المنصف لابن جني

ج / 2 ص -187-        هذا1 باب التضعيف في بنات الياء: نحو: "حَييت وعَييت، وأَحْييت وأَعْييت":
قال أبو عثمان:
اعلم أن المضاعف من هذا تجري لامه مجرى لام "رَمَيْت" وتكون عينه تصح ولا تعتل، ولا تجري مجرى عين "بِعْت وسِرْت"؛ لأن اللام من هذا معتلة؛ فلو أعلوا العين جمعوا عليه علتين، فأخرجوا العين على الأصل لذلك. فإذا جاء موضع تلزم ياء2 "رَميت" فيه الحركة لزِم لام "حَيِيْت" وكذلك "أحييت" إذا جاءت لام "أَعْطَيْت" في موضع لزمها3 الحركة3 لزمت لام "أَحْيَيت" الحركة، وإن كانت ياء "رَمَيْت، وأَعْطَيت" يقلبان ويسكنان لزم ذلك "حَيِيت، وأَحْييت".
قال أبو الفتح: إنما شبه "حَيِيت، وأَحْييت" -وإن كانت العين معتلة- بـ"رَمَيْت، وأَعْطَيت" والعين صحيحة؛ لأن عين "حَييت، وأَحْيَيت" لما صحت كراهية إعلالها، وإعلال اللام، جرت مجرى عين "رَمَيْت، وأَعْطَيْت" في الصحة؛ إلا أنها تفارقها في مواضع سترد عليك إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا: ساقط من ش، وفي هامش ظ: "واعلم" نسخة؛ وأمامه في هامش ع:
"هذا الباب في الإدغام والإظهار على ثلاثة أضرب:
1- منه: ما لا يجوز فيه إلا الإدغام، وذلك ما كانت حركة اللام لازمة فيه غير مفارقة الكلمة، وليس للكلمة حال تفارق فيه الحركة وذلك: "تحية".
2- ومنه: ما لا يجوز فيه إلا الإظهار، وهو ما كانت هذه الحركة فيه غير لازمة، مثل حركة النصب في: "لن يحيي ورأيت محييا" لأن النصب غير لازم الكلمة.
3- ومنه: ما يجوز فيه الإظهار والإدغام، وذلك ما كانت الحركة لازمة فيه، وللكلمة حال تفارق فيها، وذلك مثل: "حيي وأحي وأحيية -جمع حياء- وحيوا وعيوا" ومن الثاني: "محيية وحيان".
2 "في الأصل: لام" كذا من هامش الأصل.
3، 3 ظ، ش، ع: تلزمها الحركة كما، وفي ع: فكما.

 

ج / 2 ص -188-        "الإدغام والإظهار في "حيي وأحيي" مبنيين للمجهول":
قال أبو عثمان: فأما ما تلزمه فيه1 الحركة فنحو: رمي زيد، وأعطي خالد". فإذا قلت2: "قد حُيِي في هذا المكان، وأُحْيِيَ زيد"، فالإدغام3 في هذا جائز نحو قولك: "حُيّ في هذا المكان، وقد أُحِيَّ زيد" تلقي حركة الياء المدغمة على الحاء، وتجريه4 مجرى غير5 المعتل5، وإن شئت أظهرت، وقد قرأ بعض الناس6: "ويَحيى من حيِيّ عن بيِّنَة، وحَيَّ7 عن بيِّنة"7.
قال أبو الفتح8: إنما حسن الإظهار في "حُيِيَ وأُحْيِيَ" ولم يجر مجرى "شُدّ وأُجِنّ" لأن اللام من "حُيِيّ وأُحْيِيَ" لا تلزمها9 الحركة9.
ألا تراها تسكن في موضع الرفع نحو قولك: "هو10 يَحْيا" ويحذف في الجزم نحو قولك: "لم يُحْي"، فلما لم تلزمها الحركة، ولم تلزم هي أيضا الكلمة انفصلت من دال11 "شُدّ" ونون "أُجِنّ"؛ لأنهما متحركان12 في الرفع، ولا يحذفان على وجه13، فلم يستثقل الإظهار لما لم تلزم الحركة، ولم يلزم الحرف14.
ومن أدغم فقال: "حُيّ وأُحِيّ" أجراه مجرى الصحيح حين15 تحرك بالفتح كما تقول: "رأيت قاضيا"، فجرى16 مجرى: "رأيت راكبا".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: قلت مثل هذا قلت.
3 ظ، ش، ع: والإدغام.
4 ظ، ش: وتجري.
5، 5 ظ، ش: عين الفعل، وفي هامش ظ: المعتل قبل عين الفعل.
6 ظ، ش: القراء، وهامش ظ: بعضهم.
7، 7 ساقط من ظ، ش، ع. وبدله في ظ، ش: على فعل. وهي من آية 42 من سورة الأنفال 8.
8 ظ، ش: أبو الفتح اعلم أنه.
9 ظ: تلزمه.
10 هو: ساقط من ش.
11 ظ: ذلك.
12 ظ، ش: متحركتان.
13 ظ، ش: حال.
14 ظ، ش: الحذف.
15 ظ، ش: حيث.
16 ظ، ش، ع: فيجري.

 

ج / 2 ص -189-        "ما يجوز في حاء "حيي" المضمومة إذا أدغم ما بعدها":
قال أبو عثمان: "إلا" أن حاء "حُيِي" إذا كانت مضمومة ثم أدغمت، فإن شئت كسرتها، وإن شئت ضممتها، والكسر أكثر في اللغة؛ لأنه أخف ومن كلام العرب: "قَرْن ألْوَى؛ وقرون ليّ ولِيّ" بالضم والكسر.
قال أبو الفتح: يريد بقوله: "ثم أدغمت" أي: أدغمت العين في1 اللام، وإنما كان كسر "لِيّ" أخف عليهم؛ لأن الحرف المشدد قد يتنزل2 في بعض3 المواضع4 منزلة5 الحرف نحو: "دابّة وشابّة"؛ لأن اللسان ينبو عنه نبوة واحدة، فكما6 امتنع أن تقع ياء في الطرف وقبلها ضمة كذلك قل الضم في "لُي"، وليس7 يمتنع8، وإنما هو قليل؛ لأن قلة "لُيّ" بالضم كامتناع تصحيح "أظْب".
"لم جاز الإظهار في "حيي"":
قال أبو عثمان: وإنما جاز الإظهار في هذا؛ لأن لامه قد تعتل فتسكن في موضع الرفع، فلا يكون إدغام.
قال أبو الفتح: يريد: إظهار9 باب "حَيِيَ" وقد تقدم ذكره.
"تسكين لام يحيى ويخشى":
قال أبو عثمان: وإذا كانت لام "رَمَيْت وأَعْطَيْت" يسكنان سكنت هاتان الياءان وما أشبههما، تقول: "هو يَحْيا" كما تقول: "هو يخشى" وتقول10: "هو10 يحيى" كما تقول: "هو يُعْطي".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: في موضع.
2 ظ، ش: تنزل.
3 بعض: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: الموضع.
5 ظ، ش: بمنزلة.
6 ظ، ش: فلما.
7 ظ، ش: فليس.
8 ظ، ش: بممتنع.
9 إظهار: ساقط من ظ، ش.
10، 10 ظ، ش، ع: وهو.

 

ج / 2 ص -190-        قال أبو الفتح: يقول: لا فَصْلَ بينهما، ومن قال: قد "حُي وأُحِيّ" فأدغم لم يقل هنا: "يُحيّ"؛ لأن هذه الأفعال لا يدخلها الضم على حال؛ لأن اللامات فيها1 تعاقب الضمة فلا تجتمع معها.
"إظهار "أحيية" وإدغامها سواء":
قال أبو عثمان: ومن2 هذا "حياء وأحيية" إن شئت أدغمت, وإن شئت أظهرت.
قال أبو الفتح: إنما جاز إظهار "أُحْيِية"؛ لأن الجمع فرع على الواحد، واللام في الواحد غير ثابتة، بل هي مبدلة، فحمل الجمع على الواحد، فلم يلتفت إلى إظهاره؛ لأن الواحد لا تظهر فيه اللام.
ومن أدغم فأمره واضح، لتحرك المثلين.
""حيى" كعمى للواحد "وحيوا" كعموا للجماعة":
قال أبو عثمان: فإذا قلت: "قد حيي فلان" قلت: "قد حَيُوا"، كما تقول: "قد عَمِيَ" ثم تقول: "عمُوا"، وقال الشاعر:

وكنا حسبناهم فوارس كهمس               حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا

قال3 أبو الفتح3: قال لي4 أبو علي: "أي"5 حسنت حالهم بعد سوء.
"قال أبو عثمان"6: ومن قال: "حيّ فلان" فأدغم ثم جمع، قال: "حيُّوا"؛ لأن الياء إذا سكن ما قبلها في مثل هذا جرت على الأصل، أنشدني الأصمعي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ع: قبلهما.
2 ظ، ش: ومن قال.
3، 3 ساقط من ظ، ش، ع.
4 لي: في ص، هامش ظ، وساقط من صلب ظ، ش.
5 زيادة من ظ، ش، ع.
6 قال أبو عثمان: ساقط من ص، وسياق الكلام يدل على أن ما بعده من كلامه بدليل قوله: أنشدني الأصمعي؛ لأنه أدركه ولم يدركه أبو الفتح.

 

ج / 2 ص -191-                     عيوا بأمرهمو كما            عيت ببيضتها النعامة1

فأدغم "عيّوا، وعيّت".
قال أبو الفتح: اعلم أن العين من "حَيِي" لما جرت مجرى الميم من "عَمِيَ" احتملت الضمة في "حيُوا" كما تضم الميم في "عمُوا". ومن أدغم فقال: "عيُّوا وعيَّت" أجراه مجرى: "ضنّوا، وضنَّت".
"الإظهار والإدغام والإخفاء في "أعيياء، وأعيية"":
قال أبو عثمان: قال2 سمعنا من العرب من يقول: "أعيِياء، وأعييَة" فيبين ويُدغم3، وأكثر العرب يخفي ولا يدغم، وهذا4 لا يضبط إلا بالمشافهة، ولكنك تعلم أنه ليس الإخفاء كالإعلان5، وهو كالاختلاس يقرب من الإدغام، وهو بزنته معلنا.
قال أبو الفتح: إنما كثر الإخفاء؛ لأنه وسيطة بين الإظهار والإدغام فارتكبوه لاعتداله، وهو عندي أبين من الإشمام6 وأظهر إلى الحس.
ألا ترى أن سيبويه قد حكى الإشمام6 في قول الراجز:

متى أنام لا يؤرقني الكرى                   ليلا ولا أسمع أجراس المطي

يريد: الإشمام في القاف من "يؤرقني"، ولو كان الإشمام كالإخفاء لكانت القاف في زنة متحرك، كما قال أبو عثمان، ولو كانت كذلك لانكسر الشعر؛ لأنك كنت تجعل الجزء الذي هي فيه: "مُتفاعِلن"، فتخرج من الرجز إلى الكامل، وهذا محال.
فلولا7 أن الإشمام في تقدير السكون لما جاز الإشمام في القاف؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ع: الحمامة.
2 ظ، ش، وقال.
3 ويدغم: ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش، ع: فهذا.
5 ع: كالإدغام.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
7 لا: ساقط من ظ، ش، واستدركها في هامش ش قارئ عالم كريم.

ج / 2 ص -192-        ولكن الإخفاء بمنزلة1 تخفيف الهمزة؛ لأنه متحرك، والهمزة إذا جعلت بين بين كانت في وزن المتحرك، ألا ترى إلى قول الشاعر:

أأن زم2 أجمال وفارق جيرة                   وصاح غراب البين أنت حزين؟!

أفلا تراه قد قابل بالهمزة المخففة من "أأن" عين "فعولن" وهي متحركة كما ترى؛ لأنها ثانية الوتد المجموع، فهذا ثبت3.
وأقول4: إن الإدغام في "أَعْيِياء وأعيِية" أقوى منه في "أحْيِية"؛ لأنه إنما حسن الإظهار في "أحيية"؛ لأنك إذ رددتها إلى الواحد أبدلت اللام، ولم تقرها في قولك: "حياء"، فلم يلزم اللام نفسها التحريك؛ وإنما لزم الهمزة التي هي بدل منها.
وأنت إذا رددت "أعيياء وأعيية" إلى الواحد كانت اللام فيه ثانية متحركة في قولك "عَيِيّ" فلما تحركت اللام في الواحد والجمع جميعا قويت فيها الحركة فقوي الإدغام، فتأمل هذا!
"لا يدغم "لن يحيى، ورأيت محييا" في النصب":
قال أبو عثمان: فإذا5 قلت: "يحيي ومحي" ثم أدركه النصب قلت: "لن يحيى، ورأيت محييا" ولم6 يجز الإدغام؛ لأن الحركة ليست بلازمة؛ وإنما هي حركة النصب، فإذا7 فارقت لزم الياء السكون.
وأما "حَيِيَ وأُحْيِيَ"8 فليس لهذا اللفظ مغير عن الفتح فالحركة لازمة له9، فلذلك لم يجز الإدغام في الأول وجاز في هذا.
قال أبو الفتح: إنما لم يجز الإدغام في نحو: "لن يُحيِيَ، ورأيت مُحْيِيا" لأنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: بزنة.
2 ع: حن.
3 ع: بين.
4 ظ، ش، أقول.
5 ظ، ش: وإذا.
6 ظن ش: لم.
7 ظ، ش: وإذا.
8 "في نسخة: "وأما محي وأحي"" كذا من هامش الأصل.
9 له: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -193-        قد كنت تظهر نحو: "حَيِيَ وأُحْيِيَ" وهذا الفعل مفتوح أبدا، والحركة فيه لازمة له1، فإذا جئت إلى ما لا تلزمه الحركة وهو على مثال واحد، لم يجز إدغامه، ألا ترى أن "يُحْيِى ومُحْي"2 قد يدركهما السكون وهما على ما هما عليه من مثالهما، و"حَيِيَ" إنما يسكن إذا تركت مثاله وعدت إلى المضارع وغيره، فافهم3 إن شاء الله.
"لا يدغم "معيية ومحيية، وحيا الغيث، وحييان"":
قال أبو عثمان: ومثل ترك الإدغام4 "مُعْيِيَة ومُحْيِيَة4 وحيا الغيث" و"حَيَيان" كذلك؛ لأن الواحد هو الذي يُثَنَّى، ولا تكون التثنية5 لازمة؛ لأنك تفرد فيسكن موضع اللام وينقلب، فعلى هذا يحسن الإدغام ويقبح6.
قال أبو الفتح: إنما لم يجز في هذا إلا7 الإظهار؛ لأنك قد كنت تظهر "أحْيِيَة8، وأعْيِياء" لمراعاتك أمر الوحد، مع أنا نعلم أن الجمع يحيء على غير الواحد كثيرا، نحو: "حاجة وحوائج، وليلة وليال، وشبه ومشابه" فإذا كنت9 تراعي أمر10 الواحد في جمع التكسير الذي يبعد ما بينه وبين التثنية الجاري عليها الواحد كالمثنى11؛ لأنه لا يكون إلا جاريا على الواحد، ولا يكون إلا من لفظه لا يجوز فيه لما ذكرت إلا الإظهار؛ لأنه على صدد الإفراد والانفصال فكذلك أيضا أظهرت12 "مُعْيِيَة"؛ لأن الأصل التذكير، والتأنيث فرع عليه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 له: ساقط من ظ، ش.
2 ش: ومحييا. ع: معي.
3 ظ، ش: فافهمه تعلم.
4، 4 ظ، ش: محيية ومحييان، وع: معيية ومحييان.
5 ظ، ش، ع: التثنية له.
6 ظ: فيه ويقبح، وش: وفيه يقبح.
7 إلا: ساقط من ع، وسقوطه يفسد المعنى.
8 ع: أعيية.
9 ظ، ش: كنت قد.
10 ظ، ش: حكم.
11 ظ، ش، فالمثنى. وع: والمثنى.
12 ظ، ش، ع: ظهرت.

 

ج / 2 ص -194-        وأنت إذا قلت: "مُعْيٍ" لم يجز الإدغام؛ فلذلك ظهرت1 "مُعْيِيَة"، ولم يجز الإدغام2 فيها2.
"الإظهار في "حييان ومحييان" بفتح الياء فيهما أحسن منه في مكسورها":
قال أبو عثمان: والبيان في "حَيَيان ومُحْبَيان" أحسن منه مما3 في يائه كسرة؛ لأن الكسرة كالياء، وذلك نحو: "مُحْيِيان" البيان فيه أثقل، والإخفاء فيه أخف، والمخفي بوزنه محققا.
قال أبو الفتح: يقول: إنما كان إظهار "مُحْييان" أحسن من إظهار "مُحْيِيان" لأنك إذا قلت: "مُحْيِيان" فكسرت4 الياء وبعدها أخرى؛ فكأنك قد جمعت بين ثلاث ياءات؛ فلذلك5 لم يكن في خفة "مُحْيَيان" فلهذا6 اختير فيه الإخفاء.
"لزوم الإدغام في "تحية"":
قال أبو عثمان: وأما قولهم: "حيَّيْته7 تِحيَّة" فإن مصدر "فعَّلت" في غير المعتل يجيء على "تفعيل" نحو: "كسَّرْتُه تكْسيرا، وعطلته تَعْطِيلا" فالهاء8 في المعتل لازمة؛ لأنها صارت عِوَضا من الياء التي تلحق قبل آخر "تفعيل"، فلذلك لزمها الإدغام.
قال أبو الفتح: إنما أراد بهذا القول أن يريك وجه قوة الإدغام، يقول: فلما كانت الهاء في "تَفْعِلَة" عوضا من ياء "تفعيل" وياء "تفعيل" في حشو الكلمة وليست في تقدير الانفصال9 كهاء "مُعْيِية" التي دخلت على "مُعْي"، فلذلك كانت الهاء في "تحية" أثبت منها في "معيية" لأنها بدل مما لا يقدر فيه9 الانفصال والانفكاك وهي ياء "تفعيل" فلذلك لم يجز غير الإدغام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: أظهرت.
2، 2 ظ، ش، ع: إدغامها.
3 ظ، ش، ع: فيما.
4 ظ، ش: وكسرت.
5 ظ، ش، ع: فلهذا.
6 ظ، ش، ع: فلذلك.
7 حييته: ساقط من ظ، ش، ع.
8 ظ، ش: فإنها.
9، 9 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -195-        وكان أصل هذا المصدر أن يقال فيه: "حيَّيْته تَحْيِيًّا1" ولكنه كره فيه الياءات والكسرة2 فعدل إلى "تَفْعِلَة"، وإذا كانت "تفعلة" قد جاءت فيما لو جاء على "تَفْعِيل" لم تجتمع فيه الياءات2؛ فأن يلزم -ما لو جاء مصدره على أصله لاجتمعت- فيه الياءات أجدر، وذلك قولهم: "قدمته تقدمة، وجربته تجربة".
قال سيبويه: وقد3 أجروا المهموز مجرى بنات الياء والواو، وذلك قولهم: "جَزّأته تَجْزئة، وعَبّأته تَعْبئة"، وقد جاء تفعيل فيما اعتلت لامه على الأصل وهو قليل، وجاء4 على أصله ليريك كيف كان سبيل غيره من المعتل أن يكون لو جاء على أصله، قال الراجز:

فهي تنزي دلوها تنزيا                           كما تنزي شهلة5 صبيا

وقياسه: "تنزية".
"الإظهار في "تحية" جائز على ضعف، والإدغام كثير":
قال أبو عثمان6 والإظهار عندي جائز، والإدغام أكثر، وجاز الإظهار كما جاز في جمع "حياء" حين قلت: "أحْيِية"؛ لأن الهاء لـ"أَفْعِلَة" -إذا كانت جمعا- لازمة، لا تفارق؛ فلذلك7 كانت كـ"تحية" حيث كانت8 الهاء9 فيها10 لا تفارق.
قال أبو الفتح6: يقول11: فإذا جاز أن تظهر "أحيية" مع أن الهاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: تحيية.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: قد.
4 ظ، ش: جاء.
5 ع: كهلة.
6، 6 ساقط من ع، وهو قولة أبي عثمان كلها، و"قال أبو الفتح".
7 ش: فكذلك.
8 كانت: ساقط من ش.
9 الهاء: ساقط من ظ.
10 ظ، ش: فيهما.
11 يقول: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -196-        في "أفْعِلَة" لازمة، وليست كهاء "مُعْيِية"؛ لأنه لم يكن1 في الأصل "أحْيِي"2 ثم دخلت الهاء، بل الهاء لازمة لـ"أفْعِلة" -إذا كانت جميعا- كلزومها لـ"تحية" ورأيتهم قد أظهروا "أحْيِيَة" جاز أيضا أن أظهر "تحية".
وهذا الذي ذهب إليه ضعيف؛ وأنا أذكر الفصل بين "تَحِيَّة وأحْيِيَة": وذلك أن "أحيية" جمع، والجمع فرع على الواحد؛ فأنت3 إذا جئت بالواحد فقلت: "حَياء" زال ما كرهته من اجتماع الياءين، وليس4 كذلك "تحية"4 لأنها مصدر، والمصدر5 أصل لا فرع، وليس يمكنك فيها6 ما يمكنك في الجمع الذي هو فرع على الواحد.
ألا7 ترى أن "تحية" ليس ثانيا عن أول؛ كما أن الجمع ثان عن الواحد؟ فالإدغام8 فيها9 لا يجوز غيره؛ فهذا فرق ما بينهما.
وحكى بعض أصحابنا، عن أبي علي10 -ولم أسمعه منه- أنه قال إنما لم يجز إظهار "تَحِيّة" كما جاز إظهار "أحْيِيَة" لأن "تحية" موضع قد هربوا فيه من كثرة الياءات والكسرة؛ لأن أصله: "تَحْيِيًّا" فلو أظهرت فقلت: "تَحيية" لكنت قد رجعت إلى ما هربت منه من إظهار الياءات، فكرهوا11 العودة إلى ما هربوا منه، فأدغموا ليس غير11. وهذا قول سديد12 -كما تراه!
وأيضا فليست الهاء في "أحيِيَة" بدلا من شيء في حشو الكلمة، وإنما هي زائدة للتأنيث، والهاء في "تحية" بدل من ياء "تَفْعِيل" فهي ألزم، فقويت الحركة فوجب الإدغام في "تحية".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، هامش ظ: يكن، وصلب ظ، ش: يلزم.
2 ص، ظ، ع: أحي.
3 ظ، ش، ع: وأنت.
4، 4 ظ، ش: وليست تحية كذلك، وفي ظ: "وليس"، بدون تاء.
5 ظ، ش: فالمصدر، وأمامه في كعب ع كلام لم نر له فائدة فأهملنا ذكره.
6 ظ: فيهما. وش: فيه.
7 ظ، ش: أولا.
8 ظ، ش: بالإدغام.
9 ظ، ش: فيما.
10 ظ، ش: علي رحمه الله.
11، 11 ساقط من ع.
12 ظ، ش: فاسد.

 

ج / 2 ص -197-        على1 أن أبا زيد قد حكى في مصادره: "تَعِيّة, وتَعْيِيَة" بالإظهار، فهذا يؤنس بترك إدغام "تحية"1.
"لم لم يشتقوا من "غاية" وأخواتها "أفعالا"":
قال أبو عثمان: وأما "غاية، وطاية، وثاية، وراية" فإنهن جِئن على ما لا يستعمل في الكلام "فِعْلا"؛ لأنهم قد أعلوا عَيْنها؛ فلو قالوا فيها: "فَعَلْت" لأعلّوا لامها وقد كانت عينها معتلة؛ فكرهوا أن يشتقوا لها فعلا؛ لما يلزمهم من الإعلال بعد الإعلال؛ فرفضوا ذلك.
قال أبو الفتح: يقول -لم يكن القياس إعلال العين وتصحيح اللام، بل كان تصحيح العين وإعلال اللام هو القياس، كما قالوا: "نَوَاة، وشَوَاة" ولكن2 الأسماء احتملت3 العدول عن القياس لقوتها وتمكنها، والأفعال ليست في قوة الأسماء؛ فكرهوا استعمال الفعل4 من "غاية، وطاية" ونحوهما؛ لأنه لم يكن بد من إعلال اللام كما تعتل في "يقضي" والعين معتلة كما ترى؛ فرفضوا الفعل فيها البتة.
وكان ذلك أسهل عليهم من أن يُعِلّوا العين واللام جميعا، ولو استعملوا5 إعلال العين لقالوا للواحد: "ثاي، وطاي" وللواحدة: "ثايت، وطايت"، وللاثنين: "ثايا، وطايا" وللجمع "ثايوا، وطايوا".
وكان يلزم أن يقول في6 المستقبل6: "يَثِيّ، ويَطِيّ" فتقلب الواو التي هي عين ياء، وتدغمها في الياء، وتدخل اللام الضم؛ لأنها تجري مجرى الصحيح؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، ع.
2 ولكن: ساقط من ش، ومتآكل في ظ.
3 ظ، ش: فاحتملت؛ وهو متآكل في ظ.
4 ظ، ش: الفاء.
5 ظ، ش، ع: "استعملوه على.
6، 6 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -198-        فكان يلزم هناك من التغيير والتبديل ما بعضه مكروه. فرفض ذلك لذلك1.
"لم لم يشتقوا من "ويل" وأخواتها أفعالا":؟
قال أبو عثمان: ومثل ذلك: "وَيْل، ووَيْح، ووَيْس" هذه كلها مصادر؛ لأن معناها الدعاء، كـ"سَقْيا" من "سَقَيْت"، فلو صاغوا منها فعلا لزمهم ما يستثقلون.
قال أبو الفتح: إنما يعني بما2 يستثقلون: أنه كان يلزم حذف الفاء في المضارع؛ لأنها كواو "وَعَدَ، ووَزَنَ"، وكان يلزم الياء الإعلال3 وحذفها4 وسكون5 اللام كما كان ذلك في "باع، وقال" فكان6 يجب من7 هذا إعلال الفاء والعين جميعا، وهذا إجحاف.
فأما قولهم: "عِ كلاما، وشِ ثوبا، ولِ أمرا، وفِ بعهدك"، فإنما جاز حذف الفاء واللام جميعا؛ لأنهما8 في الطرفين، ولم9 يجتمع الإعلالان10 في جهة واحدة؛ وقد تقدم الكلام في هذا.
وقد أنشدوا11 بيتا في12 استعمال أفعال هذه المصادر وهو قول الشاعر:

فما وال ولا واح                                    ولا واس أبو هند

وهذا من الشاذ13، وأظنه مولدا.
وأنشدوا بيتا آخر، وهو قوله:

تويل إذ ملأت يدي وكفى                            وكانت لا تعلل بالقليل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لذلك: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: ما.
3 ظ، ش: الاعتلال.
4 ع: وحذف.
5 ظ، ش، ع: عند سكون.
6 ظ، ش: وكان.
7 ظ، ش: في.
8 ظ، ش: لأنهما جميعا.
9 ظ، ش: فلم.
10 ظ، ش: إعلالان.
11 ظ، ش: أنشدونا.
12 ظ، ش، ع: فيه.
13 ظ، ش، ع: الشواذ.

 

ج / 2 ص -199-        وهذا ليس كالأول؛ لأنه جاء بالفعل على "فعّل"، وإذا كان هكذا فقد أمن فيه الحذف والقلب اللذان كانا يخافان في "فَعِل".
ألا ترى أنك تقول: "وكَّدَ يُوَكَّد" فتصح الفاء، وتقول: "سيَّر وبيَّع" فتصح العين؟ وعلى1 هذا جاء: "تُوَيِّل" لأنه مضارع: "وَيَّل"، ومعناه: دعت بالويل.
فأما قول رؤبة:

عولة ثكلى ولولت بعد المأق

فمعناه أيضا: دعت بالويل؛ وليس من لفظ "الويل"؛ لأن "وَلْوَلَت: فَعْلَلَت" ولو بنيت من "الوَيْل: فَعْلَلَت" لقلت: "وَيْلَلَت" ولكنه مقارب للفظ "الوَيْل" وهو من مضاعف الواو.
ونظيره: "وَحْوَحَ، ووَزْوَز، ووسوس".
ونظيره -في قربه من لفظ الويل، وإن كان رباعيا- قول العجاج:

ولو أنخنا جمعهم تنخنخوا

وهو من معنى "أناخ"، وقريب من لفظه.
وكذلك قول عنترة:

جادت عليه2 كل عين ثرة                        فتركن كل قرارة كالدرهم

فالثرة قريب من لفظ3 قول النبي -صلى الله عليه وسلم3: "إن  أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون". والمعنى واحد؛ إلا أن "الثرثار" رباعي، و"الثرة" ثلاثي، وهذا واسع في كلامهم جدا.
ونظيره قولهم: "حَثَثْت وحَثْحَثْت، وتَمَلَّل وتَمَلْمَل، وجفّ الثَّوب وتجفجف، ورقَّقْتُ ورَقْرَقْت"4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ع: فعلى.
2 ش: عليها.
3، 3 ظ، ش: قوله عليه السلام، وع: قوله صلى الله عليه وسلم.
4 ع: وترقرقت.

 

ج / 2 ص -200-        وقد حمل قرب الفظ قوما على أن قالوا: إن أصل "حَثْحَثْتُ ورَقْرَقْت: حَثَثْت ورَقَقْت"، فأبدلوا من الحرف الأوسط حرفا من لفظ أول الكلمة. وهذا عند حذاق أهل التصريف محال، على أن أبا بكر قد ذهب إليه، واتبع فيه البغداديين؛ وإنما هي ألفاظ متقاربة، وأصول مختلفة لمعان متفقة.
وسألت أبا علي عن "حَثْحَثْت" هل يجوز أن يكون أصلها "حَثَثْت"؟
فقال: ذلك لا يجوز؛ لأن الحاء الثانية لا تخلو من أن تكون فاء مكررة، أو بدلا من الثاء؛ فلا يجوز1 أن تكون فاء؛ لأن الفاء لم تكرر إلا شاذة.
يريد: "مَرْمَريس" ولا يجوز1 أن تكون بدلا؛ لأن أصل البدل لتقارب الروف، و"حَثْحَثْت2" بمنزلة "رَدّ".
يريد أن الثاء لا تقرب من الحاء، وأن هذا مضاعف في الأربعة، كما أن "ردّ" مضاعف في الثلاثة.
"لم رفضوا أن يشتقوا فعلا من "آءة"":
قال أبو عثمان: وكذلك "آءة" لم يجعلوا منها فعلا؛ لأن الفاء همزة، واللام3 همزة3، والعين معتلة، إما من ياء، وإما4 من4 واو، والهمزة تستثقل، والواو والياء يستثقلان، والأسماء أخف من الأفعال، فاحتملوه5 هذا6 في الأسماء، ورفضوه في7 الأفعال لما ذكرت لك!
قال أبو الفتح: قوله8: "والعين9 إما من ياء، وإما من واو".
يقول9: إن حملتها على الياء أو على الواو فكلتاهما مستثقلة؛ ليس أنه يشك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: حتحت.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4، 4 ظ، ش، ع: أو.
5 ص، ظ، ش: فاحتملت.
6 ص، هامش ظ: هذه.
7 ظ، ش: عن، وبين سطور ظ: من. وفي ص غير ظاهر.
8 ظ، ش: يقول.
9، 9 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -201-        أن العين إذا جُهِل أمرها1 في الاشتقاق1، وكانت ألفا؛ فسبيلها أن تحمل على الواو.
ولذلك2 قال الخليل2: إنهم لو نطقوا بالفعل من "آءة" لقالوا: "أوَأْت"، ولكنهم3 كان يلزمهم حذف العين؛ كما تحذفها من "قلت"، ويجب بعد ذلك إبدال الهمزة الثانية من "أُؤْت" واوا؛ لانضمام ما قبلها واجتماع همزتين في كلمة واحدة؛ فيقال: "أُوت" مثل "عُوت"، وأن تقول في الأمر: "أُوْ" مثل "عُوْ"، وأصله: "أُؤْ" مثل "عُعْ" فتبدل الثانية واوا؛ وبعض هذا مستكره؛ فرفضوا الفعل البتة.
"لم رفضوا كذلك أن يشتقوا فعلا من "أول"":
قال أبو عثمان: ومما رفضوا أيضا4 الفعل منه: "أول" وهو "أفعل"، يدلك على ذلك: ترك الصرف5، ولزوم "من" له6؛ وقصته كقصة "أقصر، وأطول، وأفضل" فقف حيث وقفوا؛ وقس حيث مضوا!
قال أبو الفتح: يقول: قولهم: "هو أول منك" بمنزلة قولهم: "هو أطول منك" فكما أن "أطول: أفعل" فكذلك "أول". ولزوم "من" لهذا كلزوم "من" لذاك. وإنما لم يستعملوا الفعل "من أول" لأن فاءه وعينه واوان؛ فلو قالوا فيه: "فَعَل يفعَل" لحدث هناك شيئان يتدافعان؛ وذلك أن "فَعَل" إذا كانت فاؤه واوا، فالمضارع منه إما يجيء على "يفعِل" نحو: "وعَد يعِد" وعين الفعل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ص، ظ: ش: الاشتقاق فيها.
2، 2 ظ، ش. وقال الخليل. ولذلك: متأكل في ظ.
3 ص، ظ، ش: "ولكنه.
4 أيضا: ساقط من ظ، ش، ع.
5 ظ، ش، ع: الانصراف.
6 له: ساقط من ش.

 

ج / 2 ص -202-        إذا كانت واوا فالمضارع من "فَعَل" أبدا مضموم العين نحو: "قال يقول"، فكان يجب أن تكون العين1 من "يفعَل" مضمومة مكسورة في حال؛ وهذا متناف، مع ما ينضاف إليه من ثقل الواوين.
وإذا كانت الواو لم تأت فاء ولاما2 حتى إنه ليس في الكلام مثل "وَعَوْت" مع أن باب "سلِس، وقلِق" أكثر من باب "دَدَن وكَوْكَب" فألا يجوز اجتماع الواوين فاء وعينا أجدر؛ لقلة باب "ددن".
وأيضا فإذا كانوا قد رفضوا الفعل فيما فاؤه وعينه من موضع واحد في الصحيح، فهم بأن يرفضوه في المعتل أولى.
فإن قيل: فهلا استعملوا الفعل من "أول". وبنوا الماضي على3 "فعُل"3 حتى يجيء المضارع على "يفعُل" فلا4 يلزم كسر العين وضمتها جميعا فقالوا5: "وال يوُوْل"، كما قالوا: "طال يطول"؟
فقد تقدم من القول في ثقل ذلك ما هو جواب عن هذا؛ فلما لم يَسُغْ6 فيه "فَعَل" ولا "فَعُل" رفضوه في "فَعِل" أيضا.
وحكى ثعلب عن الفراء أن "أوّل" يجوز أن يكون من "وألْتُ"، ويجوز أن يكون من: "أُلْتُ"، فإذا كان من "وألْتُ" فهو في الأصل: "أوْأَل"، وإذا كان من "أُلْت" فهو في الأصل: "أأْوَلُ"، والقياس يحظر أن يجوز فيه شيء من هذين المذهبين7؛ لأنه لو كان في الأصل "أوْأَل" لجاز أن يجيء على أصله8؛ ولم نسمعهم نطقوا به هكذا!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: الفعل.
2 ظ، ش، ع: ولا لاما.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش، ع: ولا.
5 ظ: فقال.
6 ظ، ش: يسمع.
7 ظ، ش: الموضعين.
8، 8 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -203-        فإن قلت: ما تنكر أن يكون ألزم التخفيف، كما تقول في "النبي والبرية"؟
قيل: لو خفف لقيل: "أوَل"، كما تقول في تخفيف "مَوْءَلَة وحَوْءَبَة: مَوَلة وحَوَبة" ولم تكن تقول: "مَوَّلة، ولا حوّبة".
فإن قلت: ما تنكر أن يكون مثل قولهم في "سوءة: سوّة، وفي شيء: شيّ"؟ فإن مثل هذا لا يقاس؛ وإنما القياس: "سَوَة، وشَي" كما قالوا: "ضَوٌ، ونَوٌ" في تخفيف "ضَوء، ونوء".
وأيضا فإننا نحن إنما قلنا: إن "النبي والبرية" مما ألزم التخفيف البتة؛ لما قامت الدلالة على أنه من "النبأ" ومن "برأ الله الخلق"، فلذلك قلنا: إنه ألزم التخفيف، ولم تقم دلالة في "أوّل" أنه من "وألَ" فتزعم أنه ألزم البدل.
فإن قيل: ما تنكر أن تكون العين من "أوّل" همزة في الأصل، لقراءة بعضهم: "وأنه أهلك عاد لُؤْلي1" فيكون همز العين دلالة على أن الأصل الهمز، كما استدللت أنت بـ"النبأ" و"برأ الله الخلق"، على أن "النبي والبرية" من الهمز؟
قيل: هذا غير لازم؛ لأن هذه القراءة شاذة، فإذا ثبت2 بها رواية فقياسها عندي قياس3 قول الشاعر:

أحب المؤقدين إلي موسى

لأن من العرب من يبدل الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة، فيقول4: "مؤْقِن ومؤْقِد"، وليس هكذا "أنبأْت، وبَرَأ "الله الخلق"5"؛ لأن الهمزة4 فيهما من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 50 من سورة النجم 53 وكتبت في ص "عادا لولى" بتنوين الدال المفتوحة وضم اللام المشددة بالضم بعدها.
2 ش: ثبتت.
3 قياس: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 زيادة من ع.

 

ج / 2 ص -204-        الكثرة بحيث لا خفاء به؛ فلذلك لم أقس "عاد لؤْلي*" على هذا؛ لشذوذه.
وكذلك لو كان من "أُلت"1 لقيل "أأْوَل"2.
فأما أن تبدل الهمزة، أو الألف -المنقلبة عن الهمزة- واوا3، فهذا غير معروف؛ والقول الأول كأن فيه بعض الشبهة، وكلاهما ساقط. والقول ما يقوله4 أصحابنا: أن "أوّل" ليس بمشتق من "فعل"، وفاؤه وعينه واوان.
فأما همز "أوائل" فقد ذكرنا العلة فيه، ولا حجة له فيه.
"اختلافهم في سبب حذف عين: "استحييت"":
قال أبو عثمان: وكذلك "استَحَيْت" حذفوا الياء التي هي عين الفعل، وألقوا حركتها على الحاء، ولم تحذف لالتقاء الساكنين؛ لأنه5 لو5 كان حذفها6 له7 لردها إذا قال: "هو يفعل" فيقول: "هو8 يستحي" فاعلم؟
وقد قال قوم: حذفوا لالتقاء الساكنين، ولم يردوا في "يَفْعَل" لأنهم لو ردوا لرفعوا ما لا يرفع10 مثله في كلامهم؛ وذلك أن الأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلا لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام.
ويقوي أنه ليس لالتقاء الساكنين: قولهم في الاثنين: "استَحْيا"؛ لأن اللام لا ضمة فيها؛ ولكن هذا حذف لكثرة الاستعمال كما قالوا في أشياء كثيرة بالحذف مثل: "أَحَسْست، وظِلْت، ومِست" ولم يستعملوا الفعل من "استحييت" إلا بالزيادة، كراهية أن يلزمهم فيه ما يلزمهم في "آية" وأخواتها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ص: عادا لولي؛ وانظر حاشية 1 من صفحة 203 السابقة.
1 ص: وألت، والصواب ما أثبتناه.
2 ص: أول، والصواب ما أثبتناه.
3 واوا: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: يقول.
5، 5 ظ، ش: ولو، وع: لو.
6 ظ، ش: حذف. وع: حذفت.
7 له: ساقط من ش.
8 هو: ساقط من ظ، ش، وفي هامش ظ: ويقول: هو يستحي.
9 ظ، ش: يرتفع.

 

ج / 2 ص -205-        فقد بينت لك أصل هذا البناء1 لتناول القياس من قرب.
قال أبو الفتح: الذي يقول: إن عين "استحى" حذفت لالتقاء الساكنين: الخليل؛ وذلك أنهم لما جاءوا بالفعل على2 اعتلال "آية" سكنت، واللام بعدها ساكنة، فحذفت العين لسكونها وسكون اللام.
قال أبو علي: وصار ما دخل الكلمة من الزيادة عوضا مما حذف منها.
يقول أبو عثمان: فيلزم من قال إنها حذفت لالتقاء الساكنين أن يقول: "هو يستحي"، فيردها لما تحركت اللام بالضمة وزال سكونها.
وذكره الحجة للقائل أنها حذفت لالتقاء الساكنين معناه: أنه كان يجب -إن لم تحذف- أن تدخل الضمة اللام. وهذا محال.
قال أبو علي: لأن هذه الحروف تضارع الحركات؛ لأنها تحذف للجزم؛ كما تحذف لغير3 ذلك مما قد ذكرناه؛ فلا يجوز اجتماعهما.
قال: وأما حركة النصب: فغير معتد بها؛ لأنها غير لازمة، فمن هنا لم يجز أن يقال: "يستحي".
ثم ترك أبو عثمان الاحتجاج من جهة المضارع، وعدل إلى الاحتجاج بالماضي كما اقتضى القول، فقال4: لو كانت حذفت لالتقاء الساكنين لقالوا: "استحايا" لأن الثانية قبل الألف، ولا بد من حركتها، والفتحة لا تستثقل فيها.
يقول: فأن قالوا: "استحيا"، ولم يقولوا: "استحايا" دلالة على أن العين إنما حذفت لكثرة الاستعمال.
وقد يمكن الانفصال من هذه الزيادة بأن "استحى"5 لما اطرد حذف عينه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البناء: ساقط من ظ، ش، ع.
2 ظ، ش: عن.
3 ظ: ولغير.
4 ظ: فقالوا.
5 ع: استحيا.

 

ج / 2 ص -206-        وشاع أشبه "افتعل"1 فصرف عليه؛ ولأن هذا الفعل قد طال بالزيادة في أوله فكره التضعيف في آخره؛ لا2 سيما والمضعف من الحروف المعتلة، والتضعيف مكروه في الصحيح في مواضع.
وقوله: ولم يستعملوا الفعل إلا بالزيادة كراهة3 أن يدخله ما دخل "آية" يقول: كان يلزم أن يقال: "حايَ يَحِيّ" وهذا مكروه.
فأما قول الشاعر:

وكأنها بين النساء سبيكة                      تمشي بسدة بيتها فتُعِيّ

فبيت شاذ، وقد طعن في قائله. والقياس ينفيه ويسقطه.
"ما كانت لامه واوا أو ياء وضوعفت صححت الأولى وأعلت الثانية":
قال أبو عثمان: واعلم أن ما كانت لامه معتلة من بنات الياء والواو، فضوعفت فيه اللام؛ فإنك تصحح اللام الأولى، فتجريها مجرى عين "حييت" وعين "قويت" ويقع الاعتلال على اللام الثانية كما وقع الاعتلال على لام "حييت وقويت" وسلمت العين؛ فكذلك4 تسلم اللام الأولى؛ لأنها نظيرة العين في هذا، وكرهوا أن يعلوا اللامين5 جميعا فيحملوا على الحرف هذا الحمل6 كله؛ فيكون ذلك إخلالا مفرطا؛ وسأكتب لك مسائل تستدل بها إن شاء الله.
قال أبو الفتح: يقول7: لا فصل بين العين واللام في وجوب تصحيحها8 إذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: الفعل، وع: أفعل.
2 ظ، ش: ولا.
3 ظ، ش: ع: كراهية.
4 ظ، ش، ع: وكذلك، وفي هامش ظ: ""كما": نسخة" أي: بدل: "وكذلك".
5 ظ: اللامين في هذا.
6 في صلب ص: الحذف. وفي هامشها: "في نسخة: "هذا الحمل"".
7 يقول: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: تصحيحهما.

 

ج / 2 ص -207-        كان ما بعدها1 معتلا؛ لأن إعلال اللامين جميعا مكروه، كما أن إعلال العين واللام جميعا إخلال مفرط، وإجحاف بالكلمة.
"تقول في الماضي في مثل "احمر" من "قضيت: اقضيا"":
قال أبو عثمان: وتقول2 في مثل "احمر" من "قضيت: اقضيا"؛ لأن "احمر" أصله: "احمَرَرَ"، فاللام الأولى أصلها التحريك إلا أنها أدغمت في التي بعدها، واللام الثانية من هذا يلزمها الاعتلال إذا كان أصلها التحريك؛ كما يلزم لام "رميت" من الانقلاب والإسكان في موضع الرفع.
قال أبو الفتح: أصل هذه المسألة3: "اقْضَيَيَ" بوزن "احْمَرَرَ"، فانقلبت الياء الآخرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما اختلف الحرفان لم يجز الإدغام، وصحت الياء التي هي اللام الأولى؛ لاعتلال4 الثانية.
ويدل على أن أصل "افعلّ: افعَلَلَ"، وأنه إنما5 أدغم الأول لتحرك الثاني: أنه متى سكن الثاني، فزال المستكره، من تحرك المثلين، لم يكن بد من الإظهار، وذلك قولك: "احمررت، واصفررت".
ونظير "اقضيا" من كلام العرب قولهم: "ارْعَوَى"، ووزنه في الأصل: "افعلّ"، وكان تقديره قبل القلب: "ارْعَوَوَ" بمنزلة "اقْضَيَيَ" فانقلبت اللام الآخرة ياء؛ لأنها وقعت خامسة؛ ثم انقلبت ألفا؛ لانفتاح ما قبلها، ووقوعها متحركة؛ فجميع ما يلزم "ارْعَوَى" في كلامهم هو لازم "لاقْضَيا"، وجميع ما بُنِي بناءه.
وكأن النحويين على "ارْعَوى" قاسوا هذه المسائل وبنوها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: بعدهما.
2 ظ، ش، ع: تقول.
3 ص وهامش ظ: المسألة، وصلب ظ، ش: الكلمة.
4 ظ، ش، ع: لاعتلال اللام.
5 ظ، ش: لما.

 

ج / 2 ص -208-        "المضارع في مثل "يحمر" من "قضيت: يقضيي". والماضي في مثل "احمار: اقضايا"":
قال أبو عثمان: فإذا1 قلت: "هو يفعل" من هذا، قلت: "هو يَقْضِيي، ويرميي".
وكذلك إن قلت "مثل"2: "احمار" قلت: "اقْضايا، وارْمايا"؛ لأن "احمارّ" أصله: "احمارَرَ" والراء الأولى متحركة، فيلزمك أن تحرك الياء الأولى؛ ثم تجيء بالثانية وقبلها الفتحة وأصلها الحركة -وهي طرف- فتنقلب ألفا؛ كما تقول: "يُرْمَى، ويُعْطَى" حين كانت الياء الأولى يجري عليها ما يجري على الصحيح؛ لما ذكرت لك؛ من ألا يعلّ الحرفان جميعا3.
وسنزيد من المسائل في غير هذا الموضع؛ إذا فرغنا من تفسير الأصول إن شاء الله.
قال أبو الفتح: قد تقدم من القول في باب "ارعوى، واقضيا" ما هو مغن عن تفسير هذا الفصل على أنه مشروح أيضا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: وإذا.
2 زيادة من ع.
3 جميعا: ساقط من ظ، ش، ع.