقره صرت إلى بناء الأقلِّ، وذلك قولك: أديئرٌ، فإن لم تفعل فحقرها على الواحد وألحق تاء

(3/490)


الجمع؛ وذلك لأنَّك ترده إلى الاسم الذي هو لأقل العدد. ألا ترى أنَّك تقول للأقل ظبياتٌ وغلواتٌ وركواتٌ، ففعلاتٌ ههنا بمنزلة أفعلٍ في المذكَّر وأفعالٍ ونحوهما. وكذلك ما جمع بالواو والنون والياء والنون، وإن شركه الأكثر كما شرك الأكثر الأقلُّ فيما ذكرنا قبل هذا.
وإذا حقَّرت الأكف والأرجل وهنَّ قد جاوزن العشر قلت: أكيفٌّ وأريجلٌ؛ لأنَّ هذا بناء أدنى العدد، وإن كان قد يشرك فيه الأكثر الأقلَّ. وكذلك الأقدام والأفخاذ.
ولو حقَّرت الجفنات وقد جاوزن العشر لقلت: جفينات لا تجاوز؛ لأنها بناء أقلِّ العدد.
وإذا حقَّرت المرابد والمفاتيح والقناديل والخنادق قلت: مريبدات، ومفيتيحات، وقنيديلاتٌ، وخنيدقاتٌ؛ لأنَّ هذا البناء للأكثر وإن كان يشركه فيه الأدنى، فلمَّا حقرت صيرت ذلك إلى شيء هو الأصل للأقل. ألا تراهم قالوا في دارهم: ريهمات. وإذا حقَّرت الفتيان قلت: فتيَّة، فإن لم تقل ذا قلت: فتيُّون، فالواو والنون بمنزلة التاء في المؤنَّث.
وإذا حقرت الشسُّوع وأنت تريد الثلاثة قلت: شسيعاتٌ، ولا تقول شسيع؛ أنَّ هذا البناء لأكثر العدد في الأصل، وإنَّما الأقل مدخل عليه، كما صار الأكثر يدخل على الأقلِّ.

(3/491)


وإذا حقرت الفقراء قلت: فقيِّرون على واحده، وكذلك أذلاء إن لم تردده إلى الأذلة ذليِّلون. قال رجل من الأنصار الجاهلي:
إن ترينا قليِّلين كما ذي ... د عن المُجْرِبينَ ذَوْدٌ صِحاحُ
وكذلك حمقى وهلكى وسكرى وجرحى، وما كان من هذا النحو مما كسّر الواحد. وإنما صارت التاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره وهو الواحد، كما صارت الألف والنون للتثنية، ومثناه أقلُّ من مثلَّثه. ألا ترى أن جر التاء ونصبها سواءٌ، وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حد التثنية ونصبهم سواء. فهذا يقرِّب أن التاء والواو والنون لأدنى العدد؛ لأنه وافق المثنى.
وإذا أردت أن تجمع الكليب لم تقل إلاَّ كليباتٌ؛ لأنَّك إن كسرت المحقَّر وأنت تريد جمعه ذهبت ياء التحقير. فاعرف هذه الأشياء.
واعلم أنَّهم يدخلون بعضها على بعض للتوسُّع إذا كان ذلك جمعاً.

(3/492)


باب ما كسر على غير واحده المستعمل
في الكلام فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام الذي هو من لفظه وذلك قولك في ظروفٍ: ظريِّفون، وفي السُّمحاء: سميحون، وفي الشعراء: شويعرون.
وإذا جاء الجمع ليس له واحدٌ مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياساً ولا غير ذلك، فتحقيره على واحدٍ هو بناؤه إذا جمع في القياس. وذلك نحو عباديد، فإذا حقرتها قلت: عبيديدون؛ لأن عباديد إنما هو جمع فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلالٍ. فإذا قلت: عبيديات فأياً ما كان واحدها فهذا تحقيره.
وزعم يونس أن من العرب من يقول في سراويل: سرييَّلات، وذلك لأنهم جعلوه جماعاً بمنزلة دخاريض، وهذا يقوِّي ذاك؛ لأنهم إذا أرادوا بها الجمع فليس لها واحدٌ في الكلام كسَّرت عليه ولا غير ذلك.
وإذا أردت تحقير الجلوس والقعود قلت: قويعدون وجويلسون، فإنما جلوسٌ ههنا حين أرادت الجمع بمنزلة ظروف وبمنزلة الشهود والبكيّ، وإنّما واحد الشّهود شاهد والبكيّ الباكي. هدان المستعملان في الكلام ولم يكسَّر الشُّهود والبكيُّ عليهما، فكذلك الجلوس.

(3/493)


باب تحقير ما لم يكسَّر عليه واحد للجمع
ولكنَّه شيءٌ واحد يقع على الجميع، فتحقيره كتحقير الاسم الذي يقع على الواحد؛ لأنه بمنزلته إلا أنه يعنى به الجميع وذلك قولك في قومٍ: قويم، وفي رجلٍ: رجيلٌ. وكذلك النفر، والرهط، والنسوة، وإن عني بهن أدنى العدد.
وكذلك الرَّجلة والصُّحبة، هما بمنزلة النِّسوة، وإن كانت الرجلة لأدنى العدد؛ لأنهما ليسا مما يكسر عليه الواحد.
وإن جمع شيءٌ من هذا على بناء من أبنية أدنى العدد حقرت ذلك البناء كما تحقر إذا كان بناء لما يقع على الواحد. وذلك نحو أقوامٍ وأنفارٍ، تقول: أقَّيام وأنيفارٌ.
وإذا حقرت الأراهط قلت: رهيطون، كما قلت في الشعراء: شويعرون. وإن حقرت الخباث قلت خبيثاتٌ، كما كنت قائلاً ذاك لو حقرت الخبوث، والخباث: جمع الخبيثة، بمنزلة ثمارٍ فمنزلة هذه الأشياء منزلةٌ واحدة. وقال:
قد شربت إلاَّ دهيدهينا ... قليِّصات وأبيكرينا

(3/494)


والدهداء: حاشية الإبل؛ فكأنه حقر دهاده فرده إلى الواحد وهو دهداهٌ، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين، وذلك حيث اضطر في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير. وأما أبيكرينا فإنه جمع الأبكر، كما يجمع الجزر والطُّرق فتقول: جزراتٌ وطرقاتٌ، ولكنه أدخل الياء والنُّون كما أدخلها في الدُّهيدهين.
وإذا حقرت السِّنين لم تقل إلاَّ سنياتٌ؛ لأنَّك قد رددت ما ذهب، فصار على بناء لا يجمع بالواو والنون، وصار الاسم بمنزلة صحيفةٍ وقصيعةٍ.
وكذلك أرضون تقول: أريضاتٌ ليس إلا؛ لأنَّها بمنزلة بديرةٍ. وإذا حقَّرت أرضين اسم امرأة قلت: أريضون، وكذلك السِّنون، ولا تدخل الهاء لأنَّك تحقر بناء أكثر من ثلاثة، ولست تردُّها إلى الواحد، لأنَّك لا تريد تحقير الجمع، فأنت لا تجاوز هذا اللفظ كما لا تجاوز ذلك في رجل اسمه جريبان تقول: جريبان، كما تقول في خراسان: خريسان ولا تقول فيه كما تقول حين تحقِّر الجريبين.
وإذا حقَّرت سنين اسم امرأة في قول من قال: هذه سنينٌ، كما قلت:

(3/495)


سنيِّن على قوله في يضع: يضيع. ومن قال: سنون قال: سنيُّون، فرددت ما ذهب وهو اللام. وإنَّما هذه الواو والنون إذا وقعتا في الاسم بمنزلة ياء الإضافة وتاء التأنيث التي في بنات الأربعة لا يعتد بها، كأنَّك حقرت سنيٌّ.
وإذا حقَّرت أفعالٌ اسم رجل قلت: أفيعالٌ، كما تحقرها قبل أن تكون اسما، فتحقير أفعالٍ كتحقير عطشان، فرقوا بينها وبين إفعالٍ لأنه لا يكون إلا واحداً ولا يكون أفعالٌ إلا جمعاً، ولا يغيَّر عن تحقيره قبل أن يكون اسما كما لا يغيَّر سرحانٌ عن تصغيره إذا سميت به، ولا تشبِّهه بليلة ونحوها إذا سمَّيت بها رجلا ثم حقَّرتها؛ لأن ذا ليس بقياس.
وتحقير أفعالٍ مطَّرد على أفيعالٍ، وليست أفعالٌ وإن قلت فيها أفاعيل كأنعامٍ وأناعيم تجري مجرى سرحانٍ وسراحين؛ لأنه لو كان كذلك لقلت في جمَّالٍ: جميمالٌ؛ لأنك لا تقول: جماميل. وإنما جرى هذا ليفرق بين الجمع والواحد.