المنصف لابن جني ج / 1 ص -98-
حروف الزيادة:
قال أبو عثمان:
باب ما تجعله زائدا من حروف الزيادة:
قال أبو الفتح: حكي أن أبا1 العباس سأل أبا
عثمان عن حروف الزيادة، فأنشده:
هَوِيتُ السمانَ فشيبنني
وما كنت قدما هَوِيتُ السمانَا
فقال له: الجواب؟ فقال له أبو عثمان: قد2 أجبتك في الشعر3
دَفْعَتين، يريد: "هويت السمان" ويجمعها أيضا في اللفظ:
"اليومَ تنساهُ" وقيل أيضا: "سألتمونيها" وهي عشرة أحرف:
الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم، والنون، والتاء،
والهاء، والسين، واللام.
وقول أبي عثمان: "باب ما تجعله زائدا من حروف الزيادة"،
يريد به: أن حروف الزيادة ليست في كل موضع تكون زائدة4،
ولو كانت في كل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبا: ساقط من ظ.
2 قد: ساقط من ظ، ش.
3 في الشعر: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: زيادة في الموضعين.
ج / 1 ص -99-
موضع تكون زائدة1؛ لما احتاج إلى تحديد
المواضع، ولحدّد الحروف وحدها.
وقال: إذا رأيت شيئا من هذه الحروف العشرة في كلمة2 فاقض
بزيادته ولا تتوقف، وهذا خطأ لا يقوله أحد، ألا ترى أن
"أوى، ووأى" إنما هما3 مركبان من همزة وواو وياء، وليس
فيهما حرف زائد البتة, وإن كنا نعلم أن الهمزة، والواو،
والياء من حروف الزيادة في غير هذا الموضع.
ولكن ينبغي أن تُعرَف مواقع الزيادة وكيف تكون وكيف وقعت
في كلامهم بالأدلة الواضحة. وسنأتي على ذلك إن شاء الله
تعالى4.
الهمزة التي في
أول الكلمة:
قال أبو عثمان: اعلم أن الهمزة إذا كانت أولا, وكان
الشيء الذي هي فيه عدده أربعة أحرف بها فصاعدا5, فهي
زائدة، إلا أن يجيء أمر يوضح أنها من نفس الحرف6, وذلك نحو
"أفْكَل وأَيْدَع".
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد تحجّر في هذا الفصل قسطا كبيرا
من اللغة، عرّف أمر الهمزة فيه، فأمن معه أن تكون الهمزة
في أول ما عدته أربعة أحرف بها, إلا زائدة إلا أن يجيء أمر
يوضح أنها من نفس الحرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: زيادة.
2 في كلمة: ساقط من ظ، ش.
3 إنما هما: ساقط من ظ، ش.
4 تعالى: زيادة من ظ، ش.
5 فصاعدا: ساقط من ظ، ش.
6 ص وهامش ظ: الحرف. وظ، ش: الكلمة، والمعنى واحد.
ج / 1 ص -100-
ألا ترى أنك لو سمعت في كلامهم مثل
"أجْرَك، وأجْبَك" لقضيت بأن الهمزة زائدة بهذا الذي قد
صدّره أبو عثمان، ولم تحتَجْ فيه إلى الاشتقاق؟ وقوله:
"وكان الشيء الذي هي فيه عدده أربعة أحرف بها فهي زائدة"،
يريد به: أنه إذا جاءت ثلاثة أحرف لا1 يُشَكّ في أنها من
الأصول وفي أولها همزة, قضيت بزيادة الهمزة.
فأما إن كان في الكلمة حرف يجوز أن يكون زائدا، أو وقع
فيها تكرير، لم تقض بزيادة الهمزة إلا بدليل. وإذا كان
الأمر كذلك، فللسائل أن يقول: ما الدليل على أن الياء في
أيْدَع فاء, وما تنكر أن تكون زائدة، وتجعل الهمزة أصلا
ويكون وزن الكلمة "فَيْعَلًا"؟
فالجواب في ذلك: أن حمل الهمزة على الزيادة أولى من حمل
الياء عليها؛ وذلك أن زيادة الهمزة في أول الكلمة أكثر
وأوسع2 من زيادة الياء ثانية، ألا ترى أن باب "أحمر وأصفر"
أكثر من باب "خَيْفَق وصَيْرَف"؟ فبهذا الدليل ثبتت3 زيادة
الهمزة في أيدع.
وقد حكى بعضهم: "يَدَّعْتُهُ تَيْدِيعا" فهذه دلالة قاطعة
على كون الياء فاء. ومن ذلك قولهم4: "أَوْلَقٌ وأَيْصَرٌ"
لا يقضى بزيادة الهمزة فيهما لأجل الواو والياء فيهما،
فيحتاج إلى الاشتقاق، وسنذكرهما في موضعهما إن شاء الله5.
فأما6 التكرير، فقال سيبويه: "لو جاء في الكلام شيء نحو:
"أكْلَل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ولا.
2 أوسع: زيادة من ظ، ش.
3 ص: ثبت.
4 قولهم: زيادة من ظ، ش.
5 إن شاء الله: زيادة من ظ، ش.
6 ظ، ش: وأما.
ج / 1 ص -101-
وأيْقَق" فسميت به رجلا صرفته؛ لأنه لو كان
"أفْعَلَ" لم يكن الحرف الأول إلا ساكنا مدغما. يريد بذلك:
أنه لو كانت الهمزة زائدة لوجب أن يقال: "أكَلّ وأيَقّ"
كما قالوا: "أصَمّ وأيَلّ". يقول: فيجب أن تكون الهمزة من
الأصل، ويكون وزن الكلمة "فَعْلَلا، أو فَيْعَلا".
الياء في أول
الكلمة:
قال أبو عثمان: وكذلك الياء تجري مجرى الهمزة أولا نحو
"يَرْمَع ويَعْمَل, للناقة التي يعمل عليها1"؟
قال أبو الفتح: يقول: إن حكم الياء إذا وقعت هذا الموقع
حكم الهمزة، لا فصل بين الياء والهمزة فيه.
لِمَ قضي بزيادة
الهمزة والياء في أول الكلمة؟:
قال أبو عثمان: وإنما كان هذا زائدا وإن لم يشتق2 منه
ما يذهب فيه؛ لكثرة ما تبين لك من هذا المثال مما3 يشتق
منه4 ما يذهب فيه، نحو: "أحمر، وأسود، وأبيض", وذاك5 أكثر
من أن6 أعده لك.
قال أبو الفتح: يقول: إنك إنما قضيت بزيادة الهمزة والياء
إذا وقعتا في هذا الموضع وإن لم تعرف الاشتقاق؛ لأنك لا
تشتق شيئا على هذا المثال وفي أوله همزة أو ياء إلا
أصبتهما فيهما زائدتين، ألا ترى أن أبيض من البياض، وأسود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للناقة التي يعمل عليها: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، وهامش ش: يشتقق.
3 في الأصل: ما.
4 منه: ساقط من ش.
5 ظ، ش: وذلك.
6 أن: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -102-
من السواد، وأحمر من الحمرة، وأخضر من
الخضرة، وكذلك جميع ما يرد من هذا النحو، فإنما يحمل ما
يجعل على ما يعرف، ويقاس الغائب بالشاهد.
فأما "يرمع" فيجوز عندي أن يكون من قولهم: "تَرَمَّعَ أنف
فلان" إذا اضطرب وتحرك. واليَرْمَع: حجارة خَوَّارة ليس1
لها ثبات ولا صلابة، وهي هَشَّة، والهشاشة والخَوَر قريب
من الاختلاج والاضطراب، ألا ترى أنهما جميعا بضد الثبات
والرزانة؟
وأما2 اليَعْمَلَة فهي: الناقة التي يُعمَل عليها في
السير، فقد تبين أيضا بالاشتقاق زيادة الياء فيهما، فيكون3
هذا مضافا إلى القياس الأول.
وقوله: وذلك أكثر من أن4 أعده لك, يريد: أنه أكثر من أن
يعد في هذا الكتاب؛ لأن التمثيل لا يُحتاج فيه إلى جميع5
اللغة، أو يكون أراد أنه لا يحيط بهذا6 الباب لسعته6،
والتأويل الأول عندي أشبه؛ لأنه ليس فيه اعتراف منه
بالتقصير في اللغة.
النون والتاء في
أول الكلمة، لا تعدان زائدتين إلا بثبت:
قال أبو عثمان: فأما7 النون والتاء, فإذا كانتا أولا
وكانتا على مثال الأسماء مع ما8 هما فيه, فلا تجعلهما
زائدتين إلا بثَبَت، نحو: "نَهْشَل ونَهْصَر ونهسر وتوءم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ليست.
2 ظ، ش: فأما.
3 ظ، ش: ويكون.
4 أن: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: جمع.
6، 6 ظ، ش: "السعة".
7 ظ، ش: وأما.
8 كتب في ظ هكذا: "معماما" وهو خطأ.
ج / 1 ص -103-
قال أبو الفتح: اعلم أن النون والتاء لم
تكثر زيادتهما في الكلام كثرة زيادة الياء، والواو،
والهمزة؛ فلذلك احتجتَ إلى أن تنظر إلى المثال الذي هما
فيه، فإن كانتا فيه واقعتين موقع حرف من الأصل، قضيت1
بأنهما من الأصل، وإن لم تكونا واقعتين1 موقع حرف من
الأصل، قضيت بزيادتهما.
ألا ترى أن النون في نهشل, والتاء في توءم، بإزاء الجيم في
جعفر؟ فلهذا قضيت بأنهما من الأصل. والاشتقاق يدل على أن
النون في "نهشل" والتاء في "توءم" أصلان, وذلك قولهم:
"نَهْشَلَتِ المرأةُ" إذا أسنَّتْ، و"نهشلت: فعلَلَتْ"،
فالنون في نهشل: فاء، بمنزلتها في نهشلتْ, وليس في كلامهم
نَفْعَلَتْ.
وأما توءم، فيدل فيه على زيادة الواو وأن2 التاء أصل،
قولهم في الجمع3: "تُؤَام, وتُؤَام: فُعَال"فالتاء فاء،
والهمزة عين. وإنما كُتبت الهمزة في تؤام واوا لانضمام ما
قبلها، وكذلك إن خففت فأبدلتها واوا خالصة، فليست هذه
الواو هي4 التي كانت في توءم، إنما هي همزة مخففة كما تقول
في تخفيف "جُؤَن: جُوَن".
وشيء آخر يدل على أن الواو في توءم هي الزائدة دون التاء،
وهو أن فَرْعلا في الكلام أكثر من تَفْعل, ألا ترى أن باب
"كوثر, وجوهر، وقوصرة، وحوقل, وكوكب" أكثر من باب
"تَأْلَب"؟ فحمله على الأكثر هو القياس.
وشيء آخر يدل عليه أيضا، وهو قولهم: "أتأمت المرأة" إذا
ولدت التوءم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 في الأصل: "بكونهما غير زائدتين وإن وإن لم تقعا"
والمعنى واحد مع تكرار "وإن".
2 ظ، ش: "أن" بدون واو عطف، وبدونها يفسد المعنى.
3 في الجمع: ساقط من ظ، ش.
4 هي: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -104-
فأما تألب، فالتاء فيه1 زائدة؛ لأنه من
"أَلَبَ يَأْلِبُ"2: إذا جَمَعَ وهو الجمار، فهذا ثبت. قال
سيبويه: ألب الحمار يألب2 وهو طرده طريدته.
وقوله: وكانتا على مثال الأسماء مع ما هما فيه، يريد به:
كان3 الاسم الذي هما فيه بهما على مثال الأسماء, أي: على
أحد أمثلة الرباعي الذي لا زيادة فيه, وهي: "فَعْلَل،
وفِعْلِل، وفُعْلُل، وفِعْلَل، وفِعَلّ، وفُعْلَل" على
مذهب أبي الحسن، وعلى أحد الأمثلة الخماسية.
زيادة النون
والتاء في أول الكلمة:
قال أبو عثمان: وإذا جاءتك على4 مثال لا يكون للأسماء,
فهما زائدتان لمجيئهما على غير الأصول، وذلك نحو:
"نَرْجِس، وتُرْتَب"؛ لأنه ليس في الكلام مثل جَعْفِر5 ولا
جُعْفَر، اسمين.
قال أبو الفتح: إنما قضي بزيادة النون والتاء في "نرجس،
وترتب"؛ لأنهما لم يقعا موقع حرف من الأصل، كما قضي بزيادة
النون من "كَنَهْبُل"؛ لأنه ليس في الكلام مثل "سفرجُل"
بضم الجيم.
وشيء آخر يدل على زيادة التاء في ترتب, وهو أنه6 الشيء
الراتب الثابت, يقال: "رتب يرتُب"، قال طفيل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه: ساقط من ظ، ش.
2، 2 ما بينهما تكرر في ظ.
3 ظ، ش: وكان.
4 ض، ظ: جاءتك. وهامش ظ، ش: جاءتا.
5 زادت ظ، ش في هذا الموضع بين "جعفر" و"جعفر" ما يأتي:
"بكسر الفاء".
6 أنه: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -105-
وقد كان حيانا عدوين في الذي
خلا فعلى ما كان في
الدهر فارتُبِي
وكذلك "تنضب وتتفل"؛ لأنه ليس في الكلام مثل
جَعْفُر، وقد قالوا: "تُتْفُل" بضم التاء، ومثاله1
"تُفْعُل".
والتاء أيضا2 -وإن كانت بإزاء جيم جرهم3؛ لأنها قد ثبتت في
قول من فسح التاء فقال: "تتفل"- زائدة، فهي أيضا في قول من
ضمها زائدة. ومحال أن تكون ثم زائدة هنا أصلا4؛ لأن اللفظ
واحد والمعنى واحد.
ويدل أيضا على زيادة التاء في تُتْفُل أنه ليس في الكلام
اسم5 على "فُفْعُل", ولا "فُنْعُل".
وكذلك تُدْرَأ؛ لأنه من درأت، ولأنه ليس في الكلام أيضا
مثل جُعفر.
الهمزة غير أول,
لا تجعل زائدة إلا بثبت:
قال أبو عثمان: وإذا وجدت الهمزة غير أول, فلا تجعلها
زائدة إلا بثبت؛ لأنها لم تكن زائدة غير أول.
قال أبو الفتح: قد زِيدت الهمزة غير أول في أحرف معلومة،
وهي: شمْأل وشأْمَل بمعنى الشمال، وإنما هو من شَمَلَتِ
الريح.
وسألت أبا علي عن "شمْأل وشأْمَل" فقلت: ما تنكر أن تكون
الهمزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: ومثله.
2 زادت ص في هذا الموضع لفظ: زائدة.
3 ظ، ش: من جرهم.
4 ظ، ش: هناك.
5 ظ، ش: شيء.
ج / 1 ص -106-
فيهما غير زائدة وإن كانت من معنى
شَمَلَتْ، كما تقول في1 "دَمِث ودِمَثْر، وسَبِط
وسِبَطْر": إن أحدهما2 بمعنى الآخر وليس من أصله؛ لأن دمثا
ثلاثي ودمثرا رباعي, فقل كذلك في شمأل وشأمل3؟
فقال: إن الهمزة قد زِيدتْ غير أول في جُرانِض ونِئْدِلان
بمعنى نَيْدُلان وأحرف غير هذه, فكأن4 أبا علي رأى حمله
على هذا مع الاشتقاق أولى من أن يجعله أصلًا رباعيًّا.
والنَّيْدُلان هو الذي يسمى الكابوس عند العامة.
قال الراجز:
نِفْرِجَة القلب قليل النيل
يُلْقَى عليه النَّيْدُلان بالليل
والجرائض هو الجمل الضخم، وقد قالوا في معناه: جِرْواض,
فالهمزة زائدة إذًا.
وحُطائِط: فُعائِل؛ لأنه5 من حططتُ؛ لأنه الصغير.
وقالوا في "تابَل: تَأْبَل"، فالهمزة زائدة.
وحكي أن العجاج كان يهمز العألم والخأتم6؛ أبدل الألف همزة
وكذلك "تَأْبَل".
فالهمزة في هذه الأحرف الثلاثة زائدة؛ لأنها بَدَل من
زائد, ومثالها: فأعل. وقد قالوا: رِئْبال للأسد، فهمزوا.
وقرأت على أبي علي في كتاب الهمز عن أبي زيد: وتقول:
"رَهْيَأْتُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: من.
2 ظ، ش: إحداهما.
3 ظ، ش: وشمال، وهو خطأ.
4 ظ: وكأن.
5 لأنه: ساقط من ظ، ش.
6 ص، ظ: العألم والخأتم، بالهمزة الساكنة فيهما, وش بدون
همز فيهما.
ج / 1 ص -107-
أمري رَهْيَأةً" إذا لم تُحكمه, وقد رهيأ
الرجل، وذلك أن يحمل حملا فلا يشده بالحبال فهو يميل.
وسألت أبا علي عن مثال: رَهْيَأَ, فقال: "فَعْيَلَ"؛ لأن
الهمزة ليست بزائدة، وموضع الياء هو1 موضع زيادة الياء،
والواو في حِذْيَم وجَدْوَل, فكأن2 أبا علي حمله على
فَعْيَلَ، وإن كان هذا البناء ليس في أبنية الأفعال ولا3
الأسماء هربا من زيادة الهمزة غير أول، ولأنه4 رأى الياء
في رهيأ في موضع الواو من جَهْوَرَ وسَرْوَلَ5.
ولهذا المثال6 نظائر في الشذوذ, منها قولهم: "قد اكْرَألّ
الرجل" إذا قَصُر فالواو زائدة، ومثاله "افْرَعَلّ"7. وقد
قالوا: "بينهما مُهْوأنَ من الأرض" وهو عند "مُفْوَعَلّ"
وهو في الأسماء نظير اكوأل في الأفعال.
ونظيره في الشذوذ قولهم: "تقلْنس" في معنى تقلّس، ومثاله
"تَفَعْنَلَ"8. ونظير هذا في الشذوذ قولهم: "تَمَدْرَعَ
وتَمَسْكَنَ" إنما هما من الشاذ9 ومثالهما "تَمَفْعَلَ"،
ألا ترى أن أبا عثمان قال: إن اللغة الجيدة عندهم: "تدرّع
وتسكّن"؟
ومن هنا حمل أهل التصريف قولهم: "مُغْفُور" على أنه
"فُعْلُول"،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: وكأن.
3 لا: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: فلأنه.
5 ظ: سدول، والصواب ما أثبتناه عن ص، ش, وسيأتي كذلك في
ص111 س14.
6 المثال: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: افعول، وهو خطأ.
8 ظ، ش: تفنعل، وهو خطأ.
9 ظ، ش: الشواذ.
ج / 1 ص -108-
ولم يجعلوه "مُفْعُولا"؛ لأنهم قد قالوا:
خرجوا يَتَمَغْفَرون، فيتمغفرون عندهم يَتَفَعْلَلون، ولم
يجعلوه يَتَمَفْعَلُون؛ لقلة تَمَفْعَلَ، وكثرة
تَفَعْمَلَ.
ومن هنا أيضا كانت الميم في "مَعدّ" أصلا؛ لقولهم: تمعدد،
وتمعدد: تفعل، ولم يحمل على تَمَفْعَلَ، على أن قوما قد
جعلوا مُغْفُورا مُفْعُولا كمُعْلُوق، وإنما هذا لقلة1
المعرفة بهذا الشاذ2, والقياس ما أنبأتك به أولا. قال أبو
علي: إنما قلنا: "مُعْلوقا" مُفْعُول؛ لأنهم قد قالوا في
معناه: مِعْلاق، فمعلاق مِفْعَال ليس غير.
قال: وأما مُغْرود فحمله على فُعْلول أولى؛ لأن فُعْلولا
أكثر من مُفْعول.
وقالوا: تَمَنْدَلَ بالمنديل، وهو تَمَفْعَلَ، والجيدة:
تَنَدَّلَ.
وقالوا: قَلْنسته وهي3 فَعْنلته، وقالوا: قَلْسيته وهي4
القياس.
وقالوا: تَأْبلت القِدْرَ بالهمز, والهمزة زائدة؛ لأنها
بدل من ألف تابَلْت الزائدة.
وحُكي عنهم: "مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَك، وكان يُسَمَّى
محمدا تم تَمَسْلم" أي: صار يسمى مُسْلِما، وهذا كله شاذ.
وقد قال بعضهم: إن "مَذْحِج" جماعة قبائل شتى مَذْحَجَتْ
أي: اجتمعت. فإن كان هذا ثبتا في اللغة فلا بد من أن تكون
الميم زائدة، وتكون الكلمة مَفْعَلَتْ؛ لأنهم قالوا:
"مَذْحِج"، فإن جعلت الميم أصلا كان وزن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: هذه القلة, وش: هذه لقلة.
2 ظ، ش: الشأن.
3، 4 ظ، ش: وهو، في الموضعين.
ج / 1 ص -109-
ولم يجعلوه "مُفْعُولا"؛ لأنهم قد قالوا:
خرجوا يَتَمَغْفَرون، فيتمغفرون عندهم يَتَفَعْلَلون، ولم
يجعلوه يَتَمَفْعَلُون؛ لقلة تَمَفْعَلَ، وكثرة
تَفَعْمَلَ.
ومن هنا أيضا كانت الميم في "مَعدّ" أصلا؛ لقولهم: تمعدد،
وتمعدد: تفعل، ولم يحمل على تَمَفْعَلَ، على أن قوما قد
جعلوا مُغْفُورا مُفْعُولا كمُعْلُوق، وإنما هذا لقلة1
المعرفة بهذا الشاذ2, والقياس ما أنبأتك به أولا. قال أبو
علي: إنما قلنا: "مُعْلوقا" مُفْعُول؛ لأنهم قد قالوا في
معناه: مِعْلاق، فمعلاق مِفْعَال ليس غير.
قال: وأما مُغْرود فحمله على فُعْلول أولى؛ لأن فُعْلولا
أكثر من مُفْعول.
وقالوا: تَمَنْدَلَ بالمنديل، وهو تَمَفْعَلَ، والجيدة:
تَنَدَّلَ.
وقالوا: قَلْنسته وهي3 فَعْنلته، وقالوا: قَلْسيته وهي4
القياس.
وقالوا: تَأْبلت القِدْرَ بالهمز, والهمزة زائدة؛ لأنها
بدل من ألف تابَلْت الزائدة.
وحُكي عنهم: "مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَك، وكان يُسَمَّى
محمدا تم تَمَسْلم" أي: صار يسمى مُسْلِما، وهذا كله شاذ.
وقد قال بعضهم: إن "مَذْحِج" جماعة قبائل شتى مَذْحَجَتْ
أي: اجتمعت. فإن كان هذا ثبتا في اللغة فلا بد من أن تكون
الميم زائدة، وتكون الكلمة مَفْعَلَتْ؛ لأنهم قالوا:
"مَذْحِج"، فإن جعلت الميم أصلا كان وزن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: هذه القلة, وش: هذه لقلة.
2 ظ، ش: الشأن.
3، 4 ظ، ش: وهو، في الموضعين.
ج / 1 ص -110-
وتعالى:
{كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ
الْمَسِّ}1, وهذا واضح لا خفاء به.
وإنما ذكرت هذه الأمثلة الشاذة2؛ لأُونس بها ما ذهب إليه
أبو علي من أن "رهْيأ: فَعْيل" وإن كان هذا من الشواذ في
أمثلة الفعل. وقد قالوا: "امرأة3 ضَهْيَأ" مقصور3، قال أبو
علي: فالهمزة4 زائدة دون الياء لقولهم5: ضَهْياء في
معناها, وضهياء: فَعْلاء6 مثل حمراء، والألفان في آخرهما
زائدتان6 لا محالة.
ووجدت بخط أبي العباس محمد بن يزيد -رحمه الله7- يقال:
"امرأة ضهياء" إذا لم يكن لها ثديان، مثل الجَدَّاء,
و"الضَّهْراء" التي لا تحيض ولا ثدي لها. وحكى أحمد بن
يحيى قال: الضهراء: الأرض التي لا تنبت. والضهياء: التي لا
ثدي لها. وقال بعضهم: الضهياء8: التي تحيض وهي حُبْلى.
فأما قولهم: بَلْأص الرجل، فالهمزة فيه ينبغي أن تكون أصلا
حتى تقوم دلالة على زيادتها، والذي رآه أبو علي من أن
الياء في رهيأ9 زائدة دون الهمزة مذهب سديد.
فإن قال قائل: هلا جعل الهمزة زائدة وجعل الياء أصلا،
فكانت10 الكلمة على هذا فَعْلَأ11 في أمره دون فَعْيَلَ،
وإن كان هذان بناءين مفقودين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بعض الآية 275 من البقرة 2. وورد في ظ، ش: كالذي يتخبطه,
وهو تصحيف.
2 الشاذة: ساقط من ظ، ش.
3، 3 ظ، ش: ضهيأة مقصورة.
4 ظ، ش: الهمزة.
5 ظ، ش: لأنهم قالوا. ولم يظهر من "قالوا" في التصوير من ظ
إلا القاف.
6، 6 زيادة من ظ، ش.
7 رحمه الله: ساقط من ظ، ش.
8 الضهياء: ساقط من ظ، ش.
9 في الأصل: رهياء, وهو خطأ.
10 ش: وكانت.
11 في الأصل: فعلاء, وهو خطأ.
ج / 1 ص -111-
في الأفعال، ولِمَ عدل إلى زيادة الياء دون
زيادة الهمزة، وقد زيدت الهمزة فيما ذكره من قولهم: "امرأة
ضَهْيَأة"، أو هلا جعل الهمزة والياء جميعا من الأصل؟
قيل: لا يجوز أن يكونا جميعا من الأصل؛ لأن الياء لا تكون
أصلا في ذوات الأربعة إلا في التضعيف نحو "صِيصِيَة
ويَهْياه وحاحَيْتُ وعاعَيْتُ" وستراه في موضعه إن شاء
الله1.
فلما لم يكن بد من زيادة أحد الحرفين عُدِلَ إلى القضاء
بزيادة الياء دون الهمزة؛ لأنه لو جعل الهمزة هي الزائدة
دون الياء لاجتمع في قوله هذا شيئان مكروهان: أحدهما أن
يكون في الأفعال مثال فَعْلَأ بوزن دحرج، والآخر زيادة
الهمزة غير أول. وإذا ذهب إلى أن الياء من رهيأ هي
الزائدة، فإنما في قوله هذا شيء واحد مكروه، وهو أن الفعل
على فَعْيَلَ، فليس في هذا القول شيء مكروه أكثر من أنه
على فَعْيل، وكلما قل المستكره كان أقيس.
ومع هذا, فإنه يجعل الياء في رَهْيأ زائدة، مثلها في
حِذْيَم وطريم وعثير وغريل. وفي موضع الواو من جهْور،
وسرول، وجدول2، وخِرْوَع، ونحو ذلك. فالذي3 ذهب إليه في
هذا هو القياس، والذي قبله4 ليس بقياس، فافهم ذلك.
مواضع زيادة
الياء:
قال أبو عثمان: وأما الياء, فإذا وجدتها ثانية وثالثة
ورابعة فهي زائدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إن شاء الله: زيادة من ظ، ش.
2 في الأصل: جرول، بفتح الجيم وكسرها وبعدها راء.
3 ظ، ش: والذي.
4 ظ، ش: تركه.
ج / 1 ص -112-
قال أبو الفتح: قد قال أبو عثمان1 هذا
القول قولا2 مرسلا غير مقيد، وليس لأحد أن يطعن فيه
بقولهم: صيصية ويهيأة ونحوهما مما الياء فيه أصل؛ لأنه قد
بين هو هذا القول واستثنى به في هذا الكتاب وستراه، وإنما
تسامح فيه؛ لأنه معلوم الموضع وليس مما يذهب على
المبتدئين, فضلا عن الأشياخ المتقدمين.
وإنما يريد أبو عثمان: أنك إذا حصّلت في الكلمة ثلاثة أحرف
من الأصول، ثم رأيت فيها ياء ثانية أو ثالثة فصاعدا، قضيت
بزيادتها حملا على ما عُرف اشتقاقه3؛ لأنها لم تُرَ على
هذه الصفة فيما وضح أمره بالاشتقاق إلا زائدة. فعلى هذا
القياس لو جاء في الكلام مثل "خَيْقَب وقِرْيَج
وشَقَيْطَر" لقضيت بزيادة الياء، ولم تحتج إلى الاشتقاق.
مواضع زيادة
الواو:
قال أبو عثمان: والواو كذلك، إلا أن الواو لا تزاد
أولا البتة، وتزاد ثانية وثالثة ورابعة كالياء، إلا في أول
الكلمة فإنها تفارق الياء.
قال أبو الفتح: يقول: لا فصل بين الياء والواو في هذه
القضية إلا في باب زيادة الياء أولا وامتناع زيادة الواو
أولا. فسألت أبا علي وقت القراءة عليه فقلت له: لِمَ كان
ذلك, وما الفصل بين الياء والواو في هذا الموضع؟
فقال: إنما امتنع ذلك في الواو؛ لأنها لو زِيدتْ أولا
مضمومة لاطرد فيها قلبها همزة نحو: "أُقِّتَتْ" وبابه,
وستراه في موضعه.
ولو زيدت مكسورة أيضا, لجاز قلبها جوازا كالمطرد نحو
"إسادة وإفادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو عثمان: ساقط من ظ، ش.
2 قولا: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: اشتقاقها.
ج / 1 ص -113-
في وِسَادة، ووِفَادة"، ولو زيدت مفتوحة
حتى تحقر الكلمة لانضم أولها فجاز قلبها همزة، يريد تحقير
وزة: وُزَيْزَة، ويجوز أُزَيْزة.
قال: فلما كانت زيادتها أولا تقود إلى هذا التغيير والقلب
واللبس ويكون ذلك فيها أثقل؛ لأنها زائدة, رُفضت1 زيادتها
أولا فلم يجز لذلك. فهذا2 معنى قول أبي علي وقريب3 من لفظه
والأمر كما ذكر.
فإن قلت: فهلا زادوا الواو في أول الفعل مفتوحة؛ لأن الفعل
لا يحقر فينضم؟ قيل: لأنه إذا بُنِيَ للمفعول ولم يسم
الفاعل4, انضم أوله فجاز الهمز.
فإن قيل: فكان5 يجري مجرى "وُعِدَ، وأُعد"؟
قيل: واو "وُعد" أصل, فاحتُمل ذلك فيها وليس الزائد
كالأصل.
الهمزة الأصلية
في أول الكلمة:
قال أبو عثمان: "فأما أَوْلَق، وأيصر, وإِمَّعَة", فإن
الهمزة فيهن6 غير زائدة؛ لأنهم قد7 قالوا: "أُلق فهو
مألوق8"، فقد تبين لك أن الهمزة من نفس الحرف, "وأيصر"
أيضا9 من نفس الحرف لقولهم في جمعه: "إصار". وقال10
الشاعر:
ويجمع ذا بينهن الإصارا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: رفض.
2 ظ، ش: هذا.
3 ش: أو قريب.
4 ظ، ش: فاعله.
5 ظ، ش: وكان.
6 ص وهامش ظ: فيهن. ظ، ش: فيها.
7 قد: ساقط من ظ، ش.
8 ص، وهامش ظ: ألق فهو مألوق. ظ، ش: ألق الرجل.
9 أيضا: عن ش وهامش ظ، وهو ساقط من ص، ظ.
10 ظ، ش: قال.
ج / 1 ص -114-
وإِمَّعَة؛ لأنه ليس في الكلام إِفْعَلَة
صفة، وإنما هو مثل دنمة، وهو مثل أرطى؛ لأنهم يقولون: أديم
مأروط؛ إذا دُبغ بالأرطى.
قال أبو الفتح: قد جمع في هذا الفصل أشياء تحتاج إلى تفصيل
وشرح؛ استدل على أن الهمزة في أولق من نفس الكلمة بقولهم:
أُلق فهو مألوق -يقول: فالهمزة في ألق فاء الفعل- فينبغي
أن تكون في أولق كذلك, وهذا استدلال صحيح.
ولمعترض بعدُ أن يعترض فيقول: ما تنكر أن يكون أَوْلَق
أَفْعَلا دون فَوْعَل، وتكون الواو فيه فاء الفعل بمنزلة
أَوْطَف، وأوجز؟
فإن قلت: فقد قالوا: أُلِقَ، فقد يجوز أن تكون الهمزة في
ألق منقلبة عن الواو المضمومة, كأنه كان أولا: وُلِقَ، ثم
قلبت همزة، كما تقول: أُعِدَ وأُزِنَ، في وُعد ووُزن، فلا
تكون لأبي عثمان حجة في قولهم: أُلق؟
فالجواب عن هذه الزيادة: أنهم قد1 قالوا: مألوق، فلو كانت
الهمزة في أُلق إنما هي منقلبة عن الواو في وُلق كما يدعي
الخصم, لزالت في اسم المفعول لزوال الضمة الموجبة للقلب.
وكانوا يقولون: "مولوق" كما يقولون: "أُعِد" فهو
"مَوْعود", ولم نسمعهم قالوا: "مأْعود"؛ لزوال الضمة, فلما
لم نرهم قالوا: "مولوق" استدللنا2 بذلك على أن الهمزة في
ألق ليست بمنزلة الهمزة في "أعد", بل هي أصل ثابتة غير
منقلبة.
فإن قال: فما تنكر أن يكون هذا من القلب اللازم كما قالوا
في تكسير "عيد"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: واستدللنا، بواو العطف، وهو خطأ؛ لأن استدللنا
جواب فلما, ولذلك هي في ص ساقطة.
ج / 1 ص -115-
وتحقيره: أَعْياد, وعُيَيْد، فلم يرجعوا
الواو وإن كانت الكسرة قبلها قد زالت, فكذلك ما تنكر أن
يكون مألوق من البدل اللازم وإن زالت الضمة الموجبة للقلب
كما زالت الكسرة من عيد في قولهم: عُييد، وأعياد ولم ترد
الياء إلى الواو, كما1 قالوا: البرية، فألزموها التخفيف
وأصلها الهمز, وكما قالوا: النبي، فألزموه2 البدل في الأمر
العام الشائع؟
قيل: الحمل على هذه الأشياء لا يجوز؛ لخروجها عن القياس
ودخولها في الشذوذ. فينبغي إذا كان الأمر كذلك أن تسلم كما
سمعت ولا تجعل أصلا يقاس عليه.
وأيضا فإنا3 قد سمعناهم يقولون: تَنَبَّأ مُسَيْلمة4 وذكر
سيبويه: أن جميع العرب تهمز هذا فتقول: تنبأ مسيلمة4 وقد
قالوا: بَرَأَ5 الله الخلق, وقالوا أيضا: عاد يعود. فلما
سمعناهم يقولون هذا دلنا ذلك على أن النبي، والبرية،
وعيدا، أصلها الهمز6 والواو, فقضينا لها بهذه الأصول لقيام
الدلالة عليها.
ونحن لم نسمعهم لفظوا بالواو في تصريف أَوْلَق, فنقضي بأنه
من الواو دون الهمز7. فنحن على الظاهر حتى تقوم دلالة ننزل
لها عنه إلى غيره, فإن ادعى ذلك مدع لزمه الدليل عليه وكان
هو المطالب به دوننا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكما.
2 ظ، ش: فألزموا، بغير هاء.
3 فإنا: زيادة من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ص: أبرأ.
6 ص: الهمزة.
7 ظ، ش: الهمزة.
ج / 1 ص -116-
ولو جاز لمدعٍ أن يقول: إن أصل ألق: وُلِقَ
من غير دلالة، ومع أن الهمزة ثابتة في تصريف الكلمة بحيث
لا موجبا1 للقلب، لجاز لآخر أيضًا أن يقول: إن أصل أُخذ:
وُخذ, وإن أصل أُم: وُم, وإن أصل أُكل: وُكل، من غير دلالة
ولا ثَبَت.
ولو جاز ذلك لخرج هذا الأمر من باب طريق العلم إلى الجهل
وارتكاب ما لا حقيقة له, واعتقاد ما لا دليل عليه. وهذا
موقف إذا وقفه المدعي سقطت2 كُلْفَة الاشتغال به2،
والاحتجاج عليه، ولا قوة إلا بالله.
وقد قالوا: مَأْلوق، ومُؤْلَق، ومُؤَوْلَق، فمألوق: مفعول,
ومؤلق: مفعل, ومؤولق: مفوعل.
وقال أبو علي: سأل مروان بن سعيد المهلبي الكسائي في حلقة
يونس عن أوْلَق؟ فقال الكسائي: أفْعَل، فقال له مروان:
استحييت لك يا شيخ.
واستدل أبو إسحاق الزجاج على أنه لا يجوز أن يكون أَفْعل3
ولا فَوْعلا من وَلَق يَلِق, إذا أسرع بقولهم4: مألوق، كما
ذهبت إليه.
واستدل أبو عثمان على أن إِمّعة فِعّلة بأنه5 ليس في
الكلام إِفْعَلة صفة، وهذا هو استدلال سيبويه، وهو صحيح.
وفيه قول آخر، وهو أنه لو كانت الهمزة في إمعة زائدة لوجب
أن تكون الميم الأولى فاء والأخرى عينًا، فكانت الفاء
والعين -تكونان على هذا التأويل- من موضع واحد، وهذا لا
يؤخذ به لقلته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موجبا بالنصب في النسخ الثلاث.
2، 2 ظ، ش: الكلفة به.
3 ظ، ش: أفعلا.
4 ظ، ش: لقولهم.
5 ظ، ش: بقوله.
ج / 1 ص -117-
وإنما جاءت منه أحرف محصورة نحو: كوكب,
ودَدَن1, وستراها في مواضعها, ولا ينبغي أن يقاس عليها,
فهذا وجه ثانٍ.
فأما أيصر، فقولهم في جمعه: إِصَار، يدل على أن همزته فاء؛
لأنها فاء2 في إصار، ومثاله: فِعَال.
وليس يجوز أن يعترض معترض فيقول: ما تنكر أن الهمزة في
إصار بدل من ياء أيصر، على أن تكون الهمزة في أَيْصر
زائدة؟ ويشبه هذا بقولهم: إسادة في وِسادة؛ لأن الياء إذا
انكسرت لم يجب قلبها همزة.
وليس في كلام العرب اسم في أوله ياء مكسورة, إلا قولهم في
اليد اليسرى: يِسار بكسر الياء، والأفصح: يَسار بفتحها.
وقالوا أيضا في جمع يقظان: يِقاظ، وفي جمع يَعْر وهو
الجدي: يِعَرَة، وفي جمع يابس: يِبَاس.
وإنما تنكبوا ذلك عندي استثقالا للكسرة في الياء, وليست
كالواو التي إذا انضمت هُمزت هربا من الضمة فيها. فلما لم
يمكن فيها القلب لم يستجيزوا كسرها أولا. وقد كسرت غير أول
نحو: مُغِيل، وأَسْيِرْ به، وأبْيِع به، وأبين به، وهذا
مطرد في بابه؛ لأن وسط الكلمة مما تجتمع فيه الواوان,
فاجتماع ياء وكسرة أولى.
فأما قولهم: يَيْجَل، ويِيْجَل، ونحو ذلك، فإن أصله الفتح،
وإنما كُسرت الياء لتنقلب الواو ياء, فالكسر عارض.
فأما3 أَرْطى، فقولهم: مأروط، يدل على أن همزته فاء، وقال
لي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: ودودن.
2 فاء: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: وأما.
ج / 1 ص -118-
أبو علي: إن أبا الحسن حكى عن بعضهم: أديم
مَرْطي, فالهمزة عند هؤلاء زائدة.
فأولق مثل: كوثر، وإِمّعة مثل: دِنّمة، وأَيْصر مثل:
خَيْفق، وأرطى مثل: عَلْقى، فيمن نوّن هذا, على قول من
قال: مأروط. ومن قال: مرطي, فأرطى عنده بمنزلة أفعى،
وينبغي أن تكون الألف في آخر أرطى فيمن قال: مَرْطِيّ
منقلبة عن ياء؛ لأنه لو كان من الواو لقالوا: مَرْطُوّ,
كما قالوا: مَغْزُوّ. وإنما مَرْطِي كمَرْمِي، ولا تحمله
على قول الشاعر:
وقد علمت عرسى مليكة أنني
أنا الليث معديا عليه وعاديا
وهو يريد: مَعْدُوا عليه, ولا على مَسْنِيَّة، وهم يريدون:
مَسْنُوَّة؛ لأن هذا شاذ لا يقاس عليه، ومأروط أكثر في
اللغة من مَرْطِيّ.
الألف لا تكون
أصلا أبدا:
قال أبو عثمان: والألف لا تكون أصلا أبدا، إنما هي
زائدة1 أو بدل مما هو من نفس الحرف, ولا تكون أصلا البتة
في الأسماء ولا في الأفعال. فأما في الحروف التي جاءت
لمعنى فهي2 أصل فيهن.
قال أبو الفتح: إنما قال أبو عثمان: إن الألف لا تكون أصلا
في الأسماء، ولا في الأفعال، وإنما تكون زائدة3 أو بدلا؛
لأنه استقرى جميع الأسماء والأفعال أو جمهورها, فلم يجد
الألف فيها4 إلا كذلك، فقضى لها بهذا الحكم.
فأما الحروف, فالألف فيهن أصل, غير زائدة ولا منقلبة.
والدليل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: زيادة.
2 ظ، ش: فهو.
3 ظ، ش: زيادة.
4 فيها: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -119-
على ذلك أنها غير مشتقة، ولا متصرفة، ولا
يُعرَف لها أصل غير هذا الذي هي1 عليه. فيجب أن تُقَرّ على
ما هي عليه حتى تقوم دلالة على أنها زائدة, أو منقلبة.
ولا دلالة على ذلك, فلا تكون الألف فيهن زائدة؛ لأنهن غير
مشتقات, وبالاشتقاق تُعلَم الزيادة من الأصل. ولا تكون
منقلبة؛ لأنه لو كانت الألف في "ما" من الواو لقالوا:
مَوْ، كما قالوا: لَوْ، ولو كانت من الياء لقالوا: مَيْ،
كما قالوا: كَيْ، فبَطَلَ أن تكون الألف في الحرف2 زائدة
أو منقلبة.
فإن قال قائل: فهلا حملت الحروف في هذا المعنى على الأسماء
والأفعال, فقضيت بأن الألف فيها بمنزلتها فيهما؟
قيل: هذا خطأ؛ وذلك أن الحروف بائنة من الأسماء والأفعال،
خارجة عن أحكامهما من وجوه كثيرة يطول بذكرها الكتاب!!
فليس لنا أن نحمل الشيء على الشيء وبينهما هذا البُعْد.
وإنما المتجوز أن تحمل ما لم يُعرَف اشتقاقه من الأسماء
على ما عُرِف اشتقاقه منها.
فنقول: إنّا إذا حصّلنا ثلاثة أحرف من الأصول وجاءت الهمزة
رابعة في أولها، قضينا بزيادة الهمزة حملا على ما عُرِف,
فيحسن هذا منا لحملنا اسما على اسم, وكذلك الأفعال أيضا.
فأما أن نحمل الحرف على الاسم والفعل على بعد ما بينهما،
فخطأ, ويمنع منه أيضا أنهم لم يُميلوا "حتى" وألفها رابعة،
ولو كانت منقلبة عن ياء أو واو، لكانت إمالتها مستقيمة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: الحروف.
ج / 1 ص -120-
وأقول: إن الأسماء المبنية, والأصوات
المحكية، والأسماء الأعجمية، تجري مجرى الحروف في أن
الألفات فيها أصول غير منقلبة؛ لأنا إنما قضينا بأنها في
الحروف غير منقلبة؛ لأنه لا يعرف لها اشتقاق، فيجب من ذلك
أن يكون كل ما كان مما ذكرنا غير مشتق, أن تكون ألفه غير
زائدة ولا منقلبة.
فإن قلت: فهلا حملت المبنية والأعجمية على ما عرف اشتقاقه
من العربية؛ لأنها أسماء مثلها؟
قيل: أما الأسماء المبنية1 فإنما2 بُنيت لمشابهتها الحروف
نحو: كَمْ، ومَنْ, وأين، ومتى, وأنى، فلما أشبهت الحروف
المتضمنة هي معانيها، وكانت مثلها في أنه لا يعرف لها
اشتقاق، ولا يوجد لها تصرف، كان حكمها في ذلك حكم الحروف،
وكانت الألفات فيها كالألفات فيها، ألا ترى أنك لا تجد
لكم، وأين، ومتى, اشتقاقا ولا تصرفا؟ وإذا كان الأمر كذلك
لم يكن3 لأحد أن يقول: إن الألف من "لكن" زائدة, ولا أنه4
من اللكنة. ولا يجوز لآخر أن يقول أيضا: إن الألف في "متى"
منقلبة عن5 ياء ولا واو، ولا أن الألف في "إياك" منقلبة
ولا زائدة.
ويدلك على أن الأسماء المضمرة في حكم الحروف, أنك تجد فيها
ما هو على حرف واحد نحو الكاف في "رأيتك" و"مررت بك",
والياء في "مررت بي", فجرت هذه الأسماء في أنها على حرف
واحد مجرى همزة الاستفهام، وواو العطف وفائه، ولو كانت
كالأسماء الظاهرة المتمكنة لما جاز أن يأتي شيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المبنية: ساقط من ظ.
2 ظ، ش: فإنها.
3 ظ، ش: لم يجز.
4 ش: أنها.
5 ظ، ش: من.
ج / 1 ص -121-
منها على أقل من ثلاثة أحرف: فاء، وعين،
ولام, و"أنا، وأنت، وإياك" بمنزلة الكاف في "ضربتُكَ"
والياء في "مررت بي"؛ لأنها مضمرة مثلها.
وحُكِيَ عن بعضهم أنه سُئل عن قول الله تعالى:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}, ما معنى "إياك"؟ فقال: معناه حقيقتك،
قال: واشتقاقه من "الآية" وهي العلامة التي تدل على حقيقة
الشيء، فيجب على هذا القول أن تكون "إيا" فِعْلا, أو
فِعِّلا، أو فِعْلَلا من الآية, وأن تكون الألف في آخرها
إنما انقلبت عن الياء إن كانت لاما، أو تكون زائدة إن كانت
فِعْلا.
وهذا قول ساقط ليس مما يُتشاغَل بمثله؛ لأن "إياك" بمنزلة
الكاف في "رأيتُك" في أنها اسم مضمر مثله. فيجب أن يكون
غير مشتق، كما أن: "الكاف، وأنتَ" كذلك.
وأرى أن القائل بهذا القول إنما شجّعه عليه ما حُكي عن
الخليل من أنه قال: إن "إيا" اسم ظاهر خُص به المضمر. فلما
سمع1 أنه ظاهر, جعله مشتقا وأخرجه عن باب المضمرات وصرّفه.
وقد دل أبو علي على أن "إياك" اسم مضمر. قال: لأنه خُص
بالنصب كما خُص "أنا، وأنت"2 بالرفع. فكما أن "أنا، وأنت"2
مضمران بلا إشكال, فكذلك "إياك" ولو كان اسما ظاهرا لما
اقتُصر به على النصب ولدخله الإعراب كله, وليس ظرفا, فيلزم
النصب كما لزمته "سوَى، وبُعَيدات بَيْنٍ"، ونحوهما من
الظروف التي لم تستعمل إلا ظروفا، ولا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: سمع به، ولا معنى له.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -122-
مصدرا فأُلزم النصب1 نحو: "سبحانَ الله،
ولبَّيك، ومعاذَ الله"2, فإذا كان الأمر كذلك3 بَطَلَ أن
يكون "إياك" مشتقا أو متصرفا.
وكذلك الألف في "غاقِ" لصوت الغراب، و"جاهِ" لزجر البعير،
و"حاءِ، وماءِ" في صوت الشاء4، هي فيهن غير منقلبة؛ لأن
هذه كلها بمنزلة الحروف.
فإن قلت: فقد قالوا: إن وزن "ذَا" من الفعل "فَعْل", وإنه
محذوف اللام وهو مع ذلك مبني لمشابهته الحروف، وألفه
منقلبة عن العين الساكنة, فما5 الفصل بينه وبين "متى"؟
قيل: إنما جاز ذلك فيه لمشابهته الأسماء المتمكنة، ألا
تراه يُوصَف ويُوصَف به، ويثنى ويحقر، ويدخله كثير من
أحكام الأسماء6 المتمكنة؛ فلذلك جاز أن يمثل من الفعل.
قال أبو علي: أصل بنائه فَعْل كأنه "ذَيّ", ثم حذفت اللام
لضرب من التخفيف؛ لأنه من مضاعف الياء، وكأنه بقي "ذي"
فقلبت ياؤه ألفا, فصار "ذا". قلت له: ما الدليل على أن
عينه من الياء، ولِمَ لا يكون من باب: "طويت, وشويت"؛ لأنه
أكثر من باب "حييت، وعييت"؟
فقال: لأن سيبويه حكى فيه الإمالة، فهذا7 يدل على أنه من
الياء، قال: ولم يقل فيه: "ذي" لئلا يشبه "كي" فألحق بمتى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فألزم النصب: ساقط من ظ، ش.
2 معاذ الله: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: على ذلك.
4 ظ، ش: الصوت للشاة.
5 ظ، ش: وما.
6 الأسماء: ساقطة من ظ، ش، وكانت كذلك في ص واستدركت في
هامشها.
7 ظ، ش: فذا.
ج / 1 ص -123-
قلت له بعد ذلك بزمان: هلا قلت في "متى":
إنه في الأصل "مَتَيْ" ثم قلبت ياؤه ألفا كما تقول في
"ذا"؟
فقال: "ذا" أشبه الأسماء1 المتمكنة بأنه يوصف، ويوصف به,
ولا يجوز ذلك في "متى".
وقال في موضع آخر: إنما أُميلت "متى"؛ لأنها اسم, فدخلها
ما يكون أمارة للأسماء وهو الإمالة.
قال: فأما "إذا" فإنما امتنعت من الإمالة وإن كانت اسما
لأنها أقعد في شبه الحرف من "متى"؛ لأنها محتاجة إلى
الإضافة، مفتقرة إلى ما بعدها.
وأما "مَتَى" فهي في كلا موضعيها -الاستفهام, والشرط- غير
مضافة.
فهي أشبه بالأسماء القائمة بأنفسها؛ ولذلك أميلت "بلى"
لأنها تقوم بنفسها إذا قال القائل: "أما قام زيد؟" قال له
المجيب: "بلى", فلما حسُن الوقوف عليها أُميلت، أمارة
لمشابهة الاسم فيها.
قال أبو علي: وكذلك قولهم: "افعَلْ كذا وكذا إمَّا لا",
فإمالتهم "لِا" من "إمَّا لا" إنما هو لأن معناه: افعلْ
كذا وكذا إن كنت لا تفعل غيره. فلما حذف الفعل وأقيمت "لا"
مقامه وأغنت عنه, أميلت لمشابهتها الفعل.
وكذلك كان يقول في قولهم: "يا زيد": إنها2 إنما أميلت؛
لأنها قامت مقام "أدعو، وأنادي" ولأجل الياء أيضا.
وحكى قطرب عن بعضهم: "لِا أفعل كذا" ممالة. وإنما جاز هذا
فيها عندي؛ لأنها قد تكون جوابا فتقوم بنفسها في نحو قولك
جوابا: لهل قام زيد؟ "لِا". فلما قامت بنفسها أميلت كما
قدمنا, إلا أن إمالة "بلى" أشبه من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأسماء: ساقط من ظ، ش، وكانت كذلك في ص واستدركت في
هامشه.
2 إنها: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -124-
إمالة "لِا"؛ لأنها على ثلاثة أحرف، فهي
بالمتمكنة أشبه؛ ولهذا كتبوها بالياء.
فإن قلت: فقد قالوا: "حتي" فكتبوها بالياء, وإن لم تكن1
ممالة؟
قيل: إنما كُتبت بالياء1؛ لأن ألفها وقعت رابعة. وهذا من
المواضع التي تغلب عليها الياء.
ولم يكتبوا "إذا" بالياء2 وإن كانت اسما لمّا لم تكن
الإمالة تحسن فيها, ولو كتبوا "كلَّا" بالياء2 قياسا على
"حتّي" لكان وجها. وكَتْبهم3 إياها أيضا بالألف صواب4؛
لأنه لا موجب للإمالة فيها.
وكذلك أيضا لو كتبت "حتى" بالألف قياسا على "كلا" لكان
صوابا, ولكل علة قائمة. وأحسبني رأيت "حتى" بالألف بخط أبي
العباس.
وأما5 إمالتهم "للكِنْ" فلأجل كسرة الكاف, فأشبه ذلك إمالة
"عابد، وحاتم". وإن كان ليس مثله في كل موضع فقد يشبه
الشيءُ الشيءَ من وجه ولا يشبهه من وجوه. فإن أُعطي بعض
أحكامه فللشبه الذي بينهما, وإن مُنِعَهُ فلما فاته من
تكامل الشبه. فتأمل هذا الموضع, فإنه مُسهَّل6 عليك كثيرا
مما تستقر به في اللغة العربية, فإن أكثر من يتسكع فيها
إنما يلحقه ذلك لجهله بهذا الموضع.
وقد كان أبو علي يقول في قول الراجز:
فهي تنوش الحوض نوشا من علا
نوشـــا بـــه تقطـــع
أجـــواز الفَـــلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، وسقوطه أفسد المعنى.
2، 2 ساقط من ظ، ش، وسقوطه أفسد المعنى.
3 ظ، ش: فكتبهم.
4 صواب: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: فأما.
6 ظ، ش: يسهل.
ج / 1 ص -125-
إن الألف في "علا" منقلبة عن الواو؛ لأنه
من عَلَوْتُ، وإن الكلمة في موضع مبني على الضم نحو:
"قبلُ، وبعدُ"؛ لأنه يريد: نوشا من أعلاه. فلما اقتُطع
المضاف من المضاف إليه، وجب بناء الكلمة على الضم نحو:
"قبل، وبعد", فلما وقعت الواو مضمومة وقبلها فتحة قُلبت
ألفا, وهذا مذهب حسن.
وكان أيضا يقول: إن "اللاءِ" ليس محذوفا من "اللائي",
قال1: لأن هذه الأسماء في حكم الحروف غير مشتقة. قال: فـ
"اللاء" مثل "شاء" و"اللائي" بمنزلة "الجائي", وليس أن
"اللاءِ" من "اللائي" بمنزلة "القاضِ" من "القاضي"؛ ولذلك
مثّله بـ "شاء" وهو بمنزلة "باب".
ويدل على أن هذه الأسماء بمنزلة الحروف, قولهم في "ذا" اسم
رجل: "ذاءٌ" كما يقولون في "لا:
لاءٌ".
وسألت أبا علي عن قولهم: "باء، وتاء" فيمن مد لما عطف,
فقلت له: أتقول2: إن الألف منقلبة؟ فقال: نعم، أحكم عليها
بأنها واو في الأصل؛ لأنها عين والهمزة لام بدل من ياء
ليكون من باب "طويتُ".
فقلت له: كيف3 تجيز ذلك ونحن نعلم أن هذه الألف إنما4 هي
الألف المجهولة في "با، وتا"5 قبل المد؟ فقال: لما صارت
اسما, قضينا لها بأحكام الأسماء.
ألا ترى أنا لو سمينا بـ "ضرب" لأعربناه فقلنا: "جاءني
ضَرَبٌ", فنعربه وإن كان قبل التسمية غير معرب، فكذلك "يا،
تا" إذا مُدت قُضي عليها بما يُقضى على الأسماء. فقيل له
في الوقت: أفتجمع على الكلمة إعلالين:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال: ساقط من ظ، ش.
2 أتقول: ساقط من ظ، ش.
3 كيف: ساقط من ظ، ش.
4 إنما: ساقط من ظ، ش.
5 ص: "با، تا" بدون واو.
ج / 1 ص -126-
إعلال العين، وإعلال اللام؟ فقال: قد1 جاء
من هذا شيء صالح نحو: "ماءٍ, وشاءٍ" فهذا قوله.
وقد نص أبو الحسن على أن "الألف"2 من ذوات الياء، وقول أبي
علي أجرى على القياس. وكذلك لو سميت رجلًا بـ "قاف" لقضيتَ
بأنه من الواو. وهذا قياس قول سيبويه؛ لأنه كان يرى أن
الألف إذا جاءت في موضع العين, فأكثر ما تكون من الواو.
وهذا هو الصحيح؛ لأنك إذا استقريت اللغة وجدتَها في أكثر
الأمر هكذا، ألا ترى إلى "بابٍ، ودارٍ، وساقٍ، وغارٍ،
وتاجٍ، وصاعٍ" فهذا كله من الواو, والياء في هذا الموضع
قليلة.
وسألت أبا علي, فقلت له: هل يقول هذا سيبويه في الأسماء
والأفعال جميعًا؟ أو في الأسماء خاصة؟ فقال: لا أعرف له
نصا على الأفعال؛ ولهذا ما قال سيبويه: إنك لو نطقت بالفعل
من "آتٍ" لقلت: "أُؤْتُ" بمنزلة: "قُلْتُ".
فأما "ماء" فلو سميت به رجلا، لقضيت بأن ألفه من الياء؛
لأجل الإمالة فيه. وقياس قول أبي علي أن تكون من الواو.
قال ذو الرمة:
لا ينعش الطرف إلا ما تخونه
داع يناديه باسم الماء مبغوم
وأنشدنا أبو علي للراجز:
يدعونني بالماء ماء أسودا
قال: يريد: أصبتُ ماء أسود. قال: فالألف واللام في الماء
زائدتان؛ لأن الأصوات لا تدخلها الألف واللام، وليس هذا
موضع هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد: ساقط من ظ، ش.
2 ص: الباء، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه عن ظ، ش بدليل
قوله فيما يأتي: "وهذا قياس قول سيبويه؛ لأنه كان يرى أن
الألف إذا جاءت في موضع العين, فأكثر ما تكون من الواو".
ج / 1 ص -127-
وقال سيبويه: إنك إذا1 سميت رجلا2 بـ
"عَلَى, ولَدَى، وإِلَى" لقلت: "عَلَوَانِ، وإلوانِ،
ولدوانِ" فتثنيه بالواو؛ لأن الإمالة لا تحسن فيه3.
فهذه أحكام الأصوات والحروف في امتناع اشتقاقها وما يقتضيه
القول في قبيلها. ولم أر4 أحدا من أصحابنا4 أشبع القول
فيها هكذا. وهذا الموضع من لطيف التصريف، وفيه ما هو أكثر
من هذا، ولكن الكتاب يطول به ولا يأتي على آخره.
فأما الأسماء الأعجمية, ففي حكم الحروف في امتناعها من
التصريف والاشتقاق؛ لأنها ليست من اللغة العربية.
وإذا كان ضَرْب من كلام العرب لا يمكن فيه الاشتقاق، ولا
يسوغ فيه التصريف مع أنه عربي، فالأعجمي بالامتناع من هذا
أولى، وهو به أحرى؛ لبعد ما بين الأعجمية والعربية. ألا
ترى أنك لا تجد لإبراهيم ولا5 إسماعيل ونحوهما اشتقاقا ولا
تصريفا، كما لا تجدهما لـ "قد، وهل. وبل" فالأمر فيهما
واحد.
فأما قول من يقول: إن "إبليس" من6 قول الله6 تعالى:
{يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}7
ومن قول الراجز:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: لو.
2 رجلا: زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش: فيها.
4، 4 ظ، ش: أحد أصحابنا.
5 لا: ساقط من ظ، ش.
6، 6 ص: قوله.
7 الآية 12 من سورة الروم 30, وهي:
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ},
وأوردت النسخ الثلاث "يومئذ" قبل "يبلس" وهو خطأ.
ج / 1 ص -128-
يا صاحِ هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
فخطأ منه. لو كان "إبليس" من هذا لكان عربيا؛ لأنه مشتق،
ولوجب صرفه؛ لأنك لو سميت رجلا بـ "إِجْفِيل، وإخريط"
لصرفته؛ لأنه لا مانع له من الصرف.
وكذلك أيضا لا يجوز أن يكون "إدريس" من درست القرآن, ولا
من درس من المنزل, ونحوهما، ولا يكون" يعقوب" من العقبى،
ولا من العقاب, ونحوهما1؛ لأنه1 لو كان كذلك كان مشتقا
عربيا, ولوجب صرفه كما تصرف "يربوعا، ويعسوبا" اسمي رجل.
وإنما هذه ألفاظ أعجمية وافقت ألفاظ العرب، ألا ترى إلى
قول النابغة:
نُبِّئت أن أبا قابوس أوعدني
ولا قرار على زأر من الأسد
فلو كان هذا من قبستُ النار لانصرف؛ لأنه كان
يكون بمنزلة "جارود" من الجرد، و"عاقول" من العقل.
وإذا كان الأمر كذلك، فليس لأحد أن يقول: إن "إبراهيم،
وإسماعيل" لهما مثال من الفعل، كما لا يمكنه ذلك في:
"إِنّ، وثُمَّ، وقد، وسوف" وما أشبه ذلك.
ولكن يقال: إن هذه الأسماء لو كانت من كلام العرب, لكان
من2 حكمها كَيْتَ وكَيْتَ، كما أن "سوف, وحتى" لو سمي
بهما, لكان من أمرهما كيت وكيت.
ولم يُرِد أبو عثمان بقوله: "إن الألف لا تكون في الأسماء
والأفعال إلا زائدة أو منقلبة" أنها تكون كذلك في جميع
الأسماء، وإنما أراد الأسماء العربية المتصرفة.
وقد شرحت هذا في أول الكتاب, وأراد جميع الأفعال؛ لأنها
متصرفة مشتقة من مصادرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 زادت ظ، ش في هذا الموضع: ولا يكون من هذا، ولا معنى
له.
2 من: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -129-
الميم في أول الكلمة زائدة:
قال أبو عثمان: وأما الميم إذا كانت أولا, فهي زائدة
بمنزلة الهمزة والياء؛ لأن الميم أولا نظيرة الهمزة.
قال أبو الفتح: يقول: لا فصل بين الميم والهمزة إذا وقعتا
أولا، فمتى وجب في الهمزة أن تكون زائدة ووقعت1 الميم
موقعها, فاقض بزيادتها.
الميم في مَعَدّ
أصل, وليست زائدة:
قال أبو عثمان: فأما معد، فالميم فيه من نفس الحرف
لقول العرب: تَمَعْدَدَ، فإن قال قائل: فقد جاء مثل تمسكن؟
فإن هذا غلط وليس بأصل, وقد قالوا: "تَمَدْرَعَ"، والجيدة
العربية "تَدَرَّعَ، وتَسَكَّنَ" وهو كلام أكثر العرب.
وأنشد أبو زيد:
ربّيتُهُ حتى إذا تَمَعْدَدَا
كان جزائي بالعصا أن أُجلدا
قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما كان "معد" من معنى "تمعدد"؛
لأن "تمعدد" تكلَّم بكلام معد أي: كبر وخطب، هكذا كان أبو
علي يقول. ومنه قول عمر2, رضي الله عنه2: "اخْشَوْشِنُوا
وتَمَعْدَدُوا" قال أحمد بن يحيى: "تمعددوا" أي: كونوا على
خُلُق مَعَدّ. فإذا كانت الميم في تمعدد فاء فهي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وقعت، بدون واو عطف.
2، 2 ظ، ش: رحمه الله.
ج / 1 ص -130-
في "مَعَدّ" فاء. قال: ولا تنظر إلى
"تَمَسْكَنَ، وتَمَدْرَعَ" فتقول: أحمل "تمعدد" على أنه
تَمَفْعَلَ بمنزلة "تمدرع", وأجعل "مَعَدًّا" مَفْعَل؛ًا
لأن "تمدرع" قليلة, والجيدة "تدرّع، وتسكّن".
فأما قول العامة: تمخْرق، فينبغي أن يكون لا أصل له, وإن1
كان قد جاء عن العرب فهو بمنزلة تمسكَن في الشذوذ,
والجيدة: متخرّق؛ لأنهم يقولون: "تَخَرَّقَ فلان بالمعروف"
ولم نسمعهم يقولون: "مَخْرَقَ", وإنما2 هو من الخِرْق وهو
الكريم من الرجال، إلا أن بعض أصحابنا قد حكى "مَخْرَق"
وليس بالقوي, فأما3 ما أنشده من قوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
ففيه نظر؛ وذلك أن معناه: كان جزائي أن أجلد بالعصا, فإن
قدّمه على هذا التقدير فخطأ؛ لأن الباء في صلة أَنْ، ومحال
تقديم شيء من الصلة على الموصول, ولكنه جعل الباء تبيينا.
ونظيره قول الشاعر, أنشده أبو العباس:
تقول وصكت صدرها بيمينها
أبعلِيَ هذا بالرحى المتقاعس
معناه: المتقاعس بالرحى، ولكن الباء إذا قُدِّمت فهي تبيين,
ولو كانت من الصلة لما جاز تقديمها4 على الألف واللام من
المتقاعس, ولكنها تفيد ما تفيد إذا كانت في الصلة. وأنشد
أبو العباس أيضا:
وإني امرؤ من عصبة خندفية
أبت للأعادي أن تذل رقابها
معناه: أبت أن تذل رقابها للأعادي. فلو كانت اللام من الصلة
لما جاز البيت لبطلان جواز تقدم الصلة أو شيء منها على
الموصول. وقال الله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أو إن.
2، 3 ظ، ش: فإنما، في الموضعين.
4 ظ، ش: يقدمها.
ج / 1 ص -131-
وهو أصدق قيلا:
{وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}1, معناه2: من الزاهدين فيه.
{إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ}3,
معناه: من القالين لعملكم, و{إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ
النَّاصِحِينَ}4, معناه: من الناصحين لكما.
ولكنه لما قدمه جعله تبيينا وأخرجه عن الصلة.
ومعنى التبيين: أن تعلقه بما يدل عليه معنى الكلام ولا
تقدره في الصلة؛ لأن معنى: كان جزائي بالعصا أن أجلدا:
جلدي بالعصا.
ومعنى:
أبت للأعادي أن تذل رقابها
لا تذل رقابها للأعادي. وكذلك5 الباقي كله لا يمتنع أن تقدر
فيه مثل6 هذا التقدير. فإذا7 فعلت هذا، سَلِمَ لك اللفظ
والمعنى, ولم تقدم شيئا عن موضعه الذي هو أخص به، ولا يجوز
زواله عنه.
وليس يمتنع8 أن يكون تفسير المعنى مخالفا لتقدير الإعراب،
ألا ترى أن معنى قولهم: "أهلَكَ والليلَ": الْحَقْ بأهلك
قبل الليل, وإنما تقديره في الإعراب: الحق أهلك وسابق
الليل. وكذلك9 أيضا يكون معنى الكلام: "كان جزائي أن أجلد
بالعصا", وتقديره في الإعراب غير ذلك.
وسيبويه كثيرا ما يمثل في كتابه على المعنى, فيتخيل من لا
خبرة له أنه قد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 20 من سورة يوسف 12.
2 ظ، ش: أي.
3 من الآية 168 من سورة الشعراء 26، وقد صدرت النسخ الثلاث
النص بالواو فقالت: وإني، خطأ.
4 من الآية 21 من سورة الأعراف 7.
5 ظ، ش: فكذلك، بالفاء.
6 مثل: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: وإذا، بالواو.
8 ظ، ش: بممتنع.
9 ظ، ش: فكذلك.
ج / 1 ص -132-
جاء بتقدير الإعراب فيحمله في الإعراب عليه
وهو لا يدري, فيكون مخطئا وعنده أنه مصيب, فإذا نُوزع في
ذلك قال: هكذا قال سيبويه وغيره.
وإذا تفطّنت لهذا في "الكتاب", وجدته كثيرا, وأكثر ما
يستعمله في المنصوبات في صدر الكتاب؛ لأنه موضع مشكل وقلما
يهتدى له.
الميم في مِعْزى
أصل:
قال أبو عثمان: والمعزى أصله أعجمي, ولكن قد أُعرب
وجعلت العرب ميمه من نفس الحرف فقالوا: مَعَز.
قال أبو الفتح: اعلم أن الأسماء الأعجمية النكرات التي
دخل1 عليها الألف واللام قد أعربتها العرب واستعملتها
استعمال أسمائها العربية. وذلك أنها تمكّنت عندهم؛ لأنها
أسماء الأجناس وهي الأول, وتدخل عليها الألف واللام؛ فجرت
لذلك مجرى رَجُل وفَرَس. ولذلك2 لم يمنعها من الصرف إلا3
ما يمنع العربي؛ لأنها قد جرت مجراه، نحو: ديباج،
وفِرِنْد، وزنجبيل، ولجام, وما كان مثلها.
فلو سميت رجلا بديباج أو فرند لصرفته4؛ لأن العجمة فيه غير
معتد بها, فجرت لذلك مجرى زيد وعمرو وبكر في أنها منقولة
من أسماء الأجناس.
قال أبو علي: ويدل على أنهم قد أجروها مجرى العربي, أنهم
قد اشتقوا منها كما يشتقون من العربي. قال رؤبة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: تدخل.
2 ظ، ش: فلذلك.
3 إلا: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: صرفته.
ج / 1 ص -133-
هل يُنجيني حلف سِخْتِيت
أو فضة أو ذهب كِبْرِيت
قال: فسختيت من: السَّخْت1 وهو الشديد, بمنزلة
زِحْلِيل من زَحْل.
فأما الأعجمية التي لا يجوز دخول الألف واللام عليها نحو:
إبراهيم وإسماعيل، فإنها تباعدت من كلامهم فثقُلت, فمُنعت
الصرف في المعرفة. و"معزى" اسم نكرة؛ فلذلك جرى مجرى
العربي عندهم حتى قالوا فيه: "مَعَزٌ".
فهذا معنى قول أبي عثمان: ولكن قد أُعرب، ألا ترى إلى
اشتقاقهم منه "معز" وإدخالهم عليه الألف واللام وإلحاقهم
إياه بهِجْرَع؟
زيادة الألف
والنون في آخر الكلمة:
قال أبو عثمان: وكل ما وجدت في آخره ألفا ونونا مما لم
يشتق منه ما يذهب فيه, فهي زائدة.
قال أبو الفتح: يقول: إذا وجدت كلمة في صدرها ثلاثة أحرف
من الأصل، وفي آخرها ألف ونون، فاقضِ بزيادة الألف والنون
وإن لم تعرف الاشتقاق؛ لكثرة ما جاءتا زائدتين فيما عرف
اشتقاقه نحو: "سِرْحان، وسَعْدان".
وليس يريد أنك كلما وجدت اسما في آخره ألف ونون قضيت
بزيادتهما. هذا خطأ، ألا ترى أن النون في فَدَان، وعِنَان،
وسِنَان لام وليست زائدة. وكذلك إن كانت الكلمة مكررة،
حكمتَ بأن النون غير زائدة؛ لأنه لو جاء في كلامهم نحو:
"جَنْجان، وقَنْقان" لكان قياسه أن يكون بمنزلة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش : سخت.
ج / 1 ص -134-
"خَضْخاض, وقَمْقام", ولا تجعل النون زائدة؛ لأنك لو فعلت
ذلك للزمك أن تجعل "جنجانا" من باب سَلِسٍ وقَلِقٍ من ذوات
الثلاثة، كأنه في التقدير: "جَنْج, وقَنْق" ثم زيدت الألف
والنون. وهذا بعيد؛ لأن باب "قلقلت، وصلصلت" أكثر من باب
"سَلِسَ، وقلق".
وكذلك لو جاء شيء نحو "رُمّان، ومُرّان" لم تقض بزيادة
النون إلا بثبت؛ لأنه يجوز أن تكون النون أصلا، وإن قضيتَ
بزيادة نونه بغير ثبت فهو وجه، ألا ترى أن في الحديث: "أن
قوما من العرب أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال
لهم:
"من أنتم؟"
فقالوا1: نحن بنو غيان، فقال لهم:
"بل أنتم بنو رشدان""، أفلا تراه -عليه السلام- كيف تكرّه لهم هذا الاسم؛ لأنه جعله من
الغي. يدل على ذلك قوله:
"بل أنتم بنو رشدان"؛ لأن الرشد ضد الغي.
فقد دل هذا من مذاهب العرب على أنه إذا جاءك مضاعَف في
آخره ألف ونون نحو: "رمان,وعدان, وإبان" فسبيلك2 أن تحكم
فيه3 بزيادة النون.
فأما مران، فحكى سيبويه فيه4 عن الخليل أن النون فيه من
الأصل، وذهب إلى أن اشتقاقه من المَرَانة وهي اللين, فجرى
عنده مجرى حُمَّاض من الحموضة.
فما كان من هذا النحو يُحتاج فيه إلى الاشتقاق ولا يقضى
عليه5 بشيء إلا بثبت.
فأما ما كان من باب "سرحان، وسعدان" مما تحصل في صدره
ثلاثة أحرف من الأصل، فاحكم بزيادة النون من آخره حتى تقوم
دلالة على أنها من الأصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قالوا.
2 ظ، ش: فسبيله.
3، 4 فيه: ساقط من ظ، ش في الموضعين.
5 ظ، ش: عليها.
ج / 1 ص -135-
فأما ما قامت عليه دلالة: فـ "دِهْقان"
نونه لام؛ لأنهم قد1 قالوا: "تَدَهْقَنَ" و"شَيْطان"؛
لأنهم قد2 قالوا: "تَشَيْطن" وليس في كلامهم "تَفَعْلَنَ"
فالنون فيه لام. فأما "تدهّق، وتشيّط" فليسا في قوة
"تدهْقن، وتشيْطن" هكذا قال أبو علي, وإنما دفعه من طريق
الرواية, فيسلم3 له.
فأما4 دُكّان فله اشتقاقان، قالوا: "دَكَنت الشيء أدكنه
دَكْنا": إذا نضدت بعضه فوق بعض، و"دكّنته تدكينا" حكى ذلك
ابن دريد قال: ومنه اشتقاق الدكان, قال5: وهو عربي صحيح.
قال: وسمعت أبا عثمان الأشنانداني يقول: قال الأخفش:
الدكان مشتق من قولهم: "أكمة دَكّاء" إذا كانت منبسطة,
و"ناقة دكاء" إذا افترش سنامها في ظهرها. كما اشتقوا عثمان
من العَثْم, فالنون على هذا القول في دكان زائدة, وهي في
القول الأول أصل6.
فهذا تفصيل ما أجمله أبو عثمان في هذا الفصل وقد تعجرف
فيه، ولكنه كان يخاطب به7 من يثق بفهمه ومعرفته.
مواضع زيادة النون حشوا:
قال أبو عثمان: وكلما وجدت النون في مثال لا
يكون للأصول, فاجعلها زائدة نحو: "كَنَهْبُل"؛ لأنه ليس في
الكلام مثل "سَفَرْجُل", وكذلك "قَرَنْفُل" النون فيه
زائدة، ومثل ذلك: "جُنْدَب, وعُنْصَر، وقُنْبَر"؛ لأنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 2 قد: ساقط من ش في الموضعين.
3 ظ، ش: يسلم.
4 ظ، ش: وأما.
5 قال: ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: صحيح.
7 به: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -136-
ليس في الكلام مثل1: "جُعْفَر", فهذا
بمنزلة ما اشتققت منه ما تذهب فيه النون.
قال أبو الفتح: قوله: فاجعلها زائدة, يقول: احكم بهذا من
طريق القياس لا من قبل السماع، فإن انضاف إلى القياس
السماع فما لا نهاية وراءه. فمثال "كنهْبُل فَنَعْلُل"؛
لأنه ليس في الأصول مثل "سفرجُل", فمن ها2 هنا قضي
بزيادتها. ولو كانت الباء من كنهبل مفتوحة لكانت النون
أصلا؛ لأنه لما انفتح رابعه صار كسفرجَل.
وهذا إنما يُقضَى به على النون إذا كانت مع أربعة أحرف ولم
تكن ثالثة ساكنة، فإن كانت ثالثة ساكنة والكلمة على خمسة
أحرف قضي بزيادتها، وإن كانت الكلمة على مثال الأصول، وذلك
نحو "جَحَنْفَل" تجعل النون فيه زائدة؛ لأنها ثالثة ساكنة،
فهذا وجه.
وفيه وجه آخر, وهو أنه الكثير بمعنى الجَحْفَل وهو الجيش
الكثير، ولو لم نعلم أنه بمعنى الجحفل؛ لكان القياس أن
تكون نونه زائدة لما ذكرت لك.
فأما قَرَنْفُل, فينضم3 إلى أنه ليس على مثال الأصول أن
نونه ثالثة ساكنة, فقد وضح أمره في زيادة نونه من وجهين.
وإذا كان الأمر كذلك, فقد كان القياس في "عَنْتَرِيس" أن
تكون نونه أصلًا؛ لأنها واقعة موقع العين من جَعْفَلِيق،
ولكن القياس أوجب زيادتها؛ لأنها عند سيبويه من العَتْرسة
وهي الشدة، والعنتريس: هي الناقة الشديدة، فمن هنا كانت
زائدة.
فإن قال قائل4: ولِمَ صارت النون إذا وقعت ثالثة ساكنة في
كلمة على خمسة أحرف, استحقت الزيادة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثل: زيادة من ظ.
2 ها: زيادة عن ظ، ش.
3 ظ، ش: فيضم.
4 ظ، ش: قيل.
ج / 1 ص -137-
قيل: لأنها وقعت موقعا تكثر فيه الألف
والواو والياء الزوائد نحو ألف الجمع في مَفَاعِل، وياء
التحقير في مُفَيْعِل. وكذلك1: "عُذافر، وسُمَيْدَع،
وفَدَوْكَس".
فلما وقعت موقعا تكثر فيه حروف اللين الزائدة, وهي في
الأصل من حروف الزيادة2؛ قضي بزيادتها مع كثرة ما يَضِح
من3 أمرها بالاشتقاق أنها زائدة.
ولو جاء شيء مثل: "خَزَنْزَنَ، وفدندن" جاز فيه عندي
أمران: أحدهما: أن تكون نونه الثالثة زائدة وتجعل الزايين
والدالين عينين مكررين وتجعله من باب "هَجَنْجل، وعقنقل،
وسجنجل" فيكون فَعَنْعَلًا. والآخر: أن يكون الحرفان
الرابع والخامس مكررين بمنزلة تكرير4 حاء5 صَمَحْمح, وكاف6
دمكْمك، فتكون النون أصلا؛ لأنها لام7 بمنزلة حاء صمحمح
وكاف دمكمك الأوليين، فيكون فَعَلْعَلًا, والأمران عندي
معتدلان. وإنما اعتدلا؛ لأن بإزاء كثرة باب صمحمح، ودمكمك
وزيادته على باب "عقنقل، وعصنصر" أن النون ثالثة ساكنة،
والكلمة خمسة أحرف، فقام أحد السببين بإزاء الآخر، وإذا
كان الأمر كذلك لم يكن لتغليب أحدهما على الآخر موجب، فإن
جاء الاشتقاق بشيء عُمل عليه وتُرك القياس.
وقوله: وكذلك "جُنْدَب، وعنصر، وقنبر" يقول: إنك إنما جعلت
النون في كَنَهْبُل زائدة؛ لأنه ليس في الأسماء مثل
"سَفَرْجُل" فيلزم من هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وذلك.
2 زادت ظ، ش في هذا الموضع لفظ: الزيادة.
3 من: ساقط من ظ، ش.
4 تكرير: ساقط من ش.
5 حاء: زيادة عن ظ، ش.
6 كاف: زيادة عن ظ، ش.
7 لام: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -138-
أن تكون النون في "جُنْدَب" زائدة؛ لأنه
ليس في الكلام مثل "جُعْفَر". فهذا على مذهب سيبويه؛ لأنه
ليس عنده أن في الأصول مثال "فُعْلَل". فأما أبو الحسن،
فقال أبو علي: إن قياس قوله أن تكون النون في "جندب" وبابه
من الأصل حتى تقوم دلالة على زيادتها؛ لأنه قد حكي عنهم:
"جُخْدَب" بفتح الدال, وقد ذكرت هذا فيما مضى من الكتاب.
قال: ولا حجة له في قولهم: "جُؤْذَر"؛ لأنه أعجمي، فإن كان
الجندب من الجدب -لأنه مما يصحبه- فالنون فيه زائدة غير
ملحقة على مذهب سيبويه، وهي زائدة ملحقة على مذهب أبي
الحسن.
وأما عُنْصَر: فيجوز عندي أن يكون من: عصرتُ الشيء؛ لأن
العُنْصُر هو أصل الشيء. وإذا عُصِرَ الشيء فكأنه يرجع إلى
أصله وجوهره بما يلحقه من شدة العصر. ومثل هذا قولهم في
التهدد بالشر: "والله لأرُدَّنَّكَ إلى أصلك" أو لأن
الإنسان1 من عصارة أبيه.
فهذا من طريق الاشتقاق, والقياس أيضا يوجب زيادتها بغير
اشتقاق.
وأما قُنْبَر: فيضاف فيه إلى القياس, أنهم قد قالوا فيه:
"قُبَّر" والمعنى واحد. قال الراجز:
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجوّ فبيضي واصْفِري
وقوله: "فهذا بمنزلة ما اشتققت منه ما تذهب فيه النون".
يقول: إن لم يوجد في الأصول بناء "سَفَرْجُل وجُعْفَر"
"فهذا"2 بمنزلة وجدانك اشتقاق هذا بغير نون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كأنه.
2 فهذا: لم يرد في النسخ الثلاث، والمقام يقتضيه فزدناه من
عندنا؛ قياسا على قول المتن المشروح.
ج / 1 ص -139-
زيادة التاء آخرا:
قال أبو عثمان: والتاء تزاد في: مَلَكُوت،
وجَبَرُوت، وعنكبوت، وتَرْنَمُوت.
قال أبو الفتح: "أما ملكوت" فمن الملك, "وجبروت" من
التجبر. فالتاء فيهما زائدة، ومثالهما "فَعَلُوت"
ونظيرهما: "رَغَبُوت، ورَحَمُوت", وقد قالوا: "رَغَبُوتى،
ورحموتى"، ومثالهما "فَعَلوتى".
فأما قول لبيد:
بأحزة الثَّلَبُوت يربأ فوقها
قفر المراقب خوفها آرامها
فقياس التاء أن تكون فيه أصلا؛ لأنها في موضع السين من
قَرَبُوس، وقَرَقُوس.
فإن1 قلت: أحمله على باب "جَبَرُوت، وملكوت، ورغبوت,
ورحموت" وما أشبه ذلك لكثرته؟ فهو قول وليس بالقوي.
وأما "عنكبوت" فيدل على زيادة تائه, قولهم في معناه:
العَنْكَب, والعنكباء.
وأما "تَرْنَمُوت" فيدل على زيادة تائه أيضا2 أنه بمعنى
الترنم. قال الراجز:
تجاوب القوس بترنموتها
أي: بترنمها3. ويروى: تجاوب الصوت3. ومثال عنكبوت:
فَعْلَلُوت. ومثال تَرْنَموت: تَفَعْلوت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وإن.
2 أيضا: زيادة من ظ، ش.
3، 3 في الهامش الأعلى من ص فوق "القوس" من البيت: "في
نسخة الصوت".
ج / 1 ص -140-
زيادة الياء والألف في
يَهْيَرَّى:
قال أبو عثمان: "ويهيرى" الألف للتأنيث والياء
التي في أوله زائدة؛ لأنهم قالوا: "يَهْيَر" فخففوا1.
قال أبو الفتح: وجه الاستدلال في هذا أنهم قد2 قالوا:
يَهْيَرٌ بمعنى يهيرَّى, فيَهْيَر: يَفْعَل. وليس يخلو من
أن يكون "يَفْعَلا، أو فَعْيَلا، أو فَعْلَلا".
فلا يجوز أن يكون فَعْيلا؛ لأنه ليس في الكلام فَعْيَل،
إنما هو مكسور3 الفاء نحو "حِذْيَم، وعثير".
ولا يجوز أيضا أن يكون فَعْلَلا؛ لأن الياء لا تكون أصلا
في ذوات الأربعة على هذه الصفة.
فإن قلت: أجعله مكررا من باب "يَهْياه" فمحال؛ لأن اللامين
في يهياه بلفظ الفاء والعين, بمنزلة "صَلْصل، وقلقل".
وكذلك "الوَحْوَحة، والوزوزة" الحرفان الأولان بلفظ
الآخرين. وليس كذلك"يهير" لاختلاف الراء والهاء. ولو كان
"يَهْيَه" لكان ذلك4 كذلك لعمري! فأما على هذا اللفظ فلا .
ولا يجوز أن يكون "يَهْيَر" فَعْلَلا أيضا على أن تجعله من
باب "زهزق، ودهدق" وتقول: اختلف الثاني والرابع كما اختلفا
في "زهزق، ودهدق"؛ لأنا لم نر الياء ولا الواو جاءتا أصلين
فيما اتفق أوله وثالثه واختلف ثانيه ورابعه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، هامش ظ: فحققوا. وظ، ش: فخففوه.
2 ظ، ش: إذا.
3 ظ، ش: مكسورة.
4 ذلك: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -141-
نحو باب "زَهْزَق" كما جاءتا أصلين في باب
"صَلْصَلَ، وقَلْقَلَ" نحو "وَحْوَحَ، ووزوز، ويهياه،
ويليل" فإذا1 لم يجز أن يكون يَهْيَر فَعْلَلا، ولا
فَعْيَلا بقي أن يكون يَفْعَلا بمنزلة "يَرْمَع،
ويَعْمَلَة" وإذا كانت الياء زائدة في "يهير" وهو بمعنى
"يهيرّى" كانت الياء أيضا في يهيرى زائدة؛ لأن اللفظ
والمعنى متفقان.
فهذا وجه استدلاله، وفيه غموض ولم يفصح به. وقد قالوا:
يهيرّ, فتثقل الراء، قال الراجز:
أشبعت راعيّ من اليهيرّ
فظل2 يبكي حبطا بشر
خلف استه مثل نقيق الهر
وقد أنشد أيضا:
أشبعت راعي من اليهيرى
بالألف.
الميم في مهدد
أصل:
قال أبو عثمان: "ومَهْدَد" الميم فيه أصل؛ لأنها لو
كانت زائدة لكانت مَهَدّا3؛ لأن مَفْعَلا من المضاعف يجيء
مدغما نحو "مَرَدّ, ومسدّ".
قال أبو الفتح: يقول: فظهور الدالين يدل على أنه فَعْلَل
بمنزلة "قَرْدَد".
فإن قال قائل: فقد قالوا: "مَحْبَب", فبينوا وهو مَفْعَل؛
لأنه من الحب، فما تنكر أن يكون "مهدد" أيضا مَفْعَلا من
الهدّ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وإذا.
2 ش: وظل.
3 ص، ظ: مهد، بالحكاية.
ج / 1 ص -142-
قيل: "محبب" شاذ لا يقاس عليه، وقياس
مَحَبّ كمَرَدّ, ومَسَدّ. ولكن الأسماء الأعلام قد تغير
كثيرا عما1 عليه غيرها مما ليس علما نحو قولهم: "رجاء بن
حيوة، وثُهَلُل ومَزْيد، ومَكْوزة، ومعديكرب, ومَوْهب،
وموظب, ومورق" وغير ذلك. وقياس حيوة: حية، وثهلل: ثَهَلّ،
ومزيد: مَزَاد, ومكْوَزة: مكازة، ومعديكرب: معدي كرب؛ لأن
ما اعتل لامه لم يبن منه مَفْعِل -بكسر العين- إنما يجيء
مفتوح العين نحو المشتى والمغزى والمحيا والمرمى, ولا
يقولون: المشتِي ولا المغزِي ونحوهما.
وقياس "مَوْهَب، ومورق، وموظب: مَوْهِب، ومورق، وموظب"؛
لأن ما كانت فاؤه واوا بابه أن يجيء على مفعل -بكسر العين-
لا فتحها نحو "موضع، وموعد". وحكى الكوفيون "موضعا" بفتح
الضاد, وأحرفا أخر وهو شاذ.
فلما كانت الأعلام قد تغير كثيرا عما عليه أكثر الأسماء,
وكان "محبب" علما، جاز2 فيه إظهار التضعيف كما جاز في غير3
ما ذكرنا.
فإن قال قائل: فإن "مهددا" اسم4 علم، وهو اسم امرأة، قال
الأعشى:
وما ذاك من عشق النساء5 وإنما
تناسيت قبل اليوم خلة مهددا6
فما تنكر أن يكون مَهْدَد، مثل: مَحْبَب، إذ هو
عَلَم مثله فيكون حينئذ مَفْعَلا؟ قيل: إنما قلنا في محبب:
إنه مَفْعَل؛ لأنه من الحب لا غير7. وهذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كما.
2 ظ، ش: كان.
3 ص، ظ: غيره.
4 ظ، ش: أيضا، بدل: اسم.
5 وما ذاك من عشق النساء: ساقط من ظ، ش.
6 خلة مهددا: ضائع من ص في التصوير.
7 لا غير: زيادة من ظ، ش. وفوق: "الحب" في ص علامة تدل على
أن "لا غير" مستدرك في الهامش, غير أنه لم يظهر في
التصوير.
ج / 1 ص -143-
كتسميتهم حبيبا ومحبوبا ونحوهما. وليس في
"مهدد" ما يدل على أنه من الهد دون المهد, فيقضى بأنه
مَفْعَل، ولا يترك الظاهر إلى غيره إلا بدليل، ولا دليل
هنا. بل إظهارهم الدالين يدل على أنه فَعْلَل، فيكون
اشتقاق هذا الاسم من المِهاد. ومهّدت الشيء، كأن المرأة
سميت بذلك؛ لأنها ممهدة المودة، وطيئة الأخلاق, فيكون
قريبا من تسميتهم إياها بسعدة من المساعدة, ومطيع من
الطاعة، ووصال من المواصلة, فهذا أشبه، مع إظهار الدال من
أن يكون من الهد, ولا أعرف في الكلام تصريف "محب"1, فيكون
مَحْبَب فَعْلَلا منه.
فإن قلت: ولِمَ جاز في الأعلام هذا التغيير كله؟
قيل: لأنها كثيرة2 الاستعمال، معروفة المواضع3، والشيء إذا
كثر استعماله, وعرف موضعه، جاز فيه من التغيير ما لا يجوز
في غيره، نحو: "لا أدْرِ، ولم يكُ4, ولا تُبَلْ" وغير ذلك.
وليس كذلك ما كان مجهولا قليل الاستعمال.
ولما غُيِّرت الأعلام في ذواتها، جاز أن تغير في إعرابها.
فمن هنا جاز في الحكاية "مَنْ زيدا، ومَنْ زيد؟" ولم يجز
ذلك في الرجل والغلام ونحوهما5 مما ليس بعَلَم6.
هكذا قال أبو علي وهو الصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كتب "محب" في ص مفرق الأحرف هكذا: م ح ب.
2 ظ: كثرة، وهو خطأ.
3 ظ، ش: الموضع.
4 ص وهامش ظ: يك. وظ، ش: أك.
5 ظ: ونحوها, بضمير المفردة المؤنثة، وخطؤه واضح.
6 ظ، ش: علما.
ج / 1 ص -144-
الزوائد لا تلحق أول بنات
الأربعة إلا إذا كانت مشتقة:
قال أبو عثمان: واعلم أن الزوائد1 لا تلحق أول
بنات الأربعة إلا الأسماء من أفعالهن، نحو: "مُدَحْرَج،
ومدحرِج".
قال أبو الفتح: إنما لم تلحق الزوائد بنات الأربعة من
أوائلهن إلا ما كان جاريا على "فِعْل" لقلة الزوائد في
بنات الأربعة أصلا؛ لأنه ليس لها تصرف ذوات الثلاثة
وكثرتها.
ولما كانت ذوات الثلاثة مع تصرفها لم يجئ فيها ما اجتمع في
أوله زائدان إلا حرفان، وهما "انْقَحْل، وانْزَهْو"؛ لأن
أول الكلمة لا تتمكن فيه الزيادة إلا ما كان جاريا على فعل
نحو "منطلِق، ومستخرج" رُفضت الزيادة في أول بنات الأربعة
أصلا, إلا ما كان جاريا على فعل نحو: "مدحرج". وإنما كان
ذلك في الأفعال وما جرى عليها من الأسماء سائغا؛ لأنها في
الزيادة أسوغ، وإليها أقرب.
ويدل2 على أن أول الكلمة لا تليق به الزيادة كما تليق
بوسطه وآخره: امتناعهم من زيادة الواو أولا, وزيادة
الواوين في نحو: "عَطَوّد، وكروس، واخْرَوّط, واعلوط".
وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تكون الهمزة في: "إصْطبل"
أصلا، وتكون الكلمة خماسية؛ لأن الكلمة لم تجر على فعل.
وهذا قول سيبويه وأبي الحسن.
وكذلك كان يقول في همزة "إبراهيم، وإسماعيل" وما كان
نحوهما مما اجتمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: الزائد، وهو خطأ.
2 ظ، ش: ويدلك.
ج / 1 ص -145-
فيه أربعة أحرف من الأصول سوى الهمزة: إن
الهمزة في أوله أصل، بخلاف ما يذهب إليه الكوفيون وهو
القياس.
الياء في
يَسْتَعُورٍ أصل:
قال أبو عثمان: فأما مثل "يَسْتَعُورٍ" فهو بمنزلة
"عَضْرَفُوط"؛ لأن الياء من نفس الحرف لما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: قوله: لما ذكرت لك, يريد: لأن الزوائد لا
تلحق بنات الأربعة من أوائلها إلا الأسماء من أفعالهن, وقد
مضى هذا.
و"يستعُورٌ" ليس بجارٍ على فعل, وليس لقائل أن يقول: إن
السين والتاء هنا1 زائدتان ولا إحداهما؛ لأن هذا ليس من
مواضع زيادتهما، وستراه إن شاء الله. فلذلك مَثّل
"يستعورًا بعضرفوط"2, وجعل الياء كالعين3.
فأما من قال: إن مثال "يستعُور: يَفْتَعُول" فلا يدري من
صنعة التصريف شيئا، وإنما هو فيه3 هاذ!!
الميم في
مَنْجَنُونٍ أصل:
قال أبو عثمان: "ومنجنون" كذلك.
قال أبو الفتح: يقول: إن4 الميم في "منجنون" أصل، فهذا
معنى قوله: "ومنجنون" كذلك, وليس يريد أن منجنونا من ذوات
الخمسة مثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: والتاء هما هنا.
2، 2 ظ، ش: وجعل الياء كالعين فيه.
3 فيه: ساقط من ظ، ش.
4 إن: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -146-
عضرفوط. هذا محال؛ لأجل تكرير النون، وإنما
هو مثل "حَنْدَقوق, ملحق بعَضْرَفُوط", ولا يجوز أن تكون
الميم زائدة؛ لأنا لا نعلم في الكلام مَفْعَلُولا. ولا
يجوز أيضًا أن تكون الميم والنون جميعًا زائدتين على أن
تكون الكلمة ثلاثية من لفظ: "الجن" من "جهتين":
إحداهما1: أنك كنت تجمع في أول الكلمة زيادتين، وليست
الكلمة جارية على فعل مثل: "منطلق, ومستخرج".
والأخرى: أنا لا نعلم في الكلام "مَنْفَعُولا" فنحمل هذا
عليه.
ولا يجوز أيضًا أن تكون النون وحدها زائدة؛ لأنها قد ثبتت
في الجمع في قولهم: "مَناجِِين". ولو كانت زائدة لقيل:
"مجانين", كما قالوا: "مجانيق" في جمع "منجنيق" لما كانت
النون زائدة.
وإذا لم يجز أن تكون الميم وحدها زائدة ولا النون وحدها
زائدة، ولا أن تكونا2 كلتاهما زائدتين، لم يبق إلا أن
تكونا أصلين, وتجعل النون لامًا مكررة، وتكون الكلمة مثل
"حندقوق" ملحقة3 بعضرفوط.
الميم في
مَنْجَنِيق والخلاف فيها:
قال أبو عثمان: وأما "منجنيق" فإنها "فَنْعَلِيل".
يدلك على ذلك قولهم: "مجانيق", فتذهب النون4 في التكسير
كما تذهب تاء عنكبوت إذا قلت: عناكب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وجهين أحدهما.
2 ظ، ش: تكون.
3 ظ، ش: ملحقا.
4 النون: زيادة من ظ.
ج / 1 ص -147-
قال أبو الفتح: اعلم أن هذه اللفظة قد
تنازع الناس فيها الخلاف, وأنا أذكر ما قيل فيها.
قال ابن دريد: اختلف أهل اللغة فيه -يعني منجنيقا- فقال
قوم: الميم زائدة, وقال آخرون: بل هي أصلية.
قال1: وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة -وأحسب أن أبا عثمان
أيضا أخبرنا به عن التوزي عن أبي عبيدة- قال: سألت أعرابيا
عن حروب كانت بينهم, فقال: "كانت بيننا حروب عُون، تُفقأ
فيها العيون مرة، ثم نُجنق، وأخرى نُرشَق". قال: فقوله2:
"نجنق" دال على أن الميم زائدة، ولو كانت أصلية لقال:
"نُمجنَق" على أن المنجنيق أعجمي معرب, فهذا قول ابن دريد
كما تراه.
والقول عندي: أن الميم من نفس الحرف كما ذهب إليه أبو
عثمان, والنون زائدة لقولهم: "مجانيق" وسقوط النون في
الجمع, فجرت لذلك مجرى الياء في عَيْضَمُوز إذا قلت:
عَضَاميز. فأما قوله3 تارة: "نُجنَق" وما حكاه الفراء من
قولهم: "جَنَقُوهم بالمجانيق" فالقول فيه عندي أنه مشتق من
المنجنيق إلا أن فيه ضربا من التخليط, وكان قياسه:
"مَجْنَقوهم، وتَمَجْنق".
ولكنهم إذا اشتقوا من الأعجمي خلطوا فيه؛ لأنه ليس من
كلامهم فاجترءوا عليه فغيروه، وذلك أن الميم وإن كانت هنا
أصلا, فإنها قد تكون في غير هذه الكلمة زائدة، فشبهت
بالزائد فحذفت عند اشتقاقهم الفعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال: زيادة من ظ، ش.
2 ظ، ش: فقال قوله.
3 ظ، ش: قولهم: بضمير الجمع، وهو خطأ؛ إذ المراد الأعرابي.
ج / 1 ص -148-
ونظير ذلك ما أنشدناه أبو علي من قول
الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج
منها فظلت اليوم كالمُزَرّج
أراد: سكران كالذي قد1 شرب من الزّرَجُون. قال: وكان قياسه
أن يقول: "المُزَرْجَن"؛ لأن النون في زَرَجون أصل. فقال:
"مُزَرَّج" لأن الكلمة أعجمية, وهم إذا اشتقوا من الأعجمي
خلطوا فيه.
ونظير ذلك قولهم في تحقير "إبراهيم: بُرَيْهِم، وبُرَيْه",
فحذفهم الهمزة تارة والهمزة والميم أخرى، تخليط في الكلمة؛
لأنها أعجمية خارجة عن أصول كلامهم. وهما مع ذلك وإن كانتا
هنا من الأصل، فقد تكونان2 في غير هذا الموضع زائدتين.
ولو ذهب ذاهب إلى أن "جنقوهم، ونجنق" لم يُخلَّط فيه،
لقُضي بأن وزن "منجنيق: مَنْفَعِيل" وهذا غير موجود في
الكلام.
ولما كان المنجنيق مما ينقل ويعمل به، وكانت ميمه قد جاء
فيها الكسر3، توهموها4 زائدة نحو مِطْرَقة5 ومِرْوَحة،
فحذفوها عند اشتقاقهم5 الفعل واجترءوا على ذلك لذلك.
وهذا عندي من الشاذ, والقياس ما ذهب إليه أبو عثمان.
فأما قوله6: فتذهب النون في التكسير, كما تذهب تاء عنكبوت
إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: يكونا، وهو خطأ.
3 ظ، ش: الكسرة.
4 ظ: توهموا، وهو خطأ.
5، 5 مكرر في ظ سهوا.
6 ظ، ش: قولهم: بضمير الجمع، وهو خطأ لعودة الضمير إلى أبي
عثمان.
ج / 1 ص -149-
قلت: "عناكب", ففيه شيء لأنه ليس بقولهم:
"عناكب" يعلم لا محالة أن التاء في عنكبوت زائدة. وإنما
يعلم ذلك بقولهم: "عَنْكَب" في معناه. وقالوا1 أيضا:
"عَنْكَبَاء" فبهذا يقطع على زيادة التاء في عنكبوت لا بما
ذهب إليه أبو عثمان. ولكنه لما رآهم يقولون في الجمع:
"عناكب" فيجترئون على حذف التاء من غير استكراه, استدل به
على زيادتها؛ لأنها لو كانت في من الأصل لقبُح حذفها؛
لأنهم لا يكسِّرون ذوات الخمسة إلا على استكراه2, فقد يمكن
قائل أن يقول: ما تنكر أن تكون التاء أصلا ويكون تكسير
الكلمة على استكراه2, و3 إذا احتج بقولهم في معناه: "عنكب"
سقط الكلام. فهذه هي الحجة القاطعة.
فأما قولهم: "مَجَانيق" فيدل على زيادة النون في منجنيق,
كما ذهب إليه؛ لأن النون ثانية، ولو كانت من الأصل لثبتت.
زيادة الهمزة
حشوا, وهمز العالم والخاتم:
قال أبو عثمان: ومما زِيدت الهمزة فيه غير أول
"شَمْأل، وشَأْمل", وإنما هي من شَمَلَتْ تَشْمَلُ.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر زيادة الهمزة غير أول, فأغنى
عن إعادته. وشمأل, وشأمل ملحقان بجعفر وسلهب, ومثالهما
"فَعْأَل، وفَأْعَل".
وحكي أن العجاج كان يهمز العألم والخأتم4، وقياسه عندي أنه
لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وقال.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 الواو في "وإذا" غير ظاهرة في ص.
4 ظ، ش: العالم والخاتم, بدون همز.
ج / 1 ص -150-
يبتدئ بزيادة الهمزة ثانية، ولكنه أبدل
الألف همزة، كما يقول بعضهم في الوقت: "رأيت رجلا"1على أن
الوقف من مواضع التغيير.
وكذلك قول بعضهم: "تَأْبَلْتُ القِدْر" والتَّأْبَل إنما
أبدل الألف همزة على ما ذكرت, وليس كذلك شَأْمَل؛ لأن
الهمز2 فاشٍ, والمشهور من تابل وخاتم وعالم ترك الهمز.
فأما قول امرئ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
فمفعل من3 لفظ الأسْلة3 وليس بفَأْعل4 كشَأْمل؛ لأن زيادة
الميم في أول بنات الثلاثة أكثر من زيادة الهمزة في حشوها,
ولا يجوز أن يكون فَعْلَلا؛ لأن الميم في أول بنات الثلاثة
نظيرة الهمزة. ولو كانت الهمزة موضع الميم لقضي بزيادتها,
وإن كان هذا الجبل الذي اسمه مَأْسَل سَبِطا مستطيلا.
فاشتقاقه عندي من أسَلَة الذراع، ومن قولهم: "خد أسيل" كما
قال أبو علي في "قَباء" اسم الجبل المعروف: إنه إن كان في
هذا الجبل انضمام واجتماع فهو من قولهم: حرف مَقْبُوّ أي:
مضموم، فهذا الذي قلت أنا نظير5 ما قاله.
زيادة الميم
آخرا:
قال أبو عثمان: وزادوا الميم غير أول في "زُرْقُم,
وسُتْهُم، ودِلْقِم", ولولا الاشتقاق كان من الأصل، ولكن
للاشتقاق6 كان زائدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: رجلا بالتنوين, بالنصب بدون همز.
2 ظ، ش: الهمزة.
3، 3 ظ، ش: باب الأسلة ولفظها.
4 ظ، ش: بفاعل بدون همزة، وهو خطأ.
5 ظ: نظيره.
6 ص، ظ: للاشتقاق, وش، هامش ظ: بالاشتقاق.
ج / 1 ص -151-
قال أبو الفتح: إنما كان القياس عنده -لولا
الاشتقاق- أن تكون الهمزة والميم غير زائدتين1 في هذا
الموضع؛ لأنه ليس من مواضع زيادتهما، إنما ذلك أول الكلمة.
فقولهم: "شملت الريح" يدل على زيادة الهمزة.
و"زرقم" بمعنى الأزرق.
و"ستهم" بمعنى الأسته.
و"دلقم" هي الناقة التي قد تكسّرت أسنانها فاندلق لسانها,
وسال لعابها, فهذا ما ذكروه2.
وقالوا: "ضِرْزِم" وهو من معنى الضرر, وهو الشديد البخيل.
وقالوا: "فُسْحُم" للواسع وهو من الانفساح.
وقالوا: "الدِّقْعِم"3 وهو التراب3 وهو من الدَّقْعاء.
وقالوا: "دِرْدِم" وهو من الأدْرَد, وهو الذي تكسرت
أسنانه.
وقالوا: "الحِلْكِم" للشديد السواد, وهو عندي من الحُلْكة.
وقال الأصمعي: "جَلْهَمَة" اسم رجل. نُرَى أنه اشتُق من
جَلْهَة الوادي، وهو ما استقبلك منه.
الميم في
دُلَامِص:
قال أبو عثمان: وزعم الخليل أن "دلامصا" الميم فيه
زائدة، وهو "فُعَامِل". والدليل على ذلك قولهم: "دِلَاص،
ودَلِيص" في معنى "دُلامِص".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: زائدين.
2 ص: ذكره.
3، 3 ظ، ش: للتراب.
ج / 1 ص -152-
ولو قال قائل: إن دُلَامِصا من الأربعة،
معناه "دَلِيص", وليس بمشتق من الثلاثة, قال قولا قويا،
كما أن "لآلا" منسوب1 إلى اللؤلؤ1 وليس منه, وكما أن
"سِبَطْرا" معناه السَّبِط وليس منه.
قال أبو الفتح: مذهب الخليل في هذا أكشف وأوجه من مذهب أبي
عثمان, وذلك أنه لما رأى "دلامصا" بمعنى دليص, ووجد الميم
قد زيدت غير أول في زرقم، وستهم، وبابهما؛ ذهب إلى زيادة
الميم في دلامص. فهذا قول واضح كما تراه2، والذي ذهب إليه
أبو عثمان أغمض من هذا.
وذلك أنه لما لم ير الميم قد كثرت زيادتها غير أول, ووجد
في كلامهم ألفاظا ثلاثية بمعنى ألفاظ رباعية، وليس بين
هذه3 وهذه إلا زيادة الحرف الذي كمّل أربعة, حمل دلامصا
عليه هربا من القضاء بزيادة الميم غير أول. ألا ترى أن
"لآلا" ثلاثي, ولؤلؤا رباعي والمعنى واحد, واللفظ قريب
بعضه من بعض.
وكذلك "سَبِط، وسِبَطْر" وكلا القولين مذهب, وقول الخليل
أقيس4 وأجرى على الأصول.
5ونظير هذا فيما ذهب5 إليه أبو عثمان, قولهم: "دَمِث،
ودِمَثْر، وثعلب، وثُعَالة".
وقال الأصمعي: إنهم قالوا للأسد: "هِرْمَاس"؛ لأنه من
الهرس. فهرماس على هذا القول عنده "فِعْمَال" وهو نظير قول
الخليل. ويحتمل أن يكون عنده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: إلى معنى اللؤلؤ.
2 كما تراه: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: هذا.
4 ظ، ش: أسبق.
5، 5 ظ، ش: ونظير ما ذهب.
ج / 1 ص -153-
من معنى الهَرْس, وإن كان رباعيا كما ذهب
إليه أبو عثمان, والقول الأول أظهر, ولهذا نظائر.
أمهات الزوائد:
قال أبو عثمان: واعلم أن الياء والواو والألف هن1 من
أمهات الزوائد, والهمزة والميم أولا كذلك, وهمزة التأنيث
في مثل حَمْرَاء وخُنْفُساء, والألف والنون في مثل2
"غَضْبَان، وزعفران"، والتاء للتأنيث في مثل "تمرة" وما
أشبهها, وهي التي تُبدَل منها الهاء في الوقف، والتاء التي
يجمع بها التأنيث نحو مسلمات وصالحات, وهؤلاء أمهات
الزوائد.
قال أبو الفتح: معنى قوله: أمهات الزوائد, يريد به: أنه
يكثر3 تصرفها في الكلام، وهي فاشية، وليست3 كالسين واللام
اللتين لا تكثر زيادتهما ولا يكاد الكلام يخلو من الألف
والواو والياء أو من بعضهن -وبعضهن الحركات- لأنه ليس في
كلامهم لفظة تخلو من الحركات؛ فلذلك قدّم الألف والياء
والواو على ما ذكره.
وقوله: والهمزة والميم أولا كذلك، يقول: إنما تكثر زيادة
الميم والهمزة أولا، لا حشوا ولا4 آخرا، وليس كذلك حروف
اللين؛ لأن تلك تزاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هن: ساقط من ظ، ش.
2 مثل: ساقط من ظ، ش.
3، 3 ما بينهما ذكر مرة أخرى سهوا في ظ بين "لا تكثر"
و"زيادتهما".
4 لا: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -154-
في كل موضع إلا الواو والألف, فإنهما لا
تُزَادان أولا1, أما الواو فقد ذكرنا العلة في أن لم تزد
أولا1. وأما الألف, فإنها إنما امتنعت من أن تزاد أولا؛
لأنها ساكنة والابتداء بالساكن ممتنع غير جائز.
وقوله: وهمزة التأنيث: اعلم أنه قد صرح في هذا الموضع بأن
علامة التأنيث هي الهمزة في الحقيقة وهو الصواب، وليس كما
يقول من يزعم أن المدة علامة التأنيث؛ لأن هذا كلام غير
محصّل، وذلك أن المدة إنما هي الألف التي2 قبل الهمزة,
وعلامة التأنيث لا تكون في وسط الكلمة, إنما تكون آخرها3
نحو "حَمْدَة وحُبْلَى".
فإن قيل: ما تنكر أن تكون4 الألف والهمزة جميعا علامة
التأنيث, كما تقول: إن الياءين في نحو: "زيديّ وبكريّ"
علامة النسب؟
قيل: هذا ممتنع؛ لأنا لم نر علامة تأنيث غير هذه تكون على
حرفين, إنما هي حرف واحد نحو الهاء في "طلحة" والألف في
"حبلى".
فإن قيل: فإن سيبويه يقول في مواضع من "الكتاب": فعلتَ
بألفي التأنيث وصنعتَ بهما5، يعني: هذه الألف والهمزة؟
قيل: إنما قال هذا؛ لأن هذه الهمزة لما كانت لا تنفكّ من
كون هذه الألف قبلها وهي مصاحبة لها وغير مفارقة، أطلق هذا
اللفظ عليهما6 تجوزا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش, وسقوطه يفسد المعنى.
2 التي: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: آخرا.
4 ظ، ش في موضع "تكون" ما يأتي: "تقول: إن".
5 ظ: بها, وهو خطأ.
6 ظ، ش: عليها، بضمير المفردة.
ج / 1 ص -155-
ويدل على أن الهمزة وحدها عَلَم التأنيث،
أنك إذا جمعت مثل "صحراء، وخنفساء" بالألف والتاء فإنما1
تغير الهمزة وحدها وتدع الألف بحالها, وذلك قولهم:
"صَحْراوات، وخُنْفُساوات" فقلبك الهمزة في هذا الجمع نظير
حذف التاء من طلحات؛ لئلا يجتمع في الكلمة علامتا تأنيث.
ولو كانت الألف قبلها داخلة معها في أنها علامة تأنيث,
لوجب تغييرها في الجمع كما وجب تغيير الهمزة لما كانت
علامة تأنيث، فتركتهم الألف بحالها.
وتغييرهم الهمزة، دلالة على أن الهمزة وحدها علامة
التأنيث.
انقلاب همزة
التأنيث عن ألفه:
وينبغي أن يعلم أن هذه الهمزة إنما هي منقلبة عن ألف
التأنيث التي في نحو "حبلى، وبشرى", ولكنها لما وقعت بعد
ألف قبلها زائدة, وجب تحريكها لئلا يلتقي ساكنان فقلبت
همزة. وهذا مذهب سيبويه وهو الصحيح. ويدل على صحته, وأن2
هذه الهمزة منقلبة عن ألف التأنيث المفردة، أنك إذا أزلت
الألف من قبلها بقلبها، خرجت هي عن الهمزة. وذلك قولهم في
جمع3 "صحراء: صحارِي", فهذه الياء4 الأولى المدغمة4 هي
الألف التي كانت قبل الهمزة في "صحراء" انقلبت5 في الجمع
لانكسار ما قبلها, كما تنقلب في جمع مفتاح وغِرْبال إذا
قلت: مفاتيح، وغرابيل. فلما انقلبت الألف إلى الياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: وإنما. ش: إنما.
2 ظ، ش: أن.
3 جمع: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ظ، ش: الأولى التي هي المدغمة.
5 انقلبت ياء: مكرر في ظ.
ج / 1 ص -156-
انقلبت علامة التأنيث التي كانت بعدها في
"صحراء" ياء؛ لوقوع1 الياء المنقلبة عن الألف قبلها. وذلك
قولك2: صحاريّ, وزالت الهمزة لزوال الألف الموجبة3 لها من
قبلها.
فلو كانت الهمزة في "صحراء" غير منقلبة, لم يلزم انقلابها
في الجمع، كما أنك لو جمعت "قُرّاء" لقلت: "قَرَارِئ",
وكما قالوا4 في جمع كوكب "دُرِّيء: دَرَارِئ" لما كانت
الهمزة أصلا غير منقلبة. فقولهم5: "صحاري" بلا همز، دلالة
على أن الهمزة في "صحراء" منقلبة, إذ لو لم تكن منقلبة
لوجب أن تقول: صحارئ كما قالوا: درارئ.
وإذا ثبت أنها منقلبة في "صحراء", فيجب أن يكون انقلابها
عن الألف التي في مثل "حبلى".
ولا يجوز أن تكون منقلبة عن ياء ولا6 واو؛ لأنا7 لا نعلم
الياء والواو جاءتا علامتي تأنيث في الأسماء8. فأما الياء
في تقومِين، وتقعُدِين، فعلامة الضمير المؤنث، وليست9 من
جنس علامات التأنيث في الأسماء المتمكنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: لوقوعها، وهو تصحيف.
2 ظ، ش: نحو.
3 ظ، ش: المفتوحة، وهو خطأ.
4 ظ، ش: قال.
5 في موضع هذا الرقم بين الكلمتين: "فقولهم: "صحاري"..."
وقع في ظ كلام في مؤلف من سبعة سطور دقيقة متعرجة، وأوله
"من التاء في الوصل..." يتلوه كلام في صلبها مؤلف من
هامشها نحو أربعة عشر سطرًا وآخره: "وقد فسرنا بعض هذا
فيما مضى..." وهذا الكلام كله -ما كان منه في الهامش وما
كان منه في الصلب- زائد في هذا الموضع, ولا علاقة له هنا
بما قبله ولا بما بعده، وإنما موضعه في صفحتي 161، 162
الآتيتين من هذا الجزء: "ج 1 من المنصف"، وسنشير إليه هناك
فيهما.
6 ظ، ش: "أو" بدل "ولا".
7 ظ: لأنها.
8 في الأسماء: ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش: وليس.
ج / 1 ص -157-
فتأمل ما ذكرته1، فإنه لا يجوز في القياس
غيره. وهو رأي أبي علي, وعليه2 قول أشياخنا المتقدمين.
الألف والنون في
نحو: عثمان وسرحان
وأما الألف والنون الزائدتان في نحو "عثمان, وسرحان",
فإنهما نظيرتا الألف والهمزة في باب "حمراء، وصفراء"3,
وأصل بنائهما لباب "سكران، وغضبان" لأنهما وصف, والزيادة
بالوصف أحق منها بالاسم؛ لأن الوصف مشابه للفعل، والزيادة
في الفعل أقعد منها في الاسم، وقد تقدم ذكر هذا.
ويدل على أن الألف والنون في باب "سكران" ونحوه مضارعتان
لألفي التأنيث في نحو "صفراء، وحمراء" أن مؤنث "سكران" على
غير بنائه, وإنما هو "سكرى". كما أن مذكر "حمراء" على غير
بنائها، إنما هو "أحمر", فهذا هنا كذاك ثمة.
فأما قولهم: "سكرانة، وعطشانة" فشاذ، والأكثر "سكرى،
وعطشى", وفيه دليل آخر وهو4 أنهم قد قالوا في جمع
"ظَرِبان: ظَرابيّ", فشبهوه بصحارِيّ5, وقياسه: ظرابِين
كما تقول: سراحين. ولكنهم قلبوا النون من ظَرِبان ياء في
الجمع ليكون ذلك6 تنبيها على أن النون في "سكران" وبابه
مشبهة بهمزة التأنيث في "صحراء".
ولهذا قال النحويون: إن النون في باب "سكران" مشبهة بالألف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: ذكره.
2 ظ، ش: وهو.
3 ص: صحراء.
4 ظ، ش: وذلك.
5 بصحاري: ساقط من ظ، وفي ش: بصحراء وصحاري.
6 ذلك: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -158-
الثابتة في باب "حمراء, وصفراء", قالوا:
لأن الوزن واحد بالعدة والحركة والسكون. قالوا: ولأنك لا
تقول: "سكرانة، ولا غضبانة" كما لا تقول: "حمراءة, ولا
صفراءة"؛ لأن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث،
ولا على ما كان بمنزلتها.
وأيضا فقد قالوا في جمع "سَكْرَان: سَكَارَى" كما قالوا في
جمع "صَحْرَاء: صَحَارَى" وأصله: "سَكارين", كما أن أصل
هذا: "صحاريّ"1, فحذفوا من "سكارى" كما حذفوا من "صحارى"1.
فأما قولهم: إن النون في باب سكران بدل من الهمزة, فلا
يريدون به البدل الذي هو على حد قولهم2 في مُفْعِل من
"أيقنتُ، وأيسرتُ: مُوقِن، ومُوسِر", وإنما يريدون أن هذه
الهمزة بمنزلة هذه النون, يتعاقبان على حد ما يقولون: إن
الألف واللام بدل من التنوين, إنما معناه أنهما يتعاقبان؛
لأنا لم نرهم أبدلوا النون من الهمزة في غير هذا الموضع.
فأما قولهم في النسب إلى صنعاء وبهراء: صنعانِيّ
وبهرانِيّ، فقد ذهبوا فيه إلى النون بدل من الهمزة. قال
أبو علي: وليس كذلك3, إنما قدره بَدِيًّا: صنعاوِيّ،
وبهراوِيّ، ثم أبدل النون من الواو المبدلة من الهمزة.
قال: لأنا لم نر النون أُبدلت من الهمزة في غير هذا
الموضع. قال: وقد رأيناهم أبدلوا الواو من النون4 في
قولهم: "مَوّاقد" وهم يريدون: "من واقد", فلما رأيناهم
أبدلوا الواو من النون4 قلنا: إن النون في بهراني وصنعاني
بدل من الواو، ولم نرهم أبدلوا الهمزة من النون ولا النون
من الهمزة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: قولهم في قولهم, وهو خطأ.
3 وليس كذلك: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -159-
النون في صَنْعَانِيّ
وبَهْرَانِيّ:
ثم قال بعد ذلك بزمان: لو أجاز1 مجيز أن تكون
النون في2 صنعاني، وبهراني بدلا من الهمزة3 لكان وجها؛ لأن
الغرض أن يزول لفظ الهمزة3 مع ياءي الإضافة، فجائز أن تبدل
الهمزة نونا لتقارب بعض هذه الحروف من بعض.
يريد بذلك: أنهم قد أبدلوا الألف من النون في الوقف نحو
"رأيتُ زيدَا, ولنَسْفَعَا" يقول: والألف4 قريبة من
الهمزة، فكما5 جاز أن يبدلوا الألف من النون, جاز أيضا أن
يبدلوا النون من الهمزة6, والقول الأول هو الذي كان يعتمد
عليه وهو الأقوى.
وإنما ذكر أبو عثمان الألف والنون بعد همزة التأنيث؛ لقرب
ما بينهما من الشَّبَه, وقدّم باب حمراء على باب عثمان؛
لأنه محمول عليه.
التاء في مثل
تمرة:
وقوله: والتاء للتأنيث في مثل تمرة وما أشبهها, وهي
التي تُبدَل منها الهاء في الوقف, هذا قول كما تراه، وهو
صحيح.
ولمعترض أن يقول: ما تنكر أن تكون الهاء هي الأصل، وأن
التاء في الوصل إنما هي بدل من الهاء في الوقف؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: جاز, وهو تصحيف بدليل قوله: "مجيز" عقبه.
2 في: ساقط من ظ, ويقابله في ش: من.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: فالألف.
5 ظ، ش: فالألف.
5 ظ، ش: فلما.
6 في ظ في موضع الرقم 6 بين لفظي "الهمزة والقول" سطر
مرمج, وهو: "مع ياءي الإضافة, فجائز أن تبدل الهمزة نونا
لتقارب" وهو غير وارد في ص؛ ولذلك أسقطناه.
ج / 1 ص -160-
فالجواب عن1 ذلك: أن الوصل من المواضع التي
تُجْرَى فيها الأشياء على أصولها، وأن الوقف من مواضع
التغيير والبدل، ألا ترى أن منهم من يقول في الوصل: "هذه
أفعى يا فتى" بالألف كما يجب, فإذا2 وقف قال: "هذه أفعَيْ"
فيبدل الألف ياء. ومنهم من يقول: "أفْعَوْ" فيبدلها واوا.
وأنشدوا:
تبشري بالرفه والماء الروي
وفرج منك قريب قد أتي
وقال الآخر:
إن لطي نسوة تحت الغضي
يمنعهن الله ممن قد طغي
بالمشرفيات وطعن بالقني
في3 كله بالياء. ويقولون في الوصل: "رِوًى يا فتى، وغضا،
وقنا", ويقولون في الوصل: "هذا بكرٌ، ومررت ببكرٍ"4, فإذا
وقفوا فمنهم من يقول: "هذا بَكُرْ، ومررت ببَكِرْ"4، فينقل
الحركة إلى ما قبل حرف الإعراب. ويقول بعضهم في الوقف:
"هذا خالدّ، وهو يجعلّ", فيشدد الحرف في الوقف, فإذا وصل
رده إلى التخفيف.
وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن, أو سمعته5 يُقرأ عليه عن
ثعلب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: على.
2 ظ، ش: وإذا.
3 في : ساقط من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 أو سمعته: ضائع في التصوير من ص.
ج / 1 ص -161-
أرتني حجلا على ساقها
فهش الفؤاد لذاك الحجل
فقلت ولم أخف عن صاحبي:
ألا بأبي1 أصل تلك الرجل
2ويروى "بينا" بالنون, ويريد: الحجل والرجل، ولكنه كسر
الجيم في الوقف2.
فهذا وأشباهه مما يكثر تعداده، يدل على أن الوصل تجري فيه
الكلمة على أصلها، وأن الوقف من مواضع التغيير.
فلما رأينا هاء التأنيث في الوصل "تاء", علمنا أن أصلها
"التاء" وأن الهاء في الوقف بدل3 من التاء في الوصل. وإنما
أبدلت "هاء" لانفتاح ما قبلها، وأنها من الحروف المهموسة،
والهاء مهموسة وقريبة4 من الألف, ولم تبدل ألفا لانفتاح ما
قبلها؛ لئلا يلتبس بالألف المقصورة في حبلى وبشرى، والهاء
قريبة من الألف فأبدلت هاء. فأما التاء في مسلمات ونحوها
فليس5 يحتاج فيها إلى دلالة؛ لأنها تاء على كل حال.
وهذا أيضا مما يدل على أن التاء هي الأصل في باب "طلحة،
وحمدة" وأن الهاء بدل منها. ألا تراها في هندات تاء ثابتة
ولم تبدل في الهندات هاء لسكون ما قبلها, وإنما ذكر تأنيث
الجمع بعد تأنيث الواحد6؛ لأن تأنيث الجمع ليست له قوة
تأنيث الواحد6. ألا ترى أنه لك في الجمع التذكير والتأنيث،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بيبي.
2، 2 ص: يريد الحجل والرجل، على أن الرجل ضائع في التصوير
منها.
3 هذا الكلام من أول قوله: "من التاء في الوصل...." سطر 8
من هذه الصفحة إلى آخر قوله: "وقد فسرنا بعض هذا فيما
مضى... "سطر 11 صفحة 162 التالية: هو الكلام الذي شغل سبعة
السطور الدقيقة المتعرجة في هامش ظ، ونحو الأربعة عشر سطرا
في صلبها الذي تقدمت الإشارة إليه في صفحة 156 السابقة من
هذا الجزء "ج 1 من المنصف".
4 ص: قريبة.
5 ظ، ش: فليست.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -162-
فتقول: قامَ الهندات، وقامتِ الهندات، وليس
لك أن تقول: "قام هند"؛ لأن تأنيث الواحد أشد تمكنا؟
ألا ترى أنك لو سميت رجلا "سعاد"1 لم تصرفه، ولو سميته
"نساء" لصرفته؛ لأن تأنيث الجمع لا حقيقة له، وإنما هو شيء
لا قوة له كقوة تأنيث الواحد. يدل على ذلك أنك تقول: "هذه
رجال مقبلة" تذهب إلى الجماعة, وإن كان كل واحد منها2
مذكرا؛ فلذلك جاء بتأنيث الجمع بعد تأنيث الواحد.
فهذه أمهات الزوائد كما ذكر, وقد بينت ما معنى أمهات
الزوائد في أول الفصل.
زيادة العين في
مثل فَعَّل، واللام في مثل محمَرّ:
قال أبو عثمان: وقد تزاد العين في مثل "فعّل، ومُفَعَّل",
واللام في مثل "محمرّ، ومطمئنّ, ومقشعرّ" وقد فسرنا بعض
هذا فيما مضى.
قال أبو الفتح3: اعلم أن معنى قوله: "قد تزاد العين" ليس
يريد به4: أن الطاء المكررة في "قطّع" من حروف الزيادة,
وإنما يريد أنها تتكرر وإن كان المكرر بلفظ الأصل.
وذكر تكرير العين واللام, ولم يذكر تكرير الفاء في
"مَرْمَرِيس"؛ لأنه حرف شاذ لا نظير له5, فأضرب عن ذكره5
لقلته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بسعاد.
2 ظ: منهما، وهو خطأ.
3 في مكان هذا الرقم بين قوله: "قال أبو الفتح..." وقوله:
"اعلم أن معنى قوله..." في ظ أربع صفحات كاملة زائدة في
غير موضعها من "52 ب" وأولها: "صحاري بلا همز..." إلى آخر
ظ وآخرها: "أن الهاء في الوقف بدل...", وموضع هذه الصفحات
الأربع في هذا الجزء هو من أول "قوله: صحاري بلا همز..."
سطر 6 صفحة 156 إلى آخر قوله: "وأن الهاء في الوقف بدل..."
سطر 7 صفحة 161 السابقة من هذا الجزء أيضا "ج 1 من
المنصف".
4 به: ساقط من ظ، ش.
5، 5 ظ، ش: فأعرض عنه.
ج / 1 ص -163-
وهكذا كان يفعل سيبويه إذا تحجّر شيئا من
اللغة وخرج عنه1 الحرف أو الحرفان لم يستثن بما خرج عن
الجمهور لقلته, لا لأنه لم يقع إليه. ألا تراه قال: إن
مثال2 "فَيْعُل" لم يأت في الكلام, وقد قال الأعشى:
وما أَيْبُلِيّ على هيكل
بناه وصلب فيه وصارا
فقوله: "أيبلي" هو فَيْعُلِيّ. قال أبو علي: واشتقاقه من
أَبَلَ3 بالمكان: إذا أقام به, وأبلت الإبل بالرطب عن
الماء أي: أقامت عليه واجتزأت به عن الماء, فكأن هذا
الراهب اجتزأ بما في هيكله وأقام عليه, ولم يتعده إلى
غيره.
قال: وإنما لم يذكر سيبويه هذا الحرف لشذوذه وخروجه عن
الجمهور, فكذلك أبو عثمان لم يذكر "مَرْمَرِيسًا"؛ لأنه لا
نظير له. على أنه أيضا4 لم يقل: إن الفاء لم تضعف.
قال أبو علي: وقد يأتي مع ياءي5 الإضافة من الأمثلة ما لا
يأتي مع غيرهما. ألا ترى أنهم قالوا في الإضافة إلى تحية:
تَحَوِيّ؟ قال6: فتحوي وزنه7: تَفَلِيّ. وهذا مثال لا يقع
إلا مع ياءي الإضافة من الأمثلة8.
قال: وكذلك تاء التأنيث, ألا ترى أنه لولا تاء التأنيث لم
يأت مثل "عَرْقُوَة وقَمَحْدُوَة9 وتَرْقُوَة" مصححا, فقد
يجيء مع تاء التأنيث وياءي الإضافة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: منه.
2 ظ، ش: مثل.
3 ظ: أبق، وهو خطأ.
4 أيضا: زيادة من ظ، ش.
5 ظ: ياء، مفردة لا مثناة.
6 ظ، ش: يقول.
7 وزنه: ساقط من ظ، ش.
8 من الأمثلة: ساقط من ظ، ش.
9 وقمحدوة: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -164-
ما لا يأتي مع غيرهما, فكذلك جاء أَيْبُلي
وإن لم يأت فَيْعُل بلا ياءي إضافة1.
وقد اختلف الناس في هذه المكررات، فقال قوم: الأول هو
الأصل، والثاني هو الزائد.
وقال آخرون: الأول هو الزائد, والثاني هو الأصل. فمن قال:
إن الأول هو الأصل، قال: الطاء الثانية من "قطّع" بإزاء
الواو من "جَهْوَرَ", فهي زائدة كالواو.
ومن قال: إن الأول هو الزائد، قال: الطاء الأولى من "قطّع"
في موضع الواو والياء من "حوْقل, وبيْطر", فهي زائدة
مثلهما.
ومذهب الخليل: أن الزائد هو الأول. قال سيبويه: وأما غيره
فيجعل2 الثاني هو الزائد. قال: وكلا القولين صواب.
ومذهب أبي بكر: أن الثاني هو الزائد؛ لأنه تكرر. قال: فهو3
أحق بالزيادة, وهذا هو القياس؛ لأنك إنما تبدأ فتستوفي ما
هو من أصل الكلمة، ثم تزيد بالتكرير حتى تبلغ العدة،
والمثال الذي تريد4.
زيادة النون
والواو في نحو حِنْطَأْو:
قال أبو عثمان: واعلم أن مثل "حنطأو، وكنثأو، وفندأو"
النون والواو فيهن زوائد، وقد ألحقن بباب "جِرْدَحْل".
قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما ذهب إلى أن الواو والنون
جميعا زائدتان؛ لأن الواو لا تكون أصلا في ذوات الخمسة
أبدا، ولا في ذوات الأربعة على هذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الإضافة.
2 ظ: فجعل.
3 ظ، ش: هو.
4 ظ، ش: تريده.
ج / 1 ص -165-
السبيل. فلما ثبتت زيادة الواو, قُضي
بزيادة النون أيضا؛ لأنها لزمت هذا الموضع1 من هذا المثال
كما لزمت النون باب "جُنْدَب وعنظب وعنصل" في ذلك1.
قال أبو علي: ولأن الزيادة بذوات الثلاثة أحق منها بذوات
الأربعة؛ لتصرف بنات الثلاثة وكثرتها في الكلام، فهذا من
طريق القياس.
وأما2 من طريق الاشتقاق، فقد قالوا: "كَثَّأَتْ لحيتُهُ"
إذا عظمت, وأنشد الأصمعي:
وأنت امرؤ قد كَثَّأت لك لحيةٌ
كأنك منها قاعد في جُوالِق
وقالوا: "رجل كِنْثَأْو" وهو الوافر اللحية, فهذا قريب من
معنى "كثأت لحيته", فهذا3 يدل على أن "كِنْثَأْوا:
فِنْعَلْو" وكذلك "حنطأو, وقندأو".
زيادة اللام في
ذَلِكَ، وأُولَالِكَ:
قال أبو عثمان: وقد زادوا اللام في ذلك وأولالك, وليس
زيادتهما بمُتْلَئِبّة ولا مستقيمة4 ولا كثيرة.
قال أبو الفتح: إنما كانت اللام زائدة في هذا؛ لأنهم قد5
قالوا في معناه: "ذاك، وأولاك، وأولئك" ولا لام فيها6،
وإنما زيدت اللام في ذلك تكثيرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فأما.
3 ظ، ش: فذاك.
4 ولا مستقيمة: ساقط من ظ، ش.
5 قد: ساقط من ظ، ش.
6 ص: فيهما.
ج / 1 ص -166-
واتساعا في اللغة. ولمّا زادوها في الواحد،
زادوها في الجميع1. قال الشاعر:
أُولَالِكَ قومي لم يكونوا أشابة
وهل يعظ الضليل إلا أُولالِكا
وقد زيدت اللام في غير هذين.
قالوا2: "عَبْدَل" في معنى عبد الله, فاللام زائدة.
وقالوا: "هُنالِك" في معنى هُناك.
وقالوا: "زيْدل" في معنى زيد.
"وفَيْشَلَة"3 في معنى فَيْشَة3.
وقال بعضهم: اللام في "حَسْدَل" زائدة, والحسدل: القُراد.
ما تعرف به حروف
الزيادة:
قال أبو عثمان: فاذا وجدت حرفا من4 حروف الزيادة4 سوى
الواو والياء والألف في شيء يشتق5 من معناه ما يذهب فيه؛
فاجعله زائدا نحو: "رَعْشَن"؛ لأنه6 من الرعشة. يدلك7 على
ذلك قوله:
من كل رَعْشَاءَ وناجٍ رَعْشَن
فهذا ثبت.
قال أبو الفتح: يقول: إن الياء والواو والألف وغيرهن من
حروف8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الجمع.
2 ظ: قال.
3، 3 ص: للفيشة.
4، 4 في ص: حروف الزوائد. وفي هامش ظ: الحروف الزوائد.
5 ظ، ش: مشتق.
6 لأنه: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: يدل.
8 ظ: الحروف، وهو خطأ.
ج / 1 ص -167-
الزيادة في هذا المعنى1 سواء. ولا تقل: إني
أفصل بينهما؛ لأن الاشتقاق يقضي بالزيادة على الحرف1 سواء
كان من الياء والواو والألف2, أم كان من غيرهن.
وقوله: رَعشاء في معنى رَعْشَن، يدل على زيادة النون في
"رعشن" ومثاله "فَعْلَن" وهو ملحق بجَعْفَر.
زيادة النون في
فِرْسِن:
قال أبو عثمان: وزعم الخليل أن فرسنا النون فيه زائدة؛
لأنها عنده من: فَرَسَ يَفْرِسُ.
قال أبو الفتح: إنما كان عند الخليل من: فرس يفرس؛ لأن
الفَرْس أصله الدّقّ, ومنه قيل للأسد: "فِرْنَاس"3,
فالنون4 فيه زائدة, والفرسن تدق الأرض. فهي5 من الفَرْس،
كما أن مِفْتاحا من الفتح, ومعلاقا من يَعْلَقُ6. ومثاله
"فِعْلِن" وهي7 ملحقة بصِمْرِد.
النون في
ضَيْفَن زائدة:
قال أبو عثمان: وقال: "ضيفن" النون فيه زائدة؛ لأنه من
الضيف.
وزعم أبو زيد أنه يقال: ضَفَنَ الرجلُ يَضْفِنُ: إذا جاء
ضيفا مع الضيف، فضيفن في هذا المذهب "فَيْعَل".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 الألف: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: إنه فرناس.
4 ص: والنون.
5 ظ، ش: فهو.
6 ش: المعلق.
7 ظ، ش: وهو.
ج / 1 ص -168-
قال أبو الفتح: كلا الاشتقاقين مذهب. وقول
أبي زيد في هذا1 كأنه أقوى؛ لأن المعنى يطابقه. ألا ترى
إلى قول الشاعر:
إذا جاء ضيف جاء للضيف ضَيْفَن
فأوْدَى بما تُقرَى الضيوف الضَّيَافِن؟
فالضيفن: هو الذي يجيء مع الضيف. وقولهم: ضَفَن يَضْفِن في
هذا المعنى يشهد بأن ضيْفنا "فَيْعَل" فهذا قول.
وفيه شيء آخر يقوي ما قال أبو زيد, وهو أن "فيْعلا" أكثر
في الكلام من "فَعْلَن", فهذه2 بينة أخرى تشهد لكونه
"فيعلا". والقول الأول أيضا وجه؛ لأنه وإن كان ضيف ضيف,
فهو على كل حال ضيف, فينبغي3 أن تكون نونه زائدة.
وقد جاء على فَعْلَن ما أذكره: قالوا4: "امرأة خَلْبَن"
وهو من الخلابة, و"ناقة عَلْجَن" وهي الغليظة، مأخوذة5 من
العِلْج. قال الراجز:
وخلطت كل دلاث عَلْجَن
تخليط خرقاء اليدين
خَلْبَن
وحكى سيبويه: في خُلُق فلان "خِلَفْنَة" وهو من الاختلاف,
والنون في هذا كله زائدة. ومثله "عِرَضْنَة" وهي6 من
الاعتراض.
الواو والياء في
الرباعي:
قال أبو عثمان: واعلم أن كل7 ما كان من الأربعة ،
فالواو والياء لا يكونان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هذا: زيادة من ظ، ش.
2 ظ، ش: فهذا.
3 ظ، ش: وينبغي.
4 ظ: وقال.
5 ظ، ش: مأخوذ.
6 هي: ساقط من ظ، ش.
7 كل: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -169-
فيه أصلا البتة، إلا أَنْ يضعَّف، نحو:
"ضَوْضَيت، وقوقيت", فإن هذا بمنزلة "صَلْصَلت، وقلقلت"
إلا أن الطرف لزمه القلب كما لزم واو أغزيت. فمن ثم قال في
"عِزْوِيت": هو "فِعْلِيت"؛ لأنه إن جعل التاء أصلا، كان
الحرف "فِعْوِيلا" وليس شيء من الأسماء على "فِعْوِيل".
وإن جعل الياء والواو أصلين, جعل في بنات الأربعة واوا
أصلا، وهذا لا يكون, فجَعَلها بمنزلة "عِفْريت",
و"عِفْرِيت"فِعْلِيت"1؛ لأنه من العَفْر, فعلى هذا تجري
الزوائد.
وإنما كتبت لك هذا؛ لتنظر إذا سئلت عن مسألة ما هي؟ وما
زيادتها؟ فتعلم ذلك, فتبني على مثاله. وإن كان أصلا, فعلتَ
به ما وصفت لك إن شاء الله.
قال أبو الفتح: قوله: "إن الواو لا تكون أصلا في ذوات
الأربعة2, إلا أن تضعف نحو: ضوضيت"2, عليه اعتراضان:
أحدهما: أن يقال: ما تنكر أن يكون "ضَوْضيت: فعليت"
بمنزلة: "سَلْقيت وجعبيت"؟
فالجواب أن يقال: إن حمله على هذا يبعد من وجهين:
أحدهما: أنك لو قضيت بذلك؛ للزمك أن تجعل الفاء واللام من
موضع واحد وهما الضادان, فتكون الكلمة من باب "سَلِسَ،
وقَلِقَ" وهذا ليس في كثرة باب "صَلْصَلْت وقلقلت" فحمله
على باب "فَعْلَلت" المضاعف أولى.
والوجه الآخر: أنهم قد قالوا منه: "الضوضاء", والضوضاء
بمنزلة الزلزال, فينبغي أن يكون ضوضيت مثل زلزلت, ولم
نسمعهم قالوا من "سلقيت: سَلْقاء" لأنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعفريت: فعليت: ساقط من ظ، ش.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -170-
ليس في كلامهم فَعَلاء مصروفا, ولا1 تكون
الهمزة التي في هذا المثال إلا للتأنيث.
فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم: "قَصْبَاء، وحلفاء،
وطرفاء" وإدخالهم الهاء على هذه الهمزة2, فشاذ لا يُلتفت
إليه ولا يُعرج عليه لقلته، وأنا أرى أن من قال: "حلفاءة,
وقصباءة, وطرفاءة" فأدخل الهاء على هذه الهمزة2 ثم حذف هذه
الهاء, فيلزمه أن يصرف الكلمة لأن الهمزة عندنا3 ليست
للتأنيث؛ إذ لو كانت للتأنيث لما جاز دخول الهاء عليها،
كما أن حُبْلَى لما كانت ألفها للتأنيث لم يجز دخول الهاء
عليها، كما دخلت على "أرطاة، وعلقاة" فيمن نوّن؛ لأن علامة
تأنيث لا تدخل عليها علامة تأنيث. هذا هو الأشهر من أمر
"قصباءة، وحلفاءة4, وطرفاءة".
وقد يجوز أن يكون الذي يقول: "قضباءة" فيخالف الجمهور
بإدخال الهاء إذا نزعها رجع إلى الوفاق, واعتقد أن الهمزة
علامة تأنيث, فيكون مخالفا في الهمزة إذا أدخل الهاء
موافقا5 إذا نزع الهاء. وهذا ليس في قوة القول الذي قبله؛
لأنه لا حاجة به6 إلى أن7 يقدر الهمزة تقديرين7 مختلفين في
وقتين.
وإنما جوزت الثاني -وإن لم يكن في قوة الأول- لأنا لم نرهم
صرفوا: "قصباء، وطرفاء، وحلفاء" في نثر. فأما النظم, فإن
صُرِفت فيه فلا حجة في صرفها؛ لأنه يجوز في الشعر صرف ما
لا ينصرف للضرورة.
ومن أجاز القول الثاني, لزمه ألا يصرف: "قصباء, وحلفاء,
وطرفاء"؛ لأن الهمزة عنده للتأنيث إذًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فلا.
2، 2 ساقط من ظ، ش, وسقوطه يفسد المعنى.
3 ظ، ش: عنده.
4 وحلفاءة: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: وموافقا.
6 به: ساقط من ظ، ش.
7، 7 ظ: يقرر الهمزة تقديرين، ش: يقرر الهمزة تقريرين.
ج / 1 ص -171-
وأما1 الاعتراض الثاني, فلقائل أن يقول: ما
تنكر أن يكون "ضوضيت وقوقيت" بمنزلة: "حوقلت، وصومعت"
فيكون بوزن "فَوْعَلْتُ"؟ وهذا أبعد من الجواز من الأول؛
لأنه كان يلزمك أن تجعل فاء الفعل وعينه من موضع واحد،
وهذا أقل من باب سلس2, وإذا لم يجز هنا باب سلس2 مع أنه
أكثر من باب "كوكب ودَدَن" فألا3 يجوز باب دَدَن لقلته
أجدر.
وقد جاءت الواو أصلا في ذوات الأربعة -وإن كانت غير مضعفة-
قالوا: "وَرَنْتَل" وهي الداهية, فالنون زائدة؛ لأنها
ثالثة ساكنة، فالواو إذًا4 أصل.
فإن قال قائل: ما تنكر أن تكون زائدة5 وإن كانت في أول
الكلمة, كما أجزت أنت أن تكون أصلا وإن كانت غير مضعفة5؟
قيل: جعلها من الأصل -وإن كان الحرف شاذا- أولى؛ لأنَّا قد
رأيناها أصلا في ذوات الأربعة بلا محالة مع التضعيف. فنحن
نجعلها هنا أيضا من الأصل, وإن لم يكن تضعيف للضرورة، وهو
أسوغ من أن نجعلها زائدة؛ لأنا لم نرهم زادوها أولا على
وجه من الوجوه. وقد رأيناهم جعلوها أصلا في ذوات الأربعة
في بعض المواضع وهو التضعيف, فجعلها أصلا أولى من الحكم
بزيادتها. فتأمله, فإنه لا يجوز في القياس غيره.
وقوله: "إلا أن الطرف لزمه القلب, كما لزمه واو أَغزيتُ"
إنما وجب القلب في باب "أغزيت"؛ لأنها رابعة، وأصلها:
"أغزوْت" وستراه في بابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فأما.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: ولا، وهو خطأ.
4 إذا: ساقط من ظ، ش.
5، 5 ظ، ش: "لأنها غير مضعفة، ولم نجدها أصلا في غير ذوات
التضعيف".
ج / 1 ص -172-
فإذا1 كان ذلك كذلك، فواجب أن تقلب في
"قوقيت" لأنها رابعة, وأصلها: "قَوْقَوْتُ" فالعلة2 في
"قوقوت، وأغزوت"3 واحدة.
وقوله: فمن4 ثم قال في "غِزْوِيت": إنه "فِعْلِيت", ترك
الكلام في انقلاب الواو ياء، وعاد إلى أن الواو لا تكون
أصلا في ذوات الأربعة؟
فيقول: لا يمكن أن تكون5 الواو في "غزويت" أصلا على أن
تكون التاء من الأصل أيضا؛ لأنه كان يلزمك أن تجعل الواو
أصلا6 في ذوات الأربعة.
قال: ولا يجوز أيضا أن تجعلها زائدة؛ لأنه كان يلزم أن
يكون وزنه: "فِعْوِيلا", وهذا مثال لا يعرف فلا يجوز الحمل
عليه.
يقول: فإذا لم يجز أن يكون غزويت: فِعْلِيلا ولا
فِعْوِيلا، كان فِعْلِيتا، بمنزلة عفريت؛ لأنه من العفر,
فمن ها7 هنا كانت الواو عنده أصلا.
فإن قال قائل: فأجعل الواو والتاء زائدتين؟
قيل: هذا أبعد من الجواز؛ لأنه كان يكون وزن الكلمة على
هذا فِعْوِيتا, فيبقى بغير لام، وهذا محال.
وكأن أبا عثمان إنما8 لم يذكر هذه القسمة؛ لأنها ساقطة لا
يورد مثلها أحد. وإنما ذكرتها أنا استظهارا؛ لأن هذا
الكتاب هو للمبتدئ كما هو للمنتهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وإذا.
2 ظ، ش: والعلة.
3 ظ، ش: قوقيت, وأغزيت.
4 ظ، ش: ومن.
5 ظ، ش: تقول.
6 ظ، ش: أيضا.
7 ها: ساقط من ظ، ش.
8 إنما: ساقط من ظ، ش. |