المنصف لابن جني

ج / 1 ص -7- باب الأسماء والأفعال:
كم يكون عدد1 حروفه في الأصل, وما يزاد فيهما عن الأصل؟
قال أبو الفتح2: أول ما في هذا أن يسأل فيقال: لِمَ لَمْ يذكر الحروف في هذا الموضع مع الأسماء والأفعال؟ وما السبب في ذلك؟ والجواب3: أنه إنما قصد أن يمثل الأسماء والأفعال؛ ليُرِي أصلها من زائدها؛ لأنها مما يصرف ويشتق بعضها من بعض، والحروف لا يصح فيها التصريف ولا الاشتقاق؛ لأنها مجهولة الأصول، وإنما هي كالأصوات نحو صَهْ ومَهْ ونحوهما، فالحروف لا تمثل بالفعل؛ لأنها لا يعرف لها اشتقاق، فلو قال لك قائل: ما مثال: هل أوقد أو حتى أو هلا ونحو4 ذلك من الفعل لكانت مسألته محالا، وكنت تقول له: إن هذا ونحوه لا يمثل؛ لأنه ليس بمشتق، إلا أن تنقلها إلى التسمية بها, فحينئذ يجوز وزنها بالفعل، فأما وهي على ما هي عليه من الحرفية فلا تصرف.
الألفات في أواخر حروف المعاني أصول:
ولهذا المعنى ما كانت الألفات في أواخر الحروف أصولا غير زوائد، ولا منقلبة من واو ولا ياء وذلك نحو: "ما " و"لا"5 وما أشبههما5, لا تقل: إن الألف فيهما منقلبة كألف عصا ورحى وغزا ورمى؛ لأنها لو كان أصلها واوا أو ياء لظهرتا لسكونهما, كما ظهرتا في نحو "كي وأي ولو وأو".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ وش: عددهما.
2 زادت ص قبل: قال أبو الفتح, ما يأتي: قلت: وفي نسخة أخرى.
3 ظ، وش: فالجواب.
4 ظ، وش: أو نحو.
5، 5 ظ، وش: ونحوهما.

 

ج / 1 ص -8- فلو1 كان أصل ألف " " من الواو لقلت: "مَوْ" كما قلت: "لو" وكذلك لو كانت من الياء2 لوجب أن تقول2: "مَيْ" كما قلت: "كي"3 ولم تقلب ياء "كي" وواو "أو" ألفا3؛ لأنها إنما تقلب إذا كانت متحركة وما قبلها مفتوح، وهي في الحروف ساكنة كلام "هل وبل"4, ودال "قد"؛ فلهذا بطل أن تكون منقلبة، ولو قال قائل: إن الألفات في أواخر الحروف زوائد لكان مبطلا؛ لأنه إنما تعرف الزيادة من غيرها بالاشتقاق، والحروف لا تشتق, فلا يعرف ذلك فيها؛ فلذلك لم يذكر الحروف في هذا الموضع5.
ما في حكم الحروف من الأسماء المبنية:
وقول أبي عثمان: الأسماء: يعني الأسماء المتمكنة، والتي يمكن تصريفها واشتقاقها نحو "رجل وفرس"، ولا يريد الأسماء المبنية الموغلة في شبه الحروف6؛ لأن تلك الأسماء في حكم الحروف، ألا ترى أن "كم ومن وإذ " سواكن الأواخر "كهل وبل وقد". وإنما كان ذلك فيها لمضارعتها الحروف، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الألف في "متى وإذا وأنى وإياك" ونحوها غير منقلبة من ياء ولا واو، كما أن الألف "في حتى وكلا" كذلك.
وكما كانت "مَنْ وكم كهل وبل"، فهذه الأسماء المبنية التي7 في حكم الحروف لا تشتق ولا تمثل من الفعل, كما أن الحروف كذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، وش: ولو.
2، 2 في ظ، وش: لقلت، وفي هامش ظ من نسخة: لوجب أن يكون.
3، 3 زيادة من ظ، وش.
4 بل: زيادة من ظ وش.
5 زادت ظ، وش: قال أبو الفتح.
6 ظ، وش: الحرف.
7 التي: ساقط من ظ، وش.

 

ج / 1 ص -9- ما جاء مشتقا من الأسماء المبنية:
وقد جاء بعض هذه المبنية مشتقا نحو "لبيك"؛ لأنهم يقولون: أَلَبَّ بالمكان، ونحو "قط"؛ لأنها من قططت أي: قطعت؛ لأن قولك: ما فعلته قط معناه: فيما انقطع ومضى من عمرك. وكذلك "ذا وذي والذي" ونحو ذلك مما يدخله التحقير، أو يستعمل استعمال المتصرف، وليس ذلك بالكثير، وكلما كان الاسم في شبه الحروف1 أقعد، كان من الاشتقاق والتصريف أبعد.
الألف في "أنا" في الوقف، والهاء التي تلحق في الوقف لبيان الحركة:
فأما الألف في "أنا" في الوقف فزائدة, وليست بأصل، ولم نقض بذلك فيها من قِبَل الاشتقاق، هذا محال في الأسماء المضمرة؛ لأنها مبنية كالحروف، ولكن قضينا بزيادتها من حيث كان الوصل يزيلها ويذهبها, كما يُذهِب الهاء التي تلحق لبيان الحركة في الوقف، ألا ترى أنك تقول في الوصل: أنا2 زيد، كما قال الله تعالى:
{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}3 يكتب في الوقف4 بألف بعد النون، وليست الألف في اللفظ، وإنما كتبت على الوقف، فصار سقوط الألف في الوصل كسقوط الهاء التي تلحق في الوقف لبيان الحركة في الوصل, ألا ترى أنك تقول: "ارمِهْ" إذا وقفت وأنت تريد "ارْمِ", فإذا وصلت قلت: "ارمِ يا رجل"، فالألف في "أنا" كالهاء في "ارمِهْ" زائدة مثلها، وبُيِّنت الفتحة بالألف كما بُيِّنت الكسرة5 بالهاء؛ لأن الهاء مجاورة للألف، ومثل ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ وش: الحرف.
2 رسمت أن بدون ألف في ص.
3 سورة طه 20 من الآية 12.
4 في الوقف: زيادة من ط، ش.
5 الكسرة: ساقطة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -10-          ما حكاه سيبويه أن من العرب من يقول في الوقف: "قالا" وهو يريد "قال", فيبين الحركة بالألف، وقد قالوا1 في الوقف: "أَنَهْ" فبينوا الفتحة بالهاء كما بينوها بالألف، وكلتاهما ساقطة في الوصل.
"إجراء العرب كثيرا من ألفاظها في الوصل مجراها في الوقف":
فأما قول الشاعر:

أنا سيف العشيرة فاعرفوني                        حميدا قد تذريت السناما

فإنه أجراه في الوصل على حد ما كان عليه في الوقف، وعلى هذا قول أبي النجم:

أنا أبو النجم وشعري شعري

أي: وشعري الذي سمعت به، وقد أجرت العرب كثيرا من ألفاظها في الوصل على حد ما تكون عليه في الوقف، وأكثر ما يجيء ذلك في ضرورة الشعر، حكى سيبويه عن العرب "ثلاثهَ رْبَعه" بفتح الهاء من ثلاثة وحذف الهمزة من أربعة وإلقاء حركتها على الهاء، وكان قياسه إذا حركها أن يردها تاء، إلا أنها لما كانت هاء في الوقف تركها في الوصل على ذلك، وأنشد سيبويه أيضا:

ضخما يحب الخلق الأضخما

يريد الأضخم خفيف الميم، وهذا التثقيل إنما يكون في الوقف ليعلم باجتماع الساكنين في الوقف أنه متحرك في الوصل، حرصا على البيان؛ لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان، وعلى هذا قالوا: "خالد, وهو يجعل", فإذا وصلوا قالوا: "خالدٌ يا فتى" فكان سبيله إذا أطلق الميم في "الأضخم" بالنصب أن يزيل التثقيل، إلا أنه أجراه في الوصل مجراه في الوقف للضرورة، ومثله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هذا الموضع زادت ظ، ش: في الشعر.

 

ج / 1 ص -11-                         ببازل وجناء أو عيهل        كأن مهواها على الكلكل

يريد العيهل والكلكل، وهذا أكثر من أن أضبطه لك لسعته وكثرته، والذي أذكر منه ومن أشباهه فوق ما يحتاج إليه استظهارا وتأنيسا بالأمثال والنظائر، فإن سيبويه كثيرا ما كان يعتمد في كتابه على إيراد النظائر ليؤنس بها، فكذلك أجرى الشاعر قوله:

أنا سيف العشيرة فاعرفوني

في الوصل مجراه في الوقف.
الأصلي والزائد:
وقول أبي عثمان: كم يكون عددهما في الأصل، وما يزاد فيهما على الأصل؟
قال أبو الفتح1: اعلم أنه إنما يريد بقوله الأصل: الفاء والعين واللام، والزائد: ما لم يكن فاء ولا عينا ولا لاما، مثال ذلك قولك: ضرب، فالضاد من ضرب فاء الفعل، والراء عينه، والباء لامه، فصار مثال ضرب: فعل، فالفاء الأصل الأول، والعين الأصل الثاني، واللام الأصل الثالث، فإذا ثبت ذلك، فكل ما زاد على الضاد والراء والباء من أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، فهو زائد، ومعنى زائد أنه ليس بفاء ولا عين ولا لام، وليس يعنون بقولهم: زائد أنه لو حُذف من الكلمة لدلت بعد حذفه على ما كانت تدل عليه وهو فيها، ألا ترى أن الألف من ضارب زائدة، فلو2 حذفتها فقلت: ضَرِب لم يدل على اسم الفاعل بعد الحذف، كما كان يدل عليه قبل الحذف، وكذلك قولهم: مضروب، لو حذفت الميم والواو لم يكن ما بقي من الكلمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال أبو الفتح: ساقط من ش.
2 ظ، ش: ولو.

ج / 1 ص -12-          دالا على اسم المفعول، كما يدل عليه "مضروب" بكماله، بل لم يكن يمكن النطق بهذه الكلمة وما أشبهها بعد حذف الميم؛ لأن الضاد بعدها ساكنة، والابتداء بالساكن ممتنع كما تعلم. فمما زيد1 في "ضرب" من أوله قولهم: "استضرب" فالهمزة والسين والتاء زوائد؛ لأنه ليس في ضرب شيء من ذلك، ومثاله: استفعل، وكذلك يضرب الياء زائدة، ومثاله يَفْعِل، والزيادة في وسطه قولك: "ضَرُوب" الواو زائدة، ومثاله: فَعُول، والزيادة في آخره, قولك: "ضَرَبان" فالألف والنون زائدتان، ومثاله: فَعَلان, فالأصول يقابل بها في المثال: الفاء، والعين، واللام. ويُلفَظ بالزائد بعينه لفظا في المثال، ولا يقابل به فاء ولا عين ولا لام؛ لأنه لو كان أحد الثلاثة2 لكان أصلا لا زائدا، ألا ترى أنك تقول في "ضروب: فعول"، فتأتي في "فعول" بالواو التي كانت في "ضروب" بعينها؛ لأنها زائدة، فإن تكرر الثاني من الأصول وهو العين كررت في المثال العين بإزائه، فتقول في "ضرّب: فعّل" فتثقل العين من "فعّل"؛ لأنها بإزاء الراء من "ضرّب", فإن تكرر الأصل الثالث وهو اللام، كررت في المثال اللام بإزائه، فتقول في "ضربب: فعلل" جئت في المثال بلامين، لما كان في ضربب باءان، فإن تكرر الأصلان كلاهما, كررت في المثال العين واللام كلتيهما، تقول في "ضَرَبْرَب: فَعَلْعَل" زدت عينا ولاما لما زدت في "ضربرب" راء وباء، والفاء لم تكرر في كلام العرب إلا في حرف واحد، وهو "مرمريس" وهي3 الداهية والشدة، قال الراجز:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: زاد.
2 ظ، ش: الثلاث.
3 ظ، ش: وهو.

 

ج / 1 ص -13-          داهية حدباء مَرْمَرِيس

ومَرْمَرِيت: في معناه, فمثاله من الفعل1 "فَعْفَعيل"؛ لأنه من المراسة وهي الشدة، فتكررت الفاء والعين، ولا نظير لهذه الكلمة، وإنما بسطت هذا الموضع؛ لأن أكثر من يتعرض للنظر في هذا العلم يسمع الأصل والزائد ولا2 يعرف الغرض فيهما, ولا حقيقة ما يراد بهما، فكشفت هذا المعنى؛ ليشترك في معرفته المبتدئ والمتمكن فيه.
الزيادة للإلحاق ولغيره:
قال أبو عثمان: فمما يزاد ما يلحق بناء ببناء، ومنه ما يكون للمد، ومنه ما يلحق للمعنى، وفيه ما يلحق في الكلام ولا يتكلم به إلا بزائد؛ لأنه وُضع على المعنى الذي أرادوا بهذه الهيئة.
قال أبو الفتح: فصّل في هذه الجمل أنواع الزيادات، وعرّف الغرض في أن زِيدت, وما الذي دعا إلى ذلك.
الزيادة للإلحاق:
فما زِيد فيه للإلحاق كثير، منه "كَوْثَر وصَيْرَف" فالواو والياء فيهما زائدتان؛ لأنهما من الكثرة والصرف، وهما ملحقان "بجعفر وسلهب"، وكذلك "جَدْوَل" الواو فيه زائدة ملحقة "بجعفر" وقد قيل: "جدول" بكسر الجيم، فالواو في هذا ملحقة له ببناء "درهم وهجرع وهبلع"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الفعل: زيادة من ظ، ش.
2 ظ، ش: فلا.

ج / 1 ص -14-          ومن ذلك "سَمَيْدَع" الياء فيه زائدة ملحقة بفرزدق ومثاله فَعَيْلَل، وكذلك "فَدَوْكس". وهذا1 أكثر من أن أضبطه لك، وإنما أذكر منه ومن نظائره ما يدعو إليه القياس.
الزيادة للمد:
وقوله: ومنه ما يكون للمد، يعني الواو في "عجوز وعمود", والياء في "جَرِيب وقَضِيب", والألف في "كتاب وسراج" لم يرد بهذه وما أشبهها إلا امتداد الصوت والتكثير بها، ولأنهم كثيرا ما يحتاجون إلى المد في كلامهم؛ ليكون المد عوضا من شيء قد حذفوه، أو للين الصوت فيه2، ألا ترى أن الضرب الثالث من الطويل قد أُلزم حرف المد نحو قول الشاعر:

أقيموا بني النعمان عنا صدوركم                   وإلا تقيموا صاغرين الرءوسا

ونحو قول الآخر, أنشدناه أبو علي لقطري بن الفجاءة:

لعمرك إني في الحياة لزاهد                 وفي العيش ما لم ألق أم حكيم

ونحو قول الآخر, قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد:

جزوني بما ربيتهم وحملتهم                       كذلك ما إن الخطوب دوال

فهذه الألف في "دوال", والياء في "حكيم", والواو في3 "الرءوس"، تسمى الردف. وإنما لزمت هذا الضرب لتكون عوضا من لام مفاعيلن، وهذا مبين في علم القوافي، وإنما يعرفه أهل العروض، فلهذا ونحوه ما زِيدت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هذا.
2 ظ: به.
3 ظ، ش: من.

 

ج / 1 ص -15-          هذه1 المدات، وللحاجة1 إلى الاتساع في كلامهم؛ لأنهم قد2 يعبرون عن المعنى الواحد بالألفاظ الكثيرة، وهذا يضطر إلى الاتساع، فمن ها3 هنا احتِيج إلى الزوائد المكثرة للكلام.
الزيادة للمعنى:
وقوله: ومنه ما يلحق للمعنى, يريد به نحو التنوين الذي دخل الكلام علامة للخفة والتمكن في الأسماء في نحو "زيدٌ وزيدًا وزيدٍ". ومن ذلك: حروف المضارعة إنما جاءت لتجعل الفعل يصلح لزمانين نحو قولك: زيد يقرأ، ألا ترى أنه يصلح أن يكون إخبارا عنه بأنه في حال قراءة، ويصلح أن يكون يراد به أنه4 سيقرأ فيما يستقبل، ومن ذلك: ألف "أنا"، إنما زيدت لبيان حركة النون، وقد مضى ذكرها، ومن ذلك: ألف الندبة، إنما زيدت لمد الصوت وإظهار التفجع على المندوب، فهذه الأشياء ونحوها مما زيد للمعنى، ألا ترى أن الدلالة على ذلك5 المعنى تزول بزوال ذلك الزائد، إلا أن الندبة قد تكون بغير ألف تقول: وا زيدُ6.
الزيادة من أصل الوضع:
وقوله: "ومنه ما يلحق في الكلام ولا يتكلم به إلا بزائد؛ لأنه وُضع على المعنى الذي أرادوا بهذه الهيئة" فإنما يعنى به: افتقر ونحوه، ألا ترى أن الماضي من هذا اللفظ لم ينطق به إلا على مثال: افتعل، والزيادة لازمة له، وهي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1, 1 بدل ما بينهما في ظ، ش: لامتداد الصوت للحاجة.
2 قد: زيادة من ظ، ش.
3 ها: ساقط من ظ، ش.
4 أنه: ساقط من ظ، ش.
5 ذلك: زيادة من ظ، ش.
6 تقول: وا زيد: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -16-          الهمزة والتاء في أوله. وقولهم: "فقير" يشهد بأنهم كأنهم1 قد قالوا فيه: "فَقُرَ" مثل "ظَرُفَ فهو ظريف"، هذا أخص به من فَعِلَ وفَعَلَ، وإن كانوا قد قالوا: "شَقِيَ فهو شَقِيّ وقدَر فهو قدير"، فإن باب "فَعِيل" أن يكون "لفعُل" وإذا2 كانوا قد3 قالوا: "يَذَرُ ويَدَعُ" ولم يقولوا: "وَذَرَ ولا وَدَعَ" استغناء عنهما "بترك" على ما قال سيبويه، مع أن بين الماضي والمضارع نسبا قريبا، فأن يقولوا: "فقير" ولا يقولوا: "فقر" -وإن كان عليه جاء- أجدر؛ لبعد ما بين الاسم والفعل4، وإن كان في هذه الأسماء كثير من أحكام الأفعال، فإن الفعل بالفعل أشبه منه بالاسم، وكذلك "اشتد" لم ينطق به بلا زيادة، لم يقولوا: شَدَّ في هذا المعنى، على أن أبا زيد قد حكاها في كتاب5 مصادره، وقولهم: "شديد" كأنهم قد قالوا فيه: "شدُدت" وإن لم يجيئوا به. قال سيبويه: استغنوا "بافتقر واشتد" عن "فقُرتُ وشددتُ"، كما استغنوا "باحمارّ عن حَمِرَ"، يريد أن "احمارّ" أيضا لم ينطق بالماضي منه إلا بزائد نحو "احمرّ واحمارّ", قال سيبويه أيضا: كما استغنوا "بارتفع" عن "رفُع" وعليه جاء "رفيع"، يريد أن قولهم: "رَفِيع: فَعِيل" و"فعيل" إنما يأتي من "فعُل" نحو كرم فهو كريم. وكذلك قولهم: "ارْعَوَى الرجل" وزنه افعلَّ ولم أسمعهم استعملوا الماضي منه بلا زيادة، وليس من لفظ رعيت؛ لأن لام "رعيت" ياء، ولام "ارعوى" واو؛ لظهورها6 كما ترى. وليس "الرعوى من "ارعوى" إنما هي "فَعْلَى" من "رعيت" قُلبت ياؤها واوا، بمنزلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كأنهم: ساقط من ظ، ش.
2 ص وحاشية ظ: وإذا؛ وظ، ش: وإن.
3 قد: ساقط من ش.
4 ظ، ش: من الفعل.
5 كتاب: ساقط من ظ، ش.
6 ظ: لظهورهما.

 

ج / 1 ص -17-          "تَقْوَى", وكذلك قولهم: "اقطارّ النَّبْتُ واقطَرَّ واشمأززتُ" لم يستعملوها1 إلا بتكرير اللام، فهذا ونحوه مما لم ينطق به إلا بزيادة؛ لأنهم قد يستغنون بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطا من كلامهم، ألا ترى أن قولهم: "مَلَامح" إنما هو في القياس جمع "مَلْمَحة", لا جمع "لمحة"، و"سُمَحاء" إنما هو جمع "سَمِيح" في القياس لا "سَمْح", و"مَشَابِه" إنما هو جمع "مَشْبَه" لا "شِبْه"، فكأنهم قد نطقوا "بملمحة وسميح ومشبه" لما جاء الجمع عليها، إلا أنهم استغنوا بسمح عن سميح، وبلمحة عن ملمحة، وبشبه عن مشبه حتى صار المستغنى عنه مسقطا, وقد قال بعضهم: "سميح" وهو شاذ في الاستعمال. وإذا2 كانوا قد نطقوا بالمضارع ولم ينطقوا بالماضي في "وذر وودع" على قرب ما بين الماضي والمضارع، فالجمع على بعده من الواحد أجدر ألا يلزم أن يجيئوا بواحده من أجل مجيئهم به، فهذا شرح هذا.
أبنية الأسماء والأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها:
قال أبو عثمان3: "فأقل الأصول في الأسماء عددا الثلاثة، نحو زيد وعمرو وبكر وعِدْل وبُرْد وجبل وفَخِذ وعَضُد وزُفَر ومِعًى، والأفعال نحو ضَرَب وعلم وضُرِب وظرُف"3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: لم يستعملوها، ظ، ش: لم يستعملوا، وهامش ظ: لم يستعملها العرب.
2 ص وهامش ظ: وإذا؛ ظ، ش: وإن.
3, 3 بدل ما بينهما في ص:
"فأقل الأسماء أصولا الثلاثية، وكذلك الأفعال، فالأسماء نحو: زيد وعمرو وبكر وعدل وبرد وحمل وجمل وجبل وفخذ وزفر وعضد ومعى، والأفعال نحو: ضرب وعلم وضرب وظرف، فعلى هذا المثال الأسماء في الثلاثة والأفعال".

 

ج / 1 ص -18-          قال أبو الفتح: اعلم أن الأسماء التي لا زيادة فيها تكون على ثلاثة أصول: أصل ثلاثي, وأصل رباعي, وأصل خماسي، والأفعال التي لا زيادة فيها تكون على أصلين: أصل ثلاثي, وأصل رباعي. ولا يكون فعل1 على خمسة أحرف لا زيادة فيه2، وأنا أذكر كل أصل في موضعه مستقصى3 بحول الله وقوته3.
فالأسماء الثلاثية تكون على عشرة أمثلة: "فَعْل, وفَعَل، وفَعِل, وفَعُل، وفِعْل4، وفِعِل, وفِعَل, وفُعْل, وفُعُل, وفُعَل" وجميع هذه الأمثلة تكون اسما وصفة، فمثال:
فَعْل ويكون اسما صفة. فالاسم كلب وكعب، والصفة ضخم وخدل.
وفَعَل يكون يكون اسما وصفة. فالاسم رسن وطلل، والصفة بطل وحسن.
وفَعِلٌ يكون اسما وصفة. فالاسم كبد وفخذ، والصفة حذر وفطن.
وفَعُل يكون اسما وصفة. فالاسم رجل وعضد، والصفة يقظ وندس.
وفِعْل يكون اسما وصفة. فالاسم جذع وعدل، والصفة نضو، ونقض.
وفِعِل يكون اسما وصفة. فالاسم إبل وإطل، والصفة قالوا: امرأة بلز، وهي الضخمة5. وقد قالوا: أتان إبد5, فأما قول الشاعر:

أرتني حِجْلا على ساقها                            فهش الفواد لذاك الحِجِل

فقلت ولم أخف عن صاحبي                       ألا بأبي أصل تلك الرِّجِل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فعل: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فيها.
3، 3 ظ، ش: بعون الله. وفي هامش ظ: بإذن الله, إن شاء الله.
4 فعل: ساقط من ظ.
5 و5 زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -19-          ويروى بِيبَا1, فإنما أراد به الإتباع لإقامة الوزن وأصل بنائها2 على "فِعْل" ساكنة العين. ألا ترى أن هذا الشعر من الضرب الثالث من المتقارب ووزنه في العروض فَعَل. وبيته:

وأبني3 من الشعر شعرا عويصا                     ينسي الرواة الذي قد رووا

فلو أسكن الجيم لفسد البيت كله؛ لأنه كان يصير ضربه على فِعْل, وهذا فاسد ممتنع. وأما قولهم: "رجل جِئِز، ومِحِك، ونِفِر" ونحوه, فإنما أصل بنائه على4 فَعِل كحَذِر. ولكنهم كسروا فاء الفعل إتباعا من أجل حرف الحلق، كما قالوا: شِعِير وبِعِير، فكسروا فاء الفعل لكسرة عينه وعلى هذا تقول: "في رَغِيف رِغِيف" بكسر الراء. وحكى أبو زيد عن العرب: "الجنة لمن خاف وِعِيدَ اللهِ" ولا تقول: "في جَرِيب وقَفِيز: جِرِيب ولا5 قِفِيز"؛ لأنه ليس ثاني حروفهما حرفا من حروف الحلق، فهذا تشعب, ثم نعود لما كنا فيه:
وفِعَل: يكون اسما وصفة. فالاسم نحو6 ضلع وعنب، والصفة: قوم عدى ومكان سوى. وقال النابغة:

باتت ثلاث ليالٍ ثم واحدة                    بذي المجاز تراعي منزلا زيما

وفُعْل: يكون اسما وصفة. فالاسم: قفل وبرد، والصفة: حلو ومر.
وفُعُل: يكون اسما وصفة. فالاسم عنق وطنب، والصفة: سرح وطلق.
وفُعَل: يكون اسما وصفة. فالاسم ربع وخزز، والصفة: ختع وسكع, وقال7 الراجز:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بئبا.
2 ظ، ش: بنائهما.
3 ظ، ش: وأروي بدل: وأبني، وهما روايتان.
4 على: زيادة في ظ، ش.
5 لا: ساقط من ظ.
6 نحو: زيادة من ظ، ش.
7 ظ: قال.

 

ج / 1 ص -20-          ولا يوجد في الكلام: فِعُل -بكسر الفاء وضم العين- وإنما لم يجئ ذلك كراهية خروجهم من الكسر إلى الضم بناء لازما، وإذا كانوا قد قالوا: اقتُلْ فضموا الهمزة لضمة1 التاء ولم يكسروها على ما كان يجب فيها مع أن بين الهمزة والتاء حاجزا وهو القاف، فألا يخرجوا من كسر إلى ضم بلا حاجز أجدر، فأما قولهم: هو يَضْرِبك. وخروجهم من كسرة الراء إلى ضمة الباء فليس يكسر ما قدمناه؛ لأن هذه الضمة ليست بلازمة، ألا ترى أن النصب والجزم يزيلانها، وإنما يكره من ذلك أن تكون الحركة لازمة، وليس في الكلام اسم على فُعِل -بضم الفاء وكسر العين- إنما هذا بناء يختص به الفعل المبني للمفعول نحو: ضُرِب وقُتِل إلا في اسم واحد وهو دُئِل, وهي2 دُوَيْبَّة وبها سُميت قبيلة أبي الأسود الدؤلي وإنما فُتحت الهمزة في النسب لتوالي الكسرتين مع ياءي الإضافة، فهربوا إلى الفتح، كما قالوا في شَقِرة شَقَريّ، وفي الصَّعِق صَعَقيّ. قال الشاعر3:

جاءوا بجيش لو قيس معرسه                        ما كان إلا كمعرس الدُّئِل

فهذه الأسماء. وأما الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها, فعلى ضربين: فِعْل مبني للفاعل، وفعل مبني للمفعول. فالمبني للفاعل على ثلاثة أضرب: "فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ".
فمثال فَعَل يكون متعديا وغير متعد؛ فالمتعدي نحو: "ضرب وقتل", وغير المتعدي نحو "جلس ونهض".
وفَعِلَ يكون متعديا وغير متعد، فالمتعدي نحو "شرب وركب"، وغير المتعدي نحو "سلم وقدم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: لضم.
2 ظ، ش: وهو.
3 بهامش ظ أمامه, وقال يصف قلة الجيش: جاءوا، صح.

ج / 1 ص -21-          وفَعُلَ لا يكون أبدا إلا غير متعد؛ لأنه إنما جاء في كلامهم للهيئة التي يكون عليها الفاعل لا لشيء يفعله قصدا لغيره نحو "شرف وظرف"، فأما ما جاء في كلامهم نحو قوله:

وإن أهجه يضجر كما ضَجْرَ بازلٌ                 من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه

فإنما أراد به الشاعر ضَجِرَ ودَبِرَتْ، ولكنه أسكن الحرف استثقالا للكسرة، وعلى هذا قالوا: "قد كَرْمَ الرجلُ" يريدون: كرُم، وقالوا: "لَقَضْوَ الرجلُ" يريدون: لَقَضُو الرجلُ، فأسكنوا المضموم كما أسكنوا المكسور، ولم يجئ من هذا شيء في المفتوح لخفة الفتحة, ألا ترى أن من قال: فَخْذ ورَجْل وهو يريد: فَخِذًا ورَجُلًا، لم يقل في جَمَل: جَمْل لخفة الفتحة، إلا أنهم قد أنشدوا للأخطل:

وما كل مبتاع ولو سَلْفَ صَفْقُهُ                          براجع ما قد فاته بِرِداد

قالوا: أراد سَلَفَ, ولكنه اضطُر فخفّف المفتوح، وهذا عندهم من الشاذ، فهذا ما قال1 أصحابنا فيه، ويحتمل عندي وجها آخر، وهو أن يكون مخففا من فَعِل مكسور العين، ولكنه فِعْل غير مستعمل إلا أنه في تقدير الاستعمال وإن لم ينطق به، كما أن قولهم: "تفرقوا عبادِيدَ وشماطِيطَ"، كأنهم قد نطقوا فيه بالواحد من هذين الجمعين وإن لم يكن مستعملا في اللفظ، فكأنهم2 استغنوا بسَلَفَ هذا المفتوح عن ذلك المكسور أن ينطقوا به غير مسكن.
وإذا كانوا قد جاءوا بجموع لم ينطقوا لها بآحاد، مع أن الجمع لا يكون إلا عن واحد، فأن يستغنى بفَعَل عن فَعِل من لفظه ومعناه -وليس بينهما إلا فتحة عين هذا وكسرة عين ذاك- أجدر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: فقال, وهو خطأ.
2 ظ، ش: وكأنهم.

 

ج / 1 ص -22-          وأرى أنهم استغنوا بالمفتوح عن المكسور لخفة الفتحة، فهذا ما يحتمله القياس وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ ما1 وجدتَ لها2 ضربا من القياس.
فإن قلت: فإنَّا لم3 نسمعهم يقولون: يَسْلَف -بفتح اللام- فما تنكر أن يكون هذا يدل على أنهم لا يريدون: سَلِفَ على وجه، إذ لو كان مرادا عندهم لقالوا في مضارعه: يَسْلَفُ، كا أن من يقول: قد عَلْمَ فيُسكن عين الفعل، لا يقول في مضارعه إلا: يَعْلَمُ، فالجواب أنهم لما4 لم ينطقوا بالمكسور على وجه واستغنوا عنه بالمفتوح، صار عندهم كالمرفوض الذي لا أصل له واجتمعوا على مضارع المفتوح.
وهذا ينبغي أن يكون مما ذكره سيبويه: أنهم يستغنون فيه بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطا لا سيما إذا دلت عليه دلالة وهي تسكينهم عين الفعل، وهذا التسكين لم نره في المفتوح البتة.
فإن قلت: إنا5 قد رأيناه في هذا الحرف، فإن نفس الشيء6 المتنازع فيه لا يكون حجة على7 الخصم، إنما يكون حجة ما قد ثبت بلا خلاف، فأما ما الخلاف واقع فيه فلا يكون حجة، ونظير هذا الذي ذهبت إليه في هذه الكلمة من أنهم أسكنوا عينها من مكسور لم ينطقوا به وكأنهم قد نطقوا به, ما ذهب إليه أبو علي في قول الكميت:

وبالعذوات منبتنا نضار                        ونبع لا فصافص في كبينا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زادت ظ، ش في هذا الموضع كلمة: قد.
2 ظ، ش: له.
3 ص وهامش ظ: لم, وظ، ش: لا.
4 لما: ساقط من ظ، ش, وسقوطه يفسد المعنى.
5 ظ، ش: فإنا.
6 الشيء: ساقط من ظ, ش.
7 ظ، ش: عن.

 

ج / 1 ص -24-          يكون فُعِلَ منقولا من فَعُلَ أبدا؛ لأن فَعُلَ لا يتعدى، والفعل لا ينقل إلى فُعِلَ حتى يكون متعديا قبل النقل.
ألا ترى أن "ضَرَبَ" متعد؛ فلذلك جاز أن تبنيه للمفعول فتقول: "ضُرب" وكذلك "ركب" ثم تقول: "رُكب"، و"فَعُل" لا يتعدى أبدا, فلا يجوز أن تبنيه للمفعول؛ لأنك إذا لم تذكر الفاعل ولم يكن ثم مفعول يقوم مقامه في أن يجعل الفعل حديثا عنه، بقي الفعل حديثا عن غير محدث عنه، وهذا محال.
فإن أقمت الظرف مقام الفاعل جاز أن تبني فُعِل من فَعُل نحو ظُرِف في هذا المكان، فأما قول القطامي:

ونُفْخُوا عن مدائنهم فطاروا

وقول أبي النجم:

لو عُصْرَ منه البان والمسك انعصر

فإنما أريد به: "نُفِخُوا، وعُصِرَ" ولكنه خفف الكلمة بحذف الكسرة، فأما1 قولهم: "قد قيل، وخيف" ونحوهما، فأصلهما: "قُوِل، وخُوِف"، ثم غُيِّرا بعد ذلك، وهذا مبين مشروح في موضعه بحول الله.
فهذه أبنية الأسماء والأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها.
أبنية الأسماء والأفعال الرباعية لا زيادة فيها:
قال أبو عثمان: وتكون الأسماء والأفعال على أربعة أحرف ليس فيها زائد، فالأسماء نحو "جعفر وقِمَطْر وسِبَطْر ودِرَفْس، ومثل جعفر سَلْهَب"،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ وش: وأما.

 

ج / 1 ص -25-          وهذه الأشياء في الأربعة تكون أسماء وصفات، وأما1 الأفعال التي على أربعة أحرف2 ليس فيها زائد فنحو "دَحْرَجَ وسَرْهَفَ" وما أشبه ذلك، فالثلاثة والأربعة تشترك فيها الأسماء والأفعال على ما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: اعلم أن الأسماء الرباعية التي لا زيادة فيها تجيء على ستة أمثلة: خمسة وقع عليها إجماع أهل العربية، وواحد تجاذبه الخلاف وهي: "فَعْلَل, وفِعْلِل, وفُعْلُل, وفِعْلَل, وفِعِلّ, وفُعْلَل".
ففَعْلَل يكون اسما وصفة. فالاسم "جعفر وصعتر"، والصفة "سلهب وصقعب".
وفِعْلِل: يكون اسما وصفة. فالاسم "قرطم وعظلم"، والصفة "صمرد وهرمل وخرمل وخضرم وضمرز ولطلط ودردح" وإنما أكثرت من هذا؛ لأن أبا العباس ذكر أن فِعْلِلا في الصفة قليل.
وفُعْلُل يكون اسما وصفة. فالاسم "برثن وترتم"، والصفة "كلكل وقلقل".
وفِعْلَل يكون اسما وصفة. فالاسم "قلفع وقرطع"، والصفة "هجرع وهبلع"، وقد قيل: إن الهاء في "هجرع وهبلع" زائدة, وإنهما من "البلع والجرع"، ومثالهما على هذا القول "هِفْعَل". وقد حكي عن الخليل أنه كان يقول: إن الهاء في "هِرْكَوْلَة" زائدة؛ لأنها تَرْكُل3 في مشيها وهي في هذا القول "هِفْعَوْلَة".
هذا قولهم كما ترى، وإنما ارتكبوه على شذوذه عن النظائر؛ لأن الاشتقاق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص وهامش ظ: وأما. وظ, ش: فأما.
2 أحرف: ساقط من ظ، ش.
3 في هامش ظ، في ش: التي تركل, وفي ظ: من تركل.

 

ج / 1 ص -26-          قادهم إليه، والصواب في ذلك ألا تكون هذه الهاءات مزيدة وهو المذهب الذي عليه أكثر أهل العلم، وإن كان في "هِجْرَع وهِبْلَع وهِرْكَوْلَة" من معنى ما لا هاء فيه، ولكن على أن يكون لفظه قريبا من لفظه، ومعناه كمعناه.
ولهذا الذي ذهبت إليه نظائر في كلام العرب1, من ذلك قولهم للمكان اللين: "دَمِث"، وقالوا: "دِمَثْر" أيضا, وقالوا للطويل المنبسط: "سَبِط" وقالوا فيه أيضا: "سِبَطْر"، فسبط ودمث لفظهما قريب من لفظ سبطر ودمثر ومعناهما واحد1, ولا يمكن أحد أن يقول: إن الراء من حروف الزيادة.
ومثل ذلك قولهم: "ثَعْلَب وثُعَالة، فثعلب رباعي وثعالة" ثلاثي والمعنى فيهما واحد، وسآتي على أكثر من هذا في مواضعه2, فكذلك3 يجوز أيضا أن تحمل "هجرعا وهبلعا وهركولة" على أنها من معنى "الجرع والبلع والركل"4 وقريبة من لفظه هربا من أن تجعل الهاء زائدة في أول الكلمة، وليس موضع زيادتها أول الكلمة, إنما موضعها أن تقع آخِرا، فهذا ما يحتمله القياس عندي5، والقول الأول له وجه أيضا، ألا ترى أنهم حكموا بزيادة الهاء في أمهات، وإن كانت في حشو الكلمة إلا أن الهاء في أمهات تلي الطرف, فهي من6 موضع الزيادة أقرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 و1 في ظ، ش: من ذلك قولهم للمكان اللين: دمث، وقالوا فيه أيضا للطويل اللين: دمث، وقالوا أيضا فيه: دمثر ومعناهما واحد, وهو كلام مضطرب ولذلك أهملناه.
2 ص: موضعه.
3 ظ، ش: وكذلك.
4 في ظ: بين كلمتي "والركل"، "قريبة" الجرع: المكان الطويل السهل.
5 عندي: ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: في.

 

ج / 1 ص -27-          وفِعَلّ يكون اسما وصفة. فالاسم "صقعل، وفطحل", والصفة "حبجر وسبطر".
فهذه الأمثلة الخمسة وقع الإجماع عليها.
وأما السادس الذي يتنازع فيه الناس: "فجُخْدَب" ومثاله "فُعْلَل" -بفتح اللام- حكاه أبو الحسن وحده بالفتح وخالفه فيه1 جميع البصريين إلا من قال بقوله، والذي رواه الناس غيره: "جُخْدُب" -بضم الدال- وهو اسم لا صفة، وقد حكى غيره "بُرْقُع وبُرْقَع، وطُحْلُب وطُحْلَب، وجؤذر وجؤذر", إلا أن جُؤْذَرا ذكر أبو علي أنه أعجمي، قال2: فلا حجة فيه2. والضم في برقع وطحلب هو المعروف الشائع.
فأما قولهم: "عُلَبِط, وعُكَمِس, وهُدَبِد, وخزخز, وجَنَدِل, وذَلَذِل, وزلزل, وعَرَتُن" فهذه كلها محذوفات، وأصلها: "عُلابِط, وعُكامِس، وهُدابِد، وخزاخز، وجَنادِل، وذَلاذِل, وزَلازِل، وعَرَنْتُن" ولكن الألف والنون حُذفتا تخفيفا، ودل على أنه قد حذف منها شيء، أنهم قد نطقوا بها تامة نحو: "علابط وعكامس وجنادل". قال الراجز:

ما راعني إلا جناح هابطا                      على البيوت قوطه العُلابِطا

جناح: قالوا: اسم الراعي، ونصب القوط بهابط؛ لأنه يقال: هبط الشيء وهبطته، وقال الآخر:

أعددت للورد إذا الورد حضر                          غربا جرورا وجلالا خُزَخِزْ

وقال الآخر:

وزعموا وكذبوا بأنه                             لقيهم عُلابِط فشربوا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه: ساقط من ظ، ش.
2، 2 في ظ: فلا حاجة له فيه.

 

ج / 1 ص -28-          ولولا تقدير المحذوف من هذه الأسماء ونحوها، لكانت خارجة عما عليه كلامهم، ألا ترى أنه ليس في كلامهم كلمة يجتمع فيها1 أربعة متحركات, فهذه الأسماء الرباعية.
وأما الأفعال: فعلى ضربين أيضا: فعل مبني للفاعل، وفعل مبني للمفعول. فالمبني للفاعل لا يكون إلا على مثال فَعْلَلَ وهو على ضربين: متعد وغير متعد. فالمتعدي نحو: "دحرج وخرفج" وغير المتعدي نحو: "خندف وهملج", والمبني للمفعول لا يكون إلا على "فُعْلِلَ" نحو: "قلقل وزلزل"، فهذا ما في الفصل.
الأسماء على خمسة أحرف لا زيادة فيها:
قال أبو عثمان: وتكون الأسماء على خمسة أحرف لا زيادة فيها، ولا يكون ذلك في الأفعال؛ لأن الأسماء أقوى من الأفعال، فجعلوا لها على الأفعال فضيلة2 لقوتها، واستغناء الأسماء عن الأفعال، وحاجة الأفعال إليها، ولا يكون فعل من بنات3 الخمسة البتة.
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد عرّف العلة في أن لم يكن فعل من ذوات الخمسة، وأبان عن مذهبه، وقد قال سيبويه في هذا المعنى قولا, أنا أذكره ليضاف إلى هذا القول.
وذلك أن الأفعال لم تكن على خمسة أحرف كلها أصول؛ لأن الزوائد تلزمها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيه.
2 ظ، ش: فضلية.
3 ص وهامش ظ: بنات, وظ، ش: ذوات.

 

ج / 1 ص -29-          للمعاني، نحو حروف المضارعة، وتاء المطاوعة في تَدَحْرَجَ، وألف الوصل والنون في نحو1 احْرَنْجَمَ، فكرهوا أن يلزمها ذلك على طولها.
فإن قلت: إنهم قد قالوا: عَنْدَلِيب, وعَضْرَفُوط, وقَبَعْثَرى ونحوها, فألحقوها الزوائد وهي2 خماسية, فإن الأفعال أقعد في الزوائد من الأسماء؛ لأنها تنقلها من حال إلى حال.
الدليل على أن الزيادة بابها الأفعال:
ويدل3 على أن الزوائد بابها الأفعال، أن أبا عثمان ذهب إلى أن الألف والنون الزائدتين4 في آخر فَعْلان5 بابها أن تكون5 في آخر6 غضبان وعطشان ونحوهما من الصفات التي تشبههما. قال: قالوا7: لأن غضبان صفة، والصفة قريبة من الفعل، والزيادة بالفعل وما شابهه أحق. ومن ذلك أيضا أنك لا تجد اسما اجتمع في أوله زيادتان، إلا أن يكون جاريا على الفعل نحو: مُنْطَلق، ومُستَخْرج، فلولا أنهما جاريان على الفعل الذي هو أحق بالزيادة، لما جاز وقوع زائدين8 في أولهما، وكذلك ما أشبههما من أسماء الفاعلين والمفعولين والمصادر والأمكنة.
فقد علمت أن الفعل في الزوائد أقعد، وقد حمل هذا قوما على أن قالوا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نحو: زيادة من ظ، ش.
2 ظ: وهما.
3 ش: يدل.
4 ص: الزائدتان, وهو خطأ.
5 و5 ورد هكذا بضمير الواحدة في النسخ الثلاث.
6 آخر: ساقط من ظ، ش.
7 قالوا: زيادة من ظ، ش.
8 ظ، ش: زائدتين.

 

ج / 1 ص -30-          إن انْقَحْلا في1 معنى قَحَلَ وليس من لفظه، وإنه لا زيادة في أوله. كذا حكى2 أبو علي عن بعضهم, فاحتُملت الزوائد في الأسماء الخماسية3؛ لقوة الأسماء, ولأن الزوائد لا تتمكن وتكثر في الأسماء تمكنها وكثرتها في الأفعال، فكأن4 الزيادة إذا جاءت في الأسماء لا5 يعبأ بها لذلك.
أمثلة الأسماء من بنات الخمسة لا زيادة فيها:
قال أبو عثمان: فالأسماء من بنات الخمسة نحو: "سَفَرْجَل وهَمَرْجَل وجِرْدَحْل وحِنْزَقر وجَحْمَرِش وقُذَعْمِلَة"، وتكون هذه الخمسة أسماء وصفات.
قال أبو الفتح: اعلم أن الأسماء الخماسية تجيء على أربعة أمثلة, وخامس لم يذكره سيبويه, وهي6: "فَعَلَّل وفِعْلَلّ وفَعْلَلِل وفُعَلِّل".
فمثال فَعَلَّل يكون اسم وصفة, فالاسم "فَرَزْدَق، وخدرنق"، والصفة "هَمَرْجَل وشمردل".
وفِعْلَلّ يكون اسما وصفة، فالاسم "قِرْطَعْب" والصفة "جِرْدَحْل وحنزقر".
وفَعْلَلِل: ذكر أبو عثمان أنه يكون اسما وصفة؛ لأنه قال قُبَيْلُ: وتكون هذه الخمسة أسماء وصفات, وذكر أبو العباس أنه إنما جاء هذا المثال في النعت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: من.
2 ظ، ش: حكاه.
3 الخماسية: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: وكأن.
5 ظ، ش: لم.
6 وهي: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -31-          نحو: "جَحْمَرِش ونخورش" ونخورش1 ليس عندي من بنات الخمسة؛ لأن فيه واوا، والواو لا تكون أصلا في ذوات الخمسة, ومثل "جحمرش" عندي "صَهْصَلِق وقهبلس وقنفرش".
وفُعَلِّل يكون اسما وصفة، فالاسم "الخُزَعْبِلَة"، والصفة "الخُبَعْثِن، والقُذَعْمِل" وقيل: قذعملة اسم.
والخامس الذي لم يذكره سيبويه: فُعْلَلِل، وهو "هندلع". وقالوا2: هو اسم بقلة، ومن ادعى ذلك احتاج أن يدل على أن النون من الأصل.
فهذه أبنية الأسماء والأفعال التي لا زيادة فيها, ويجمعها ثلاثة وعشرون مثالا: أحد عشر ثلاثيا، وسبعة رباعيات، وخمسة خماسيات. فمن الثلاثي ثلاثة أمثلة يشترك فيها الأسماء والأفعال, وهي: فَعَل، وفَعِل، وفعل, وواحد تختص به الأفعال وهو: فُعِل إلا في حرف واحد وهو دُئِل وقد ذكرته، والباقي يختص به الاسم.
وأما الرباعي: فالأسماء والأفعال تشترك في مثال واحد منه3 وهو فَعْلَل. ويختص الفعل ببناء واحد وهو فُعْلِلَ لأنه نظير فُعِلَ في الثلاثي، والباقي يختص به الاسم، والخماسي خمسة أمثلة يختص بها كلها الاسم.
فإن قال قائل: فلِمَ كانت الثلاثية أكثر أبنية؟ فالجواب: أنه إنما كثر تصرف ذوات الثلاثة في كلامهم؛ لأنها أعدل الأصول، وهي أقل ما يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نخورش: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: قالوا.
3 منه: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -32-          عليه الكَلِم المتمكنة1: حرف يُبتدَأ به وحرف يُحشَى به وحرف2 يُوقَف عليه. ويدلك على تمكنها أنهم يصرفون منها ما كان معرفة مؤنثا إذا سكن وسطه نحو: هنْد وجمْل. فصرفهم إياه مع أن فيه علتين ثقيلتين وهما التعريف والتأنيث دلالة على خفته، ألا ترى أن الخفة فيه عادلت أحد السببين, فانصرف الاسم؛ فلذلك كثرت أمثلة الثلاثي.
ومن هنا أيضا صارت ذوات الثلاثة أحق بالزيادة؛ لأن الزيادة في الكلمة ضرب من تصريفها، ولست أعني بالتصريف ها هنا التنقل في الأزمنة نحو: ضرب ويضرب3 وسيضرب، وإنما أريد تنقل أحوال الكلمة وتعاور4 الزيادة إياها.
ألا ترى أنهم إنما5 حكموا بزيادة النون في "سِنْدَأو، وقندأو، وحنطأو، وكنتأو"؛ لأنهم لما رأوا الواو زائدة فيها6؛ لأنها لا تكون أصلا في ذوات الخمسة, قضوا بزيادة النون، قالوا: لتكون الكلمة ثلاثية؛ لأن الزيادة بذوات الثلاثة أشبه, فلخفة ذوات الثلاثة ما كثر تصرفها واعتورتها الزيادات.
ولما كانت ذوات الأربعة وسيطة بين الثلاثة والخمسة، لم تمنع الفعل أصلا، بل جاء فيها؛ لأنها -وإن كانت فوق الثلاثة- فهي7 دون الخمسة.
فمن هنا جاء فيها8 دحرج ونحوه؛ ولذلك لم يُزَدْ على فَعْلَلَ وفُعْلِلَ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المتمكنة: ساقط من ظ، ش.
2 وحرف: ساقطة من ظ.
3 ظ، ش: يضرب.
4 ظ، ش: لتعاور.
5 إنما: ساقط من ظ، ش.
6 فيها: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: فهو.
8 ظ: فيهما.

 

ج / 1 ص -33-          وكأن ذوات الخمسة, وإن لم يكن فيها فعل، فإن دخول التحقير والتكسير فيها كالعوض من منع الفعلية فيها، ألا ترى أنك تقول في تحقير سَفَرْجَل: "سُفَيْرِج" وفي تكسيره "سَفَارِج", فجرى هذان مجرى قولك: "سَفْرَجَ يُسَفْرِجُ سَفْرَجَةً، فهو مُسَفْرِج" وإن كان هذا لا يقال, فإنه لو اشتُق منه فعل لكانت هذه طريقته.
وسألت أبا علي فقلت له: هلا حقّروا سفرجلًا وكسّروه1 ولم يحذفوا من آخره شيئًا؟ فقال: لم يجز ذلك؛ لأن التحقير والتكسير ضرب من التصرف2، وأصل التصرف3 للأفعال؛ لأنها بالزوائد أحق، فلما لم يكن لهم فعل خماسي لم يكسر نحو سفرجل, ولا حقر إلا بحذف حرف ليصير إلى باب دحرج, فيمكن فيه التصريف، فهذا قول حسن سديد، وهو تلخيص قول سيبويه.
ولهذا ما قلّت الزوائد في بنات الخمسة. ومن ها4 هنا أيضًا لم تلحق بنات الخمسة الزيادة من أولها؛ لأن الزيادة في الكلمة ضرب من توهينها؛ لأنك قد أدخلت فيها ما ليس منها، فلما كانت الخماسية قليلا ما تدخلها الزوائد، كرهوا أن يبدءوا فيها بما هو زائد على أصلها وكان آخر الكلمة ووسطها أشبه بالتوهين5 من أولها؛ لقوة الأول وضعف الآخر.
ألا ترى أن الزيادة إنما تجيء في مثل "عَضْرَفُوط وعندليب ويَسْتَعُور وقبعثرى" حشوا وآخرا، ولا يقع شيء من ذلك في أول الكلمة، على أن الزيادة فيها حشوا أكثر منها آخرا، وكل قليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فكسروه.
2، 3 ظ، ش: التصريف, فيهما.
4 ها: ساقط من ظ، ش.
5 ص: للتوهين.

 

ج / 1 ص -34-          وإذا كانت ذوات الأربعة التي هي أمكن من ذوات الخمسة وأخف, لا تقع الزوائد في أولها إلا في ضرب واحد منها وهو الاسم الجاري على فعله نحو: "مُدحرِج, ومسرهف" كراهية الابتداء بالزوائد فيها، فذوات الخمسة -على طولها وقلة تصرفها وكثرة حروفها- أولى بذلك.
ويدل على أن الزيادة في أول الكلمة بابها الفعل، أنه لم يأت في ذوات الأربعة إلا فيما كان جاريا على فعل نحو مدحرج وبابه1، والخماسية لا فعل منها2؛ فلذلك لم يزد في أولها.
"الإلحاق غير المطرد بزيادة الواو والياء والألف في الأسماء والأفعال": "في الأسماء"
قال أبو عثمان: فقد3 ذكرت لك الأصول في الأسماء والأفعال فاعرفها، وسأبين لك ما يكون من الزوائد في الثلاثة وفي الأربعة وفي الخمسة إن شاء الله. فمما زِيدَ في الثلاثة ليلحقها ببناء الأربعة من الأسماء بالواو والياء: "كَوْثَر وجدول وجيئل"4, فهذا كله4 ملحق ببناء جعفر, والواو والياء فيه زائدتان.
قال أبو الفتح: اعلم أن الإلحاق إنما هو بزيادة في الكلمة تبلغ بها زنة الملحق به لضرب من التوسع في اللغة، فذوات الثلاثة يبلغ بها الأربعة والخمسة, وذوات الأربعة يبلغ بها الخمسة. ولا يبقى بعد ذلك غرض مطلوب؛ لأن ذوات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وبابه: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فيها.
3 ظ، ش: وقد.
4، 4 في ظ: فهذه كله, وفي ش: فهذه كلها.

 

ج / 1 ص -35-          الخمسة غاية الأصول، فليس وراءها شيء يلحق به شيء، وقد ذكر أبو عثمان تفصيل هذه الجملة, وأنا أوضح كل حرف فيها:
فكوثر: الواو فيه زائدة؛ لأنه من الكثرة. قال الشاعر:

وأنت كثير يابن مروان طيب                     وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

فكوثر من معنى كثير، وجدول: الواو فيه زائدة؛ لأنه النهر، وهم كثيرا ما يصفونه بالتلوي ويشبهونه بالحية، وقد قال بعض المحدثين في وصفه:

ينساب مثل الحية المذعور

والجدل: طَيّ الخَلْق وشدة الفَتْل، والحية أشبه شيء بالجديل1, فالجدول راجع في المعنى إلى الجَدْل والتلوِّي1. قال الشاعر:

زماما كثعبان الحماطة أزنما

وقال ذو الرمة:

رجيعة أسفار كأن زمامها              شجاع لدى يسرى الذراعين مطرق

وأنشد الأصمعي:

تلاعب مثنى حضرمي كأنه                    حباب نقا يتلوه مرتجل يرمي

وجَيْئَل, وإن لم نعلم2 وجه الاشتقاق فيها, فالياء لا بد من أن تكون زائدة؛ لأنها لا تكون أصلا، لا هي ولا الواو في ذوات الأربعة إلا في التضعيف، وسيمر بك ذلك في موضعه إن شاء الله3.
قال أبو عثمان: والألف تلحق ببنات الثلاثة آخرا, فتلحقها بالأربعة من الأسماء نحو مِعْزى وأَرْطى، فمعزى ملحق بهجرع، وأرطى ملحق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 و1 ورد في ظ، ش بعد البيت:

تلاعب مثنى حضرمي كأنه...

إلخ خطأ.
2 ظ، ش: يلح.
3 إن شاء الله: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -36-          بجعفر. وذا أكثر من أن أعده لك1, ولكن أضع لك رسمًا تستدل به إن شاء الله.
قال أبو الفتح: يدل على زيادة الألف في مِعْزى أنهم يقولون في معناه: مَعَز ومَعْز ومَعِيز, فتذهب الألف في الاشتقاق2، ويدل على أن الألف في آخر أرطى زائدة أنهم يقولون2: أديم مأروط؛ إذا دُبِغ بالأرطى، فقد ذهبت الألف في الاشتقاق، فمِعْزى فعلى، وأرْطى فعلى3 والألف في آخرهما للإلحاق؛ لأنهما بوزن "هِجْرَع وجَعْفر". ويدل على أنهما ليستا للتأنيث، أنهما منونتان، ولو كانتا للتأنيث لما نونتا على وجه.
ألا ترى أن مثل "حُبْلى وسَكْرى وجُمادى" لا ينون أبدًا، وأيضًا فقد قالوا: أرْطاة، فألحقوا الألف علامة التأنيث، ولو كانت للتأنيث لم تلحقها الهاء؛ لئلا تجتمع في الاسم علامتا تأنيث، ألا ترى أنك لا تقول في حبلى: حبلاة, ولا في سكرى: سكراة ، وأيضًا فإن معزى مذكر. قال الشاعر:

ومِعْزًى هدبا يعلو                                قران الأرض سودانا

فليست الألف فيه للتأنيث؛ لأنه مذكر، وكذلك قولهم: "سِعْلاة، وعِزْهاة, وجَلَعْباة, وصَلَخْداة"، الألف في أواخرها للإلحاق بمثل "هجرع وفرزدق" يدل على ذلك لحاق علامة التأنيث فيها, وحكى سيبويه: "بُهْمَاة"، وهذا حرف شاذ؛ لأنه أدخل الهاء على ألف فُعْلَى وألف فعلى لا تكون إلا للتأنيث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لك: ساقط من ظ، ش.
2، 2 ما بينهما كتب مرة أخرى سهوا في ظ، ش بعد الكلمات العشر التالية له بعد لفظ "الاشتقاق".
3 وأرطى فعلى: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -37-          والقول1 عندي في ذلك أن الذي أدخل الهاء في "بهماة" اعتقد في الألف أنها ليست للتأنيث، فإما أن يكون جعلها بمنزلة ألف قَبَعْثَرى زائدة لغير إلحاق ولا تأنيث، وإما أن يكون جعلها ملحقة للكلمة ببناء جُخْدَب على مذهب الأخفش.
فإن قلت: فإنه يلزم على هذا أن تنون "بُهْمَى" بعد حذف الهاء أو قبل دخولها على قول من أدخل الهاء عليها؟ قيل: قد يجوز أن يكون الذي أدخل الهاء عليها فخالف الجمهور إذا حذفها، وافق الجميع على أن تكون للتأنيث، فيخالف إذا ألحق2 الهاء، ويوافق إذا حذفها، أو يكون الذي قال: "بهماة" بناها في أول أحوالها على التأنيث كما قالوا: "عَرْقُوَة وقَمَحْدُوة والنهاية ومِذْرَوَان وثِنايان" فبنوا هذه الأشياء في أول أحوالها على التأنيث والتثنية، فكذلك بهماة تكون مبنية على التأنيث لا مذكر لها.
وحكى أبو الحسن "شُكاعاة"، وحكى أبو زيد أنهم يقولون: "قَصْباءَة، وحلفاءة، وطرفاة" بالهاء والهمزة، وهذا من النادر الغريب، وحدثني أبو علي أن أبا الحسن حكى عنهم "أديم مَرْطِيّ" وليس في كثرة مَأْرُوط، فينبغي أن يكون أرطى على هذا القول أَفْعَلا وتُنَوَّن؛ لأنها نكرة بمنزلة "أفْكَل وأيْدَع" وتكون أرطاة على هذا أفْعَلَة مثل أرملة وإن لم تكن وصفا، وحكى بعضهم: أديم مُؤَرْطى، فهذا يحتمل عندي أمرين، أجودهما أن يكون مُفْعَلى بمنزلة مسلقى ومجعبى. ويحتمل أيضا أن يكون مُؤَفْعلا بمنزلة قول الراجز:

فإنه أهل لأن يؤكرما


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فالقول.
2 ظ، ش: أدخل.

 

ج / 1 ص -38-          وإنما كان الوجه الأول أقيس؛ لأنك تجعل الهمزة فيه فاء وذلك أقيس؛ لأن مأروطا أفشى في اللغة من مرطي, وكلاهما جائز والأول الاختيار.
في الأفعال:
قال أبو عثمان: وقد تلحق الأفعال من الثلاثة بالأفعال من الأربعة كما فُعل ذلك في الأسماء1 من الثلاثة حين ألحقت بالأربعة، وسأذكر بعض ذلك إن شاء الله. فمن ذلك "قد حَوْقَلَ الرجل حوقلة، وجهور في كلامه جهورة, وبيطر الدابة بيطرة".
قال أبو الفتح: اعلم أنهم أرادوا أن يتسعوا في الأفعال كما اتسعوا في الأسماء, فألحقوا الثلاثية بالرباعية، فالواو والياء في هذه الأفعال ونحوها لا تكون إلا زوائد؛ لأنهما لا يكونان أصولا في ذوات الأربعة إلا في التضعيف، وسيأتي في موضعه. "فحوقل نظير كوثر وجهور نظير جدول" وقد سمي بهما جميعا2 قالوا: فلان بن حوقل وفلان بن جهور وكلاهما مصروف؛ لأن هذا بناء لا يختص بالفعل دون الاسم كما تصرف رجلا يسمى كَعْسبا, ذكر ذلك سيبويه, واحتج به على عيسى بن عمر؛ لأنه كان لا يصرف ضرب اسم رجل. قال سيبويه: وكَعْسَبَ فَعْلَلَ3 من الكَعْسَبَة وهو ضرب من العدْو, ويجوز عندي أن يكون اشتقاق حوقل من الحَقْلَة, وهي ما بقي من نُفَايات التمر؛ لأن قولهم: قد حوقل الرجل معناه كَبِر وضَعُف, فصار كأنه لم يبق منه إلا نفايته، وقال الراجز4:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأسماء: عن ص، ظ. وفي هامش ظ وفي ش: بالأسماء.
2 جميعا: ساقط من ظ، ش.
3 ص: فعل، وهو خطأ.
4 ظ، ش: آخر.

 

ج / 1 ص -39-                             يا قوم قد حوقلت أو دنوت         وبعض حيقال الرجال الموت

وهو قريب في المعنى من قولهم: شيخ قاحل؛ إذا كبر ويبس1, وليس على نظمه لأجل التقديم والتأخير في الحروف، ولكنه قريب2 من لفظه, وقريب من معناه3 وليس على نظمه3، ولهذا نظائر في كلام العرب.
ولو قلت: إن أكثر لغاتها على هذا المنهاج, لكان قولا.
ونظير هذا قولهم: جبرت الشيء إذا قويته ومكنته. ثم قالوا: "بُرْج، والبروج: الحصون"، وهي تمنع من فيها وتُعِزه. وقالوا: "المُرَجَّب" للمعظم، وتعظيمك الشيء ومنعك منه وجبرك إياه قريب بعضه من بعض في المعنى، وليس جبرت على تأليف برج, ولا على تأليف المرجب؛ لأجل التقديم والتأخير. فالحروف واحدة، واللفظ متفق، والنظم مختلف، وهذا باب واسع يعم أكثر اللغة ويحتاج الناظر فيه، والباحث عنه إلى أن يكون لطيف النظر.
ثم نعود لما كنا فيه. وقولهم4: جَهْوَر في كلامه، هو من الجهارة وهو ارتفاع الصوت وظهوره، ومنه قوله تعالى:
{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}5 أي: عِيانًا, ومنه قولهم: "جهرت البئر" إذا أخرجت ما فيها من الحمأة, فأظهرته لمرآة العين، فالواو فيه زائدة.
وقولهم: بَيْطَر الدابة: أصله من البَطْر وهو الشق في جلد أو غيره، ويقال6: بطرتُ الجُرْح أبطُره وأبطِره بطْرا، ومنه سمي البَيْطار؛ لأنهم كثيرا ما يصفونه بالشق والنقب، ألا ترى إلى قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يئس.
2 قريب: ساقط من ظ، ش.
3، 3 تقدم قبله بإحدى عشرة كلمة, فهو من لهجة ابن جني.
4 ظ: قوله: وكانت قولهم. وش: قوله.
5 من الآية 153 من سورة النساء4.
6 ظ، ش: يقال.

ج / 1 ص -40-                              اعص العواذل وارم الليل عن عرض         بذي سبيب يقاسي ليله خببا

أقب لم ينقب البيطار سرته                    ولم يدجه ولم يقطع له عصبا

حتى تصادف مالا أو يقال فتى                 لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا

فمن هنا قيل: بيطر الدابة، وقالوا في هذا المعنى: "رجل1 بَيْطَر وبِيَطْر ومُبَيْطِر وبَيْطَار" فقد صح أن الياء في بيطر زائدة، وإنما أذكر في هذه المواضع مثل هذا الاشتقاق؛ لأن الحاجة تدعو إليه لتقوم الدلالة على زيادة الحروف المزيدة؛ لأنه موضع تبيين ذلك.
قال أبو عثمان: فإذا أرادوا أن يلحقوا الثلاثة بالأربعة بزائدة في آخره, زادوا ياء في آخره, فأجروها مجرى الياء التي من نفس الحرف2, وذلك قولهم: سلقيته وجعبيته، فهذا الذي ذكرت لك من الإلحاق في الثلاثة من الأسماء والأفعال ببنات الأربعة.
قال3 أبو الفتح3: اعلم أن الياء في "سَلْقَيْتُ وجعبيت" هي أصل للألف في "سَلْقَى وجعبى". فإن قيل: وما الدليل على أن الياء الأصل دون الألف؟ قيل: ظهور الياء عند سكون لام الفعل، وذلك نحو: "سلقيت وجعبيت" فجرى ذلك مجرى "رميت وسعيت"؛ لأن السكون بعد4 الحركة؛ ولذلك5 قال أبو عثمان: زادوا في آخره ياء ولم يقل: زادوا ألفا. ولهذا أيضا مَثَّل بسلقيت ولم يُمَثِّل بسَلْقَى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الرجل.
2 ظ، ش: الكلمة.
3،3 ظ: الشيخ.
4 ص: قبل.
5 ص: وكذلك.

ج / 1 ص -41-          وقوله: وأجروها مجرى الياء التي من نفس الحرف: يريد به أن الياء التي في سلقيت -على أنها زائدة- تجري مجرى الياء التي في أمضيت, وكلاهما1 أصل غير زائد، ألا ترى أنك تقول: "سَلْقَى يُسَلْقِي سِلْقَاء فهو مُسَلْقٍ، كما تقول: أجرى يجري إجراء فهو مجرٍ".
وأما قولهم في المصدر أيضا: "سَلْقاة وجعباة" فهو نظير "الضَّوْضاة والقَوْقاة" مصدر: "ضوضيت وقوقيت" ونظيرهما من الصحيح "الدحرجة والقلقلة والزلزلة"؛ لأن "سلقى" ملحق "بدحرج"، فلذلك جاء مصدره بمنزلة الدحرجة. وقالوا: "سلقيتُ سِلْقاء" كما قالوا: "دحرجتُ دِحْراجا" وقال الراجز:

سَرْهَفْتُهُ ما شئت من سِرْهاف

ولم يقولوا: أكرمته أَكرمة بوزن دَحرجة؛ لأن أكرمت ليس ملحقا بدحرجت.
الإلحاق المطرد في الأسماء والأفعال:
قال أبو عثمان: وهذا الإلحاق بالواو والياء والألف لا يقدم عليه إلا أن يُسمَع, فإذا سُمع قيل: أُلحق ذا بكذا بالواو والياء وليس بمطرد، فأما المطرد الذي لا ينكسر، فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للإلحاق، مثل "مَهْدَد وقَرْدَد وسُؤْدُد وعُنْدُد"، والأفعال "جلبب يُجلبب جلببة".
قال أبو الفتح: اعلم أن قوله: وهذا الإلحاق بالواو والياء والألف لا يقدم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكل منهما.

 

ج / 1 ص -42-          عليه: يريد به الأسماء والأفعال جميعا لا أحد القبيلين، وإنما لم يطرد عنده؛ لأنه لم يكثر كثرة ما يكون إلحاقه بتكرير لامه نحو مَهْدَدٍ وجَلْبَبَ، فلما لم يكثر كثرته لم يقسه وسلم ما سمع منه, وهذا الذي عملوه هو القياس عندي؛ لأنك إذا أردت أن تلحق شيئا بشيء أكثر حروفا منه, فلا بد من زيادة تبلغه ذلك الغرض المطلوب.
وينبغي أن تكون الزيادة عند انقضاء حروف1 الكلمة الأصول، ولا تجيء بالزوائد2 قبل أن نستوفي ما له3 من الأصول؛ لأنه كان يكون حكمك لو فعلت ذلك, حُكم من له دراهم فاحتاج إلى إنفاقها فتركها بحالها لم يعرض لها, وذهب يَدَّان غيرها فينفقه. فلما فني ما ادَّانه عاد على4 ماله بالنفقة، فهذا ليس في حزامة من بدأ بإنفاق ماله. فلما فني ونفد دعته الضرورة إلى أن يدّان ويسأل الناس فهو حينئذ أعذر من الأول.
وإنما مثلت هذا لينكشف القياس، ولم أتعد في هذا التمثيل ما جرت به عادة النحويين, ألا ترى أنهم يقولون: إن الإمالة إنما دخلت الكلام ليتجانس الصوتان. قالوا: ولو قلنا: عالم فلم نُمِل، لكان النطق بكسرة اللام بعد إشباع الفتحة بالألف كالنزول في حُدور من موضع عالٍ، فأملنا فتحة العين لتصير الألف بين الياء والألف، فتقرب بذلك من كسرة اللام, فيكون ذلك كالنزول من موضع غير مفرط العلو، وهذا أخف من الانكسار بعد إشباع الفتحة.
فإن قلت: فهلّا قاسوا الإلحاق في مثل سلقى وجعبى؛ لأن الزيادة بعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الحروف بأل, وهو خطأ ظاهر.
2 ظ، ش: بالزائد.
3 ص، ظ : لك.
4 ظ، ش: إلى.

 

ج / 1 ص -43-          انقضاء الحروف الأصلية؟ فالجواب في ذلك أنهم إنما أرادوا أن يبلغوا بالثلاثة الأربعة، والأربعة كلها أصول، فلما لم يكن بد من الزيادة، كرروا الأصل فقالوا: جلبب، فكان تكرير الأصل إذا أريد الإلحاق بالأصل أشبه.
ألا ترى أن جَلْبَبْتُ بوزن دَحْرَجْتُ, والجيم من الأصل، فكرروا الباء في جلببت؛ لأنها وإن كانت زيادة، فإنها تكرير أصلي والأصل أشبه بالأصل وإن كان مكررا، والياء في سلقيت -مع أنها زائدة- ليست من أصل1 القاف في شيء، فهذا الذي عندي في هذا.
ومعنى قوله: إن باب "مهدد وجلبب" مطرد، وباب "كوثر وجهور" غير مطرد, يريد: أنك لو احتجت في شعر أو سجع أن تشتق2 من ضَرَبَ اسما أو فعلا أو غير ذلك, لجاز3 وكنت تقول: ضَرْبَبَ زيد عمرا وأنت تريد ضَرَبَ3, وكنت تقول: هذا ضرببٌ قد4 أقبل, إذا جعلته اسما، وكذلك ما5 أشبه هذا ولم يكن يجوز لك5 أن تقول: ضَوْرَبَ زيد عمرا، ولا: هذا رجلٌ ضوربٌ؛ لأن هذا الإلحاق لم يطرد اطراد الأول, فلا تقسه6.
وسألت أبا علي عن هذا الموضع في وقت القراءة بالشام والعراق جميعا، وأنا أثبت ما تحصّل من قوله فيه, فقال7: لو اضطر شاعر الآن، لجاز أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: لفظ.
2 ظ، ش: تشق.
3 و3 ساقط من ظ، ش.
4 قد: ساقط من ظ، ش.
5 و5 ظ، ش: أشبهه ولم يجز له.
6 ظ، ش: نقيسه.
7 ظ، ش: قال.

 

ج / 1 ص -44-          يبني من ضَرَبَ اسما وفعلا وصفة وما شاء من ذلك، فيقول: "ضَرْبَبَ زيدٌ عمرًا، ومررتُ برجل ضرببٍ، وضرببٌ أفضل من خَرْجَجٍ"؛ لأنه إلحاق مطرد، وكذلك كل مطرد من الإلحاق نحو: هذا "رجل ضَرَنْبًى"؛ لأن هذا الإلحاق مطرد، وليس لك أن تقول: هذا رجل "ضَيْرَبٌ، ولا: ضَوْرَبٌ"؛ لأن هذا لم يطرد في الإلحاق.
فقلت له: أترتجل اللغة ارتجالا؟ فقال: نعم؛ لأن هذا الإلحاق لما اطرد صار كاطراد رفع الفاعل، ألا ترى أنك تقول: طاب الخُشْكَنانُ, فترفعه وإن لم تكن العرب لفظت بهذه الكلمة؛ لأنها أعجمية؟ قال: وإدخالهم الأعجمي في كلامهم كبنائك ما تبنيه من ضَرَبَ وغيره في1 القياس, وهذا من طريف ما علقته من أبي علي، وهذا لفظه أو معنى لفظه.
الزيادة للإلحاق المطرد وغير المسموع للتدريب:
قال أبو عثمان: فإذا سُئِلتَ: كيف تبني من ضَرَبَ مثل جَعْفَرٍ؟ قلت: ضَرْبَب، ومن علم قلت: عَلْمَم، ومن ظرُف قلت: ظَرْفَفٌ، وإن كان فعلا فكذلك, وتجريه مجرى دحرج في جميع أحواله.
قال أبو الفتح: اعلم أن معنى2 قول أهل التصريف: ابن لي من كذا مثل كذا, إنما معناه: فُكّ3 صيغة هذه الكلمة3 وصُغْ من حروفها مثل هذا الذي قد سئلت أن تبني مثله, بأن تضع الأصل بحذاء الأصل، والزائد بإزاء4 الزائد، والمتحرك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: من.
2 معنى: ساقط من ظ، ش.
3، 3 ظ، ش: صيغته.
4 ظ, ش: بحذاء.

 

ج / 1 ص -45-          بإزاء المتحرك، والساكن بإزاء الساكن، وتضم ما سألك أن تضمه، وتفتح ما سألك أن تفتحه، وتكسر ما سألك أن تكسره، فتحتذي المثال المطلوب.
وذلك نحو قولك: ابنِ من خرج مثل هِجْرَع؟ فجوابه "خِرْجَج" ومثله1 من دخل: "دِخْلَل"، وإن كان في المثال المطلوب زائد جعلته فيما تبنيه أنت. وذلك قوله: ابن لي من ضرب مثل خَيْفَق؟ فجوابه: "ضَيْرَب"؛ لأنه في هذه المسألة كأنه قال لك: اجعل ثاني الحروف ياء زائدة فلم تعد ما سألك، وكأنه في المسألة الأولى قال لك: كرر اللام من خرج؟ فجوابه: خَرْجَجَ. فإن كان المبني منه معتل الحروف فأوجب عليك احتذاؤك المثال المقصود إعلالا بحركة أو سكون أو قلب أو حذف, ارتكبت ما أداك إليه السؤال, وسيمر بك تفصيل هذه الجملة في مواضعه. وإنما قدمت هذا لتجعله قاعدة تبني عليها، وإذا عرف الأصل قرب الفرع والله المعين.
وقوله: وتجريه مجرى دحرج في جميع أحواله, يريد به: أنك تقول: ظَرْفَفَ يُظَرْفِفُ ظَرْفَفَةً فهو مُظَرْفِف وذلك مُظرفَف وتظهر ولا تدغم؛ لأنه ملحق, فلو أدغمت لزال البناء.
قال أبو عثمان: فهذا الذي ذكرت لك أنه يطرد في الإلحاق والذي تقدم قبله من الملحق بالواو والياء ليس بمطرد إلا أن يسمع، ولكنك إن سئلت عن مثاله جعلتَ في جوابك زائدا بإزاء الزائد, وجعلتَ البناء كالبناء الذي سئلت عنه.
قال أبو الفتح: قد تقدم قولنا في الفصل بين المطرد وغيره. وقوله: إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثله: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -46-          سُئلتَ عن مثاله جعلتَ في جوابك زائدا بإزاء الزائد, يريد: أنك إذا مثّلته إما للرياضة وإما لتبيين الأصل من1 الزائد؛ لزمك أن تنطق بالزائد في المثال ليمتاز الأصل من غيره.
وقوله: وجعلت البناء كالبناء الذي سئلت عنه, يريد به الآن: الصيغة ونظم الحروف في التقديم والتأخير والحركة والسكون، ولهذا2 قلت في "كَوْثَر: إنه فَوْعَل, وفي صَيْرَف: إنه فَيْعَل, وفي جَهْوَر: إنه فَعْوَل".
قال أبو عثمان3: فإن قيل لك: ابن3 من ضرب مثل جَدْوَل؟ قلت: ضَرْوَب, ومثل كَوْثَر: ضَوْرَب, ومثل جَيْئَل: ضَيْرَب، وإن كان فعلًا فكذلك.
قال أبو الفتح: اعلم أنه ليس يريد أنك تقيس في الإلحاق على "جدول وكوثر وجيئل" قياسًا مطردًا؛ لأنه قد ذكر بديئًا أنه غير مطرد في بابه، وإنما يريد أنك لو مثلته من الضرب لقلت: "ضَوْرَبٌ وضَرْوَبٌ وضَيْرَبٌ"، كما أنك لو مثلته من الفعل لقلت: "فَوْعَلٌ وفَعْوَلٌ وفَيْعَلٌ"، فكأنه قال لك: ما مثال "كوثر وجدول وجيئل" من الضرب، كما يقول لك: ما مثال هذه الأشياء من الفعل.
وقوله: وإن كان فعلًا فكذلك, يريد به: أنك لو مثلت "حوقل وجهْور وبيطر" من ضرب، لقلت: "ضَوْرَبَ وضَرْوَبَ وضَيْرَبَ" كما فعلت في الاسم؛ لأن التمثيل في القبيلين واحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من: ساقط من ظ؛ لضيق المكان.
2 ظ، ش: فلهذا.
3، 3 ظ، ش: فإذا قيل لك: ابن لي.

 

ج / 1 ص -47-          إلحاق الرباعي بالخماسي من الأسماء:
قال أبو عثمان: وقد يُبْلَغُ ببنات الأربعة الخمسة من الأسماء كما بُلغ بالثلاثة الأربعة كما ذكرت لك1, وسنبين كل شيء في موضعه إن شاء الله2. فمما أُلحق من الأربعة بالخمسة: قَفَعْدَد ملحق بسفرجل وهَمَرْجل.
قال أبو الفتح: اعلم أن القياس المطرد في إلحاق بنات الأربعة بالخمسة أن تكرر اللام كما فعلتَ ذلك في الثلاثة نحو: "مَهْدَد وقَرْدَد"؛ لأن محل الخمسة من الأربعة محل الأربعة من الثلاثة؛ فلذلك استويا في هذا المعنى. ولهذا بدأ أبو عثمان "بقفعدد" وترك "فَدَوْكَسا وسَمَيْدَعا" ونحوهما مما ليس إلحاقه بتكرير اللام، وسيأتيك إن شاء الله، ومثل3 قَفَعْدَد سَبَهْلَل وصَمَعْدَد4.
قال أبو عثمان: وقد تلحق الثلاثة بالخمسة نحو: عَفَنْجَج وهو من الثلاثة، فالنون5 وإحدى الجيمين زائدتان.
قال أبو الفتح: اعلم أنك إذا استوفيت ثلاثة أحرف من الأصول ثم تكررت اللام؛ قضيت بزيادتها6 وذلك نحو: "قَرْدَد وجَلْبَبَ" فالدال والباء الأخيرتان زائدتان6؛ لأنهما7 قد تكررتا. ولو كان في موضع الدال الأخيرة حرف غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لك: ساقط من ظ، ش.
2 إن شاء الله: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: مثال.
4 صمدد: بالعين المهملة في النسخ الثلاث.
5 ص وهامش ظ: فالنون, وظ، ش: والنون.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
7 ص: لأنها، بضمير المفردة.

 

ج / 1 ص -48-          الدال, لكانت الكلمة رباعية وذلك نحو "قَرْدَسَ وقَرْدَحَ" لو كان هذا مما1 ينطق به.
وكذلك لو كان في موضع الباء الأخيرة غير الباء، لكانت الكلمة رباعية نحو: "حَلْبَسَ وجَلْبَحَ" لاختلاف الحروف، ولو قالوا: "قَرَّدَ وجَلَّبَ" لكان ثلاثيا أيضا؛ لأن العين قد تكررت كما تكررت اللام، ومثله قطّع وكسّر، ولكن لو وجدت بعد الراء من قَرْدَدٍ، واللام من جَلْبَبَ، لفظ الفاء لكانت الكلمة رباعية؛ لأن الفاء لم تكرر في كلام العرب إلا في حرف واحد وهو: "مَرْمَرِيس" فلو قالوا: "قَرْقَر وجَلْجَب" لكان رباعيا, ولم تكن الفاء مكررة.
ونظيره من كلامهم في الأسماء "قَرْقَل، وفَرْفَخ"، وفي الأفعال: "زَهْزَق، ودردب" ونظيرهما من ذوات الخمسة "صَهْصَلق، ودَرْدَبيس". وإذا كان الأمر على ما ذكرنا, فلا محالة أن إحدى الجيمين في عَفَنْجَج2 زائدة؛ لأنها لام قد تكررت بعد حرفين أصليين لا محالة، وهما: العين والفاء. والنون أيضا زائدة؛ لأنها ثالثة ساكنة، والكلمة على خمسة أحرف، ومتى جاءت النون هكذا, فاقض عليها بأنها زائدة، وإن جهلت الاشتقاق؛ لأنها لم توجد فيما عرف اشتقاقه على هذا3 السبيل إلا زائدة.
ويريد أبو عثمان بقوله: إن إحدى الجيمين زائدة، أنها مكررة, لا أنها من حروف الزيادة العشرة؛ فقد صح من طريق القياس أن الكلمة ثلاثية، وأما من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: لمما.
2 في عفنجج: ساقط من ظ، ش.
3 ظ: هذه.

 

ج / 1 ص -49-          طريق الاشتقاق فهي أيضا كذلك؛ لأن "العَفَنْجَج" هو الجافي، وقد قالوا: عَفَجَهُ بالعصا؛ إذا ضربه، والضرب بالعصا من الجفا. قال الراجز:

فاحذر فلا تكتر كريا أعوجا                       علجا إذا ساق بنا عَفَنْجَجَا

زيادة النون والألف:
قال أبو عثمان: ومثل ذلك1 حَبَنْطى ودلنظى وسرندى, النون والألف زائدتان؛ لأنك تقول: حبط بطنه، ودلظه بيده وسرده، فهذا من الثلاثة, وقد ألحق بالخمسة كما ألحقت الأربعة بها، وهذا كثير، ولكن هذا موضع اختصار.
قال أبو الفتح: قد أبان عن هذه الأمثلة بالاشتقاق الذي أورده؛ لأن معنى حبط بطنه: انتفخ، "والحبنطى" هو الكبير البطن. وقالوا: دلظه بمنكبه؛ إذا دفعه، "والدلنظى" هو الشديد الدفع، "والسرندى" الجريء من النمور. وقال: سرده؛ إذا مضى قدما، وجميع هذه الأمثلة2 مفسر في فصل في آخر الكتاب على حدته إن شاء الله.
قال أبو عثمان: وأكثر ما3 يبلغ بنات3 الثلاثة من الأفعال بالزيادات سبعة أحرف نحو مصدر اشهابّ واحمارّ، إذا قلت فيه4: اشْهِيباب واحْمِيرار، وقد تبلغه مصادر الأربعة في "احْرِنْجُام" وما كان على وزنه من المصادر, ولا يجيء هذا العدد إلا في مصادر5 الثلاثة والأربعة المزيدة6 على ما ذكرت لك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومثل ذلك: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: اللغة.
3، 3 ظ، ش: يبلغ ببنات.
4 فيه: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: مصدر.
6 المزيدة: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -50-          قال أبو الفتح: اعلم أن مصادر بنات الثلاثة إنما احتملت أن تبلغ سبعة أحرف لما أذكره لك، وذلك أنها أقل الأصول وأعدلها. فاحتملت كثرة الزيادات لتصرفها وتمكنها، وأيضا فإن الهمزة في أوائلها قد تسقط في الوصل, فكأنها إنما بلغت لذلك ستة أحرف. وإذا جاز أن يُبْلَغ بالفعل على ثقله ستة أحرف, فالمصدر الذي هو اسم جدير لخفته وتمكنه أن يزاد عليه حرف واحد. وأيضا فإن الزوائد وإن أطالت الكلمة, فعلى كل حال هي زوائد، والتقدير فيها الانفصال والانفكاك من الكلمة، وقد يحذف كثير منها في التحقير والتكسير, ولا سيما تحقير الترخيم، فكانت لذلك بمنزلة المنفصل من الكلمة, فاحتمل كثرتها في بنات الثلاثة لما ذكرت لك.
ثم حُملتْ بنات الأربعة على بنات الثلاثة؛ لأنه قد جاء الفعل رباعيا كما جاء ثلاثيا, فلذلك بلغ بمصادر الرباعية سبعة أحرف، ولما كان جميع ما بلغ السبعة إنما هو مصادر ولم يكن لبنات الخمسة فعل لم يبلغ سبعة أحرف, على أنهم قد بلغوا السبعة بغير المصادر, قالوا: "مَتْيُوساء, ومَبْغُولاء، ومعيوراء، ومأتوناء, ومشيوخاء، ومكبوراء، ومصغوراء، ومعلوجاء، ومشيوحاء, وهَزَنْبَران، وعُرَيْقُصَان، ومَعْكُوكاء، وبَعْكُوكاء, وقَرَعْبَلانة, وعُقْرُبان".
وهذا مما لا يُعَرَّج عليه لقلته ونزارته؛ ولذلك لم يذكره أبوعثمان وجميعه1 في آخره2 زائدان زيدا معا2 فجرتا لذلك مجرى الزائد الواحد, ألا ترى أنهما يحذفان في الترخيم جميعا كما تحذف الهاء من طلحة, والألف من حبلى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: جمعه.
2، 2 في ظ، ش: زائدتان معا.

 

ج / 1 ص -51-          قال أبو عثمان: وقد تزاد في بنات الخمسة حتى يكون عددها ستة بالزيادة ولا يبلغون بها1 السبعة مع الزيادة؛ لأن الخمسة عندهم غاية الأصول فلا تحتمل غاية الزيادات، فمما زِيدَ عليه2 من الخمسة: "عَضْرَفُوط وعَنْدَلِيب وحَنْدَقُوق، ومثل قَبَعْثَرى"، زيدت الألف في آخره لغير التأنيث؛ لأنها منونة، ولو كانت غير منونة لكانت للتأنيث, فعلى هذا تجري بنات الخمسة بأصولها وزوائدها3.
قال أبو الفتح: اعلم أنهم إنما اجتنبوا تبليغ بنات الخمسة سبعة أحرف بالزيادة؛ لأن بنات الخمسة وإن كانت كلها أصولا, فقد تباعدت عن أعدل الأصول وأخفها وهو الثلاثي, فثقُلت لذلك. والزيادة4 في الكلمة تزيدها ثقلا, فلم يجمعوا عليها ثقل الأصل وثقل الزيادة ولم يكن منها فعل فيبلغ بمصدره سبعة أحرف كما فُعل في اشْهِيباب5 واحرنجام، فرُفض ذلك لذلك. فأما6 قبعثرى: فتنوين ألفه يدل على أنها ليست للتأنيث، ألا ترى أن مثل حبلى، وسكرى, لما كانت ألفه للتأنيث لم تنون على وجه.
فإن قلت: أتقول: إن ألفه للإلحاق؟ فالجواب: أنها ليست للإلحاق؛ لأن بنات الخمسة ليس وراءها شيء من الأصل فيلحق به، ولكنها زيادة لغير التأنيث بل لضرب من التوسع، ولا تكاد تجد بنات الخمسة قد لحقتها الزيادة من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: به.
2 ظ: عليها.
3 في ظ، ش: في هذا الموضع عقب كلام أبي عثمان المازني ما يأتي: "قال أبو الفتح: حندقوق: رباعي ذكره في الخماسي وهذا سهو". وهذه القولة في ص حاشية على هامشها مصدرة بكلمة حاشية وليس في صدرها: "قال أبو الفتح", وما فيها هو الصواب.
4 ظ، ش: والزوائد.
5 ظ، ش: بأشهيباب.
6 ظ، ش: وأما.

 

ج / 1 ص -52-          آخرها غير هذا الحرف، وما لا حكم له لقلته, وقد قالوا: "ضَبَغْطَرى". فأما قولهم: "قَرَعْبَلانة" فكأن الذي شجعهم على إلحاق الألف والنون في آخرها وهي خماسية, أن الألف والنون في أنحاء كثيرة من كلامهم في تقدير الانفصال عندهم، حتى إنهم يُسقطون كثيرا من أحكامهما. ألا ترى أنهم يصغرون "زَعْفَرَانا زُعَيْفِرانا" كما يقولون: "عَقْرَب وعُقَيْرِب" ولو اعتدوا بالألف والنون لم يجز هذا.
وقد أجروا الألف والنون الزائدتين أيضا مجرى الزيادة الواحدة، ألا تراهم1 قالوا في ترخيم "عثمان: يا عُثْمَ" كما قالوا في ترخيم "طلحة: يا طَلْحَ" فلما كانت الألف والنون عندهم في كثير من المواضع بمنزلة المنفصل من الكلمة، وبمنزلة الحرف الواحد المنفصل من الكلمة، اجترءوا على زيادتهما في آخر ذوات الخمسة في هذا الحرف الذي لا نظير له، وكذلك ما جاء نحو "مَعْيُورَاء" وبابه؛ لأنهم أجروا الألف والهمزة مجرى الحرف الواحد لما لم يفترقا, فأشبها الهاء.
وإنما قلت: الزوائد في آخر ذوات الخمسة عندي؛ لأنها قد طالت وأفرط طولها فلا ينتهى إلى آخرها إلا وقد مُلَّتْ. ألا ترى أنهم يقولون في تحقير "سفرجل وتكسيره2: سفيرج وسفارج" فيقفون دون الخامس لتراخيه وبعده، فلما كان الأمر كذلك لم يزيدوها طولا من آخرها.
ألا ترى أن باب "عندليب، وعضرفوط" مما كانت الزيادة فيه قبل لامه الآخرة3 أكثر من باب "قبعثرى، وضبغطرى" وكانت الزيادة في باب4 "عندليب وعضرفوط" قبل الخامس أسوغ منها في قبعثرى"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ترى أنهم.
2 وتكسيره: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: الأخيرة.
4 باب: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -53-          بعد استيفاء حروف الكلمة والملال بطولها، فهذا ما أدى إليه النظر والله الموفق، ولم يكن سبيله أن يذكر حندقوقا مع بنات الخمسة؛ لأنه من ذوات الأربعة، وكذا قرأته على أبي علي ورأيته في غير نسخة.
"الأفعال المبدوءة بهمزة وصل":
قال أبو عثمان: واعلم أن الأفعال قد تسكن أوائلها ويلحقونها ألف الوصل، ولتلك الأفعال أبنية كثيرة سأخبرك عنها إن شاء الله.
قال أبو الفتح: اعلم أن ألف الوصل همزة تلحق في أول الكلمة؛ توصلا إلى النطق بالساكن, وهربا من الابتداء به, إذ كان ذلك غير ممكن في الطاقة فضلا عن القياس.
وليس لقول من جوّز الابتداء بالساكن من القدر ما يُتشاغل بإفساده، وإنما سبيله في هذا1 سبيل من شك في المشاهدات من السوفسطية2 ومن ليس بكامل العقل.
وهذه الهمزة إنما حركت لسكونها وسكون ما بعدها، وهي في الأصل زائدة3 ساكنة.
فإن قيل: أنت هربت من سكون النون في "انفعل", فكيف زدت عليها ساكنا آخر وهو الهمزة؟ قيل: هذه الهمزة وإن كانت ساكنة, فإنها إنما جيء بها قبل الساكن؛ لأنه4 قد عُلم أنه إذا اجتمعت معه فلا بد من حذف أحدهما أو حركته, فالحركة والحذف لم يصلح واحد منهما في الحرف الساكن من الفعل لئلا تزول بنيته التي قد أريدت له من سكون أوله، فلم يبق إلا حذف الهمزة أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هذا: ساقط من ظ، ش.
2 في ظ أمام السوفسطية كلمات لم نتبينها.
3 زائدة: زيادة من ظ، ش.
4 ظ وش: لأنها.

 

ج / 1 ص -54-          حركتها فلم يجز حذفها؛ لأن ذلك كان يؤدي إلى ما منه هُرِب وهو الابتداء بالساكن, فلم يبق إلا حركة الهمزة فحركت, فانكسرت على ما يجب في الساكنين1 إذا التقيا.
فإن كان2 الحرف الذي بعد الساكن مفتوحا أو مكسورا فالهمزة مكسورة نحو "انطَلق" ألا ترى أن الطاء مفتوحة، وكذلك "اضرِبْ" ألا ترى أن الراء مكسورة, وكذلك اذهَب واركَب وما أشبه ذلك, فإن كان2 الحرف الذي بعد الساكن مضموما ضُمّت همزة الوصل كراهية الخروج من الكسر إلى الضم اللازم, وليس بينهما حاجز إلا حرف ساكن، والساكن ضعيف فكأن لا حاجز بينهما، وذلك قولهم: "اقْتُل, استُخرج, انطُلق به".
فإن قلت: فقد قالوا: "فَخِذ وكَبِد" وهو "يضرِب ويجلِس" فخرجوا من الكسر إلى الضم؟ فليس ذلك بشيء؛ لأن الضمة في حرف الإعراب غير لازمة والنصب والجر يزيلانها، وإنما يكره من هذا ما كان لازما.
فأما حكاية بعضهم "زِئْبُر وضِئْبُل" -بضم الباء- فلا أصل لها ولا هي معروفة.
فكذلك3 حكاية بعضهم "إِصْبُع" -بكسر الهمزة وضم الباء- غير معرج عليها؛ لأنها لم يصح بها ثبت، ولو صحت لكانت من الشذوذ بحيث لا يقاس عليها.
وحكى بعضهم: ما رأيته منذُ ستٌّ ومذُ يومانِ، وهذا كله إذا صحت به الرواية شاذ.
وحكى بعضهم "اقتل" -بكسر الهمزة- فجاء به على الأصل واعتد الساكن حاجزا؛ لأنه وإن كان لا حركة فيه، فهو حرف على كل حال وهذا من الشاذ4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الساكن, وهو خطأ.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ: فأما. ش: وكذلك.
4 من الشاذ: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -55-          وإن كان له وُجَيه في القياس, فهو من الشاذ عن القياس والاستعمال جميعا.
فإن قلت: فقد قالوا: "اغْزِي يا امرأةُ" فضموا الهمزة وإن كانت1 الزاي مكسورة. وقالوا: "امشُوا" فكسروا2 الهمزة3 والشين مضمومة. وهذان مطردان في بابهما، فإنه إنما جاز ذلك؛ لأن أصل الزاي أن تكون مضمومة وأصل الشين أن تكون مكسورة.
ألا ترى أن أصل "اغْزِي: اغْزُوِي" بوزن "اقتُلي" وأصل "امشوا: امشِيُوا" بوزن اضربوا، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى الزاي, واستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الشين فسكنتا4, وبعد كل واحدة منهما حرف ساكن فحذفتا لالتقاء الساكنين. فالكسرة في الزاي من اغزي عارضة كما أن الضمة في الشين من امشوا عارضة, فجاءت الهمزتان في أولهما على أصل بنائهما الذي كان يجب لهما.
تسكين أوائل الأفعال:
فإن قلت: ولِمَ سكنوا أوائل الأفعال حتى احتاجوا إلى همزة الوصل؟ قيل: إنما كان ذلك؛ لأن الأفعال موضوعة للتوهين والإعلال لتصرفها، وأنها لا تتقارّ على حال واحد؛ فلذلك كثر فيها الاعتلال، ألا تراهم أمالوا مثل "صار، وطاب" مع أن فيهما5 حرفا مستعليا؛ لأنهما فعلان, ولم يجيزوا ذلك في "صالح، وخالد" لأنهما اسمان.
فإن قلت: ما تنكر أن تكون الإمالة إنما حسنت في مثل صار وطاب؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كان.
2 ظ، ش: وكسروا.
3 الهمزة: ساقط من ظ، ش.
4 ش: فسكنت.
5 ص: فيها، بضمير الواحدة.

 

ج / 1 ص -56-          لأن ألفهما منقلبة1 عن ياء، وألف "صالح وخالد" ليست منقلبة عن ياء؟ قيل: يدل على أن الإمالة لم تجب من أجل2 انقلاب الألف عن الياء، أنهم قد أمالوا "خَاِفَ" وأصل ألفه من الواو؛ لأنه من الخوف.
فإن قيل: فما تُنكر أن تكون الإمالة في "خاف" إنما حدثت؛ لأن الواو كانت مكسورة في الأصل لأنها خَوِفَ؟ قيل: يدل على أنه لم تُمَلْ؛ لأن أصل حركة الواو الكسرة، أنهم قد أمالوا "طَاِبَ" وأصله "طَيَبَ" بالفتح3, فأمالوا ولا كسر فيه.
انكسار الحرف لا يجيز إمالته:
وأيضا, فإن انكسار الحرف لا يجيز إمالته, وليس هذا مذكورا في الأسباب الستة الحادثة عنها الإمالة، وإنما تحدث الإمالة عن الكسرة إذا كانت قبل الحرف الممال أو بعده لا فيه، نحو "عماد، وهذا حاتم". فلما كانت الأفعال غير لازمة لموضع واحد ولا متقارة على سنن، تسلط عليهاالإعلال والتوهين فشجعهم ذلك على أن سكنوا أوائلها حتى احتاجوا إلى همزة الوصل، وهذا من أغلظ ما جرى على الأفعال.
دخول همزة الوصل على فعل الأمر:
فأما دخول هذه الهمزة في نحو "اضرب واقتل" وجميع ما كانت حروف المضارعة منه مفتوحة وما بعدها ساكن، فإنما وجب؛ لأن حرف المضارعة حُذف لئلا يلتبس الأمر بالخبر، فلما حذف الحرف لم يجز الابتداء بالساكن، فجيء بالهمزة فقالوا: "اقتل، واستخرج، وانطلق" ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: منقلب.
2 أجل: ساقط من ظ، وفي هامشها: الهمزة.
3 في ظ تحت بالفتح: من أنه يجوز تعدد العلل, وليس لها مناسبة في الصلب.

 

ج / 1 ص -57-          ما بين الأسماء والأفعال من تقارب:
فإن قلت: فإن الأسماء أيضا لا تتقارّ على حالة واحدة، وقد يدخلها الحذف والتحقير والتكسير والترخيم والنسب، وهذا كله مما يغير فيه الاسم عما1 كان عليه؟
قيل: إن الأسماء وإن كانت كما ذكرت، فهي -لقوتها وتمكنها, وأنها الأول وهي مستغنية عن الأفعال- أثبت من الأفعال، وهي في الصحة أقعد، والاعتلال منها أبعد، إلا أنه لما كان في الأسماء ما ذكرته من الحذف والتحقير والتكسير ونحوها، كان2 بين الأسماء والأفعال تناسب وتقارب، ألا ترى أن الفعل ثانٍ للاسم، وهو وإن كان أضعف منه، فإنه أقوى من الحرف، وقد يكون الاسم خبرا كما يكون الفعل خبرا نحو قولك: "زيد أبوك" و"زيد قام"3 وكل واحد منهما يلحقه الاشتقاق والتصريف.
الأسماء العشرة المبدوءة بهمزة الوصل:
فلما كان بين الاسم والفعل هذا التقارب، ولحق الاسم ذلك الاعتلال، اجترءوا على أسماء محصورة فأسكنوا أوائلها وألحقوها همزة الوصل، ولم يستنكر ذلك فيها مع ما ذكرنا4، كما لم تستنكر إضافة أسماء الزمان إلى الأفعال نحو قوله تعالى:
{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ}5 و{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ}6, ونحو قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: مما.
2 هنا في النسخ الثلاث قبل "كان" واو عطف أفسدت المعنى, فهي زائدة من الناسخ خطأ.
3 ظ، ش: قائم, وهو خطأ.
4 ظ، ش: ذكرناه.
5 سورة النبأ من الآية 40.
6 سورة الكهف صدر الآية 52.

 

ج / 1 ص -58-                                      على حين عاتبت المشيب على الصبا      وقلت ألما تصح والشيب وازع

وكما وصفوا بالفعل في قولهم: "مررت برجل يأكل", والإضافة والوصف إنما أصلهما للأسماء.
وتلك الأسماء: "ابن وابنة وامرؤ وامرأة واثنان واثنتان واسم واست وايم، وقالوا: ابْنُم" يعنون الابن.
قال الشاعر:

وهل لي أم غيرها إن تركتها                    أبى الله إلا أن أكون لها ابنما

وقال الآخر:

فقال فريق القوم لما نشدتهم                نعم وفريق لا يمن الله ما اندري

وهذه الأسماء كلها معتلة، أما ابن وابنة وابنم واثنان واثنتان واسم وايم واست, فمحذوفات اللامات1 يدل على ذلك2 أن "ابنا" من البنوة واللام فيه واو؛ لأن مؤنثه بنت، والتاء إنما تبدل من الواو دون الياء في غالب الأمر، وكذلك "ابنة وابنم" مثله والميم زائدة وليست بدلا من لام الفعل على حد ما كانت الميم في "فم" بدلا من عين الفعل؛ لأنها لو كانت بدلا، لجرت مجرى اللام. فكانت اللام من أجل ذلك كأنها ثابتة؛ لأن الشيء إذا أبدل منه لم3 يحذف وإنما جيء بشيء فوضع موضعه فجرى مجراه.
ولو كانت الميم في "ابنم" بدلا من اللام، لكانت اللام في حكم الثابت، وبطل جواز دخول همزة الوصل في أول "ابنم"؛ لأن هذه الهمزة تعاقب اللام ولا تدخل من الأسماء إلا على المحذوفات ما خلا "امرأ" وسنذكره, ألا ترى أنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: اللام.
2 ذلك: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: فلم، والفاء زائدة لا حاجة إليها وبدونها يستقيم الكلام. ويلاحظ أن الفاء كانت في نسخة ص ثم محيث وبقي بعضها.

ج / 1 ص -59-          تقول في النسب إلى ابن: ابْنِيّ، فتقر الهمزة ما دامت اللام محذوفة، فإن رددت اللام حذفت الهمزة؛ لأنها لا تجتمع مع اللام، وذلك قولهم: "بنوِيّ" واثنان واثنتان من ثنيت الشيء، فالمحذوف1 اللام وهي ياء لظهورها في ثَنَيْتُ, فأما من قال: "بِنْت وثِنْتان" فليست اللام عنده محذوفة، على حد قول من قال: "ابنة واثنتان", بل التاء في بنت وثنتان للإلحاق بمثل "حِلْس وضِرْس" والتاء فيهما بدل من لام الفعل وليست علامة للتأنيث كما تكون في "ابنة2 واثنتان" لكون ما قبلها3 في "بنت وثنتان" وعلامة التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وقال سيبويه: لو سميت رجلا "ببنت وأخت لصرفته"، ولو كانت التاء علامة للتأنيث لما استجازوا4 صرفه، كما أنه لو سماه بثُبَة لما صرفه, قال سيبويه: لأنها بمنزلة التاء في عفريت, وسَنْبَتَة، ولكن هذه الصيغة والبدل لما لم يقع إلا في المؤنث، جرى مجرى علامة التأنيث، وقد بينت هذا في موضع آخر.
والقول في "أخت وهَنْت" كالقول في "بنت" لا فصل بينهما5, ومن ذهب إلى أن المحذوف من بنت "ياء" لانكسار الباء، وجب عليه أن يقول: إن المحذوف من "عِضَة" ياء، ولكان يجب أن تكون السين من سَنَة مضمومة؛ لأنه من الواو، وهذا تخليط فاحش، وقد حكي عن بعض متقدمي أهل العلم. أفلم ير إلى قول الراجز:

هذا طريق يأزم المآزما                           وعِضَوَات تقطع اللهازما


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: والمحذوف.
2 ظ، ش: ابنتان.
3 ظ، ش: قبلهما.
4 ظ، ش: استجاز.
5 بينهما: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -60-          فالساقط واو, وإن كان أولها مكسورا. وقال الآخر:

قد حال دون دريسيه مُؤَوِّبة                     نسع لها بعضاه الأرض تهزيز

فالساقط على هذا القول من عِضَة هاء، وعلى هذا قالوا: "بعير عاضه" إذا أكل العضاه، وليس هنا للياء1 مدخل, وقالوا في جميع "سنة: سنوات"، فالساقط واو كما ترى، وإن كانت السين مفتوحة.
واسم: محذوف اللام لقولهم: "سميت وأسماء"، فهذا2 بمنزلة "دميت ودماء", والمحذوف منه واو؛ لأنه من السمو والرفعة، وفيه لغات: "اسْم وسِم وسُم".
وحدثنا أبو علي عن أحمد بن يحيى, عن ابن الأعرابي أنه يقال: "سمى" بوزن "هدى". وقال الراجز:

وعامنا أعجبنا مقدمه                 يدعى أبا السمح وقرضاب سِمُهْ

وقال الآخر:

باسم الذي في كل سورة سُمُهْ

بكسر السين وضمها. فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:

فدع عنك ذكر اللهو واعمد لمدحة                  لخير معد كلها حيثما انتمى

لأعظمها قدرا وأكرمها أبا                              وأحسنها وجها وأعلنها سُما

ويروى سِما بكسر السين3. فمن كسر السين فالألف عنده للوصل بمنزلة الألف في قول الراجز:

يا دار عمرة من محتلها الجرعا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الهاء.
2 فهذا: ساقط من ظ، ش.
3 بكسر السين: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -61-          ولا يجوز أن تكون لام الفعل؛ لأنَّا لم نعلمهم قالوا: هذا "سِما" بوزن "رضا", وأما من ضم السين فقوله عندي يحتمل أمرين: أحدهما ما عليه الناس وهو أن تكون الألف للوصل1 بمنزلتها في قول من كسر السين، والوجه الآخر أن تكون2 لام الفعل بمنزلة الألف في القافية التي قبلها وهي "انتمى" ويكون هذا التأويل على قول من قال: "هذا سما" بوزن "هدى", إلا أنه حذف اللام3 لالتقاء الساكنين، "وايْم" محذوفة من "أيْمُن"؛ لأنها كثرت في القَسَم وعُرف موضعها وحذفت همزتها، وهي جمع يمين. وقال أبو النجم:

يبري لها من أيمن وأشمل

ويقولون: "أيمن الله، وايم الله، ومُ الله، ومِ الله" يريدون: "أيمن4 الله5", وقال قوم: "إن مُ الله، ومِ الله " محذوفة من قولهم: "مُنُ اللهِ" والأول هو الوجه. وكان أبو العباس ينكر أن يكون جمع يمين، قال: لوصلهم الألف، ولا يمتنع أن تحذف الهمزة لكثرة الاستعمال ومعرفة الموضع، وليس ذلك فيها بأكثر من قولهم: "مُ اللهِ ومِ اللهِ"6.
وأما است فمحذوفة اللام وهي هاء7, ومما8 يدل على ذلك قولهم في تحقيرها: سُتَيْهَة, وفي جمعها: أستاه, وقالوا: "رجل أسته وسُتْهُم"، وقد قالوا: "سَهٌ" في معناها فحذفوا العين، وهذا من الشاذ، ولم يأت من الأسماء ما حُذفت عينه إلا هذا الحرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص وهامش ظ: الوصل, وظ، ش: الموصولة.
2 أن تكون: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: النون.
4 ص: ايم.
5 في هذا الموضع في ظ، ش بعد قوله: "يريدون: أيمن الله" جملة زائدة وهي: "وقال قوم: أيمن الله".
6 م الله وم الله: في جميع المواضع موصولة هكذا: "ملله وملله".
7 ظ، ش: ياء، وهو خطأ والسياق يؤيد ذلك, وإنما هو تصحيف من الناسخ.
8 ومما: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -62-          وقولهم: "مذ"؛ لأنها محذوفة من منذ، جاء في الحديث: "العينان وكاء السَّهِ". قال الراجز1:

ادع أحيحا باسمها لا تنسه                     إن أحيحا هي صئبان السه

وأنشد أبو زيد:

رقاب كالمواجن خاظيات                         وأستاه على الأكوار كوم

2فأما قولهم: "امرؤ وامرأة" فإنما أسكنوا أولهما وإن كانا تامين غير محذوفين؛ لأنك أدخلت الألف واللام فقلت: "المرء والمرأة" ثم خففت الهمزة بأن حذفتها وألقيت حركتها على الراء فقلت: "جاءني المَرُ، ورأيت المَرَ, ومررت بالمَرِ2".
فلما كانت الراء التي هي عين الفعل قد تحرك بحركة الإعراب وكثرت هذه الكلمة في كلامهم حتى صارت عبارة عن كل ذكر وأنثى من الناس أعلوها؛ لكثرة استعمالهم إياها، فشبهوا الراء3 في قولهم4: "المَرُ، والمَرَ، والمَرِ، بالخاء في الأخِ والأخُ والأخَ" فأتبعوا عينها حركة لامها فقالوا: هذا5 "امرُؤٌ، ورأيت امرَأً، ومررت بامرِئٍ" كما قالوا: "هذا أخوك، ورأيت أخاك، ومررت بأخيك".وألفه6 وألف ابنم مكسورة على كل حال؛ لأن الضمة فيه عارضة للرفع غير لازمة، وليس كذلك "اقتُلْ" فلما اعتل هذا الاسم بإتباع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: الآخر.
2 و2 ما بينهما عن ص. وهو في ظ، ش كما يأتي:
فأما قولهم: امرؤ وامرأة فإنما أسكنوا أولهما وإن كانا تامين غير محذوفين؛ لأنك إذا أدخلت الألف واللام قلت: المرء والمرأة, ثم خففت الهمزة حذفتها أو ألقيت حركتها على الراء فقلت: جاءني المر, ورأيت المر, ومررت بالمر.
3 ظ: الياء، وهو خطأ.
4 قولهم: زيادة عن ظ، ش.
5 ظ: هذه، وهو خطأ.
6 ظ، ش: فألفه.

 

ج / 1 ص -63-          حركة عينه حركة لامه وكثر استعماله أسكنوا1 أوله وألحقوه همزة الوصل، وليس كذلك "ابْنُم"؛ لأنه لم يكثر كثرة امرئ، ولأنه لا همزة يُذهبها التخفيف فيه، فلامه محذوفة لا محالة. قال أبو العباس: ولم يلحقوها في "أب"، ولا2 "أخ"؛ لأن في أولهما3 همزة, فكرهوا اجتماع همزتين فتنقلب الثانية ياء، وهذا قولٌ كما تراه؛ لأنا قد رأيناهم قالوا: "دَمٌ, وغد، ويد، وهَنٌ" ونحو ذلك, فلم يلحقوه همزة الوصل مع أنه ليس في أوله همزة.
ولكن القول عندي في ذلك: أن همزة الوصل قد عاقبت الأصل في قولهم: "ابْنِيّ وبَنَوِيّ" فكأنها4 من الأصل، فمن ألحقها في هذه المحذوفات, فأشبهها بالفعل من قبل الاعتلال، ومن لم يلحقها فله أن يقول: إنها لو جاءت لكانت كالعوض من المحذوف فكأني عند إتياني بها أردت الحذف ثم أتيت بما يقوم مقام المحذوف فكأن لم أحذف، وهذا نقض ما قصدت له من الحذف. ألا ترى أنهم قالوا في النسب إلى يد: يَدَوِيّ؟ فتركوا عين الفعل محركة بعد الرد؛ لأنهم لو حذفوا الحركة عند رد اللام لكانت اللام كأنها لم ترد؛ لأنها قد عاقبت الحركة، فإذا حذفت الحركة بعد الرد كنت لحذفك5 إياها كمن لم يرد, وصار ردك كلا رد. وهذا قول أبي علي فيما أخذته عنه وهو يشهد بصحة ما ذهب6 إليه سيبويه في تبقية الحركة التي حدثت بعد الحذف إذا رد إلى الكلمة ما حُذف منها، وأبو الحسن يذهب إلى حذف ما وجب بالحذف عند

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "وأسكنوا" بواو عطف أفسدت المعنى, فهي زائدة من الناسخ خطأ.
2 لا: زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش: أولها.
4 ظ، ش: وكأنها.
5 ظ، ش: بحذفك.
6 ظ، ش: يذهب.

 

ج / 1 ص -64-          رد المحذوف، فيقول في النسب إلى يد: "يَدْيِيّ" وفي غد: "غَدْوِيّ" والقول قول سيبويه، ألا ترى أن الشاعر لما رد الحرف المحذوف بقّى الحركة التي أحدثها الحذف بحالها قبل الرد1 في قوله:

يَدَيانِ بيضاوان عند محلم                     قد يمنعانك أن تضام وتضهدا

فتحريكه2 الدال بعد رد الياء دلالة على صحة ما ذهب إليه سيبويه من تبقية الحركة بعد الرد. قال أبو علي:
فإن قيل: فما تصنع بقول الراجز:

لا تقلواها وادلواها دلوا                            إن مع اليوم أخاه غدوا

ويقول الآخر:

وما الناس إلا كالديار وأهلها                     بها يوم حلوها وغَدْوا بلاقع؟

ألا ترى أنه قد3 رد اللام في غد, وحذف حركة العين؟ فهذا يشهد بصحة قول الأخفش: فالجواب: أن الذي قال: "غدوا" ليس من لغته أن يقول: "غد" فيحذف، بل الذي يقول: "غد" غير الذي يقول4: "غدوا". وإنما شرحت لك5 أحكام هذه الأسماء؛ لأن أبا عثمان لم يذكرها في الكتاب، فأردت أن أبينها لما اتصلت بهذا الموضع.
"إسكان أوائل الأسماء وإدخال همزة الوصل عليها":
ثم نرجع فنقول: إن هذه الأسماء لما أشبهت الأفعال بهذا الحذف6 والتغيير, أُسكنت أوائلها ودخلتها همزة الوصل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قبل الرد: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فتحريك.
3 زادت ظ، ش في هذا الموضع بعد قد، ما يأتي: "ذهب إلى".
4 ظ، ش: قال.
5 لك: زيادة من ظ، ش.
6 ظ: الحرف، وهو خطأ.

 

ج / 1 ص -65-          دخول همزة الوصل على مصادر الأفعال التي في أوائلها همزة الوصل:
فأما إخادلهم الهمزة في مصادر الأفعال التي في أوائلها همزة الوصل نحو: "انطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا" فإنه مطرد فيها؛ لأنها ثابتة في الأفعال، فجاءت في المصادر، وهذا نظير قولهم: "لذت لياذا" فأعلوا المصدر لاعتلال لذت. ويقولون: "لاوذت لِوَاذا" فيصححون1 المصدر لصحة الفعل، وهذا لا يدل على أن المصدر مشتق من الفعل وإن كان في الاعتلال محمولا عليه؛ لأنهم قد أعلوا "يقوم" لاعتلال "قام" وليس أحد يقول: إن "يقوم" مشتق من "قام" ولكن -لما كانت هذه الأمثلة كالشيء الواحد، ويقع بعضها موقع بعض فيغني غناءه ويسد مسده ووجب في بعضها اعتلال- أجروه على الجميع2؛ لئلا يختلف الباب.
قال أبو علي: ألا ترى أنهم لما حذفوا الهمزة من "يُكرم" أثبتوها في "إكرام", فكان ذلك كالعوض من حذفها؛ لأنها إذا ثبتت في بعض هذه الأمثلة كانت لذلك كالثابتة في الباقي.
دخول همزة الوصل على الحروف:
فهذا وجه دخول همزة الوصل في الأفعال والأسماء. فأما الحروف فلم تدخل هذه الهمزة3 في شيء منها إلا في حرف واحد وهو لام التعريف, ولكنها فتحت للفرق بينها وبين هذه الداخلة على الأفعال والأسماء.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الألف واللام جميعا للتعريف بمنزلة "قد" في الأفعال, ولكن هذه الهمزة لما كثرت في الكلام وعرف موضعها -والهمزة مستثقلة-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيصحون.
2 ظ، ش: الجمع.
3 بدل "هذه الهمزة" في ش: "همزة الوصل".

 

ج / 1 ص -66-          حذفت في الوصل؛ لضرب من التخفيف, قالوا: والدليل على ذلك أن الشاعر إذا اضطُرّ فصلها من الكلمة كما يفصل "قد", من ذلك قوله:

عجل لنا هذا وألحقنا بذل                        الشحم إنا قد مللناه بجل

ففصلها1 في البيت الأول، ثم ردها في أول الكلمة بعد؛ لأنها مرت في البيت الأول، فكأنها لما تباعدت أُنسيها أو لم يعتد بها، وهذا أحد ما يدل عندي على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء فهو بيت كامل, وليس بنصف بيت على ما ذهب إليه أبو الحسن. ألا ترى أنه رد "ال" في أول البيت الثاني؛ لأن الأول بيت كامل. وقد قام بنفسه وتمت أجزاؤه، فاحتاج في ابتداء البيت الثاني إلى أن يعرف الكلمة التي في أوله, فلم يعتد بالحرف الذي قد كان فصله؛ لأنهما ليسا في بيت واحد.
ولو كان هذان البيتان بيتًا واحدًا كما يقول من يخالف، لما احتاج إلى رد حرف التعريف، ألا ترى أن عبيدا لما جاء بقصيدة طويلة الأبيات وجعل آخر المصراع الأول "أل", لم يُعِد الحرف في أول المصراع الثاني لما كانا مصراعين, ولم يكن كل واحد منهما بيتًا قائمًا برأسه؟ وذلك قوله:

يا خليليّ اربعا واستخبرا الـ                      ـمنزل الدارس من أهل الحلال

مثل سحق البرد عفَّى بعدك الـ                 ـقطر مغناه وتأويب الشمال

ولقد يغنى به جيرانك الـ                          ـممسكو منك بأسباب الوصال

تطرد هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا على هذا الطراز إلا بيتا واحدا، وهو قوله:

فانتجعنا الحارث الأعرج في                     جحفل كالليل خَطَّار العَوال2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ, ش: فقطعها.
2 ظ، ش: العوالي.

 

ج / 1 ص -67-          فهذا ما عندي في هذا، وقد كان أبو علي يحتج أيضا على أبي الحسن بشيء غير هذا, وليس هذا موضع ذكره؛ لئلا يعظم تشعب هذا الكتاب, وقوله: "الممسكو" أراد: "الممسكون" ولكن حذف النون لطول الاسم لا للإضافة، وعلى هذا ما أنشدوه من قول الشاعر:

الحافظو عورة العشيرة لا                          يأتيهم مِنْ ورائهم نَطَف

وقرأ بعضهم: "والمقيمي الصلاةَ"1 بالنصب، وإنما2 شُبِّهت الألف واللام في أوائل هذه الأسماء "بالذي" فحذفت النون منها, كما حذفت لطول الاسم من قول الشاعر:

أبني كليب إن عميّ اللذا                       قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا

وقال الأشهب بن رميلة:

فإن الذي حانت بفلج دماؤهم                    هم القوم كل القوم يا أم خالد

هم ساعد الدهر الذي يقتدى به                وما خير كفّ لا تنوء بساعد

أسود شرى لاقت أسود خفية                   تساقوا على حَرْد دماء الأساود

يريد "الذين" كما أراد الأخطل "اللذان", وفي3 قوله: "الممسكو" عندي شيء ليس في3 قوله:

الحافظو عورة العشيرة....

وذلك أن حرف التعريف في أول "الممسكو" في المصراع الأول، وبقية الكلمة في المصراع الثاني, والمصراع كثيرا ما يقوم بنفسه حتى يكاد يكون بيتا كاملا، وكثيرا ما تُقطع همزة الوصل في أول المصراع الثاني نحو قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحج 22 من الآية 35.
2 ظ، ش: فإنما.
3، 3 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -68-                                    لتسمعن وشيكا في دياركم          الله أكبر يا ثارات عثمانا

وقد أجاز أبو الحسن الخَرْم في أول المصراع الثاني بخلاف قول الخليل، وجاء ذلك في الشعر. قال الراعي:

وعاشرة وهو قد خافها                               فهو يبسبس أو ينقر

وقال امرؤ القيس:

وعين لها حدرة بدرة                             شقت مآقيها من أخر

فلما كانت هذه الأشياء التي من شأنها أن تأتي في أول البيت جائزة في أول المصراع، دل ذلك على أن المصراع يكاد يقوم بنفسه.
وإذا كان كذلك أشبه البيت التام وتنزّل المصراعان لذلك منزلة البيتين، فلما كان أول "الممسكو" في المصراع1 الأول، وباقيه في المصراع الثاني، وهما كالبيتين المنفصلين، ازدادت الكلمة طولا، فازداد حذف النون جوازا، وليس "الحافظو" كذلك؛ لأن الكلمة بكمالها في المصراع الأول، فلم تطل طول "الممسكو"2 وهذا فصل فيه طول2، وكلا الاسمين إنما وجب فيه الحذف لطوله.
وأقول: إن اتصال3 الألف واللام بالاسم أشد من اتصال "قد وسوف" بالفعل. والدليل على ذلك أنهم يقولون: "مررت بالرجل" فيُوصلون عمل الباء إلى الاسم ولا يعتدون الألف واللام فاصلا. ولو كانتا فاصلا لم يجز فصلهما بين الجار والمجرور، "وقد، وسوف" ليسا كذلك؛ لأن "قد, وسوف" يجوز أن يفصل بينهما وبين الفعل للضرورة نحو قولهم: "قد زيدًا رأيتُ" و"سوف زيدًا أضربُ" والألف واللام لا يجوز أن يفصل بينهما وبين الاسم4 [المعرف بهما] وإنما اشتد اتصال حرف التعريف بالاسم4؛ لأنه في الأصل على حرف واحد وهو اللام،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المصراع: ساقط من ظ، ش.
2، 2 عن ص، وفي هامشه: في نسخة فهذا فصل طريف. وفي ظ، ش: وهذا فصل فيه لطف.
3 اتصال: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ما بينهما ساقط من ظ، ش. وما بين المعقوفين في الأصل المعرفة هما, وهو تصحيح.

ج / 1 ص -69-          ثم دخلت الألف لسكونها، والحرف إذا كان على حرف واحد لم يجز فصله.
أداة التعريف والتنوين:
ويدل أيضا عندي على شدة اتصال حرف1 التعريف أنه معاقب للتنوين، فكما أن التنوين لا يجوز فصله، كذلك لم يجز2 فصل اللام.
ويدل أيضا عندي على أن حرف3 التعريف قياسه أن يكون على حرف واحد أنه نقيض التنوين، وذلك أن التنوين يدل على التنكير, واللام تدل على التعريف. فلما كان التنوين حرفا واحدا4 كان قياس حرف التعريف أن يكون حرفا واحدا4 وهم مما يُجرون الشيء مجرى نقيضه، كما يجرونه مجرى نظيره، ألا تراهم قالوا: "طويل" فجاءوا به على وزن "قصير", وكذلك "قائم وقاعد، ونهض وجلس, وخفيف وثقيل" وجروا بـ "ـكم" في الخبر؛ لأنها نقيضة "رُبَّ" ألا ترى أن "رب" للتقليل و"كم" للتكثير.
وقالوا : "كثر ما تقولن", فألحقوا النون؛ لأنه نقيض "قَلَّما تقولن" وهذا ونحوه مطرد كثير في كلامهم.
فمن هنا5 اقتضى القياس أن يكون حرف التعريف6 حرفا واحدا؛ لأنه نقيض التنوين الذي هو على7 حرف واحد.
فإن قلت: فقد قالوا في التخفيف "الَحْمَرُ" فجاءوا بالهمزة مع تحرك8

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حرف: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: لا يجوز.
3 ظ، ش: حروف.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ص: هذا.
6 حرف التعريف: ساقط من ظ، ش.
7 على: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: تحريك.

 

ج / 1 ص -70-          اللام، فما تنكر أن تكون الهمزة لم تدخل لسكون اللام؟ قيل: إنما جاز هذا لاجتماع أشياء؛ منها: أن اللام أصلها السكون، وإنما تحركت لفتحة1 الهمزة في التخفيف, والأصل التحقيق والسكون, وإنما الحركة عارضة.
ومنها أن هذه الهمزة قبل اللام قد اضطُروا إلى2 إثباتها في بعض المواضع2 في قولهم: آلرجل قال ذاك؟ إذا استفهمتَ؛ لئلا يلتبس الخبر بالاستفهام.
ومنها: أنهم قالوا: "يا ألله اغفر لي" بقطع الهمزة؛ لأن باب النداء باب تغيير عن الأصول.
ومنها: أنها مفتوحة وسائر همزات الوصل غيرها مكسورة أو مضمومة، فأشبهت من هنا همزة القطع نحو: "أَحْمَد، وأَفْكَل".
فلما اجتمعت فيها هذه الأشياء, شابهت الأصل, فأقرت مع تحرك ما بعدها في قولهم: "الَحْمَرُ".
وإذا كان أبو الحسن قد أجاز: "اسَلْ زيدَا" فأقر الهمزة مع تحرك السين للتخفيف؛ لأن الحركة عنده غير لازمة وإن كانت الهمزة لم تثبت في أوله في غير هذا الموضع ثبات همزة حرف التعريف، فقولهم: "الحمر" أسوغ لما ذكرنا، فهذا قول. وقد قالوا: "لَحْمَر" أيضا بلا همزة قبل اللام.
فإن جاز لمحتج أن يحتج على ثبات الهمزة وأنها من الأصل؛ لقولهم: "الحمر" وإقرارهم الهمزة عند تحرك اللام, جاز لآخر أيضا أن يحتج على أنها إنما دخلت لسكون ما بعدها بقولهم: "لحمر" وحذفهم الهمزة لتحرك ما بعدها.
فقد ثبت أن حرف التعريف إنما هو اللام, وأن الهمزة إنما دخلت لسكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بفتحة.
2، 2 ظ، ش: إثبات بعضها في المواضع.

 

ج / 1 ص -71-          اللام. ولولا أنني أكره الإطالة وكثرة التشعب لما اقتصرت على ما أوردته1, ولوصلت بعض الكلام ببعض، فكان يكون أضعاف هذا, وفي بعض ما أذكره مقنع إن شاء الله. فهذه أحكام همزة الوصل ومواقعها من الأفعال والأسماء والحروف, وقد أتى أبو عثمان على تمثيل ما تدخل فيه من الماضي، وأنا أذكره مثالا فمثالا وأُتبع كل واحد منها ما عندي.
انْفَعَلَ وزيادة همزة الوصل والنون في أوله:
قال أبو عثمان: أما النون فتلحق أولا فتلزمها ألف الوصل في الابتداء, ويكون الحرف على انفعل نحو: "انطلق، وانمحى الكتاب, وانصرح الحق2, وما أشبه ذلك مما هو على انفعل.
قال أبو الفتح: اعلم أن مثال انفعل لا يكون متعديا البتة3، وإنما جاء في كلام العرب للمطاوعة. ومعنى المطاوعة أن تريد من الشيء أمرا ما4 فتبلغه إما بأن يفعل ما تريده إذا5 كان مما6 يصح منه الفعل، وإما أن يصير إلى مثل7 حال الفاعل الذي يصح منه الفعل, وإن كان مما لا يصح منه الفعل.
فأما ما يُطاوِع بأن يفعل هو فعلا بنفسه فنحو قولك: "أطلقته فانطلق، وصرفته فانصرف"، ألا ترى أنه هو الذي فعل الانطلاق، والانصراف بنفسه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أورده.
2 الحق: زيادة من ظ، ش.
3 ص: أبدا.
4 ما: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: إن.
6 ظ، ش: ممن.
7 ظ، ش: مثال.

 

ج / 1 ص -72-          عند إرادتك إياهما منه، أو بعثك إياه عليهما. فأما ما تبلغ منه مرادك بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصح منه الفعل فنحو قولك: "قطعتُ الحبلَ فانقطع، وكسرتُ الحبَّ فانكسر"؛ ألا ترى أن الحب والحبل لا يصح منهما الفعل؛ لأنه لا قدرة لهما، وإنما أردت ذلك منهما فبلغته بما أحدثته أنت فيهما، لا أنهما توليا الفعل؛ لأن الفعل لا يصح من مثلهما، إلا أنهما قد صارا إلى مثل حال الفاعل الذي يصح منه الفعل، وذلك أن الفعل1 صار حادثا فيهما كما كان حادثا في الفاعلين على الحقيقة، فأما قول الشاعر:

ولا يَدِي في حميت السمن تندخل

فهو من أدخلته، ونظيره أطلقته فانطلق، وهو من باب القطع الحبل؛ لأن اليد لا تكون فاعلة، إنما هي آلة يفعل بها، كما يقال: "سمعت بأذني، ونظرت بعيني" وإنما الفاعل هو الجملة, لا العضو وحده.
واعلم أن انفعل إنما أصله من الثلاثة ثم تلحقه الزيادتان2 من أوله نحو: "قطعته فانقطع، وسرحته فانسرح", ولا يكاد يكون فَعَلَ منه إلا متعديا حتى يمكن المطاوعة والانفعال، ألا ترى أن قطعت متعد وكذلك كسرت وقلعت، وقد جاء فَعَلَ منه غير متعد، أنشدني أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش3 أُراه قال قرأته عليه:

وكم منزل لولاي طحت كما هَوَى                بأجرامه من قلة النيق منهوي4

وإنما هو5 مطاوع هَوَى: إذا سقط، وهَوَى غير متعد كما ترى، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الفاعل، وهو خطأ.
2 ص: الزيادات.
3 الأخفش: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: منهو, بدون ياء.
5 ظ، ش: هذا.

 

ج / 1 ص -73-          جاء في هذه القصيدة مُنْغَوٍ، قال أبو علي: إنما بنى من هَوَى وغَوَى مُنْفَعِلًا لضرورة الشعر، وعلى هذا قالوا: "شويت اللحم فانشوى", وقد قالوا: "اشتوى" وليس في كثرة انشوى.
القلب والإدغام في بعض الكلام دون بعض:
فإن قال قائل: ولِمَ جاز الإدغام في امَّحى الكتاب1؟ وهلا بينت النون فقيل: "انمحى" كما قالوا: "شاة2 زَنْماء وزُنْم" وكما قالوا: "أنملة وأنمار" ونحو ذلك؟ قيل: قد كان القياس في زنماء وزنم وأنملة3 وأنمار ونحوها أن تدغم النون في الميم؛ لأنها ساكنة قبل الميم ولكن لم يجز ذلك لئلا يلتبس الأصول بعضها ببعض. فلو قالوا: "زَمَّاء وزُمّ" لالتبس بباب زممت الناقة، ولو قالوا: "أُمَّلَة" لالتبس بباب أملت4 و5 لو قالوا: "أمّار" لالتبس بباب أمرت5 كما بينوا في نحو "منية وأنْوَك وقَنْوَاء وقَنو" لئلا يلتبس مُنْيَة بباب مَيّ، وأنوك بفوْعل, أو فعْول من باب ما فاؤه همزة وعينه واو، وقنواء وقنو6 بباب قَوّ وقُوّة, فرُفض الإدغام في هذا ونحوه مخافة الالتباس ولم يخافوا في "امحى الكتاب" أن يلتبس بشيء؛ لأنه ليس في كلام العرب شيء على افّعل بتشديد الفاء؛ ولهذا ما7 قال الخليل في انفعل من وجلت: اوّجَلَ، وقالوا من "رأيتُ: ارَّأى" ومن "لَحِزَ: الَّحَزَ"؛ لأنه ليس في الكلام افَّعَل، ولم يأت في8 كلامهم نون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب: ساقط من ظ، ش.
2 شاة: ساقط من ظ، ش.
3 أنملة: ساقط من ظ، ش.
4 ظ: أمرت, وهو تصحيف.
5, 5 ساقط من ظ، ش.
6, 6 ساقط من ظ ولم تذكر ش منه إلا: لئلا يلتبس.
7 ما: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: من.

 

ج / 1 ص -74-          ساكنة قبل راء ولا لام نحو: "قِنْر وعِنْل"؛ لأنه إن أظهره1 ثقل جدا وإن ادّغمه التبس بغيره، ومن أجل ذلك امتنعوا أن يبنوا مثل عَنْسَل وعَنْبَس من شرب وعلم و2 ما كان مثلهما2 مما عينه راء أو لام؛ لأنه إن بيّن فقال: "شَنْرَب, وعنلم" ثقُل جدا، وإن ادّغم فقال: "شرّب وعلم" التبس بفَعّل.
فسألت أبا علي عن هذا، فقلت: ألا ترى أنّا لو بنينا من باع "فَيْعَلا، أو فَوْعَلا, أو فَعْوَلا، أو فَعَّلَ" لقلنا: "بَيَّعَ", فهلا لم يجز أن تبني مثل هذا لئلا يلتبس مثال بمثال كما3 امتنعنا أن نقول3 في مثل عَنْسَل من ضرب "ضَرَّبَ" مخافة الالتباس؟
فقال: إن للياء والواو من التصرف وانقلاب إحداهما إلى الأخرى ما ليس للنون، فاحتمل ذلك لذلك, والقول عندي كما ذكر.
افْتَعَلَ وزيادة همزة الوصل والتاء فيه:
قال أبو عثمان: وتلحق التاء ثانية ويكون الفعل على افتعل ويُسكَّن أول4 حرف منه4, فتلزمه ألف الوصل في الابتداء وذلك نحو: "اجْتَرَحَ، واكتسب، واستبق القوم" ولا تلحق التاء ثانية والتي5 قبلها من نفس الحرف إلا في6 هذا المثال وحده في الأفعال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أظهر.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3، 3 في ظ، ش: امتنعت أن تقول.
4، 4 ظ، ش: الحرف.
5 ص وحاشية ظ: والتي. ظ، ش: والذي.
6 في: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -75-          قال أبو الفتح: اعلم أن افْتَعَلْتُ قد تأتي في معنى انْفَعَلْتُ للمطاوعة وذلك قولهم: "شويته فانشوى" وقالوا في معناه: "اشتوى", وقالوا: "غممته فاغتم وانغم" وتأتي بمعنى تفاعل نحو: "اجتور القوم" أي: تجاوروا، واعتونوا، أي: تعاونوا. وتأتي بمعنى فعلتُ نحو1: قرأت وتقرأت2 واقترأت، وقروت الأرض واقتريتها, وتكون "افتعلتُ" متعدية وغير متعدية. فأما المتعدي فنحو "اقتطعت الأرض واكتسبت المال" وغير المتعدي نحو قولهم: "اصطلح القوم، واختصموا"، ولا يكون انفعل متعديا أبدا.
حكم بناء انفعل وافتعل:
قال أبو على: حكم افتعل، وانفعل ألا يبنيا إلا مما كان فَعَلَ منه متعديا, هذا في الأمر العام. يريد أن اقتطع من قطع وكذلك "حويت، واحتويت"، وقد جاء في الشعر، قال الراجز:

حتى إذا اشتال سهيل في السحر

كشعلة القابس ترمي بالشرر

فهذا من شال يشول، وهو غير متعد بدلالة قول الراجز:

تراه تحت الفنن الوريق

يشول بالمحجن كالمحروق

ولو كان متعديا لقال: "يشول المحجن", وأنشدنا أبو علي قال: أنشد أبو عبيدة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نحو: زيادة من ظ، ش.
2 تقرأت: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -76-                           بدا منك غش طالما قد كتمته    كما اكتتمت داء1 ابنها أم مُدَّوِي2

فمُدَّوٍ مُفْتَعِل، وأصله3 من الدَّوّ، والأصل3: مُدْتَوٍ، وهذا يفسر في موضعه، فأجاز أبو علي في مفتعل هذا4 ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون من قول المرأة التي قال لها ابنها: "أأدَّوِي" أي: أآكل الدواية، وهو ما خثُر من الدسم على اللبن، فقالت5 مجيبة: اللجام بمكان كذا وكذا، فكتمت قول ابنها وأخفته عمن جاء يخطبه إليها، وكأن الشاعر جاء بهذا على استعارة هذا المَثَل الذي للمرأة، وخبر هذه المرأة مشهور عندهم.
وأجاز أيضًا أن يكون "مُدَّوٍ" هذا مما حكاه أبو زيد من قولهم: "أَدْوَأْتَ يا فلان" ومن قولهم: "داء الرجل يداء من الداء"، فبنى مفتعلًا منه للحاجة إلى القافية وقلب الهمزة ياء ضرورة كما قال الآخر:

وكنت أذل من وتد بقاع                           يشجج رأسه بالفهرواج

وهو من وَجَأْتُ، وكان قياسه ألا يجعلها كياء "قاضي".
وأجاز فيه أيضًا أن يكون مما حكاه أبو زيد من قولهم: "رجل دَوًى, ورجلان دَوَيَانِ، ورجال أدْواء" وهو بمعنى السقيم.
قال أبو علي: ويكون بناؤه مفتعلًا منه، مثل قوله: "اشتال ومنغوي"6، وقوله: ولا تلحق التاء ثانية والتي قبلها من نفس الحرف إلا هذا المثال وحده من7 الأفعال، قد قيد به جزءا من كلامهم وأمِنتَ معه أن ترى التاء ثانية زائدة بعد فاء الفعل أبدا إلا في هذا المثال وما تصرف منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: جاء.
2 ظ، ش: مدو.
3، 3 زيادة من ظ، ش.
4 ظ: وهذا.
5 ظ: فقال, وهو خطأ.
6 ظ، ش: منغو.
7 ظ، ش: في.

ج / 1 ص -77-          اسْتَفْعَلَ وزيادة الهمزة والسين والتاء في أوله:
قال أبو عثمان: وتلحق السين أولا والتاء ثانية وتكون السين ساكنة فتلزمها ألف الوصل ويكون الفعل على استفعل، ولا تلحق السين أولا إلا في استفعل، ولا التاء ثانية وقبلها زائد إلا في هذا.
قال1 أبو الفتح1: اعلم أن استفعلت يجيء على ضربين: متعد وغير متعد. فالمتعدي نحو "استحسنت الشيء واستقبحته", وغير المتعدي نحو "استقدمت واستأخرت".
ويكون فَعل منهما متعديا وغير متعد؛ فالمتعدي نحو "عَلِمَ واستعلم، وعَصَمَ واستعصم", وغير المتعدي نحو "حسُن واستحسن، وقبُح واستقبح".
ويقع "استفعل" في الكلام لمعانٍ:
منها الطلب نحو "استعتبته" أي: طلبت2 إليه العتبى2 3, واستعفيته أي: طلبت منه الإعفاء3.
ويكون استفعلت للشيء تصيبه على هيئة ما، نحو "استعظمته" أي: أصبته عظيما، و"استكرمته" أي: أصبته كريما.
وقد تأتي استفعلت بمعنى فَعَلْتُ منها4 نحو "مر واستمر، وقر واستقر".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1, 1 ظ: الشيخ.
2، 2 في ظ: منه الإعفاء. وفي ش: منه الإعتاب.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ش: منهما.

 

ج / 1 ص -78-          وقد تأتي للتنقل من حال إلى حال نحو "استنوق الجمل، واستتيست الشاة".
وقوله: ولا تلحق السين أولا إلا في استفعل1, ولا التاء ثانية وقبلها زائد2 إلا في هذا. قد حصر به أيضا قطعة من الأمثلة كنحو ما فعل في المثال الذي قبله.
افْعَالَلْتُ وزيادة الهمزة والألف واللام فيه:
قال أبو عثمان: وتلحق الألف ثالثة وتلحق اللام الزيادة من موضعها ويسكن أول حرف فيلزمه ألف الوصل في الابتداء, ويكون الحرف على "افعاللت" ويجري على مثال "استفعلت" إلا أن الإدغام يدركه فتسكن اللام الأولى للإدغام, ولا تضاعف اللام والألف ثالثة إلا في هذا المثال، وذلك نحو "احْمارَرْتُ, واصفاررت، وابياضضت, واسواددت".
قال أبو الفتح: اعلم أن مثال "افعاللت" أكثر ما صِيغَ للألوان، وذلك قولهم: "اشْهَابَبْتُ، واسواددت، وادهاممت, وابياضضت", وقد قالوا: "امْلاسّ واضْرابّ" وليسا من اللون, وغير ذلك.
قال سيبويه: ولا يكون متعديا, ليس في الكلام "افعاللْتُهُ".
وقوله: وتلحق اللام الزيادة من موضعها, يريد به3: أنك إذا قلت: "ابياضضت" فإنما كررت الضاد بعينها, ولم تأت بلفظ آخر.
ويريد بموضعها: من لفظها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص وهامش ظ: استفعل. وظ، ش: الاستفعال.
2 ظ، ش: زائدة.
3 به: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -79-          وقوله: ويجري على مثال استفعلتُ1 يريد به أن حركاته وسكونه على مثال حركات استفعلت1 وسكونه. ألا ترى أنك تقول: "ابياضضت ابيضاضا", فيكون بوزن2 استخرجت استخراجا, وإن كان ليس على بنائه, كما أن انفعل بوزن افتعل في الحركة والسكون, وإن لم يكن على بنائه.
وقوله: إلا أن الإدغام يدركه فتسكن اللام الأولى للإدغام, يريد به: أن اللامين في ابياضضت من موضع واحد, فيكره اجتماع مِثْلَين متحركين3, فيُسكَّن الأول منهما ويدغم في الذي بعده كما فعلوه في شدّ وردّ, وذلك ابياضّ واشهابّ، وإنما يلحقه هذا الإدغام إذا تحرك الآخر، فإن سكن زال المستكره من اجتماع مثلين متحركين3، فرجعت اللام الأولى إلى الحركة نحو "ابياضصت" وليس كذلك "استخرجت"؛ لأن في آخر "استخرجت" حرفين مختلفين وهما الراء والجيم فلم يجب لذلك ادغام. فأما قولهم: "اقْعَنْسَسَ" وتحريكهم المثلين، فإنه إنما جاز ذلك؛ لأنه ملحق باحرنجم، وستراه في موضعه إن شاء الله. وقد ضَبَطَ أيضا بقوله: ولا تضاعف اللام، والألف ثالثة إلا في هذا المثال, جزءا من الكلام.
فإن قال قائل: فقد قالوا: "اسحارّ" لضرب من النبت فكرروا اللام, وهذا ينقض ما جاء به؟ فالجواب: أن أبا عثمان إنما أراد: أنه لا تضاعف اللام، والأولى متحركة وفي أول الكلمة همزة الوصل لتكون الألف لذلك ثالثة، وليس كذلك "اسحارّ"؛ لأن الراء الأولى لا أصل لها في الحركة وإنما هي ساكنة، ألا ترى أن سيبويه قال في ترخيم اسحارّ؛ اسم رجل على قول من قال: يا حارِ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: بمنزلة.
3، 3 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -80-          يا اسحارّ بفتح الراء1، قال: لأنه لا يعرف لها حركة في الأصل ففتحها؛ لمجاورتها الألف كما قالوا2: الآن ففتحوا لمجاورة الألف، ولم يجزها مجرى مُشْهاب؛ لأن الباء الأولى عنده متحركة في الأصل، ونظير اسحارّ "حَمارَّة3، وزعارَّة، وعبالة، وزرافة، وصبارة".
افْعَلَلْتُ وزيادة الهمزة واللام فيه:
قال أبو عثمان: وتلحق اللام زائدة فيسكن أول حرف, فتلزمه ألف الوصل4 في الابتداء ويكون الفعل5 على افعللت, فيجري مجرى افتعلتُ إلا في الإدغام، فإنه يدركه كما أدرك "اشْهابَبْتُ" حين قلت: "اشْهابّ الفرس" وذلك نحو "احمرَرْتُ، واصفررت، وابيضضت".
قال أبو الفتح: اعلم أن "افعللت" إنما هي مقصورة من "افعالَلْتُ" لطول الكلمة، ومعناها كمعناها.
قال سيبويه: وليس شيء يقال فيه: "افعاللتُ" إلا يقال فيه: "افعللتُ" ولا6 شيء يقال فيه: "افعللت" إلا يقال فيه: "افعاللت", إلا أنه قد تَقِلّ إحدى اللغتين في الشيء وتكثر في الأخرى، إلا أن طرح الألف من "اخْضَرَّ, واحمر، واصفر، وابيض, واسود" أكثر، وإثبات الألف في "اشْهَابّ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "بفتح الراء" ورد في ظ، ش قبل هذا الموضع بعشر كلمات أي: بين لفظي: "اسحار" و"اسم".
2 كما قالوا: ساقط من ظ، ش.
3 زادت ظ، ش هنا: القيظ.
4 ظ، ش: وصل.
5 ظ، ش: الحرف.
6 ظ، ش: وليس.

 

ج / 1 ص -81-          وادْهامّ، واكْمَاتَّ" أكثر، وقد قالوا: ارْقَدَّ في العدْو، وارْعَوَى، واقْتَوَى إذا خدم، وكله افْعَلَّ، ولم أسمعهم قالوا في شيء من هذا: "افْعَالَلْتُ".
وقوله: فيجري مجرى افتعلتُ, يريد به أيضا: الحركة والسكون، ولو قال: فيجري مجرى انفعلتُ لكان صوابا، كما أنه لو قال في "افعاللتُ"1: إنه يجري مجرى "افْعَوْعَلْتُ" لكان صوابا؛ لأن الوزن واحد وإن اختلفت الأمثلة.
"وافْعَلَّ" أيضا لا يتعدى، كما أن "افْعَالَّ" كذلك، والإدغام واجب فيه، كما أن "افعال" كذلك2, لا فرق2 بينهما في هذه المواضع.
تضعيف العين وزيادة واو بين العينين:
قال أبو عثمان: وتضاعف العين وتزاد واو بين العينين، ويسكن أول حرف، فيكون الفعل3 على مثال "افعَوْعَلْتُ" وتلزمه ألف الوصل في الابتداء، وذلك نحو: "اغْدَوْدَنَ".
قال أبو الفتح: اعلم أن "افعوعل" معناها المبالغة نحو خشُن "واخشوشن, وأعشب واعشوشب" ويجيء على ضربين: متعد، وغير متعد.
فالمتعدي نحو "احْلَوْلَيْتُ الشيء". قال الشاعر:

فلما أتى عامان بعد انفصاله                عن الضرع واحْلَوْلَى دماثا يرودها

وقال الآخر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: اشهاببت.
2, 2 في ظ، ش: والفرق لا يقع.
3 ظ، ش: الحرف.

 

ج / 1 ص -82-                                  واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العرضي تركضه          أم الفوارس بالديداء والربعه

وقرأت, أو سمعت يقرأ على ابن مقسم, عن ثعلب:

فلو كنت تعطي حين تسأل سامحت               لك النفس واحْلَوْلَاك كل خليل

أجل لا ولكن أنت ألأم من مشى                    وأسأل من صماء ذات صليل

وغير المتعدي نحو "اغْدَوْدَنَ النبت" إذا طال، "واغرورقت عيناه بالدمع".
وهذه الواو في "افعوعلت" زائدة في موضع الإلف المزيدة1 من "افعاللتُ", إلا أن التكرير في "افعاللتُ"2 من موضع اللام وهو في "افعوعلت"2 من موضع العين، وحجزت الواو بين العينين، فلم يلزم إدغام، واجتمعت3 اللامان في "افعاللت وافعللت" فلزم4 الإدغام.
افْعَوَّل وزيادة الواو ثالثة مضاعفة:
قال أبو عثمان: وتلحق الواو ثالثة مضاعفة فيكون الحرف على مثال: "افْعَوَّلْتُ" وتلزم ألف الوصل في الابتداء، وذلك نحو: "اعْلَوَّطَ المهر".
قال أبو الفتح: اعلم أن "افعولتُ" يكون أيضا على ضربين: "متعد، وغير متعد", فالمتعدي نحو "اعلوطت المهر"، وغير المتعدي قولهم: "اخرَوَّطَ السفر" إذا امتد، و"اجلوذ" مثله، قال الشاعر:

ألا حبذا حبذا حبذا                         حبيب تحملت فيه الأذى

ويا حبذا برد أنيابه                          إذا أظلم الليل واجلَوَّذَا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الزائدة.
2, 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: فاجتمعت.
4 ظ، ش: فيلزم.

ج / 1 ص -83-          ما أُلحق بالأربعة من الفعل:
قال أبو عثمان: ومما1 لحقته الزوائد1 من بنات الثلاثة من الفعل وأُلحق ببنات الأربعة حتى جرى مجراها، وحتى صار بمنزلة ما هو من نفس الحرف: "جَلْبَبْتُ وشَمْلَلْتُ".
قال أبو الفتح: اعلم أن هذا الضرب يجيء متعديا نحو: "جلببتُهُ جَلْبَبَة، وصعررته صعررة". قال الراجز:

سودا كحب الفُلْفُلِ المُصَعْرَرِ

ولم أسمع هذا النحو غير متعد. ويريد بقوله: "جرى مجراها" أنك تقول: "جلبب يجلبب جلببة فهو مُجلبِب، وشملل يشملل شمللة فهو مُشملَل", فيجري ذلك مجرى "دحرج يدحرج دحرجة فهو مدحرج", وتُظهر الباء واللام الأوليين ولا تدغمهما؛ لأن الحرف ملحق بدحرج. فلو قلت: "شَمَلّ أو جَلَبّ" فأدغمت وحولت الحركة, لكنت قد نقضت ما له قصدت من الإلحاق، ولم تأت بالبناء المقصود، وصارت الباء واللام الأخيرتان بمنزلة الجيم من "دَحْرَجَ"2 وهذا يعني بقوله: وصار بمنزلة ما هو من نفس الحرف، والذي هو من نفس الحرف الجيم من "دحرج"2, وهذا الإلحاق هو المطرد الذي ذكره3 في أول الكتاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1, 1 عن ص وش ويقابله في ظ: "لحقه الزوائد", وفي هامشها: "لحقته الزيادة صح نسخه".
2, 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: ذكرناه.

 

ج / 1 ص -84-          ما ألحق بالأربعة بالواو والياء:
قال أبو عثمان: ومثل ذلك مما أُلحق بالأربعة بالواو والياء: "حَوْقَلْتُ حَوْقَلَةً, وصومعت صومعة، وبيطرت بيطرة".
قال أبو الفتح: اعلم أن "فَوْعَلْتُ" أيضا: متعد وغير متعد. فالمتعدي "صومعته صومعة" وغير المتعدي "حوقلت حوقلة" و"فَيْعلتُ" مثله. فالمتعدي "بيطر الدابة بيطرة", وغير المتعدي "بيقر بيقرة فهو مبيقر": إذا خرج من الشأم إلى العراق، قال امرؤ القيس:

ألا هل أتاها والحوادث جمة                   بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا

وبيعر أيضا: إذا عدا منكسا رأسه.
وجاءت أحرف على "مُفَيْعِل" وهو "مُبَيْقِر، ومبيطر، ومسيطر، ومهينم، ومهيمن", وكل هذه جارية1 على الفعل؛ يقال: "بيقر، وبيطر، وسيطر، وهينم، وهيمن".
وقوله2: ومثل ذلك, يريد: أن "فَوْعلت، وفَيْعلت" ملحق بدحرجت؛ لأنك تقول فيه: "صَوْمَعَ صَوْمَعَةً فهو مُصَوْمِع، وبيطر بيطرة فهو مبيطر", فجرى ذلك مجرى "دحرج دحرجة فهو مدحرج".
قال أبو عثمان: ومثله "فَعْوَلْتُ" نحو: "جَهْوَرْتُ جهورةً، وهرولت هرولة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1, 1 ظ، ش: هذا جارٍ.
2 زادت ش في هذا الموضع: "من صومع صومعة" وليس هذا موضعه، وسيأتي في النسخ الثلاث.

 

ج / 1 ص -85-          قال أبو الفتح1: قوله: ومثله، يريد به: أن مثل: "بيطرت وحرقلت: جهورت"2 في أن2 هذا إلحاق غير مطرد، كما أن ذلك كذلك، ويجوز3 أن تكون الهاء في "مثله" راجعة إلى باب "جلببت وشمللت"؛ لأنه على وزنه، والأشبه في هذا أن تكون راجعة إلى باب فَوْعلت وفَيْعلت؛ لأنه أوقع.
وفَعْوَلت هذه متعد وغير متعد، فالمتعدي "دَهْوَرْتُ المتاع دَهْوَرَةً", وغير المتعدي "هرولت هرولة".
قال أبو عثمان: ومثله: "قَلْسَيْتُهُ قَلْساةً، وجعبيته جعباة4، وسلقيته سلقاة".
قال أبو الفتح5: قوله: ومثله، نظير قوله: ومثله في الفصل قبله، تحتمل "الهاء" وجهين من التأويل، وهو على ضربين: متعد، وغير متعد. فالمتعدي نحو: "قلسيته قلساة"، وغير المتعدي نحو: "عنظيت، وحنظيت، وخنظيت، وخنذيت".
قال أبو عثمان: وتلحق النون ثالثة في هذا، وتكون الزيادة من موضع اللام6, ويكون آخره أيضا ياء زائدة6 ويسكن أوله, فتلزمه ألف الوصل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: قال الشيخ.
2، 2 ظ، ش: وأن.
3 ظ، ش: ولا يجوز.
4 ص: تحعباة.
5 ظ، ش: قال الشيخ.
6, 6 ظ، ش: ويكون آخره ياء زائدة. وفي هامش ظ، ش: آخرها أيضا نسخة.

 

ج / 1 ص -86-          ويكون الحرف على "افْعَنْلَلْتُ، وافْعَنْلَيْتُ" نحو: "اقْعَنْسس، واسْلَنْقيت".
قال أبو الفتح: إنما سوّى بين "اقعنسس, واسلنقيت"؛ لأجل النون الثالثة فيهما، ولأن في آخر كل واحد منهما زيادة وإن كانت في "اقعنسس" لامًا مكررة, وفي "اسلنقيت" ياء مزيدة, وأنهما قد اشتركا في زيادتهما, وأنهما ملحقان.
ولا يكون "افْعَنْللت" متعديا أبدا؛ لأنه نظير "انْفَعَلت", ألا ترى أن فيه نونا وهمزة وصل, كما أن "انفعلت" كذلك.
و"افعَنْليت" على ضربين: متعد، وغير متعد.
فالمتعدي نحو قول الراجز:

قد جعل النعاس يَغْرَنْدِينِي

أدفعه عني ويَسْرَنْدِينِي

وغير المتعدي نحو قولهم: "احْرَنْبى الديك، وابرنتى الرجل".
قال أبو عثمان: وهذا فُعِل به كما فُعِل ببنات الأربعة نحو: "احرنجم واخرنطم" ولم يزيدوا هذه النون إلا فيما كانت الزيادة منه في موضع اللام, أو كانت الياء1 في آخره1 زائدة؛ لأن النون هنا تقع بين حرفين من نفس الحرف, كما تقع في "احرنجم" كذلك، فكذلك جميع ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: أخيرة.

 

ج / 1 ص -87-          قال أبو الفتح: قوله: وهذا فعل به كما فعل ببنات الأربعة نحو: "احرنجم" يريد به: أنهم أرادوا أن يبلغوا ببنات الثلاثة بناء بنات الأربعة, بزيادة هذه النون في هذا الموضع.
فلما كانت النون في "احْرَنْجَمَ"1 ثالثة ساكنة, كانت في "اقعنسس" كذلك، ولما كان بعدها في احرنجم1 حرفان, جعلوا بعدها في اقعنسس سينين؛ إحداهما زائدة ليُلحَق البناء بالبناء، وكذلك زادوا في اسْلَنْقيت ياء مكان السين الأخيرة؛ لأنهما كلتاهما زائدتان.
فهذا2 معنى قوله: ولم يزيدوا هذه النون إلا فيما كانت الزيادة منه في موضع اللام, أو كانت الياء أخيرة3 زائدة.
وهذا أحد ما يدل على أن إلحاق بنات الثلاثة ببنات الأربعة من موضع اللام فيما لا زيادة فيه، نحو: "جلببت، وصعررت" هو القياس. ألا ترى أن "اقعنسس" كذلك؟
وكأن الياء في باب "افعَنْليتُ" داخلة على اللام المكررة وأن الموضع للام دون الياء، كما أن "سلقيت" داخل على "جلببت".
وقوله: لأن النون هنا تقع بين حرفين من نفس الحرف, كما تقع في "احرنجم" كذلك، يريد به أن يريك: لِمَ صارت الزيادة في "اقعنسس" من موضع اللام؟
وتفسير هذا: أنه لما كانت النون في "احرنجم" واقعة بين الراء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ وش.
2 ظ، ش: وهذا.
3 ص: آخره.

 

ج / 1 ص -88-          والجيم، وكلتاهما1 من الأصل2, أرادوا أن يقع في "اقعنسس" ثالثة بين حرفين من الأصل2 وهما العين والسين الأولى، فلما مضت العين واللام، دعت الضرورة إلى تكرير اللام أو الزيادة بعدها.
ومن هنا لم يجئ في كلامهم نحو "افْعَنْوَنْتُ" ولا "افْعَنْليتُ" ولا "افْعَيْنَلت"3 ولا شيء من ذلك؛ كراهة أن تقع النون بين حرفين أحدهما أصل والآخر زائد, فتخالف حكم "احرنجمت".
فإن قلت: فهلا جاء في كلامهم نحو "انفَنْعلت" أو "ايفَنْعلت", فجعلوا الزيادة قبل الفاء وكانت النون إذًا واقعة بين حرفين من الأصل, كما ذكر أبو عثمان أنه هو الذي اضطُر إلى أن كانت الزيادة بتكرير اللام أو بالزيادة بعدها؟
فالجواب: أنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم إنما أرادوا إلحاق بنات الثلاثة ببنات الأربعة ولم نرهم في غير هذا الموضع ألحقوا الثلاثة في الفعل بالأربعة من أولها, إنما هو من آخرها نحو: "جلببت" أو وسطها نحو: "جهْورت وبيْطرت", ولا تجيء الزيادة للإلحاق في أول بنات الثلاثة4.
وأيضا, فإن الزيادة في الكلمة توهين لها؛ لأنه قد دخل فيها ما ليس منها، وآخر الكلمة بالتوهين أحق من أولها، ألا ترى إلى كثرة باب عطشان، وأنك لا تكاد تجد "لانقحل" نظيرا إلا "انْزَهْوا" فيما علمت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكلاهما.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ولا افعينلت: ساقط من ظ، ش.
4 في ظ، ش: في هذا الموضع بين كلمتي "الثلاثة" و"وأيضا" الكلام الآتي وهو: "ببنات الأربعة، ولم نرهم في غير هذا الموضع ألحقوا الثلاثة في الفعل بالأربعة من أولها إنما هو من آخرها نحو: جلببت، وأوسطها نحو: جهورت وبيطرت" وهو تكرار لما سبق قبله؛ ولذلك أحاطته ش بعلامتين دلالة على زيادته؛ ولذلك أهملناه كما أهملته ص.

 

ج / 1 ص -89-          وأيضا فإن النون في "احرنجم" بين العين واللام، ولو قالوا: "انْفَنْعلت"1 لكانت2 النون بين الفاء والعين، وهذا غير ما قصدوا إليه3 فلما لم يمكن4 إلحاق ذوات الثلاثة بذوات الأربعة من أولها, ولا من أوسطها كانت من آخرها.
وقوله: فكذلك5 جميع ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة، يريد به6 أنه إنما7 يأتي الملحق بالأربعة على هذه الأنحاء التي أولها "جلببت" وآخرها "اسلنقيت" ولم يأت شيء من الأفعال أُلحق بذوات الأربعة غير هذه الأمثلة المذكورة8, إلا أنهم قد قالوا: "اكْوَأَلَّ" فألحقوه بـ "اطمأنّ" وقالوا: "رَهْيأ، وتَرَهْيأ، وتَمَخْرق9، وتمندل، وتمنطق، وتمدرع، وتمسكن" فألحقوها بالأربعة وهي شاذة.
زيادة همزة الوصل وتضعيف اللام:
قال أبو عثمان: وتلحق ألف الوصل في أول الأفعال من بنات الأربعة وتضاعف اللام, فيكون الحرف على "افْعَلَلَّ" نحو: "اطمأنَنْتُ واقشعررت" ويدركهما10 الإدغام كما أدرك باب "احمررت" وما كان نحوه من الثلاثة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: انفيعلت، بالياء المثناة التحتية وهو تصحيف.
2 ظ، ش: لكان.
3 ص: له.
4 ظ، ش: لم يكن.
5 ص: كذلك. وظ: ولذلك.
6 في موضع هذا الرقم بين "به" وبين "إنه" في ظ ما يأتي: "إنما أراد" ولا معنى له فأهملناه.
7 إنما: ساقط من ظ، ش.
8 ص, وهامش ظ: "المذكورة". ظ، ش: "المعروفة".
9 ص: مخرق، وهي في آخر سطر, ولعلها كانت: مخرق وتمخرق، فذهب تمخرق في التصوير, وهذا كثير في ص.
10 ظ، ش: ويدركها.

 

ج / 1 ص -90-          قال أبو الفتح: اعلم أن أصل "افْعَلَلَّ افْعَلَّلَ", فعلى هذا ينبغي أن يكون أصل "اطمأنَّ: اطمأْنَنَ" فكرهوا اجتماع مثلين متحركين، فأسكنوا الأول ونقلوا حركته إلى ما قبله, ثم أدغمت اللام الثانية في اللام الثالثة, فصار "اطمأنّ" كما ترى.
ويدل على أن "اطمأنّ"1 أصله: "اطمأنَنَ" وأنهم إنما فعلوا ذلك كراهة اجتماع مثلين متحركين, أنه إذا سكن الآخر منهما عاد البناء إلى أصله، ألا ترى أنك تقول: "اطمأننتُ" فتبين النون الأولى لما سكنت النون الآخرة2، فجرى ذلك3 مجرى "شدّ وضنّ" ثم تَسكُن اللام فتظهر العين فتقول: "شَدَدْتُ وضَنَنْتُ".
وكذلك "احمرّ" أصله: "احْمَرَرَ" بإظهار الراءين، ثم تنكَّبوا الجمع بين مثلين متحركين, فأسكنوا الراء الأولى وأدغموها في التي بعدها, فصارت "احْمَرَّ", ألا ترى أنك إذا أسكنت اللام الآخرة4 ظهرت الأولى, وذلك نحو5 قولك: "احمرَرْتُ واصفرَرْتُ"؟
فإن قيل: فهلا6 قالوا: "اطمأنن واحمرر" بالإظهار كما قالوا: "جلبب واقعنسس"؟ فالجواب: أنهم إنما بينوا جلبب ونحوه؛ لأنه ملحَق بدحرج, وبينوا اقعنسس؛ لأنه ملحق باحرنجم، فلما أرادوا مثالا لا يكون إلا متحركا لاختلاف حرفيه بينوا؛ ليدلوا على أنه ملحق به7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اطمأن: زيادة من ظ، ش.
2 ظ، ش: الأخيرة.
3 ذلك: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: الأخيرة.
5 نحو: زيادة من ظ، ش.
6 ظ، ش: وهلا.
7 به: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -91-          فأما "اطمأنّ، واحمرّ" وما كان نحوهما، فإنهم إنما أدغموها؛ لأنها غير ملحقة بشيء، ألا ترى أنه ليس في الكلام1 فعل مثل "اسْفَرْجَلَ" فيُلحَق اطمأن به! هذا مستحيل؛ لأنه لا يكون فعل خماسي أبدا.
وليس في الكلام مثل "ادْحَرَجَ", فيلحق احمرّ به فيظهر, فمن هنا وجب الإدغام. ولا يكون "افْعَلَّلَ" متعديا في كلام العرب البتة.
بعض مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي:
قال أبو عثمان: وللأفعال أبنية سوى ما ذكرت لك في الثلاثة والأربعة، فمن ذلك: "فَعَّلْتُ وتفعَّلت وفاعلت وتفاعلنا2", ومن الأربعة: "تدحرجت وتدحرجنا".
قال أبو الفتح: اعلم أن فعّلت أكثر ما يكون لتكرير الفعل نحو: قطّعت وكسّرت. إنما تخبر أن هذا فعل وقع منك شيئا بعد شيء على تطاول الزمان.
وقد تجيء لا يراد بها ذلك، نحو "صبّحت المنزل ومسّيته، وكلّمت زيدا" وهي على ضربين: متعد، وغير متعد، فالمتعدي3 نحو "كسّرت وقطّعت", وغير المتعدي نحو "سبّحت وهلّلت", وأما "تَفَعّلت" فهو مطاوع "فَعَّلت"3 نحو "كسّرته فتكسّر، وقطّعته فتقطّع" وهو نظير "فعلتُهُ فانفعَلَ" نحو "قطعته فانقطع" إلا أن هذا يكون على ضربين: متعد، وغير متعد، فالمتعدي نحو قوله عز وجل4:
{يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كلامهم.
2 ظ: وتفاعلت.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 عز وجل: ساقط من ظ، ش.
5 من الآية 275 من سورة البقرة 2. و"من المس" ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -92-          و"تَتَلَقَّفُ ما يأفكون"1, وغير المتعدي نحو "تحَوَّب، وتَأَثَّم".
وانْفَعَلَ لا يكون متعديا أبدا.
وأما "فاعلت" فأكثر ما يجيء من اثنين، نحو: "ضاربت زيدا"، و"شاتمت عمرا"2, وقد يكون من الواحد نحو "طارقت النعل، وعاقب الأميرُ اللصَ", ولا تكاد تراه إلا متعديا.
فأما3 "تفاعلنا" فيكون متعديا وغير متعد. فالمتعدي نحو "تقاضيته، وتجارينا الحديث", وغير المتعدي نحو: "تغافل وتعاقل".
والفصل بين ضَارَبَ وتَضَارَبَ ونحوهما, أنك إذا قلت: "ضاربت زيدا", فقد وصل إليك منه مثل ما وصل إليه منك وقد نصبته فكأن4 الفعل لك دونه.
وأنت إذا قلت: تضارب زيد وعمرو، فإنما5 تعطف بالواو، ولا تقول: تضارب زيد عمرا، والمعنى في قولك: "ضارب زيد عمرا، وتضارب زيد وعمرو" واحد.
وإنما يجوز أن تقول: "تفاعلته فتعديه6 إلى مفعول, إذا لم يكن المفعول فاعلا في المعنى, نحو "تقاضيته الدين7، وتناسيت الحديث", فالفعل في نحو هذا لك وحدك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 117 الأعراف 7, ومن 45 الشعراء 26, وهي في الموضعين تلقف, وتتلقف قراءة.
2 ظ، ش: بكرا.
3 ظ، ش: وأما.
4 ظ، ش: وكأن.
5 ظ، ش: فإنك إنما.
6 ظ: فتعديته، وهو تصحيف.
7 ظ، ش: تقاضيت الدين.

 

ج / 1 ص -93-          ولا تقول: "تخاصمت زيدا"؛ لأنه منكما جميعا، وقد أنشدوا بيت امرئ القيس:

لعوبٍ تناساني إذا قمت سربالي

فتعدي تَفَاعَلَ إليك؛ لأن الفعل هنا لها دونك، ومعناه: تنسيني، فجرى مجرى "تقاضاني الدين".
وأما "تفعلَلْتُ" فإنها1 مطاوعة "فعللْتُهُ", وذلك قولك" "دحرجته فتدحرج" وهي نظير "فعّلته فتفعّل" وقلما توجد متعدية.
"الفرق في المضارع بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول من المواضي التي تجاوزت ثلاثة أحرف":
قال أبو عثمان: وليس بين "يُفْعَلُ" منها و"يَفْعَلُ" بعد ضمة أول حرف وفتحته إلا كسرة الحرف الذي يلي آخر الحرف وفتحته، وذلك نحو: "يَستخرِج ويُستخرَج، ويَنطلِق ويُنطلَق به" إلا ما كان على "يَتَفَاعَلُ", فإنه لما كان مفتوحا في "يَفعَل" تركوه في "يُفعَل" بحاله2 نحو: "يَتغافل، ويُتغافَل عنه" كما فُعل ذلك في غير الزائد نحو "يَسمع، ويُسمع".
قال أبو الفتح: اعلم أن جميع الأفعال التي تُجاوز مواضيها ثلاثة أحرف، لا يكون الحرف الذي قبل الطرف من المضارع فيها إلا مكسورا نحو "أَكرمَ يُكرِم، وانطلق ينطلق، واستخرج يستخرج، واغدودنَ يغدودِن، واحرنجم يحرنجِم" إلا ما كان ماضيه على "تَفَاعَلَ" وما كان على وزنه نحو "تَفَعْلَلَ، وتَفَوْعَلَ، وتَفَيْعَلَ، وتَفَعْوَلَ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فإنه.
2 بحاله: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -94-          وتَفَعَّلَ"1, فإن ما قبل طرفه في المضارع يكون مفتوحا نحو "تدحرج يتدحرَج، وتصومع يتصومع، وتفيهق يتفيهق، وتقطع يتقطع، وتغافل يتغافل".
وإنما ذكر أبو عثمان من هذا كله "تَفَاعَلَ" وحدها؛ لأنه أراد هذا المثال وما كان مثله في حركته وسكونه وزيادة التاء في أوله.
وقد كان القياس أن يكسروه لتخالف حركة العين في المضارع حركتها في الماضي, كما قالوا: "ضَرَبَ يَضْرِبُ, وركِب يركَب". وكأنهم إنما هربوا إلى الفتح؛ لأنهم لو قالوا: "يتغافل" لأشبه آخره آخر المصادر نحو: التغافل والتعالم", ولو كسروه لأشبه آخر الجمع نحو: "تتافل وتناضب" جمع "تَتْفُل وتَنْضُب"، فأرادوا أن يباعدوا بين الفعل وبين المصدر والجمع.
فأما قولهم في اسم الفاعل: مُتغافِل، فإنما كسروا الفاء على ما يجب فيها؛ لأنه قد أُمن2 فيه شَبَه الجمع؛ لأنه مصروف، والجمع إذا كان على بناء مَفاعِل فهو غير مصروف، فقد وقع الفصل، وأيضا فإنهم لو قالوا: "مُتغافَل" ففتحوا الفاء؛ لالتبس اسم الفاعل باسم المفعول.
وهذا مأمون في الفعل؛ لأنك إذا قلت: "يَتغافَل", فقد عُلم بفتحة حرف المضارعة أنه للفاعل, وإذا ضممت فقلت: "يُتغافَل" فقد عُلم أنه للمفعول، فالفصل واقع، وحمل باقي الأفعال التي على وزن تفاعل عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زادت ظ، ش في هذا الموضع بعد الأوزان الستة: الوزن "تفاعل" وهو تكرير منهما له؛ لأنه أول وزن في الأوزان الستة.
2 ظ، ش: أو من، وهو خطأ.

 

ج / 1 ص -95-          وكأن أبا عثمان إنما ذكره وحده دون غيره لهذا المعنى، ألا ترى أنهم لو قالوا: "يتدحرَج" فكسروا الراء لم يكن يشبه مصدرا ولا جمعا، فالباب في هذا لـ "تفاعل", وغيره داخل عليه.
فإذا صرت إلى بناء الفعل للمفعول وهو الذي يسمى "باب ما لم يسم فاعله", انفتح ما قبل الطرف في جميع المضارع؛ لأن ما قبل الطرف لا يكون في الماضي إلا مكسورا، ففُتح في المضارع؛ لأن هذا لا يختلف في جميع الأفعال1 التي لم يسم فاعلوها، وذلك قولك2: "أُكرِم يُكرَم، وانطُلِق به يُنطلَق، وتُغُوفل عنه يُتغافَل"، فجرى ذلك مجرى "شَرِب يَشرِب" لما كُسر الماضي فُتح المضارع.
وإنما جاء أبو عثمان بيَسمَع ويُسمَع؛ ليريك أن لباب "يَتغافل ويُتغافل عنه" نظيرا ثلاثيا بغير3 زيادة. فأما يَسمع، فإنما وجبت الفتحة فيه من قِبَلِ أن ماضيه مكسور العين وهو سمع وليس من قبل حرف الحلق، ألا ترى أنك تقول: "ركب يركب، وشرب يشرب" فتفتح العين من المضارع ولا حرف حلق فيه؟ وكذلك ما لم يسم فاعله وهو "سُمع يُسمع", فجرى مجرى "ضُرب يُضرب".
قال أبو عثمان: وإنما كتبت لك في صدر هذا الكتاب هذه الأمثلة؛ لتعلم كيف مذاهب العرب فيما بَنَتْ من الأسماء والأفعال، فإذا سُئلت عن مسألة فانظر: هل بنت العرب مثالها؟ فإن كانت بنت، فابنِ مثل ما بنتْ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الأحوال.
2 ظ، ش: قولهم.
3 ظ، ش: بعد, وهو تصحيف.

 

ج / 1 ص -96-          وإن كان الذي سُئلتَ عنه ليس من أبنية العرب فلا تَبْنِهِ؛ لأنك إنما تريد أمثلتهم وعليها تقيس.
قال أبو الفتح: اعلم أنه لوّح في هذا الفصل بخلاف أبي الحسن، وسيأتي به1 بعد هذا, وأقول فيه بما يقتضيه ولا قوة إلا بالله.
مسائل التصريف ذات البال في المهموز, وما فيه الواو والياء:
قال أبو عثمان: واعلم2 أن الهمزة وبنات الواو والياء فيهن مسائل التصريف, فانظر كيف صنعت العرب في الياءات والواوات والهمزات اللواتي هن فاءات الفعل وعيناته ولاماته، وما ألحق باللامات من الياءات, وكيف أجروهن وكيف ألزموهن الحذف والتغيير والإبدال حتى يسهل عليك النظر إن شاء الله.
وسأضع لك من كل شيء من هذا الباب رسمًا تقيس عليه ما كان مثله، فإنه ليس شيء من غامض مسائله, إلا وفي ظاهره ما يبين لك مجرى غامضه ولا قوة إلا بالله.
قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما3 أتبع هذا الفصل الذي قبله ليريك كيف ينبغي أن تعمل فيما يرد عليك مما يسأل عن بنائه، يقول: فلا تعد ما رأيتهم عملوه في نظير ما تبنيه ولا تتجاوزه4. فهذا قريب من قوله: "فإن5 كانت بَنَتْ فابنِ مثل ما بَنَتْ، وإن كان الذي سئلت عنه ليس من أبنية العرب فلا تبنه".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 به: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: اعلم.
3 إنما: ساقط من ش.
4 ظ، ش: تجاوزه.
5 ظ، ش: وإن.

 

ج / 1 ص -97-          وقوله: واعلم أن الهمزة وبنات الواو والياء فيهن مسائل التصريف, ومسائل التصريف في الهمزة وبنات الواو والياء وغيرها من الصحيح أيضا. وإنما أراد أن المسائل إذا بُنيت من الهمزة أو الواو أو الياء كانت صعبة مشكلة؛ لما يعرض فيها من التغيير والحذف. فكأنه1 حذر من السهو فيها، ونبه على صعوبتها وإشكالها ليقع التحرز منها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكأنه.