المنصف لابن جني

ج / 1 ص -184-        قال أبو عثمان:
باب الياء والواو اللتين هما فاءات:
1اعلم أن كل ما كان موضع الفاء منه واوا، وكان2 فعلا، وكان على فعل, فإنه يلزم3 "يَفْعِل" ويُحذَف في الأفعال المضارعة منه "الواو" التي هي فاء, ويكون المصدر على "فِعْلَة" محذوف الفاء, وتُلقَى حركة الفاء على العين، فتصير العين مكسورة، وذلك قولك4: "وَعَدَ، ووَزَنَ، ووَثَبَ" تقول في "يَفْعِل" منه: "يَعِد، ويزن، ويثب, وعِدَة، وزنة، وثبة"5, وكان الأصل فيه: "يَوْعِد، ويوزن، ووِعْدة6، ووزنة".
ولكنهم اتقوا وقوع الواو بين ياء وكسرة, فحذفوها7 استخفافا، وجعلوا سائر المضارع تابعا لـ "يفعل"، فحذفوه لئلا يختلف المضارع في البناء، وجعلوا المصدر معتلا، فحذفوا فاءه فقالوا8: "عِدَة، وزنة"؛ لأنهم استثقلوا "وِعْدة، ووزنة", فألزموهما الحذف، ولأن المصدر قد جرى مجرى الفعل.فكما استثقلوا الواو إذا كانت9 بين ياء وكسرة والواو ساكنة، كانوا للواو إذا كانت الكسرة فيها أشد استثقالا, فحوَّلوا كسرتها على ما بعدها وألزموها10 الحذف؛ لأنهم لو أثبتوها بعد أن سلبوها حركتها, احتاجوا إلى ألف الوصل لئلا يبتدأ بساكن.
فلو جاءوا بألف الوصل وهي مكسورة؛ لزمهم أن يبدلوا الواو ياء؛ لأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في موضع هذا الرقم من ظ، ش قبل قوله: "اعلم" كتبت هذه الجملة، وهي: قال أبو عثمان, وليست هذه الجملة في ص ولا حاجة إليها هنا.
2 ظ: أو كان.
3 ظ، ش: يلزمه.
4 ظ، ش: نحو.
5 وثبة: زيادة من ش.
6 في ص: "وعدة".
7 ظ، ش: فحذفوا.
8 ص، ظ: فقالوا. وفي هامش ظ، وفي ش: وقالوا.
9 إذا كانت: زيادة من ظ، ش.
10 ظ: ألزموا.

 

ج / 1 ص -185-        قبلها كسرة، والواو الساكنة إذا كان1 قبلها كسرة، أبدلوا منها ياء، فكانوا يقولون: "إيْعَدًا". وقال أبو علي: "إيْعَدَة" بالهاء, فتجتمع كسرتان في الابتداء بينهما ياء ساكنة، فكان يجتمع ما يستثقلون, فحذفوا لذلك.
قال أبو الفتح: قد شرح هذا الموضع في إيجاز، وأنا أذكر غير ما جاء به.
اقتصارهم على "يَفْعِلُ" كيضربُ من "فَعَل" الذي فاؤه واو:
قال أبو علي: إن الأفعال الماضية التي على مثال "فَعَلَ" قد يأتي مضارعها على "يَفْعِلُ" كما يأتي على "يَفْعُلُ", وذلك نحو "ضرب يضرِب، وقتل يقتُل". وقد يأتي على "يَفْعَلُ" -بفتح العين- إذا كانت اللام أو العين حرفا حلقيا نحو: "يقرأ، ويسأل".
قال: فاقتصارهم بما كان ماضيه بوزن2 "فَعَلَ" وفاؤه واو على "يَفْعِلُ" ضرب من الإعلال لحقه؛ لأن منعه ما3 يجوز في غيره4 علة لحقته.
هذا5 آخر قول أبي علي، وهو صواب إن شاء الله.
فإن قال قائل: ولِمَ اقتُصر6 في هذا على "يَفْعِلُ"؟ وهلّا جاز فيه ما يجوز في غيره مما ليست فاؤه واو؟
قيل: لأنهم أرادوا حذف الواو لثِقَلها, فقصروه على كسر العين ليجب عن ذلك حذف الواو.
فإن قيل: فهلا اقتصروا7 به على "يفعَل", أو "يفعُل" دون "يفعِل"؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كانت.
2 ظ، ش: على وزن.
3 ظ، ش: لا.
4 ظ، ش: غير.
5 ظ، ش: وهذا.
6 ظ، ش: اقتصروا.
7 ظ، ش: اقتصر.

 

ج / 1 ص -186-        قيل: إن "يفعَل" -بفتح العين- ليس بابه "فَعَل", وإنما بابه "فَعِل" نحو: "شَرِبَ يَشْرَب، وركب يركب" فلم يجز أن يلزم الفتح لأنه ليس بابه، ولأنه لو فتح لم يجز1 حذف الواو المستثقلة، وعُدِل به إلى الكسر دون الضم؛ لأنه لما كان باب ما عينه من الماضي مكسورة2 أن يجيء بفتح عين مضارعه نحو: "شرِب يشرَب", وجب أن يكون باب ما عين ماضيه مفتوحة أن يجيء مضارعه مكسور العين نحو: "ضرَب يضرِب".
باب "فعَل" المفتوح العين "يفعِل" بكسرها, و"يفعُل" بضمها داخل عليه:
وإنما جاز "قتل يقتل" ونحوه؛ لأنه لما كانت حركة عين المضارع أبدا تخالف حركة عين الماضي, إلا باب "فعُل يفعُل" جاز "قتَل يقتُل"؛ لأن الخلاف في حركة العين قد وقع. ولكن الباب ما بدأنا به من أن باب "فعَل" إنما هو "يفعِل" و"يفعُل" داخل عليه.
وشيء آخر يدل على أن "يقتل" داخل على "يضرِب" وأن الباب للكسر دون الضم, وهو أن الضم قد لزم باب ما ماضيه "فعُل" نحو: "ظرُف يظرُف، وكرم يكرم". أفلا ترى أن الضم قد يستبد3 به "فعُل" كما استبد "فَعِل" بـ "يفعَل"4, فكذلك كان القياس أن يستبد "فعَل" بـ "يفعِل"، فمن هنا كان "يفعُل" داخلا على "يفعِل"4 كما أن يحسب داخل على يضرب, وكما أن "يقلَى، ويسلَى، ويأبَى" داخل على "يركَب".
فلما كان باب "فَعَلَ" حكمه أن يأتي على "يفعِل" لما قدمنا، وكان "يفعُل" إنما هو داخل على "يفعِل" وأريد حذف الواو في مضارع "فعَل" مما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: لم يجب.
2 ص: مكسور.
3 ظ، ش: استبد.
4، 4 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -187-        فاؤه واو, اقتصروا1 به على الكسر الذي يجب معه الحذف ولم يضموه؛ لأن الضم ليس بأصل فيه، وإنما بابه الكسر.
لِمَ كان باب "فَعِلَ يفعَلُ كفرح" وباب "فعَل يفعِلُ كضرب؟":
فإن قال قائل: ولِمَ كان باب "فعِل يفعَل" وباب "فعَل يفعِل"؟
قيل: لأنهم أرادوا أن تخالف حركة العين في المضارع حركتها في الماضي؛ لأن كل واحد منهما بناء على حياله. فجعلوا مضارع "فعِل يفعَل" ومضارع "فعَل" في أكثر الأمر "يفعِلُ"؛ لمقاربة الكسرة الفتحة، واجتماعهما في مواضع كثيرة، وإمالة كل واحدة2 إلى صاحبتها نحو قولك: "مررت بعمر، وضربت عمر" ونحو قولك: "ضربت الهندات، ومررت بالهندات" وغير ذلك3 مما يطول ذكره.
فهذا ونحوه يدل على مناسبة الكسرة للفتحة؛ فلذلك تعاقبتا في "فَعِلَ يَفْعَل, وفَعَلَ يَفْعِلُ"، ولأن الياء أيضا مقاربة للألف حتى إنهم قد4 قالوا: "حاحيت، وعاعيت، وهاهيت، وحاريّ، وطائيّ" وغير ذلك مما لا سبب فيه يوجب القلب إلا القرب، وما ليس بعلة قاطعة.
فأما قول الشاعر:

لو شئت قد نَقَعَ الفؤاد بشربة                     تَدَعُ الحوائم لا يَجُدْن غليلا

فشاذ، والضمة عارضة؛ ولذلك حذفت الفاء كما حذفت في "يَقَعُ، ويزع", وإن كانت الفتحة هناك؛ لأن الكسر هو الأصل، وإنما الفتح عارض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: اقتصر.
2 ظ، ش: واحد.
3 ظ، ش: هذا.
4 قد: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -188-        رأي الفراء وأبي العباس المبرِّد في حذف الواو من "يَعِدُ، ويَزِنُ":
وقال الفراء: إن الواو إنما حُذفت من "يَعِد، ويزن" لأنهما متعديان. قال: وكذلك كل متعد. قال: ألا ترى أنهم قالوا: "وَجِل يَوْجَل، ووحل يوحل" فأثبتوا الواو لما كان "وجل، ووحل" غير متعديين.
وتعجب أبو العباس من هذا القول واستطرفه، وقال: إن التعدي وغير التعدي لا وجه لذكره في هذا الموضع. ألا ترى أنهم قد قالوا: "وَقَعَ يَقَعُ، ووضع في السير يضع، ووقَدَت النار تَقِد، ووَبَلَ المطر يَبِلُ، ووَأَلَ مما كان يحذره -أي نجا- يَئِلُ" ونحو ذلك, فحذفوا الواو وإن لم يكن في هذه الأفعال فعل متعد.
وأما1 "يَوْجَل، ويوحل" فلم تثبت فيه الواو من قبل أنه غير متعد، إنما ذاك من قبل أنه لا كسرة بعد الواو يجب به لاجتماع الياء معها الحذف.
باب "كرُم، يكرُم" وتباعده عن بابي "فَعِلَ، وفَعَلَ":
فأما قولهم: "كرم يكرم" فإنهم إنما2 أقروا في عين المضارع حركة الماضي؛ لأن هذا باب على حدته لا يكون متعديا أبدا، إنما يكون3 للهيئة التي يكون الشيء عليها, نحو: "ما كان ظريفا ولقد ظرُف، وما كان شريفا ولقد شرف", فتباعد هذا الفعل من باب "فعِل، وفعَل" اللذين قد يكون كل واحد منهما متعديا وغير متعد. فأُقرت في عين المضارع حركة عين الماضي؛ لأنه باب على حياله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فأما.
2 إنما: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: هو, بدل: يكون.

 

ج / 1 ص -189-        وأيضا فلم يدخل في مضارع "فعُل" كسر ولا فتح كما جاء "قتل يقتل، وفضل يفضل"؛ لأن "فعُل" لا يتعدى، فلم يقوَ قوة "فَعِل، وفَعَل" المتعديين، فدخلا عليه ولم يدخل عليهما.
وحكى سيبويه: "كدت أكاد" وهذا1 من الشاذ، وكأنه2 إنما جاء "كُدْت أكاد" على "فعُل يفعَل" لأحد أمرين:
إما أن يكون اجتُرئ عليه بأن أخرج عن بابه؛ لضعفه باعتلال عينه.
وإما أن يكون عُوِّض من اعتلال عينه، فقوي بضرب من التصرف ليس لنظيره.
ويجوز أن يكون لما أتى الماضي على "فعُل" وعينه ياء، فخرج عن الأصول، أُخرج أيضا مضارعه عما عليه الجمهور, أو لئلا تنقلب الياء في المضارع واوا وجعلهم الفتحة والكسرة في عين ماضي المتعدي أحد ما ينبه على بعد ما بين الكسرة والفتحة وبين الضمة.
ألا ترى أن الضمة جعلت لعين3 ضرب من الأفعال مباين لباب ما انفتحت4 عينه وانكسرت.
فإن قيل5: ولِمَ جعلت الضمة في هذا الباب دون الفتحة والكسرة؟
قيل5: لأن ما يتعدى من الأفعال أكثر مما لا يتعدى، فجعلت الضمة في عين ما لا يتعدى لقلته، وخصوا المتعدي بالفتح والكسر لكثرته وخفة الفتحة والكسرة هربا من أن يكثر من كلامهم ما يستثقلونه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وهو.
2 ظ، ش: فكأنه.
3 ظ، ش: العين, وهو خطأ.
4 ظ، ش: انفتح.
5، 5 ساقط من ظ، ش, وسقوطه يفسد المعنى.

 

ج / 1 ص -190-        وهذا نحو قول أبي إسحاق: إنهم إنما رفعوا الفاعل، ونصبوا المفعول؛ لقلة الفاعلين وكثرة المفعولين، فجعلوا الفتح فيما يكثر، والضم فيما يقل؛ لئلا يكثر في كلامهم1 ما يستثقلون, ولهذا2 خص ما لا يتعدى "بفعُل".
وقوله: إن الفاء في "وَعَد" تحذف في المضارع؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، كانت3 في التقدير: "يوعد، ويوزن".
معنى قولهم: الأصل في "قام وباع: قَوَمَ وبَيَعَ" ونحو ذلك:
وينبغي أن يعلم أنه ليس معنى قولنا: إنه4 كان الأصل4 في "قام، وباع: قَوَمَ وبَيَعَ" وفي "أخاف, وأقام: أخْوَفَ، وأقْوَمَ" وفي "استعان، واستقام: استعْون، واستقْوم" أننا5 نريد به أنهم قد6 كانوا نطقوا مدة من الزمان "بقوم، وبيع" ونحوهما مما هو مغير، ثم إنهم أضربوا عن ذلك فيما بعد.
وإنما نريد بذلك أن هذا لو نطق به على ما يوجبه القياس بالحمل على أمثاله, لقيل: "قَوَمَ، وبيع، واستقْوم، واستعْون".
ألا ترى أن "استقام" بوزن "استخرج", فقياسه أن يكون "استقوم" إلا أن الواو قُلبت ألفا لتحركها الآن7 وانفتاح ما قبلها في الأصل، أعني: "قَوَمَ", ويدل على ذلك أيضا ما يخرج من المعتلات على أصله.
ألا ترى إلى قولهم: "استرْوح, واستنْوق الجمل، واستَتْيست الشاة"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "في كلامهم": ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فهذا.
3 ظ، ش: وكانت.
4، 4 ظ، ش: "كان في الأصل".
5 ظ، ش: "أنا" بنون واحدة مشددة.
6 قد: ساقط من ظ، ش.
7 الآن: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -191-        فدل ذلك على أن أصل "استقام: استقْوَمَ". وقال1 الشاعر:

صددتِ فأطولْتِ الصدود وقلما                   وصال على طول الصدود يدوم

فقوله: "أطولت" يدل على أن أصل "أخاف: أخْوَفَ", وقد قالوا: "وأطال"2.
وقالوا: "أحوجت زيدا إلى كذا وكذا، وأغيَلَت المرأة" وغير ذلك.
فهذه الأشياء الشاذة إنما خرجت كالتنبيه على أصول3 ما غُيِّر، وأنه3 لولا ما لحقه من العلل العارضة، لكان سبيله أن يجيء على غير هذه الهيئة المستعملة.
وقوله: وجعلوا سائر المضارع تابعا لـ "يفعِل", فحذفوه4 لئلا يختلف المضارع في البناء.
حملهم الشيء على حكم نظيره:
يقول: حذفوه في قولهم "أَعِد، ونعد، وتعد" وإن لم تكن هناك ياء؛ لأنهم لو قالوا: "أنا أوعد، وهو يعد" لاختلف المضارع، فكان يكون مرة بواو وأخرى بلا واو, فحُمل ما لا علة فيه على ما فيه علة.
فهذا5 مذهب مطرد في كلامهم ولغاتهم, فاشٍ في محاوراتهم ومخاطباتهم أن يحملوا الشيء على حكم نظيره؛ لقرب ما بينهما، وإن لم يكن في أحدهما ما في الآخر مما أوجب له الحكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قال.
2 ص: طال.
3، 3 ظ: "ما غيروا أنه".
4 ظ، ش: فحذفوا.
5 ظ، ش: وهذا.

 

ج / 1 ص -192-        ومثل "يعد" قولهم: "أنا أُكرِم", فحذفوا الهمزة التي كانت في "أكرم"؛ لئلا يلتقي همزتان؛ لأنه كان يلزم: "أنا أؤكرم", فحذفوا الثانية كراهة1 اجتماع همزتين.
ثم2 قالوا: "نكرم2، وتكرم، ويكرم" فحذفوا الهمزة، وإن كانوا لو جاءوا بها لما اجتمع3 همزتان,ولكنهم أرادوا المماثلة، وكرهوا أن يختلف المضارع فيكون مرة بهمزة وأخرى بغير همزة، محافظة على التجنيس في كلامهم. وإذا كانوا قد حذفوا الهمزة الأصلية المفردة4 في نحو: "خُذْ، وكُلْ" فهم بأن يحذفوا الزائدة إذا كانت معها أخرى زائدة أجدر, وقد جاء في كلامهم5 مثل: "يُؤَفْعَل" أنشدوا:

فإنه أهل لأن يؤكرما

فجاء به على الأصل ضرورة. وقالت ليلى الأخيلية تصف قطا6:

تدلت على حص ظماء كأنها                    كرات غلام في كساء مُؤَرْنَب

أي: متخذ من جلود الأرانب, فقولها: "مؤرنب" على حد قوله: "يؤرنَب", ومثاله: "مؤفعَل"7 وهو كـ "يؤكرَم".
فأما قول الآخر:

وصاليات ككما يُؤثفَيْن


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كراهية.
2، 2 ظ، ش: "قالوا: إنا نكرم".
3 ظ، ش: اجتمعت.
4 ظ، ش: المنفردة.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6 ص: القطاة.
7 ظ، ش: يؤفعل.

 

ج / 1 ص -193-        فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مثل "يؤكرَم" ويكون على لغة من قال: "ثفَّيت القِدر", وعلى قول1 الشاعر:

وذاك صنيع لم تشف له قدري

ومن قال هذا كانت "أُثفِيَّة" عنده "أُفْعُولَة" واللام واو، لما سنذكره في موضعه، ويحتمل أن تكون ياء.
والوجه الآخر: أن يكون "يؤثفَين يفعلَين" بمنزلة "يسلْقين، ويجعْبين", فتكون "أثفية" على هذا "فُعْلِيَّة" وتكون على لغة من قال: "آثفت القدر" وهذا قول النابغة:

وإن تأثّفك الأعداء بالرفد

أي: صاروا حولك كالأثافي حول الرماد.
بناؤك مثل "دحرج" من "أخذ":
فأما لو بنيت مثل "دحرج" من "أخذ" لقلت: "أخذذ", فإن رددته إلى المضارع فقياسه عندي "يؤخذِذ، وأنا أؤخذِذ", فتبدل الهمزة من "أوخذذ" واوا لانضمام ما قبلها, ولا تقرها لئلا تلتقي همزتان في كلمة واحدة. ولا يجوز أن تقول: "يُخذِذ" بحذف الهمزة، كما تقول "يُكرِم" لعلتين:
إحداهما: أن هذا الفعل ملحق بـ "دحرج يدحرج", فلو حذفت الهمزة فقلت: "يخذذ" لزال الغرض المطلوب من الإلحاق وذهب البناء.
والعلة الأخرى: أن هذه الهمزة  في أخذذ" فاء الفعل، وهمزة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قول: ساقط من ظ.

 

ج / 1 ص -194-        "أكرم" زائدة. فلو قلت: "أنا أُؤكرم" لاجتمعت في أول الكلمة همزتان زائدتان. وأنت إذا قلت: "أنا أُوَخذذ" فالهمزة الثانية التي أبدلت منها الواو أصل ليست بزائدة, والأصل أقوى من الزائد؛ فلذلك أبدلتها ولم أحذفها.
ألا ترى: أن "جاءٍ، وشاءٍ1" ونحوهما من أسماء الفاعلين لما اجتمع فيها همزتان أبدلوا الثانية ولم يحذفوها, فكذلك أقول: "أنا أوخذذ", فأُبدل الثانية ولا أحذفها.
ولا أعلم أحدا من أصحابنا ذكر هذه المسألة إلى هذه الغاية.
فإن قلت: فقد قالوا: "أوعد يُوعِد، وأوقد يوقد" وما أشبه ذلك, فهلا قالوا: "وعد يوعد" على قياس "أوعد يوعد", بل "يوعد" أثقل؛ لأن ياءه مضمومة، وياء "يوعد"2 مفتوحة؟
فالجواب: أن "يوعد" أصله "يُؤَوْعِد" مثل "يؤكرم", فلما حذفوا الهمزة, لم يجمعوا على الفعل حذف الفاء أيضا. و"يعد" لم يحذف منه شيء غير الواو، فجاز ذلك، وهذا الفصل بينهما. وقد جوّد3 أبو عثمان القول في: "عدة، وزنة".
وقوله: ولأن المصدر قد يجري مجرى الفعل, يريد أنهم قد4 قالوا:" لُذْلت لياذا", فقلبوا الواو في المصدر5؛ لأنها قد انقلبت في "لاذ", ولما صحت في "لاوذت" صحت في "لِوَاذ"5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: جاءي وشاءي.
2 ظ، ش: يعد, وهو خطأ.
3 ظ، ش: جوز، بالزاي وهو خطأ.
4 قد: ساقط من ظ، ش.
5، 5 ظ: "لأنها قد انقلبت في لاوذت, صحت في لواذ" وهو كلام مضطرب. وش: "لأنها قد انقلبت في لاذ، وقالوا: لاوذت, فصحت في لواذ" وهو قريب من لفظ ص وبمعناه.

 

ج / 1 ص -195-        ومثله: "قُمت قِياما، وقاومته قِواما".
أو يريد: أن المصدر يجري مجرى الفعل, والغرض الأول أشبه. فهذا وغيره مما يدلك على مقاربة المصدر للفعل ومشابهته إياه.
ثبات الواو وهي فاء في المصدر الذي على "فَعْل" بفتح فسكون:
قال أبو عثمان:
فإن1 كان المصدر "فعلا" لم يحذفوا، نحو: "وعدا، ووزنا"؛ لأنه لم يجتمع ما يستثقلون, فثبت2 لذلك.
قال أبو الفتح: يقول: ليس في "وعدا" ما كان3 يكون في "وِعْدة" لو قيلت، يعني كسرة الواو, وأنه مصدر جارٍ على "فِعْل" محذوف الفاء4، فحمل المصدر على الفعل.
ثبات الياء وهي فاء في "يفعل" من "فعل":
قال أبو عثمان:
فإن قلت: "فَعَلَ" مما فاؤه ياء لم تحذف في "يفعِل"5 ما حُذف منه في الواو5؛ لأن الياء أخف من الواو, وذلك نحو: "يَعَرَ الجدي يَيْعِر، ويسر ييسر، وينع يينع" والمصدر يتم6 أيضا، ويختلف كما تختلف المصادر في الثلاثة ولا يلزمه الحذف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زادت ظ، ش في هذا الموضع بعد قال أبو عثمان: "فإن قلت".
2 ظ، ش: فثبتت.
3 كان: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: الياء، وهو خطأ.
5, 5 زيادة من ظ، ش.
6 يتم: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -196-        قال أبو الفتح: إنما كانت الياء أخف من الواو؛ لقربها من الألف, والواو ليست كذلك؛ لأنك تحتاج في إخراجها إلى تحريك شفتيك.
قال سيبويه: فجرى ذلك مجرى تحريكك بعض جسدك, والياء مخرجها من وسط الفم، والعمل فيها أخفى.
وحكى1 سيبويه على وجه الشذوذ: "يَئِسَ، يَئِسُ" بحذف الفاء، مثل "يَعِدُ".
وقوله: ويختلف كما تختلف المصادر في الثلاثة، يريد نحو "يعر الجدى يعارا، وينع الغصن ينوعا" ونحو ذلك.
وإنما ذكر هنا اختلاف المصادر؛ ليريك أنه يجري مجرى الصحيح، وأنه يخالف باب "وعد، يعد2". ألا ترى أنه صدر في أول الباب: أن مصدر ما فاؤه واو، إنما يكون على "فِعْلة" يريد: "عِدَة، وزنة" ولا يلزمه الحذف.
يريد: أنه ليس فيه ما يوجب الحذف لخفة الياء، وكأنهم إنما ألزموا مصدر باب "وعد: فعلة" مكسورة الفاء؛ لتحذف الواو في المصدر أيضا استثقالا لها.
إتمام "وعدة، وولدة":
قال أبو عثمان:
فإن بنيت "فِعْلَة" اسما لا تريد بها المصدر، أتممت فقلت: "وِعْدَة، وولدة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "حكى".
2 يعد: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -197-        قال أبو الفتح: يقول: إنك إنما كنت تحذف في "عِدَة، وزنة"؛ لأنهما مصدرا فعلين محذوفي الفاءين، فأجريت على المصدر حكم الفعل, وأنت إذا بنيت اسما لا مصدرا صح؛ لأنه ليس بجارٍ على فعل معتل جريان المصدر فتعله لذلك.
ولم تحذف الواو في "عدة، وزنة"1؛ لأنها مكسورة حسب, فتحذفها في: "وعدة" إذا بنيتها اسما، بل لأنها مكسورة, والمصدر جار على فعل محذوف الفاء. ألا ترى إلى صحتها في "وعاء، ووشاح، ووجاح" وما أشبه ذلك؛ لأنها ليست مصادر.
الكلام في "لِدَتى":
قال أبو عثمان:
فإن قلت: قد قيل: "هم لدتى2"؟ فإنما هذا مصدر وُصف به2, فتُرك على حذفه.
قال أبو الفتح: يقول: إنما وجب الحذف في قولهم: "هم لدتى"؛ لأنه كان قبل الوصف مصدرا. ثم وصف به، فبقي بحاله3, لا أن3 الحذف وجب فيه من غير المصدرية, ونظيره4 قول الخنساء4:

فإنما هي إقبال وإدبار


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وزنة: ساقط من ظ، ش.
2، 2 أمامه في هامش ظ: "لأنه كان قبل الوصف مصدرا, ثم وصف به، نسخة".
3، 3 ص: إلا أن, وظ، ش: لأن, والصواب ما أثبتناه وهو: لا أن.
4، 4 ظ، ش: قوله.

 

ج / 1 ص -198-        وقد قالوا في هذا المعنى: "ولدة، وإلدة", فأبدلوا الهمزة من الواو.
وهذا اسمان لا مصدران, و"لدتى" مصدر في الأصل. قال الشنفرى:

فأيمت نسوانا وأيتمت إِلْدَة                     وعدت كما أبدأت والليل أليل

واللِّدَة، والوِلْدَة، والإِلْدة جميعا: الأقران والأتراب.
المصدر إذا كان على "فِعْلَة" فالهاء لازمة له:
قال أبو عثمان:
واعلم أن المصدر إذا كان "فعلة" فالهاء لازمة له1؛ لأنهم جعلوها عوضا من حذفهم الفاء, فصارت لازمة كما لزمت في "زنادقة" الهاء؛ لأنها صارت عوضا من ياء "زناديق".
قال أبو الفتح: لو قال مكان هذا: واعلم أن المصدر إذا كان على ثلاثة أحرف وفاؤه مكسورة, وعينه ساكنة, فالهاء لازمة له؛ لكان أحسن في العبارة, ولكنه تسامح في اللفظ، وهو من عادة أهل العربية. ولهم أشياء كثيرة تُحمل على المسامحة, ولكنهم يفعلون هذا لأن أغراضهم مفهومة.
قولهم: كل اسم على "فُعْلُول", فهو مضموم الأول:
ونظير هذا الذي قاله أبو عثمان في التجوز, قولهم: وكل اسم على "فعلول", فهو مضموم الأول.
ونحن نعلم أنه لا يكون على "فعلول" إلا وأوله مضموم؛ لأننا قد لفظنا بالضمة في أول "فعلول".
والعبارة المستقيمة في هذا الموضع, أن يقال: كل اسم كان على خمسة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 له: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -199-        أحرف, وكانت عينه ساكنة، ولامه مضمومة، وبعدها واو، وبعد الواو لام أخرى، ففاؤه مضمومة.
وهذا المعنى يريدون، ولكنهم يختصرون.
يقول: فلا يجوز أن يكون المصدر على "فعل" بلا هاء، بمنزلة العلم والحلم, فلا يقال: "وَعَد، وِعْدا" ولا "وزن، وزنا".
وقوله: لأنهم جعلوها عوضا من حذفهم الفاء, يقول: لما وجب حذف الفاء، بنوا الكلمة على "فِعْلَة" وعوّضوا1 منها الهاء، كما فعلوا في "زنادقة", والهاء في "زنادقة" أشبه بالمحذوف؛ لأنها زائدة بدل من ياء زائدة, وهي في "عدة" زائدة بدل من فاء الفعل، وكلاهما مستقيم.
وأبدلت الهاء من الياء هنا، كما أبدلت منها في هذه.
وكما أبدلت الياء من الهاء في "دَهْدَيت"2, والأصل: "دَهْدَهت"2.
فإن قال قائل: فإذا كانت الهاء في "زنادقة" عوضا من الياء، فهلا منعت "زنادقة" الصرف في النكرة كما تمنعه "زناديق"؟
قيل: لا يلزم أن يكون البدل كالمبدل منه في جميع أحواله.
ألا ترى أن النون في "تقومان" إنما هي عوض من الضمة في "تقوم", وإن كانت النون تحتمل الحركة, والضمة ليست كذلك.
وكذلك الألف في الوقف في قولك: "رأيت زيدا" إنما هي بدل من التنوين الذي يكون في الوصل. ولا يجوز أن تحرك الألف على وجه, وقد يمكنك أن تحرك التنوين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فعوضوا.
2، 2 ظ: "والأصل في دهدهت" بزيادة في بين الكلمتين, وهو خطأ.

 

ج / 1 ص -200-        وكذلك قولهم: "مَعَايَا" إنما الألف بدل من الياء, ولا يلزم حذف الألف في الرفع والجر كما يلزم حذفها في "مَعَاي", وإنما1 يشبه الشيء بالشيء من حيث يشبهه, ويفارقه من حيث يفارقه, وليس يلزم أن يشبهه من كل وجه، وهذا محال.
"قد تجيء الكلمة على الأصل, ومجرى بابها على غيره":
قال أبو عثمان:
فإن2 قال قائل: قد قال تعالى2:
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}3, فوجهة ههنا مقدر, وقد جاءت على الأصل؟
فإنما قالوا هذا، كما قالوا: "رجاء بن حيوة", وكما قالوا: "ضَيْوَن" وكما قالوا:

قد علمت ذاك بنات أَلْبُبِهْ4

وكما قالوا: "لَحِحَت عينه"5, وقد كان ينبغي أن تكون "لَحَّت" مثل: "ردت، ومست"5.
فرب حرف يجيء على الأصل، ويكون مجرى بابه على غير ذلك.
قال أبو الفتح: قال لي6 أبو علي: الناس في "وجهة" على ضربين:
فمنهم من يقول: إنها مصدر شذ، كما ذهب إليه أبو عثمان. ومنهم من يقول: إنها اسم لا مصدر، بمنزلة "ولدة، وإلدة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فإنما.
2، 2 عن ص، ظ، إلا آخره وهو لفظ "تعالى" فإنه ساقط من ظ. وفي هامش ظ وفي ش: "فإن قيل: فقد قال الله تعالى".
3 من الآية 148 من البقرة 2.
4 زادت ص بعد الشعر: "جمع اللب".
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6 لي: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -201-        فأما من ذهب إلى أنها مصدر, فمذهبه فيه أنه خرج عن القياس كما خرج1 أشياء, منها ما ذكره أبو عثمان, ومنها غيره.
وأما من ذهب إلى أنها اسم، فإنه هرب إلى ذلك لئلا يحمله على الشذوذ ما وجد له مندوحة عنه.
إتمام مضارع فَعِل كفَرِح, إذا كانت فاؤه "واوا أو ياء":
قال أبو عثمان:
فإذا قلت: "فعل" مما فاؤه واو, ثم قلت: "يفعَل"؛ أتممت "يفعل" وأخواته؛ لأنه لم يجتمع في "يفعل" ياء وكسرة, فتقول: "وجل يوجَل، ووحل يوحَل" هذا هو2 المطرد في كلامهم الذي لا ينكسر. وكذلك إذا3 كانت الفاء ياء4 وكان الفعل "فَعِل", فإن "يفعل" يتم4, وهو في هذا أجدر أن يتم. إذ تم في "فعل" الذي لا يجيء "يفعَل" منه في الواو تاما البتة, وذلك قولهم: "يَئِس يَيْأس، ويبس ييبس".
قال أبو الفتح: يريد: أن "فَعَلَ" مما فاؤه ياء، قد تم في قولك: "يسر ييسر, ويعر ييعر", ولم نرهم أتموا مضارع "وعد ووزن" على وجه.
وإذا5 كان قد تم مضارع "فعل"6 في الياء6, مع أن مضارع "فعل" من الواو لم يتم البتة. يريد "يعد" فأن يتم مضارع "فَعِل" مما فاؤه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: تخرج.
2 هو: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: إن.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: فإذا.
6، 6 ظ، ش: بالياء.

 

ج / 1 ص -202-        ياء أجدر, إذ قد تم مضارع "فَعِل" مما فاؤه واو في قولهم1: "وحل يوحل, ووجل يوجل"1.
فلهذا كان "يَئِس ييأَس" أجدر من "وَحِل يوحَل".
وقوله: فهذا هو المطرد, يعني: أن هذا هو الكثير, وفيه لغات سنذكرها.
ما ورد عن العرب في مضارع "وجل":
قال أبو عثمان:
وقد قال قوم من العرب: "وجل يَيْجل، ووحل ييحل", وذلك أنهم استثقلوا واوا ساكنة بعد ياء، فأبدلوا منها ياء، وشبهوا هذا بـ "ميت" حين2 كرهوا "مَيْوِت" وإن كان ليس مثله.
وقد قال قوم: "يِيحل, وييجل" فكسروا الياء لتنقلب الواو ياء؛ لأن الواو الساكنة إذا انكسر ما قبلها أبدلت ياء، نحو: "مِيزان، وميقات, وميعاد" وهذا أقيس، وفيه بعد لكسرة الياء.
وقد قال قوم: "وجل ياجل", فجعلوها ألفا لانفتاح ما قبلها, وكرهوا الواو مع الياء.
قال أبو الفتح: قوله: وإن كان ليس مثله، يريد: أن "ميتا" إنما انقلبت واوه لوقوع الياء الساكنة قبلها, وأصله: "مَيْوِت، ويَوْجَل" بضد "مَيْوِت"؛ لأن الواو من "يوجَل" هي الساكنة والياء قبلها متحركة.
وهذا لا يوجب القلب، ولكن وجه الشبه بينهما اجتماع الواو والياء, وأن3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 زيادة من ظ، ش.
2 ظ، ش: حيث.
3 ظ، ش: أن.

 

ج / 1 ص -203-        إحداهما ساكنة، والأخرى متحركة. وهذا تشبيه لا يجب فيه القلب، ولكن فيه ضربا من التعلل بعد السماع.
وقوله: في قول من قال: "يِيجَل" وهذا أقيس، يريد: أن وجه القياس فيه أن قبل الواو كسرة، وهذا يجب فيه قلب الواو الساكنة ياء.
وقد ذكرت فيما مضى لِمَ لَمْ يكثر في كلامهم الابتداء بالياء المكسورة, فأما1 من قال: "ياجل" فنظير قوله2 قولهم: "حاحيت، وعاعيت" وأصله: "حَيْحَيْت، وعيعيت", فقلب الياء ألفا للتخفيف وإن لم تكن متحركة.
وقالوا: "داوِيَّة" في "دَوِّيَّة", فقلبوا الواو ألفا, وإن كانت ساكنة للتخفيف.
وقد أجاز الخليل مثل هذا في "آية" أن تكون الألف منقلبة عن ياء ساكنة، كأنها كانت "أيْيَة"3 وهو4 أحد قولي الخليل فيها.
قول الخليل فيمن قال: "مررت بأخواك، وضربت أخواك":
قال أبو عثمان:
وأخبرني أبو زيد النحوي قال: سألت الخليل عن الذين قالوا: "مررت بأخواك، وضربت أخواك؟" فقال: هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا في5 "ييأس: ياءس", أبدلوا الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون الذي يريده الخليل في هذا الموضع، أن الألف في "مررت بأخواك، وضربت أخواك" ليست بدلا من الياء في "ضربت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وأما.
2 قولهم: ساقط من ظ، ش.
3 ص: "أية" بالإدغام.
4 ظ، ش: وهذا.
5 في: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -204-        أخويك، ومررت بأخويك"؛ لأن1 ألف التثنية1 لا تكون منقلبة على وجه, ولكنه لما كان من لغته أن يقول في "ييأس: ياءس", وثبتت الألف2 في قوله: "قام أخواك" وجاء الجر والنصب, ترك الألف2 بحالها لا أنه قلبها ياء, ثم قلب الياء ألفا؛ لأنه3 لو كان قلبها ياء لأقرها ياء؛ لأنه إنما كان يقلبها ياء لتدل على النصب والجر, وهو4 إذا قلبها ألفا بعد أن قلبها ياء، فقد زال ما قصد له من إبانة علامة الجر والنصب.
فمن هنا كان تركه إياها5 ألفا وألا يقلبها ياء, ثم يقلبها بعد ذلك5 ألفا؛ هو الصواب عنده.
ومن قال: "ياءَسُ", فينبغي أن تكون الألف عنده منقلبة عن الياء؛ لأنها قد ثبتت في "يئس"6, فإذا صار7 إلى المضارع، فكأنه قدّره "ييأس" ثم قلب الياء ألفا.
فأما ألف الثتنية، فلم تكن8 قط ياء قبل الألف, ثم انقلبت الألف عنها، كما ثبتت في "يئس".
فهذا فرق ما بينهما، إلا أنهم في كلا الموضعين، إنما هربوا من الياء إلى الألف لخفة الألف.
وقوله: على قياس الذين يقولون في "ييأسُ: ياءَسُ", أبدلوا الياء ألفا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: "الألف في التثنية".
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: لأنها.
4 ص: وهذا.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: ييأس.
7 ظ، ش: صارت.
8 ظ، ش: تك.

 

ج / 1 ص -205-        لانفتاح ما قبلها, يريد: أنهم قلبوا الياء من "ييأس" ألفا، لا1 أنهم قلبوا الياء في: "مررت بأخويك" ألفا لما ذكرنا.
وإنما الألف في "ياءس" بدل من الياء المقدرة في "يَيْأس", وإن كان للذين يبدلون لغتان، حتى إنهم يقولون: "ييأس، وياءس" جميعا، فالألف في "ياءس" بدل من الياء في "ييأس" في لغتهم لا محالة؛ لأنهم قد نطقوا بالياء.
قول الحجازيين: "يَاتَزِنُ، وياتعد":
قال أبو عثمان:
ومثله قول العرب من أهل الحجاز: "ياتزن، وهم ياتعدون", فروا من "يَوْتَعِِدُون، ويوتزنون"2.
والذي بدأت لك به في صدر هذا الكتاب هو القياس, وهذه اللغات دواخل عليه، فافهم.
قال أبو الفتح: يقول: قولهم: "ياتزن" مثل "ياءس" في أن قلبوا الواو، وإن كانت ساكنة، كما قلبوا الياء وإن كانت ساكنة، وكما قلبوا الواو في "ياجَلُ" وكأنهم لما رأوا هذه الواو في "يوجَل" قد تُقلب ياء في قول من يكسر حرف المضارعة، وقول3 من قال: "ييجَل" ففتح4.
وقد تقلب الواو5 في قولهم: "اتَّزَنَ", وفي قول بعض أهل الحجاز: "ايتَزَنَ" اجترءوا عليها, فقلبوها ألفا في الموضعين، مع طلب الخفة. قال متمم:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "إلا", وهو خطأ.
2 ص: يوتزن.
3 ظ، ش: "ويقول", وهو خطأ.
4 ظ، ش: فيفتح.
5 الواو: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -206-                          فعيدك ألا تُسمعيني ملامة       ولا تنكئي قرح الفؤاد فَيِيجَعَا1

ويروى2: فإِيجعا، ويروى: فأوْجَعا.
لماذا أعل "يطأ، ويسع", وأمثالهما مما كان على "فعل يفعل":
قال أبو عثمان:
فإن قلت: فقد قالوا: "وَلِيَ الأمير يَلِي" و"وسع الشيء فهو يسع" و"وطئ فهو يطأ", فإن الخليل زعم أن هذا جاء في المعتل على "فعِل يفعِل" كما قالوا: "حسِب يحسِب".
وكان أصل "يسع: يوسِع", فلزم الواو الحذف كما لزمها في "يعد" فحُذفت، ثم فُتحت السين في "يسع" والطاء في "يطأ"؛ لأن العين والهمزة من حروف الحلق.
وحروف الحلق إذا كن لامات الفعل، فُتح لهن موضع العين، إذا كان "يفعل", فإذا كانت حروف الحلق عينات، فتحن أنفسهن أيضا. وربما جاء الفعل وهن فيه على الأصل.
ولهذا موضع سوى هذا, فذلك3 الذي منع من تفسيره.
قال أبو الفتح: إنما جاء أبو عثمان بهذه الزيادة على نفسه؛ لأنه قد تقدم من قوله: أن "فعِل" إذا كانت فاؤه واوا، أتممت "يفعَل" وأخواته.
يقول: فإن قلت: فهلا أتموا في "يسع، ويطأ، ويلي", إذ الماضي منها4 على "فعِل"؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحته في ظ بين السطور: "بكسر الياء".
2 ظ، ش: فيروى.
3 ظ: فلذلك.
4 ظ: "منهما" وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود على ثلاثة الأفعال.

ج / 1 ص -207-        فاحتج بما ذكره عن الخليل، من أنه جاء على "فَعِلَ، يَفْعِلُ", فصار حاله إلى مثل حال "يَعِد" من وقوع واوه بين ياء وكسرة.
وقد جاء مما فاؤه واو على "فعِل يفعِل" قولهم: "وثِق يثِق, وومق يمق، وورم يرم، وورث يرث، ووله يله, ووفق يفق، ووحر صدره يَحِر1 ويَوْحَر" جميعا، و"وغر يغر ويوغر" أيضًا، و"وغم يغم ويوغم" أيضًا2, و"وريت النار تَرِي" والفتح في "ورت"3 أكثر.
وقولهم: "وثق يثق، وورم يرم, ووله4 يله"4 وما أشبه ذلك مما لا يتعدى دلالة على صحة ما نذهب إليه في أن حذف الواو إنما وجب لوقوعها بين ياء وكسرة، لا لما يذهب إليه الفراء، من أنها إنما تحذف من الفعل المتعدي وحده نحو: "وعِد يعِد".
فأما قولهم: "يطأ، ويسع", فإنما حذفت الواو؛ لأن أصل حركة السين والطاء الكسر، وإنما الفتحة عارضة لأجل حرف الحلق.
ويدل على ذلك أيضًا5 أن أصل حركة العين الكسر دون الفتح، ظهور الكسرة، بحيث لا حرف حلق، نحو: "ولي يلي، وورم يرم".
وكأنه إنما جاءت مما فاؤه واو، حروف صالحة على "فعِل يفعِل" لتحذف الواو هربًا من6 استثقالهم لها6؛ لأنهم لم يكونوا ليصلوا إلى حذفها، وبعدها فتحة من أصل البناء، فجاءوا بها على "فعل يفعل" لتحذف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صدره: ساقط من ظ، ش.
2 أيضًا: زيادة من ظ، ش.
3 "في ورت": ساقط من ظ، ش.
4، 4 ظ، ش: "ووطئ يطأ".
5 "ذلك أيضًا": زيادة من ظ، ش.
6، 6 ظ، ش: استثقالها.

 

ج / 1 ص -208-        الواو، كما قال الآخرون: "يَيْجل, ويَاجَل" هربا من الواو, وهذا كله يدل على ثِقَل الواو.
ويؤكد ذلك1 شيء آخر، وهو أن جميع ما في كلامهم من "فعِل يفعِل" في الصحيح، فيه لغتان: يفعَل وهو الأصل، و"يفعِل" أيضا, نحو قولهم: "حسِب يحسَب ويحسِب، ونعم ينعم وينعم، ويبس ييبس وييبس، ويئس ييأس وييئس".
فهذا كله فيه لغتان: إحداهما2 الأصل وهي3 الفتح، والأخرى لضرب من الاتساع وهي الكسر4.
فاقتصارهم بما كانت فاؤه واوا, في أكثر ما ذكرنا على "فعِل يفعَل" دلالة على أنهم معنيّون بالكسرة، وإنما عنوا بها لتحذف الواو.
ألا ترى أن الياء أخت الواو, وقد أجازوا في مضارع "يبس ويئس" الفتح والكسر جميعا. ولم نرهم فعلوا ذلك في "يرم ويرث", بل ألزموه الكسر5 حفاظا على الكسرة التي عنها يجب حذف الواو المستثقلة.
وقوله: وربما جاء الفعل, وهُنّ فيه على الأصل.
يريد بذلك6: "هَنَأ يَهْنِئ7, وزأر الأسد يزئر، وسعل يسعُل، ونخل ينخل" ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ: "يدلك ذلك". و ش: "ويدلك على ذلك".
2 ظ: إحداها.
3 ظ، ش: وهو.
4 ظ، ش: الكسرة.
5 ظ، ش: الكسرة.
6 ظ، ش: به.
7 ظ، ش: "هنأ يهنأ".

 

ج / 1 ص -209-        يجيء مضارع الفعل الذي فاؤه واو على الأصل, إذا كان على "فعُل يفعَل":
قال أبو عثمان:
1وإذا كانت الواو فاء1، وكان الفعل على "فعُل يفعَل" جاء على أصله.
وذلك قولهم: "وضُؤ يوضُؤ، ووطؤ الدابة يوطؤ", فهذا يجري مجرى "ظرُف يظرُف", فأجْرِ هذا على ما ذكرت لك إن شاء الله.
قال أبو الفتح: سألت أبا علي وقت القراءة عن هذا، فقلت: هلا حُذفت الواو من "يوطؤ، ويوضؤ"؛ لوقوعها بين ياء وضمة, كما حذفت في "يعد" لوقوعها بين ياء وكسرة على أن الضمة أثقل من الكسرة؟
فقال: إنما جاء هذا تاما ولم يحذف واوه؛ لأن باب "فعُل" لا يأتي مضارعه إلا على بناء واحد, وهو "يفعُل" نحو: "ظرُف يظرُف, وشرف يشرف".
وما كان على "فَعَلَ", فإن مضارعه يختلف، نحو: "ضرَب يضرِب، وقتَل يقتُل، وسأل يسأل".
فلما كان مضارع "فعَل" يختلف, جاز حذف الواو فيه, نحو "يَعِد", ولما كان مضارع "فعُل" لا يكون إلا على "يفعُل" لم تحذف فاؤه2؛ لئلا يختلف الباب. وقد لوّح أبو عثمان إلى هذا المعنى بقوله: فهذا يجري مجرى "ظرف يظرف"3 أي: لا يختلف كما لا يختلف "ظرف يظرف"3 وشرف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: فإذا, وفي هامش ظ أمامها: فإذا كانت الفاء واوا, ومعنى العبارتين واحد.
2 ظ، ش: واوه.
3، 3 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -210-        يشرف, ولكنه لم يلخصه تلخيص أبي علي, ولمثل هذه المواضع يُحتاج -مع الكتب- إلى الأستاذين.
يجيء مضارع الفعل الذي فاؤه واو على الأصل إذا بني للمجهول:
قال أبو عثمان: وكذلك إن كان "يُفعَل" يتم أيضا, وذلك1 نحو: "وُعد يُوعَد, ووزن يوزن".
قال أبو الفتح: إنما صح "يوعد ويوزن" ونحوهما؛ لأنه جرى مجرى "يوجل"، و"يوحل" بانفتاح عينه, وكذلك قوله تعالى:
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}2 فحُذفت من "يلد" للكسرة, وثبتت في "يولد" للفتحة.
وفيه علة أخرى مع هذه, وهو أن مضارع "فُعل" لا يكون إلا على "يُفعَل" نحو "ضرب يضرب" فجرى ذلك مجرى "شرُف يشرُف" في لزوم مضارعه وزنا واحدا, فصحت في "يوعد" كما صحت في "يوطؤ"3 لئلا يختلف الباب، وهذا منتزع من قول أبي علي في "وضُؤ"4 و"يَوْضُؤ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذلك: زيادة من ظ، ش.
2 الآية 3 من سورة الإخلاص 112.
3 ظ، ش: يوطأ.
4 ظ، ش: يوطؤ.