اللمحة في شرح الملحة

بَابُ القَسَمِ:
[ثُمَّ تَجُرُّ الاِسْمَ بَاءُ الْقَسَمِ ... وَوَاوُهُ وَالتَّاءُ أَيْضًا فَاعْلَمِ] 1
لَكِنْ تُخَصُّ التَّاءُ بِاسْمِ اللهِ ... إِذَا تَعَجَّبْتَ بِلاَ اشْتِبَاهِ
[36/أ]
حروف القسم2:
(الباء) : وهي تدخل على الظّاهر والمضمر، وتأتي بعد فعل القسم، كقولك: (أقسمتُ بالله3 وبِهِ) ، ومن دخولها على المضمَر قولُ4 أبي زَيْدٍ5:
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 أدوات القسم خمس: (الباء) و (الواو) و (التّاء) و (اللاّم) و (من) .
يُنظر: الأصول 1/430، والتّبصرة 1/445، وشرح المفصّل 9/99، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/421.
3 في أ: المصحف.
4 في ب: كقول أبي زيد. وليس هذا من قول أبي زيد وإنما من إنشاده. وقد صرّح بإنشاده لهذا البيت ابن جنّي في الخصائص 2/19، وسرّ صناعة الإعراب 1/104، وابن يعيش في شرحه على المفصّل 9/99. ولم أعثر عليه في النّوادر.
5 هو: سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاريّ الخزرجيّ: كان إمامًا نحويًّا بصريًّا، غلبت عليه اللّغة والنّوادر والغريب، روى له أبو داود والترّمذيّ؛ وكلّما قال سيبويه: ((أخبرني الثّقة)) فالمراد أبو زيد؛ ومن مصنّفاته: لغات القرآن، وخلق الإنسان، والنّوادر؛ توفّي سنة (215هـ) .
يُنظر: مراتب النّحويّين 73، وأخبار النّحويّين 64، 68، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 165، ونزهة الألبّاء 101، وإنباه الرّواة 2/30، وبغية الوُعاة 1/582.

(1/263)


أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمَالِ ... لِتَحْزُنَنِي فَلاَ بِكِ لاَ أُبَالِي1
والواو: بدلٌ منها، وهي تدخل على الظّاهر دون المُضمَر؛ فتقول: (والمصحف) 2، ولا تأتي بعد الفعل؛ وتوجيه الإبدال كون بعض معاني الباء للإلصاق، ومن معنى الواو العطف، وهو الجمع؛ فلمّا تقارَب معناهما وقع الإبدال فيهما3.
__________
1 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لِغُوَيّة بن سُلْمَى بن ربيعة.
و (الاحتمال) : الارتحال.
ومعنى البيت: خَبّرتني أُمامة بارتحالها؛ لتجلب عليَّ الحزن والغم، لكنّني أدعو أن لا يقع ذلك.
والشّاهد فيه: (فلا بك) حيث جرّ الباءُ الكافَ؛ فهي تجرّ الاسم الظّاهر والمُضمَر؛ وهي هُنا للقسم.
يُنظر هذا البيت في: المسائل العسكريّة 100، وسرّ صناعة الإعراب 1/104، والخصائص 2/109، والتّبصرة 1/445، وشرح الحماسة للمرزوقيّ 2/1001، وشرح المفصّل 8/34، 9/101، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/421، ورصف المباني 1/224.
2 هذا على أنّ المصحف يتضمّن كلامَ الله، وكلامُ الله تعالى من صفاته؛ فإنّه يجوز الحلِف بالمصحف، بأن يقول الإنسان: (والمصحف) ، ويقصد ما فيه من كلام الله عزّ وجلّ.
أمّا إذا قصد بالمصحف الصحُف والأوراق، أو الجلدة، أو المِداد فهذا لا يجوز.
يُنظر: المغني والشّرح الكبير على المقنع 11/173، ومنار السّبيل 2/433، وفتاوى الشّيخ محمّد الصّالح العثيمين 1/231.
(فيهما) زيادة من ب.

(1/264)


وقيل: أشبهت الواو لقُرب المخرَج1.
والتّاء: هي بدلٌ من الواو، كما أبدلت من2الواو في قولهم: (تُراث) و (تخمة) و (تهمة) ؛ إذ اشتقاق هذه الكلمات من: (ورث) ، ومن (الوخامة) ، ومن (الوهم) 3، فعدلوا إلى الإبدال طلبًا للخفَّة.
ولم تدخل التّاء إلاَّ على اسم الله تعالى، كقوله سبحانه: {وَتَاللهِ لأَكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 لأنّها بدلٌ من بدل، فلم تدخل إلاَّ على اسمٍ واحدٍ [36/ب] معظّم.
ومنهُ5 قول الشّاعر:
تَاللهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حَيَدٍ ... بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ6
____________________
1 يُنظر: أسرار العربيّة 276، وشرح المفصّل 9/99.
2 في ب: منها.
3 في ب: من اسم الوهم.
4 من الآية: 57 من سورة الأنبياء.
(ومنه) ساقطة من ب.
6 هذا بيتٌ من البسيط، وقد اختُلف في نسبته؛ فنسبه سيبويه في الكتاب 3/497 إلى أُميّة بن أبي عائذ، ونسبه الزّمخشريّ في المفصّل 484 إلى عبدِ مناة الهذليّ، وابن يعيش في شرحه على المفصّل 9/99 إلى أُميّة بن أبي عائذ، وقيل: لأبي ذؤيب الهذليّ، وقيل: للفضل بن العبّاس اللّيثيّ.
ونُسب إلى مالك بن خالد الهذليّ - كما في ديوان الهذليّين 3/2 -؛ ورواية الصّدر فيه:
وَالخُنْسُ لَنْ يُعْجِزَ الأيّامَ ذُو حَيَدٍ
وصدره في ديوان الهذليّين لِسَاعدة بن جُؤَيَةَ الهذليّ 1/193، وعجزه:
أَدْفَى صَلُودٌ مِنْ الأَوْعَالِ ذُو خَدمِ
و (ذو حَيَدٍ) : يريد بذلك الوعل، والحيَد - يروى بفتح الحاء والياء على أنّه مصدرٌ بمعنى العوج والأود - وهو: اعوجاجٌ يكون في قرن الوعْل؛ ويُروى بكسر الحاء مع فتح الياء على أنّه جمع (حَيْدَة) ؛ وهي: العُقدة في قَرْنِ الوعِل.
و (المشمخرّ) : الجبل الشّامخ. و (الظّيّان) : ياسمين البر. و (الآس) : الرّيحان، ومنابتهما: الجبال وحزون الأرض؛ وإنّما ذكرهما إشارةً إلى أنّ الوعل في خصبٍ، فلا يحتاج إلى السّهول فيُصاد.
والشّاهد فيه: (تالله يبقى) على أنّ التّاء لا تدخل إلاَّ على لفظ (الله) تعالى.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/497، والمقتضب 2/324 - وفيهما (لله) بدل (تالله) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -، والجُمل 71، والتّبصرة 446، ورصف المباني 198، 247، واللّسان (حيد) 15/158، والهمع 4/236، والأشمونيّ 2/216 - وفيهما (لله) بدل (تالله) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -.

(1/265)


وهاء التّنبيه1 فهي عِوَضٌ من الواو2، تقول: (ها الله لأفعلنَّ) .
فالمُقْسِمُ هُنا قد نبَّه السَّامِع على تأكيد القسم؛ فهذا الحرف هُنا يقتضي تنبيهًا3 ومُنَبِّهًا4 ومُنَبَّهًا عليه.
____________________
1 في أ: التثنية، وهو تحريف.
2 ويجوز في ألف (ها) وجهان:
أحدهما: أن تُحذَف ألفها، والهمزة من اسم الله تعالى؛ فتقول: (ها لله لأفعلنّ) .
والثّاني: أن تثبت ألفها، وتقطع الهمزة من اسم الله تعالى؛ فتقول: (ها ألله لأفعلنّ) .
يُنظر: شرح ملحة الإعراب 133، وشرح المفصّل 9/106.
3 في أ: مُنبّهًا، وهو تحريف.
(ومنبِّهًا) ساقطة من ب.

(1/266)


وتعوّض1 - أيضًا - همزة الاستفهام، وألف القطع،2 كقولك: (ألله لتفعلنَّ؟) ، ويجوز ألاَّ يؤتى بحرف القسم ولا بالعوض منه فينتقل إلى النّصب، فتقول: (اللهَ) ؛ فيكون من باب ما سقط فيه الجارّ وتعدّى الفِعْلُ فَنَصَبَ.
ويجوز القطع عن مراعاة الفعل، والحمل على الابتداء نحو: (أللهُ لأفعلنَّ) فيكون مبتدأً وخبرًا، كأنّك قُلْتَ: (اللهُ قسمي) أو (قسمي اللهُ) ، ومنه قولُهم: (لَعَمْرُكَ) - بالضّمّ -، ومنه قولُ الشّاعر:
فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ لاَ، وَفَرِيقُهُمْ ... نَعَمْ وَفَرِيقٌ أَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْرِي3
المعنى: أقسِمُ بيمين الله.
وقال امرؤ القيس:
وَقَالَتْ يَمِيْنُ اللهِ مَالَكَ حِيْلَةٌ4 ... ...................................
____________________
1 في ب: ويعوّض.
2 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/424.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لِنُصَيْبِ بْنِ رَبَاح.
ومعنى البيت: وَصَف أنّه تعرّض لزيارة من يُحب فجعل ينشد ذودًا من الإبل ضلّت له؛ مخافةَ أن ينكَر عليه مجيئه وإلمامه.
والشّاهد فيه: (أيمنُ الله ما ندري) على أنّ (أيمن) تُستعمل للقسم، بمعنى: أقسم بيمين الله.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/503، والمقتضب 1/228، والأزهيّة 21، وتحصيل عين الذّهب 515، والإنصاف 1/407، وشرح المفصّل 8/35، 9/92، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/427، والهمع 4/329، والدّيوان 94.
4 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي
والشّاهد فيه: (يمين الله) حيث جاء بها للقسم.
يُنظر هذا البيتُ في: الدّيوان 14.

(1/267)


ويحذف أوّل (أَيْمَنْ) 1، فيُقال: [37/أ] (مُنُ اللهِ) و (مَنَ اللهِ) 2 و (مُ اللهِ)
وممّا يقسم به العمر؛ فيقال: (لَعَمْرُ اللهِ) ؛ فهو مرفوعٌ بالابتداء، وكقوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 3، ويكون مفتوحًا عاريًا من اللاّم: (لَعَمْرَكَ الله) ، وتقديره: (عَمْرَكَ الله) قسمي به، أي: ببقائك4.
____________________
1 اختلف البصريّون والكوفيّون في (أيمُن) في القسم: فذهب الكوفيّون إلى أنّها جمع (يمين) ، وأنّ ألِفها ألفُ قطع في الأصل، وحُذفت تخفيفًا لكثرة الاستعمال.
وذهب البصريّون إلى أنّ (أيمن) ليس جمع يمين، وإنّما هو اسمٌ مفرَدٌ مشتقّ من (اليُمْن) ، وأنّ همزته همزة وصلٍ.
وفيها لغاتٌ كثيرة، وصلت إلى عشرين لغة.
يُنظر: الكتاب 3/503، والإنصاف، المسألة التّاسعة والخمسون، 1/404، وشرح المفصّل 8/35، 9/92، وشرح الكافية الشّافية 2/878، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/427، والجنى الدّاني 538، 541، والهمع 4/238.
(ومن الله) ساقطة من أ.
3 سورة الحجر، الآية: 72.
(العَمْر) يُستعمل على ضربين:
أحدهما: أن يقترن باللاّم، وحينئذ يجب رفعه بالابتداء لتصدّره بلامه، والخبر محذوف لسدّ الجواب مسدّه.
والثّاني: أن يتجرّد من اللاّم فيجب نصبه.
يُنظر: شرح الكافية الشافية 2/874.

(1/268)


والحروف الّتي يجاب بها القسم أربعة:1
حرفان للنّفي؛ وهما: (ما) و (لا) ؛ وحرفان للإيجاب؛ وهما: (إنَّ) و (اللاّم) ، كقولك: (والله لزيدٌ أفضلُ من عَمْرٍو) ، وكقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2.
وتأتي بعده3 (قد) ، ويسوغ حذف ما هو للنّفي دون الإيجاب، كقوله تعالى: {تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 4 أي: لا تَفْتَأُ، ومنه قولُ امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدَاً ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي5
____________________
1 يُنظر: التّبصرة 1/452، وشرح ملحة الإعراب 134، والمقرّب 1/205، وشرح الجمل 1/526، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/430.
2 سورة العصر، الآية: 1 – 2. ومثال (ما) قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة:74] . ومثال (لا) قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر:12]
3 في ب: بعد، وهو تصحيف.
4 من الآية: 85 من سورة يوسف.
5 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (الأوصال) : جمع وصل؛ وهو كلّ عضوٍ ينفصل عن الآخر.
والشّاهد فيه: (أبرح قاعدًا) على أنّه يسوغ حذف ما هو للنّفي دون الإيجاب، والتّقدير: لا أبرح.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/504، والمقتضب 2/326، والجمل 73، والتّبصرة 1/454، وشرح المفصّل 8/37، 9/104، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/426، والمغني 834، والأشمونيّ 1/228، والدّيوان 32.

(1/269)


أي: لا أبرح.
فإنْ أدخلت1 هذه اللاّم على الفعل المضارِع ألحقت بالفعل النّون الثّقيلة أو الخفيفة، كقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2.
وحرف (قد) يقترن باللاّم الّتي يتلقّى بها الفعل، فيجوز [37/ب] أن يليها الماضي؛ وهي في هذا الحكم على أربعةِ أوجهٍ:
أَحَدُها: أنْ تأتي مقترنة بـ (قد) ، كقوله تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} 3.
الثّاني: بحذف (اللاّم) و (قد) ، كقوله4 [تعالى] 5: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} 6.
الثّالث: وقوع الجواب بـ (قد) عاريًا من اللاّم، كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 7.
الرّابع: أن يكون باللاّم عاريًا من (قد) ، كقول8 امرئ القيس:
حَلَفْتُ لَهَا بِاللهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إِنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلاَ صَالِ9
____________________
1 في كلتا النسختين: فإن دخلت، وما أثبته هو الأولى.
2 سورة الحجر، الآية: 92.
3 سورة التّين، الآية: 3 - 4.
4 في أ: لقوله.
(تعالى) ساقطةٌ من ب.
6 سورة البروج، الآية: 3-4.
7 سورة الشّمس، الآية: 9.
8 في ب: وأنشد. دون اسم الشّاعر.
9 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (الصّالي) : الّذي يصطلي بالنّار.
والمعني: لَمّا خوّفتني من السّمّار أقسمتُ لها كاذبًا أنْ ليس منهم أحدٌ إِلاَّ نائمًا.
والشّاهد فيه: (لناموا) حيث أدخل اللاّم في الجواب وهو فعل ماض، بدون قد.
يُنظر هذا البيتُ في: الأصول 1/242، وسرّ صناعة الإعراب 1/374، والتّبصرة 1/77، 452، والأزهيّة 52، 452، وشرح المفصّل 9/97، والمقرّب 1/205، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/431، والمغني 229، والخزانة 10/71، والدّيوان 32.

(1/270)


والفرق بين واو القسم والواو الّتي تضمر بعدها (رُبَّ) :
أنَّ واوَ القسم يجوز أن يدخل عليها واو العطف وفاؤه، كقولك: (وو الله) ، وكما قال اللهُ تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} 1.
والواو القائمة مقام (رُبَّ) فلا يدخل2عليها واو العطف، ولا فاؤه؛ فلا يجوز أنْ تقول: و [وصاحب في قول الشّاعر] 3:
وَصَاحِبٍ نَبَّهْتُهُ لِيَنْهَضَا ... إِذَا الْكَرَى في عَيْنِهِ تَمَضْمَضَا4
ولا (فو صاحب) .
__________
1 من الآية: 92 من سورة الحجر.
2 في ب: فلا تدخل.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
4 هذا بيتٌ من الرّجز؛ وهو للرّكّاض الدُّبيريّ.
و (تمضمض النّعاس في عينيه) : دَبَّ.
والتّمثيل فيه (وصاحبٍ) على أنّ الواو القائمة مقام (رُبّ) لا يجوز أن يدخل عليها واو العطف ولا فاؤه.
يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 168، والكامل 1/192، والجمهرة (مضمض) 1/212، 3/1284، والتّهذيب (أرض) 12/63، 64، والصّحاح (مضض) 6/1106، والمخصّص 10/158، وشرح ملحة الإعراب 131، واللّسان (أرض) 7/112، (مضض) 7/234.

(1/271)


بَابُ الإِضَافَةِ:
وَقَدْ يُجَرُّ الاسْمُ بِالإِضَافَهْ ... كَقَوْلِهِمْ: دَارُ أَبِي قُحَافَهْ
[38/أ]
الإضافة هي: إمالة الشّيء إلى الشّيء ونسبته إليه1؛ فالأوّل: مُضاف، والثّاني: مُضافٌ إليه، وينزّلان2 بالتّركيب الإضافي3 منزلة4 الاسم الواحد؛ ولذلك سقط التّنوين من الأوّل؛ لأنَّه لا يكون حشوً الكلمة؛ فالاسم5 الأوّل مُعْربٌ بما يقتضيه العامل، والثّاني مجرورٌ به6 دائمًا.
____________________
1 وفي الاصطلاح هي: إسناد اسمٍ إلى غيره، على تنزيل الثّاني من الأوّل منزلة تنوينه، أو ما يقوم مقام تنوينه. شرح الشّذور 306.
وقيل: نسبة تقييديّة بين اسمين توجِب لثانيهما الجرّ.
يُنظر: الهمع 4/264، والصّبّان 2/237.
2 في أ: ويتّصلان.
3 في أ: للإضافة.
4 في أ: بمنزلة.
5 في ب: والاسم.
6 حكم المضاف إليه الجرّ دائمًا؛ وقد اختُلف في عامل الجرّ فيه:
فذهب سيبويه والجمهور إلى أنّه مجرورٌ بالمضاف؛ وذهب الزّجّاج إلى أنّه مجرور بحرف جرٍّ مقدّر.
وقيل: هو مجرورٌ بالإضافة؛ وقيل: هو مجرورٌ بحرف مقدّر ناب عنه المضاف.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 1/419، والبسيط 2/886، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/731، وأوضح المسالك 2/167، والتّصريح 2/24، 25، والهمع 4/265.

(1/273)


فَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى اللاَّمِ ... نَحْوُ: أَتَى عَبْدُ أَبِي1 تَمَّامِ
وَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ إِذَا ... قُلْتَ: مَنَا2 زَيْتٍ فَقِسْ ذَاْكَ وَذَا
اعلم أَنَّ الإضافة تنقسم إلى قسمين: مَحْضَة، وغَيْر مَحْضَةٍ.
فالمحضة: تقع تارةً بمعنى (اللاَّم) ، وتسمّى إضافة المِلك، كقولك: (غُلام زيدٍ) ، أو الاختصاص3 كـ (باب الدّار) .
وتارةً بمعنى (مِنْ) ، وتُسمَّى إضافة الجنس، ويكونُ الأوّل بعض الثّاني، كقولك: (خاتم فِضَّةٍ) 4؛ وهذا5يجوز في إعراب المضاف إليه [38/ب] ثلاثة أوجهٍ6:
جرُّه بالإضافة، ونصبه إمَّا على الحال أو على التّمييز وهو الأولى7، واتباعه للأوّل إمَّا على الصّفة وإمَّا على البدل8؛ مثاله: (خاتم حديدٍ) و (حديدًا) و (حديدٌ) .
ومن شرطه9 أن يكون الأوّل نكرة، والثّاني معرفة؛ فيتعرَّفُ
____________________
1 في أ: بني.
2 في أ: منّي زيت وإن شئت فذا.
3 في أ: أو لاختصاص.
4 في ب: ذهب.
5 لو قال: (وبهذا) لكان أحسن.
6 يُنظر: الكتاب 2/117، 118، والبسيط 2/898، 899.
7 في أ: وهو أولى.
8 في كلتا النسختين: من البدل، وما أثبتّه هو الأولى.
9 في ب: ومن شرطها.

(1/274)


بإضافته إليه1، وإن كانا نكرتين فالتّنكير بَاقٍ، كقولك: (طالبُ عِلْمٍ) 2.
ومنها: إضافةٌ بمعنى (في) ، كقولك: (هؤلاء مسلمو المدينة) ،وكقوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3، ومنه قولُ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم – "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ" 4، ومنه قولُ حَسَّان5:
تُسَائِلُ عَنْ قَوْمٍ هِجَانٍ سَمَيْدَعٍ ... لَدَى البَأْسِ مِغْوَارِ الْصَّبَاحِ جَسُورِ6
____________________
1 نحو: (غلام زيد) ؛ فـ (غلام) قبل الإضافة نكرة، فلمّا أضيف إلى المعرفة اكتسب التّعريف منها.
يُنظر: التّصريح 2/26.
2 في هذا المثال اكتسب المضاف من المضاف إليه التّخصيص؛ فـ (طالب) قبل الإضافة نكرةٌ خالية عن التّخصيص، فلمّا أُضيف إلى النّكرة تخصّص بها.
يُنظر: التّصريح 2/26.
3 من الآية: 39 من سورة يوسف.
4 يُنظر: صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرِّباط في سبيل الله عزّ وجلّ، 3/1520، وسنن التّرمذيّ، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل المرابِط، 4/188، وسنن النّسائيّ، كتاب الجهاد، باب فضل الرّباط، 6/39، ومسند أحمد 5/441، ومشكل الآثار 3/102.
5 هو: حسّان بن ثابت الخزرجيّ الأنصاريّ، يكنى أبا الوليد: شاعرُ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -، وأحد المخضرَمين، عاش ستّين سنة في الجاهليّة ومثلها في الإسلام، كُفّ بصره في آخر عمره؛ ومات في زمن معاوية - رضي الله عنه-.
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/215، والشّعر والشّعراء 188، والأغاني 4/141، والاستيعاب 1/400، والإصابة 1/55.
6 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (الهجان) : الكريم الحسَب. و (السّميدع) : الشّجاع الموطّأ الأكناف. و (لدى البأس) : عند الشّدّة في الحرب. و (مغوار) : من أغار على العدوّ يُغير إغارة، ورجلٌ مِغْوارٌ: مقاتِلٌ. و (جسور) : مِقْدَامٌ.
والشّاهد فيه: (مغوار الصّباح) أي: مغوارٌ في الصّباح فالإضافة فيه بمعنى (في) .
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/483، وشرح الكافية الشّافية 2/908، وابن النّاظم 381، والمقاصِد النّحويّة 3/358، والدّيوان 1/133.

(1/275)


وغير المحضة هي:1 ما يُقَدَّرُ فيها التّنوين، ولا2يتعرّف بها المضاف، كإضافة اسم الفاعل إذا أُريد به الحال أو الاستقبال، كقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 3، والتّقدير في هذه الإضافة [الانفصال] 4 والتّنوين؛ وأصلُ هذا الكلام: (هديًا بالغًا الكعبة) ، وتقول: (مررت برجلٍ حَسَنِ الوجه) [39/ أ] و (حَسَنٍ وجهًا) و (حَسَنٍ وَجْهُهُ) 5.
ويجوز في الإضافة الّتي هي غير محضةٍ إدخال الألف واللاَّم على المضافين6، كقولك: (مررتُ بالرّجل الحسنِ الوجه) ، كقوله تعالى: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ} 7.
____________________
1 في أ: هو، وهو تحريف.
2 في ب: فلا.
3 من الآية: 95 من سورة المائدة.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 وكذلك الصّفة المشبّهة باسم الفاعل لا يتعرّف بها المضاف كما مثّل.
ينظر: شرح الملحة 137.
6 يجوز دخول (أل) على المضاف في خمس مسائل.
ينظر: التّصريح 2/29، والأشمونيّ 2/245.
7 من الآية: 35 من سورة الحجّ.

(1/276)


والإضافة المحضة يجوز أن تَفْصِل بين المضاف والمضاف إليه اضطرارًا1، كما ورد في النّظم، [وذلك] 2 بنعتٍ في3 قول الشّاعر:
نَجَوْتُ4 وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ ... مِنَ ابْنِ أَبِي - شَيْخِ الأَبَاطِحِ - طَالِبِ5
____________________
1 هذا مذهب كثيرٍ من النّحويّين، وذهب ابن مالك إلى أنّه يجوز - في السّعة- الفصل بينهما في ثلاث صور:
الأولى: أن يكون المضاف مصدرًا، والمضاف إليه فاعله، والفاصل إمّا مفعوله كقراءة ابن عامرٍ: {قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام: 137] ، وإمّا ظرفه كقول بعضهم: (ترك - يوما - نفسك وهواها سعيٌ لها في رداها) .
الثّانية: أن يكون المضاف وصفًا، والمضاف إليه مفعوله الأوّل، والفاصل إمّا مفعوله الثّاني كقراءة بعضهم: {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ} [إبراهيم: 47] ، أو ظرف: كقوله - صلّى الله عليه وسلّم -: "هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو- لِي- صَاحِبي".
الثّالثة: أنْ يكون الفاصل القسَم، نحو قولهم: (هذا غلامُ - والله - زيدٍ) .
تُنظر هذه المسألة في: شرح التّسهيل 3/276-277، وابن النّاظم 405، والتّصريح2/57، والأشمونيّ 2/275، 276.
(وذلك) ساقطة من أ.
3 في أ: بنعتٍ من.
4 في أ: بقيت.
5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-.
و (بَلَّ) : لطّخ سيفه بالدّم. و (المُراديّ) : عبد الرّحمن بن مُلجم قاتِلُ عليّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -. و (الأباطح) : جمع أبطح، وهو: كلّ مكان متّسع، أو هو مسيلٌ واسعٌ فيه دِقاقُ الحصى، وأراد بالأباطح: مكّة المكرّمة. و (شيخ الأباطح) : هو أبو طالب - والد عليّ رضي الله عنه -.
والشّاهد فيه: (من ابن أبي شيخ الأباطح طالب) حيث فصل بين المضاف وهو (أبي) والمضاف إليه وهو (طالب) بالنّعت للضّرورة الشّعريّة.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 2/990، وشرح عمدة الحافظ 1/496، وابن النّاظم 411، وابن عقيل 2/79، والمساعِد 2/372، والمقاصد النّحويّة 3/478، والتّصريح 2/59، والهمع 4/296، والأشمونيّ 2/278.

(1/277)


أو بجملةٍ1، كقول الآخر2:
لَهَا خَائِلٌ أَوْعَى - بِأَيَّةِ كُلَّمَا ... تَنَاوَلَ كَفَّاهُ البِسَارَ - الجَوَانِحِ3
____________________
1 في ب: أو مجمله.
2 في أ: الرّاجز، وهو سهوٌ من النّاسخ.
3 في ب: الحوايج، وهو تصحيف.
وهذا البيتُ من الطّويل، وهو لِسُوَيد بن الصّامت الأنصاريّ - رضي الله عنه - من قصيدة قالها؛ وقد ادّان دَيْنًا وطُولب فاستغاث بقومه فقصّروا عنه؛ ومنها:
وَأَصْبَحْتُ قَدْ أَنْكَرْتُ قَوْمِي كَأَنَّنِي ... جَنَيْتُ لَهُمْ بِالدَّيْنِ إِحْدَى الفَضَائِحِ
أَدَيْنٌ وَمَا دَيْنِي عَلَيْهِم بِمَغْرَمٍ ... وَلَكِنْ عَلَى الشُّمِّ الجِلاَدِ القَرَاوِحِ
أَدِينُ عَلَى أَثْمَارِهَا وَأُصُولِهَا ... لِمَوْلَى قَرِيبٍ أَوْ لآخَرَ نَازِحِ
الإصابة 3/187، واللّسان (قرح) 2/562.
و (نخلة قِرْواح) : ملساء جَرْداءُ طويلة، والجمع قراويح ولكن حذفت الياء. و (الشّمّ) : الطِّوالُ من النّخل وغيرها. و (الجلاد) : الصّوابر على الحرّ والعطش وعلى البرد، والضّمير في (لها) يرجع إلى النّخل الّذي يصفه. و (الخائل) المتعهّد للشّيء والمصلِح له القائم به. و (أوعى الجوانح) : مجبورها بعد كسر، قال في اللّسان - (وعى) 15/396 -:"وَعَى العظم إذا انجبر بعد الكسر". و (البِسار) : الحَبْل الّذي يُرتقى به إلى النّخل.
والشّاهد فيه: (أوعى الجوانحِ) حيث فصل بين المضاف - وهو (أوعى) - والمضاف إليه - وهو (الجوانح) - بنعت هو جملة؛ للضّرورة الشّعريّة.
يُنظر هذا البيت في: التّقفية في اللّغة 389، وشرح التّسهيل 3/276، وشرح عمدة الحافظ 1/497.

(1/278)


أو بظرفٍ، كقول الشّاعر:
................................. ... لِلَّهِ دَرُّ - اليَومَ - مَنْ لاَمَهَا1
____________________
1 هذا عجُز بيتٍ من السّريع، وصدره:
لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ
وهو لعمرو بن قميئة.
و (سَاتِيدَمَا) : جبلٌ متّصلٌ من بحر الرّوم إلى بحر الهند، يقال: إنه سُمِّيَ بذلك لأنّه ليس مِنْ يومٍ إلاّ ويُسْفكُ عليه دمٌ، كأنّهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا.
يُنظر: معجم ما استُعجم 2/711، ومعجم البلدان 3/168.
و (استعبرتْ) بكت من وحشة الغُربة، ولبُعدها عن أراضي أهلها؛ والعرب تقول: (لله درُّ فلان) إذا دعوا له، أو تعجّبوا من بلوغه الغاية في شيءٍ مّا.
والمعنى: وصفَ الشّاعر امرأةً نظرت إلى (سَاتِيدَمَا) - وهو جبلٌ بعيد من ديارها- فتذكّرتْ به بلادها، فاستعبرتْ شوقًا إليهم.
والشّاهد فيه: (درّ اليوم من لا مها) فإنّ (درّ) مضاف و (من لامها) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه، وقد فصَل بين المُضاف والمضاف إليه بالظّرف وهو (اليوم) للضّرورة الشِّعريّة.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/178، والمقتضب 4/377، ومجالس ثعلب 125، وتحصيل عين الذّهب 147، والإنصاف 2/ 432، وشرح المفصّل 1/103، 3/20، والأشباه والنّظائر 2/232، والخزانة 4/406، والدّيوان 182.

(1/279)


[و] 1 كقول الآخر:
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ - يَوْمًا - ... يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيْلُ2
أو بجارّ ومجرور، كقول الشّاعر:
[هُمَا أَخَوَا3 - فِي الحَرْبِ - مَنْ لاَ أَخَا لَهُ 4 ... ......................................
____________________
1 العاطف ساقط من ب.
2 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لأبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، يصف رسم دار.
و (يقارِب) : يضم بعض ما يكتبه إلى بعض. (أو يزيل) يفرِّق كتابته.
والمعنى: وصف رسوم الدّار فشبّهها بالكتاب في دقّتها والاستدلال بها؛ وخصّ اليهود لأنّهم أهلُ كتابٍ، وجعل كتابته بعضها متقاربٌ وبعضها متفرّق ومتباين؛ لاقتضاء آثار الدّار تلك الصّفة والحال.
والشّاهد فيه: (بِكَفِّ - يومًا - يهوديّ) حيث فصَل بين المضاف - وهو (كف) - والمضاف إليه - وهو (يهوديّ) - بالظّرف - وهو (يومًا) - للضّرورة الشّعريّة.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/179، والمقتضب 4/377، والخصائص 2/405، والإنصاف 2/432، وشرح المفصّل 1/103، وشرح التّسهيل 3/273، وابن النّاظم 410، وابن عقيل 2/78، والخزانة 4/419، وشعره - ضمن مجلّة المورِد، المجلّد الرّابع، العدد الأوّل - 142.
3 في ب: إلي، وهو تحريف؛ والصّواب ما هو مثبت.
4 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:
إِذَا خَافَ يَوْمًا نَبْوَةً فَدَعَاهُمَا
نُسِبَ إلى عَمْرَة الخثعميّة، وقيل: لدُرْنا بنت عَبْعَبَةَ، وقيل: لامرأة من بني سعد.
و (النّبوَة) أصلُها: أنْ يضرِب بالسّيف فينبوَ عن الضّريبة ولا يمضي فيها. (فدعاهما) : استغاث بهما.
والمعنى: ترثي الشّاعرة أخويها فتقول: كانا لمن لا أخا له في الحرب ولا ناصر، أخوين ينصرانه إذا غشيه العدوّ فخاف أن ينبوَ عن مقاومته.
والشّاهد فيه: (هما أخوا - في الحرب - من لا أخا له) حيث فصَل بين المضاف - وهو (أخوا) - والمضاف إليه - وهو (مَن) - بالجارّ والمجرور- وهو (في الحرب) - للضّرورة الشّعريّة.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/180، ونوادر أبي زيد 115، 116، والخصائص 2/405، وتحصيل عين الذّهب 149، والإنصاف 2/434، وشرح المفصّل 3/21، وابن النّاظم 410، والمقاصِد النّحويّة 3/472، والهمع 4/295.

(1/280)


أو بنداء ومنادى1، كقول الآخر:] 2
كَأَنَّ بِرْذَوْنَ - أَبَا عِصَامِ3 - ... زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ4
____________________
1 في ب: ومنادى إلى؛ ويستقيم الكلامُ بدون حرف الجرّ.
2 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
3 في أ: عاصم.
4 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقفْ على قائله.
و (البرذون) من الخيل ما ليس بعربيّ.
والمعنى: يشبّه برذون زيد بحمار ملجّم.
والشّاهد فيه: (برذون أبا عصام زيد) حيث فصَل بين المضاف - وهو (برذون) - والمضاف إليه - وهو (زيد) - بالمنادى - (أبا عصام) - للضّرورة الشّعريّة.
يُنظر هذا البيت في: الخصائص 2/404، وشرح التّسهيل 3/275، وابن النّاظم 412، وابن عقيل 2/81، والمقاصد النّحويّة 3/480، والتّصريح 2/60، والهمع 4/296، والأشمونيّ 2/278.

(1/281)


[39/ ب]
وَفِي المُضَافِ مَا يُجَرُّ أَبَدَا ... مِثْلُ: لَدُنْ زَيْدٍ وَإِنْ شِئْتَ لَدَى
وَمِنْهُ سُبْحَانَ وَذُو وَمِثْلُ ... وَمَعْ وَعِنْدَ وَأُوْلُو وَكُلُّ
ثُمَّ الجِهَاتُ السِّتُّ فَوْقُ وَوَرَا ... وَيَمْنَةً وَعَكْسُهَا بِلاَ مِرَا
وَهَكَذَا غَيْرُ وَبَعْضُ وَسِوَى ... فِي كَلِمٍ شَتَّى رَوَاهَا مَنْ رَوَى1
الأسماء المضافة إضافة معنويّةً؛ لازمة الإضافة، وغير لازمة.
فاللاّزمةُ على ضربين: ظروف، وغير ظروف2.
فمن الظّروف: (لَدُنْ) ، وهو بمنزلة (عند) 3، وهو مع الظّاهر آخره ألفٌ، ومع المضمَر ينقلب4 ياءً؛ تقول: (لدى زيد ولديك) ؛ فإذا استقبلها الألف5واللاّم تسقط نُونها، كقولك: (لدى الرّجل) ؛ ومن العرب مَن ينصب بها6.
وتكون بمعنى (مُنْذُ) ؛ تقول: (ما رأيته من لَدُنْ غُدْوَةً) ، قال أبو سفيان7 بن حَرْبٍ:
____________________
1 في ب: قُدِّمَ هذا البيتُ على الّذي قبله.
2 يُنظر: شرح المفصّل 2/126.
3 إلاَّ أنّ (لدن) تختصّ عن (عند) بستّة أمور.
يُنظر: التّصريح 2/45، والأشمونيّ 2/264.
4 في ب: تنقلب.
5 أي: دخل الألف واللاّم على المضاف إليه.
6 يُنظر: الكتاب 1/58، 210، 3/119، والتّصريح 2/45.
7 في أ: أبو اسفين، وفي ب: أبو سفين، وكلتاهُما محرّفة، والصوّاب ما هو مثبت.
وأبو سفيان هو: صخر بن حرب بن أُميّة القرشيّ الأمويّ، مشهور باسمه وكنيته: كان من دُهاة العرب، ومن أهل الرّأي والشّرف فيهم، أسلم عام الفتح، وشهد حنينًا والطّائف، وكان من المؤلَّفة قلوبهم؛ توفّي بالمدينة سنة (30هـ) .
يُنظر: الاستيعاب 2/270، وسير أعلام النّبلاء 2/105، والعبر 1/23، والإصابة 3/332.

(1/282)


وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُمُ ... لَدُنْ1 غُدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ2
(سُبحان الله) معناه: التّنزيه.
[و] 3 (ذو) 4: بمعنى صاحب لازم الإضافة، ومن إضافته إلى المضمَر5؛ ما أنشده الأصْمَعيُّ6:
____________________
1 في أ: لذن، وهو تصحيف.
2 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (مزجَر الكلب) : مكان زجر الكلب وإبعاده.
والمعنى: ما زال مهري بعيدًا عن هؤلاء القوم من أوّل النّهار إلى آخره.
والشّاهد فيه: (لدن غدوة) حيث جاءت (لدن) بمعنى (مُنْذُ) أي: مُنْذُ غدوة.
وجميع النُّحاة استشهدوا به على نصب غدوة بعد (لدن) ولم تجرّ بالإضافة؛ وهذا نادر.
يُنظر هذا البيتُ في: حُروف المعاني 26، وشرح اللّمع لابن بَرْهان 2/429، واللّسان (لدن) 13/384، وابن عقيل 2/65، والمقاصد النّحويّة 3/429، والتّصريح 2/46، والهمع 3/218، والأشمونيّ 2/263، والدّرر 3/138.
3 العاطِف ساقطٌ من ب.
4 في أ: وذ، وهو تحريف.
5 في ب: إلى مضمرٍ.
6 هو: عبد الملك بن قُرَيب، أبو سعيد الأصمعيّ، البصريّ، اللّغويّ: أحدُ أئمّة اللّغة، والغريب، والأخبار، والملح، والنّوادر؛ مولده ووفاته بالبصرة؛ ومن مصنّفاته: الإبل، وخلق الإنسان، والخيل، والأضداد، وله قصائد اختارها، عُرفت بالأصمعيّات؛ توفّي سنة (216هـ) .
يُنظر: مراتب النّحويّين 80 - 105، وأخبار النّحويّين البصريّين 72 - 80، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 167، ونزهة الألبّاء 90، وإنباه الرُّواة 2/197.

(1/283)


[40/أ]
إِنَّمَا يَصْطَنِعُ المَعْـ ... رُوفَ فِي النَّاسِ ذَوُوهُ1
ومن إضافته إلى المضاف للمضمَر2قولُ عِثْيَر بن لَبِيد3:
يَبْكِي عَلَيْهِ غَرِيْبٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ ... وَذُوْ قَرَابتَهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ4
____________________
1 هذا بيتٌ من مجزوء الرّمل؛ أنشده الأصمعيّ ولم يعزه لقائل معيّن.
والشّاهد فيه: (ذووه) حيث أضاف (ذوو) - وهو جمع (ذو) - إلى المضمَر؛ والمختار: إضافة (ذو) إلى المضمَر.
يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 3/38، وشرح الكافية الشّافية 2/928، وشرح التّسهيل 3/242، واللّسان (ذو) 15/458، والمساعِد 2/346، والهمع 4/284، والدّرر 5/27.
2 في كلتا النّسختين: ومن إضافته إلى المضاف المضمر، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
3 في ب: كبير. ولم أقف على ترجمةٍ له.
4 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِعثير بن لبيد العذريّ، وقيل: لعثمان بن لبيد العذريّ، وقيل: لحُرَيْث بن جَبَلة العذريّ.
والشّاهد فيه: (وذو قرابته) حيث أضاف (ذو) إلى المضاف للمضمر.
يُنظر هذا البيت في: المعمّرين 61، وعيون الأخبار 2/328، ومجالس ثعلب 1/221، ودرّة الغوّاص 73، 74، ونزهة الألبّاء 33، واللّسان (دهر) 4/293، وشرح شواهد المغني 1/244، والدّرر 3/101.

(1/284)


(مِثْل) : تسوية1، وقد يَدْخُلُ2 عليه الكاف تأكيدًا للتّشبيه.
(مَعَ) : كلمةٌ تَضُمُّ الشّيء إلى الشّيء، والغالب عليها الظّرفيّةُ، كقولك: (سِرْتُ مَعَ القوم) أي: في جَمْعهِمْ.
(عِنْد) : ظرف مكان، تقول: (كُنْتُ عِنْدَ زَيْدٍ) ؛ و [قد] 3 تكون ظرف زمان، كقولك: (كان هذا عند انتصاف4 النّهار) .
(أولو) : 5 اسم لجمع6 أسماء الإشارة.
(كلّ) : معناه العموم والإحاطة.
(فَوْقُ) و (تَحْتُ) : هما7 ظرفان، وقد8 يكونان اسمين9 في قولك: (تحتُكَ رجلاك) ؛ لأنَّ الرِّجْل هي التَّحْتُ نفسه10، وكذا: (فوقَكَ بناءٌ حَسَن) 11.
____________________
1 في كلتا النّسختين: سويّه؛ ولعلّها محرّفة؛ والتّصويب من الكتاب 4/231.
2 في ب: تدخل.
(قد) ساقطة من ب.
4 في أ: انتصاب.
5 في أ: ألو، وهو تحريف.
6 في كلتا النّسختين: لجميع، وهو تحريف.
7 في أ: فهما.
8 في ب: وقيل.
9 يُنظر: الكتاب 1/411، 416، 420.
10 وكذا (فوقُكَ رأْسُك) ؛ لأنّ الفوق هو الرّأس.
يُنظر: حروف المعاني 27.
11 (فوق) في هذا المِثال ظرف، وكذا (تحت) في قولك: تحتَك بساطٌ.
يُنظر: حروف المعاني 27.

(1/285)


والجهات السِّت:1ظروف أمكنةٍ؛ ومنها: (يمين) و (شمال) و (أعلى) و (أسفل) و (قُبالَة) و (حِذاءَ) و (إِزاء) [و (تِلْقَاء) ] 2 و (تِجاه) و (أمام) و (وراء) و (بين ذلك) . ومنها:
(وسَْط) :3- بسكون السّين [وفتحها -؛ والفرق بينهما: أنَّ المتحرِّكة السّين] 4 تقع فيما لا ينقسم، كقولك: (ضربت وَسَطَ رأسه) ، والسّاكنة السّين تحلّ محلّ (بين) ، تقول: (جلس5 وَسْط القوم) [40/ب]
(غَيْرُ) : كلمةٌ بمعنى (سِوى) ، ويستثنى بها بعضُ اختصاص من (كُلّ) ، وبعض الشّيء: طائفةٌ مِنْهُ.
(سِوى) :6- تُضَمُّ سينه وتُفتح - وهي تكون اسمًا وظرفًا7؛
____________________
1 في أ: السّتّة.
2 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
3 وسط: يكون اسمًا وظرْفًا: فإذا أردتّ الظّرف أسْكنت السّين، وإذا أردّت الاسم فتحتَ، فتقول: (وَسْط رأسك دهن) إذا أخبرت أنّه استقرّ في ذلك الموضع أسكنت السّين ونصبت لأنّه ظرف، وتقول: (وسَط رأسك صلب) فتحت السّين ورفعت لأنّه اسم غير ظرف.
يُنظر: الكتاب 1/411، والمقتضب 4/341، 342، وشرح المفصّل 2/128، والبسيط 2/880، والهمع 3/157.
4 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
5 في ب: جلست.
6 يُنظر: حروف المعاني 10، 23.
7 هذا مذهب الكوفيين، وأما البصريون فإنها لا يكون عندهم إلا ظرفاً.
ينظر: الإنصاف، المسألة السادسة والثلاثون 1/214.

(1/286)


فإذا كانت اسمًا مُدَّت وقُصِرَت، ولا تُمَدُّ إلاَّ إذا كانت مفتوحة السّين.
فإذا كانت اسمًا فهي بمعنى (غير) 1، كقول الأعشى2:
................................. ... وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسَوائِكَا3
وإذا4 كانت ظرفًا فهي بمنزلة (وَسَط) ، وتكون ممدودةً للتّحقيق، تقول: (مررتُ برجُلٍ سَواءٍ) أي: مثلك.
__________
1 في ب: عن، وهو تحريف.
2 هو: ميمون بن قيس، المعروف بأعشى قيس، ويكنى أبا بصير: شاعرٌ جاهليّ من شعراء المعلَّقات العشر، لقِّب بـ (صنّاجة العرب) لجودة شعره، وقيل: لأنّه كان يتغنّى بشعره؛ أدرك الإسلام في أواخر عمره ولم يُسْلِم.
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/65، والشّعر والشّعراء 154، والأغاني 9/127، والمؤتلف والمختلف 10، والخزانة 1/175.
3 في ب: لسواكه، وهو تحريف.
وهذا عجز بيتٍ من الطّويل، وصدره:
تَجَانَفُ عَنْ جُوّ اليَمَامَةِ نَاقَتِي
و (التّجانف) : الميل والانحراف.
والشّاهد فيه: (لسوائكا) على أنّ (سِوى) تكون اسمًا بمعنى (غير) أي: لغيرك.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/32، 408، والمقتَضب 4/349، وتحصيل عين الذّهب 68، وأمالي ابن الشّجريّ 1/359، 2/250، والإنصاف 1/295، وشرح المفصّل 2/84، والهمع 3/162، والخزانة 3/435، والدّيوان 89.
4 في أ: وإنْ.

(1/287)


بَابُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ:
وَاجْرُرْ بِكَمْ مَا كُنْتَ عَنْهُ مُخْبِِراً ... مُعَظِّمًا لِقَدْرِهِ مُكَثِّرَا1
تَقُولُ: كَمْ مَالٍ أَفَادَتْهُ يَدِي ... وَكَمْ إِمَاءٍ مَلَكَتْ وَأَعْبُدِ
(كَمْ) : اسم موضوع لعدد مُبْهَمٍ جِنْسًا ومِقْدارًا؛ ولها موضعان2: الخبر [41/أ] ، والاستفهام.
فالخبرُ يقترن بالتّكثير3؛ والعددُ مجرورٌ بها، ولزمت صدر الكلام لأَنَّها في الخبر بمنزلة (رُبَّ) ؛ لأنَّ الشّيءَ يحمل على نقيضه4 فلم يتقدّم عليها شيءٌ سِوى حرف الجرِّ؛ لأنَّ الجارّ والمجرور كالشّيء الواحد. ويحكم على موضعها بالرّفع تارةً، وبالنّصب أُخرى، وبالجرّ تارةً على ما يقتضيه العامل.
وهي تشبه الاستفهاميّة من وُجوهٍ، وتخالِفها من وُجوهٍ5؛ وتوجيه المشابهة:
____________________
1 في متن الملحة 17: مُكَبِّرَا.
2 في أ: موضوعان، وهو تحريف.
3 في أ: بالتّنكير، وهو تحريف.
4 قيل: لأنّها إنْ كانت استفهاميّة فالاستفهام له صدرُ الكلام؛ وإنْ كانت خبريّة فهي نقيضة (رُبّ) ، و (رُبّ) معناها: التّقليل، والتّقليل مضارِعٌ للنّفي، والنّفي له صدرُ الكلام كالاستفهام.
يُنظر: أسرار العربيّة 214، وشرح الرّضيّ 2/97، والصّبّان 4/83.
5 يُنظر: التّصريح 2/279، والأشمونيّ 4/83.

(1/289)


أنّهما يشتركان في لفظ الكميَّةِ1، ويلزمان صدر الكلام، وأنّهما يشتركان في البِناء لتَضمُّنِهمَا معنى الحرف، وأنّهما يشتركان في احتياجهما إلى مُفَسِّرٍ لأجل ابهامهما، ويشتركان في جواز الحمل على اللّفظ، وتارةً على المعنى في الإفراد والجمع والتّذكير والتّأنيث2.
ووجوه المخالَفة:
مِنْهَا: أنَّ الاستفهاميّة بمنزلة عَدَدٍ مُنوَّنٍ، نحو: (عشرين دِرْهمًا) ، والخبريّة بمنزلة عَدَدٍ مُضافٍ؛ ويدلّ على ذلك: انتصاب مميّز الاستفهاميَّة، [وانجرار مميّز الخبريّة. ومنها: أنّ مميّز الاستفهاميّة] 3 فردٌ منصوبٌ4، ومميّز الخبريّة
____________________
1 لأنّهما كنايتان عن عدد مجهول الجنس والمقدار. التّصريح 2/279.
2 يُنظر: شرح المفصّل 4/132، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/1123.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 أمّا الإفراد فلازمٌ عند البصريّين، وأجاز الكوفيّون كونه جمعًا مطلَقًا، وفصّل بعضهم فقال: إنْ كان السّؤال عن الجماعات - نحو (كم غلامانًا لك) إذا أردتّ أصنافًا من الغلمان - جاز، وإلاَّ فَلا، وهو مذهب الأخفش.
وأمّا نصبه ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنّه لازمٌ ولا يجوز جرّه مطلَقًا؛ وهو مذهب بعض النّحويّين.
والثّاني: أنّه ليس بلازم بل يجوز جرّه مطلَقًا حملاً على الخبريّة، وإليه ذهب الفرّاء، والزّجّاج، والفارسيّ.
والثّالث: أنّه يجوز جرّه بـ (مِنْ) مضمَرةً جوازًا إنْ جرّت (كم) بحرف، نحو: (بكم درهم اشتريت ثوبك؟) ؛ هذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جرّه إلاّ إذ دخل على (كم) حرفُ جرٍّ ليكون حرف الجرّ الدّاخل على (كم) عوضًا من اللّفظ بـ (من) المضمَرة؛ وهو مذهب الخليل، وسيبويه، وجماعة؛ وذهب الزّجّاج إلى أنّ جرّ التّمييز إنّما هو بإضافة (كم) إليه.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/159، 160، والمقتضب 3/56، وشرح الرّضيّ 2/96، والتّصريح 2/279، والهمع 4/78، 79، والأشمونيّ 4/79، 80.

(1/290)


جمع مجرور1.
ومنها: [41/ب] أنَّ الاستفهاميّة تقتضي جوابًا؛ وجوابها: إعرابه يكون بحسب موضعها؛ فإذا قُلْتَ:
(كم مالك؟) فجوابه: (عشرون) ؛ والخبريّة لا تقتضي جوابًا؛ لأنّ المتكلِّم بها يُخْبِرُ عن نفسه.
ويجوز أن يأتي الاسم بعد الخبريّة مُفْرَدًا وجمعًا2، كقولك: (كم عَبْدٍ ملكت) و (كم عبيدٍ) .
فإن فَصَل بينها3 وبين ما عملت فيه فاصلٌ انتصب على التّمييز4،
____________________
1 تمييز (كم الخبريّة) مجرورٌ، ويكون مفرَدًا، وجمعًا، والجرُّ هُنا بإضافة (كم) على الصّحيح إذْ لا مانع منها؛ وقال الفرّاء: "إنّه بمن مقدّرة"، ونُقل عن الكوفيّين.
ينظر: الهمع 4/80، 81، والأشمونيّ 4/81.
2 الإفراد أكثر من الجمع وليس الجمع بشاذ - كما زعم بعضهم -.
تنظر هذه المسألة في شرح الرّضيّ 2/96، 97، والتصريح 2/279، 280، والهمع 4/ 80، والأشماوني 4/ 80، 81.
3 في أ: ما بينها، بإقحام الميم.
4 يفصل - في السّعة - بين (كم) الاستفهاميّة، ومميّزها بالظّرف، وشبهه، نحو: (كم عندك غلامًا؟) و (كم لك جارية؟) . ولا يفصل بين (كم) الخبريّة ومميّزها إلاّ في الضّرورة؛ فيجوز لأجلها الفصل بينهما بالظّرف، وشبهه، وبالجملة.
ثم اختلف العلماء: فذهب الكوفيّون إلى أنّه إذا فصل بين (كم) في الخبر وبين الاسم بالظّرف وحرف الجرّ كان مخفوضًا، نحو (كم عندك رجل) و (كم في الدّار غلام) . وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز فيه الجرّ، ويجب أن يكون منصوبًا.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/164، والمقتضب 3/60، والأصول 1/319، والإنصاف، المسألة الحادية والأربعون، 1/303، والتّبيين، المسألة الرّابعة والسّبعون، 429، وشرح المفصّل 4/131، وشرح الرّضيّ 2/97، وابن النّاظم 742، والهمع 4/82، والأشموني ّ4/81، 82.

(1/291)


كقول الشّاعر:
كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ ... إِذْ لاَ أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُ1
فتقول من ذلك: (كم لي عَبْدًا) .
__________
1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِلْقُطَامِيّ.
و (العدم) : فقْدُ المال وقلّته. و (الإقتار) : الافتقار.
والمعنى: الشّاعر يمدح هؤلاء القوم بأنّهم أنعموا عليه وأفضلو عند فقره وعدمه - لشدّة الزّمان وشمول الجدب -؛ وحين بلغ به الجهد وسوء الحال إلى أنّه لا يستطيع الاحتمال - أي: الارتحال - لطلب الرّزق ضعفًا وفقرًا.
ويروى (أجتمل) - بالجيم - أي: أجمع العظام لأخرج وَدَكها وأتعلّل به، و (الجميل) : الوَدَك.
والشّاهد فيه: (فضلاً) حيث نصب (فضلاً) على التّمييز مع الفصْل بينه وبين (كم) الخبريّة بفاصل.
يُنظر هذا البيتُ في الكتاب 2/165، والمقتضب 3/60، وتحصيل عين الذّهب 301، والإنصاف 1/305، والتّبيين 430، وشرح المفصّل 4/131، وشرح عمدة الحافظ 535، وابن النّاظم 744، والمقاصد النّحويّة 3/298، والخزانة 6/477، والدّيوان 30.

(1/292)


بَابُ الْمُبْتَدَأ [وَخَبَرِهِ] 1:
وَإِنْ فَتَحْتَ النُّطْقَ باسْمِ ... مُبْتَدَا فَارْفَعْهُ وَالإِخْبَارَ عَنْهُ أَبَدَا2
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: زَيْدٌ عَاقِلُ ... وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَالأَمِيرُ عَادِلُ
المبتدأ: كُلُّ اسمٍ ابتدأت به، وعرّيته من العوامِل [اللّفظيّة3 لتسند إليه خبرًا يكون به جملةً تحصُل به الفائدة.
وهو وخبره - إذا لم يكن ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا - مرفوعان، كـ (الصُّلْحُ خَيْرٌ) فالمبتدأ مُعْتمد السّؤال، والخبر - من ذي (خير) - معتمد الفائدة4.
وهو مرفوعٌ بالابتداء5؛ والابتداءُ مَعْنىً لا لفظ، وهو وَصْفٌ؛
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
2 ورد في شرح الملحة 143بعد هذا البيت بيتٌ آخَر؛ وهو قولُه:
وَلاَ يَكُونُ المُبْتَدَأ فِي الغَالِبِ ... إِلاَّ وَقَدْ عَرَّفْتَهُ كَالكَاتِبِ
3 أي: غير المزيدة؛ ليدخل نحو: (بحسبك زيد) ، {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله} [المائدة: 73] ممّا جاء مبتدأً مجرورًا بحرف جرّ زائد. يُنظر: ابن النّاظم 105.
4 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 2/818.
5 اختلف العلماء في رافع المبتدأ:
فذهب سيبويه وجمهور البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالابتداء.
وذهب الجرميّ والسّيرافيّ وكثيرٌ من البصريّين إلى أنّ عامله التّعرِّي من العوامِل اللّفظيّة. =

(1/293)


........................................................................................
__________
= وذهب الزّجّاج إلى أنّ المبتدأ يرتفع بما في النّفس من معنى الإخبار.
وذهب آخرون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بإسناد الخبر إليه.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ المبتدأ يرفع الخبر، واختاره ابن جِنّي، وأبو حيّان، والسّيوطيّ.
وقيل: إنّه يرتفع بالعائد من الخبر؛ وهو مذهبٌ آخرٌ للكوفيّين.
وقال ابن عقيل بعد ذكر الخلاف: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".
واختلفوا في الابتداء:
فقيل: هو التعرية من العوامِل اللّفظيّة.
وقيل: هو جعل الاسم أوّلاً ليُخبر عنه.
وقيل: هو عبارة عن مجموع وصفين هما التّجرّد والإسناد.
وقيل: هو علّة ذاتُ أوصاف ثلاثة: التّجرّد من العوامل اللّفظيّة لفظًا أو تقديرًا، والتّعرَّض لدخولها، والإسناد.
واختلفوا في رافع الخبر:
فذهب سيبويه وأكثرُ البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالمبتدأ؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 4/12، ونُسب إلى أبي عليّ الفارسيّ وابن جِنّي؛ واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل 44.
وذهب الأخفش وابن السّرّاج، والزّمخشريّ والسّيوطيّ، إلى أنّه مرفوع بالابتداء.
وقيل: إنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معًا؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 2/49، 4/126؛ وهو مذهب ابن السّرّاج الذي قرره في كتابه الأصول 1/58، وكذلك ابن جنّي الّذي قرّره في كتابه الخصائص 2/385؛ وقال عنه ابن يعيش 1/85: "وهذا القولُ عليه كثيرٌ من البصريّين".
وذهب الكوفيّون إلى أنّ الخبر يرتفع بالمبتدأ؛ وهو اختيار ابن جنّي، وأبي حيّان، والسيوطي.
وقال ابن عقيل - بعد ذكر الخلاف -: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".
تُنظر هذه المسائل في: الكتاب 2/127، والمقتضب 4/126، والتّبصرة 1/99، والمفصّل 24، وأسرار العربيّة 67، 76، والإنصاف، المسألة الخامسة، 1/44، والتّبيين، المسألة السّابعة والعشرون، 224، والمسألة الثّامنة والعشرون، 229، وشرح المفصّل 1/84، 85، وابن النّاظم 107، 108، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/814، 816، والارتشاف 2/28، وابن عقيل 1/188، 189، والهمع 2/8، 9، والأشمونيّ 1/193، والصّبّان 1/193.

(1/294)


وذلك الوصفُ اهتمامُك بالمبتدأ وجعلك إيّاهُ أوّلاً لثانٍ، يكون الثّاني خبرًا عنه.
والخبر مرفوع بالمبتدأ فهو العامِل فيه.
ومن شرط الخبر أنْ يكون نكرة1] 2، [فإنْ كان معرفةً فأنتَ مخيَّرٌ في جعلك أيّهما شئتَ المبتدأ] 3، كقولك: (اللهُ رَبُّنَا) ، [42/أ] وكقول الرّاجز:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي4
____________________
1 أصل المبتدأ: أن يكون معرفة، وأصل الخبر: أن يكون نكرة؛ وذلك "لأنّ الفائدة في الخبر، وإنما يذكر الاسم لتسند إليه الفائدة؛ ألا ترى أنّك إذا قلتَ: (زيدٌ قائم) ؛ فالمخاطَب لم يستفد بقولك: (زيدٌ) شيئًا لأنّه كان يعرفه، وإنما فائدته في قولك: (قائمٌ) لأنّه قد كان يجوز أن يجهل قيامه؛ فإذا أخبره به فقد أوصلت إليه فائدة". التّبصرة 1/101.
ويُنظر: الكتاب 1/328، والأصول 1/59، وشرح عيون الإعراب 94، وشرح المفصّل 1/85.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
4 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لأبي النّجم العجليّ.
والمعنى: شعري الآن هو شعري المشهور المعروف بنفسه لا شيء آخر.
والشّاهد فيه: (وشعري شعري) حيث وقع المبتدأ والخبر معرفتين؛ فأنت مخيّرٌ في جعلك أيّهما شئت المبتدأ.
يُنظر هذا البيتُ في: إيضاح الشّعر 353، والخصائص 3/337، والمقتصد 1/307، وأمالي ابن الشّجريّ 1/373، والمرتجل 377، وشرح المفصّل 1/98، 9/83، والإرشاد إلى علم الإعراب 123، والمغني 434، والخزانة 1/439، والدّيوان 99.

(1/295)


والمبتدأ يُشْبِهُ الفاعل مِنْ وَجْهٍ، ويخالفه مِنْ وَجْهٍ:
فالمشابهةُ: أَنَّهُمَا أَبَدًا مرفوعان لفظًا أو تقديرًا؛ و1 أنَّهُمَا مُحَدّث عنهما2.
والمخالَفةُ: أنَّ حديث المبتدأ بعده، وحديث الفاعل قبله؛ وأنَّ عامل الفاعل لفظيٌّ، وعامل المبتدأ معنويٌّ.
ويشترط في المبتدأ أَنْ يكون اسمًا، أو مُنَزَّلاً منزلةَ الاسم مُخْبَرًا عنه؛ والمنزّل منزلة الاسم قولهم: (تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) 3 تقديره: سَمَاعك بالمعيديّ.
____________________
1 في ب: أو.
2 يُنظر: الأصول 1/58، وكشف المُشْكِل 1/313.
3 هذا مثَلٌ يُضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مَرْآه؛ وأوّل مَن قاله هو: المنذر بن ماء السّماء.
و (تسمع) مبتدأ؛ وهو في تأويل سماعك. وقبله (أَنْ) مقدّرة، ويروى: (لأَنْ تَسْمَعَ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ) ، و (أَنْ تَسْمَعَ) .
يُنظر هذا المِثل في: كتاب الأمثال لأبي عُبيد 97، وجمهرة الأمثال 1/266، ومجمع الأمثال 1/227، والمستقصى 1/370.

(1/296)


وأنْ يكون معرفةً إذْ لا طريق إلى [معرفة] 1 الفائدة إلاَّ به، فإذا لم يُعْرَف في نفسه فأحرى2 ألاّ يعرف خَبَرَهُ؛ أو مقارنًا للمعرفة بتخصيصٍ أو فائدة؛ وذلك في سِتّة مواضع3:
أوَّلها: أنْ يكون نكرة موصوفةً4، كقوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 5.
أو أَنْ يتقدَّم6 خَبَرُه عليه في الجارّ والمجرور أو الظّرف7، كقولك: (لكَ مالٌ) و (عنده عِلْمٌ) ؛ لأنَّ تقدّمه هُنا قَدْ أبطل كونُهُ صِفَةً.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
2 في أ: فأحرى.
3 لم يشترط سيبويه والمتقدِّمون لجواز الابتداء بالنّكرة إلاَّ حصول الفائدة، وقال جمعٌ من المحقّقين كابن هشام والمراديّ: أنّ مرجع المسوّغات إلى التّعميم والتّخصيص.
ورأى المتأخّرون أنّه ليس كلّ واحدٍ يهتدي إلى مواطن الفائدة فتتبّعوها فمن مُقلّ مخلّ، ومِن مُكثِر مورِدٍ ما لا يصلُح، أو معدّد لأمور متداخِلة.
وقد أنهى بعض المتأخّرين ذلك إلى نيِّفٍ وثلاثين مسوّغًا؛ والمرجع في كلّ هذه المسوّغات هو حصول الفائدة.
يُنظر: المقرّب 1/82، وتوضيح المقاصد 1/281، والمغني 608، وشرح شذور الذّهب 175، وابن عقيل 1/203، والأشمونيّ 1/204.
4 في ب: موصوفا.
5 من الآية: 221 من سورة البقرة.
6 في أ: يقدّم.
7 في أ: الطّرف. ولا بدّ مع تقديم الخبر وكونه ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا من أنْ يكون مختصًّا؛ فلو قلتَ: (عند رجل رجل) و (في دارٍ رجل رجل) لم يصح.

(1/297)


أو يقع1 دُعاءً2، كقوله تعالى: [42/ب] {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} 3 و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} 4 فأفاد لتضمّنه
معنى الفعل.
أو معتمداً5 على نفيٍ، كقولك: (ما أَحدٌ أفضل منك) .
أو على استفهام6، كـ (هل فتًى فأقصده؟) .
أو اختصاص بعملٍ، كقولك: (أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) 7.
وإذا كانت النّكرة في معنى الفعل وقد ارتفع بها الاسم، كقولك: (أقائمٌ الزّيدان) و (ما ذاهِبٌ العمران) أفادت8 لاعتماده على الاستفهام،
____________________
1 في ب: أو تقع.
2 والدّعاء: إمّا بخير أو بشرّ.
3 من الآية: 24 من سورة الرّعد.
4 سورة المطفّفين، الآية: 1.
5 في أ: أو يعتمد.
6 في ب: الاستفهام.
7 هذا جزءٌ من حديث طويل رواه أبو ذرّ عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -، قاله لقومٍ قالوا: يا رسول الله ذهب أهلُ الدُّثور بالأُجور: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم
وقد أخرجه بهذا اللّفظ: أحمد في مسنده 5/167.
وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب بيان أنّ اسم الصّدقة يقع على كلّ نوعٍ من المعروف، 2/697 بلفظ: " وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ".
8 في أ: يفيد، وفي ب: تفيد، وما أثبَتّه هو الأولى.

(1/298)


أو1 النّفي، وَمِنْهُ قولُ الشّاعر:
أَقَاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعَنَا؟ ... إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا2
وكقول3 الآخر:
خَلِيلَيَّ مَا وَافٍ بِعَهْدِيَ أَنْتُمَا ... إِذَا لَمْ تَكُونَا لِي عَلَى مَنْ أُقَاطِعُ4
____________________
1 في أ: والنّفي.
2 هذا بيتٌ من البسيط، لمْ أقفْ على قائله.
و (قاطن) : مقيم. و (ظعنًا) : رحيلاً.
والمعنى: أمقيم قومُ سلمى في مكانهم الّذي أعهده؟، أمْ عزموا على الرّحيل؟؛ فإنْ كانوا قد عزموا على الرّحيل فعيش من يقيم ويتخلّف عنهم يكون عجيبًا.
والشّاهد فيه: (أقاطنٌ قوم سلمى) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة - قاطن - كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على الاستفهام.
وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (قاطن) على الاستفهام بالهمزة، وهو اسم فاعل مبتدأ، فاستغنى بمرفوعه عن الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/134، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/512، والتّصريح 1/157، والأشمونيّ 1/190.
3 في ب: وقول.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
والمعنى: يقول لصديقَيْهِ: إنّكما إذا لم تكونا لي على مَنْ أُعاديه، وإذا لم تقاطِعا مَن أُقاطع من النّاس من أجلي، فإنّكما لم تَفِيَا بما بيننا من الصّداقة والوِداد.
والشّاهد فيه: (ما وافٍ بعهديَ أنتما) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة (وافٍ) كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على النّفي.
وجميعُ النّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (وافٍ) على النّفي (ما) ، وهو اسم فاعل، فرفع فاعلاً سدّ مسدّ الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/133، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/516، والتّصريح 1/157، والهمع 2/6، والأشمونيّ 1/191.

(1/299)


أو يكون جوابًا1، كقول2 قائلٍ: (مَنْ جاءك؟) ، فتقول: (رجلٌ) أي: رَجُلٌ جاءني؛ لأنَّهُ داخِلٌ تحتَ (مَنْ) .
فهذه جُمْلَة ما يُبْتَدأُ فيها بالنّكرة.
____________________
1 يُنظر: كشف المشكِل 1/314.
2 في ب: لقول.

(1/300)


[فَصْلٌ] 1:
[وَلاَ يَحُوْلُ حُكْمُهُ مَتَى دَخَلْ ... لَكِنْ عَلَى جُمْلَتِهِ وَهَلْ وَبَلْ] 2
الّذي يُغَيِّرُ المبتدأ عن حاله ثلاثة؛ وهي:
العوامِل اللفظيّة؛ فَمِنْهَا: ما ينصب المبتدأ؛ وهي: (إنّ) وأخواتهَا؛ ومنها: ما ينصبُ الخبر؛ وهي/: (كان) وأخواتها؛ ومنها: ما ينصبهما مَعًا؛ وهي: (ظننت) وأخواتها؛ ويأتي ذِكرُ الجميع إنْ شاء الله تعالى.
وممَّا يَدْخُلُ على المبتدأ ولا يغيّرهُ عن حُكم الابتداء، ولا يؤثّر فيه بِوَجْهٍ3: (هَلْ) و (بَلْ) و (لَكِنْ) و (حَيْثُ) و (همزة الاستفهام) و (إذ) و (لام الابتداء) و (أَمَا) و (أَلاَ) المخفّفان اللّذان لاستفتاح4 الكلام، و (أَمّا) - بفتح الهمزة وتشديد الميم - الّتي لتفصيل الجملة، و (لولا) [43/ أ] الّتي معناها امتناع الشّيء لوجود غَيْرِهِ.
وَقَدِّمِ الأَخْبَارَ إِذْ تَسْتَفْهِمُ ... كَقَوْلِهِمْ: أَيْنَ الْكَرِيمُ المُنْعِمُ؟
وَمِثْلُهُ: كَيْفَ الْمَرِيضُ المُدْنَفُ؟ ... وأَيُّهَا الْغَادِي مَتَى المُنْصَرَفُ؟
خَبَرُ المبتدأ يجوز تقديمه إذا كان غَيْرَ مُسْتَفْهَمٍ به، كقولك: (عَالِمٌ زَيْدٌ بالأمر) .
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 يُنظر: الكتاب 3/116، والأصول 1/61، والجُمل 302.
4 في أ: لافتتاح.

(1/301)


فإنْ كان اسم استفهام وَجَبَ تَقْدِيمُهُ، كقولك: (أَيْنَ زَيْدٌ؟) و (مَتَى الصّيامُ؟) و (كيف أَنْتَ؟) ؛ لأنَّ أسماء الاستفهام لها صدرُ الكلام1.
وقد يقع اسمُ الاستفهام مبتدأً؛ وذلك إذا وقع بعده فِعْلٌ أَوْ جارٌّ ومجرورٌ، كقولك: [43/ب]
(أين تسكُن؟) و (كم معك دِرْهَمًا؟) .
وَإِنْ يَكُنْ بَعْضُ الظُّروفِ الْخَبَرَا ... فَأَوْلِهِ النَّصْبَ وَدَعْ عَنْكَ الْمِرَا
تَقُولُ: زَيْدٌ خَلْفَ عَمْرٍو قَعَدَا ... وَالصَّوْمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالسَّيْرُ غَدَا
خبر المبتدأ أنواع:
منها: الظَّرْفُ2؛ وَهُوَ نَوْعان:
ظَرْفُ زَمَانٍ وهو يختصُّ بالأحدَاث3، كقولك: (الصِّيام يوم الخميس) .
وظرف مَكَانٍ وهو يختصّ بالأجسام، كقولك: (الإمام4 أَمَامَ القوم) ؛
____________________
1 يُنظر: المقتصد 1/224، وشرح عيون الإعراب 96، وكشف المشكِل 1/316، والارتشاف 2/43.
2 في أ: الطرف.
3 ظروف الزّمان لا يجوز أن تقع أخبارًا عن الأشخاص؛ لأنّ الفائدة لا تتمّ إلاَّ بها، لو قلت: (زيدٌ يوم الجمعة) لم تكن مُخبِرًا بشيء.
يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/102، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.
4 في ب: الأمير.

(1/302)


وقد يقع ظرف المكان خبرًا عَنْ حَدَثٍ، كقولك: (الصّلاةُ وراء الإمام) 1.
ويقع الخبر جارًّا ومجرورًا، كقولك: (زَيْدٌ في دَاْرِهِ) 2، ولا يجوز: (في داره زيد) ؛ لأنّه لو قُدِّمَ عادَ الضّميرُ منه3 إلى مُتأخِّرٍ في اللَّفظِ والرُّتبة؛ والضّابط لتقدير هذين الخبرين: ما يقدَّر4لهما من مُفْرَدٍ5 أَوْ جُمْلَةٍ، نحو: (مُسْتَقِرّ) أو (اسْتَقَرَّ) .
ويكون الخبر جُمْلَةً اسميّةً، كقولك: (زيدٌ أبوه عَالِمٌ) ، وفعليَّةً، كقولك6: (زَيْدٌ قَامَ أبوه) ، أو أَنْ7تكون الجملة شرطيّة، كقولك: (زَيْدٌ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْك) ؛ ولا بُدَّ أَنْ يكون8لهذه الجمل ضمير [44/أ] يعود على المبتدأ كالهاء الرّابطة في الثّلاثة9.ويكون الخبر فعلاً ماضيًا، كقولك: (زيد قام) ؛ ففي هذا الفعل
____________________
1 يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/103، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.
2 في ب: الدّار.
3 في كلتا النسختين: معه، وهو تحريف.
4 في أ: ما تقدّر، وهو تصحيف.
5 في ب: بمفرد.
6 في ب: لقولك.
7 في ب: أو بأن تكون.
8 في أ: ولا بدّ لهذه الجمل أن تكون ضميرًا.
9 هُناك روابِطُ أُخرى غير الضّمير، أوصلها النّحاة إلى عشرة، لكن الشّارح - رحمه الله - اقتصر على الضّمير؛ لأنّه الأصل، ولهذا يربط به مذكورًا ومحذوفًا.
يُنظر: المقرّب 1/82، والارتشاف 2/50، والمغني 647، والهمع 2/18.

(1/303)


ضميرٌ [يعود على المبتدأ مُسْتترٌ] 1.
وكذلك يكون مضارِعًا على حكم ما تَقدَّم، كقولك: (خالدٌ يقومُ) فإن ثُنِّي المبتدأ أو جُمِعَ ظهر الضّميرُ، كقولك: (الزّيدان قاما) و (الرّجال قاموا) و (الزّيدون يقومون) .
وبالجملة: لا يخلو2 الخبر من أنْ يكون مُفردًا، أو جُمْلَة، أو ظرفًا3.
ويلزم حذف الخبر إذا كان بعد قَسَمٍ مستغنًى عَنْهُ بجواب القسم4، كقولك: (لعمرك إنَّ زيدًا صادقٌ) ، والتّقدير: قَسمي.
وبعد (لولا) ، كقولك: (لولا زيدٌ لزرتُك) ، والتّقدير: حاضِرٌ.
وفي المُثُل: (أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا) أي: إذا كان قائمًا5.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 في ب: فلا يخلو.
3 وكذلك يكون الخبر جارًّا ومجرورًا، ويُطلق على الظّرف والجارّ والمجرور شبه الجملة.
4 وذلك بأنْ يكون المبتدأ صريحًا في القسَم.
يُنظر: ابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158.
5 أو يكون المبتدأ مصدرًا، وبعده حال سدّت مسدّ الخبر، وهي لا تصلح أنْ تكون خبرًا، فيُحذف الخبر وُجوبًا لسدّ الحال مسدّه، نحو (ضربي العبد مسيئًا) . أو أفعل تفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور؛ وقد مثّل له الشّارح.
يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/177، وابن النّاظم 123، وابن عقيل 1/235.

(1/304)


ويُحذف في غير هذه الثّلاثة1 توسّعًا إذا دَلَّ عليه الكلام، وأكثر ما يقع في الاستخبار2، كقولك: (أين زَيْدٌ؟) ، فيُقال: (في المسجد) ؛ فالمبتدأ محذوفٌ، والتّقدير: زيد؛ وإذا قيل لك: (مَنْ عندك؟) فقلت: (زيد) ؛ فالخبر محذوف، والتّقدير: زَيْدٌ عِنْدي.
وَإِنْ تَقُلْ: أَيْنَ الأَمِيْرُ جَالِسُ ... وَفِي فِنَاءِ الدَّارِ بِشْرٌ مَائِسُ
فَجَالِسٌ وَمَائِسٌ قَدْ رُفِعَا ... وَقَدْ أُجِيزَ الرَّفْعُ3 وَالنَّصْبُ مَعَا
[44/ب]
هذه المسألة يُعْلَمُ منها: أنَّ الجملة الابتدائيّة إذا تَقَدَّمَ خَبَرُها وجُوبًا، أو اختيارًا لكونُه4 اسم استفهام أو جارًّا ومجرورًا، وأتيت بعد تمام الكلام بنكرة متعلّقة بالجُملة، كقولك: (أَيْنَ الأمير جَالِسٌ؟) ؛ جاز رفع (جالس) ونصبه؛ فإنْ رفعتَ جعلته خبر المبتدأ بإلغاء الظّرف أو الجارّ؛ وإِنْ نَصَبْتَ فعلى الحال؛ والعامِل فيه معنى الاستفهام، ومع الجارّ ما يُقدَّر5 مِن الاستقرار.
____________________
1 بقي موضعٌ رابعٌ لم يذكره الشّارح؛ وهو: أن يكون المبتدأ معطوفًا عليه اسمٌ بواوٍ هي نصّ في المعيّة، نحو: (كلّ رجل وضيعته) ، والتّقدير: كلّ رجل وضيعته مقترنان.
يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/176، وابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158، وابن عقيل 1/235.
2 في أ: الأخبار.
3 في شرح الملحة 151: وَقَدْ أُجِيزَ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ مَعَا.
4 في كلتا النسختين: كونه وما أثبته هو الأولى.
5 في ب: ما تقدّر.

(1/305)


وَهَكَذَا إِنْ قُلْتَ: زَيْدٌ لُمْتُهُ ... وَخَالِدٌ ضَرَبْتُهُ وَضِمْتُهُ1
فَالرَّفْعُ فِيهِ جَائِزٌ وَالنَّصْبُ ... كِلاَهُمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتْبُ
هذه المسألة تُعرف باشتغال العامِل عن المعمول؛ فقولك2: (زَيْدٌ لُمْتُهُ) فـ (زيدٌ) مبتدأ - وما بعده فِعْلٌ، [و] 3 ضميرُ فَاعلٍ، وضمير مفعول -، والجملة خبرٌ عنه.
فإنْ نصبت (زيدًا) نصبته على أنّه مفعولٌ، وليس العاملُ فيه الفعل4الّذي بعده لاشتغاله بالضّمير المنصوب؛ بل بفعلٍ مُقدَّرٍ من جنس الفعل المُتأخّر عنه، كقولك: (أكرمتُ زيدًا أكرمته) ، والرَّفعُ أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير5 [45/أ] ؛ ومن ذلك قولُ الرّبيع6:
وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا7
____________________
1 ضِمْتُهُ: ظلمته؛ والضّيم: الظّلم. اللّسان (ضمم) 12/358.
2 في ب: فتقول.
3 العاطف ساقطٌ من ب.
4 في أ: الضّمير.
5 ذكر الشّارح ـ رحمه الله ـ موضعًا واحدًا من مواضِع الاشتغال؛ وهو ترجيح الرّفع على النّصب، وبقيَ بعد ذلك أربعة مواضع. يُنظر: التّبصرة 1/326، والمقتصد 1/235، وابن النّاظم 237، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/849، وابن عقيل 1/471.
6 هو: الرَّبِيعُ بن ضَبُع بن عديّ الفَزَاريّ، شاعرٌ جاهليّ معمَّر، من فُرسان العرب، وخطبائهم، وحُكمائهم. قيل: إنّه عاش أربعين وثلاثمائة سنة.
يُنظر: المعمّرين من العرب 15، والمؤتلف والمختلف 182، والإصابة 2/424، والخزانة 7/383، والأعلام 3/15.
7 هذا بيتٌ من المنسرح، وقبله بيتٌ هو: =

(1/306)


...........................................................................
__________
=
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ ... أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا
والمعنى: أنّه وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوّته، فلا يُطيق حمل السّلاح لحربٍ، ولا يملك رأس البعير إنْ نفر من شيء؛ وإذا خلا بالذّئب خشيه على نفسه، وأنّه لا يحتمل برد الرّيح، وأذى المطر؛ لِهَرمِه وضعفه.
والشّاهد فيه: (والذّئبُ أخشاه) على أنّ الرّفع أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير.
وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على أنّ النّصب أجود من الرّفع؛ حيث وقع الاسم المشغل عنه بعد عاطف تقدّمه جملة فعليّة (لا أملك) ، ولم يفصل بين العاطف والاسم.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/89، ونوادر أبي زيد 159، وأمالي القالي 2/185، والمقتصد 1/237، والتّبصرة 1/330، وتحصيل عين الذّهب 106، والمقاصد النّحويّة 3/397، والتّصريح 2/36.

(1/307)