المنصف لابن جني ج / 2 ص -324-
هذا1
باب ما2
تقلب فيه تاء افتعل عن أصلها، ولا
يتكلم بها على الأصل البتة كما لم يتكلم بالفعل من "قال،
وباع" وما كان نحوهن على الأصل3:
قال أبو عثمان:
وذلك أنك إذا قلت: "افْتَعَلَ" وما تصرف منه، وكانت الفاء:
صادا، أو ضادا، أو طاء، أو ظاء؛ فالتاء فيه مبدلة. وذلك
قولك: "اصْطَبَر، ويَصْطَبر ومُصْطَبِر، واضْطَرَب،
"يَضْطَرب4" فهو مُضْطَرِب، واطَّلَعَ فهو مُطَّلِع،
واصْطَهر5 فهو مُصْطَهر5" فهذا الكلام الصحيح.
قال أبو الفتح: يقول: لا يقال في "اصْطَبر: اصْتَبر"، ولا
في "اضْطَرَب: اضْتَرَب" ونحو ذلك، وإن كان هذا هو الأصل؛
كما لا يقال في "قام: قَوَم"، ولا في "باع: بَيَعَ"، وإن
كنا نعلم أن هذا هو الأصل. وفي كلامهم من الأصول المرفوضة
الاستعمال ما لا يحصى كثرة.
والعلة في أن لم ينطق بتاء "افْتَعَل" على الأصل إذا كانت
الفاء أحد الحروف التي ذكرها -وهي حروف الإطباق: أنهم
أرادوا تَجْنيس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا: ساقط من ش.
2 ما: ساقط من ظ، ش، ع.
3 على الأصل: ساقط من ظ، ش، وأمامه في كعب ع: "في أصل أبي
عثمان: وما كان من نحوهن على أصله".
4 يضطرب: زيادة من ع.
5، 5 ظ: واضطهر فهو مضطهر. ش: واظطهر فهو مظطهر. وفي صلب
ع: واضطهر فهو مضطهر، وبين سطورها: اضطهر يضطهر.
حاشية: اصطهر بالصاد والطاء من صهرته الشمس: إذا أذابته.
ورأيته في نسخة: واضطهد فهو مضطهد من الاضطهاد، الذي هو
الاستعجال، كذا من هامش الأصل.
ج / 2 ص -325-
الصوت، وأن يكون العمل من وجه، بتقريب حرف1
من حرف1.
كما قالوا في "مَصْدَق: مَزْدَق"، وفي "مصدر: مَزْدَر"،
فأبدلوا من الصاد -وهي2 مهموسة- حرفا من مخرجها يقرب من
الدال، وهو الزاي، لتوافقها3 في الجهر.
وكما قالوا في "سُقْت: صُقْت" وفي "سَوِيق: صَوِيق" وفي
"سَمْلَق: صَمْلَق" فأبدلوا من السين صادا؛ ليوافق
بالاستعلاء الذي فيها استعلاء القاف.
وكما قالوا في "عالِم: عِالم؛ وفي "حاتم: حِاتم" فأمالوا
فتحة الحاء والعين فقربوها من الكسرة، لتوافق الكسرة في
اللام والتاء.
كل ذلك ليكون العمل من وجه واحد؛ فهذا يدلك من مذهبهم على
أن للتجنيس عندهم تأثيرا قويا.
ولهذا وقع الاتباع في كلامهم نحو قولهم: "شَيْطان
لَيْطان"؛ لأنهم أرادوا أن يوكدوا الكلام؛ فكرهوا إعادة
اللفظة4 بعينها، فغيروا بعض حروفها، وتركوا الأكثر؛
ليعلموا أنهم في توكيد الأول.
كما قالوا: "قام القوم أجمعون أكتعون أبصعون" فغيروا بعض
الحروف وتركوا بعضا، ليكون فيه ضرب من التكرير؛ وليخالف
الأول بعض الخلاف.
وإذا5 كانوا قد قالوا: "ضَرَبْت زيدا ضَرَبْت، وضَرَبْت
زيدا زيدا" فيما حكاه سيبويه, فتغييرهم بعض اللفظ أسوغ
وأحسن.
وأخبرني أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى
عن ابن الأعرابي أنه سأل بعضهم عن قولهم: "شَيْطان
لَيْطان" ما معنى "لَيْطان"؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: لأنها.
3 ش: لتوافقهما.
4 ظ، ش: اللفظ.
5 ظ، ش: فإذا.
ج / 2 ص -326-
فقال: شيء نَتِد به كلامنا؛ فهذا تصريح
منهم بالغرض المطلوب.
وعلى هذا قالوا: "حَسَن بَسَن، وجائع نائع" وقد قيل:
"نائع: عطشان" وأنشدوا فيه:
لعمر بني شهاب ما أقاموا
صدور الخيل والأسل النياعا
قالوا: معناه: "العطاش".
وقد حملهم ذلك على أن قالوا: "إنه ليأتينا بالغدايا
والعشايا" فجمعوا "غداة" على "غدايا" لمكان "العشايا".
وقالوا: "ارْجِعْن مأزورات غير مأجورات" فهمزوا1 "مأزورات"
وهو من "الوزر" اتباعا لهمزة "مأجورات"1 وقياسه: "موزورات"
ويجوز أن يكون "مازورات" قلبت واواه ألفا، كما قالوا في
"دوّيَّة: داوِيَّة"، وكما قالوا في "يَوْجَل: ياجَل"
فيكون غير مهموز.
إلى هذا رأيت أبا علي يذهب.
وأنشدوا:
هتاك أخبية ولاج أبوبة
يخلط بالجد منه البر واللينا
فجمع "بابا" على "أبْوِبة" اتباعا "لأخبية".
وقالوا فيما هو أغلظ من هذا: "هذا جُحْر ضب خرب" فجروا
"الخَرِب" وهو من صفة المرفوع؛ ولكن لما وَلِي المجرور جر
اتباعا، وهو2 غلط منهم، وهذا باب واسع لا يضبط.
فلهذا غيروا نحو "اصطبر" ليكون العمل من وجه واحد وأنا
أبين كل حرف منها:
أما "اصْطَبر" فأصله: "اصْتَبر"، فكرهوا استعلاء الصاد
وبعدها حرف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ش: وهذا.
ج / 2 ص -327-
غير مُسْتَعْل وهو التاء1 إلا أنه من حيز
حرف مستعل وهو الطاء، فأبدلوا من التاء ما هو مستعل من
حيزها2، وهو الطاء، فقالوا: "مصْطبر3" فاتفقت الصاد والطاء
في الاستعلاء؛ ثم صرفوه على ذلك فقالوا: "يصْطَبر
ومُصْطَبِر" لأن العلة قائمة.
وأما "اضْطَرب" فأصله: "اضْتَرَبَ"، فقربوا التاء من
الضاد، بأن قلبوها طاء لتوافقها في الاستعلاء، فقالوا:
"اضْطَرَب" وصرفوه على ذلك، فقالوا: "يضْطَرِب
ومُضْطَرِب".
وأصل "اطَّلَعَ: اطْتَلَعَ" فإذا4 كانوا قد قالوا:
"اصْطَبَر واضْطَرَب" فأبدلوا التاء طاء، لتوافق ما يقرب
من الطاء وهو الصاد والضاد؛ فهم بأن يقلبوها طاء إذا5 كانت
الفاء طاء أجدر. وصرفوه على ذلك.
وأصل "اصْطَهَرَ6: اصْتَهَرَ6" فقلبت التاء طاء، لتوافق
الصاد7 في الاستعلاء والجهر8 فصار: "اصْطَهَر9" وصرف على
ذلك8. فهذا هو الكثير المشهور عنهم.
"تاء الافتعال
وقبلها صاد أو ضاد أو طاء":
قال أبو عثمان: ومن العرب من يبدل التاء على ما قبلها
فيقول: "اصَّبَر ومُصَّبِر". وقرأ بعض10 القراء: "أن
يّصّلحا11" يريد: "يَفْتَعِلا12" من الصُّلح. وكذلك:
"اضَّرب، واظَّهر بحاجتي" والأول أجود13 وأكثر14.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو التاء: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: غيرها.
3 ش، ع: اصطبر.
4 ظ، ش: وإذا.
5 ظ: إذ..
6، 6 ظ: اضطهر اظتهر. وش، ع: اظطهر اظتهر.
7 ظ، ش، ع: الظاء.
8، 8 ساقط من ع.
9 ظ، ش: اظطهر.
10 بعض: ساقط من ظ، ش.
11 الآية 128 من سورة النساء 4.
12 ظ، ش، ع: يفتعلان.
13 ظ: أجوز.
14 وأكثر: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -328-
قال أبو الفتح: أصل هذه كلها: "اصتبر،
واصتلح، واصترب، واظتهر" فكرهوا ظهور التاء، وهي مهموسة
غير مستعلية مع الضاد والظاء، وهما مجهورتان1 مستعليتان1؛
فأرادوا الإدغام؛ فأبدلوا الزائد، وهو تاء "افْتَعل"
للأصلي الذي قبله.
وأما2 "اصْتَبر" فإنها3 وإن كانت الصاد مهموسة كالتاء فإن
فيها استعلاء ليس في التاء؛ فأرادوا أن يكون عملهم من وجه
واحد، فأبدلوا الزائد للأصلي فقالوا: "اصّبر"، ولا يجوز في
"اصْطَبَر: اطَّبر" على أن تدغم الصاد في الطاء؛ لأن في
الصاد صفيرا وتمام صوت، فلو أدغمتها لسلبتها ذلك؛ ومتى كان
الإدغام ينقص الأول شيئا لم يجز.
وإنما قال أبو عثمان: والأول أجود4؛ لأنه إذا أراد الإدغام
فحكمه أن يبدل الأول للثاني أبدا، هذا هو المطرد، فلما كان
في "اصّبر، واظّهر" قد أبدل الثاني للأول ضعف عنده، وكان
أن يقرب الثاني من الأول؛ لأنه زائد فيقول: "اصْطَبر،
واضْطَرَب" أحسن.
ولا يجوز في "اضطرب: اطَّرب" لأن الضاد لا تدغم في الطاء؛
لأنك لو فعلت ذلك لسلبت الضاد تفشيها بإدغامك إياها في
الطاء، وإنما المذهب أن تدغم الأضعف في الأقوى؛ فلذلك5
أدغم الساكن في المتحرك لضعفه وقوة المتحرك؛ أو الشيء في
نظيره.
فأما ما حكي عنهم من قولهم: "اطَّجع" في "اضطجع" فشاذ.
وقال6 الراجز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: مجهوران مستعليان.
2 ظ، ش: فأما.
3 فإنها ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ: أجوز.
5 ظ، ش، ع: ولذلك.
6 ظ، ش: قال.
ج / 2 ص -329-
يا رب أباز من العفر صدع
تقبض الظل1 إليه2 واجتمع3
لما رأى ألا دعه ولا شبع
مال إلى أرطاة حقف فالطجع
فأبدل الضاد لاما، وهذا شاذ؛ وذلك أنه كره التقاء المطبقين
فأبدل مكان الضاد أقرب الحروف إليها4.
ونظير هذا الشذوذ قولهم5 "استخذ فلان أرضا" يريدون: "اتخذ"
فأبدلوا مكان التاء سينا؛ كما أبدلت السين تاء في:
"سِتّ"6.
ويجوز أن تكون "استخذ" محذوفة من "استفعل" كأنه7 كان8:
"استخذ" فحذفوا5 التاء الثانية؛ كما قالوا: "اسْتاع
يَسْتيع" في "اسْتَطاع"10.
وأما11 قول زهير:
هو الجواد الذي يعطيك نائله
عفوا ويظلم أحيانا فيظلم
فيروى على ثلاثة أوجه: "فيظَّلم، وفيضْطَّلم12،
وفيطَّلم" وأصله: "يظتلم" فمن قال: "يظَّلم" أبدل الزائد
للأصلي، كما قال13 تعالى: "أَن يّصَّلِحَا".
ومن قال: "فَيَضْطَلم14" -وهو الوجه- أبدل التاء طاء، لأجل
الظاء قبلها؛ كما قالوا: "اضْطَهَرَ15 بحاجته".
ومن قال: "فيطَّلم" أبدل الظاء طاء، وأدغمها في الطاء
لقربها منها، وموافقتها إياها في الاستعلاء والإطباق.
قال أبو علي: وهو قول سيبويه؛ وإذا كانوا قد قالوا في16
"احفظ طلحة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة الذئب، كذا من هامش الأصل.
2 ظ، ش: عليه.
3 ظ، ش: فاجتمع.
4 ظ، ش، ع: منها.
5 جاء في ص في هذا الموضع لفظ "في" وهو ساقط من ظ، ش، ع.
6 في ست: ساقط من ظ، ش.
7 كأنه: ساقط من ع.
8 ش: قال.
9 ظ، ش: فحذف.
10 ظ، ش: اسطاع.
11 ظ، ش: فأما.
12 ش: فيظطلم.
13 ظ، ش: كما قال الله تعالى.
14 ش: فيظطلم.
15 ظ: اضطهر.
16 في: ساقط من ص، ع.
ج / 2 ص -330-
احْفَطَّلحة1"، فأدغموا المنفصل فهو2 في2
المتصل أجدر.
ويروى: "فينظلم: ينفعل" وهو رواية رابعة، ويجوز في
"اضطراب: اضَّرب" تبدل الزائد للأصلي، كما فعلت3 في4:
"اصَّبَر".
ولا يجوز في "اصْطَلَحَ: اتَّلَحَ" ولا في "اضطَرَب:
اتَّرَب"؛ لأن الصاد والضاد لا يدغمان في التاء.
"تاء الافتعال
وقبلها زاي":
قال أبو عثمان: فإذا5 كان6 قبل هذه التاء زاي أبدلت التاء
دالا، مثل: "ازْدَجَرَ، ومُزْدَجر" ومن أتبع التاء الحرف
الذي قبلها أبدل منها الزاي فقال "ازّجَرَ، وهو7 مُزّجِر".
قال أبو الفتح: أصل هذا: "ازْتَجَر" والزاي مجهورة، والتاء
مهموسة، فقلبوا التاء دالا، لتوافق الزاي في الجهر.
ومن قال: "ازّجَر" أبدل الزائد للأصلي، مثل: "اصّبر".
ولا يجوز: "ادّجَر، ولا اتّجر" في "ازْدَجر"؛ لأن الزاي لا
تدغم في التاء، ولا في الدال؛ لئلا يذهب منها الصفير وطول
الصوت؛ لما8 فيها من الانسلال.
"تاء الافتعال
وقبلها ذال":
قال أبو عثمان: فإن9 كان قبل هذه التاء ذال أبدلت
التاء دالا؛ ثم أدغمت الذال فيها؛ وذلك "افتعل" من "ذكر
يذكر" تقول فيه: "ادّكر، ويدّكر10".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 احفطلحة: ساقط من ص، ع.
2، 2 ظ، ش: فهم في إدغام. وع: ففي.
3 ظ، ش، ع: قلت.
4 في: ساقط ظ، ش، ع.
5 ظ، ش، ع: وإذا.
6 ظ، ش، ع: كانت.
7 ص وبين سطور ظ: وهو. وظ، ش: فهو.
8 ظ، ش، ع: بما.
9 ظ، ش، ع: وإن.
10 ظ، ش، ع: فهو مدكر.
ج / 2 ص -331-
ومن أتبعها الحرف الأول قال: "اذّكر،
ومُذّكِر" والأول أجود1 على ما أخبرتك2.
قال أبو الفتح: أصلُهُ: "اذْتَكَرَ" والذال مجهورة، والتاء
مهموسة، فأبدلوا التاء دالا، لتوافق الذال في الجهر كما
قربوا التاء من الزاي في "ازْدَجَر" بأن قلبت دالا.
ومن قلب الزائد للأصلي، قال: "اذّكر"، كما قال: "ازّجر".
قال لي أبو علي: وأجاز بعضهم وهو3 أبو عمر الجرمي3
"اذْدكر"؛ لأن تاء "افْتَعل" لا يلزم أن يجيء قبلها ذال
أبدا، فأشبهت "اقتتلوا" في البيان.
يقول: كما أظهروا "اقتتلوا" مع تحرك4 التاءين -لأنه لا
يلزم أن يكون بعد تاء "افتعل" تاء أبدا نحو: "احْتَلَم
واغْتَلَم"- كذلك قالوا: "اذْدَكر" فقلبوا التاء دالا
للتقريب، ولم يدغموا؛ لأنه لا يلزم أن يكون قبل التاء ذال
نحو قولهم: "استلم، وابتسم".
وقوله: "والأول أجود5 على ما أخبرتك" يريد أن "ادّكر" هو
الوجه، تبدل الأول للثاني.
"التاء في أول
كلمة تالية للصاد وأخواتها في كلمة سابقة":
قال أبو عثمان: فإن كانت التاء منفصلة لم يفعل بها ذلك
نحو: "قَبِّض تلك، وغلِّظ تلك".
قال أبو الفتح: قال أبو علي: يريد أنه لا يجوز: "قبَّض
طلك"، ولا "قبِّضِّلْك" ولا "غلط طِلك" كما جاز "اضْطَرب،
واضَّرب، واطَّلَع"؛ لأن للمنفصل نحوا ليس للمتصل؛ وقد مضى
ذكر ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أجود: ساقط من ع، ص.
2 ص: خبرتك.
3، 3 ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش: تحريك.
5 أجود: زيادة من ش.
ج / 2 ص -332-
"تاء الفاعل بعد الصاد أو إحدى أخواتها":
قال أبو عثمان: وإن كانت التاء التي تجيء فاعلة؛ فالجيد
إظهارها نحو: "فَحَصْتُ عنه، وفحَصْت برِجْلي".
قال أبو الفتح: إنما كان الوجه إظهارها؛ لأنها زائدة وهي
اسم الفاعل، والفاعل منفصل من الفعل؛ فجرى ذلك مَجْرى
"قبَّض تلك" في انفصاله من الأول.
"من العرب من
يشبه تاء الفاعل بتاء افتعل":
قال أبو عثمان: ومن العرب من يُشَبِّه هذه التاء بتاء
"افتعَل" فيقول: "فحططُ برِجْلي"، وزعم1 أنه أنشد2 بعض
العرب:
وفي كل حي قد خبط بنعمة
فحق لشاس من نداك ذنوب
قال أبو الفتح: وجه الشبه بين تاء "فعلت" وتاء "افتعل" أنها
اسم الفاعل، والفاعل وإن كان منفصلا من الفعل فإنه قد
أُجْرِي في مواضع مجرى بعض حروفه.
منها: أنهم قالوا: "ضَرَبْت"، فسكنوا الباء لاتصالها
بالتاء؛ فلولا أن التاء عندهم قد أجريت مجرى اللازم،
ونزلت3 منزلة الجزء من الكلمة لما سكنت الباء.
ألا ترى أنك تقول: "ضربنا", إذا كنتم المفعولين, فلا تسكن
الباء وإن كانت النون متحركة؛ كما تقول: "ضربنا" إذا كنتم
الفاعلين؛ لأن المفعول منفصل من الفعل في4 "ضَرَبَنا"4،
فلذلك5 لم6 يعتد7 فيه باجتماع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وزعم أبو عثمان.
2 ظ، ش: ع: أنشده.
3 ظ، ش: وتنزلت.
4، 4 ساقط من ظ، ش، ع.
5 فلذلك: ساقط من ظ، ع.
6 ظ، ع: فلم.
7 ظ، ش، ع: يعتد.
ج / 2 ص -333-
أربع متحركات، والفاعل متصل في1 "ضَرْبنا"1
فلم يقولوا فيه2: "ضَرَبنا"؛ لأن3 النون3 والألف اسم
الفاعلين؛ كما لم يجمعوا في كلمة واحدة أربع متحركات إلا
ما كان محذوفا منه نحو: "عُلَبِط وهُدَبِد".
ومنها: استقباحهم العطف على هذه التاء ونحوها في قولهم:
"قمت وزيد"؛ لأنها تنزلت منزلة4 الباء من "ضَرَب"، فكما
يقبح5 أن يعطف على بعض حروف الفعل، كذلك استقبحوا العطف
على ما هو جار مجرى بعضها.
ومنها: أنهم قالوا: "هما يقومان" فجاءوا بالنون6 التي هي
علم الرفع بعد الألف التي هي علامة تثنية الضمير6 كما تجري
الضمة على حرف الإعراب في الواحد فصارت7، علامة8 تثنية8
الفاعلين بمنزلة الميم من "يقوم"؛ لأن علم9 الرفع9 جاء
بعدها كما10 تجيء بعد الميم من "يقوم"10.
ومنها: أن الفاعل لا يجوز تقديمه على الفعل، كما لا يجوز
تقديم الباء من "ضَرَب" على الضاد، وليس كذلك خبر
الابتداء؛ لأنه يجوز تقديمه على المبتدا.
ومنها: أنك تقول: "قامت هند"، فتأتي11 بعلامة التأنيث في
الفعل، والمؤنث في الحقيقة12 هو الفاعل؛ لأن الأفعال لا
يصح فيها التأنيث؛ فصار مجيئك بعلامة التأنيث في الفعل
كمجيئك به في الفاعل لامتزاجهما، ومصيرهما بمنزلة الكلمة
الواحدة.
ومنها: أنهم قد بنوا بعض الأفعال مع فاعله بناء الجزء
الواحد، حتى13
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، ع.
2 فيه: ساقط من ظ، ش، ع.
3، 3 ظ، ش، ع: والنون.
4 ظ، ش: منزلة الجزء في.
5 ظ، ش، ع: لم يجز.
6، 6 ع: فجاءوا بعلم الرفع بعد علم التثنية للضمير.
7 ظ، ش، ع: فصار.
8، 8 ظ، ش: أسماء. وع: علم.
9، 9 ظ، ش: العلم.
10، 10 ساقط من ع.
11 ظ: فأتى.
12 ظ, ش: الحقيقة إنما.
13 ظ، ش: حين.
ج / 2 ص -334-
احتاجا إلى ما يحتاج إليه الجزء الفرد1،
وذلك قولهم: "حَبَّذا زيد"، فتنزل "زيد" من "حَبَّذا" -وإن
كان فِعْلا وفاعلا- تنزُّله من المبتدأ الذي هو جزء واحد.
ومنها: أن أبا عثمان قال في قوله تعالى:
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}: إنه أراد: "ألْقِ ألْقِ"
مكررا للتوكيد، فاستغنى بتثنية الفاعل عن تكرير الفعل،
فلولا2 أن الفعل والفاعل كالشيء الواحد لما أغنت تثنية
الفاعل عن تكرير الفعل2.
فهذه سبعة أدلة تدل على شدة اتصال الفعل بالفاعل، وفيه غير
هذا فتركته؛ لأن في بعض هذا مَقْنَعا. فلما اتصل الفاعل
بالفعل، وتنزل منزلة الجزء منه شبهت التاء في "فَحَصْت"
بتاء "افْتَعَل" فقالوا: "فَحَصْط برِجْلي"، كما قالوا:
"اصْطَلَحوا، واصْطَبَحوا".
وإنما كان الوجه الإظهار؛ لأنه وإن دلت هذه الإدلة على شدة
الاتصال؛ فليست بمخرجتهما3 من أن يكونا جزأين يستقلان
بأنفسهما، ويستغنيان عن غيرهما؛ فجرى "قمت، وبعت" في
الاستقلال مجرى "زيد قائم، وبكر منطلق".
وأيضا فإن4 هذه4 التاء إنما هي إضمار المظهر، والإظهار قبل
الإضمار؛ وإنما هي في موضع "زَيْد" من قولك: "قام زيد"
و"قام" منفصل من "زيد" لفظا ومعنى.
"لم لم يجز
القلب في نحو "خبط تلك"":
قال أبو عثمان: فإذا تحركت هذه الحروف5 لم يكن6 ذلك، نحو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: المفرد. وع: الواحد.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ: بمخرجتها.
4، 4 ظ، ش: فهذه.
5 ص وهامش ظ: الحروف. وصلب ظ، ش وهامش ص: التاء.
6 ع: يجز.
ج / 2 ص -335-
"خَبَطَ1 تلك"1 وإنما يفعل هذا بهذه التاء؛ لأنها بنيت مع
الفعل؛ فصارت كبعض حروفه، فأشبهت تاء "افْتَعَل" التي في
بناء الفعل.
قال أبو الفتح: إنما لم يجز القلب في نحو: "خَبطَ تِلْك،
وقَبَضَ تِلْك" لأنه قد كان الوجه إذا سكن الأول في نحوها2
ألا3 يبدل نحو: "قَبَّض تلك وغَلَّظ تلك" فلما تحرك الحرف
فصلت الحركة بينهما؛ فصار اختلاف الحرفين وحجز الحركة
بينهما -في منع البدل- بمنزلة الحرف4 الحاجز4 بين المثلين؛
فكما لا يدغم نحو: "تسلّما مالكما" لحجز الألف بين الميمين
كذلك لا يجوز أن تغير التاء في: "قَبَضَ تلك، وخَبَطَ تلك"
والحركة بين المختلفين تجري مجرى الحرف بين المثلين، وقد
تقدمت5 الدلالة على مشابهة تاء "فعلت" لتاء "افْتَعَل".
"جواز الإظهار
والإدغام في "اقتتلوا ويقتتلون"":
قال أبو عثمان: فأما قولهم: "اقْتَتَلوا، ويَقْتَتِلون"
فإنه يجوز في هذا البيان والإدغام.
فإن قلت: ما بال البيان يجوز هنا وهما في كلمة واحدة، لم
لا يكون هذا بمنزلة "رَدّ ويَرُدّ" إذا تحرك الحرف
الأخير6؟
فإنما ذاك7؛ لأن تاء "افتَعَل" لا يلزمها أن يكون بعدها
تاء أبدا.
ألا تراها في أكثر الكلام تجيء وحدها ليس بعدها مثلها،
وذلك مثل "اغْتَلَم واحْتَلَم، واجْتاب، واكْتال"، وذلك8
أكثر من أن يُحْصي؟ فلذلك جاز في "اقتتل القوم" الإظهار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش، وهامش ص: خبط تلك. وصلب ص: خبطت.
2 ظ، ش، ع: نحو هذا.
3 ع: أن.
4، 4 ظ: الحركة الحاجز. وش: الحركة الحاجزة.
5 ظ، ش: بينت.
6 ظ، ش: الآخر.
7 ظ، ش، ع: ذلك.
8 ظ، ش، ع: فهذا.
ج / 2 ص -336-
قال أبو الفتح: يقول: لم أظْهَرْت
"اقْتَتَلوا" وقد اجتمع فيه حرفان من جنس واحد متحركان،
وهلا أجريتهما1 مجرى دالي "ردّ، وشدّ"، وليس2 التاءان في
كلمتين فتجريهما مُجْرى: "فَعَل لَبيد وقَعَدَ داود"؟
قال: فالفصل بينهما أن دالي "رَدَدْت" لا بد لإحداهما من
الأخرى في كل موضع، وتاء "افتعل" لا يلزم أن يكون بعدها
أبدا تاء نحو: "احْتَلَم، واغْتَلَم" فلم تلزم الأولى
الثانية؛ فجرى ذلك مجرى تصحيح نحو3: "رُؤْيا" لأن الواو
غير لازمة.
وفي الإدغام وجوه:
منهم من يقول: "قَتَّلوا".
ومنهم4 من يقول: "قِتَّلوا".
ومنهم من يقول: "قِتِّلوا"4.
وفي المصدر: "قِتَّالا".
وفي اسم الفاعل: "مُقَتِّل، ومُقِتِّل، ومُقُتِّل".
قال سيبويه: وأخبرني الخليل وهارون أن ناسا يقرءون: "من
الملائكة مُرُدِّفين"5 يريد: مُرْتَدِفين.
وقد استقصيت هذا الباب فيما مضى.
"الإظهار
والإدغام في "هم يضربونني" ونحوه":
قال أبو عثمان: ومثل ذلك: "هم يضربونني ويشتمونني" يجوز
فيهما6 الإظهار والإدغام. ومثله: "هو يَدْفِنُنِي" لأن هذه
النون لا يلزمها أن يكون بعدها نون، وإنما تكون إذا عنى
المتكلم نفسه، وهذا كثير؛ وقد مضى تفسيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: جريتهما.
2 ش: وليست.
3 نحو: ساقط من ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 من آخر الآية 9 من سورة الأنفال 8.
6 ظ، ش: فيها.
ج / 2 ص -337-
قال أبو الفتح: يقول: إنما جاز1 الإظهار في
نحو: "يضربونني، ويضربانني ويمكنني، ويدفنني" وإن كان
المثلان متحركين في كلمة واحدة؛ لأنه لا يلزم الأولى أن
يكون بعدها مثلها.
ألا ترى أنهم يقولون: "يضرِبون زيدا، ويضربانِك، ويمكنُك"؟
فلما لم تلزم الثانية لم يُعْتد بها، وجرى ذلك مجرى
"اقْتَتَلوا" في الإظهار.
ومن يدغم يجريه مجرى اللازم فيقول: "يضوبونَّا، وهو
يُمكِّني" قال الله تعالى:
{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ
هَدَانِ}2.
ومنهم من يحذفون النون الآخرة إذا كانت قبلها النون التي
ليست حرف الإعراب، فيقول: "أنتما تضرباني، وهم يقتلوني"،
قال الشاعر:
أبالموت الذي لابد أني
ملاق لا أباك تخوفيني
يريد3: "تخوفينني"، فحذفت الآخرة3.
وقال الآخر:
انظرا قبل تلوماني إلى
طلل بين النقا فالمنحنى
يريد: "تلومانني"، فيجوز أن يكون حذف "أن" وهو يريدها كأنه
قال: "قبل أن تلوماني" فحذف النون للنصب؛ لأنه قد أضاف
"قبل" وحكم الإضافة أن تكون إلى الأسماء فإذا أضمر "أن"
فكأنه قال: "قبل لومكما".
ويجوز أن يكون أضاف "قبل" إلى الفعل؛ لأنها ظرف، فجرت
مجرى: "أقوم يوم ييقوم زيد" ثم حذف النون الثانية تخفيفا.
وقال الآخر:
تراه كالثغام يعل مسكا
يسوء الفاليات إذا
فليني4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ع: جاء.
2 من الآية 80 من سورة الأنعام 6؛ وقد هدان: ساقط من ع.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ص: الفانيات إذا قليني. وظ، ش، ع: الفاليات إذا فليني.
وكذلك رواية سيبويه، وخزانة الأدب، وهو الصواب؛ أما رواية
ص فلا معنى لها.
ج / 2 ص -338-
يريد: "فَلَيْنَنِي"1، فحذف النون الآخرة،
كما حذفها من: "تُخوّفِيني" وكانت الآخرة أولى بذلك في
"تخوفيني"؛ لأن الأولى عَلَم2 الرفع، والثانية إنما كانت3
جيء بها في الواحد ليسلم حرف الإعراب من الكسر، ويقع الكسر
عليها، فتركت4 في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد.
فلما اضطر في الجمع حرك النون التي هي علم الرفع بالكسر،
ولم يمتنع من ذلك؛ لأنها ليست حرف الإعراب فيكره فيها
الكسر.
وأما5 "قَلَيْني"5 فحذف6 الأولى منه6 أبعد في7 الجواز؛
لأنها علامة الأسماء المضمرة.
وقرأ بعضهم: "قال8 أتحاجوني في الله"8 فحذف النون الأولى
التي هي علم الرفع، كما يقول: "هو9 يمكني" فيحذف الضمة
للتخفيف؛ كذلك10 يحذف النون للتخفيف10، ولا يجوز أن تكون
المحذوفة الثانية؛ لأنها من الاسم11 المضمر11 ولا12 يمكن
حذفها.
ومن قال: "أتحاجوني" فأدغم النون لم يمكنه أن يفعل ذلك
نحو: "هُنَّ يَضْرِبْنَنِي" لأن الباء ساكنة، فلا يجتمع
ساكنان؛ ولكن الإخفاء عندي جائز، وهو مخفي بزنته معلنا،
ولكن من قال: "رَضَيْنَنِي، وهَوْيني" جاز له الإدغام -وإن
اجتمع ساكنان- لأن قبل الأول منهما ياء مكسورا ما قبلها؛
فجرت مجرى الواو في "أتحاجوني13".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: قلينني. وظ، ش، ع: فلينني، وهو الصواب.
2 ظ، ش: علامة.
3 كانت: ساقط من ع.
4 ظ، ش: وتركت.
5، 5 ظ، ش: فأما فلينني. وفي ع: فأما، فقط.
6، 6 ظ: الأولى منها، وش: النون منها.
7 ظ، ش، ع: من.
8، 8 من الآية 80 من سورة الأنعام 6، وفي ظ، ش: قل
أتحاجونا.
9، هو: ساقط من ظ، ش.
10، 10 ساقط من ظ، ش.
11، 11 ع: الأسماء المضمرة.
12 ظ، ش، ع: فلا.
13 ظ، ش: أتحاجونا.
ج / 2 ص -339-
ومن قال هذا قال أيضا في "قَلَيْنَنِي1،
ورَمَيْنَنِي: قَلَيَنِّي2، ورَمَيَنِّي" فأدغم كما قال: "
هوَيَنِّي ورَضَيَنِّي" لأن الياء الساكنة التي قبلها فتحة
قد يقع بعدها المدغم؛ لما فيها من بقية المد؛ كما قالوا:
"في جَيْب بَكْر: جَيبَّكر". وكذلك يجوز في "غَزَوْنَنِي:
غزوّني"، كما تقول في "ثَوْب بَكْر: ثَوْبَّكر" والعلة
واحدة.
والإظهار عندي في "فَعَلْنَنِي" ونحوه مما لامه ياء أو واو
أحسن3 منه في "يفعلانني، وتفعلونني" لأن النون في
"قلِنني4" اسم قد قُوِّي بالحركة؛ لأنه على أقل ما تكون
عليه الكلم؛ فإذا سكنته للإدغام زالت قوته، وليس كذلك "فعل
لبيد" لأن "فَعَل" على ثلاثة أحرف؛ ولأن اللام ليست اسما
كالنون، فاعتدل إدغام "فعل لبيد" وإظهاره.
وإدغام نون "قلينني"5 جائز أيضا حسن -وإن كانت النون اسما-
كما تقول: "ضربك كَّلَدَة"، فتدغم الكاف في6 الكاف6، وإن
كانت اسما.
"افتعل من
الضوء":
قال أبو عثمان: ومما يسأل عنه مما قد مضى بيان أصله:
"افتعل من الضوء" تقول7 فيه7: "اضطاء" فاعلم كقولك:
"اكتال" إلا أن التاء تبدل طاء؛ لأن قبلها ضادا، وتقلب
الواو ألفا كما فعلت ذلك "باكْتَال8"، وفي9 "مُقْتال"9،
والياء كالواو في هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قليني.
2 ظ، ش: فليني.
3 ظ: وأحسن.
4 ظ، ش: فليني.
5 ظ، ش: فلينني.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
7، 7 ظ، ش: قد.
8 ش: في اكتال - و"باكتال" ساقط من ع.
9، 9 ساقط من ش. وهو في ط: "في مقتال".
ج / 2 ص -340-
قال أبو الفتح: أصل هذا: "اضْتَوَأ" فقلبت
التاء طاء، كما قالوا: "اضْطَرب"، وقلبت الواو ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصار: "اضْطاء1".
وتقول في تصريفه: "اضطاء يضْطاء اضْطياء"، كما تقول:
"اقْتاد يقْتاد اقْتِيادا". وأصل "اكتال: اكْتَيل" فقلبت
الياء كما قلبت الواو.
"مفتعل من
التصوير":
قال أبو عثمان: وتقول في "مفتعل من التصوير: مُصْطار"،
وكذلك جميع مسائل هذا فقسها2 كما ذكرت لك، وإن كثرت
المسائل فقد خُبِّرْت بأصلها، فقسها3 عليها4، إن3 شاء
الله.
قال أبو الفتح: أصل هذا: "مُصْتَوِر"5 فأبدلت التاء طاء
كما قالوا: "اصطَبر" وأبدلت6 الواو ألفا لتحركها وانفتاح
ما5 قبلها.
"الجدير بالنظر
في التصريف":
قال أبو عثمان: والتصريف إنما ينبغي أن ينظر فيه من قد
نَقَّب في العربية، فإن فيه إشكالا وصعوبة على من ركبه غير
ناظر في غيره من النحو. وإنما هو والإدغام والإمالة فضل من
فضول العربية، وأكثر من يسأل عن الإدغام والإمالة القراء
للقرآن؛ فيصعب عليهم؛ لأنهم لم يعملوا أنفسهم فيما هو7
دونه من العربية، فربما8 سأل الرجل منهم عن المسألة قد سأل
عنها بعض العلماء فكتب لفظه، فإن أجابه غير ذلك العالم
بمعناه وخالف9 لفظه كان عنده مخطئا، فلا يلتفت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: اضطاءم.
2 ظ، ش، ع: فقسه.
3، 3 في صلب ع: فقس عليه؛ وبين سطورها: "فقسه".
4 ظ، ش: عليه.
5، 5 بدله في ع: "فأبدل الياء والواو كما فعل فيما".
6 ظ، ش، فأبدلت.
7 هو: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: وربما.
9 ش: وخالفه.
ج / 2 ص -341-
إلى قوله: أخطأت؛ فإنما يحمله على ذلك جهله
بالمعاني، وتعلقه بالألفاظ "وهذا"1 آخر الكتاب عن2 أبي
عثمان2.
قال3 أبو الفتح3: هذا الذي حكاه أبو عثمان عن هؤلاء القوم
مستفيض مشهور، وقد مر بي4 منه مع كثير منهم5 أشياء كثيرة،
لا تساوي حكايتها، وهم عندي كالمعذورين فيه؛ لصعوبة هذا
الشأن.
وحكي لي عن بعض مشايخهم ممن كان له اسم فيهم وصيت، أنه
قال: الأصل في "قوّة: قُوَية"، كأنه لما رأى أن اللام في
"قويت" ياء، توهمها أصلا في الكلمة، ولم يعلم أنها انقلبت
عن الواو لانكسار ما قبلها؛ ولا أن "القوة"6 من مضاعف
الواو.
ولو توقف عن الفتيا -بما لا يعلم- لكان أشبه به وأليق.
فهذا ما اقتضاه القول عندي في شرح هذا الكتاب. على أنني قد
اختصرت مواضع فيه، وقضيت القول فيها، بعد أن وفيتها حقوقها
مما يحتمله الكتاب.
وأنا7 أتبع8 هذا تفسير ما فيه من اللغة بشواهده وحججه، ثم
أذكر بعد ذلك المسائل المشكلة.
والله الموفق، وبه الاستعانة، وهو حسبي9 ونعم الوكيل10، 7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الزيادة من ظ، ش.
2، 2 ظ، ش: أبي عثمان بكر بن محمد المازني رحمه الله.
3، 3 ظ: قال الشيخ أبو الفتح عثمان بن جني الأزدي النحوي
رحمه الله, وسقط من ش: الشيخ.
4 ظ: به.
5 منهم: ساقط من ش.
6 ص: ولأن, وهو خطأ.
7، 7 ع: وأنا أتبع هذا، المسائل المشكلة، ثم تفسير ما فيه
من اللغة بشواهده وحججه، والله الموفق وبه الاستعانة؛ وهو
حسبنا ونعم الوكيل.
8 ظ، ش: قال أبو الفتح وأنا.
9 ظ، ش: حسبنا.
10 ظ، ش: الوكيل وصلى الله على النبي محمد وآله أجمعين؛
يتلوه في المجلدة الثالثة تفسير ما فيه من اللغة، إن شاء
الله. |