اللمحة في شرح الملحة

 [بَابُ] 1 أَقْسَامِ الأَفْعَالِ فِي التَّعَدِّي:
وَكُلُّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَنْصِبُ ... مَفْعُولَهُ مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ
الأفعال في التّعدّي أَنْواعٌ2:
فيُقال: الفعل منه لازِمٌ وهو: كُلّ ما لا يقتضي معناه تعدِّيًا إلى مفعولٍ؛ كأفعال الألوان، والخِلَق، والمطاوعة، كـ (اسْوَدَّ) و (حَوِلَ) و (تَدَحْرَجَ) و (ظَرُفَ) .
والمتعدِّي على ضربين:
ما يتعدّى بحرف جرٍّ3.
وما يتعدّى بنفسه.
والّذي يتعدَّى بحرف الجرِّ على ضربين4:
أَحَدُهما: لا يجوز إسقاط حرف الجرِّ منه إلاَّ في الشّعر؛ وذلك نحو: (مررت بزيدٍ) ، فلا يجوز إسقاط هذه الباء؛ لأنَّها كالجزء من الاسم
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيه صنيعه في الأبواب السّابقة.
2 الأفعال تنقسم بحسب اللّزوم والتّعدّي سبعة أقسام. يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/475.
3 لو قال الشّارح - رحمه الله -: (ما يتعدّى بغيره) لكان أفضل؛ ليشمل التّعدِّي بحرف الجرّ، وبالهمزة، وبالتّضعيف.
يُنظر: أسرار العربيّة 86، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.
4 أي: ما يتعدّى إلى المفعول مطلَقًا بحرف الجرّ ونحوه، ممّا يصل به الفعل اللاّزم إلى المفعول ضربان.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486.

(1/325)


لاتّصالها بِهِ، وكالجزء من الفعل لكونها [49/أ] معدّية1 له، وموصِّلة2 إلىالاسم؛ فكلّ واحدٍ من هذين - الاسم والفعل - مفتقرٌ إلى هذا الحرف؛ فخُلُوّهُما منه إجحافٌ بهما؛ وقد ورد حذفه في الشّعر، كقول الشّاعر:
تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا ... كَلاَمُكُمُ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ3
الثّاني: الّذي يتعدّى بحرف الجرّ، والمتكّلم مُخيّرٌ في إثباتِهِ وحَذْفِهِ، كـ (شكرتُ) و (أَمَرْتُ) و (نَصَحْتُ) و (وَزَنْتُ) و (كِلْتُ) و (اخْتَرْتُ) 4؛ تقول: شكرتُ زيدًا، وشكرتُ له، ونصحتُه، ونصحتُ له، ووَزَنْتُه،
____________________
1 في أ: متعدّية له.
2 في أ: موصولة، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لجرير.
و (لم تعوجوا) : لم تقيموا، مِن عاج بالمكان: أقام به.
والشّاهد فيه: (تمرّون الدّيار) حيث إنّ الفعل (تمرّون) قد تعدّى إلى المفعول (الدّيار) بحرف الجرّ الّذي حُذِف للضّرورة؛ وأصله: تمرّون بالدّيار.
يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 8/8، 9/103، والمقرّب 1/115، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486، وتخليص الشّواهد 503، وابن عقيل 1/488، والمقاصد النّحويّة 2/560، والهمع 5/20، والخزانة 9/118، والدّيوان 1/278- والرّواية فيه (أَتُمْضُونَ الرُّسُومَ وَلاَ تُحَيَّى) -.
(اخترتُ) من الأفعال الّتي تتعدّى إلى مفعولين؛ أحدهما بنفسها، والآخر بحرف الجرّ، نحو: (اخترت الرّجالَ زيدًا) أي: من الرّجال، ومثل الآية الكريمة الّتي استشهد بها الشّارح.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/500.

(1/326)


ووزنت له؛ قال1 اللهُ تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 2، وقال تعالى3: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} 4 أي: من قومه، وأمرته كذا، وأمرته بِهِ، ومنهُ5 قولُ الشّاعر:
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ6
____________________
1 في ب: وقال.
2 سورة المطفّفين، الآية: 3.
3 في ب: وقال سبحانه.
4 من الآية: 155 من سورة الأعراف.
5 في ب: وقال الشّاعر.
6 في ب: وذا بشره.
وهذا البيتُ من البسيط، ويُنسب إلى عمرو بن معدي كرب، وإلى العبّاس بن مرداس، وإلى زُرعة بن السّائب، وإلى خفاف بن ندبة، وإلى أعشى طرود - واسمه: إياس بن عامر -.
و (النّشب) : المال الثّابت كالضّياع ونَحْوِها، وهو من نشب الشّيء إذا ثبت في موضع ولزمه. و (المال) : الإبل، أو هو عامّ.
والشّاهد فيه: (أمرتك الخير) ، و (أمرت به) فإنّ العبارة الأولى قد تعدّى فيها الفعل الّذي هو (أمر) إلى مفعولين بنفسه؛ وفي العبارة الثّانية قد تعدّى إلى الأوّل منهما بنفسه، وهو النّائب عن الفاعل، وإلى الثّاني بحرف الجرّ.
والّذي في كلام سيبويه والأعلم - رحمهما الله - يدلّ على أنّهما يعتبران الأصل في هذا الفعل أنّه يتعدّى إلى ثاني مفعوليه بحرف الجرّ؛ ثمّ قد يحذف حرف الجرّ فيصل الفعل إلى المفعول الثّاني بنفسه؛ ويدلّ ذلك على أنّ النّصب عندهما على نزع الخافض، وأنّه يقتصر فيهما على المسموع.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/37، والمقتضب 2/36، 86، 321، والمؤتلف والمختلف 17، والمحتسب 1/51، 272، وتحصيل عين الذّهب 72، 73، وأمالي ابن الشّجريّ 2/133، 558، وشرح المفصّل 8/50، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/501، وشرح شذور الذّهب 346، والهمع 5/18، والخزانة 1/339، وديوان عمرو بن معدي كرب 63، وديوان خفاف بن ندبة 126، وديوان العبّاس بن مرداس 46، والصّبح المنير 284.

(1/327)


وقوله: (مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ) يشير إلى الرّابع؛ وهو1 أقوى ممّا تقدّمه2 وهو (يشرب) 3 فإنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولٍ واحدٍ؛ تقول: (شَرِبْتُ ماءً) ؛ وإلى الخامس وهو (سَقَى) ؛ لأنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين ثانيهما غير الأوّل4، تقول: (سقيتُ زيدًا ماءً) ، وهذا يجوزُ فيه ذكر المفعولين، كقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوثَرَ} 5، والاقتصار على أَحدِهما، [49/ب]
____________________
1 في أ: وهذا.
2 في ب: أقوى ممّا تقدم.
3 في أ: شرب.
4 وهو ضربان:
أحدهما: ما يتعدّى بنفسه مطلَقًا، نحو: (كسوت زيدًا حُلَّةً) .
والثّاني: ما كان متعدّيًا إلى مفعول، فَعُدِّي بالنّقل إلى آخَرَ، نحو: (أعطيتُ زيدًا درهمًا) ؛ لأنّ أصله (عطوت الدرهم) أي: تناولته، ثمّ يُعدّى إلى الآخر بالهمزة.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/502.
5 سورة الكوثر، الآية: 1.

(1/328)


كقولك: (أعطيتُ زيدًا) ، ولا تذكر ما أَعطيت، [و] 1 كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2؛ و (أعطيت درهمًا) ولا تذكر مَنْ أَعطيت؛ ولك أن تقول: (أعطيت) بحذفهما، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} 3؛ وهذا القسم أقوى من القسم الرّابع.
والسّادس: هي4 أفعال القلوب - ويأتي ذكرها -، وهو أقوى من الخامس.
والسّابع: لم يذكره الشّيخ5؛ وهو أقواها بتعديته إلى ثلاثة مفعولين6؛ وذلك إمّا بحرف جرٍّ، وإمّا بتضعيف عين الفعل، وإمّا بهمزة النّقل؛
____________________
1 العاطف ساقطٌ من أ.
2 سورة الضّحى، الآية: 5.
3 سورة اللّيل، الآية: 5.
4 في أ: من أفعال القلوب.
5 يريد: الشّيخ أبا القاسم الحريريّ صاحب الملحة.
6 قوله: (ثلاثة مفعولين) قال ابن أبي الرّبيع في البسيط 1/449: "رأيتُ بعض المتأخِّرين أَبْطَل هذا اللّفظ، وقال: إنّ العدد لا يُضاف إلى الصّفة، وإنّما يُضاف العدد إلى الأسماء، وإضافة العدد إلى الصّفات شيءٌ لا يُقاس عليه؛ لأنّه جاء على غير قياس، والمفعول صفة فقوله: (ثلاثة مفعولين) خَطَأ، إنما كان ينبغي أن يقال: ثلاثة أسماء مفعولين.
وهذا الّذي أنكره قد ورد في كلام سيبويه - رحمه الله - 1/41: "هذا بابُ الفاعل الّذي يتعدَّاه فعله إلى ثلاثة مفعولين)) ، والّذي ينبغي أنْ يقال: إنّ المفعول قد جرى مجرى الأسماء؛ فإذا كان كذلك فتصحّ إضافة أسماء الأعداد إليه، كما يُضاف إلى الأسماء؛ ألا ترى أنّك تقول: (ثلاثة أصحابٍ) ، وإنْ كان صاحب صفة في الأصل، لكنّه اسْتُعمِلَ استعمال الأسماء، فجرى مجراها في كلّ شيء".

(1/329)


وأنشد الفرّاءُ:
تَعْدِيَةُ اللاَّزِمِ يَا حَمْزَهْ ... بِالْحَرْفِ وَالتَّضْعِيْفِ وَالهَمْزَهْ1
والأفعال2 هي: (أَعْلَمَ) و (أَرَى) و (أَنْبَأَ) و (نَبَّأَ) و (خَبَّرَ) و (أَخْبَرَ) و (حَدَّثَ) ؛
كقولك3: (أَعْلَمَ اللهُ النَّاسَ مُحَمَّدًا صَادِقًا) و (نَبَّأْتُ عَمْرًا زَيْدًا كَرِيمًا) و (أَخْبَرْتُ عَنْ عَمْرٍو زَيْدًا خَبَرًا) والتّقدير: أَعْلمَ اللهُ النّاسَ أنَّ محمدًا صَادِقٌ.
وذوات التّعديَةِ4 أَتمّها الحرف5؛ لأنّه يتعدّى به جميع الأفعال
____________________
1 هذا بيتٌ من السّريع، ولم أقف على قائله، ولم أجد مَنْ ذكره.
2 الأفعال المتعدّية إلى ثلاثة؛ سبعة: أربعة معها همزة النّقل، وثلاثة جاءت بتضعيف العين.
يُنظر: كشف المُشْكِل 1/406، والبسيط 1/449، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/519.
3 في أ: كقولهم.
4 ذوات التّعدية تنقل الفعل اللاّزم من اللّزوم إلى التّعدّي، وكذلك إذا دخلت على الفعل المتعدّي فإنما تزيده مفعولاً، وإنْ كان يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، صار يتعدّى إلى مفعولين، كقولك في: (ضرب زيد عمرًا) أضربتُ زيدًا عمرًا، وما أشبه ذلك، وإنْ كان متعدّيًا إلى مفعولين صار متعدّيًا إلى ثلاثة مفعولين.
يُنظر: أسرار العربيّة 86، 87، وكشف المُشْكِل 1/386، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.
5 في أ: الحروف.

(1/330)


الثّلاثيّة وما زاد عليها.
وأمَّا الهمزةُ [50/أ] فلا يتعدّى بها إلاَّ الثّلاثيّ؛ وكذلك التّضعيف، تقول من ذلك: (فَرّحتُ زيدًا) و (أخرجته من السّجن) و (ذهبتُ به) 1 و (ما اختفيتُ منه) 2.
__________
1 هذا مثالٌ للتّعدية بالحرف، وكذلك ما بعده.
2 في ب: وما اخفيت منه.

(1/331)


بَابُ أَفْعَالِ القُلُوبِ:
لَكِنَّ فِعْلَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ ... يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ فِي التَّلْقِينِ
تَقُولُ: قَدْ خِلْتُ الْهِلاَلَ لاَئِحَا ... وَقَدْ وَجَدْتُ المُسْتَشَارَ نَاصِحَا
وَمَا أَظُنُّ عَامِرًا رَفِيقَا ... وَلاَ أَرَى لِي خَالِدًا صَدِيقَا
وَهَكَذَا تَفْعَلُ1 فِي عَلِمْتُ ... وَفِي حَسِبْتُ ثُمَّ فِي زَعَمْتُ
هذه أفعال القلوب2؛ وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتَنْصِبُهُمَا جميعًا؛ وهي: (ظَنَنْتُ) و (رَأَيْتُ) و (وَجَدْتُ) و (عَلِمْتُ) و (حَسِبْتُ) و (خِلْتُ) و (زَعَمْتُ) .
فـ (خال) 3 لا بمعنى تكبَّر، كقولك: (خِلْتُ زيْدًا صديقًا) .
____________________
1 في ب: تصنع.
2 أفعال القلوب تنقسم إلى أربعة أقسام:
أحدها: ما يُفيد في الخبر يقينًا؛ وهو أربعة: وَجَد، وألْفَى، وتَعَلَّمْ - بمعنى أعلم - ودرى.
والثّاني: ما يُفيد في الخبر رجحانًا؛ وهو خمسة: جَعَلَ، وحَجَا، وَعَدَّ، وهَبْ، وزَعَمَ.
والثّالث: ما يرد بالوجهين، والغالب كونه لليقين؛ وهو اثنان: رأى، وعلم.
والرّابع: ما يرد بهما، والغالب كونه للرّجحان؛ وهو ثلاثة: ظنَّ، وحَسِبَ، وخَال. يُنظر: أوضح المسالك 1/294، 297، 304، وشرح التّسهيل2/77، وابن النّاظم 195، والتّصريح 1/247، والأشمونيّ 2/24.
(خال) إنْ كانت بمعنى تكبّر، أو ظَلَعَ في قولهم: خال الفرس؛ أي: ظلع، فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197، والأشمونيّ 2/20.

(1/333)


و (ظنّ) لا بمعنى اتّهم1، نحو (ظننت عمرًا صادقًا) .
و (حَسِبَ) 2 لا من صار أَحْسَبَ، أي: ذا شُقْرةٍ، أو حُمْرَةٍ وبياضٍ كالبَرص3، بل كقول الشّاعر:
وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... عَشِيَّةَ لاَقَيْنَا جُذَامَ وَحِمْيَرَا4
[50/ب]
____________________
1 إنْ أُريد بظنّ معنى اتّهم تعدَّت إلى واحد، نحو قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التّكوير: 24] .
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197.
2 في كلتا النسختين: حَسِبْتُ، والتصويب من ابن الناظم 197.
(حسبت) إنْ كانت بهذا المعنى الّذي ذكره الشّارح فهي لازِمة، يقال: حَسِبَ الرجل إذا احمرّ لونه، وابيضّ كالبرص، وكذا إذا كان ذا شقرة.
يُنظر: شرح التّسهيل2/81، وابن النّاظم 197، والمساعد 2/360، والأشمونيّ 2/21.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لزُفَرِ بن الحارث الكلابيّ.
و (كنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة) أي: كنّا نطمع في أمرٍ فوجدناه على خلاف ما كنّا نظنّ.
والمعنى: إنّا كنّا نظنّ أنّ النّاس سواء في الخوَر والجبن، وأنّهم متى لقوا من لا قِبَل لهم بحربه مثل قومنا فرُّوا عنهم؛ ولكنّ هذا الظّنّ لم يلبث أنْ زال حين لقينا هاتين القبيلتين؛ فلقينا بلقائهم البأس والشّدّة.
والشَّاهد فيه: (حسبنا كلّ بيضاء شحمة) حيث استعمل (حسب) بمعنى الرّجحان، فنصب به مفعولين؛ أوّلهما قوله: (كلّ بيضاء) ، وثانيهما قوله: (شحمة) .
يُنظر هذا البيت في: شرح ديوان الحماسة للتّبريزيّ 1/41، وابن النّاظم 197، وأوضح المسالك 1/305، وتخليص الشّواهد 435، والمغني 833، والمقاصد النّحويّة 2/382، والتّصريح 1/249.

(1/334)


و (زعم) لا بمعنى كَفَل أو سَمِنَ أو هَزُل1، كقولك: (زَعَمْتُ بَكْرًا مقيمًا) .
و (عَلِمْتُ) لا لإدراك المفرد وهو العِرفَان2، نحو: (علمت خالدًا مُحْسِنًا) . و (وَجَدْتُ) لا من وجدَان الضَّالّة3، كقولك: (وجدت محمَّدًا عالمًا) . و (رأيت) لا من قولهم: (رأيته) إذا رماه فأصاب رئته4،
____________________
(زعم) إنْ كانت بمعنى كفل، أو بمعنى رأس؛ تعدّت لواحد، تارةً بنفسها، وتارةً بالحرف؛ وإنْ كانت بمعنى سَمِنَ، أو هَزُلَ فهي لازمة، يقال: زعمت الشاة، بمعنى سمنت، وبمعنى: هزلت.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 198 والمساعِد 2/356، والأشموني2/22.
2 نحو قوله تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النّحل: 78] أي: لا تعرفون، ويتعدّى حينئذ إلى واحد.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/356، والأشمونيّ 2/33.
(وجد) إنْ كانت بمعنى أصاب؛ تعدّت إلى واحد، ومصدرها الوجدان، نحو: (وجد فلانٌ ضالّته) ؛ وإنْ كانت بمعنى (استغنى) ، أو (حزن) ، أو (حقد) ؛ فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/357، والأشمونيّ 1/21.
(رأى) إنْ كانت بصريّة، أو من الرّأي، أو بمعنى أصاب رئته؛ تعدّت إلى واحد.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، والمساعِد 2/361، والأشمونيّ 2/19.

(1/335)


كـ (رأيت الأميرَ عادلاً) . وقيل: (عَدّ) و (أَلْفَى) يجريان مجرى هذه الأفعال؛ فـ (عَدَّ) لا بمعنى (حَسَبَ) 1، كقول الشّاعر:
لاَ أَعُدُّ الإِقْتَارَ2 عُدْمًا وَلَكِنْ ... فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإِعْدَامُ3
و (ألفى) بمعنى وَجَدَ4.
ومنه (حَجَا) لا بمعنى (غَلَب) في المحاجَاة، أو قَصَدَ5، كقوله:
____________________
(عدّ) إنْ كانت بمعنى (حَسَبَ) تعدّت لواحد.
يُنظر: المساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.
2 في أ: الافتقار.
3 هذا بيتٌ من الخفيف، وهو لأبي دُؤاد الإياديّ.
و (أعدّ) : أظن. و (الإقتار) : قِلّة المال وضيق العيش. و (العدم) والإعدام: الفقر.
والشّاهد فيه: (لا أعدُّ الإقتارَ عُدْمًا) حيث استعمل (عدّ) استعمال (ظنّ) فنصب بها مفعولين؛ هما (الإقتار) و (عدمًا) .
يُنظر هذا البيت في: الأصمعيّات 187، وشرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 198، وتخليص الشّواهد 431، والمقاصد النّحويّة 2/391، والهمع 2/211، والخزانة 8/125، 9/590، والدّرر 2/238، والدّيوان 338.
4 يقصد الشّارح (ألفى) الّتي ترادِف (وجد) المتعدّية إلى اثنين؛ أمّا الّتي بمعنى (أصاب) فإنّها تتعدّى لواحد، نحو قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} [يوسف: 25] .
يُنظر: شرح التّسهيل 2/79، والمساعِد 1/358.
5 فإنْ كانت بمعنى غلب في المحاجات، أو قصد، أو ردّ؛ تعدّت إلى واحدٍ.
وإنْ كانت بمعنى أقام، أو بخل؛ فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/77، والمساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.

(1/336)


وَكُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرٍو أَخَا ثِقَةٍ ... حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ1
ومنه (هَبْ) ، كقول الشّاعر:
فَقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ ... وَإِلاَّ فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكًا2
____________________
1 هذا بيتٌ من البسيط، ويُنسب إلى تميم بن أبي مقبل، وإلى أبي شنبل الأعرابيّ.
و (أحجو) : أظنّ. و (ألمّت) : نزلت. و (الملمّات) : جمع ملمّة؛ وهي: النّازلة من نوازِل الدّهر.
والشّاهد فيه: (أحجو أبا عمرو أخا) حيث ورد الفعل (حجا) بمعنى (ظنّ) فنصب مفعولين؛ هما (أبا عمرو) و (أخا ثقة) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك1/298، وتخليص الشّواهد 440، وابن عقيل 1/388، والمساعد 1/355، والمقاصد النّحويّة 2/376، والتّصريح 1/248، والهمع 2/210، والأشمونيّ 2/23.
2 هذا بيتٌ من المتقارِب، وهو لعبد الله بن همّام السّلوليّ.
و (أجرني) : اتّخذني جارًا لك، ثم أُريد لازم المعنى؛ وهو الحماية والدّفاع.
و (هبني) أي: اعددني واحسبني.
والشّاهد فيه: (فهبني امرأً) فإن (هَبْ) فيه بمعنى الظّنّ، وقد نصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلِّم، وثانيهما قوله: (امرأ) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك 1/300، وتخليص الشّواهد 442، وابن عقيل 1/389، والمساعد 1/357، والمقاصد النّحويّة 2/378، والتّصريح 1/248، والهمع 2/213، والخزانة 9/36، والدّيوان 85.

(1/337)


ومنه (جَعَل) ، كقولك: (جَعَل زَيْدٌ عَمْرًا صَدِيقًا) .
فهذه الأفعال معانيها قائمة بالقلب1؛ وكُلُّ ما جاز أنْ يكون خبرًا لمبتدأ يجوز أنْ يكون المفعول الثّاني لهذه الأفعال. [51/أ]
وتختصّ هذه الأفعالُ - سِوَى (هَبْ) و (تَعَلَّم) - بالإلغاء والتّعليق2.
فالإلغاءُ3 هو: ترك إعمال4 الفعل؛ لضعفه بالتّأخير، أو التّوسّط بين المفعولين، كقولك مع التّأخير: (زَيْدٌ عَالِمٌ ظننت) ، ومع التّوسّط: (زَيْدٌ ظننت عَالِمٌ) .
فالمثال الأوّل: يجوز فيهما5 الرّفع والنّصب6، والرّفعُ7 أجود؛ لتأخير الفعل عنهما، فعودُهما إلى الابتداء8 أَوْلى.
____________________
1 ولذلك سمّيت (أفعال القلوب) .
2 إنّما لم يدخل التّعليق والإلغاء (هب) و (تعلم) وإنْ كانا قلبيّين؛ لضعف شبههما بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر.
يُنظر: أوضح المسالك 1/318، والتّصريح 1/256، والأشمونيّ 2/27.
3 وقيل في تعريفه: إبطال العمل لفظًا ومحلاًّ؛ لضعف العامل بتوسُّطِهِ أو تأخّره.
يُنظر: أوضح المسالك 1/313، وابن عقيل 1/395.
4 في أ: الإعمال.
5 في ب: فيه.
6 الرّفع على الإلغاء، والنّصب على الإعمال.
7 في أ: والنّصب.
8 في ب: المبتدأ.

(1/338)


والمثال الثّاني: يجوز فيهما الرَّفعُ والنّصب، والنّصب أجود1؛ لعمل الفعل في بعض الجملة2.
والتّعليق3 هو: ترك [إعمال] 4 الفعل؛ لفصل ماله صدر الكلام بينه وبين معمولِه، كقولك: (علمت لزيدٌ ذاهبٌ) و (علمتُ أزيدٌ أخوك أم عمرٌو؟) ، فقد تعلَّق (عمله) 5 بلام الابتداء وهمزة الاستفهام، أو بـ (ما) النّافية، كقولك: (علمت [ما] 6 زيدٌ ذاهبٌ) ، أو بالقسم، كقولك: (علمت واللهِ الْعِلْمُ نَافِعٌ) .
__________
1 وقيل: الإعمال والإلغاء سِيَّان.
يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/396، والأشمونيّ 2/28.
2 بقي صورة؛ وهي: إذا تقدّم الفعل، نحو: (ظننت زيدًا قائمًا) ، فعند البصريّين يمتنع الإلغاء، فلا تقول: (ظننت زيدٌ قائم) بل يجب الإعمال.
فإنْ جاء من لسان العرب ما يوهم إلغائها مُتقدّمةً أوّلَ على إضمار ضمير الشّأن؛ ليكون هو المفعول الأوّل؛ والجزءان جملة في موضع المفعول الثّاني، أو على تقدير لام الابتداء.
وذهب الكوفيّون إلى جواز إلغاء التّقدّم، فلا يحتاجون إلى تأويل. تُنظر هذه المسألة في: أوضح المسالك 1/320، وابن عقيل 1/396، والتّصريح 1/258، والأشمونيّ 2/28.
3 وقيل في تعريفه هو: إبطال العمل لفظًا لا محلاًّ؛ لمجيء ماله صدر الكلام بعده، وهو لام الابتداء، ولام القسم، وما النّافية، والاستفهام.
يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/394.
(إعمال) ساقطةٌ من ب.
5 في ب: علمت.
(ما) ساقطة من أ.

(1/339)


بَابُ اسْمِ الفَاعِلِ:
وَإِنْ ذَكَرْتَ فَاعِلاً مُنَوَّنَا ... فَهْوَ كَمَا لَوْ كَانَِ فِعْلاً بَيِّنَا
فَارْفَعْ بِهِ فِي لاَزِمِ الأَفْعَالِ ... وَانْصِبْ إِذَا عُدِّي بِكُلِّ حَالِ
تَقُولُ: زَيْدٌ مُشْتَرٍ1 أَبُوهُ ... بِالرَّفْعِ مِثْلُ: يَشْتَرِي2 أَخُوهُ
وَقُلْ: سَعِيدٌ مُكْرِمٌ عُثْمَانَا ... بِالنَّصْبِ مِثْلُ: يُكْرِمُ الضِّيفَانَا
[51/ب]
يُشير إلى اسم الفاعل؛ وهو: ما يشتقّ3 من فعل الفاعل؛ فإنْ كان اشتقاقه من لازمٍ كان ما بعده مرفوعًا، كقولك: (زيدٌ شريفٌ4 أبوه) ؛ وإنْ كان من متعدٍّ عَمِلَ عَمَل الفعل المضارع؛ لشبهه به في عِدَّة5الحروف، وهيئة الحركة والسّكون، فـ (ضارب) يُضَاهي (يَضْرِبْ) في كون كلٍّ منهما رُباعيّ الحروف، ثانيهما ساكن، وما عداه متحرّك؛ فلمَّا اشتبها6من هذا الوجه أُعْرِبَ الفعل المضارع من بين الأفعال، وعمل هذا الاسم عمله في الحال والاستقبال؛ وهو لا يعمل
____________________
1 في أ: مُجْتَرٍ.
2 في أ: يَجْتَرِي.
3 في ب: اشتقّ.
4 إذا كان الفعل على وزن (فَعُلَ) كثُر مجيء اسم الفاعل منه على وزن (فعيل) ، نحو: (شَرُفَ) فهو (شريف) . يظر: ابن عقيل 2/127.
5 في ب: عدد.
6 في أ: اشتبه.

(1/341)


إلاَّ إذا كان معتمدًا على ما قبله من مبتدأ1، كقولك: (هذا ضارب زيدًا) .
أو يكون على2 موصوف، كقولك: (مَرَرت3 برجلٍ ضاربٍ زَيْدًا) ؛ [أو] 4 [على صاحب الحال، كقولك: (هذا عمرٌ ضاربًا زيدًا) ؛ أو5 على همزة الاستفهام، كقولك: (أضاربٌ صاحبك زيدًا؟) 6؛ أو على7 (ما) النّافية، كقولك: (ما ضاربٌ زيدٌ عمرًا] .
ولا يعمل إذا كان بمعنى8 الماضي عَمَل الفعل، بل يجرّ ما بعده، فتقول: (هذا ضاربُ زيدٍ أَمْسِ) ؛ خلافًا للكسائيّ9، والآية الكريمة
____________________
1 هذه شروط إعمال اسم الفاعل إذا لم يكن صلة لـ (أل) ؛ وبقي شرطان آخران؛ وهما: ألاّ يكون مصغّرًا، وألاّ يكون موصوفًا؛ وخالف الكسائيّ فيهما جميعًا.
وإذا وقع اسم الفاعل صلة لـ (أل) عمل مطلقًا، سواء كان ماضيًا، أو مستقبَلاً، أو حالاً؛ لوقوعه حينئذ موقع الفعل؛ إذْ حَقُّ الصّلة أنْ تكون جملة؛ فتقول: (هذا الضّارب زَيْدًا الآنَ، أو غدًا، أو أمس) .
يُنظر: ابن النّاظم 1/423، 426، 430، وأوضح المسالك 2/248، وابن عقيل 1/100- 104، والتّصريح 2/65، 66، والأشمونيّ 2/293، 294.
2 في ب: أو يكون موصوفًا.
3 في ب: مرّتْ
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
5 في ب: وعلى.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 في أ: وعلى.
8 في أ: إلاّ إذا كان لما مضى.
9 يُنظر رأي الكسائيّ في: شرح عمدة الحافظ 2/673، وأوضح المسالك 2/248، والتّصريح 2/66، والهمع 5/81، والأشمونيّ 2/293.

(1/342)


الّتي احتجّ بها من قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1 فحكاية حَالٍ ماضية2بمنزلة قوله تعالى: {هَذَا مِنْ شِيْعَتَهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 3، وليس بحاضرٍ بل هو علىالحكاية4. [52/أ]
وإنْ جرى على غير من هو له برز الضّمير، كقولك: (زيد هند ضاربها هو) 5، فإنْ نصبت هندًا، [فقلت: (زَيْدٌ هِنْدًا] 6ضاربها) جاز7 ولم تحتج إلى إبراز الضّمير.
ولا يتعرَّف بما يضاف إليه من المعارف إذا كان للحال والاستقبال؛
____________________
1 من الآية: 18 من سورة الكهف.
2 لا حجّة له؛ لأنّ المعنى يبسط ذراعيه؛ فيصحّ وقوع المضارِع موقعه بدليل أنّ الواو في {وَكَلْبُهُمْ} واو الحال؛ إذْ يحسُن أنْ يقال: (جاء زيد وأبوه يضحك) ، ولا يحسُن (وأبوه ضحك) ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى: {وَنُقَلِّبُهُمْ} بالمضارع الدّالّ على الحال، ولم يقل: (وقلبناهم) بالماضي.
يُنظر: شرح المفصّل 6/77، وأوضح المسالك 2/248، وابن عقيل 2/101، والتّصريح 2/66.
3 من الآية: 15 من سورة الْقَصَص.
4 "الإشارة (بهذا) إنّما يقع إلى حاضر، ولم يكن ذلك حاضرًا وقت الخبر عنه". شرح المفصّل 6/77.
5 "فـ (زيد) مبتدأ، و (هند) مبتدأ ثان، و (ضاربها) خبر هند، والفعل لزيد؛ فقد جرى على غير من هو له، فلذلك برز ضميره، وخلا اسم الفاعل من الضّمير". شرح المفصّل 6/80، ويُنظر: التّبصرة 1/220.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 في ب: جا (بدون زاي) .

(1/343)


لأنّه يعمل عمل الفعل، والفعل نكرة؛ فكذلك ما وَقَعَ موقعه، وكذلك1 وَقَعَ صِفَةً للنّكرة2، وحالاً للمعرفة3، كقولك4: (مررتُ برجلٍ ضاربٍ عمرٍو غَدًا) ؛ ولا يجوز ذلك وأنت تريد الماضي؛ لأنّه لا يتعرّف بما أُضيف إليه، والمعارِف لا تكون أحوالاً ولا صفات النّكرات.
ومن شواهد إعماله [قوله] 5:
إِنِّي بِحَبْلِكِ وَاصِلٌ حَبْلِي ... وَبِرِيْشِ نَبْلِكِ رَائِشٌ نَبْلِي6
____________________
1 في ب: ولذلك.
2 في ب: النّكرة.
3 نحو: (جاء زيدٌ طالبًا أَدَبًا) .
4 في ب: كقولهم.
(قوله) ساقط من ب.
6 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لامرئ القيس، ويروى للنَّمِر بن تَوْلَب.
و (راش السّهم) يريشه: ركّب فيه الرّيش. و (النّبل) : السّهام، لا واحد له من لفظه.
والمعنى: يخاطِب محبوبته فيقول لها: أمري من أمرك ما لم تتشبّثي بغيري وتميلي بهواك إليه؛ وضَرَب وصل الحبل مثلاً للمودّة والتّواصُل، وريش النّبل مثلاً للمخالَطة والتّداخُلِ.
والشّاهد فيه: (واصلٌ حبلي) و (رائشٌ نبلي) حيث عمل اسم الفاعل - وهو (واصل) ، و (رائش) - النّصب في المفعول به.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/164، وشرح أبيات سيبويه للنّحَّاس 131، والجُمل 86، وتحصيل عين الذّهب 135، ورصف المباني 509، واللّسان (حبل) 11/135، والدّيوان 239، وملحق ديوان النَّمِر بن تَوْلَب 135.

(1/344)


وكقول الآخر:
وَكَمْ مَالِىءٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيْءِ غَيْرهِ ... إِذَا رَاحَ1 نَحْوَ الْجَمْرَةِ الْبِيضُ كَالدُّمَى2
ومنه مجموع، كقوله:
مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ ... حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ3
[52/ب]
____________________
1 في ب: لاح.
2 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة.
و (الجمرة) : مجتمع الحصى بمنى. و (البيض) النِّساء. و (الدُّمى) : صور الرُّخام؛ شبّه بها النّساء؛ لأنّ الصّانع لها لا يبقي غاية في تحسينها، وتلطيف شكلها، وتخطيطها؛ ويُراد مع ذلك السّكينة والوَقار.
والمعنى: كثيرٌ من النّاس يتطلّعون إلى النّساء الجميلات المشبهات للدّمى في بياضهنّ وحسنهنّ وقت ذهابهنّ إلى الجمرات بمنى، ولكنّ النّاظر إليهنّ لا يستفيد شيئًا. والشّاهد فيه: (مالِىءٍ عينيه) حيث عمل اسم الفاعل ـ وهو (مالىءٍ) ـ النّصب في المفعول به؛ بسبب الاعتماد على موصوف محذوف تقديره: شخص مالىءٍ.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/165، وشرح أبيات سيبويه للنّحّاس 132، والجمل 87، وتحصيل عين الذّهب 135، وابن النّاظم 425، وابن عقيل 2/102، والمقاصد النّحويّة 3/531، والدّيوان 459.
3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لأبي كبير الهذليّ، من قصيدة يمدح بها تأبّط شرًّا، وكان زوج أمّه.
(ممّن حملن به) أي: هو ممّن حملت به النّساء. و (حُبُكَ النّطاق) : أطرافه، جمع: حِباك. و (المهبّل) من أهبله اللّحم وهبّله: إذا كَثُرَ عليه ورَكَب بعضه بعضًا؛ ويقال هو: المعتوه الّذي لا يتماسك. =

(1/345)


..................................................................
__________
= والمعنى: إنّ هذا الفتى من الفتيان الّذين حملت أمّهاتهم بهم وهُنّ غضاب غير متهيّأت لأزواجهنّ فشبّ محمودًا؛ وهذا من مزاعِم العرب الباطلة.
والشّاهد فيه: (عواقد حبك النّطاق) حيث نصب (عواقدُ) ، (حبكَ النّطاق) ؛ وفيه دليلٌ على إعمال اسم الفاعل مجموعًا جمع تكسير.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/109، وديوان الهذليّين 2/92، وشرح أشعار الهذليّين 3/1072، وتحصيل عين الذّهب 110، والإنصاف 2/489، وشرح المفصّل 6/74، وابن النّاظم 430، والمقاصد النّحويّة 3/558، والأشمونيّ 2/299، والخزانة 8/192، 193.

(1/346)