اللمحة في شرح الملحة بَابُ الفَاعِلِ:
وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الأَسْمَاءِ ... عَقِيْبَ1 فِعْلٍ سَالِمِ
الْبِنَاءِ
فَارْفَعْهُ إِذْ تُعْرِبُ فَهْوَ الْفَاعِلُ ... نَحْوُ: جَرَى
الْمَاءُ وَجَارَ الْعَامِلُ2
الفَاعِلُ: كُلُّ اسم ذكرته بعد فِعْلٍ، وأسندتّ ذلك الفعل إليه
إسنادًا صحيحًا، وجُعِلَ الفِعْلُ حَدِيثًا عنه، وكان في الإيجاب
والنَّفي سواء.
فالفاعل مرفوع؛ وفي ذلك أقوالٌ:
قال الخليلُ: "الأصل فيما إعرابه الرّفع3؛ الفاعل، وباقي المرفوعات
محمولات عليه، ومشبَّهاتٌ به"4.
وقال سيبويه5: "الأصل هو المبتدأ،
____________________
1 في أ: من بعد.
2 في متن الملحة 19، وشرح الملحة 155: وَجَارَ العَاذِلُ.
3 في أ: بالرّفع.
4قال ابن يعيش في شرح المفصّل 1/73: "وعليه حُذّاق أصحابنا"، وذكر
الزّمخشريّ في المفصّل الفاعل أوّلاً، وحمل عليه المبتدأ والخبر؛ وذهب
إليه - كذلك - ابن الحاجب، واختاره ابن هشام في شرح الشّذور 152.
يُنظر: المفصّل 18، والكافية 68، وشرحها 1/23، 71، والبسيط 1/259،
والهمع 2/3
5 قال سيبويه في الكتاب 1/23: "واعلم أنّ الاسم أوّلُ [أحواله]
الابتداء" وفسّره ابن يعيش في شرح المفصّل 1/73: "يريد أوّله المبتدأ؛
لأن المبتدأ هو الاسم المرفوع، والابتداء هو العامِل".
وقال سيبويه - أيضًا - 1/24: "فالمبتدأ أوّل جزء، كما كان الواحدُ أوّل
العدد، والنّكرة قبل المعرفة" وعزي إلى ابن السّرّاج؛ لأنّه قدّم
المبتدأ على الفاعل، ونقل عنه الرّضيّ غير هذا - كما سيأتي -، وابن
مالكٍ قدّم المبتدأ على الفاعل أيضًا.
وقال السّيوطيّ - بعد أنْ ذكر هذا الخلاف -: "وقال أبو حيّان: وهذا
الخلاف لا يجدي فائدة". الهمع 2/4.
يُنظر: الأصول 1/58، وشرح عمدة الحافظ 1/156، وشرح الرّضيّ 1/23،
وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر النّدى 1/233، وحاشية يس على التّصريح
1/154، والصّبّان 1/188.
(1/309)
والبواقي1 مشبّهة به".
وقال الأخفش2: "كُلُّ واحِدٍ منهما أَصل بنفسه".
واحتجَّ الخليل عن مَذْهَبِهِ، وقال: "الفاعل بالرّفع أولى؛ لأنّك إذا
قُلْت: (ضرب زَيدْ [بَكرْ] 3- بإسكان الكلمتين - لم يُعرف الضّارب من
المضروب، وإذا قُلْتَ: (زَيدْ قَائِمْ) - بإسكانهما - عُلِمَ من نفس
اللّفظتين4 أيّهما المبتدأ؛ فثبت أنَّ افتقار الفاعل إلى الإعراب
أشدُّ؛ فوجب [45/ب]
____________________
1 في أ: والباقي مشبّهاتٌ به.
2 واختارُه الرّضيّ، ونقله عن الأخفش وابن السّرّاج، ونقل ابن يعيش عن
ابن السّرّاج غير هذا. انظر ما سبق الإشارة إليه من أصول ابن السّرّاج.
يُنظر: شرح المفصّل 1/73، وشرح الرّضيّ 1/23، 71، والهمع 2/4، وحاشية
يس على التّصريح 1/154.
(بكر) ساقطٌ من ب.
4 في أ: اللّفظين.
(1/310)
أنْ يكون هو الأصل"1.
واحتجَّ سيبويه أنْ قال: "قد ثبت أنّ الجملة الاسميّة مُقَدَّمَةٌ على
[الجملة] 2 الفعليّة؛ فإعراب الجملة الاسميّة يجب أن يكون مُقَدَّمًا
على إعراب الجملة الفعليّة"3.
وقوله: (سالمُ البناء) 4 احترازًا من مفعول ما لم يُسَمَّ فَاعِله.
وقيل: أُختير للفاعل الرّفع، وللمفعول النّصب؛ لثقل الضّمّة وخِفّة
الفتحة؛ والفعلُ لا يُرْفَعُ به إلاَّ فاعلٌ واحدٌ، ويُنصب به عِدَّةٌ
من المفاعيل، كالمصدر، والمفعول به، والظّرفين، والمفعول له، والمفعول
مَعَه، والحال؛ فَجُعِل المُسْتَثْقَلُ إعرابًا لَما قَلَّ،
والمُسْتَخَفُّ إعرابًا لَما كَثُرَ5.
وَوَحِّدِ الْفِعْلَ مَعَ الْجَمَاعَهْ
كَقَوْلِهِمْ: سَارَ الرِّجَالُ السَّاعَهْ
فِعْلُ الفاعل يُوحَّدُ6 إنْ كان لمفردٍ،7 أو مثنّى، أو مجموع؛ فتقول:
(جَاءَ زَيْدُ) و (جاءَ الزّيدان) [و (جاء الزّيدون) ] 8 و (ذهب القوم)
____________________
1 يُنظر: شرح المفصّل 1/73.
وهناك حُجج أخرى غير ما ذكر الشّارح. يُنظر: شرح الشّذور 152، والهمع
2/3، وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر النّدى 1/233.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 هُناك حجج أخرى. يُنظر: الهمع 2/3، وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر
النّدى 1/233.
4 يقصد بالفعل السّالم: الفعل المبنيّ للمعلوم؛ لأنّ المبنيّ للمجهول
لم يسلَم من التّغيير.
5 يُنظر: شرح عيون الإعراب 80، وشرح المفصّل 1/75.
6 يُنظر: أوضح المسالك 1/345، والتّصريح 1/275.
7 في ب: لفردٍ.
8 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
(1/311)
ولا يقال: (ذَهَبَا الزّيدان) 1 ولا (ذهبوا
القوم) 2؛ [46/أ] لامتناع عَوْد الضّمير على غير ذي ضميرٍ، ولا يقع ذلك
إلاَّ إذا تَأخَّر الفعل عن الاسم، كقولك: (زَيْدٌ ذَهَبَ) و
(الزَّيدان3 ذَهَبَا) و (الرّجال ذهبوا) ؛ فضمير الفاعل مُسْتَتِرٌ في
هذه الأفعال؛ لأنَّ الفعل لا يخلو من فَاعلٍ إمَّا ظاهرًا، و4 إمّا
مُضْمَرًا.
وَإِنْ تَشَأْ فَزِدْ عَلَيْهِ5التَّاءَ ... نَحْوُ: اشْتَكَتْ
عُرَاتُنَا الشِّتَاءَ
وَُتلْحَقُ التَّاءُ عَلَى التَّحْقِيقِ ... بِكُلِّ مَا تَأْنِيْثُهُ
حَقِيقِي
كَقَوْلِهِمْ: جَاءَتْ سُعَادُ ضَاحِكَهْ ... وَانْطَلَقَتْ نَاقَةُ
هِنْدٍ رَاتِكَهْ6
وَتُكْسَرُ التَّاءُ بِلاَ مَحَالَهْ ... فِي مِثْلِ: قَدْ أَقْبَلَتِ
الْغَزَالَهْ
هذه التّاءُ تَلْتَحِقُ بفعلٍ لفاعلٍ7 جُمِعَ جَمْعَ تكسيرٍ؛ فيجوز أن
____________________
1 في ب: الرّجلان.
2 هذه اللّغة يسمّيها النّحاة لغة (أكلوني البراغيث) وتُنسب إلى طيّء،
وأزد شنوءة، وبلحارث بن كعب.
يُنظر: ابن النّاظم 220، وابن عقيل 1/425 ـ 429، والأشمونيّ 2/47.
3 في ب: الرّجلان.
4 في أ: أو، وهو تحريف.
5 في ب: على.
6 الرّاتِكةُ من النّوق: الّتي تمشي وكأنّ برجليْها قَيْدًا وتضرب
بيديها.
ورَتَكانُ البعير: مقاربة خطوِه في رَمَلانِهِ؛ لا يُقال إلاّ للبعير.
ورَتَكَت الإبل تَرْتِك رَتْكًا ورَتَكًا وَرَتَكَانًا: وهي مشية فيها
اهتزازٌ؛ وقد يُستعمل في غير الإبل، وهي في الإبل أكثر. اللّسان (رتك)
10/431.
7 في ب: الفاعل.
(1/312)
تقول: (قَالَ الرِّجال) و (قَالتِ
الرِّجال) بتأنيث الفعل وتذكيره.
وكذلك إذا كان جَمْعًا لمؤنّثٍ حقيقيًّا1 كان أو غير حقيقيٍّ؛ كقولك:
(قال النِّساء) و (قالت النّساء) [46/ب] و (اتّسع الدُّور) و
(اتَّسَعَتِ الدُّور) 2، فَيُقدَّر فيها في التَّذكير حَذْفُ مُضافٍ
مُذكَّرٍ، كقولك: (قام جَمعُ3 الرِّجال) 4.
____________________
1 المؤنّث الحقيقيّ هو: ما كان من الحيوان بإزائه ذكر، كـ (امرأة) و
(نعجة) و (أتان) ، ومجازيّ التّأنيث هو ما سوى الحقيقي، كـ (دار) و
(نار) و (شمس) .
ابن النّاظم 224.
2 يجوز تأنيث الفعل للفاعل في أربع مسائل:
الأولى: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقيّ التّأنيث، مفصولاً عن
الفعل بفاصل غير (إلاّ) ، نحو: (حضر القاضي اليوم امرأةٌ) . و (حضرت
القاضي اليوم امرأةٌ) .
الثّانية: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مجازيّ التّأنيث، نحو: (طلع
الشّمس) و (طلعت الشّمس) .
الثّالثة: أنْ يكون الفاعل جمعَ تكسير لمذكّر أو مؤنّث؛ وقد ذكر ذلك
الشّارح - رحمه الله -، أو يكون جمع مؤنّث سالم، نحو: (جاء المسلمات) و
(جاءت المسلمات) .
الرّابعة: فاعلُ (نعم) و (بئس) وأخواتهما، إذا كان مؤنّثًا جاز في فعله
التّأنيث والتّذكير، نحو: (نعم المرأة هند) و (نعمت المرأة هند) .
يُنظر: شرح ملحة الإعراب 160، 161، وابن النّاظم 224، وأوضح المسالك
1/356، وابن عقيل 1/437، والتّصريح 1/279.
3 في ب: جميع.
4 التّذكير على تأويلهم بالجمع، والتّأنيث على تأويلهم بالجماعة؛ فإذا
قلت: (قام الرّجال) أردتّ: قام جميع الرّجال، وإذا قلتَ: (قامتِ
الرّجال) أردّت: قامت جماعة الرّجال؛ وكذلك المؤنّث.
يُنظر: التّبصرة 2/623، وابن النّاظم 226، وابن عقيل 1/438.
(1/313)
ويجب إثباتُها في فعل المؤنّث الحقيقيّ1،
كقولك: (قامت المرأة) و (بركت النّاقة) ؛ وفي الفعل المتأخّر كَمَا
تَقَدَّم ذِكْرُه، كقولك: (الشّجرة حَمَلتْ) و (النّساء قامت) و
(الدُّورُ عُمِرَتْ) .
وهذه التّاء إذا وليها أَلِفٌ وَلاَمٌ كُسِرَت؛ لالتقاء السّاكنَيْن2.
__________
1 يجب تأنيث الفعل للفاعل في مسألتين:
الأولى: أنْ يكون الفاعل المؤنّث ضميرًا متّصلاً؛ ولا فرق في ذلك بين
المؤنّث الحقيقيّ والمجازيّ، نحو: (هند قامت) و (الشّمس طلعت) .
الثّانية: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقيّ التّأنيث، نحو: (قامت
هند) .
يُنظر: ابن النّاظم 224، وشرح شذور الذّهب 163، وابن عقيل 1/432،
والتّصريح 1/277.
2 نحو: قَالَتِ النِّساء.
(1/314)
بَابُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ:
وَاقْضِ قَضَاءً لاَ يُرَدُّ قَائِلُهْ ... بِالرَّفْعِ فِيمَا لَمْ
يُسَمَّ فَاعِلُهْ
مِنْ بَعْدِ ضَمِّ أَوَّلِ1الأَفْعَالِ ... كَقَوْلِهِمْ: يُكْتَبُ
عَهْدُ الْوَالِي
وَإِنْ يَكُنْ ثَانِي الثُّلاَثِيِّ أَلِفْ ... فَاكْسِرْهُ حِينَ
تَبْتَدِي وَلاَ تَقِفْ
تَقُولُ: بِيعَ الثَّوْبُ2وَالْغُلاَمُ ... وَكِيْلَ زَيْتُ الشَّامِ
وَالطَّعَامُ
المفعول الّذي لم يُسَمَّ فَاعِلُهُ يقوم مقامَ الفاعل المحذوف؛ وذلك
للعلم به، أو الجهل به، أو لتَعْظِيْمِهِ، أو لتحقيره3؛ فينوب عنه فيما
له من الرّفع، ولزوم الفِعل، ووجوب تأخيرِهِ عنه4.
وغُيِّرت له صيغةُ الفعل المسند إليه؛ [47/أ] ليعلم أنّه ليس بفعل
الفاعل؛
____________________
1 في أ: أخِر.
2 في ب: الزّيت.
3 يحذف الفاعل، ويحلّ محلّه نائبه؛ لأسبابٍ وأغراضٍ كثيرة - غير ما ذكر
الشّارح - منها: الخوف منه أو عليه، أو الإبهام، أو إيثارًا لغرض
السّامع، أو لإقامة الوزن، أو لتوافق القوافي، أو لتقارُب الأسجاع،
وغير ذلك.
يُنظر: شرح المفصّل 7/69، والمقرّب 1/80، والارتشاف 2/184، والتّصريح
1/286، والأشمونيّ 2/61.
4 وينوب عنه - كذلك - في وجوب ذكره، واستحقاقه الاتّصال بالعامل، وكونه
كالجزء منه، وتأنيث الفعل لتأنيثه.
يُنظر: ابن النّاظم 231، وأوضح المسالك 1/373، والتّصريح 1/286، 287،
والأشمونيّ 2/61، والصّبّان 2/61.
(1/315)
وذلك بضمِّ أوّله؛ [فإنْ] 1 كان ماضيًا
كُسِرَ ما قبل آخره، فتقول: ضُرِب الرَّجُلُ؛ وإنْ كان مضارِعًا فُتِحَ
ما قبل آخره، فتقول: (يُضْرَبُ) .
فإنْ كان ثُلاثيًّا مُعْتَلّ العين، وبُنِيَ لِمَا لَم يُسَمَّ فاعله،
وَجَبَ تخفيفُهُ من استثقال الكسرة بعد الضّمّة، فألقيت حركة الفاء،
ونقلت حركة العين إليها، فتقول في (قال) و (باع) : قِيلَ، وبِيعَ؛ وكان
الأصل: (بُيِعَ) 2 و (قُوِلَ) ، فاستثقلت كَسْرةٌ على حرف علَّةٍ بعد
ضمَّةٍ، فَأُلْقِيَت الضّمّةُ، ونُقِلَت الكسرة إلى مكانها، فَسَلِمت
الياءُ من (بِيعَ) ؛ لسكونها بعد حركةٍ تُجانِسُهَا، وانقلبت3 الواو
ياءً من (قِيلَ) ؛ لسكونها بعد كسرة، فصار اللّفظ4 بما أصله الياء،
كاللّفظ بما أصله الواو5.
وبعض العرب6 ينقل7، ويشير8 إلى الضّمّ مع التّلفّظ بالكسر،
____________________
(فإنْ) ساقطة من ب.
2 في كلتا النّسختين: بوع، والتّصويب من ابن النّاظم 232.
3 في ب: وانقلب.
4 في ب: بها، وهو تحريف.
5 وهذه أفصح اللّغات. المقاصد النّحويّة 2/24.
6 إشمام الكسر الضّمّ لغة كثيرٍ من قَيْس، وأكثر بني أسد.
يُنظر: التّصريح 1/294.
7 في كلتا النّسختين: تنقل، والتّصويب من ابن النّاظم 232.
8 في أ: وتشير.
(1/316)
ولا يغيّرُ الياء، وَيُسمَّى1ذلك إشمامًا2.
ومن العرب3من يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عَيْنِهِ، فإنْ كانت واوًا
سَلِمَتْ، كقول الرّاجِز4:
حُوكَتْ عَلَى نَوْلَيْنِ إِذْ تُحَاكُ ... تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلاَ
تُشَاكُ5
____________________
1 في أ: وسُمَّا.
2 الإشمام هو: شوْب الكسرة شيئًا من صوت الضّمّة.
وكيفيّة اللّفظ بهذا الإشمام:
أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامّة مركّبة من حركتين إفرازًا لا
شيوعًا.
جزء الضّمّة مقدّم؛ وهو الأقلّ، يليه جزء الكسرة، وهو الأكثر؛ ومن ثمّ
تمحّضت الياء؛ وهذه اللّغة تلي لغة الكسر في الفصاحة.
يُنظر: توضيح المقاصد 2/25، والتّصريح 1/294، والأشمونيّ 2/63.
3 إخلاص الضّمّ لغة قليلة موجودة في كلام هُذَيل، وتعزى لفَقْعَس
ودُبَير - وهما من فصحاء بني أسد -، وحُكيت عن بني ضَبّة، وعن بعض
تميم.
يُنظر: أوضح المسالك 1/387، والتّصريح 1/295.
4 في ب: الشّاعر.
5 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقف على قائله.
و (حوكت) : نسجت، والضّمير يرجع إلى بردة إما أنْ تكون تقدّم ذكرها، أو
عُلِمت ذهنًا. و (نولين) تثنية (نَوْل) وهو الخشب الّذي يَلفّ عليه
الحائك الثّوب، ويروى (نيرين) وهو تثنية نير، و (النّير) : علَمُ
الثّوب ولُحْمته، وثوبٌ ذو نيرين: مُحْكَم نسج على لحمتين. و (تختبط
الشّوك ولا تُشاك) : أي لا تتأثّر بضربه.
والمعنى: هذه البُردة في غاية الإحكام والقوّة، فهي تضرب الشّوك فلا
يعلق بها، ولا يؤذيها.
والشّاهد فيه: (حوكت) فإنّ القياس فيه: (حيكت) ، لكنْ من العرب مَن
يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عينه، فإنْ كانت واوًا سلِمَتْ كما في
(حوكت) .
يُنظر هذا البيتُ في: ابن النّاظم 233، وتخليص الشّواهد 495، وأوضح
المسالك 1/386، والمقاصد النّحويّة 2/526، والتّصريح 1/295، والهمع
6/37، والأشمونيّ2/63، والدّرر 6/261.
(1/317)
[47/ب] فإنْ كانتْ ياءً قُلِبت واوًا؛
لسكونها وانضمام ما قبلها، كقول1 الآخر:
لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ ... لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ
فَاشْتَرَيْتُ2
وقد يعرض3 بالكسر أو بالضّمّ التباس فِعل المفعول به بفعل الفاعل؛ فيجب
- حينئذ - الإشمام وإخلاص الضّمّة، في نحو قولك: (خُفْتُ) مقصودًا به
خشِيتُ؛ والإشمام وإخلاص الكسرة4، في نحو قولك:
____________________
1 في ب: وقال.
2 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لرؤبة.
والمعنى: أتمنّى أنْ يُباعَ الشّباب فأشتريه، ولكنّ التمنّي لا ينفع؛
فإنّ الشّباب إذا ولّى لا يرجع.
والشّاهد فيه: (بوع) فإنّ القياس فيه: (بيع) لكن من العرب مَنْ يخفِّف
هذا النّوع بحذف حركة عينه؛ فإنْ كانتْ ياءً قُلبت واوًا؛ لسكونها
وانضمام ما قبلها.
يُنظر هذا البيت في: أسرار العربيّة 92، وابن النّاظم 233، وأوضح
المسالك 1/385، وتخليص الشّواهد 495، وابن عقيل 1/457، والمقاصد
النّحويّة 2/524، والهمع 6/37، والأشمونيّ 2/63، وملحق الدّيوان 171
وفيه (بيع) بدل (بوع) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
3 في أ: يعوّض، وهو تحريف.
4 في ب: الكسر.
(1/318)
(طُلْتُ) 1 مقصودًا به غُلِبْتُ في
المطاولة2.
والثّلاثيّ المُضاعَف يجوز في فائه من الضّمّ، والإشمام، والكسر ما جاز
في فاء الثّلاثيّ المعتلّ العين، نحو: (حُبَّ الشّيء) و (حِبَّ) 3.
والأشياء الّتي يجوز [أن تقوم] 4 مقام الفاعل أربعةٌ؛ وهي:
المفعول به، سواءً كان من جُملةِ الأفعال المتعدِّية إلى واحدٍ أو إلى
اثنين أو إلى ثلاثةٍ.
والمفعول بحرف الجرِّ.
و5الظّرف من الزّمان والمكان إذا كانا متمكّنين.
والمصدر إذا كان مُعرّفًا أو منعوتًا مُخْتصًّا6؛ ومثال ذلك:
____________________
1 في أ: ظلت، وفي ب: طللت.
2 في أ: المطاوعة.
3 يُنظر: ابن النّاظم 233، وابن عقيل 1/459.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في أ: أو.
6 إذا وجد بعد الفعل المبنيّ للمجهول مفعولٌ به، ومصدر، وظرف، وجارّ
ومجرور، فأيّها ينوب؟، وهل يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده؟
مذهب البصريّين أنّه لا يجوز نيابة غير المفعول مع وجوده.
ومذهب الكوفيّين أنّه يجوز نيابة غيره وهو موجود؛ تقدّم أو تأخّر.
ومذهب الأخفش أنّه إذا تقدّم غير المفعول به عليه جازَ نيابة كلّ واحدٍ
منهما، وإذا تقدّم المفعول به على غيره تعيّن نيابته.
تُنظر هذه المسألة في: التّبيين، المسألة الثّامنة والثّلاثون، 268،
وشرح المفصّل 7/74، وابن النّاظم 235، وابن عقيل 1/462، وائتلاف
النُّصرة، فصل الاسم، المسألة الثّامنة والسّبعون، 77، والتّصريح
1/290، والهمع 2/265.
(1/319)
(ضُرِبَ زَيْدٌ) و (أُعْطِيَ عَمْرٌو
دِرْهَمًا) و (ظُنَّ زيدٌ قائمًا) و (أُعْلِمَ زَيْدٌ عَمْرًا
مُنْطَلِقًا) و (مُرَّ بزيدٍ) و (سِيرَ بِهِ يومان) و (مُشِيَ [عليه] 1
فَرْسَخان) و (قيلَ في خَالدٍ قَوْلٌ حَسَنٌ) .
__________
(عليه) ساقطةٌ من ب.
(1/320)
بَابُ المَفْعُولِ بِهِ:
[48/أ]
وَالنَّصْبُ لِلْمَفْعُولِ حُكْمٌ أُوجِبَا1 ... كَقَوْلِهِمْ: صَادَ
الأَمِيرُ أَرْنَبَا
وَرُبَّمَا أُخِّرَ عَنْهُ الْفَاعِلُ ... نَحْوُ: قَدِ اسْتَوْفَى
الْخَرَاجَ2 الْعَامِلُ
المفعول به: كلّ اسم اتّصل به تعدّي الفعل فَنَصَبَهُ؛ فهو ما انتصب
بعد تَمامِ الكلام إيجابًا أو نفيًا، مثل (ضَرَبْتُ زَيْدًا) و (مَا
ضَرَبْتُ عَمْرًا) و (هَلْ رَأَيْتَ خَالِدًا؟) ، وكلّ ما جاء من باب
المفاعَلة، كقولك: (ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) ، فالمنصوب مرفوعٌ في
المعنى؛ لأنّك تقول: (تَضَارَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو) ؛ فإن اختصَّ أحدهما
بمعنى الفاعليّة، كان الآخَرُ منصوبًا بالمفعوليّة، كقولك: (عاقبت
اللِّصَّ) .
وشرط المفعول: أَنْ يكون آخِرًا؛ لأنَّهُ فضلةٌ في الكلام، ومرتبة
الفاعل أنْ تكون3 وسطًا4، فإنْ توسَّط المفعول، أو قُدِّم على الفعل؛
فذلك للاهتمام5 [به] 6.
____________________
1 في متن الملحة 20: حُكْمٌ وَجَبَا.
2 في أ: نحو جرى الماء وجار العامل، وهو تحريف لا يتّفقُ مع التّمثيل
المطلوب.
3 في ب: أنْ يكون.
4 "الفاعل كالجزء من الفعل؛ فلذلك كان حقّه أنْ يتّصل بالفعل، وحقّ
المفعول الانفصال عنه، نحو: (ضربَ زيدٌ عمرًا) ". ابن النّاظم 227.
5 في أ: الإهتمام.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
(1/321)
قال سيبويه - عقيب ذكر المفعول -:
"يقدِّمون في كلامهم ما هم ببيانه أهمّ وأَعْنَى"1 على هذا الحكم
تَقَدَّمُه2 على الفاعل، كقولك: (ركب الفرسَ الأميرُ) اهتمامًا3 بذكره.
وكذلك تَقَدُّمُهُ، كقولك: (عَمْرًا ضَرَبَ زيدٌ) ومرتبة مجيئه بعد
الفاعل الأصيل4.
وَإِنْ تَقُلْ: كَلَّمَ مُوسَى يَعْلَى ... فَقَدِّمِ الْفَاعِلَ
فَهْوَ أَوْلَى5
[48/ب]
قد تقدّم ذكر جواز تقديم6 المفعول على وجه الاهتمام به، والتوسّع7 في
الكلام، بشرط الأمن من اللَّبس؛ فمتى وقع اللّبس لعدَم8 الإعراب9،
كالمقصورين [في قولك: (أَكرم موسى عيسى) ] 10؛
____________________
1 يُنظر: الكتاب 1/34.
2 في ب: تقديمه.
3 في ب: أو اهتمامًا.
4 في ب: الأصل.
5 في شرح الملحة 168: فَهْوَ الأَوْلَى.
6 في أ: تقدّم.
7 في ب: أو التوسّع.
8 في أ: بعدم. والمقصود: عدم الإعراب الظّاهر.
9 قال الرّضيّ - في شرحه على الكافية 1/72 -: ((إذا انتفى الإعراب
اللّفظيّ في الفاعل والمفعول معًا، مع انتفاء القرينة الدّالّة على
تمييز أحدهما عن الآخر، وجب تقديم الفاعل؛ لأنّه إذا انتفت العلامة
الموضوعة للتّمييز بينهما - أي: الإعراب - لمانع، والقرائن اللّفظيّة
والمعنويّة الّتي قد توجَد في بعض المواضع دالّة على تعيين أحدهما من
الآخر كما يجيء فليلزم كلّ واحد مركزه ليعرفا بالمكان الأصليّ)) .
ويُنظر: البسيط 1/280.
10 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
(1/322)
فموسى واجب تقدّمه1 إنْ كان فاعلاً،
وتأخّره إنْ كان مفعولاً.
فإن أُمِنَ اللّبس جَازَ التَّقديم والتّأخير، كقولك: (أكلتْ
الكُمَّثْرى الحبلى) و (أخذت ليلى الحُمَّى) 2 وما أشبه ذلك.
__________
1 في ب: تقديمه.
2 المميّز فيهما القرينة المعنويّة؛ فتقدَّمَ المفعول فيهما. يُنظر:
شرح الرّضيّ 1/72، وشرح الكافية الشّافية 2/589، وابن النّاظم 228.
(1/323)
|