اللمحة في شرح الملحة بَابُ الاِسْمِ الْمَنْقُوصِ:
وَالْيَاءُ فِي الْقَاضِي وَفِي الْمُسْتَشْرِي ... سَاكِنَةٌ فِي
رَفْعِهَا واَلْجَرِّ
َتُفْتَحُ الْيَاءُ إِذَا مَا نُصِبَا ... نَحْوُ: لَقِيْتُ القَاضِيَ
المُهَذَّبَا
المعتلّ من الأسماء غير المضاف اسمان؛ وهما: المنقوص، والمقصور.
فالمنقوص: كُلُّ اسم آخِره ياءٌ خَفِيْفَةٌ قبلها كَسْرَةٌ، كـ
(القَاضِي) و (المقتضي) و (المستقضي) .
وهذا يسكن [ياؤه] 1 في رفعه وجرّه، ويقدّر على حرف إعرابه في حال رفعه
ضَمَّةٌ، وفي حال جرّه كسرةٌ؛ والمانع من ظهور ما قُدِّر فيه:
الاستثقال؛ ويظهرُ فيه بحال نصبه الفتحةُ؛ لخفّتها؛ فتقول: (جاءني
القَاضِي) و (مررتُ بالقاضِي) و (رأيتُ القَاضيَ) ؛ فتَنْقُصُ من
إعرابه حركتان2؛ فلذلك سُمِّيَ مَنْقُوصًا3.
____________________
1 في أ: وَاوُهُ، وهو سهو.
2 وهما: الضّمّة والكسرة.
3 وقيل: سُمِّي منقوصًا "لأنّه نقص الرّفع والجرّ، تقول: (هذا قاض) و
(مررت بقاضٍ) ، والأصل: (هذا قاضِيٌ) و (مررت بقاضيٍ) إلاّ أنّهم
استثقلوا الضّمّة والكسرة على الياء فحذفوهما، فبقيت الياء ساكنة،
والتّنوين ساكنًا، فحذفوا الياء لالتقاء السّاكنين". ينظر: أسرار
العربيّة 37.ويُنظر اللّباب 1/81.
وقيل:"لأنّه نقص شيئين حركة وحرفًا؛ فالحركة هي الضّمّة أو الكسرة،
حذفت للثّقل، والحرف هو الياء حذف لالتقاء السّاكنين حين يخلو من الألف
واللام". ينظر: شرح المفصّل 1/56.
(1/175)
ويجوز [إظهار] 1حركة هذه الياء في حال
الجرِّ والرَّفع في ضرورة الشِّعرِ، قال ابن قيس الرُّقَيَّات2:
لاَ بَارَكَ اللهُ فِي الْغَوَانِيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إِلاَّ
لَهُنَّ مُطَّلَبُ3
وَنَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنْقُوصَا ... فِي رَفْعِهِ وَجَرِّهِ
خُصُوصَا
تَقُولُ: هَذَا مُشْتَرٍ مُخَادِعُ ... وَافْزَعْ إِلَى حَامٍ حِمَاهُ
مَانِعُ
[18/أ]
هذا الاسم لا يخلو أن يكون مُعَرَّفًا باللاّم4-كما تقّدم-،أو
بالإضافة، كقولك: (قاضِي مكّة) ، (وَالِي المدينة) ؛ وهذا يُعْرَبُ كما
تقدّم.
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
2 هو: عُبيد الله بن قَيْس بن شُرَيْح بن مالك العَامريّ: شاعر قريش في
العصر الأمويّ، أكثر شعره الغزل والنّسيب، وله مدحٌ وفخر؛ لقِّب بابن
قيس الرّقيّات؛ لأنّه كان يتغزّل بثلاث نسوة اسم كلّ واحدة منهنّ
رقيّة؛ توفّي سنة (85هـ) .
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 2/647، والشّعر والشّعراء 361، والأغاني
5/80 - 110، والخزانة 7/280 - 289.
3 هذا بيتٌ من المنسرح.
و (الغانية) :الّتي استغنت بجمالها؛ وقيل: بزوجها. و (اَطَّلَبَ
الشّيء) على افتعل: طلبه؛ والمراد أنّهنّ كثيرات المطالب، أو أنّهنَّ
يطلبن من يواصلنه، لا تثبت مودّتهنّ لأحد.
والشّاهد فيه: (الغوانِيِ) حيث حرّك ياء الغواني بالكسر لضرورة الشّعر.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/314، والمقتضب 1/142، وما ينصرف وما لا
ينصرف 149، والخصائص 1/262، وتحصيل عين الذّهب 488، والفصول الخمسون
273، وشرح المفصّل 10/101، واللّسان (غنا) 15/138، والهمع 1/184،
والدّيوان 3، وفيه (الغوانيْ فما) - بسكون الياء - ولا شاهد فيه على
هذه الرّواية.
4 أراد بقوله: (أن يكون مُعَرَّفًا باللاّم) أي: بالألف واللاّم.
(1/176)
أو أنْ يكون نكرةً؛ فهذا يَسْقُطُ حَرْفُ
إعرابه لوجوب تنوينه؛ فِرارًا من الجمع بين ساكنين، وسَاغَ ذلك لدلالة
الكسرة الّتي قبله عليه؛ فتقول في حال رفعه: (هذا قَاضٍ يا زَيْدُ) ،
وفي جَرِّه: (نَزَلْتُ بِوادٍ رَحْبٍ) .
وتَثْبُتُ الياء في حال نصبه؛ لحركتها على أصل إعرابه؛ فتقول:
(وَجَدْتُ قَاضِيًا عَادِلاً) . ويُوقف على المُعَرَّف باللاّم منه في
حال رفعه وجرّه بسكون يائه- كما تقدّم-، وبالألف في حال نصبه.
فإنْ كان نكرةً وقفتَ بحذف الياء؛ فتقول: (هذا قاضْ) و (مررتُ بقاضْ) ؛
وفي حال نصبه بالألف المبدلة من التّنوين مع إثبات يائه فتقول: (رأيتُ
قاضِيا) ، ويجوز إلحاق الياء به في قَوْلِهِمْ: (هذا قاضِي) و (أقَمْتُ
بِوَادي) 1.
وكذلك حذفها من المعرفة، فتقول: (هذا العادِ) 2 و (نَزَلْتُ بالوَادِ)
.
____________________
1 الوقف على المنقوص المنوّن في حالة الرّفع والجرّ فيه مذهبان: إسقاط
الياء، وإثباتها.
واختلف النّحويّون في الأجود منهما؛ فذهب سيبويه إلى أنَّ حذف الياء
أجود؛ إجراءً للوقف على الوصل؛ لأنّ الوصل هو الأصل.
وذهب يونس إلى أنَّ إثبات الياء أجود؛ لأنَّ الياء إنّما حذفت لأجل
التّنوين، ولا تنوين في الوقف؛ فوجب ردّ الياء، وإثبات الياء أجود
الوجهين؛ لزوال المانع.
أمَّا النّصب فلا خلاف أنَّ الوقف على الألف.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 4/183، 184، والمرتجل 41، 42، وأسرار
العربيّة 38، 39، وشرح المفصّل 9/75، والفصول الخمسون 87، والهمع
6/203.
2 في أ: الهاد.
(1/177)
وَهَكَذَا تَفْعَلُ فِي يَاءِ الشَّجِي ...
وَكُلِّ يَاءٍ بَعْدَ مَكْسُورٍ تَجِي
هَذَا إِذَا مَا وَرَدَتْ مُخَفَّفَهْ ... فَافْهَمْهُ عَنِّي فَهْمَ
صَافِي المَعْرِفَهْ
[18/ب]
المنقوصُ مستوٍ في حكم إعرابه - على ما تقدّم -، [سواء كان] 1
ثلاثيًّا2، أَوْ رُبَاعِيًّا، أو خُمَاسيًّا، أَوْ سُدَاسيًّا، كـ
(الشّجي) و (القاضِي) و (المُشْتَرِي) و (المُسْتَقْصِي) .
فإِنْ كانت ياؤهُ مشدَّدةً، كـ (الصبيِّ) و (الكُرسيِّ) و
(الأَلمَعيِّ) .
أوكان ما قبلها ساكنًا، كـ (ظَبْيٍ) و (دَلْوٍ) ،كان كالاسم السّالم في
تعاقُب الحركات عَلَيْهِ3.
__________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
2 في أ: كاثلاثيًّا.
3 لأنّه قد اختلّ فيه شرطٌ من شروط الاسم المنقوص.
(1/178)
بَابُ الاِسْمِ الْمَقْصُورِ:
وَلَيْسَ لِلإِعْرَابِ فِيمَا قَدْ قُصِرْ ... مِنَ الأَسَامِي أَثَرٌ
إِذَا ذُكِرْ
مِثَالُهُ: يَحْيىَ وَمُوسَى وَالْعَصَا ... أَوْ كَحَيًا أَوْ كَرَحىً
أَوْ كَحَصى
الاسم المقصور: ما كان آخِرُهُ ألفًا مُفْرَدَةً.
وقيل: ملساء، أي: لا يَتبعُهَا هَمْزَةٌ. [19/أ]
والقصر في اللّغة: الحبس1؛ فَسُمِّي مقصورًا من ذلك؛ لأنّه يُقَدَّرُ
إعرابه في رفعه ونصبه وجرّهِ، فتقول: (هذا يحيى) ؛ فعلى حرف إعرابه
ضمّةٌ مقدّرةٌ، و (رأيتُ يحيى) ، فعلى حرف إعرابه فتحةٌ مُقدّرةٌ، و
(سلّمتُ على يحيى) ، فعلى حرف إعرابه كسرةٌ مُقدَّرةٌ؛ والمانع من ظهور
ما قُدِّر فيه: التّعذّر؛ لأنَّ الألِفَ لا تكون مُتَحَرّكةً البتَّةَ.
وفي تسميتهِ مقصورًا ثلاثة أقوال2:
أحدُها: أنّه حُبِسَ عن الحركات.
الثّاني: أنّ الحركات حُبِسَتْ عَنْهُ.
الثّالثُ: أنّها حُبِسَتْ فِيْهِ.
والاسم المقصور ينقسمُ قِسْمين:
أحَدُهُما: ما يدخله التّنوين، نحو (حَيًا) و (رَحَىً) ،كقوله تعالى:
{يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلىً شَيْئًا} 3؛ فالأوّل مرفوع،
والثّاني مجرور.
____________________
1 اللّسان (قصر) 5/96.
2 يُنظر: اللُّباب 1/84.
3 من الآية: 41 من سورة الدّخان.
(1/179)
والثّاني: ما لا يدخله التّنوين؛ وذلك
إمَّا أن يكون عَلَمًا غيرَ مُنْصَرِفٍ، كـ (موسى) و (سُعدى) ، أو أَنْ
يكون مُعَرّفًا باللاّم، كـ (الحَيَا) و (الرّحَى) .
فَهَذِهِ آخِرُهَا لاَ يَخْتَلِفْ ... عَلَى تَصَارِيْفِ الْكَلاَمِ
المُؤْتَلِفْ
[19/ب]
يُشِيْرُ بهذا الكلام إلى شَيْئين:
أَحَدُهما: أنّه لا يتغيَّرُ آخرها لتغيّرالعامِل الدّاخل عليها لفظًا.
والثّاني: أَنَّهُ لا يوقف عليه إلاَّ بالأَلِفْ، مُنوَّنًا كان، أو
غير مُنَوَّنٍ1.
وفي المنوَّن ثلاثةُ مَذَاهِبٍ:
أَحَدُها: مذهب سيبويه2؛ وهو الحكم عليه في الرّفع والجرِّ أَنَّ
تنوينه [محذوف] 3 دون عوض، وأنَّ الوقف على الألف الّتي من نفس الاسم،
والحكم عليه في النّصب أنّ تنوينه أُبدِل منه في الوقف ألفاً إجراءً له
مُجْرَى الصَّحيح4.
____________________
1 نحو: (سكرى) و (حُبلى) و (القفا) و (العصا) فأَلِفُه ثابتة، وهي
الألف الأصليّة الّتي كانت في الوصل؛ لأنّه لا تنوين فيه فيكون الألف
بدلاً منه.
يُنظر: شرح المفصّل 9/77، وشرح الشّافية 2/284.
2 هو: عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، أبو بِشر: إمامُ النُّحاة البصريّين،
نشأ بالبصرة، وأخذ عن الخليل، ويونس، والأخفش الأكبر؛ وصنّف الكتاب؛
توفّي سنة (180هـ) .
يُنظر: طبقات النّحويّين واللّغويّين 66، ونزهة الألبّاء 60، وإنباه
الرّواة 2/346، وإشارة التّعيين 242، وبُغية الوُعاة 2/229.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
4 نَسَبَ هذا المذهب إلى سيبويه الزّمخشريّ في المفصّل 477، والعُكبريّ
=
(1/180)
والمازنيّ1 يرى: أَنّ الألف الثّابتة2 في
الوقف هي بَدَل في ثلاثة أحواله3.
____________________
= في التّبيين 186، والخوارزميّ في التّخمير 4/228، وابن يعيش في شرحه
على المفصّل 9/76، وابن مالك في شرح الكافية 4/1983.
ويُنظر: الارتشاف 1/393، والمساعد 4/304، والتّصريح 2/338، والأشمونيّ
4/205.
والحقّ: أنّ هذا الرّأي ليس رأي سيبويه؛ وأنّ الرّأي الثّالث الّذي نسب
إلى الكسائيّ هو رأيه كما قال ابن يعيش 9/76:"وبعضهم يزعم أن مذهب
سيبويه أنّها لام الكلمة في الأحوال كلّها".
وقال بهذا الرّضيّ في شرحه على الشّافية 2/280، ورجّحه السّيرافيّ في
شرحه على الكتاب جـ2/ق120/ب، والأعلم الشّنتمريّ في النّكت 2/1112؛
وعزاه ابن الباذش في الإقناع إلى سيبويه والخليل 1/353.
وهذا الرّأي هو الرّأي الثّالث الّذي نُسِبَ إلى الكسائيّ.
أمَّا ما نسب إلى سيبويه فهو أحد قولي أبي عليّ الفارسيّ؛ وقد نصَّ
عليه في التّكملة 26؛ وقد رجّحه ابن مالك في التّسهيل 328.
1 هو: أبو عثمان بكر بن محمّد: بصريّ، روى عن أبي عبيدة، والأصمعيّ،
وأبي زيد؛ وعنه: المبرّد، واليزيديّ؛ كان إمامًا في العربيّة، متّسعًا
في الرّواية، لا يناظِرُ أحدًا إلاّ أفحمه؛ من مصنّفاته: التّصريف،
وعلل النّحو؛ توفّي سنة (249هـ) .
يُنظر: أخبار النّحويّين البصريّين 85، وطبقات النّحويّين واللّغويّين
87، ونزهة الألبّاء 140، وإنباه الرُّواة 1/281، وبُغية الوُعاة 1/463.
2 في أ: الثّانية.
3 وهو مذهب أبي الحسن الأخفش، والفرّاء؛ وهو أحدُ قولي أبي عليّ في
التّذكرة.
يُنظر: التّكملة 26، والإقناع 1/353، والتّبيين 187، والتّخمير 4/228،
وشرح المفصّل 9/77، والإيضاح في شرح المفصّل 2/310، وشرح الكافية
الشّافية 4/1983، والارتشاف 1/393، والمساعد 4/304، والتّصريح 2/338،
والهمع 6/202، والأشمونيّ 4/204.
(1/181)
والكسائي1: أنَّ الألف الموقوف عليها هي من
نفس الكلمة في الثّلاثة2؛ ويُقَوِّي هذا المذهب ثبوت الرِّوَاية
بإِمالةِ الألِف3، والاعتداد بها
____________________
1 هو: عليّ بن حمزة، أبو الحسن، الكِسائيّ، مولى بني أسد: إمام
الكوفيّين في النّحو واللّغة، وأحدُ القُرّاء السّبعة المشهورين؛ من
مصنّفاته: معاني القرآن، وما تلحن فيه العامّة؛ توفّي سنة (189هـ) .
يُنظر: طبقات النّحويّين واللّغويّين 127، ونزهة الألبّاء 58، وإنباه
الرُّواة 2/256، وإشارة التّعيين 217، وبُغية الوُعاة 2/162.
2 نُسِبَ هذا الرّأي إلى أبي عمرو بن العلاء، والكوفيّين؛ وإليه ذهب
ابن كَيْسان والسِّيرافيّ؛ ونقله ابن الباذش في الإقناع عن سيبويه
والخليل؛ واختاره ابن مالكٍ في شرح الكافية الشّافية.
يُنظر شرح الكتاب للسّيرافيّ جـ2/ ق102/ب، والإقناع 1/353، والتّبيين
186، والتّخمير 4/228، وشرح المفصّل 9/76، وشرح الكافية الشّافية
4/1984، والارتشاف 1/393، والمساعد 4/304، والتّصريح 2/338، 339،والهمع
6/202، والأشمونيّ 4/204.
3 قال الرّضيّ: "وأيضًا فإنّها تمال في حال النّصب، كقوله تعالى:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ؛
وإمالة ألف التّنوين قليلة". شرح الشّافية 2/284.
ويُنظر: النّكت 2/1112، والمرتجل 48، والتّبيين 190، والتّخمير 4/230،
وشرح الكافية الشّافية 4/1983، والأشمونيّ 4/204.
(1/182)
رويًّا1؛ وبدل التّنوين لا يكون كذلك2.
__________
1 في قول الشّاعر:
وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرَى ... صَادَفَ زَادًا وَحَدِيْثًا
مَا اشْتَهَى
فألِف (سُرى) هي الرّوي؛ والألف المبدلة من التّنوين في النّصب إذا
وقفت عليها لا تكون رويًّا؛ فلا يقع في القوافي مثل: (نظرت زيدًا) -
مثلاً - في آخر البيت، ويقع في آخِرِ (آخَر) و (شكرت عمرًا) ، وهما في
قصيدة واحدة.
ويقويّ هذا المذهب أنّ ألف (هدى) في قوله تعالى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى
النَّارِ هُدىً} [طه: 10] كُتبت في المصحف بالياء، وألف التّنوين تُكتب
ألفاً.
يُنظر: المرتجل 48، والتّبيين 189، وشرح المفصّل 9/77، وشرح الشّافية
2/283.
2 قد جاء عن بعض العرب قلب الألِف الموقوف عليها همزة أو ياءً أو
واوًا، نحو: (هذه أفعأ) أو (أفعي) أو (أفعو) في: (هذه أفعى) ؛ و (هذه
عصأ) أو (عصي) أو (عصو) في (عصا) .
يُنظر: الكتاب 4/176، 177، 181، والتّكملة 26، وشرح الكافية الشّافية
4/1984، والهمع 6/205.
(1/183)
بَابُ التَّثْنِيَةِ
وَرَفْعُ مَنْ1ثَنَّيْتَهُ بِالأَلِفِ ... كَقَوْلِكَ: الزَّيْدَانِ
كَانَا مَأْلَفِي
التَّثْنِيَةُ: ضَمُّ الشّيء إلى مِثْلهِ.
والغرض بها: الاختصارُ، وحُسْنُ التّركيبِ.
وأصلُها: العطفُ؛ ويدلُّ على ذلك قولُ الرّاجز:
لَيْثٌ وَلَيْثٌ فِي مَحَلٍّ ضَنْكِ2 ...
................................
[20/أ] وقال غيرُه:
كَأَنَّ بَيْنَ فَكِّهَا وَالْفَكِّ3 ... ............................
____________________
1 في متن الملحة 12: وَرَفْعُ مَا ثَنَّيْتَهُ.
2 هذا صدرُ بيتٍ من الرّجز، وعجزه:
كِلاَهُمَا ذُوْ أَشَرٍ وَمَحْكِ
يُنسب إلى واثِلة بن الأسْقَع - الصّحابي -، كما يُنسب إلى جحدر بن
مالك الحنفيّ.
و (الضَّنْك) : الضّيق. و (الأَشَر) : البطر. و (المحْك) : اللَّجاج.
والشّاهد فيه: (لَيْثٌ ولَيْث) على أنَّ أصل المثنى العطف بالواو؛
فلذلك يرجع إليه الشاعر في الضرورة كما هُنا؛ فإنّ القياس أن يقول:
ليثان، لكنَّه أفردهما وعطف بالواو لضرورة الشِّعر.
يُنظر هذا البيت في: أمالي ابن الشّجريّ 1/14، وأسرار العربيّة 48،
والمقرّب 2/41، وشرح الجمل 1/137، واللّسان (درك) 10/420، والهمع
1/145، والخزانة 7/461.
3 هذا صدرُ بيتٍ من الرّجز، وعجزه:
(1/185)
أراد بينَ فَكَّيْهَا، فلم يستقم له الوزن
فعاد إلى الأصل.
والتّثنيةُ على ثلاثةِ أضرُبٍ1:
تثنية في اللّفظ والمعنى؛ وعليه أكثرُ الكلام.
وتثنية في اللفظ دون المعنى؛ وذلك على حُكم التّغْلِيْبِ؛ وهو قليلٌ،
كـ (العُمَرَين) 2 و (القَمَرين) 3و (الأَبوَين) 4.
____________________
=
فَارةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ في سُكِّ
يُنسب إلى منظور بن مرثد الأسديّ، كما يُنسب إلى رُؤْبَة.
و (الفكّ) : اللَّحْي، وهو: عظم الحنك، وهو الذي عليه الأسنان، وهو من
الإنسان حيث ينبُت الشعر. و (فارة المسك) هي: نافجة المسك - أي: وعاؤه
- و (ذُبِحَتْ) أي: شقّت وَفُتِقَتْ. و (السُّكُّ) : ضربٌ من الطِّيْب.
والمعنى: أنّ الشّاعر يصف امرأة بطيب الفم؛ يريد: أنّ ريح المسك يخرُج
من فيها.
والشّاهد فيه: (بين فكّها والفكّ) يريد: بين فكَّيْها، لكنّه أتى
بالمتعاطفين للضّرورة.
يُنظر هذا البيت في: إصلاح المنطق 7، وأمالي ابن الشّجريّ 1/14، وأسرار
العربيّة 47، وكشف المشكِل 1/257، وشرح المفصّل 4/138، وشرح الجمل
1/137، وشرح التّسهيل 1/68، والبسيط 1/200، والخزانة 7/468، وملحقات
ديوان رُؤبة 193.
1 يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 1/15، وكشف المشكِل 1/257، وشرح الجمل
1/37.
2 العُمَرَان هما: أبو بكر الصِّدِّيق، وعمر بن الخطّاب - رضي الله
عنهما -.
وغلَّبوا عمر على أبي بكر؛ لأنَّ أيّام عمر امتدَّت فاشتهرت؛ وقيل:
لأنّه أخفُّ الاسمين.
يُنظر: إصلاح المنطق 402، وأمالي ابن الشّجريّ 1/19.
3 القَمَرَان: الشّمس والقمر.
وغلّبوا القمر على الشّمس؛ لخفّة التّذكير. يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ
1/19.
4 الأَبوان: الأب والأُم.
(1/186)
وتثنية في المعنى دون اللّفظ؛ وهو لِمَا
كان في الجَسَدِ منه شيءٌ واحدٌ، وأُريْدَ تثنيتُه وهو مضافٌ إلى
مثنّى، فهو يكونُ بلفظ الجمع، مثل: (أعجبني وجُوهُكُمَا) و (سَرَّني
طيبةُ قُلُوبِكُمَا) ، وكقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 1.
ويشترك في التّثنية: المُذكّر والمؤنّث، والمنكّر والمعرَّف، ومَن
يَعْقِل ومن لا يَعْقِل2.
والألفُ في قولك: (الزّيدان) تدلّ على ثلاثة أشياء3:
____________________
1 سورة التّحريم، الآية: 4.
2 المثنّى لَمّا كان لا يصلح إلاَّ لوجه واحدٍ فلم يكن (مسلمان) لأكثر
من اثنين، فكان ما يعقل وما لا يعقل واحد في المثنّى، ولم يحتج إلى
الفرق بين الصّيغتين، بخلاف الجمع فإنّه يحتمل القِلّة والكثرة فلهذا
افترقت صيَغُ الجمع حاشية يس على التّصريح 1/66.
3 اختلف النّحويّون في حرف الإعراب في التّثنية والجمع:
فذهب سيبويه إلى أنّ الألف والواو والياء هي حروف الإعراب
وذهب أبو الحسن الأخفش، والمبرّد إلى أنّها تدلّ على الإعراب، وليست
بإعراب ولا حروف إعراب.
وذهب أبو عمر الجرميّ إلى أنّ انقلابها هو الإعراب.
وذهب قُطْرُب، والفرّاء، والزّياديّ إلى أنّها هي الإعراب.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 1/17، والمقتضب 2/153، 154، وسرّ صناعة
الإعراب 2/695، وأسرار العربيّة 51، 52، والإنصاف، المسألة الثّالثة،
1/33 - 39، وكشف المُشْكِل 1/261، والتّبيين، المسألة الثّانية
والعشرون، 203، واللّباب 1/103، وشرح المفصّل 4/139، وشرح التّسهيل
1/74، وائتلاف النُّصرة، فصل الاسم، المسألة الثّالثة، 29، والهمع
1/161، والأشمونيّ 1/88.
(1/187)
أَحَدها: أنّها حَرْفُ الإعْرَابِ.
الثّاني: علامة الرّفع.
الثّالث: الدَّالُّ على التّثنية.
وحرف إعراب المفرَد يُفْتَحُ1قبل دخول الألف أو الياء؛ ولهذا يَثْبُتُ
بالاسم المنقوص؛ وذلك لخفّة الفتحة.
[20/ب]
وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَاءِ ... بِغَيْرِ إِشْكَالٍ وَلاَ مِرَاءِ
تَقُولُ: زَيْدٌ لاَبِسٌ بُرْدَيْنِ ... وَخَالِدٌ مُنْطَلِقُ
الْيَدَيْنِ
اعلم أَنَّ المنصوب هو أخو المجرور مِنْ وجُوهٍ2:
أَحَدُهَا: أنَّ كُلَّ واحدٍ منهما فَضْلةٌ في وُرُوْده.
والثّاني: أَنَّ المجرور مفعولٌ لَكنَّهُ لم يُؤَثِّر3فكأنّ حرفَ
الجرِّ بَعضٌ من الفعل لتعدِّيه إليه؛ فالمجرور مفعولٌ في المعنى4.
الثّالِث: اتفاقهما في حركة البناء إذا كانا ضميرين، كقولك: (قصدتُّكَ)
و (وثقتُ بِكَ) و (قصدتُّه) و (شكرتُ له) ؛ فلهذا اشترك المنصوب
والمجرور في هذا الباب؛ وفي الجمع السّالم في الإعراب بالياء.
____________________
1 في أ: ويفتح، والكلام يستقيم بدون هذه الواو.
2 يُنظر: أسرار العربيّة 50، واللُّباب 1/101، وشرح المفصّل 4/139.
3 أي: لم يؤثِّر فيه الفعل في اللفظ.
4 تقول: مررت بزيد؛ فيكون في معنى: (جزت زيدًا) .
(1/188)
وهذه الياء لَمَّا كان المثنّى مرفوعًا
بقرار الألف، ثم دخل عليه عاملُ جرٍّ لمقتضى المعنى؛ فقلبت الألف ياءً
للمناسبة، فلم يبق إلاَّ حمل النّصب على الرّفع أو على الجرّ؛ فكان
حمله على الجرِّ أَوْلى لِمَا تقدَّم من المُمَاثَلةِ1.
فالياء: حَرْفُ الإعراب، وعلامةُ التّثنية، وعلامةُ الجرِّ أو
النَّصْبِ.
والنّون: دخلت المثنّى عِوَضًا من الحركات والتّنوين2،وكُسِرَتْ على
الأصل في التقاء السّاكنَيْن3، وحَكَى [21/أ] الفرّاءُ4 فتحها5،
____________________
1 يُنظر: أسرار العربيّة 50، 51، وشرح المفصّل 4/139.
2 هذا مذهب جمهور البصريين.
وذهب بعضُ النّحويّين إلى أنّها عوضٌ من التّنوين وحده، نحو (رحيان) و
(وعصوان) .
وقيل: إنّها التّنوين نفسه.
وقال آخرون: إنّها عوض من الحركة وحدها، نحو: (الرّجلان) و (الفرسان) .
وذهب الفرّاء إلى أنها زيدت للفرق بين التّثنية، والواحد المنصوب في
نحو قولك: (رأيت زيدًا) .
تُنظر هذه المسألة في: أسرار العربيّة 54، والتّبيين، المسألة الرّابعة
والعشرون، 211، واللّباب 1/105، 106، وشرح المفصّل 4/140، وشرح
التّسهيل 1/75، والبسيط 1/256، والهمع 1/163.
3 يُنظر: شرح المفصّل 4/141.
وقيل: إنّهم كسروا نون التّثنية، وفتحوا نون الجمع؛ للفرق بينهما.
يُنظر: سرّ صناعة الإعراب 2/488، وأسرار العربيّة 55، وشرح المفصل
4/141.
4 هو: أبو زكريّا يحيى بن زياد الدّيلميّ: إمامُ أهل الكوفة في النّحو
واللّغة بعد الكِسَائيّ، أَخذ عنه وعليه اعتمد، وأخذ عن يونس؛ وله
مصنّفات كثيرة؛ منها: معاني القرآن، والمذكّر والمؤنّث، والمقصور
والممدود؛ توفّي في طريق مكّة المكرّمة سنة (207هـ) .
يُنظر: مراتب النّحويّين 139، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 131،
ونزهة الألبّاء 81، وإنباه الرّواة 4/7، وبُغية الوُعاة 333.
5 يُنظر: شرح التسهيل 1/62، والتذييل والتكميل 1/238.
(1/189)
وقال:"هي لغة بعض العرب"1، وأَنْشَدَ:
عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً ... فَمَا هِيَ إِلاَّ
لَمْحَةٌ وَتَغِيْبُ2
ويسلم في التّثنية نظم الواحد، إلاَّ اسمُ الإشارةِ والملحق بهِ، وهو
(الّذي) وفروعه3،فتقول فيهما: (هذانِ) و (اللّذانِ) و (اللّتانِ) ، وفي
____________________
1 المقصود ببعض العرب: بني أسد في نقل الفرّاء، وبني زياد بن فقعس في
نقل الكسائيّ.
يُنظر: التذييل والتكميل 1/238، وتخليص الشّواهد 78.
2 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لحميد بن ثور الهلاليّ-رضي الله عنه-، من
قصيدة يصِف فيها قَطاة.
و (الأحوذيّان) : مثنّى أحوذي؛ وهو: الخفيف المشي، وأراد بهما جناحي
القَطاة. و (استقلّت) : ارتفعت. و (اللّمحة) : النّظرة.
والشّاهد فيه: (على أَحْوَذِيَّيْنَ) حيث فتحت نون المثنّى على لغة بعض
العرب، وليس الفتحُ هنا ضرورة؛ لأنّ الكسر يصحّ معه الوزن.
يُنظر هذا البيت في: سرّ صناعة الإعراب 2/488، وشرح المفصّل 4/141،
والمقرّب 2/47، وابن النّاظم 50، واللّسان (حوذ) 3/486،وتخليص الشّواهد
1/79، والتّصريح 1/78، والهمع 1/165، والخزانة 7/458، والدّيوان 55.
3 فإنّ آخرها حذف في التّثنية، تقول في تثنية (ذا) و (تا) و (الّذي) و
(الّتي) : ذان، وتان، واللّذان، واللّتان؛ إذْ من شروط التّثنية
الإعراب.
وأمّا (ذان) و (اللّذان) ونحوهما فصيَغٌ وضعتْ للمثنّى، وليست من
المثنّى الحقيقي عند المحقِّقين.
وكان القياس في تثنيتها: ذيان، وتيان، واللّذيان، واللّتيان، بإثبات
(الياء) .
لكنّهم فرّقوا بين تثنية المبنيّ كـ (الّذي) و (ذا) ، وتثنية المعرب كـ
(القاضي) و (فتى) فحذفوا الحرف الأخير وهو (الياء) من (الّذي) و
(الّتي) ؛ و (الألف) من (ذا) و (تا) ، وأثبتوه في (القاضي) و (فتى) ؛
ففرّقوا بين المعرب والمبنيّ.
وقيل: إنّ (الّذي) و (الّتي) لم يكن ليائهما حظٌّ في التّحريك
لبنائهما، فاجتمعت ساكنة مع العلامة فحذفت لالتقاء السّاكنين.
يُنظر: الملخّص 115، والبسيط1/246، وتوضيح المقاصِد1/82، 207،
والتّصريح1/67، 131، والأشمونيّ1/147، والصّبّان1/76.
(1/190)
الجرِّ: (مررت بهذينِ) و (اللّذين) و
(اللّتينِ) ، وقيل: إنَّ هذه صيغة التّخفيف1 بالتّثنية.
والمنقوص، كـ (الشّجيّ) تثبت ياؤه في التّثنية، وليس هو كـ (الّذي) ؛
وذلك لأنَّ (ياءه) تتحرّكُ في حال النّصب، و (ياء الّذي) لا تتحرّك
بِوَجْهٍ؛ فَجَرَى لذلك مَجْرَى الصَّحيح.
والمقصور إن كانت أَلِفُهُ رابعةً فصاعدًا قُلِبَتْ (ياءً) في
التّثنية، فتقول في تثنية (موسى) و (سُعدى) في الرفع: موسيان، وسعديان،
وفي (مصطفى) : مصطفيان.
فإنْ كانت ألِفُه ثالثةً رَدَدْتَهَا إلى أصلها واوًا أو ياءً؛
والطّريق في2 ذلك: أن تنظر في تصريف الكلمة، فإنْ وَجَدْتَ الواوَ في
بعض تصاريفها فهي من ذوات الواو، وإِنْ وَجَدْتَ الياءَ فهي من ذوات
الياء؛ فتقول في تثنية (قَفًَا) و (عَصًَا) : قَفَوان، وعَصَوان؛
لأنّهما من (قَفَوت) و (عصوت) .
____________________
1 إلى هنا انتهى السّقط المشار إليه في ص 141 من ب.
2 في ب: إلى.
(1/191)
وتقول في تثنية (هُدًى) و (رَحَىً)
هُدَيَانِ، ورَحَيَانِ؛ لأنّهما من (هَدَيْتُ) و (رَحَيْتُ) .
وإن ثنّيتَ الممدودَ أَبدلت1همزتَهُ واوًا فيما لا ينصرف، وأقررتها
فيما ينصرف؛ فتقول في تثنية (حمراء) و (حسناء) : حمراوان، وحسناوان،
وفي تثنية (سماء) و (كساء) : سماءان، وكساءان؛ وقد ورد إبدالهما
واوًا2، والأوّل أفصح3.
[21/ب] ويلتحق4 الأَلِفُ واللاّم بأوّل المثنّى إذا [كان] 5 عَلَمًا
جَبْراً6 لِمَا حَصَل له من التّنكير بالتّثنية7.
وَتَلْحَقُ النُّونُ بِمَا قَدْ ثُنِّيَ مِنَ المَفَارِيْدِ لِجَبْرِ
الْوَهْنِ
هذه النّونُ بها جَبْرٌ لِمَا حَصَلَ للمفرديْن8من الضّعف؛ لسقوط
الحركتين والتّنوين لفظًا أو تقديرًا.
وهذه النّونُ تُفارِقُ التّنوين في أَنّ حركتها لازِمةٌ، وأنها تثبتُ
في الوقف، [و] 9 مع الألِف واللاّم10.
____________________
1 في ب: أبدلت من.
2 تقول: (سماوان) و (كساوان) .
3 في ب: أصحّ، وهو تصحيف.
4 في ب: وتلحق.
(كان) ساقطة من ب.
6 في كلتا النّسختين: خبراً، والظاهر أنها جبراً.
7 لأنّ العلَم إذا ثُنِّي نُكِّر؛ بدليل دخول الألف واللاّم عليه بعد
التّثنية، وامتناعهما قبل التّثنية.
يُنظر: الملخّص 116، والبسيط 1/246.
8 في أ: للفردين.
(الواو) ساقطة من ب.
10 يُنظر: شرح المفصّل 4/140.
(1/192)
[بَابُ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ] 1:
وَكُلُّ جَمْعٍ صَحَّ فِيْهِ وَاحِدُهْ ... ثُمَّ أَتَى بَعْدَ
التَّنَاهِي زَائِدُهْ
فَرَفْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونُ تَبَعْ ... مِثْلُ: شَجَانِي
الْخَاطِبُونَ فِي الْجُمَعْ
[22/أ]
الجمع هو: ضَمُّ الشّيء إلى أَكثرَ مِنْهُ.
وهو ينقسم إلى جمع صِحَّة، وإلى جمع تكسير.
فجمع الصّحّة: ما سَلِمَ فيه نظمُ الواحد وبناؤه.
وجمع التّكسير: ما تغيّر فيه نظمُ الواحد وبناؤه.
وإعرابه بالحروف على حكم ما تقدّم، ورفعه بالواو مضموماً ما قَبْلَهُ.
فالواو علامة رفعه، وعلامة جمع الصّحّة، وحرف الإعراب؛ وكذلك الياء.
وحكم النّون التّابع الواو والياء حكم نون التّثنية.
وهذا الجمع من شرطه2:
أَنْ يكون مذكّرًا، علَمًا، عاقلاً، عاريًا من تاء التّأنيث وألف
التّأنيث.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
2 جمع المذكّر السّالم قسمان: اسم، وصفة.
وقد ذكر الشّارح شروط الاسم - ويُضاف عليها: أن يكون خاليًا من
التّركيب-. وبقيت شروط الصّفة؛ وهي:
أن تكون صفةً لمذّكر، عاقل، خالية من تاء التّأنيث، ليست من باب أفعل
فعلاء، ولا من باب فعلان فُعلى، ولا ممّا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث.
يُنظر: توضيح المقاصد 1/92، وابن عقيل 1/62، والأشمونيّ 1/81.
(1/193)
وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَاءِ ...
عِنْدَ جَمِيْعِ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ
تَقُولُ: حَيَّ النَّازِلِيْنَ فِي مِنَى ... وَسَلْ عَنِ الزَّيْدِينَ
هَلْ كَانُوا هُنَا
قوله:"عند جميع العرب"أي: إنَّ إعرابه على هذا الحكم لم يقع فيه خُلْفٌ
كما اختُلِفَ في إعراب المثنّى؛ فجعله بعضُهم1بالألِف في جميع أحواله،
وعليه حمل بعضُهم قوله تعالى: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 2، ومنه
[22/ ب] قول المُتَلَمِّس3:
فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ
الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا4
____________________
1 وهي لغة بلحارث بن كعب، وبطونٌ من ربيعة، وقبائل أخرى؛ وأنكرها
المبرّد؛ وهو محجوج بنقل الأئمّة.
يُنظر: معاني القرآن للفرّاء 2/184، وسرّ صناعة الإعراب 2/704، وتوضيح
المقاصد 1/90، وشرح الشّذور 48، والأشمونيّ 1/79.
2 من الآية: 63 من سورة طه.
وهي قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، والكِسائيّ، وأبي جعفر، ويعقوب،
وخلف العاشر.
يُنظر: السّبعة في القراءات 419، والحجّة في القراءات السّبع 242،
والمبسوط 296، وحجّة القراءات 454، والكشف 2/99، والتّيسير 123، 242،
والمهذّب في القراءات العشر 2/20.
وقد خرَّج العلماء هذه القراءة بتخريجات أُخرى غير هذا التّخريج الّذي
ذكره الشّارح.
يُنظر: البحر المحيط 7/349، 350، وشرح الشّذور 48.
3 هو: جرير بن عبد المسيح بن عبد الله بن زيد الضّبيعيّ: شاعر جاهلي،
حماسي، كان نديمًا للملك عمرو بن هند؛ وقصّة صحيفته مشهورة.
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/155، والشّعر والشّعراء 99، والأغاني
24/216، والخزانة 6/345.
4 هذا بيتٌ من الطّويل.
(1/194)
بل اتُّفِقَ على إعرابه كما1 تقدَّم [عند]
2جميع العرب، وكان الإعرابُ فيه بالانقلاب؛ لامتناع ظهور الحركات على
الواو المضموم ما قبلها؛ فاستقرّت الواو في الرّفع؛ فإذا دخل [عليه]
3عامل الجرّ قُلِبَت ياءً للمناسبة، وكُسِرَ4ما قبلها لئلاّ يلتبس
الجمع بالمثنّى في بعض الصُّور، وحُمِلَ النّصب على الجرّ-كما مَرَّ في
(باب التّثنية) 5.
والتحاق النّون عِوَضًا - كما تقدّم - عن الحركة والتّنوين؛ ولذلك:
تسقط في الإضافة كسقوط التّنوين، وتثبُتُ6 مع الألِف واللاّم؛
____________________
= و (الشّجاع) : الحيّة الذّكر. و (المساغ) : مفعلٌ مِنْ ساغ يسوغ؛
وأصل معناه: سهولة مدخل الشّراب في الحلْق. و (صمّم) : عضّ ونيّب، فلم
يُرسل ما عضّ.
والشّاهد فيه: (لناباه) حيث جاء بالمثنّى بالألِف في حالة الجرّ، وذلك
على لغة بلحارث بن كعب، فإنّهم يلزمون المثنّى الألِف في جميع حالاته.
يُنظر هذا البيتُ في: الأصمعيّات 246- وفيه (لنابيه) بدل (لناباه) ولا
شاهد فيه على هذه الرّواية-، ومعاني القرآن للفرّاء 2/184، وسرّ صناعة
الإعراب 2/704، وشرح المفصّل 3/128، والحماسة البصريّة 1/137 - وفيه
(لنابيه) بدل (لناباه) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية-، وشرح التّسهيل
1/63، والأشمونيّ 1/79، والدّيوان 34 - وفيه (لنابيه) بدل (لناباه) ولا
شاهد فيه على هذه الرّواية.
1 في كلتا النسختين: بما، والصّواب ما هو مثبت.
2 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
(عليه) ساقط من أ.
4 في ب: وكسروا.
5 يظر: (ص 189) من النّصّ المحقّق.
6 في أ: ويثبُتُ.
(1/195)
لكونها1 بدلاً من الحركة، وفتح النّون
تخفيف.
وأَوْجَبَ الرّفع - ههنا2بالواو، وفي المثنّى بالألِف - قِلّةُ هذا
الجمع بما شُرط فيه؛ فاختصَّ بالواو لِقِلّته، وكثرة ما يُثنّى
[بالألِف3] [لِخَفّة] 4 الألِف؛ وكان ذلك تَعْدِيلاً.
فالواو والنّون، أو الياء والنّون المكسور ما قبلها؛ لا يدلاّن إلاَّ
على جمع5الصّحّة، ولا يوصَف بهما إلاَّ مَن يعقِل، كقولك: (الزّيدون)
[و] 6 (السّابقون) .
[23/أ] فإنْ وصفت ما لا يعقل أتيتَ7بالألِف والتّاء، فتقول من ذلك:
(نَخْلٌ باسِقات) و (خَيْلٌ سابقات) .
فإنْ أتى8ما لا يعقل موصوفًا بالواو والنّون؛ فذلك9 لِمُنَاسَبَةٍ، أو
تنزيل منزلة من يعقِل، كقوله تعالى إخبارًا عن السّماء والأرض:
{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 10، فَنُزِّلا لوصفهما بالقول منزلة
من يَعْقِل؛ ومثله
____________________
1 في أ: كونها.
2 في ب: هُنا.
3 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
5 في ب: الجمع.
6 العاطفُ ساقطٌ من ب.
7 في ب: أثبت الألِف والتّاء.
8 في ب: جاء.
9 في أ: كقولك، وهو تحريف.
10 من الآية: 11 من سورة فصّلت.
(1/196)
قوله تعالى حكايةً عن النّملة: {ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} 1، وكذلك:
{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِيْنَ} 2.
فساغ ذلك تغليبًا بالوصف بمن يعقل. أو تغليبًا لمجاوَرةٍ، كقولك:
(الفَرَسُ والجَمَلُ وعمرٌو ذاهبون) و (هندٌ وسعادٌ وزيدٌ منطلِقون)
.أو تشبيهًا من جهة اللّفظ3، كـ (عشرين) إلى (تسعين) ؛ وهذا من أسماء
الجموع. و (أَرضون) 4 و (سنون) 5 وما جاء مِن ذلك ممّا
____________________
1 من الآية: 18 من سورة النّمل.
2 من الآية: 4 من سورة يوسف.
3 عشرون إلى تسعين ملحق بجمع المذكّر السّالم؛ لأنّه لا واحد له من
لفظه، إذْ لا يقال: عِشْرٌ.
وقيل:"لأنّ العدد لَمّا كان يقع على من يعقل نحو: (عشرين رجلاً) ، وعلى
ما لا يعقل نحو (عشرين ثوبًا) ، وكذلك إلى التّسعين، غلّب جانب من يعقل
على ما لا يعقل". أسرار العربيّة 57.
ويُنظر: توضيح المقاصِد 1/95، وابن عقيل 1/64.
4"لأنّ الأصل في أرضٍ: (أرضة) بدليل قولهم في التّصغير: (أُرَيْضَة) ،
وكان القياس يقتضي: أن تُجمع بالألِف والتّاء، إلاّ أنّهم لَمّا حذفوا
التّاء من (أرض) ، جمعوه بالواو والنّون تعويضًا عن حذف التّاء،
وتخصيصًا له بشيء لا يكون في سائر أخواته". أسرار العربيّة 58.
5"لأنّ الأصل في (سنة) : (سنوة) - بدليل قولهم في الجمع: (سنوات) - و
(سنهة) - على قولِ بعضهم -؛ إلاّ أنّهم لَمّا حذفوا اللاّم جمعوه
بالواو والنّون تعويضًا من حذف اللاّم، وتخصيصًا له بشيء لا يكون في
الأمر التّامّ؛ وهذا التّعويض تعويض جوازٍ، لا تعويض وُجوب؛ لأنّهم لا
يقولون في جمع (شمس) : (شمسون) ، ولا في جمع (غدٍ) : (غدون) ؛ فلهذا
لَمّا كان هذا الجمع في (أرض) و (سنة) على خلاف الأصل، أُدخل فيه ضربٌ
من التّكثير، وفُتحت الرّاء من (أرضون) وكُسرت السين من (سنون) ؛
إشعارًا بأنّه جُمِعَ جمعَ السّلامة على خلاف الأصل". أسرار العربيّة
58.
(1/197)
حُذِف هَاؤه1، فيجمع بالواو والنّون
تعويضًا2.
فإنْ جمعت اسمًا مقصورًا3فإنّك تفتح ما قبل علامة الجمع؛ ليدلّ على
الألِف المحذوفة، كقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ} 4، وفي جمع
المصطفى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}
5.
وكذلك ياء المنقوص تُحذف في هذا الجمع، كقولهم في الرّفع: (القاضون) ،
وفي الجرّ والنّصب: (القاضين) ؛ [23/ب] وحذفها لامتناع دخول الضّمّة
والكسرة على هذه6 الياء.
وَنُوْنُهُ مَفْتُوحَةٌ إِذْ تُذْكَرُ ... وَالنُّونُ فِي كُلِّ
مُثَنًّى تُكْسَرُ
____________________
1 يريد: لامه.
2 أشار الشّارح -رحمه الله - إلى بعض ما يلحق بجمع المذكّر السّالم،
مثل أسماء جُموع كـ (عشرين) إلى (تسعين) ، وجموع تكسير كـ (أرضين) و
(سنين) ؛ ويلحق بالجمع المذكّر- كذلك -: (أهلون) و (عالمون) و
(عِلِّيُّون) و (أولو) .
يُنظر: توضيح المقاصد 1/95، وأوضح المسالك 1/37، وابن عقيل 1/64، 65،
والأشمونيّ 1/82.
3 في ب: أسماء مقصورة.
4 من الآية: 139 من سورة آل عمران.
5 سورة ص، الآية: 47.
6 في ب: هذا.
(1/198)
وذلك لأَنَّ الفتح بعد الضَّمّ أو الكسر
خفيفٌ، والكسر بعد الألِف أو الياء أثقل من ذلك؛ فكان تعديلاً بأنْ
جُعِلَ الأخفّ للأثقل والأثقل للأخفِّ1.
وقد كَسَرَ الشّاعِرُ نونَ الجمع للضّرورة2، فقال:
أَكُلُّ الدَّهْرِ حِلٌّ وَارْتِحَالٌ ... أَمَا يُبْقِي عَلَيَّ وَلاَ
يَقِيْنِي؟
وَمَاذاَ يَدَّرِي3 الشُّعَرَاءُ مِنِّي ... وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ
الأَرْبَعِيْنِ؟ 4
____________________
1 وقيل: إنّ التّثنية قبل الجمع؛ والأصل في التقاء السّاكنَيْن: الكسر؛
فحُرِّكت نون التّثنية بما وجب لها في الأصل، وفُتحت نون الجمع؛ لأنّ
الفتح أخفّ من الضّمّ.
وقيل: إنّ الجمع أثقل من التّثنية، والكسر أثقل من الفتح، فأعطوا الأخف
الأثقل، والأثقل الأخف ليعادلوا بينهما.
يُنظر: أسرار العربيّة 56، واللّباب 1/109، 110.
2 في ب: ضرورة.
3 في ب: تدّري.
4 هذان بيتان من الوافر، وهما لِسُحَيْم بن وَثيل الرِّياحيّ.
وقد نبّه ابن هشام في تخليص الشّواهد وتلخيص الفوائد 75 - 77: بأنّ
هذين البيتين من كلمتين لشاعرين؛ فأمّا البيت الأوّل فإنه من كلمة
للمثقّب العبديّ أوّلها:
أَفَاطِمُ قَبْلَ بَيْنِكِ نَبِّئنِي ... ومنعك مَا سألتُ كأنْ تبيني
ومنها هذا البيت.
وأمّا البيت الثّاني فإنه لسحيم بن وثيل الرّياحيّ.
و (يدّري) : يقال: ادّراه يدّريه: إذا خَتَلَه وخدعه.
والشاهد فيهما: (حدّالأربعين) حيث كسر نون الأربعين للضرورة. ولها
توجيهات أخرى تُنظر في مواطنها.
يُنظر البيت الثاني في: الأصمعيّات 19، وإصلاح المنطق 156، والمقتضب
3/332، وسرّ صناعة الإعراب 2/627، وشرح التّسهيل 1/86، وابن الناظم 49،
وشرح المفصّل 5/11، 13، وتذكرة النُّحاة 480، وتخليص الشواهد 74، وابن
عقيل 1/69 - وقد ذُكر فيهما البيتان -، والخزانة 8/65.
(1/199)
وَتَسْقُطُ النُّونَانِ فِي الإِضَافَهْ
نَحْوُ: رَأَيْتُ سَاكِنِي الرَّصَافَهْ1
سقُوطُها في الإضافة كسقوط التّنوين في المضاف؛ فتقول: (غُلاما زيد) و
(مسلمو المدينة) 2.
وثبتت3هاتان النّونان مع الألِف واللاّم، ولم تثبتا4مع المضاف؟.
لأنّ الإضافة زيادةٌ أُلحِقَت بآخر الاسم [24/أ] كنون التّثنية، ونون
الجمع؛ فاستثقل التَّوالي بين زيادتين؛ وليس كذلك الألِف واللاّم لِمَا
بينهما من الافتراق5.
__________
1 ورد في متن الملحة 13، وشرح الملحة 108 بعد هذا البيت بيتٌ آخَر، وهو
قولُه:
وَقَدْ لَقِيْتُ صَاحِبَيْ أَخِينَا ... فَاعْلَمْهُ فِي حَذْفِهَا
يَقِينَا
2 في ب: مكّة.
3 في كلتا النّسختين: ثبات، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
4 في كلتا النّسختين: يثبتا، وهو تصحيف.
5 لأنّ النّون عوضٌ من الحركة والتّنوين، والتّنوين لا يثبت مع
الإضافة؛ فكذلك ما هو بدلٌ منه.
يُنظر: كشف المشكِل 1/261، وشرح المفصّل 4/145.
(1/200)
|