المنصف لابن جني ج / 2 ص -164-
هذا باب1
تقلب الواو فيه إلى الياء1إذا
كانت "فَعَلْتُ"2
على أربعة أحرف فصاعدا:
قال أبو عثمان:
"إعلال الماضي
لإعلال المضارع":
وذلك قولك: "أغزيتُ، وغازيت، واستغزيت" قال سيبويه:
سألت الخليل عن ذلك فقال: إنما قُلِبت ياء من قبل أنك إذا
قلت: "يُفْعِل" لم تثبت الواو للكسرة قبلها؛ وذلك:
"يُغْزِي ويُغازِي"، فلم يكن لتكون "فَعَلْت" على الأصل
وقد خرجت "يَفْعَل" وجميع المضارعة إلى الياء.
قال3 أبو الفتح3: كرهوا أن يقولوا: "أغزوت" فلا يقلبوا
الواو إلى الياء، وهم يقولون: "يُغزِي" فيقلبونها ياء
للكسرة4 قبلها، فأرادوا المماثلة، وأن يكون اللفظ واحدا؛
فأعلوا الماضي لإعلال المضارع، كما أعلوا المضارع نحو:
"يقول، ويبيع" لإعلال الماضي، وقد مضى ذكر هذا.
ومن هنا وجبت تثنية ما وقعت واوه رابعة فصاعدا بالياء نحو:
"مَغْزَيان، ومَلْهَيان" لأنك لو بنيت فعلا في أوله الميم
على وزن "مَفْعَل" لقلت: "مَغْزَيْت، ومَلْهَيْت" فقلبت
الواو كما قلت: "أغزيت"، فحمل الاسم في هذا الموضع على
الفعل؛ كما حمل5 المصدر على الفعل حتى أعل في نحو قولك:
"قمت قياما، وصمت صِياما".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 هامش ص، وصلب ظ: تلزم الواو فيه بدل الياء، وفي صلب
ص: تقلب الواو فيه إلى الياء، وفي صلب ش: تلزم الياء فيه
بدل الواو، وفي ع: ما يلزم الواو فيه بدل الياء.
2 في هامش ص: يعني بفعلت الماضي.
3، 3 ظ، ش، ع: أبو الفتح يقول.
4 ظ، ش، ع: لكسرة ما.
5 ظ، ش: يحمل.
ج / 2 ص -165-
"إعلال "تغازينا وترجينا" في الماضي لإعلالهما في
المضارع":
قال أبو عثمان: فقلت: ما بال "تَغازَيْنا، وتَرَجَّيْنا"
وأنت إذا قلت "يفْعَل" منهما كان بمنزلة "يَفْعَل" من
غزوت؟ فقال: الألف هنا بدل من الياء التي أبدلت من الواو
"في "نُرَجِّي""1 وإنما أدخلت التاء على "غازينا
ورَجّينا".
قال أبو الفتح: يقول: قال سيبويه للخليل: فإذا كان الماضي
إنما قلب لأن الكسرة تقع قبل اللام في المضارع2 فتقلبها
باء، فهلا قالوا: "تَغازَوْنا، وتَرَجّونا"، فصححوا الواو؛
لأن اللام لا ينكسر ما قبلها في المضارع إذا3 قلت:
"نتغازى، ونترجّى"؟ فهلا جرت4 "تغازينا" مجرى "غزونا"5 في
صحة6 لامه6؛ لأنه لا كسرة قبل اللام في المضارع3؟
فقوله: "الألف هنا بدل من الياء" يقول: الألف في "نتغازى،
ونَتَرَجّى" بدل من الياء التي في "نُرَجّي ونغازِي،
ورجّيْنان وغازَيْنا"، وإنما التاء في "تَغازَيْنا
وترجّينا" داخلة بعد أن لم تكن؛ فلما كانت الكلمة قبل دخول
التاء واجبا القلب فيها، ثم دخلت التاء بعد ذلك بقي القلب
بحاله؛ لأنه في المرتبة7 قبل دخول التاء.
"إعلال المضارع
لإعلال الماضي":
قال أبو عثمان: ومثل هذا8: "رَضِيتَ ترضَى، وشَقِيتَ
تَشْقَى"، ثم تقول: "هما يَرْضَيان ويَشْقَيان" لما كانت
في "فَعَلْت" علة تقلب الواو كرهوا أن يجري "يَفْعَل" على
غير "فَعَل" فيختلف الباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "في ترجي": ساقط من ظ، ش، ع، و: "في "نرجى"" غير واضح في
ص، لرداءة التصوير، وقدرناه لأن المقام يقتضيه.
2 ظ، ش: المضارعة.
3، 3 بدله في ع: وإنما هو يغزو.
4 ظ، ش: جرى.
5 ظ، ش: غزوت.
6، 6 ظ، ش: صحته.
7 ظ، ش: الرتبة.
8 هذا: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -166-
قال أبو الفتح: يقول: فهلا1 قيل في
"يشقَيان: يَشْقَوَان" لأنه لا كسرة قبل الواو؟ فلأنه لما
وجب قلب اللام في "شَقِيْت" لانكسار ما قبلها قلبوها أيضا
في المضارع -وإن كان لا كسرة قبلها- لئلا يختلف الباب؛
فهذا نظير: "أغزيت تُغزِي" إلا أن "أغزيتَ تُغزِي" قلب
ماضيه لمضارعه2، و"شَقِي يَشْقَى" قلب مضارعه3 لماضيه.
فهذا4 يدلك على تقارب هذه الأمثلة وتناسبها، فإذا5 كانوا
قد أعلوا اسم الفاعل لاعتلال الفعل، فإعلال الماضي
للمضارع، والمضارع للماضي، أجدر.
""شأوتما
تشأيان": شاذ":
قال أبو عثمان: ومثل ذلك: "شأوْتَ تَشْأَى" وهذا أشد؛
لأن "شَأَوْت" على أصله، ولكنهم فتحوا "يفْعَل" للهمزة،
فإذا قلت: "يَشْأيان" جعلتها6 ياء.
قال أبو الفتح: إنما صار هذا عنده7 شاذا؛ لأنه كان ينبغي
أن يقال: "يَشْأوان" فتصح8 الواو؛ لأنه لا كسرة قبلها في
المضارع، ولم ينقلب في الماضي، فيجري في المضارع على ذلك
كما فعل في "شَقِيَ يَشْقَي"، فلذلك كان عنده9 شاذا.
""شأوتما
تشأيان: كرضيتما ترضيان"":
قال أبو عثمان: فسألت أبا الحسن الأخفش عن ذلك فقال: جاءوا
بـ "تَشْأَى" وكأن10 الماضي منه على "فَعِل" فلما11 ألحقوه
علامة التثنية، جعلوه ياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هلا.
2 ظ: لمضارعته.
3 ظ: مضارعته.
4 ظ، ش: وهذا.
5 ظ، ش: وإذا.
6 ظ: جعلتهما.
7، 9 ظ، ش: عندنا: في الموضعين.
8 ظ: فصح، وفي ش: بتصحيح.
10 ظ، ش: فكأن.
11 ظ، ش: فلذلك حين، وفي ع: ولذلك حين.
ج / 2 ص -167-
قال أبو الفتح: يقول أبو الحسن: لما قالوا:
"تَشْأَى" فجاءوا به على "يَفْعَل" أشبه ما ماضيه "فَعِل"
نحو: "شَقِيَ يَشْقَى، ورَضِيَ يَرْضَى"، لأن حكم "يفعَل"
أن يأتي من "فَعِل" فكما قالوا: "يَشْقَيان" كذلك1 قالوا:
"يَشْأيان".
وأخذ أبو الحسن هذا القول من سيبويه في قوله2: إنهم كسروا
أول "تئبي" في المضارع؛ لأنه3 لما جاء على "يَفْعَل" أشبه
ما ماضيه "فَعِل" فكسر أول المضارع3؛ لأنه جرى مجرى
"عَلِمْت تِعْلَم"، ووقع أبو الحسن دون سيبويه، وعدل عن
الصواب، وسترى ذلك، وهكذا قال قطرب إنهم كسروا أول
"تِذْهَب"؛ لأنه لما جاء على "يَفْعَل" أشبه ما ماضيه
"فَعِل".
"أصل "تشأى:
تشؤو"":
قال أبو عثمان: وهذا ليس على4 القياس4؛ لأن الألف بدل من
الواو؛ وهو عندي غلط منهم. ألا تراهم حين قالوا: "يَطَأُ
ويَسَعُ"5 "فتحوا للهمزة والعين وتركوا"5 الفاء محذوفة؟
لأن الأصل عندهم كسر الطاء والسين، والفتح عارض فلم يجعلوه
بمنزلة ما أصله الفتح نحو: "يَوْجَل، ويَوْحَل" وهذا أجدر
حين قالوا "وَطِئَ، ووَسِع" ثم فتحوا "يفعَل".
وأصل "فَعِل" أن يجيء "يَفْعَل" منه مفتوح العين؛ ولكنهم
بنوا هذا على "فَعِل يفعِل" ثم عرض الفتح فتركوه محذوفا؛
فكذلك ينبغي أن يكون "تَشْأَى".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فكذلك.
2 ظ: قولهم.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4، 4 ص، وهامش ظ: على القياس، وفي صلب ظ، ش: بالقياس.
5، 5 صلب ص: "ففتحوا للهمزة العين تركوا" وهامشها: "فتحوا
الهمزة والعين وتركوا". وظ، ش: "فتحوا للهمزة العين
وتركوا"، وليس شيء منها بمستقيم؛ والمستقيم ما أثبتناه عن
ظ، ش بزيادة واو من عندنا.
ج / 2 ص -168-
أصله "تَشْؤُو"، ثم1 عرض عارض انفتحت
الهمزة له1؛ فأبدلت الألف من الواو؛ لأنه لم يعرض لها2 ما
يخرجها عن أصلها؛ وكلام العرب على ما ذكرت لك فيما رواه
لنا3 أبو زيد وأبو الحسن الأخفش.
قال أبو الفتح: قوله: "لأن الألف بدل من الواو" يقول4:
الألف في "تَشْأَى" بدل من الواو؛ كأنه كان في القياس5
"تَشْؤُوُ" بمنزلة "تَغْزُوُ" ثم انفتحت العين للهمزة
فانقلبت الواو ألفا؛ فصارت "تَشْأَى"، فليس ينبغي أن تجري
مجرى "يَشْقَى" لأن الألف في "يَشْقَى" بدل من الياء التي
انقلبت عن الواو في "شَقِيت".
يقول: فالقياس "يَشْأَوَان"؛ لأنهم قد قالوا: "يَسَعُ،
ويَطَأُ" فخذفوا الفاء وتوهموها6 على "يَفْعِل" -وإن كان
الماضي على "فَعِل"، وباب "فَعِل" أن يأتي "يفْعَل"- فإذا
كانوا قد توهموا ما ليس بمطرد في بابه7 حتى حذفوا الفاء من
"يسع، ويطأ" فأن يقولوا: "يَشْأوان" بالواو -لأن في الماضي
همزة؛ والهمزة إذا كانت في الماضي عينا أو لاما- فكثيرا ما
يأتي المضارع مفتوح العين، نحو: "سَألَ يَسْأل، وسَعَى
يَسْعَى، ومحا يَمْحَى".
فلم يكن القياس أن يتوهموا الماضي على "فَعِل"، إذ الفتح
في عين8 المضارع إذا كانت اللام أو العين حرفا حَلْقيا
مطّرد غير ضيّق، فمن هنا كان عنده غلطا منهم كما غلطوا في
همز9 "مصائب" ونحوه.
وليس كذلك قول سيبويه في كسر أول "تِئْبي" لأن: "أبى" ليست
الهمزة فيه عينا ولا لاما؛ وإما هي فاء، والفاء إذا كانت
همزة لا توجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ش: عرضت الفتحة له للهمزة.
2 لها: ساقط من ظ، ش، ع.
3 لنا: ساقط من ش، ع.
4 ظ، ش: يقول لأن.
5 كان في القياس: ساقط من ع.
6 ظ، ش، ع: وتوهموا.
7 أمام "ما ليس بمطرد في بابه" في ع ما يأتي: "يعني بما
ليس مطرد في بابه: فعل يفعل".
8 ظ: غير.
9 ظ، ش: همزة.
ج / 2 ص -169-
فتح عين المضارع، فتوهمهم لماضي "تأبى" على
"فَعِل" توهم صحيح.
وكذلك قول قُطْرب في كسر أول "تِذْهَب" لتوهمهم أن ماضيه
على "فَعِل" ليس بمرضي؛ لأنه لا ينكر أيضا أن يأتي ما عينه
هاء مفتوح العين في المضارع والماضي1 نحو: "ذَهَلَ
يَذْهَل، وصَهَلَ يَصْهَلُ".
فأبو الحسن، وقُطْرُب -جميعا- سَرَقا قوليهما من سيبويه
ووقعا -دونه- لما ذكرت لك!
والقول في كسر أول "تِذْهَب" عندي كالقول في قلبهم:
"يَشْأَيان"، وهو غلط منهم؛ والعلة في قُبح "تِذْهَب" هي2
العلة في قُبْح "يَشأيان".
"ضوضيت ونحوه:
فعللت":
قال أبو عثمان: وأما: "ضَوْضَيْت، وقَوْقَيْت" فهو من
الأربعة، وهذا3 في الأربعة3 نظير "رددت" في الثلاثة؛
جعلوا4 اللامين في الأربعة على لفظ الفاء والعين كما جعلوا
لام "رددت" على لفظ عينها؛ فهذا في الأربعة نظير "رددت" في
الثلاثة، وهذا قول الخليل وجميع من يوثق بعلمه، وقياسه.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في أن "ضَوْضَيْت" ونحوه:
"فَعْلَلْت" دون: "فَوْعَلت، وفَعْلَيْت" وإنما انقلبت
لامه ياء كما انقلبت لام "أغْزَيْت".
"الألف في
"حاحيت" وأخواتها من الياء":
قال أبو عثمان: وكذلك "حاحَيْت، وعاعَيْت، وهاهَيْت"،
ولكنهم أبدلوا الألف؛ لشبهها بالياء، وكان الخليل يقول5:
الألف بدل من الياء؛ لأنها لو كانت من الواو جاءت على
أصلها, كما جاءت6: "ضَوْضَيْت، وقَوْقَيْت".
ألا ترى أن أحدا لا يقول: "قاقَيْت" ولا "ضاضَيْت"، فلما7
جاءت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 والماضي: ساقط من ظ، ش، ع.
2 ظ، ش: هو.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش، ع: جعلوا مكان.
5 ظ، ش: يقول إن أمام "وكان الخليل يقول" في هامش ع كلام
طويل لا هو من كلام ابن جني، ولا من كلام أبي عثمان، وإنما
هو نقد لأبي الفتح أهملناه لطوله وعدم الحاجة إليه.
6 ظ، ش: جاء.
7 ظ، ش: فإذا.
ج / 2 ص -170-
"حاحَيْتُ" وأخواتها على غير أصلها جعلها بدلا من الياء؛
لأنه لم يسمع شيء من الياء في1 هذا الباب1 جاء على أصله.
والقول عندي على خلاف ذلك؛ لأن "ضَوْضَيْت، وقَوْقَيْت"
على أصلهما، وعلى ما ينبغي أن يكونا عليه، وهذا ليس على
أصله -أعني "حاحيت" وأخواتها- ألا ترى أن الذي يجيء على
أصله يقاس عليه ما لم يجئ على أصله؟
وقول الخليل مذهب2؛ لأن الشيء، ربما جاء مخالفا، للفرق.
قال أبو الفتح: اعلم أن "حاجَيْت، وعاعَيْت، وهاهَيْت"
أصلها: "حَيْحَيْت، وعَيْعَيْت، وهَيْهَيْت"، وهي من مضاعف
الياء، ونظيره3: "قَوْقَيْت، وضَوْضَيْت" من مضاعف الواو؛
وإنما قلبوا الياء ألفا لشبهها بها كما قال أبو عثمان؛
ولأنهم أيضا كرهوا تكرر الياءين4 وليس بينهما إلا حرف
واحد، فقلبوا الياء ألفا، ولم يقولوا في "قَوْقَيْت:
قاقَيْت"؛ لأن الواو التي هي لام قد انقلبت ياء، كما
انقلبت في "أَغْزَيْت" فلم تتكرر الواوان كما تكررت
الياءان.
ولم يجئ من هذا القبيل فيما ذكروا إلا هذه الثلاثة الأحرف،
ووزنها: "فَعْلَلْت" بمنزلة "قَلْقَلْت وصَلْصَلَت"، ولا
يجوز أن يكون: "فاعلت" لما سيذكره أبو عثمان.
وكأن أبا عثمان لما رآهم قد قالوا: "قَوْقَيْت وضَوْضَيْت"
على أصلهما، ولم يجئ "حاحيت" وبابه على أصله حمل ما لم يجئ
على أصله على ما جاء على أصله؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، ع.
2 مذهب: ساقط من ظ.
3 ظ، ش، ع: نظيرة.
4 ص، ظ، ش: الياء.
ج / 2 ص -171-
فكأنه يقول: الألف في "حاحيت" ونحوه بدل من
الواو استدلالا "بقوقيت" وبابه.
وقول الخليل في هذا أقيس؛ لأن الياء أقرب إلى الألف من
الواو، وقد أبدلت منها في نحو: "طائيّ1، وحاريّ"، يريدون:
"طَيْئِيّ، وحَيْرِيّ".
وقالوا2: "آية"، فأبدلوا الألف من الياء الساكنة في غير3
قول الخليل، وليس هنا ما يوجب القلب لولا القرب؛ ولأنه لم
نسمع شيئا من ذوات الياء جاء على أصله؛ ولأنهم كرهوا تكرر
الياءين؛ فجعلها4 من ذوات الياء لذلك.
وأيضا فإنا لم نر مثالا من أمثلة الفعل استعملت فيه الواو
دون الياء فنحمل هذا عليه إلا5 باب "فَعُلَ" نحو: "سَرُوَ"
وليس منه5.
وقوله "وقول الخليل مذهب؛ لأن الشيء ربما جاء مخالفا
للفرق". رجوع6 إلى تقوية قول الخليل، يقول: فجاءت ذوات
الواو مخالفة لذوات الياء في هذا الموضع، فلم ينطق بذوات
الياء على الأصل للفرق بين الياء والواو.
وقوله "ربما" لأنه ليس بلازم، فافهم7 ذلك!
"حاحيت
وأخواتها: فعللت":
قال أبو عثمان: فإن قال قائل: لعل "حاحيت" وأخواتها:
"فاعَلْت" مثل "غازيت"؟
فإن الدليل على خلاف ذلك: المصدر؛ ألا تراهم يقولون:
"الحِيْحاء، والعِيْعاء" فيجيء بمنزلة: "الزلزال
والقِلْقال8".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: طاوي.
2 ظ: قالوا، وفي ع: وقد قالوا.
3 غير: ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش: فجعلوها.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ، ش: رجع.
7 ظ، ش: فأضمر.
8 ص، ع: والسرهاف، وفي ظ: "والسربطاق" مع تشكك الناسخ.
ج / 2 ص -172-
قال أبو الفتح: يقول: فمجيئهم بالمصدر على
"فِعْلال" يدل على أن الفعل:"فَعْلَل" كما أن "القِلْقال
والزلزال" كذلك، والياء في "حِيحاء، وعِيعاء" عين الفعل،
وهي الألف التي كانت في "حاحَيْت، وعاعَيْت" والهمزة
فيهما1 انقلبت عن الياء التي هي اللام الأخيرة.
"فيعال ليس
مصدرا قياسيا لفاعلت":
قال أبو عثمان: فإن قال قائل: فإن2 مصدر "فاعلت" أصله:
"الفِيعال" وقد جاء: "قاتلته قِيتالا"؟
فإن هذا ليس بالقياس!
قال أبو الفتح: معنى3 هذه الزيادة أن يقال: ما تنكر أن
يكون "حاحيت وعاعيت: فاعلت" وتكون "الحِيحاء والعِيعاء:
فِيعالا" بمنزلة "قاتلته قيِتالا".
فجوابه: أن "فِيعالا" ليس يكثر مصدرا "لفاعلت" -وإن كان
الأصل- لأن هنا أصولا كثيرة مختزلة غير مستعملة إلا عند
الشذوذ، وهذا المصدر مثلها في الشذوذ، فينبغي ألا يحمل
"الحِيحاء والعِيعاء" عليه لقلته!
وقول أبي عثمان جوابا عن هذه الزيادة: "فإن هذا ليس
بالقياس"3، إنما4 أشار بهذا إلى ما سامه5 الملزم، من جعل
"الحِيحاء والعِيعاء: فِيعالا" فيقول: هذا المذهب منك ليس
بالقياس، وإنما لم يكن عنده بقياس لقلة "فِيعال" في مصادر
"فاعلت"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيهما هي المنقلبة عن الواو.
2 فإن: ساقط من ظ، ش.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: وإنما.
5 ظ، ش: شابه.
ج / 2 ص -173-
وليس يريد بقوله: "فإن هذا ليس بالقياس"
أن1 مصدر "فاعَلْت" ليس في القياس1 أن يجيء على "فِيعال"؛
لأن2 هذا هو الأصل والقياس -وإن كان أصلا مرفوضا- وإنما
كان هو القياس2؛ لأن "فاعَلْت" في العدة والحركة والسكون،
مثل "أفعلت"3، فمن حيث قلت: "أكرمت إكراما" كان القياس أن
تقول: "قاتلت قِيتالا"، ليكون على وزن "أكرمت إكراما"،
ولكنهم استخفوا طرح4 الياء، واكتفوا5 بالكسرة منها؛ فيقول
أبو عثمان: سَوْمُك إياي أن أحمل "الحِيحاء والعِيعاء" على
ما هو غير مطرد في بابه6 ليس بقياس منك؟ فافهمه7 إن شاء
الله!
"الدليل على أن
"حاحيت" وأخواته من الرباعي":
قال أبو عثمان: فإن قال8: فإن8 هذا ألزم9 الياء10
كراهية11 اجتماع الحرفين من جنس واحد؟
فإن الدليل على أنه ليس كما قال، وأنه من بنات الأربعة
قولهم في المصدر12: "الحاحاة، والعاعاة والهاهاة" بمنزلة:
"الدَّحْرَجة، والقَلْقَلَة، والزَّلْزَلة"، وهذا لا ينكسر
في مصادر بنات الأربعة.
ومع هذا أنه لو كان كما قال قد جعل الفاء والعين من موضع
واحد، وهذا ليس مما يكثر، ولا يتخذ أصلا إنما جاء في أحرف
ثلاثة أو أربعة؛ والكلام كله على خلافه، فلا تجعل ذلك
أصلا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ: فعلت.
4 ظ، ش: بطرح.
5 ظ، ش: فاكتفوا.
6 في بابه: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش، ع: فافهم.
8، 8 ظ، ش، ع: قيل إن.
9 ظ، ش: لزم. وهامش ظ: يلزم.
10 ظ، ش: البناء، وهو تحريف.
11 ص، وما بين سطور ظ: كراهية، وظ، ش: كراهة.
12 ص، وما بين سطور ظ: المصدر، وظ، ش: المصادر.
ج / 2 ص -174-
قال أبو الفتح: يقول: فإن قال قائل: ما
تنكر أن يكون "الحِيحاء والعِيعاء: فيعالا"، ولكنهم كرهوا
أن يحذفوا الياء على حد1 حذفهم إياها في: "القتال والسباب"
لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: ححاء وععاء" فيلزمهم اجتماع
حرفين من جنس واحد في أول الكلمة؟ إلا أنه ترك الانفصال من
هذه الزيادة، وعدل إلى الاستدلال على أن "حاحيت" وأخواتها
"فَعْلَلْت" بقولهم في المصدر: "الحاحاة والعاعاة،
والهاهاة"، وعلق الزيادة فلم يجب عنها؛ وهذا يسميه أهل
النظر انقطاعا؛ لأنه خروج عن دلالة إلى أخرى.
ولو ابتدأ في الدلالة على أن "حاحَيْت" وأخواتها:
"فَعْللت" دون "فاعَلْت" بقولهم في المصدر2: "الحاحاة
"والعاعاة"3 والهاهاة"، وأن "الفَعْلَلَة" لا تكون مصدر
غير "فعللت" لما احتاج إلى هذا التطويل.
وكذلك لو قدم ما أخره من الاستدلال على أن "حاحَيت4:
فَعْللت" بقوله: إنك لو جعلته "فاعلت" للزمك أن تكون الفاء
والعين من موضع واحد؛ وهذا قليل لا يقاس عليه، لكان أيضا
كافيا!
وكان سبيله -لما أورد على نفسه الزيادة التي هي قوله: "إن
هذا ألزم الياء كراهية5 اجتماع الحرفين من جنس واحد" أن
ينفصل فيقول لمورد الزيادة: يلزمك من هذا أن تجعل الفاء
والعين في "الحِحاء "والعِعاء"6" الذي كرهته حتى ألزمته
الياء من جنس واحد.
على أنه قد أورد في آخر كلامه هذا المعنى، ولكنه7 جاء به
بعد أن عدل عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حد: ساقط من ظ، ش.
2 في المصدر: ساقط من ظ، ش.
3 الزيادة من ع.
4 ظ، ش: حاحيت وأخواتها.
5 ظ، ش: كراهة.
6 زيادة من ظ، ش، ع.
7 ص وهامش ظ: ولكنه، وظ، ش: ولكن.
ج / 2 ص -175-
دلالة -ابتدأها- إلى أخرى. وكما أن للعلم1
طريقا1 ينبغي أن يسلك كذلك للجدل أدب يجب أن يستعمل.
وأقول أنا: إن العين في "الحاحاة والعاعاة والهاهاة" إنما
انقلبت بعد أن كانت في التقدير: "حَيْحاة وهَيْهاة
وعَيْعاة"؛ لأنها قد انقلبت في "حاحَيْت وعاعَيْت
وهاهَيْت"، كما اعتل "القيام" لاعتلال "قام"، فالمصدر في
هذا محمول على الفعل.
ألا ترى أنهم لو قالوا: "حَيْحاة وعَيْعاة2 وهَيْهاة" لما
لزم اجتماع ياءين كما يلزمهم في الفعل لو قالوا:
"حَيْحَيْت وعَيْعَيْت وهَيْهَيْت"؟
وكذلك أيضا لو قالوا: "حَيْحَى زيد وعَيْعَى" لما اجتمع
ياءان؛ ولكنهم أجروا الباب كله على "عاعيت وحاحيت" فأصل
التغيير في هذا إنما جاء من قبل الفعل؛ فتأمله!
""دهديت،
ودهدهت"":
قال أبو عثمان: وقالوا: "دَهْدَيْت"، فزعم الخليل أن
أصلها: "دَهْدَهْت"، ولكنهم أبدلوا منها الياء كما أبدلوها
من الياء في قولهم: "هذه". والدليل على ذلك قولهم:
"دُهْدُوهة الجُعَل" كما قالوا: "دُحْرُوجة الجُعَل" وقال
بعضهم: "دَهْدَهْت"، فجاء بها على الأصل.
قال أبو الفتح: قول بعضهم: "دَهْدَهْت" يدل على صحة ما ذهب
إليه الخليل، وأصل "هذه: هذي" فأبدلوا الهاء من الياء،
وكذلك أبدلوا الياء من الهاء في: "دَهْدَيْت".
واستدلاله3 بـ"دُهْدُوهة الجُعَل" وجهه: أن "الدُّهْدُوهة"
هي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: العلم طريق.
2 وعيعاة: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: فاستدلاله.
ج / 2 ص -176-
"الدُّحْرُوحة" و"دَهْدَيْت" بمعنى "دَحْرَجْت" فينبغي أن
يكون أصله: "دَهْدَهْتُ".
على أنه قال جاء "دَهْدَهْت" كما جاء "دَهْدَيْت" قال أبو
النجم1:
كأن صوت جرعها المستعجل
جندلة دهديتها في2 جندل
يريد: صوت جندلة؛ فحذف المضاف.
وأيضا فإنك إذا جعلت "دَهْدَيْت: فَعْلَيْت" جعلته من باب:
"سَلِسَ، قَلِقَ"، وإذا جعلت أصله "دَهْدَهْت" كان من باب
"قَلْقَلْت"، وهو أوسع من باب ""سلس"3 وقَلِقَ".
"اختلاف العرب
في "غوغاء"":
قال أبو عثمان: وأما "غوغاء" فقد اختلف فيها العرب،
فذكّر بعضهم وصرف، وجعله مكررا كـ"القَمْقام" ونحوه4،
وأنّث بعضهم ولم يصرف، وجعلها كـ"عَوْراء".
قال أبو الفتح: الوجه أن يكون مذكرا كـ"القمقام،
والخَضْخاض، والجَرْجار5"، ويدل على ذلك قول بعضهم:
"غوغاءة"6، فلو كانت الهمزة للتأنيث بمنزلة همزة "عوراء"
لما جاز أن تدخل عليها هاء التأنيث، فهذا وجه.
وشيء آخر يدل على ذلك: وهو أنك إذا جعلتها "فعلالا7"
حملتها8 على باب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الشاعر.
2 ص، وما بين سطور ظ: في، وظ، ش: من.
3 زيادة من ع.
4 ونحوه: ساقط من ظ، ش.
5، 5 سقط "الخضخاض" من هامش ظ، وهو مذكور في صلبها، وذكر
"الجرجار" في هامشها وهو مذكور في صلبها؛ فهو مكرر.
6 ظ: غوغاة.
7 ظ، ش: فعلاء.
8 حملتها: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -177-
"قَلْقَلْت وزَلْزَلْت"1، من2 المكرر الرباعي، وإذا جعلتها
"فَعْلاء" حملتها على باب "سَلِسَ وقَلِقَ2" مما فاؤه
ولامه من موضع واحد، وهذا أقل من باب "قَلْقَلت وزَلْزَلت"
فحملها على الأكثر أولى:
ومع هذا، إن حروف الحلق قد قل فيها التضعيف حيث يكثر3
التضعيف: ألا ترى إلى قلة باب "ضَغِيغَة وبَعاع وبُحَّة
ومَهَه"؟
فإذا قل التضعيف في باب "رددت" وهو أكثر من باب "سَلِس"
وجب4 أن يكون في باب "سَلِس" أقلّ وأعزّ، فيجب من5 هذا
ألا6 يجعل الغينين في "غوغاء" بمنزلة سِينَي "سَلِس"
وقافَيّ "قَلِق"، بل7 الوجه أن يجعلا بمنزلة زايي "زلزلت"
وقافي "قلقلت" فإذا حملت "غوغاء" على "فَعْلال" كان أحسن،
وتجعله من باب "غَبْغَب وغَرْغَرة وغَزْغَزة وغضغضة،
وغطغطة وتَغَلْغَل وغَمْغَمة".
وهذا كله الغينان فيه بمنزلة زايي "زلزلت" وجاز هذا في
المضعف؛ لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في غيره من8 التأليف.
ألا ترى أن فيه نحو: "حأْحأْت بالتَّيْس وهأْهأْته"؟ فلولا
أن التضعيف من هذا القبيل يجوز فيه ما لا يجوز في غيره8
لما تسمحوا بجمع9 حروف الحلق هكذا، فتبين هذا، فإنه لطيف!
ومن ذهب إلى أن "غَوْغاء: فَعْلاء" على ضعفه جعلها بمنزلة:
"الدهماء" وهما حشو الناس وخشارهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: سلس وقلق.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: يذكر.
4 ص، ظ، ش: نبغي.
5 فيجب من: ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: إلا أن.
7 بل: ساقط من ظ، ش.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش: بجميع.
ج / 2 ص -178-
""الصيصية والدوداة، والشوشاة" من مضاعف الرباعي":
قال أبو عثمان: وكذلك: "الصيصِيَة والدَّوْداة
والشَّوْشاة"، ضاعفوا هذا كما ضاعفوا: "الحيا1 وحييت،
والغَصَص وقد غَصِصْت" كما تجعل القوة2 بمنزلة "الغُصّة"،
فهؤلاء في الأربعة مثل هؤلاء في الثلاثة.
قال أبو الفتح: إن قال قائل: لم ذهب إلى أن "الصّيصِيَة"
من الياء؟ بل ما تنكر أن تكون في الأصل: "صُوصِوة"،
فانقلبت الواو3 ياء3؛ لانكسار ما قبلها4؟
قيل: الذي5 يدل على صحة ما ذهب إليه من أن "صِيصِيَة" من
الياء قول الله تعالى:
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}6،
ولو كانت من الواو لقال7: "صَواصيهم"، لزوال كسرة الصاد،
كما ترجع الواو في جمع ميزان إذا قلت: "موازين"، وقال8
سحيم:
فأصبحت الثيران غرقى وأصبحت
نساء تميم يلتقطن الصياصيا
فأما قول الراجز9:
خالي عويف وأبو علج
المطعمان اللحم بالعشج
وبالغداة فلق البرنج
يقلع بالود وبالصيصج
فمعناه: بالصّيصِيَة، والذي عندي فيه: أنه لما اضطر "قلب"10
إلى جيم مشددة عدل به11 إلى لفظ النسب وإن لم يكن منسوبا
في المعنى، كما تقول: "أَحْمَر وأَحْمَرِيّ، وأَشْقَر
وأَشْقَرِيّ، وحداء قُراقِر وقُراقِريّ" وأنشدنا أبو علي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الحية.
2 "في نسخة: "كما جعلوا: القوة"" كذا من هامش الأصل.
3، 3 ظ، ش: الواوان. ع: الوان ياء.
4 ظ، ش، ع: قبلهما.
5 الذي ساقط من ظ، ش.
6 من الآية 26 من سورة الأحزاب 33.
7 ظ، ش: لقالوا.
8 ظ، ش: قال.
9 ظ، ش: الآخر.
10 زيادة من ظ، ش.
11 عدل به: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -179-
كأن حداء قراقريا
فلم تحدث ياء الإضافة هنا معنى زائدا لم يكن في "قُراقِر".
وكذلك قول العجاج أنشدناه أيضا:
والدهر بالإنسان دَوّاري
وإنما1 معناه: "دوّار" فألحقه ياءي الإضافة.
وأنشدنا "أبو علي"2 أيضا:
فظل لنسوة النعمان منا3
على سفوان يوم أروناني
يريد: أروناني؛ ومعناه: أرونان يا فتى؛ وهو
الشديد.
قال أبو علي، وهذا كثير في كلامهم!
فإذا كان الأمر كذلك، جاز أن يراد بـ"الصيصج" لفظ النسب
كما تقدم، فلما اعتزمت على ذلك حذفت تاء التأنيث؛ لأنها لا
تجتمع مع ياءي الإضافة، فلما حذفت الهاء بقيت الكلمة في
التقدير: "صِيصِي4" بمنزلة "قاضي"، فلما ألحقتها ياءي
الإضافة، حذفت الياء لياءي الإضافة؛ كما تقول في الإضافة
إلى "قاض: قاضي" فصارت في التقدير: "صِيصِيّ"5، ثم إنها
أبدلت من الياء المشددة الجيم كما فعلت في القوافي التي
قبلها؛ فصارت "صِيصِج" كما ترى!
فهذا الذي عندي في هذا، وما علمت أحدا من أصحابنا عرض
لتفسيره إلا أن يكون أبا علي فيما أظن!
"ألف "فيفاء"
زائدة":
قال أبو عثمان: وأما "الفَيْفاء"6 فالألف زائدة؛ لأنهم
يقولون: "الفَيْف" فيحذفون الألف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فإنما، وع: فإن.
2 أبو علي زيادة من ع.
3 ظ، ش: يوما، وع: فينا.
4 ظ، ش: صيص.
5 ش: صيصيا، وع: صيص.
6 في هامش ص: "في نسخة: وأما "الفيفاة" بالهاء".
ج / 2 ص -180-
قال أبو الفتح1: هذه دلالة قاطعة، قال
كثير:
أناديك ما حج الحجيج وكبرت
بفيفا غزال رفقة وأهلت
وقال ذو الرمة, فحذف الألف:
والركب تعلو بهم صهب يمانية
فيفا عليه2 لذيل الريح نمنيم3
"والفَيْف، والفَيْفاء: الأرض القفر"4.
""القيقاء والزيزاء: فعلاء
بمنزلة العلياء"":
قال أبو عثمان: وأما "القِيقاء5 والزيزاء" فبمنزلة6
"العِلْباء"؛ لأنه ليس في الكلام "فِعْلال" مما7 لامه من
موضع عينه7 إلا مصدرا.
قال أبو الفتح: اعلم أن "القِيقاء8 والزيزاء" لا يخلوان9
من أن يكونا "فِعلاء" مثل "عِلْباء"، أو "فِيعالا" مثل
"قِيتال"، أو "فِعْلالا" مثل "قِرْطاس"10، فلا يجوز أن
يكون "فِيعالا" لئلا يجعل الفاء والعين من موضع واحد؛
ولأنه ليس مصدرا أيضا فتحمله على "قِيتال".
فإن قلت: فأجعله مثل "ديباج ودِيوان"؟
قيل: هذا خطأ؛ لأن أصل "ديباج وديوان: دِبّاج ودِوّان" وقد
تقدمت الدلالة على ذلك.
ولو قدرت أن أصل هذا: "فِفّاء، وزِزّاء" للزمك أيضا أن
تجعل الفاء والعين من موضع واحد، مع أنه لا دلالة تدل
عليه.
ويمتنع أيضا أن يكون "فِعْلالا"؛ لأنك11 لا تجد
"فِعْلالا"12 مضاعفا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "قال أبو الفتح": ساقط من صلب ص ومستدرك في كعبها ولم
يظهر في التصوير.
2 ع: عليها.
3 في هامش ع على "نمنيم": "هو مثل الوشي".
4 الزيادة من ع، ومن هامش ص، غير أن "الفيفاء" في هامش ص
بالتاء بدل الهمزة.
5، 8 "القيقاء" بقافين في جميع النسخ، في الموضعين.
6 صلب ظ: بمنزلة.
7، 7 ساقط من ظ، ش، ع.
9 ظ، ش: يخلوا.
10 ظ، ش، ع: القرطاس.
11 لأنك: ساقط من ظ، ش.
12 فعلالا: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -181-
إلا مصدرا نحو: "الزِّلزال والقِلْقال"،
وإنما يكون في الأسماء غير مضاعف نحو: "قِرْطاس وجِرهاس
وفِسْطاط".
فإذا بطل أن يكون "فيعالا، أو فِعْلالا" وجب أن يكون
"فِعْلاء" بمنزلة "عِلباء، وحِرْباء".
وقول أبي عثمان: "لأنه ليس في الكلام، "فِعْلال" إلا
مصدرا" يريد: "فِعلالا" المضعف؛ ولو لم يرد المضعف لكان
خطأ منه، لوجودك أسماء كثيرة على "فِعلال".
وحكى أبو بكر محمد بن الحسن أن العرب تقول:
"صاصت النخلة، تصاصي صيصاء"، وأنشد:
يستمسكون من حذار الإلقاء1
بتلعات كجذوع الصيصاء2
وأنشدناه3 أبو علي:
.............
كرءوس الصيصاء4.
قال أبو بكر: "والصيصاء" الذي تسميه العامة: الشيص.
فقوله5: صاصت6 النخلة، لا يخلو من6 أن تكون "فاعَلْت"
بمنزلة7 داومت وعاودت7 أو تكون "فَعْلَلْت" من مضاعف الياء
بمنزلة8 "حاحَيْت9 وعاعَيْت"9، وتكون10 الألف منقلبة عن
الياء بمنزلتها في "حاحَيْت وعاعَيْت"10.
وحمله على كلا الوجهين عندي11 شاذ؛ لإنك إن جعلته فاعلت
كانت الفاء والعين من موضع واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "الإلقاء" بدون همزة.
2، 4 ش: "الصيصا" بدون همزة في الموضعين.
3 ظ، ش: "وأنشدنا" بدون هاء.
5 ظ، ش: وقوله.
6، 6 صاصت النخلة: ساقط من ظ، و"النخلة" ساقط من ش.
و"النخلة لا يخلو من" ساقط من ع.
7، 7 ظ، ش: رامت وغازت. وفي ع: رادت وغازت.
8 ظ، ش: بمنزلتها في.
9، 9 ص: حاحت وعاعت.
10، 10، ساقط من ظ، ش.
11 عندي: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -182-
وإن جعلته "فَعْلَلْت" بمنزلة "حاحَيْت"1،
فقد2 ذكروا أنه لم يأت من هذا الباب إلا تلك الثلاثة
الأحرف، وهي: "حاحَيْت، وعاعَيْت، وهاهَيْت" وإنماجاء هذا
في الأصوات، و"صاصت النخلة" ليس من الصوت في شيء!
وحمله على "فَعْلَلْت" كأنه أشبه؛ لئلا تجعل الفاء والعين
من موضع واحد.
فإن قلت: فقد جاء مما فاؤه وعينه من مكان واحد أحرف صالحة،
وهي: "أول وكوكب" و"واو" عند بعضهم و"دَوْدَرّى"، وأنشدنا
أبو علي:
لما رأت شيخا لها3 دَوْدَرّى
ظلت على فراشها تكري
قال تكري: تفعل، من الكرة، وكأنها4 تتقبض وتجتمع منه كتقبض
الكرة واجتماعها.
وحكى سيبويه "أبَنْيَم" في اسم بلد4، وحمله على هذا الباب،
وجعله "أفَنْعَل"5 بمنزلة "ألَنْدَد".
وقالوا: "الدَّدَن".
وقالوا: "بَبَّة": اسم علم؛ أنشدني أبو علي:
لأنكحن6 ببه
جارية خدبه
مكرمة محبه
تجب أهل الكعبه
على أن "بَبَّة" أصله حكاية الصوت، ثم سمى به.
وقالوا: "دَدِد"، وهذا و"بَبَّة" أغرب؛ لأن الفاء، والعين،
واللام من موضع واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كل النسخ: حاحت.
2 ظ، ش: وقد.
3 ظ، ش: له.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 أفنعل: ساقط من ظ، ش.
6 ظ: لأفلحن.
ج / 2 ص -183-
وحكي عن عمر رحمه الله أنه1 قال1: لأجعلن
الناس ببانا واحدا؛ وهو2 من باب "دَدَن".
وحكي "يَيْن" في اسم موضع أو بلد.
فإن3 حملته3 على هذا فليس4 بقياس قوي؛ لأني لا5 أعلمهم
استعملوا من هذا "فِعْلا"، فإن6 كان "صاصَت: فاعَلَت"
فـ"الصّيصاء7: فِيعال".
وإن كان "صاصت، فَعْلَلْت" فـ"الصيصاء: فِعْلال" بمنزلة
"الحِيحاء والعِيعاء"، إلا أنه في الوجهين مصدر جُعِل
عبارة عن الجوهر، كما تقول: "خلق الله الخلق" تريد:
المخلوق. و"هذا ضرب الأمير" تريد" مضروبه، و"هذا نسج
اليمن" تريد: منسوجه.
وعلى هذا قول النبي 8صلى الله عليه وسلم: $"الراجع8 في
هبته6"... يريد عليه السلام بالهبة: الموهوب؛ لأن10 الفعل
نفسه10 لا يمكن الرجوع فيه!
وقرأت على ابن مقسم بإسناده عن أبي عمرو الشيباني في
نوادره: ويقال: إذا صار "التمر"11 شِيصا: قد أصاص النخل
وصَصّ، وهو الصيصاء، ونخلة مُصَيِّص ومِصْياص.
فقوله12: "أصاص، وصَيَّص" قد علمنا12 منه13 أنه ثلاثي في14
باب "قَلِقَ، وسَلِسَ" وأنه من الياء، لقولهم: "مِصْياص".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: فهو.
3، 3 ظ، ش، ع: وأنا أحمله، وع: فأنا أحمله.
4 فليس: ساقط من ع، وفي ظ، ش: وليس.
5 ظ، ش، على: لم.
6 ظ، ش، ع: وإن.
7 ظ، ش: والصيصاء.
8، 8 ظ، ش: عليه السلام.
9 ش: هبه.
10، 10 ظ، ش: نفس الفعل.
11 زيادة من ع.
12، 12 ظ، ش: وقوله أصاصت وصيصت فعلمنا.
13 ظ: فيه.
14 ظ، ش: من، وفي ع: "بمنزلة" بدل: "في باب".
ج / 2 ص -184-
فيحتمل أن يكون قول ابن دريد: صاصَى النخل:
فَعْلَى" بمنزلة: "سَلْقَيْت، وجَعْبَيْت" وأصله:
"صَيْصَيْت يا نخلة"، ثم قلبت الياء ألفا تشبيها بباب
"حاحَيْت" وتكون "الصِّيصاء" على هذا بمنزلة "العِلْباء،
والحِرْباء" اسما صريحا، لا مصدرا، وهذا أشبه بالتصريف من
حكاية ابن دريد!
"أثفية: فعلية
أو أفعولة":
قال أبو عثمان: وأما "أُثْفِيّة"، فإن بعض العرب يجعلها
"فُعْلِيّة" فيقول: "أثَّفْت القِدْر" فيجعلها "فَعَّلْت"
ويجعل الهمزة موضع الفاء: قال1 الشاعر:
وصاليات ككما يؤثفين
فقوله: "يُؤَثْفَيْن"2 بمنزلة "يُسَلْقَيْن".
وقال بعضهم: ثَفَّيْت القدر، فجعل3 الهمزة زائدة، فهي عند
هؤلاء "أفْعُولَة" مثل "أكرومة" وسمعت الأصمعي ينشد:
وذاك صنيع لم يثفّ له قدري
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في أن "يؤثفين" قد قيل فيه:
إنه يُؤَفْعَلْن بمنزلة قوله:
وإنه4 أهل لأن يؤكرما
وإنه "يُفَعْلَين" بمنزلة "يُسَلْقين" و"يُفَعْلَين" أولى من
"يُؤَفْعَلْن" لأنه لا ضرورة فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: وقال، وفوق الواو: نسخة.
2 فقوله يؤثفين: ساقط من ش، ويؤثفين: ساقط من ظ.
3 ظ، ش: فيجعل.
4 ظ، ش، ع: فإنه.
ج / 2 ص -185-
وأما قول النابغة:
لا تقذفني بركن لا كفاء له
وإن تأثفك الأعداء بالرفد
فقوله: "تأثفك" أي:1 صار أعدائي1 حولك كالأثافي تضافرا علي
وتمالؤا.
فـ"أثفية" على2 هذه اللغة أيضا: "فُعْلِيّة" لأن الهمزة
فاء في "تأثفك".
وأما من جعلها "أُفْعولة" فلامها عنده واو، وكان قياسها
"أُثْفُوَّة"، إلا أنه3 قلب3 الواو إلى الياء تخفيفا، كما
قالوا: "أُدْحِيّ"، وقياسه: "أدْحُوُّ"؛ لأنه من
"دَحَوْتُ" كأن النعامة تَدْحوه بصدرها، أي: تدفعه وتعتمد4
عليه.
ويدل على أنها من الواو: أن أبا علي5 أخبرني عن أحمد بن
يحيى عن ابن الأعرابي أنه يقال6: "جاء يَثْفُوه،
ويَثْفِيه، ويَثِفُه، ويذنُبُه ويدبُرُه ويَكْسَؤُه7 -إذا
جاء بعده". وهذا المعنى موجود في "الأُثْفِيَّة"؛ لأنها
تتخلف بعد أهلها في الدار؛ ولهذا ما يصفها الشعراء كثيرا
بالإقامة والثواء والتخلف بعد أهل الديار، نحو قوله:
يا دار هند عفت إلا أثافيها
وأنشدنا أبو علي:
أتنسى لا هداك الله سلمى
وعهد شبابها الحسن الجميل
كأن وقد أتى حول جديد
أثافيها حمامات8 مثول
وهذا واسع جدا. قال أبو علي: فقولهم: "يَثِفُه" لا يكون إلا
من الواو. يريد: أنه بمنزلة "يَعِدُه"، إلا أن اللام قدمت
إلى موضع الفاء؛ كأنه كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: صاروا.
2 ص، ظ، ش: في.
3، 3 ظ، ش: أنهم قلبوا.
4 وتعتمد: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: عثمان.
6 ص: قال.
7 ص: يبسأه.
8 ظ: حول، وش: لهاجون.
ج / 2 ص -186-
"ثَفَوْت" ثم صار "وَثَفْت"، ويجوز أن يكونا أصلين؛ فلهذا
ما كان الوجه أن تكون "أُثْفِيّة" في قول من جعلها1
"أُفُعولَة" من الواو.
وحدثنا أبو علي أن أبا الحسن ذكر أنه لم يسمع جمع
"أُثْفِيَّة" إلا مخففا: "أثاف يا فتى" فهذا ألزم حذف
الياء من "أفاعيل" أو الياء الأولى من "فَعالِي".
ونظير "أُثْفِيَّة" في أنها تحتمل أن تكون "أُفعولة،
وفُعْليّة" جميعا: قولهم لأصل الفخذ: "أُرْبِيَّة"، فمن
أخذها من "ربا يربو" -لارتفاع ذلك الموضع- فهي عنده
"أُفْعُولَة"، ومن أخذها من "الإرب" وهو التوفر؛ ومنه:
"رجل أريب"، كأنه ليس بناقص؛ ومنه سمي العضو "إربا"؛ لأن
به يتوفر البدن- فهي "فُعْلِيّة" عنده.
فأما "أُثْيِيّة"2 للجماعة، فإنها "أُفْعُولَة" لا غير؛
لأنها بمعنى "ثُبة، وثُبَة" محذوفة اللام؛ وينبغي أن تكون
واوا؛ هذا الأكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يجعلها.
2 ظ، ش: أثفية. |