المنصف لابن جني

ج / 1 ص -211-        قال أبو عثمان1:
باب من مسائل الياء والواو اللتين هما فاءات2:
وسأذكر من ذلك ما تستدل به على ما يرد عليك إن شاء الله، تقول في "فُعِل" من "وَعَدَ: وُعِدَ" وكذلك "فُعل" من "وزن: وزن"3, وكل ما كانت فاؤه واوا لا تبالي، أمن "فَعَلَ" كان أم من4 "فَعِلَ"، أم من5 "فَعُلَ" إذا مثَّلتَه، وإن6 كان "فعُل" لا يتعدى، وإن شئت همزت الواو فقلت: "أعد، وأزن", وكلما انضمت الواو من غير علة, فهمزها جائز في أي موضع كانت، إلا أن تكون لاما وتكون7 ضمتها إعرابا، أو تكون واوا انضمت لالتقاء الساكنين نحو:
{وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}8, و{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ}9, فإن همزة هذه الواو لا تجوز؛ لأن الضمة لعلة وليست الضمة أصلا.
بناء "فعل" للمجهول:
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد يجوز أن تبني "فعُل" للمفعول، ولكن لا يكون المفعول مفعولا صحيحا, وذلك نحو10 قولك: "ظُرِفَ10 في هذا المكان"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد: قال أبو عثمان: في ص بعد العنوان: باب من مسائل... إلخ.
2 ش: فاءان.
3 وزن: زيادة من ظ، ش.
4، 5 من: ساقط من ظ، ش في الموضعين.
6 ظ: وإذا.
7 لا ما وتكون: ساقط من ش.
8 الآية 237 من البقرة 2.
9 الآية 186 من آل عمران 3.
10، 10 ظ: "قولك في ظرف". وش: "قولك من ظرف".

 

ج / 1 ص -212-        كما تقول: "قد انقطع بالرجل"، وكل فعل لا يتعدى فهو متعد إلى الظروف1 وبحروف2 الجر, فإذا كان كذلك جاز أن تقيم الظروف والجار والمجرور مقام المفعول به, وإنما يريد أبو عثمان أن3 "فعُل" لا يتعدى إلى مفعول به، نحو "زيد وعمرو".
همز الواو المضمومة ضما لازما غير عارض:
وجملة القول في هذه الواو أنها متى انضمت ضما لازما غير عارض, فهمزها جائز حسن، نحو: "أُعِدَ" في "وُعِدَ" و"أزن" في "وزن" و"أَدْؤُر" في "أَدْوُر" و"سُرتُ سُئُورا" في "سُوُور". ومنه قوله تعالى:
{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}4, في "وُقِّتَت"5 وهي "فُعِّلَت" من الوقت.
وقالوا6: "أُجوه" في "وُجوه" ولم يجز مثل هذا في قولك: "هذه دَلْو"؛ لأن الضمة عارضة يزيلها النصب والجر, وكذلك قولك: "لو انطُلق بزيد لكان كذا وكذا". فالضمة في الواو ليست لازمة7 لأنها لالتقاء الساكنين، ولا تتوهمها حركة الهمزة إذا قلت: انطُلق؛ لأن هذه الهمزة لا تثبت في الوصل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الظرف.
2 ص: وحروف.
3 أن: ساقط من ظ، ش.
4 الآية 11 من المرسلات 77.
5 "في وقتت": ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: وقال.
7 ورد في ظ هذا الموضع بين كلمتي "لازمة" و"لأنها" ما يأتي: "لأنها ليست لازمة" وهي زيادة لا حاجة إليها.

 

ج / 1 ص -213-        وكذلك قولك: "قام1 أبوك أوُمُّك", فيمن حذف الهمزة من "أم"؛ لأن الحركة عارضة. إنما هي للهمزة ويزيلها التحقيق2, فلما لم تكن الحركة لازمة لم يعتد3 بها وخفت. ونظير هذا قولهم: "رُدّ واردُدْ", فإذا صاروا إلى التثنية فكلهم يقول: "رُدَّا", ولا يظهر التضعيف كراهة اجتماع متحركين.
وهم يقولون: اردُد الرجل وامدد الحبل؛ لما كانت حركة الدال الثانية غير لازمة وإنما هي لالتقاء الساكنين4 بمنزلة ضمة واو
{وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} و{اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} وقد قرئ هذا على ثلاثة أوجه: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} بالضم, "واشترَوِا الضلالة"5 بالكسر, "واشترَوَا الضلالة" بالفتح، والحركات كلها لالتقاء الساكنين4. فمن ضم فلئلا تشبه هذه الواوُ الواوَ التي في نحو قولك: "لو انطلقت لكان كذا وكذا" ومن كسر فعلى أصل حركة التقاء الساكنين. ومن فتح فإنه استراح إلى الفتحة لخفتها. والهمز في هذه الواو لا يجوز كما جاز في "أقتت"؛ لأن الحركة غير لازمة, إنما هي لالتقاء الساكنين.
فإن قيل6: ولِمَ اطرد الهمز في الواو المضمومة؟
قيل: لأن الضمة قد تجري مجرى الواو وهي واو صغيرة, كما أن الكسرة ياء صغيرة والفتحة ألف صغيرة، وهذه الحروف عن هذه الحركات تنشأ متى كن مدات، نحو "رسالة، وصحيفة، وعجوز"7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: نام.
2 ش: التخفيف.
3 ظ: يتعد, وهو خطأ.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 من الآية 175 من البقرة 2.
6 قيل: ساقط من ظ.
7 ظ، ش: عجوز.

 

ج / 1 ص -214-        وقد تحذف الواو للجزم كما تحذف الضمة في قولك: "لم يغزُ، ولم يدعُ", فجرى ذلك مجرى "لم يضرِبْ", فلما كانت الحركة1 مضارعة للحرف هذه المضارعة، صارت الواو المضمومة بمنزلة الواوين، فجاز همزها من حيث وجب همز جمع "واصلة", إذا قلت: "أَوَاصِل" وأصلها في التقدير: "وَوَاصِل"، ولم يكن فيها ثقل الواوين, فتلزم الهمز2 لا غير. بل لما كانت الواو المضمومة مشبهة للواوين, جاز فيها الهمز وتركه ولم يكن في ثقل الواوين فتلزم الهمز2. وهذا هو القياس ليكون بين المشبه والمشبه به فصل؛ لأنه ليس به، ولو كان إياه لما كان مشبها به.
ألا ترى أن ما لا ينصرف إنما مُنع الصرف لمشابهته الفعل, فمُنع ما لا يكون في الفعل وهو الجر والتنوين, ثم مع ذلك لا يبلغ أن يكون كالفعل من جميع وجوهه.
ألا ترى أن حروف الجر تدخل عليه، ويكون3 فاعلا وغير ذلك مما هو مختص بالأسماء, وغير جائز بالأفعال.
"جواز همز الواو المضمومة ضما لازما, إذا كانت حشوا":
فإن قيل: فإن الواو المضمومة ضما لازما إذا وقعت حشوا غير أول, جاز همزها نحو: "أدْوًر، وأسوق"4, ولا يجوز ذلك في الواوين إذا وقعتا حشوا.
ألا ترى أنك تقول في النسب إلى "نَوى، وطَوى: نَوَوِيّ، وطَوَوِيّ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الحرف، وهو خطأ.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ويكون: غير واضح في ص.
4 ظ، ش: سووق.

 

ج / 1 ص -215-        فلا تهمز, وإن اجتمعت واوان فقد صار إذًا يجوز في الواو المضمومة المشبهة1 بالواوين, ما2 لا يجوز في الواوين, فما تنكر أن تكون الواو المضمومة لم يجب همزها من حيث كانت مشبهة بالواوين لما أريتك.
قيل: لأن الواوين لا تجتمعان أولا إلا وإحداهما زائدة, فلما اجتمعتا وإحداهما زائدة ألزموها الهمز، وشبهت المضمومة بها فجاز همزها؛ لأن الضمة زائدة, وجاز إثباتها؛ لأنه لا تبلغ الحركة أن يكون لها حكم الحرف التام.
واو "نَوَوِيّ" ونحوه من الأصل:
فأما "نووي" ونحوه, فواوه من الأصل، وإحداهما3 بدل من بدل4 من الأصل، وعلى كل حال فليست زائدة5, فلم يكره اجتماع هاتين الواوين ونحوهما؛ لأنه ليست إحداهما زائدة5، هذا مع أن التغيير إلى الأطراف أسبق منه إلى الأوساط.
ألا ترى أنهم همزوا "أوائل" لقرب الواو من الطرف, ولم يهمزوها في نحو: "طواويس" لبعدها منه.
وقول أبي عثمان: ولا تبالي أمن "فَعَل" كان أم6 "فَعِل" أم7 "فَعُل" إن مثلته, وإن كان "فعُل" لا يتعدى؛ يدل على أن التمثيل للارتياض في الصنعة غير مكروه ولا محظور، وإنما المحظور من ذلك أن تبني مثالا تريد استعماله في نثر أو نظم، فحينئذ لا يجوز أن يكون ذلك المثال إلا مقيسا على أحد أمثلتهم المطردة المشهورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "التي هي مشبهة".
2 ظ: مما.
3 ظ، ش: أو إحداهما.
4 من بدل: ساقط من ظ، ش".
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6، 7 في ظ، ش: أو، في الموضعين.

 

ج / 1 ص -216-        لا يهمز نحو "يُسِرَ، ويُمِنَ":
قال أبو عثمان:
فإذا قلت: "فُعِلَ" من الياء التى هي فاء, لم تهمز الياء, وذلك قولهم: "يسر، ويمن". وقال أبو علي: "يُسْر، ويُمْن" والأول أشبه؛ لأن الضمة في الياء أخف منها في الواو.
قال أبو الفتح: إذا ثبت أن الواو المضمومة بمنزلة الواوين, فينبغي أن تكون الياء المضمومة بمنزلة اجتماع الواو والياء، وهذا لم نرهم همزوه. ألا تراهم قالوا: "وَيْل, وويح, وويس، وويب" فلم يهمزوا شيئا من ذلك؛ لأنه لم يجتمع فيه واوان.
وقالوا فيما سبقت ياؤه "يَوْم، ويُوح" في اسم الشمس كذا يرويه الناس, وكذا1 رأيته بخط أبي العباس محمد بن يزيد -رحمه الله- بالياء2.
3 وحكي عن ابن الأنباري3 أنه قال: هو بالياء، وكان يقول فيه: "بوح", فرُدّ عنه غير دفعة, فقال4: هكذا وجدته في كتابي, والغلط إلى5 الواحد أسرع منه إلى الجماعة.
فلما كانت الياء والواو قد اجتمعتا أولا ولم يجب الهمز, بل لم يجز, كانت الياء المضمومة أبعد من جواز الهمز فيها, وانضاف إلى أن الياء ليست

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكذلك.
2 رحمه الله بالياء: ساقط من ظ، ش.
3، 3 في ظ، ش: حكى ابن الأنباري.
4 ظ، ش: قال.
5 ظ، ش: في.

 

ج / 1 ص -217-        في ثقل الواو اختلاف1 الحرفين في: "يوم، وويل", وعدم التضعيف المكروه في أول الكلمة, فلم يجز الهمز.
إذا اجتمعت واوان في أول كلمة, همزت أولاهما:
قال أبو عثمان:
وإذا اجتمعت واوان في أول كلمة, فلا بد من همز الأولى منهما، وذلك أنك لو بنيت مثل "كوكب، أو كوثر" من "وعد، ووزن", كنت تقول: "أَوْعَد، وأوزن", وأصل هذا: "وَوْعَد، ووزن" ولكن التضعيف في أول الكلمة لا يكاد2 يكون, فكرهوا ترك الواوين لذلك.
التضعيف في أول الكلمة قليل:
قال أبو الفتح: اعلم أن التضعيف في أول الكلمة عزيز قليل، وإنما جاءت3 منه أحرف معلومة، نحو: "دَدَن وكَوْكَب" وأكثر ما يجيء4 بالفصل بين الحرفين نحو: "دَيْدَن، ودَيْدَبون، ودَوْدَرّى", فلما قل التضعيف بالحروف الصحاح في أول الكلمة, امتنع في الواو لثقلها، فمن هنا وجب الهمز في "أوعد، وأوزن".
ولو جمعت "واقدا", لقلت: "أواقد", وأصله: "وَوَاقد" فهمزت الأولى؛ لاجتماع الواوين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: واختلاف.
2 يكاد: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: جاء.
4 ص وهامش ظ: يجيء. وظ، ش: يكون.

 

ج / 1 ص -218-        ومثله قول الشاعر:

ضربت صدرها إليَّ وقالت                       يا عديا1 لقد وَقَتْك الأواقي

فالأواقي2 جمع "واقية", وأصلها: "وواق"3 فهُمزت الأولى، ولو سميت رجلا "بأوعد، وأوزن" هذين لصرفته في المعرفة؛ لأنه "فَوْعَل" بمنزلة" كوثر".
إن كانت ثانية الواوين في أول الكلمة مدة, جاز همز الأولى وعدم همزها:
قال أبو عثمان:
فإن كانت الواو الثانية مدة, كنت في الأولى بالخيار: إن شئتَ همزتَ الأولى, وإن شئت لم تهمز. نحو: "فُوعِل" من "وَعَدَ" تقول: "وُوعِدَ", ومثله قوله تعالى:
{وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}4 وإن شئت همزت، وليس الهمز من أجل اجتماع الواوين في أول الكلمة. لو كان كذلك لم يجز إلا الهمز, ولكن لضمة الواو يجوز الهمز. ومثل ذلك قوله جل ثناؤه5: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}6، والأصل عندنا7: "وقتت"؛ لأنها "فُعِّلت" من الوقت, ولكنها أُلزمت الهمز لانضمامها، ولو كانت في غير القرآن لكان ترك الهمز جائزا.
قال أبو الفتح: معنى قوله: إن كانت الثانية مدة, يعني أن تكون ساكنة قبلها ضمة, وتكون مع ذلك منقلبة عن ألف أو بمنزلة المنقلبة عن ألف8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يا عدي.
2 ظ، ش: والأواقي.
3 وأصلها وواق: ساقط من ظ، ش.
4 من الآية 20 من الأعراف 7.
5 ظ، ش: تعالى. وهامش ظ: عز وجل.
6 الآية 11 من المرسلات 77.
7 عندنا: ساقط من ش.
8 ظ، ش: الألف.

 

ج / 1 ص -219-        فالمنقلبة عن الألف نحو قولك في "واعَدَ1: وُوعِد".
والتي هي بمنزلة المنقلبة نحو بنائك من "وَعَدَ" مثل "حَوْقَلَ، وبَيْطَر: أوْعَد ووَيْعَد" تهمز الأولى في "أوْعَد"؛ لاجتماع الواوين وتقرها في "ويعد"؛ لأنه لم تجتمع واوان.
فإن بنيت الفعل للمفعول قلت فيهما جميعا: "وُوعِد", فجريا مجرى فُعِلَ من فاعل من "وَعَدْت", إذا قلت: "وُوعِد" كما جرى "حُوقل وبُوطر" مجرى "قُوتل وشُوتم"؛ لأنهما محمولان على "فاعَلَ"لانضمام ما قبل الواو وسكونها.
فإذا اجتمعت الواوان هكذا, لم يجب قلب الأولى لاجتماعهما؛ لأن الثانية2 مدة، فجرت مجرى ألف واعد، فكما لا يجوز همزها في "واعَدَ", كذلك لم يجب3 همزها في "وُوعِدَ", ولكن إن شئت همزتها لأنها مضمومة.
فأما إن4 كانت الواو الثانية من أصل الكلمة, همزت الأولى لا محالة.
ألا ترى إلى قولهم: "الأولى" في تأنيث "أول" ألزموه الهمز؛ لأن الواو الثانية عين الفعل بمنزلة الصاد من5 "القصوى", والنون من "الدنيا" وليست منقلبة عن ألف.
وتقول: إن الواو الثانية في "وُورِي" إنما هي منقلبة عن ألف "وارى", فلم6 يجب همز الأولى؛ لأن الثانية غير لازمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أوعد.
2 ظ، ش: الثلاثة.
3 ظ، ش: لم يجز.
4 ظ، ش: إذا.
5 ظ، ش: في.
6 ظ، ش: لم.

 

ج / 1 ص -220-        ألا ترى أنك إذا بنيت الفعل للفاعل الذي هو الأصل قلت: "وارى", فزالت الثانية, وإن شئت همزت لانضمام الواو.
وقوله في "أقتت", ولكنها أُلزمت الهمز لانضمامها, ليس يعني به أن الضم موجب للهمز, بل يريد أنه مجوز للهمز؛ لأنه قد بين هذا في أول الفصل, فيقول1: إنها ألزمت الهمز لانضمامها2 في أكثر الأمر, وإن كان ترك الهمز جائزا كما يجوز أشياء كثيرة في القياس وإن لم يرد بها الاستعمال، على أن أبا عمرو قد قرأ "وُقِّتَت" بلا همز.
قلب الياء الساكنة واوا إذا انضم ما قبلها:
قال أبو عثمان:
واعلم أن الياء إذا كانت فاء فمجراها مجرى سائر الحروف, إلا في أشياء سأذكرها لك إن شاء الله، تقول في "مُفْعِل" من "يَئِس" "مُوئِس", فتبدل الياء واوا لانضمام ما قبلها. ومثل ذلك "موقن، وموسر"؛ لأنهما من "أيسر، وأيقن", فعلت ذلك بالياء حين انضم ما قبلها, كما أُبدلت الواو ياء لانكسار ما قبلها في "ميزان, وميقات" فهذا سبيل الياء هنا, ولها علة3 خاصة ستذكر إن شاء الله.
قال أبو الفتح: لما كان بين الياء والواو من الاشتراك والتقارب ما لا خفاء به. ثم ذكر في هذه الفصول التي قبل هذا ما يجري على الواو من الحذف والتغيير، أراد أن يذكر حال الياء ويميزها من الواو في كثرة اعتلالها أولا, فأخرجها من حكمها. واعلم أنها تجري مجرى الصحيح في أكثر الأمر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ويقول.
2 لانضمامها: زيادة من ظ، ش.
3 علة: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -221-        إلا ما استثنى به مما ذكره, ومما سيأتي به لتمتاز الياء من الواو في هذا الموضع إلا فيما يشاركها فيه وتتخلص منها, وإنما وجب قلب1 الياء الساكنة واوا إذا انضم ما قبلها؛ لأنها لما سكنت ضعفت فقوِيت الضمة قبلها على قلبها, كما انقلبت في "ميزان" الواو ياء لانكسار ما قبلها, وضعفها بالسكون.
يدلك على ذلك أنها إذا تحركت جرت على أصلها، وذلك قولك: "مُيَيْقِن" فتثبت ياء، وكذلك "حِوَل، وطِوَل" صحت الواو وإن انكسر ما قبلها؛ لأن الحركة في الحرف تقويه والسكون يضعفه.
ألا ترى أنك تقول: "عنبر، وشنباء" فتقلب النون ميما في اللفظ لوقوعها ساكنة قبل الباء, فإذا تحركت صحت، وذلك قولك: "عِنَب، وشَنَب".
لو بنيت مثل "يَفْعُول" من وعد، و"يئس" لم يغير:
قال أبو عثمان:
ولو بنيت مثل "يعسوب" من "وعد" لقلت: "يَوْعُود", وكذلك من "يئس: ييئوس" لا تغير واحدة منهما؛ لأنه لم يجئ أمر يغيران له.
قال أبو الفتح: يقول: لم تجتمع في أول "يَوْعُود" ولا "يَيْئُوس" واوان, فتُهمَز الأولى كما تهمز الأولى من الواوين إذا اجتمعتا أولا.
ماذا تصنع لو بنيت مثل "فُعْلُول" منهما؟:
قال أبو عثمان:
ولو بنيت مثل "عصفور" لقلت: "وُعْدُود", إلا أنك إن شئت همزت الواو الأولى2 لانضمامها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: انقلاب.
2 الأولى: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -222-        ولو بنيتها1 من "يئس" لقلت: "يُؤْسُوس", فضممت الياء وأسكنت الهمزة حتى يكون الوزن واحدا، فما سئلت عنه فعلى هذا مجراه, فأجرِهِ على ما أجرته العرب إن شاء الله.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في جواز همزة الواو المضمومة؛ فلذلك جاز في "وُعْدُود: أُعْدُود", ولا2 يجوز أن تهمز الياء في "يؤسوس"؛ لأن الضمة في الياء أخف منها في الواو.
بناء "افتعل" وما تصرف منه مما فاؤه واو أو ياء:
قال أبو عثمان:
واعلم3 أن "افْتَعَل، ومُفْتَعِلا" وكل ما تصرف منه إذا بنيته مما فاؤه واو أو ياء, فأكثر العرب وهي اللغة المشهورة الشائعة يبدلون مكان الواو والياء4 تاء, ثم يدغمونها في التاء التي بعدها، وذلك قولهم: "اتَّزن ، ويتّزن، فهو متزن".
وكذلك الياء، تقول: "اتّأس" فهو "مُتَّئِس" و"يتَّئس", وكذلك جميع هذا لو بنيته من "وجل، ووضؤ" لقلت: "اتّجل، واتّضأ".
وإنما فعلوا هذا بالواو والياء في هذا من قبل أنهم لو تركوهما على أصولهما تَبِعا ما قبلهما, وكنت تقول: "ياتَئِس، وياتزن، وموتزن، وموتئس", وتقول5 إذا أمرت: "ايتئس، وايتزن", فكان ذلك يثقل عليهم؛ لأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ظ، ش: بنيت.
2 ظ، ش: لا.
3 ظ، ش: اعلم.
4 والياء: ساقط من ش.
5 فوق الواو من: "ويقول". في ظ: كما.

 

ج / 1 ص -223-        الواو والياء ليستا عندهم كسائر الحروف، والحركات فيهما1 مستثقلة -وسنبين ذلك إن شاء الله- فأبدلوا مكانهما2 حرفا أجلد منهما, مخرجه من مخرج الذي بعده؛ ليثبت على هيئة واحدة في جميع ما تصرف منه, وكان ذلك أخف عليهم من أن يتبعا ما قبلهما.
قال أبو الفتح: يقول: لما كان تركهم الباء والواو في "افتعل" غير مدغمين3 يُلزِمهم قلبهما4 تارة كذا وتارة5 كذا، أرادوا إبدالهما حرفا أقوى منهما يؤمن انقلابه, فقُلبا6 إلى لفظ ما بعدهما وهو التاء؛ فلذلك قالوا: "اتزن، واتأس".
ومعنى قوله: إن الواو والياء ليستا كسائر الحروف؛ لأنك لو قلت في قافية "خير" وفي قافية "شر" لم يجز لمكان الياء في "خير", وذلك أن الواو والياء أختان للألف ومشبهتان بها لما فيهما من المد؛ ولذلك جعلوهما أردافا قبل حرف الروي، نحو قول قطري بين الفجاءة:

من الخفرات البيض لم أر مثلها                     شفاء لذي داء ولا لسقيم

وكذلك قول امرئ القيس:

قد أشهد الغارة الشعواء تحملني               جرداء معروقة اللحيين سرحوب

فالياء في "سقيم", والواو في "سرحوب" مشبهتان بالألف في نحو قوله:

تهوي كجندلة المنجنيق ير                       مى بها السور يوم القتال


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيها.
2 ظ: مكانها.
3 ظ، ش: مدغمتين.
4 ظ: قبلها. ش: قلبها، والأول تصحيف.
5 ظ، ش: وأخرى.
6 ظ، ش: فقلبتا.

 

ج / 1 ص -224-        وهذا كله أرداف، ومعنى أرداف أن الصوت يمتد بها قبل حرف الروي؛ لأنهم لما كان من عادتهم أن يترنموا في أواخر الأبيات بامتداد الصوت, جاءوا بالألف والياء والواو أيضا قبل حرف الروي؛ ليمتد بها الصوت كما وصلوا بالألف والياء والواو بعد حرف الروي في نحو قوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي

وقوله:

سُقيتِ الغيث أيتها الخيامو

وقوله:

أقلِّي اللوم عاذل والعتابا

وأصل الردف للألف1، والياء والواو مشبهتان بها.
يدلك2 على ذلك أن الألف لا تخرج من المد, والواو والياء تخرجان من المد بأن تتحركا، أو تكون قبل كل واحدة منهما حركة من غير جنسها.
وهذا باب يطول وسأستقصيه3 في شرح كتاب القوافي عن أبي الحسن, إن شاء الله.
فلهذا وغيره4 ما قال أبو عثمان: إن الياء والواو ليستا كسائر الحروف.
وقوله: والحركات مستثقلة فيهما5, إنما استُثقلت الحركات فيهما؛ لأنهما مشبهان للألف والألف لا تتحرك6 أبدا، فلما أشبهتا ما لا يتحرك أبدا وجازت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الألف.
2 ظ، ش: يدل.
3 ظ، ش: وسأقتصه.
4 ظ، ش: ولغيره.
5 ظ: فيها.
6 ظ، ش: تحرك.

 

ج / 1 ص -225-        فيهما الحركة, جازت على مشقَّة, ولم تكن فيهما مثلها في سائر الحروف التي لا تمتنع فيها1 الحركة, ولم تبلغا قوة الألف في اللين فتمتنع الحركة فيهما أصلا.
ألا ترى أنك تقول في جمع "قَصْعَة، وجَفْنَة: قَصَعَات، وجَفَنَات" فتحرك العين، ولا تقول في "بَيْضة، وجوزة" إلا "بيضات، وجوزات" بالإسكان2, فهذا مما2 استُثقلت فيه الحركة فيهما.
إبدالهم التاء مكان الواو, وليس بعدها تاء:
قال أبو عثمان:
ومع هذا, إنهم قد أبدلوا التاء مكان الواو وليس بعدها تاء, فقالوا3: "أتْلَجَ يُتْلِج، وأتْكأ يُتكِئ، وهذا أتقى من هذا, وتقية" وإنما4 أصله: "أولج، وأوكأ"؛ لأنهما من "تولجت وتوكأت، وأتقى من وقيت4، وتقية من وقيت", فهي فعيلة منه5, ولكنهم أبدلوا التاء مكان الواو, فكان ذلك أخف عليهم.
قال أبو الفتح: يقول: إذا كانوا قد أبدلوا التاء مكان الواو في هذه المواضع التي لا تاء بعد الواو فيها لضرب من الاستخفاف, فهم -بأن يبدلوها تاء في باب افتعلت لتدغم التاء المبدلة في تاء افتعل, ويؤمن انقلابها وإتباع ما قبلها من الحركات- أجدر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: منها.
2، 2 ظ، ش: فلهذا ما.
3 ظ، ش: قالوا.
4، 4 ما بينهما عن ظ، ش، وفي ص ما يأتي: "أصل أتلج أولج, وأتكأ أوكأ؛ لأنها من توكأت وولجت، وأتقى من توقيت".
5 ص: منها.

 

ج / 1 ص -226-        رأي الخليل أن "تولجا فَوْعَل لا تَفْعَل":
قال أبو عثمان:
وزعم الخليل أن قوله:

متخذا من عِضَوَات تَوْلَجا

إنما هو "فوعل" من "ولجت" وليس بـ "تفعل1"؛ لأن "تفعلا" في الأسماء قليل و"فوعلا" كثير، ولكنه علم أنه لو جاء بالواو على أصلها, لزمه أن يبدلها همزة؛ لئلا تجتمع واوان في أول كلمة فأبدل التاء لكثرة دخولها على الواو في2 باب "وَلَجَ", حين قالوا: "أتلج، ومتلج، وهذا أتلج من هذا" ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات.
قال أبو الفتح: يقول: إذا كانوا قد أبدلوا الواو تاء في "أتلج، ومتلج، وهذا أتلج من هذا", ولو جاءوا بها3 لما لزمهم حذف ولا قلب، فأن يبدلوها تاء -في حرف من هذا الباب الذي قد اطرد فيه القلب، ولو لم تبدل فيه تاء لوجب إبدالها همزة- أجدر، وهو "تولج"؛ لأنه لو لم يبدلها تاء للزمه أن يقول: "أولج" لاجتماع واوين.
وقوله: "ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات" يريد به: لم تؤخذ هذه اللغة إلا عن4 الثقات.
قال أبو علي: لأن العلل لا يُحتَاج فيها إلى ذكر الثقة, كما يُحتَاج إلى ذلك في الرواية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: تفعل.
2 الواو في: ساقط من ظ، ش.
3 ظ: بهما، وهو خطأ.
4 ظ، ش: من.

 

ج / 1 ص -227-        تَيْقُور "فَيْعُول" من الوقار:
قال أبو عثمان:
وقال1 الخليل: ومثل ذلك قوله:

فإن يكن أمسى البِلَى تَيْقُوري2

إنما هو "فيعول" من الوقار، وسألت الأصمعي عن ذلك فقال: كذلك قول الأشياخ، وجعلوا التاء تابعة للواو في هذا؛ ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول التاء عليها.
قال أبو الفتح: أصل "تَيْقُور" على هذا: "وَيْقُور", فأبدل3 الواو تاء كما قالوا: "تقية" والأصل: "وَقِيّة", وتُقاة وأصلها "وُقاة" وأشباه ذلك.
قال أبو علي: معناه: فإن يكن أمسى البلى وقاري.
ويريد أنهم أدخلوا "اتّأس" على "اتّزن", فجعلوا الياء محمولة على حكم الواو في هذا الباب, لا في باب "تقية، وتُجاه، وتَوْلَج"؛ لأنا لم نرهم أبدلوا الياء المنفردة4 من تاء افتعل تاء وهي فاء, إنما فعلوا ذلك وهي لام نحو: "كَيْتَ، وذيت, وثنتان".
وأصل قلب الفاء تاء، إنما هو للواو ثم دخلت الياء عليها5. ألا ترى أنك لا تجد5 في باب "تقية، وتجاه" شيئًا من الياء.
يقول: فلما كانت الياء تدخل على الواو كثيرًا، وتمال الواو إليها -نحو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قال.
2 في هذا الموضع من ص: "يعني وقاري", وهي فيها إلى الهامش أقرب، وهي تفسير يمكن الاستغناء عنه بما بعده في الصلب.
3 ص: فأبدلوا.
4 ظ، ش: المفردة.
5، 5 ظ، ش: "إلا أنك لم تجد", وفي هامشهما: "لا تجد، نسخة".

 

ج / 1 ص -228-        "أغزيت، ومغزيات" وغيرهما- أمالوا الياء إلى حكم الواو في باب "اتّزن واتّأس" لضرب من التعادل.
وإنما قُلبت الواو تاء في هذا كله؛ لقرب مخرجها من مخرجها، ثم لما أرادوه1 من الإدغام المأمون معه أن يتبع الحرف ما قبله.
بعضهم لا يبدل فاء "افْتَعَلَ" وما تصرف منه تاء, إذا كانت واوا أو ياء:
قال أبو عثمان:
وبعض العرب من أهل الحجاز ممن يُوثَق2 بعربيته لا يبدل الواو، والياء تاء في هذا الباب, ويجعلهما تابعتين لما قبلهما كما ذكرت لك، يقولون: "مُوتَزِن, وموتئس، وياتَزِن، وياتئس3، واتَّزن, واتزر4, إذا أمرت"5, ولم يتنكب ما تنكب الأولون، والأولى أكثر وأقيس.
قال أبو الفتح: أهل هذه اللغة على قلتها, جروا على أصل الباب ولم يُبدلوا الفاء تاء؛ وذلك أنهم لما رأوا الواو والياء إذا كانتا فاءين في غير هذا الموضع قد تَتْبعان ما قبلهما أتبعوهما هنا. ألا تراهم يقولون: "ايجَلْ، وايحَلْ6, وهو ياجل، وياحل", فلما فعلوا هذا في غير هذا الموضع, كذلك فعلوه ههنا أيضا.
إبدال الواو المكسورة في أول الكلمة همزة:
قال أبو عثمان:
واعلم أن الواو إذا كانت أولا وكانت7 مكسورة، فمن العرب من يبدل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أرادوا.
2 ظ: "ممن لا يوثق" وفوق "لا": فيها, نسخة.
3 ياتئس: ساقط من ظ، ش.
4 واتزن: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: أمر.
6 ظ: إيجل.
7 ظ: كانت.

 

ج / 1 ص -229-        مكانها الهمزة, ويكون ذلك مطردا فيها, فيقولون1 في "وِسادة: إِسادة", وفي "وعاء: إعاء", وفي "الوفادة: إفادة".
وزعم سيبويه2 أنه سمعهم ينشدون2:

إلا الإِفَادَة فاستلوت ركائبنا                     عند الجبابير بالبأساء والنعم

ويروى:

أما الإِفَادَة فاستلوت ركائبنا3

ويقولون: "إِشَاح في وِشَاح", ولا يهمزونها مكسورة إذا كانت غير أول، لا يقولون في "طويل, وعويل" ونحو ذلك إلا بالواو.
قال أبو الفتح: إذا كان قد صح أن الواو المضمومة إنما هُمزت؛ لأنها أشبهت الواوين وجرت الضمة فيها مجرى الواو، فالواو المكسورة على هذا يجب أن تكون مشبهة باجتماع واو وياء نحو: "ويح، وويل، ويوم، ويوح".
وإذا كان الأمر كذلك, فقد كان القياس في الواو المكسورة ألا تهمز, كما لا يجب الهمز إذا اجتمعت الواو والياء نحو "وَيْح، ووَيْل", ولكن المكسورة في هذا محمولة على حكم المضمومة؛ لأن الكسرة مستثقلة في الواو كما أن الضمة فيها كذلك. فمن هنا لم يطرد الهمز في الواو المكسورة اطراده في المضمومة.
ولم يجز الهمز في الواو المكسورة إذا وقعت وسطا, كما جاز في الواو المضمومة4 نحو "أدؤر، وأسوق"5؛ لأن المكسورة ليست في ثِقَل المضمومة, والهمز في الطرف أسوغ منه في الحشو.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيقول.
2، 2 ص وهامش ظ: "أنه سمعهم ينشدون" وظ وش: "أنهم ينشدون".
3، 3 زيادة من ظ، ش.
4 المضمومة: ساقط من ظ، ش.
5 ص: سئوق.

 

ج / 1 ص -230-        ألا ترى إلى كثرة زيادة الهمزة1 أولا نحو: "أسود، وأخضر، وأحمر، وأبيض" وقلتها زائدة حشوا في نحو: "شمال، وشأمل".
وكذلك هي في باب "حَمْرَاء، وصفراء، وعُشَرَاء، ورُحَضَاء" كثيرة أيضا2؛ لأنها طرف وإن كانت بدلا من زائدة, فإنها3 هي أيضا زائدة، فهذا مما يدلك على أن الهمزة4 أكثر ما تجيء في الأطراف؛ فلذلك لم يجز همزها مكسورة غير أول على وجه.
وأجاز أبو إسحاق في قولهم: "مصائب" أن تكون الهمزة بدلا من الواو المقدرة في مَصَاوِب، وخالف النحويين أجمعين في أن "مصائب" من الشاذ, وقال: ليس كما ذهبوا إليه, بل الهمزة في "مصائب" بدل من الواو في "مصاوب".
ورد عليه أبو علي ذلك, وقال: إن الواو المكسورة لم تُهْمَز غير أول في غير هذا الموضع, فيحمل هذا عليه، وإذا كان همزها وهي أول غير مطرد, فهمزها حشوا خطأ. والقول عندي كما ذهب إليه أبو علي.
وقرأ سعيد بن جبير: "ثم استخرجها5 من إعاء أخيه"6.
وسألت أبا علي وقت القراءة, فقلت: هلا أجزت أن يكون قولهم: "إِشَاح، ووِشَاح" لغتين, لا أن الهمزة بدل من الواو كما تقول: "أكَّدت العهد, ووكَّدته"؟
فقال: إجماعهم على "مُوشّح" بلا همز, دلالة على أن الواو هي الأصل, ولم نرهم اجتمعوا في موضع من "وكّدت" على الواو, فنحكم بأن الهمزة فيها7 بدل من الواو, وهذا صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الهمز.
2 أيضا: ساقط من ظ، ش.
3 ش: فإنما.
4 ظ، ش: الهمز.
5 ص: فاستخرجها, وهو خطأ.
6 من الآية 76 من سورة يوسف 12.
7 ظ: فيهما.

 

ج / 1 ص -231-        ويدل1 عليه أنهم قد قالوا: "التوكيد، والتأكيد", فهمزهم "التأكيد" يدل على أن الهمزة أصل غير مبدلة، إذ لم نرهم أبدلوا الواو الساكنة همزة.
فأما قولهم: "إِجَاح, ووِجَاح" في الستر، فكل واحد منهما أصل وليست الهمزة بدلا من الواو عندي. يدل على ذلك قولهم2 في معناه2: "أجاح، ووَجاح", فقولهم: "أجاح" بالفتح، يدل على أن الهمزة أصل غير منقلبة؛ لأنها مفتوحة.
والواو المفتوحة لا تهمز، وليس لك أن تقيس على "أحد، وأناة" لقلة ذلك.
الواو المفتوحة في أول الكلمة, لا تبدل همزة إلا شذوذا:
قال أبو عثمان:
فإذا كانت الواو أولا وكانت مفتوحة, فليس فيها إبدال إلا أن يشذ الشيء, فيجيء على غير القياس.
قالوا: "امرأة أناة، وهي وَنَاة من الوُنِيّ".
وقالوا: "أَحَد، في وَحَد", وهذا3 شاذّ نادر ليس مما يُتخذ أصلا, وإنما يُحفظ نادرا, فاعرف ذلك إن شاء الله.
قال أبو الفتح: إذا كانت الواو المكسورة مع ثِقَل الكسرة, غير مطرد فيها الهمز, فالمفتوحة لخفة الفتحة يجب ألا تُهمز, فمن هنا كان شاذا.
وحكى لي4 بعض أصحابنا -أراه عن أبي علي ولم أسمعه منه- أن الهمزة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: ويدلهم.
2، 2 ظ، ش: بمعناه.
3 ظ، ش: فهذا.
4 ظ، ش: لنا.

 

ج / 1 ص -232-        في قولك: "ما جاءني أحد" غير مبدلة من واو وهي أصل1, وليست كالتي في قولك: "أَحَدَ عَشَرَ" ونحوه.
قال: لأن معناه "واحد وعشرة", فالهمزة فيه بدل من واو.
قال: وقولهم: "ما جاءني من أحد" ليس معناه: "ما جاءني من واحد في شيء", إنما هذا لنفي الجنس أجمع، و"أحد"2 ههنا واقع2 على الجماعة، وما أنا من هذه الحكاية عن ثقة. وقد يجوز أن تكون الهمزة في قولهم: "ما قام أحد" بدلا من الواو؛ لأن معناه: "ما قام واحد من ذوي العلم فما فوقه".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي أصل: ساقط من ظ، ش.
2، 2 ظ، ش: "هنا واقعة".