المنصف لابن جني ج / 1 ص -173-
قال أبو عثمان:
باب ما قِيسَ من الصحيح على ما جاء من الصحيح من
كلام العرب:
قال أبو الفتح: إنما ترجم الباب بهذه الترجمة؛
لأن المقيس على الصحيح على ضربين: صحيح، ومعتلّ. وإنما
غرضه في هذا الباب ذكر الصحيح؛ فلذلك جاء بهذه الترجمة.
ألا تراه يقول في أول الباب: فمن ذلك: بناؤك مثل: جَعْفَر
من ضَرَبَ، وجعفر وضرب صحيحان؟
فأما المعتلّ المَقِيس فستراه فيما بعد في مواضعه إن شاء
الله.
قال أبو عثمان:
فمن ذلك: بناؤك مثل جعفر من ضربت، تقول1 فيه:
ضَرْبَبٌ، فتُجريه مجرى جَعْفَرٍ.
وكذلك مثل قِمَطْر من ضرب: ضِرَبّ، فتسكن الباء الأولى؛
لأنها بإزاء طاء قمطر، والطاء ساكنة, فأسكنت الباء التي
بإزاء الطاء؛ ليكون على الوزن الذي بنيتَ عليه.
وإن بنيتَ غير هذا, فانظر إلى المثال الذي سُئلت عنه
فقِسْه2 على ما ذكرت, واجعل بإزاء كل شيء مثله.
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد بَيّن في هذا الفصل كيف طريق
البناء، وأنه يجب على الباني احتذاء المثال المطلوب
بالحركة والسكون والزيادة، وقد مضى ذكر هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ: تقول. وهامش ظ، ش: فتقول.
2 ص، هامش ظ: فقسه، وظ، ش: فقس.
ج / 1 ص -174-
وقوله: فتجريه مجرى جعفر، يريد أنك تقول:
"ضَرْبَبٌ", فتُظهر الباء الأولى ولا تدغمها1, فلا تقول1:
"ضَرَبّ" لئلا يزول الغرض, وهذا البناء يجيء على ضربين:
أحدهما: أن تبني بلا تكرير, وذلك أن تبني ثلاثيا من ثلاثي,
أو رباعيا من رباعي، أو خماسيا من خماسي.
فالثلاثي: نحو بنائك من ضَرَبَ مثل "عَلِم", فتقول:
"ضَرِبَ"، ومثل "ظَرُفَ" تقول: "ضَرُبَ".
والرباعي: أن تبني من دحرج مثل "سِبَطْر", فتقول:
"دِحَرْج", ومثل "هجرع" فتقول: "دحرج".
والخماسي: أن تبني من سفرْجل مثل "جِرْدَحْل", فتقول:
"سِفْرَجْل", ومثل "جَحْمَرِش" فتقول: "سَفْرَجِل" وما
أشبه ذلك.
فهذا كله, إنما غيرت بناء المبني منه وأصرته إلى مثل2 حال
المثال المطلوب من الحركة والسكون, فهذا الضرب لا تحتاج
فيه إلى تكرير؛ لأن أصول المبني منه في عدة أصول المثال
المطلوب.
وأما3 ما يحتاج إلى التكرير عند بنائه, فأن تبني رباعيا من
ثلاثي نحو: جعفر من ضرب "ضَرْبَب", أو أن تبني خماسيا من
رباعي، فتبني من دحرج مثل: سفرجل, فتقول: "دَحَرْجَج". فإن
بنيتَهُ من الثلاثة قلت على قياس "صَمَحْمَح: ضَرَبْرَب",
وعلى قياس "حَبَنْطى: ضَرَنْبى" ومن كرر اللام قال:
"ضربب".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: فتقول.
2 مثل: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: فأما.
ج / 1 ص -175-
فهذا كله إنما وجب فيه التكرير لتلحق
العدةُ العدةَ. فأما الإلحاق بحروف الزيادة, فقد مضى ذكره
وسيأتي أيضا.
قال أبو عثمان:
وإن بنيتَ مثل قِمَطْر من دحرج1 قلت: "دِحَرْج". فإن بنيت
مثل جعفر من قمطر قلت: "قَمْطَر".
وإن قيل لك: ابْنِ من قمطر2 مثل سفرجل، قلت: "قَمَطْرَر".
وكذلك مثله من جعفر: "جَعَفْرَر".
قال أبو الفتح3: هذا فصل قد تقدم شرحه.
قال أبو عثمان:
وإن قيل لك: كيف تبني من الثلاثة: ضرب وأخواته، مثل:
السفَرْجل؟ فإن النحويين كلهم4 مجمعون على تكرير اللام،
فيقولون: "ضَرَبّب" ومن عَلِم: "عَلَمّم" ومن ظرُف:
"ظَرَفَّف", ولم أسمع من كلام العرب شيئا من الثلاثة بُلغ
به الخمسة من موضع اللام.
قال أبو الفتح: قد ذكر أبو عثمان العلة في امتناعه من
إلحاق الثلاثة بالخمسة بتكرير اللام، وذلك أنه لم يسمعه.
فلما لم يسمعه لم يقسه، وهذا مستقيم. ألا ترى أنهم قد
سمعوا نحو "خَيْفَق، وكوثر، وجهور"5 ولم يقيسوه لقلته,
فإذا كان ما سُمِع غير مقيس لقلته، فما لم يُسمَع على وجه
من الوجوه أحرى ألا يجوز بناء مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من دحرج: ساقط من ظ، ش.
2 من قمطر: زيادة من ظ، ش.
3 قال أبو الفتح: زيادة من ظ، ش.
4 كلهم: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: جوهر.
ج / 1 ص -176-
ولكن هذا جائز على مذهب أبي الحسن؛ لأنه
كان يبني جميع ما يُسأل عنه ويقول: مسألتك ليست1 بخطأ،
وتمثيلي عليها صواب. قال: فإن أبى صاحبك فقل له: فلو جاء
كيف كان ينبغي أن يكون؟ فإنه لا يجد بدا من الرجوع إليك.
قال أبو عثمان:
ولكن قد ألحقوا الثلاثة بالخمسة في "عَفَنْجَج", فالنون2
ثالثة، وكرروا اللام وألحقوا3 بغير ذلك, فقالوا:
"حَبَنْطى, وعلندى، وسرندى، ودلنظى، وسبندى, وسبنتى" وهذا
صالح قد كثُر حتى لو جعله جاعل بابا كان مصيبا. فإذا سئلت
عن الثلاثة كيف تلحقها بالخمسة؟ قلت فيها: من ضرب:
"ضَرَنْبَى", ومن علم: "عَلَنْمى", ومن ظرف: "ظرنفى".
وقد أُلحقت الثلاثة بالخمسة بأن كرروا العين واللام
فقالوا: "صَمَحْمَح، وبَرَهْرَهَة، وجُلَعْلَع،
ودَمَكْمَك", وأحرفا كثيرة على هذا المثال تعادل باب
"حبنطى" في الكثرة أو أكثر منها، فاجعلهما4 قياسا في إلحاق
الثلاثة بالخمسة.
فأما5 الإلحاق من موضع اللام, فلم أسمعه في شيء من كلام
العرب؛ شعر ولا غير ذلك مما6 ننويه.
قال أبو الفتح: قد عدد في هذه الفصول وجوه إلحاقات الثلاثة
بالخمسة, إلا أن الذي اعتمد عليه هو باب "فَعَنْلى" نحو
"دلنظى" وباب فَعَلْعَل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: ليس.
2 ظ، ش: والنون.
3 ظ، ش: فألحقوها. وهامش ظ: وألحقوها نسخة.
4 ش: فاجعلها.
5 ظ، ش: وأما.
6 ظ: ممن.
ج / 1 ص -177-
نحو "صَمَحْمَح، وبرهرهة", إلا أن باب
صمحمح أكثر من باب دلنظى, فعليه ينبغي أن يكون1القياس,
والآخر أيضا مطرد القياس. وإذا كان الأمر كذلك, فينبغي أن
يكون قول الشاعر:
كأس رَنَوْنَاة وطِرْف طِمِر
رنوناة: منه "فَعَلْعَلَة" وكذلك شَجَوْجى, وكذلك
مَرَوْرَاة؛ لأن باب "فَعَلْعَل" إذا كان أكثر من باب
"فَعَنْلى" فهو أكثر من باب "فَعَوْعَل" لا محالة.
فالواو في رنوناة، وفي2 مروراة، هي اللام3 الأولى بمنزلة
حاء صمحمح الأولى4, 5ولا يجوز5 أن تجعلها كواو "عَثَوْثَل"
لقلته.
قال الأصمعي: "الرُّنُوُّ": إدامة النظر, والرَّنَوْناة:
هي الكأس الدائمة، واشتقاقها من هذا.
وقد ألحقت الثلاثة بالخمسة من غير ما ذكر أبو عثمان.
قالوا: "عَقَنْقَل, وعصنصر، وسجنجل، وهجنجل، وعبنبل", فهذا
كله "فَعَنْعَل", فزادوا النون وكرروا العين.
وقالوا: "حَبَوْتَن" ومثاله "فَعَوْلَل", فزادوا الواو
وكرروا اللام.
وقالوا: "خَفَيْدَد" ومثاله "فَعَيْلَل", فزادوا6 الياء
وكرروا اللام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "يكثر" بدل "يكون".
2 وفي: زيادة من ظ، ش.
3 في ص: للام, بدون همزة وصل.
4 الأولى: ساقط من ظ، ش.
5، 5 يقابل ما بينهما في ص كلمة غير واضحة تقرأ "ينتفي",
فتكون موافقة في المعنى لما بين الرقمين وتقرأ "ينبغي",
فتكون ضده, ولا يستقيم بها المعنى.
6 ش: زادوا.
ج / 1 ص -178-
فهذا ونحوه مما لم أذكره، لا يقاس عليه
لقلته؛ ولذلك لم يذكره أبو عثمان.
فأما "جُلَعْلَع" فليس ملحقا بسفرجل؛ لضم الجيم. ألا ترى
أنه ليس في الكلام مثل "سفرجل" -بضم السين- فيلحق هذا به.
ولكن العين واللام كُرِّرتا فيه لغير الإلحاق, ونظيره1:
ذُرَحْرَح. فلما كررت اللام وحدها تارة في مثل قَرْدَد،
والعين وحدها أخرى في مثل "غَدَوْدَن", كذلك كررت العين
واللام جميعا في باب2 "صمحمح, وجلعلع".
قال أبو عثمان: وأما إلحاق الأربعة بالخمسة, فمن موضع
اللام على ما ذكرت3 لك؛ لأنه المطرد وما ألحق بالخمسة من
الأربعة بغير موضع اللام فمختلف.
قالوا: "فَدَوْكَس", فألحقوه بالواو بالخمسة.
وقالوا: "عَمَيْثَل" فألحقوه بالياء. ونظيره من الثلاثة
"عَطَوَّد" ألحقوه بالواوين.
فهذا يدلك على أن الملحق سوى اللام مختلف, واللام غير
مختلفة.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في العلة التي من أجلها كان
القياس في الإلحاق بتكرير اللام, ولهذا اختلف إلحاق بنات
الأربعة بغير اللام. ألا ترى أن "فدوكسا" ملحق بالواو،
و"عميثلا" ملحق بالياء, و"عطودا" ملحق بتكرير الواو؟ فهذا
وجه الاختلاف؛ لأنه لم يلزم طريقة واحدة, وأنت إذا كررت
اللام لم تكن إلا بلفظ الأولى, فمن هنا لم يكن مختلفا.
قال أبو عثمان: وقال الخليل في مصدر بنات الثلاثة التي
تعدى: إن أصلها: "فَعْل" نحو "ضرب ضربا، وقتل قتلا", وجعل
ما خالفه ليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: بمنزلة.
2 ظ، ش: مثل.
3 ص، هامش ظ: ذكرت. وظ، ش: ذكرنا.
ج / 1 ص -179-
بأصل لاختلافه. فهذا الإلحاق من الأربعة
نظير هذا المصدر من الثلاثة. فعليه فقس, واجعل بنات
الثلاثة الملحقة بالخمسة على ما ذكرت لك, حتى تكون قد قست
على كلامم ولم تعد.
قال أبو الفتح1: إنما كان الأصل في مصادر بنات الثلاثة
المتعدية عند الخليل "فَعْلا" بعد كثرته في السماع؛ لأن كل
فعل ثلاثي، فالمرة الواحدة منه "فَعْلَة" نحو "ضربته
ضَرْبة، وقتلته قَتْلة، وشتمته شَتْمة".
فكأن قولك في المصدر "شَتْم، وقتل، وضرب" إنما هو جمع
فَعْلَة, نحو: "تَمْرَة وتَمْر، ونخلة ونخل"2؛ لأن المصدر
يدل على الجنس، كما أن التمر والنخل يدلان على الجنس,
"فضربة" نظيرة "تمرة" و"ضرب" نظير "تمر".
وقوله: وجعل ما خالفه ليس بأصل، يعني: بقية مصادر بنات
الثلاثة نحو "الركوب, والظلم والإتيان" فهذه ونحوها مصادر
المتعدية, ولا تطرد اطراد القتل والضرب؛ لأن فعلا لا يمتنع
من جميعها فهو الأصل, وعليه مدار الباب.
قال أبو علي: وهذا التشبيه من أبي عثمان "عَجَب من
العَجَب", وهو كما ذكر.
وقوله: واجعل بنات الثلاثة الملحقة بالخمسة على ما ذكرت
لك, يريد: أن وجه الإلحاق في بنات الثلاثة أن يكون من باب
"صمحمح، وبرهرة" أو باب "سرندى، وحبنطى" وقد تقدم ذكره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: قال الشيخ أبو الفتح.
2 ونخلة ونخل: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -180-
ما قيس على كلام العرب فهو من
كلامهم:
قال أبو عثمان: وكان أبو الحسن الأخفش يجيز أن
تبني على ما بنت العرب، وعلى أي مثال سألته، إذا قلت له1:
ابن لي من كذا2 مثل كذا، وإن لم يكن من أمثلة العرب،
ويقول: إنما سألتني أن أُمثل لك، فمسألتك ليست3 بخطأ,
وتمثيلي عليها صواب.
وكان الخليل وسيبويه يأبيان ذلك ويقولان: ما قيس على4 كلام
العرب فهو من كلامهم، وما لم يكن في كلام العرب، فليس له
معنى في كلامهم، فكيف تجعل مثالا من كلام قوم ليس له في
أمثلتهم معنى؟
وهذا هو القياس. ألا ترى أنك إذا سمعت "قام زيد" أجزت أنت
"ظرف خالد، وحمق بشر", وكان ما قسته5 عربيا كالذي قسته
عليه؛ لأنك لم تسمع من العرب أنت ولا غيرك اسم كل فاعل
ومفعول، وإنما سمعتَ بعضا فجعلتَهُ أصلا وقستَ عليه ما لم
تسمع. فهذا أثبت وأقيس، إن شاء الله6.
قال أبو الفتح: القول في هذا الخلاف ما ذهب إليه سيبويه.
قال أبو علي: ويلزم أبا الحسن أن يبني مثل7 "فِعُل" من
"ضَرَبَ: ضِرُب". قال: وهذا أفحش من بنائه مثل كابُل؛ لأنه
أجاز بناء الأعجميات فيلزمه هذا أيضا.
قال: والقياس ألا يجوز إلا أن تبني على أمثلة العرب؛ لأن
في بنائك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 له: ساقط من ظ، ش.
2 من كذا: ساقط من ظ، ش.
3 ص: ليس.
4 ص: من.
5 "ما قسته" عن ص وهامش ظ، وفي ظ، ش: قياسه.
6 إن شاء الله: ساقط من ظ، ش.
7 مثل: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -181-
إياه إدخالا له في كلام العرب. والدليل على
ذلك أنك تقول: "طاب الخُشْكُنان" فترفعه, وإن كان أعجميا؛
لأن كل فاعل عربي مرفوع, فإنما تقيس على ما جاء وصح.
هذا لفظ ما وجدت في تعليقي عن أبي علي بالشام.
فقوله1: وهو أفحش من بنائه مثل "كابُل" يريد: أن "ضِرُب"
فيه خروج من كسر إلى ضم لازم. وهذا غير موجود في كلام
العرب؛ لاستثقال الضمة بعد الكسرة. وليس في كابل شيء
يستثقل2 مثل ما في "ضِرُب", وإنما فيه أنه لم يجئ في
كلامهم مثل فاعُل بضم العين, كما أنه قد تُتخيل أبنية
كثيرة متمكنة، ولكنها لم تأت في كلامهم.
ألا ترى أنه ليس في كلامهم مثل "جعفِر" بكسر الفاء, ولا
مثل "جعفُر" بضمها، ولم3 يمتنع منه لأنه مستثقل, بل رُفض
رفضا. وليس لأحد أن يقول: هلا جاء في الأمثلة ما لم يجئ؟
لأن هذا كان يكون بابا غير مدرك، وإنما سبيله أن يذكر ما
جاء ويضرب عما لم يجئ, فلا يذكر إلا أن يكون امتناعهم منه
لعلة؛ لأنك إنما تفسر أحكام لغتهم، لا ما لم يجئ عنهم4،
ولأنك لو ذهبت تذكر أحكام ما لم يجئ لكنت قد شرعت في تفسير
ما لم ينطق به عربي.
وكان ذلك يكون تخليطا وهَوَسا؛ لأن فيما خرج إلى الوجود
شغلا عما هو باق في العدم، إلا ما علته في الامتناع من
النطق به قائمة، فإن مثل ذلك يُسأَل عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وقوله.
2 ظ، ش: مستثقل.
3 ظ، ش: فلم.
4 عنهم: ساقط من ش.
ج / 1 ص -182-
يجوز أن يبنى من "ضرب" على
مثال "جعفر", ويجعل اسما، وصفة، وفعلا:
وهذا الخلاف الذي بين سيبويه والأخفش يدل على
صحة ما ذهب إليه أبو علي من أنه يجوز أن تبني من ضرب مثل
"جَعْفَر" فتجعله اسما، وفعلا، ووصفا، وغير ذلك؛ فتقول:
"ضَرْبَبَ زيدٌ عمرًا، ومررت برجل ضرببٍ1, وجاءني ضرببٌ,
ورأيت ضرببًا".
ألا ترى أن أبا عثمان قال: ما قيس على كلام العرب فهو من
كلامهم، فيجب أن يكون "ضربب" هذا من كلامهم؛ لأنك وإن لم
تسمعه بعينه، فقد سمعت ما هو نظيره، فجرى ذلك مجرى رفع
الفاعل الذي لا ينكسر؛ لأنك إذا سمعت "قام زيد" أجزت أنت2
"قعد بشر", وإن لم تسمعهم يقولون: "قعد بشر" ولكنك سمعتهم
يقولون ما هو نظيره وفي معناه, فكذلك إذا اطرد عندهم
"مَهْدَد، وقَرْدَد" أجزت أنت أيضا "دَخْلَل، وخَرْجَج"
فهذا هنا كذاك ثمة.
"متى يجوز البناء على مثال ما لم يأت عن العرب؟":
ولو كان الغرض في البناء تمثيل الكلمة من المبني منه لزال
الخلاف؛ لأنهم كلهم مجمعون على أنه لو قيل لهم: ما وزن
"غَدَوْدَن" من الفعل؟ لقالوا: "فَعَوْعَل".
ولو قيل لهم: أتُجيزون إلحاق بنات الثلاثة ببنات الخمسة
على مثال "فَعَوْعَل" حتى يقولوا "ضَرَوْرَب" لما قاسوه,
فلا يقولون: "هذا رجل ضَرَوْرَب" كما يجيزون "رجل
ضَرَنْبى".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ، ش: "مضربب" وهو خطأ، وما يقتضيه كلام أبي علي هو
ما أثبتناه, وهو الصواب.
2 أنت: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -183-
ولو قيل لهم: ما وزن "غدودن" من ضرب؟
لقالوا: "ضَرَوْرَبٌ"، يريدون به المثال لا غير, ولا
يريدون به أن يجعلوه اسما ولا صفة. كما يقولون: "هذا رجل
ضربب, وهذا رجل ضرنبى".
ألا ترى أن أبا الحسن قد قال في كتابه: فإن أبى خصمك فقل
له: فلو قيل: كيف كان يقال؟ فإنه لا يجد بدا من الرجوع
إليك.
فهذا يدل على أنه يريد: إن لم يجبك إلى أن تبني على1 ما لم
يأت، فقل له: فكيف2 كان3 يكون حكمه لو جاء؟ فإنه لا بد له4
من الرجوع إليك، أي: فلا بد من أن يمثل لك5 جميع ما تسأله
عنه على شريطة6 أنه لو جاء, لكان على هذه الصيغة.
فهذا كله يقوِّي أن تقول: "ضرببَ زيدٌ عمرَا"7, وألا
تجيز7: "ضَيْرَبَ زيدٌ عمرًا", ولا "ضَوْرَبَ بكر خالدا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: كيف.
3 كان: ساقط من ظ، ش.
4 له: ساقط من ظ، ش.
5 لك: زيادة من ظ، ش.
6 شريطة: زيادة من ظ، ش.
7، 7 يقابل ما بينهما في ظ، ش: ولا يجوز. |