أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

ج / 4 ص -180-        [باب جوازم المضارع]:
[ما يجزم فعلا واحدا]:
فصل: وجازم الفعل نوعان: جازم لفعل واحد، وهو أربعة:
"لا" الطلبية؛ نهيًا كانت؛ نحو:
{لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}1؛ أو دعاء؛ نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا}2، وجزمها فعلَيِ المتكلم مبنيين للفاعل نادر؛ كقوله3: [البسيط]

508- لا أعرِفَنْ ربربًا حورًا مدامعُها4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "31" سورة لقمان، الآية: 13.
موطن الشاهد: {
لا تُشْرِكْ}.
وجه الاستشهاد: جزم الفعل المضارع بـ "لا" الناهية الطلبية؛ وحكم الجزم بـ "لا" الناهية الوجوب.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 286.
موطن الشاهد:
{لا تُؤَاخِذْنَا}.
وجه الاستشهاد: جزم فعل "تؤاخذنا" بـ "لا" الدعائية؛ وحكم الجزم بلا الدعائية الوجوب.
3 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر ببيت، وعجزه قوله:

مردَّفات علي أعقاب أكوارِ

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 245، والأشموني في "1045/ 3/ 573"، وسيبويه: 2/ 150 وفيه برواية:

كأن أبكارها نعاج دوارِ

والمحتسب: 2/ 86، والمغني: "446/ 324" برواية أخرى، والسيوطي: 213، وديوان النابغة: 42.
المفرادات الغريبة: ربربا: اسم القطيع من بقر الوحش، أو الضباء، وقد شبه به الجماعة، من النساء في حسن عيوهن، وهدوئهن. حورا جمع حوراء؛ من الحور؛ وهو شدة سواد العين من شدة بياضها. مدامعها: جمع مدمع: اسم مكان؛ والمراد: العيون؛ لأنها أماكن =

 

ج / 4 ص -181-        وقال1: [الطويل]

509- إذا ما خرجنا من دمشق فلا نَعُدْ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الدمع؛ من إطلاق الحال وإرادة المحل. مردفات: مركبات خلاف الراكبين؛ كل واحدة رديف لراكب. أكوار: جمع كور؛ وهو الرحل بأداته. أعقاب: جمع عقب؛ وهو المؤخر من كل شيء.
المعنى: لا يكن نساء جميلات تشبه الغزلان، وبقر الوحش في الرشاقة وخفة الحركة وحور العين؛ فأعرفها؛ قد ركبن خلف الراكبين على مؤخر الرحل، فأقيم المسبب مقام السبب. وكانت عادة العرب أن يجعلوا النساء المسبيات مردفات خلف من استباهن، وعلى رواية سيبويه: الأبكار: صغار بقر الوحش، وأراد بها الجواري من النساء. والنعاج: جمع نعجة، وهي البقرة الوحشية. ودوار: ما استدار من الرمل، يدور حوله الوحش. يريد: لا تقيموا بهذا المكان، فأعرب نساءكم مسبيات.
الإعراب: لا أعرفن: ناهية جازمة ويجوز أن تكون نافية. أعرفن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ "لا" الناهية؛ والفاعل: أنا.
ربربا: مفعول به لـ "أعرف" منصوب. حورا: صفة لـ "ربربا" منصوب. مدامعها: فاعل لـ "حورا" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة. مردفات: حال من ربرب؛ منصوب، وعلامة نصبه الكسرة بدل الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. "على أعقاب": متعلق بقوله: "مردفات"، وأعقاب: مضاف. أكوار: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "لا أعرفن".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "أعرفن" مبنيا على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد؛ وهو مجزوم محلا بـ "لا" الناهية مع كونه للمتكلم؛ وهو مبني للمعلوم؛ وحكم ذلك شاذٌّ، وخلاف المألوف؛ ولو كان الفعل مبنيا للمجهول؛ لكان دخول "لا" الناهية عليه غير شاذ؛ لأنه جاء في أشعار من يحتج بشعرهم استعمالها كثيرا معه، كما في قول الشاعر:

يا حارِ لا أُرْمَيَن ْمنكم بداهية                  لم يلقها سوقة قبلي ولا ملكُ

وإذا عددنا "لا" نافية؛ جاء توكيد المضارع بعدها شذوذا؛ لأن نون التوكيد يكثر دخولها على الفعل الطلبي؛ وكلا الوجهين إذًا فيه شذوذ؛ وأفضلهما: ما ذهب إليه المؤلف.
1 ينسب هذا البيت إلى الفرزدق، وينسب إلى الوليد بن عقبة.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، عجزه قوله:

لها أبدا ما دام فيها الجراضمُ

وفيه يعرض الشاعر بمعاوية بن أبي سفيان.

 

ج / 4 ص -182-        ويكثر "لا أخرج" و"لا نخرج"؛ لأن المنهي غيرُ المتكلم1.
واللام الطلبية2؛ أمرا كانت؛ نحو:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ}3، أو دعاء؛ نحو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 246، ونسبه إلى الوليد بن عقبة، والأشموني: "046/ 3/ 874"، وأمالي ابن الشجري: 2/ 266، والعيني: 4/ 420، والمغني: "451/ 326" ونسبه للفرزدق، والسيوطي: 216، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: الجراضم: الكبير البطن، الكثير الأكل، وكان معاوية معروفا بذلك.
المعنى: واضح.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه. ما: زائدة، لا محل لها من الإعراب. خرجنا: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بـ "نا" الدالة على الفاعلين؛ و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛ وجملة "خرجنا": في محل جر بالإضافة بعد إذا. "من دمشق": متعلق بـ "خرج"، ودمشق: ممنوع من الصرف. فلا: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم، ولا: ناهية، أو دعائية.
تعد: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" وعلامة جزمه السكون، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: نحن. "لها": متعلق بقوله: "نعد". "أبدا": متعلق بقوله: "نعد" أيضا؛ وجملة "لا نعد لها أبدا": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ما دام: "ما" مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب. دام: فعل ماضٍ ناقص "فيها": متعلق بخبر "دام" المتقدم على اسمه. الجراضم: اسم "دام" مؤخر مرفوع؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": مجرور بإضافة اسم زمان منتصب بقوله "نعد"؛ والتقدير: فلا نعد مدة دوام الجراضم فيها.
موطن الشاهد: "فلا نعد".
وجه الاستشهاد: جزم الفعل المضارع "نعد" وهو للمتكلم المبني للمعلوم بلا الناهية؛ أو الدعائية؛ وحكم هذا أنه قليل، وخلاف المألوف.
1 وهو الفاعل المحذوف النائب عن ضمير المتكلم، والأصل: لا يخرجني، ولا يخرجنا أحد، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمي:

يا حارِ لا أرمين منكم بداهية                  لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك

2 حركتها الكسر؛ وفتحها: لغة سليم؛ وتسكينها بعد الفاء والواو أكثر؛ وتحريكها بعد "ثم" أجود. وقد تحذف، ويبقى عملها.
3 "65" سورة الطلاق، الآية: 7.
موطن الشاهد:
{لِيُنْفِقْ}.
وجه الاستشهاد: جزم فعل "ينفق" بلام الأمر؛ وحكم جزمه بهذه اللام الوجوب.

 

ج / 4 ص -183-        {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}1، وجزمها فعلي المتكلم مبنيين للفاعل قليل؛ نحو: "قوموا فلأصلِّ لكم"2، و{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}3، وأقل منه: جزمها الفاعل المخاطب؛ نحو: {فَبِذَلِكَ فَلْتفْرَحُوا}4؛ في قراءة؛ ونحو: "لتأخذوا مصافكم"6، والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "43" سورة الزخرف، الآية: 77.
موطن الشاهد:
{لِيَقْضِ}.
وجه الاستشهاد: جزم فعل "يقض" باللام الطلبية الدعائية؛ وحكم الجزم بهذه اللام الوجوب؛ وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره.
2 أي: لأجلكم. والفاء لعطف جملة طلبية على مثلها؛ و"أصل" مجزوم بلام الأمرن وعلامة جزمه حذف الياء. لكم: اللام للتعدية؛ لأن الصلاة بمعنى الدعاء. وهذا الحديث عن أنس؛ فقد روى أن جدته مليكة دعت الرسول عليه الصلاة والسلام لطعام صنعته، فأكل ثم قال:
"قوموا فلأصل لكم"، وتقدم النبي، وخلفه أنس واليتيم، وقامت العجوز من ورائهما، فصلى ركعتين، ثم انصرف.
موطن الشاهد:
"فلأصل".
وجه الاستشهاد: جزم فعل "أصل" بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ وحكم الجزم بلام الأمر لفعل المتكلم قليل.
3 "29" سورة العنكبوت، الآية: 12.
موطن الشاهد:
{لْنَحْمِلْ}.
وجه الاستشهاد: جم فعل "نحمل" بالام الطلبية؛ وجزم اللام لفعل المتكلم قليل، كما أشرنا سابقا.
4 "10" سورة يونس، الآية: 58.
أوجه القراءات: قرأ ابن عامر، وعثمان بن عفان، وأبي، وأنس، والحسن، وابن هرمز وغيرهم: "فلتفرحوا" بالتاء، وقرأ غيرهم:
{فَلْيَفْرَحُوا}.
البحر المحيط: 5/ 172، ومعاني القرآن للفراء: 1/ 465، والنشر: 2/ 285.
وجه الاستشهاد: جزم فعل "تفرحوا" وهو للفاعل المخاطب، بلام الأمر؛ وجزم اللام لفعل الفاعل المخاطب قليل؛ كما هو واضح في المتن.
5 ونظير هذا قول الشاعر:

لتقمْ أنت يابن خير قريش                   كي لتُقضى حوائج المسلمينا

6 هذا حديث شريف. القرطبي: 354.
وفي مسلم: عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لتسون صفوفكم، وليخالفن الله بين وجوهكم". ضياء السالك: 3/ 392.
موطن الشاهد:
"لتأخذوا".
وجه الاستشهاد: جزم فعل "تأخذوا" بلام الأمر؛ وجزمها لهذا الفعل الذي فاعله مخاطب قليل.

 

ج / 4 ص -184-        الأمر1.
و"لم" و"لما"2؛ ويشتركان في: الحرفية، والنفي، والجزم، والقلب للمضي3.
[أوجه اختلاف لم ولما]:
وتنفرد "لم" بمصاحبة الشرط؛ نحو:
{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر الزجاج أن جزم الفعل المخاطب بلام الأمر لغة جيدة، وهذا الكلام مقبول؛ لوروده في الحديث الصحيح، وفي قراءة جماعة من أعلام الصحابة. التصريح: 2/ 246.والجنى الداني: 110.
2 تختلف "لما" الجازمة عن "لما" الظرفية؛ التي بمعنى "حين" أو "إذا"؛ والتي كثيرا ما تدخل على الماضي؛ نحو قوله تعالى:
{فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ}. وكذلك تختلف عن "لما" بمعنى إلا؛ التي لا تدخل غالبا إلا على الجمل الاسمية؛ نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، أو على الماضي؛ لفظا، لا معنى؛ نحو: أنشدك الله لما فعلت كذا.
3 فيكون الفعل مضارعا، في صورته، وإعرابه، ولكن زمنه ماضٍ، ويختصان كذلك بالمضارع، ويجوز دخول همزة الاستفهام، ولا سيما التقريري عليهما؛ مع بقائهما على عملهما؛ نحو:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، وألما تترك اللهو وقد شبت؟!
4 "5" سورة المائدة، الآية: 67.
موطن الشاهد:
{إِنْ لَمْ تَفْعَلْ}.
وجه الاستشهاد: مصاحبة الشرط "إن" لـ "لم"؛ وفي هذه الحالة، يتجرد المضارع بعدها لم للمستقبل، ويبطل تأثيرها في قلب زمنه للماضي، ويكون عمل الجزم في هذه الحالة للشرط؛ لسبقه، وتقتصر "لم" على إفادة النفي من دون الجزم؛ وقيل: إن "لم" هي الجازمة؛ لاتصالها بالفعل مباشرة، وأداة الشرط مهملة؛ والأول أرجح. ضياء السالك: 3/ 394.

 

ج / 4 ص -185-        وبجواز انقطاع نفي منفيها1، ومن ثم جاز: "لم يكن ثم كان" وامتنع في "لما"2.
وتنفرد "لما" بجواز حذف مجزومها؛ كـ "قاربت المدينة ولما" أي: ولما أدخلها؛ فأما قوله3: [الكامل]

510- يوم الأعازب إن وصلت وإن لَمِ4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى، وانقطع قبل زمن التكلم؛ نحو:
{لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}؛ لأن معناه: ثم كان بعد ذلك، ويجوز أن يكون مستمرًا متصلًا بالحال ووقت التكلم، ولا ينقطع نحو قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
2 لأنه يجب اتصال نفي منفيها بحال النطق؛ كما سيأتي. وزعم بعضهم: أن بعض العرب قد ينصب المضارع بـ "لم" وبعضهم يهملها، فلا تنصب، ولا تجزم، والحق: عدم الاعتداد بمثل ذلك، وتأويل ما سمع منه.
ضياء السالك: 3/ 394، والتصريح: 2/ 247.
3 القائل: هو إبراهيم بن هرمة القرشي، ويكنى أبا إسحاق، شاعر غزل من سكان المدينة، ومن مخصرمي الدولتين؛ الأموية والعباسية، مدح خلفاء بني العباس، كان مولعا بالشراب، وجلد لذلك. وهو آخر من يحتج بشعرهم.
الشعر والشعراء: 2/ 753، تجريد الأغاني: 597-744، الأغاني: 4/ 101، الخزانة: 1/ 203.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

احفظ وديعتك التي استودعتها

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 247، والأشموني: "1056/ 576"، والعيني: 4/ 443، والخزانة:3/ 328، والهمع: 2/ 56، والدرر: 2/ 72، والمغني: "511/ 369"، والسيوطي: 233.
المفردات الغريبة: يوم الأعازب؛ وقيل: الأغارب: يوم معهود من أيام العرب؛ وأنكره بعضهم كالبغدادي.
المعنى: واضح.
الإعراب: احفظ: فعل أمر، والفاعل: مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. وديعتك: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. التي: اسم موصول في محل نصب صفة لـ "الوديعة". استودعتها: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول؛ =

 

ج / 4 ص -186-        فضرورة، وبتوقع ثبوته؛ نحو: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}2، ومن ثم امتنع: "لما يجتمع الضدان"3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و"ها": ضمير متصل، مبني على السكون، في محل نصب مفعول به ثان؛ وجملة "استودعتها": صلة للموصول الاسمي، لا محل لها. "يوم": متعلق بـ "استودعتها"، وهو مضاف. الأعازب: مضاف إليه مجرور. إن: شرطية جازمة. وصلت: فعل ماضٍ، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل؛ وهو في محل جزم فعل الشرط؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه. وإن: الواو عاطفة، إن: شرطية جازمة. لم: حرف نفي وجزم وقلب؛ والمجزوم به محذوف؛ والتقدير: "وإن لم تصل"؛ وجملة الفعل المضارع المحذوف المجزوم بـ "لم" فعل الشرط؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سابق الكلم عليه؛ والتقدير: وإن وصلت فاحفظ وديعتك؛ وإن لم تصل فاحفظ وديعتك؛ والمراد: احفظ على كل حال.
موطن الشاهد: "وإن لم".
وجه الاستشهاد: حذف المجزوم بـ "لم"؛ لأن التقدير: وإن لم تصل؛ وحكم هذا الحذف الجواز للضرورة؛ ومثل هذا قول الشاعر:

يا رب شيخ من لكيز ذي غنم                    في كفه زيغ وفي الفم فقم

أجلح لم يشمط وقد كاد ولم

فالتقدير: وقد كاد ولم يجلح؛ وقيل: إنما لم يجز الاكتفاء بـ "لم" وحذف ما تعمل فيه إلا في الشعر؛ لأنها عامل ضعيف، فلم يتصرفوا فيها بحذف معمولها في حال السعة. انظر الدرر: 2/ 72.
1 "38" سورة ص، الآية: 8.
موطن الشاهد:
{لَمَّا يَذُوقُوا}.
وجه الاستشهاد: وقوع مجزوم "لما" متوقعا ثبوته؛ والتقدير: إلى الآن ما ذاقوا وسوف يذوقونه
التصريح: 2/ 247.
2 49 سورة الحجرات، الآية: 14.
موطن الشاهد:
{لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع منفي "لما" متوقعا ثبوته؛ والتقدير: إلى الآن ما دخل الإيمان في قلوبكم، وسوف يدخل؛ و"يدخل": فعل مضارع مجزوم بـ "لما"، وعلامة جزمه السكون وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين.
3 لاستحالة دخولهما وتوقع المستحيل محال.

 

ج / 4 ص -187-        [الجوازم التي تجزم فعلين اثنين]:
وجازم لفعلين1؛ وهو أربعة أنواع:
حرف باتفاق؛ وهو "إن.
وحرف على الأصح؛ وهو "إذ ما"2.
واسم باتفاق؛ وهو: من، وما، ومتى، وأي، وأين، وأيان، وأنى، وحيثما.
واسم على الأصح؛ وهو "مهما"3.
وكل منهن يقتضي فعلين؛ يسمي أولهما: شرطا: وثانيهما: جوابا وجزاء،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القول بأن أداة الشرط جازمة للشرط والجواب جميعا؛ هو قول البصريين، واختاره ابن عصفور والأبَّدي، وينسب إلى الأخفش القول: بأن فعل الشرط مجزوم بالأداة، وأما الجواب؛ فمجزوم بفعل الشرط؛ واختار هذا ابن مالك في التسهيل، كما ينسب للأخفش القول: بأن الشرط والجزاء تجازما؛ وينسب لسيبويه القول: بأن الأداة جزمت الشرط، وهي مع الشرط جزما الجواب؛ وهذا خلاف لا طائل تحته. الأشموني: 3/ 584، والتصريح: 2/ 248.
2 ذهب سيبويه: إلى أن "إذما": حرف شرط مثل: إن، وذهب المبرد، والفارسي، وابن السراج: إلى أن "إذا ما" اسم شرط؛ وهو ظرف زمان؛ مثل متى؛ وحجة هؤلاء: أن "إذا" قبل اقترانها بـ "ما"؛ كانت اسما؛ فيجب أن يبقى لها ذلك بعد دخول ما؛ لأن الأصل: عدم التغيير. واعترض أنصار سيبويه بأن دخول "ما" قد غير دلالة "إذا" من الزمن الماضي، إلى المستقبل؛ وردَّ بأن تغير زمانها لا يستلزم تغير ذاتها. ونظائر هذا كثير؛ أقربها دخول "لما"، و"لم" على المضارع فتغير زمانه إلى الماضي، ولم يلزم من ذلك تغير حقيقته؛ بل هو باقٍ على أنه مضارع.
انظر المغني: 120، والتصريح: 2/ 247-248، والجنى الداني: 508.
3 ذهب جمهور النحاة إلى أنها اسم؛ واستدلوا على ذلك بعود الضمير عليها في نحو قوله تعالى:
{مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} إذ الضمير لا يعود إلا على اسم. وذهب السهيلي وابن يسعون: إلى أنها حرف.
انظر التصريح: 2/ 248. والمغني: 435. والكتاب لسيبويه: 3/ 59، والجنى الداني: 609.

 

ج / 4 ص -188-        ويكونان مضارعين؛ نحو: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}1، وماضيين2؛ نحو: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}3، وماضيا فمضارعا؛ نحو: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}4. وعكسه؛ وهو قليل؛ نحو: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له"5؛ ومنه؛ {وإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ}6؛ لأن تابع الجواب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "8" سورة الأنفال، الآية: 19.
موطن الشاهد:
{إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "إن" حرف شرط جازما، جزم فعلين مضارعين؛ الأول: تعودوا؛ وهو فعل الشرط؛ والثاني: نعد؛ وهو جواب الشرط.
2 أي: لفظا فقط؛ لأن هذه الأدوات تقلب الماضي إلى الاستقبال، شرطا أو جوابا.
3 "17" سورة الإسراء، الآية:8.
موطن الشاهد:
{إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}.
وجه الاستشهاد: وقوع "إن" حرف شرط جازم؛ ووقوع كل من فعل الشرط وجوابه؛ فعلا ماضيًا؛ فكلاهما: في محل جزم؛ وكلاهما: ينقلب معناه إلى الاستقبال؛ لأن أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبلا خالصا، ومما ورد فيه معنى الشرط، أو الجواب؛ أو هما معا -واقعا في الماضي- فمؤول؛ نحو قوله تعالى:
{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}، و: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}؛ والتقدير: إن يتبين للمستقبل أني قلته في الماضي، فأنا أعلم أنك قد علمت؛ وهكذا نؤول ما كان على هذه الشاكلة.
4 سورة الشورى، الآية: 20.
موطن الاستشهاد:
{مَنْ كَانَ... نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع فعل الشرط ماضيا، وجوابه مضارعا.
5 هذا حديث نبوي شريف، ومعنى إيمانا: تصديقا بأنها حق وطاعة، واحتسابا: أي طلبا لرضاء الله وثوابه لا للرياء وننحوه.
والحديث أخرجه مسلم: صلاة المسافرين: 176، وكنز العمال: 24087، والبخاري: 1/ 201، 3/ 10 والترمذي: 2196.
موطن الشاهد:
"من يقم.. غفر له".
وجه الاستشهاد: وقوع فعل الشرط فعلا مضارعا، وجواب الشرط فعلا ماضيا في محل جزم جواب الشرط.
6 "26" سورة الشعراء، الآية: 4.
وجه الاستشهاد: وقوع "ظلت" فعلا ماضيا؛ وهو معطوف على الجواب: "ننزل"؛ فيكون جوابا؛ لأن للمعطوف حكم المعطوف عليه ومن الشواهد.

 

ج / 4 ص -189-        جواب1، ورد الناظم بهذين ونحوهما على الأكثرين؛ إذ خصوا هذا النوع بالضرورة2.
ورفع الجواب المسبوق بماضٍ أو بمضارع منفي بـ "لم" قوي3؛ كقوله4:
[البسيط]

511- وإن أتاه خليل يوم مسألة                 يقول: لا غائب مالي ولا حَرِمُ5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشبيه بهذا قول قعنب بن أم صاحب:

إن يسمعوا سبه طاروا بها فرحا               عني، ما يسمعوا من صالح دفنوا

2 حجتهم: أنَّا إذا أعملنا الأداة في لفظ الشرط، ثم جئنا بالجواب ماضيا؛ كنا قد هيئنا العامل للعمل، ثم قطعناه عنه؛ وذلك غير مستساغ. والحق: ما ذهب إليه الناظم؛ لورود الأمثلة الكثيرة التي تؤيده.
فقد روى البخاري الحديث الذي ذكره المصنف، وروى قول عائشة رضي الله عنها: "إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رق"، وذلك عند ما قال عليه السلام:
"مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس". ومنه قول الشاعر:

إن تصرمونا وصلناكم، وإن تصلوا                     ملأتمُ أنفس الأعداء إرهابا

الدرر اللوامع: 2/ 74، والهمع: 2/ 59، والأشموني: 3/ 585.
3 لأن الأداة لما لم يظهر أثرها في الشرط؛ لكونه ماضيا، أو مجزوما بغيرها، وهو "لم" ضعفت عن العمل في الجزاء فحسن رفعه، كما قال ابن مالك:

وبعد ماضٍ رفعك الجزاء حسن                          ورفعه بعد مضارع وهن

والمعنى: إذا كان الشرط ماضيا، والجزاء مثله؛ وجب الجزم، ورفع الجزاء ضعيف، وعند الكوفيين والمبرد: أن الرفع بتقدير الفاء؛ فيكون الفعل المرفوع وفاعله في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف مقترن بالفاء؛ والجملة الاسمية؛ هي الجواب؛ وعند سيبويه: على تقدير حذف الجواب، والمرفوع المذكور دليله. التصريح: 2/ 249-250.
4 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للشاعر، يمدح فيها هرم بن سنان.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 249، والأشموني: "1081/ 3/ 585"، وابن عقيل: "341/ 4/ 35، "والشذور: "175/ 461"، والعيني: 4/ 429، وسيبويه: 1/ 346، والمقتضب: 2/ 70، والمحتسب: 2/ 65، والإنصاف: 625، وشرح المفصل: 8/ 157، والهمع: 2/ 60 والدر: 2/ 76، والمغني: "785/ 522"، والسيوطي: 283، وديوان زهير: 153.

 

ج / 4 ص -190-        ونحو: "إن لم تقم أقوم" ورفع الجواب في غير ذلك ضعيف؛ كقوله: 1
[الطويل]

512- ... من يأتها لا يضيرها2

 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: خليل: المراد هنا: الفقير ذو الحاجة؛ من الخلة؛ وهي الفقر والحاجة. مسبغة: مجاعة، من سغب فلان: إذا اشتد به الجوع. حرم: ممنوع وحرام.
المعنى: يصف هرما، بالكرم والجود، وأنه لا يرد سائلا؛ فيقول: إذا جاءه ذو حاجة، قد أخذ منه الجوع لا يعتذر بضيق ماله، وعدم استطاعته، عن الحصول عليه، ولا يقول للسائل المحتاج: أنت ممنوع محروم.
الإعراب: وإن: إن حرف شرط جازم، لا محل له من الإعراب. أتاه: فعل ماضٍ مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، في محل جزم فعل الشرط، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. خليل: فاعل مرفوع. "يوم": متعلق بـ "أتي"، وهو مضاف. مسألة: مضاف إليه مجرور. يقول: فعل مضارع مرفوع؛ وهو جواب الشرط، والفاعل: هو. لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. غائب: مبتدأ مرفوع. مالي: فاعل لاسم الفاعل "غائب" سد مسد الخبر؛ ويجوز أن يعرب "غائب" خبرا مقدما، و"مالي" مبتدأ مؤخر؛ ومال: مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة.
ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. حرم: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: ولا أنت حرم؛ أي محروم.
موطن الشاهد: "يقول".
وجه الاستشهاد: ارتفاع جواب الشرط "يقول"؛ لأن فعل الشرط ماضٍ؛ ولما لم يظهر عمل أداة الشرط في فعل الشرط؛ لكونه ماضيا- ضعفت عن العمل في الواجب؛ فجيء به مرفوعا؛ ولكن لا عمل للأداة فيه لا لفظا، ولا تقديرا؛ وهذا التخريج أفضل من تخريج سيبويه، على تقدير حذف الجواب، والمرفوع المذكور دليل عليه، ومن تخريج المبرد: أن رفع "يقول": على تقدير الفاء أي الفعل المذكور المرفوع في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والجملة الاسمية هي الجواب لما في هذين التخريجين من التكلف الظاهر.
انظر هذه المسألة في: همع الهوامع: 2/ 60-61، والأشموني: 3/ 585-586، والمغني: 551-552.
1 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، يخاطب بختيا من الإبل يحمل ميرة من قرية كثيرة الطعام، ويطلب إليه التجلد، والصبر على الحمل فوق الطاقة، والبيت بتمامه:

فقلت: تحمل فوق طوقك؛ إنها                      مطبَّعة من ياتها لا يضيرها

وهو من شواهد: 2/ 249، والأشموني: "1084/ 3/ 586"، وسيبويه: =

 

ج / 4 ص -191-        وعليه قراءة طلحة بن سليمان1 "أينما تكونوا يدركُكُم الموت"2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1/ 438، والمقتضب: 2/ 72، وشرح المفصل: 8/ 158، والخزانة: 3/ 647، والعيني: 431، وديوان الهذليين: 1/ 154.
المفردات الغريبة: تحمل: أجهد نفسك وتكلف الحمل. طوقك: طاقتك وقدرتك.
مطبعة: أي وضع عليها الطابع؛ وهو الخاتم؛ والمراد: أنها مملوءة بالطعام؛ لأنه لا يختم على الشيء إلا إذا امتلأ وعاؤه.
المعنى:أحمل فوق ما تستطيع حمله من طعام هذه القرية؛ فإنها كثيرة الطعام، لا يؤثر فيها ما ينتقص منها.
الإعراب: قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. تحمل: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت؛ وجملة "تحمل" مقول القول في محل نصب مفعولا به. "فوق": متعلق بـ"تحمل" وهو مضاف. طوقك: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها": في محل نصب اسم "إن". مطبعة: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. من: اسم شرط جازم مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. يأتها: فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعولا به. لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. يضيرها: فعل مضارع مرفوع؛ وهو جواب الشرط، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ "من".
موطن الشاهد: "لا يضيرها".
وجه الاستشهاد: ارتفاع الفعل المضارع "يضيرها" الواقع جوابا؛ لشرط، غير ماضٍ، ولا مضارع منفي بـ"لم"؛ وحكم هذا الرفع ضعيف عند جمهور النحاة.
1 طلحة بن سليمان: لم أجد له ترجمة وافية.
2 4 سورة النساء، الآية: 78.
 أوجه القراءات: قرأ طلحة بن سليمان "يدركُكم" بالرفع، وقرأ الجمهور بالجزم. وقراءة "الرفع" من القراءات الشاذة على رفع جواب الشرط من دون سبب؛ وهو ضعيف. انظر البحر المحيط: 3/ 299، ومجمع البيان: 2/ 78، والعكبري: 1/ 109.
 موطن الشاهد: "أينما تكونوا يدركُكُم".
وجه الاستشهاد: ارتفاع جواب الشرط "يدرك" وحكم ارتفاعه ضعيف، وخلاف المألوف.
هذا، وحاصل إعراب أسماء الشرط وكذا الاستفهام:
أن الأداة إن وقعت بعد حرف جر أو مضاف؛ فهي في محل جر نحو: عما تسأل أسأل =

 

ج / 4 ص -192-        [مواضع اقتران الفاء بجواب الشرط وجوبا]:
فصل1: وكل جواب يمتنع جعله شرطا؛ فإن الفاء تجب فيه2؛ وذلك:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وغلام من تضرب أضرب. وإن وقعت على زمان، أو مكان؛ فهي في محل نصب على الظرفية لفعل الشرط إن كان تاما ولخبره إن كان ناقصا؛ وأدوات هذا النوع هي: متى وأيان للزمان، وأين وأنى وحيثما للمكان، و"أي" مضافة إلى الزمان أو المكان. وإن دلت الأداة على الحال: كانت في محل نصب على الحال، إن كان فعل شرط تاما وخبرا لفعل الشرط، إن كان ناقصا، وأداتا هذا النوع؛ هما: كيفما، و"أي" مضافة إلى ما يفيد الحال.
وإن وقعت على حدث؛ فمفعول مطلق، لفعل الشرط؛ وأداة هذا النوع هي: "أي" مضافة إلى المصدر؛ نحو: أي عمل تعمل أعمل. أو على ذات؛ فإن كان فعل الشرط لازما، أو ناقصا أو متعديا واستوفى معموله؛ فهي مبتدأ، وخبره جملة الشرط، أو الجواب، أو هما معا؛ والأول أصح. وتوقف الفائدة على الجواب؛ إنما هو من حيث التعليق، لا من حيث الخبرية. وإن كان متعديا غير مستوفٍ لمعموله؛ فهي مفعول له إن سلط على نفس الأداة؛ نحو:
{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ}، ومن يضرب محمدا أضربه، وإن سلط على ضميرها أو على ملابسه؛ فاشتغال؛ نحو: من يكرمه محمد أكرمه ومن يضرب محمد أخاه فاضربه؛ فيجوز في "من" كونها مفعولا لمحذوف يفسره فعل الشرط؛ أو مبتدأ. وأدوات هذا النوع هي: من، وما، ومهما، و"أي" مضافة إلى اسم ذات.
تنبيه: من هذه الأدوات، ما لا يجزم إلا مقترنا بما؛ وهو حيث، وإذ وكيف. وضرب لا تلحقه "ما" وهو: من، وما، ومهما، وأنى. وضرب يجوز فيه الأمران؛ وهو: إن، وأي، ومتى، وأين، وأيان.
توجيه:
1 يشترط في الشرط ستة أمور:
أحدها: أن يكون فعلا غير ماضٍ المعنى؛ فلا يجوز إن قام زيد أمس قمت؛ وأما قوله تعالى:
{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}؛ فالمعنى إن ثبت أني كنت قلته.
الثاني: أن لا يكون طلبا، فلا يجوز: إن قم، ولا إن لا تقم.
والثالث: أن لا يكون جامدا؛ فلا يجوز: إن عسى، ولا إن ليس.
الرابع: أن لا يكون مقرونا بحرف تنفيس؛ فلا يجوز إن سوف يقم.
الخامس: أن لا يكون مقرونا بقد؛ فلا يجوز: إن قد قام، ولا إن قد يقم.
السادس: أن لا يكون مقرونا بحرف نفي غير لم، فلا يجوز: إن لما يقم، ولا إن لن يقوم.
وهذه المواضع نفسها؛ هي التي إن وقعت جوابا؛ اقترنت جملة الجواب بالفاء.
التصريح: 2/ 249. الهمع: 2/ 59.
2 أي: يحصل بها الربط بين الشرط والجزاء؛ إذ بدونها، لا ربط لعدم صلاحية الجواب؛ =

 

ج / 4 ص -193-        الجملة الاسمية؛ نحو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}1، والطلبية؛ نحو: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}2 وقد اجتمعتا في قوله: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}3، والتي فعلها جامد؛ نحو: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي}4، أو مقرون بقد؛ نحو: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لمباشرة الأداء وخصت الفاء؛ بذلك لما فيها من معنى السببية والتعقيب، والجزاء: متسبب عن الشرط وما قبله. هذا، وقد نظم بعض الفضلاء المواضع التي تجب فيها الفاء، في بيت مشهور هو:

اسمية طلبية وبجامد                        وبما ولن وبقد وبالتنفيس

وزاد في المغني: الجواب المقرون بحرف له الصدر كرب، ومثلها: كأن؛ نحو قوله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} والمصدر بالقسم أو بأداة شرط؛ نحو: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}.
انظر مغني اللبيب: 553.
1 6 سورة الأنعام، الآية: 17.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة اسمية؛ فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء -في هذه الحالة- الوجوب؛ وجملة "هو على كل شيء قدير": في محل جزم جواب الشرط.
2 3 سورة آل عمران، الآية: 31.
موطن الشاهد:
{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة فعلية فعلها طلبي، فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء الوجوب؛ وجملة "اتبعون": في محل جزم جواب الشرط.
3 3سورة آل عمران، الآية: 160.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جملة "من ذا الذي ينصركم": اسمية لأن صدرها اسم؛ وهو "من" الاستفهامية؛ وهي طلبية؛ لأن الاستفهام، يفيد الطلب، فاجتمع فيها "الاسمية والطلبية" واقترانها بالفاء واجب، كما أسلفنا؛ وجملة "من ذا الذي ينصركم": في محل جزم جواب الشرط.
4 موطن الشاهد:
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة؛ فعلها جامد "عسى ربي" فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء الجوب؛ وجملة "عسى ربي..": في محل جزم جواب الشرط.

 

ج / 4 ص -194-        لَهُ}1، أو تنفيس؛ نحو: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}2، أو "لن"؛ نحو: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}3، و"ما"؛ نحو: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}4، وقد تحذف في الضرورة؛ كقوله5: [البسيط]

513- من يفعل الحسنات الله يشكرها6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة يوسف، الآية: 77.
 موطن الشاهد:
{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ}.
وجه الاسشتهاد: وقوع جواب الشرط جملة فعلية؛ اقترن فعلها بـ"قد"؛ فاقترنت بالفاء، وحكم اقترانها بالفاء الوجوب؛ وهي في محل جزم جواب الشرط.
2 التوبة، الآية: 28.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة فعلية، اقترن فعلها بـ"سوف"؛فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء الوجوب؛ وهي في محل جزم جواب الشرط.
3  سورة آلا عمران، الآية: 115.
موطن الشاهد:
{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة فعلية، اقترن فعلها بـ"لن"؛ فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء الوجوب؛ وهي في محل جزم جواب الشرط.
4 سورة يس، الآية: 72.
موطن الشاهد:
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة فعلية مسبوقة بـ"ما" النافية، فاقترنت بالفاء؛ وحكم اقترانها بالفاء، الوجوب؛ وهي في محل جزم جواب الشرط.
5 القائل: هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، شاعر وابن شاعر، كان يقيم في المدينة وتوفي فيها. اشتهر بالشعر في زمن أبيه، وله ديوان مطبوع، وكانت وفاته سنة 104هـ.
الأعلام: 3/ 303، تهذيب التهذيب: 6/ 162، الإصابة: ت: 6199.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

والشر بالشر عند الله مثلان

واختلف النحاة في قائله؛ فنسبه بعضهم إلى حسان بن ثابت، ونسبه آخرون إلى كعب بن مالك. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 250، والأشموني: 1085/ 3/ 587، وسيبويه: 1/ 435، 458. والنوادر: 31، والمقتضب: 2/ 72، ومجالس العلماء: 432، والخصائص: 2/ 28، والمنصف: 3/ 118، والمحتسب: 1/ 193، وشرح المفصل: =

 

ج / 4 ص -195-        وقوله1: [الطويل]

514- ومن لا يزل ينقاد للغي والصبا               سيلفى على طول السلامة نادما2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 9/ 2، والمقرب: 59، والخزانة: 3/ 644، 4/ 457، والعيني: 4/ 423، والمغني: عدة مرات منها: 85/ 80، 784/ 552، والسيوطي: 65، 100، 159.
المعنى: من يفعل الخير والمعروف يحظ برضا الله وشكره والجزاء المضاعف. ومن يفعل الشر يجاز بمثله.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يفعل: فعل مضارع مجزوم -فعل الشرط- وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين؛ والفاعل: هو. الحسنات: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. الله: "لفظ الجلالة" مبتدأ مرفوع. يشكرها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يشكرها": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وجملة "الله يشكرها": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "الله يشكرها".
وجه الاستشهاد: وقوع جواب الشرط جملة اسمية غير مقترنة بالفاء؛ وحكم عدم اقترانها بالفاء الضرورة الشعرية؛ والأصل: من يفعل الحسنات فالله يشكرها.
1 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 250، الأشموني: 1086/ 3/ 588، والعيني: 4/ 433.
المفردات الغريبة: ينقاد: يتبع ويميل. للغي: الغي: ضد الرشد. الصبا: الصبوة.
سيلفى: سيوجد.
المعنى: أن الشخص الذي يستسلم للشهوات والشرور وترهات الصبوة لا بد أن يندم على ذلك في يوم من الأيام، مهما طالت سلامته وسلم من عواقب فعله.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. يزل: فعل مضارع ناقص، وهو فعل الشرط مجزوم بـ"من" وعلامة جزمه السكون؛ واسمه: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. ينقاد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "ينقاد": في محل نصب خبر "يزل". "للغي" متعلق بـ"ينقاد". والصبا: الواو عاطفة، الصبا: اسم معطوف على الغي مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ للتعذر. سيلفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر؛ ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وهو المفعول الأول. "على طول": متعلق بـ"نادما" الآتي؛ أو بقوله: "سيلفى" السابق؛ وطول: مضاف. السلامة: مضاف إليه مجرور، =

 

ج / 4 ص -196-        [إغناء إذا الفجائية عن الفاء]:
ويجوز أن تُغني "إذا" الفجائية عن الفاء، إن كانت الأداة1 "أن"، والجواب جملة اسمية غير طلبية؛ نحو:
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وعلامة جره الكسرة. نادما: مفعول به ثانٍ لفعل "يلفى"؛ وجملة "سيلفى...": في محل جزم جواب الشرط؛ و"جملتا الشرط والجواب": في حل رفع خبر المبتدأ "من".
موطن الشاهد: "سيلفى".
وجه الاستشهاد: مجيء جواب الشرط المقترن بالسين غير مقترن بالفاء للضرورة؛ ومن النادر الذي لا يقاس عليه: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب في شأن "اللقطة":
"... فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" والتقدير: فإن جاء صاحبها فأدها إليه. انظر ضياء السالك: 3/ 402.
1 تقترن جملة لجواب بـ"إذا" الفجائية؛ بدلا من الفاء التي هي الأصل؛ لكوها دالة على السببية متى توفر في الكلام أربعة شروط.
الأول: أن تكون أداة الشرط "إن" أو "إذا" الشرطية غير الجازمة؛ لأن "إن" أم الأدوات الجازمة، و"إذا": أم الأدوات غير الجازمة.
الثاني: أن تكون جملة الجواب اسمية موجبة؛ فإن كنت جملة الجواب اسمية منفية؛ لم تقترن بـ"إذا"؛ فلا يجوز القول: إن تقم إذا، ما أنا بقائم، وإنما تقترن هذه الجملة ونحوها. بالفاء؛ فتقول: إن تقم فما أنا بقائم.
الثالث: أن تكون هذه الجملة الاسمية الموجبة غير طلبية؛ فإن كانت طلبية؛ دعاية، واستفهامية؛ فلا يجوز اقترانها بـ"إذا" وإنما تقترن بالفاء. تقول: إن جاء يوم الحساب؛ فويل للمقصر في أداء واجبه؛ وتقول: إن خذلتك فمن ينصرك.
الرابع: ألا تقترن هذه الجملة الاسمية الموجبة غير الطلبية بـ"إن" المؤكدة؛ نحو "إن محمد يصل رحمه"؛ فلا يجوز أن تقترن بـ"إذا" الفجائية وإنما الفاء؛ نحو "إن كنت تقطع رحمك؛ فإن محمدا يصل رحمه" وقد اختلف النحاة في جواز الجمع بين الفاء و"إذا" الفجائية؛ والراجح: الجمع بينهما؛ لوروده في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}. انظر التصريح: 2/ 251، والمغني: 132.
2 30 سورة الروم، الآية: 36.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
وجه الاستشهاد: اقتران جواب الشرط الواقع جملة اسمية غير طلبية بعد "إن": "هم يقنطون" بـ"إذا" الفجائية؛ التي أغنت عن الفاء؛ وجملة "هم يقنطون": في محل جزم جواب الشرط.

 

ج / 4 ص -197-        [العطف على جملتي الشرط والجواب]:
فصل: وإذا انقضت الجملتان، ثم جئت بمضارع مقرون بالفاء، أو بالواو؛ فلك جزمه بالعطف1، ورفعه على الاستئناف2، ونصبه بأن مضمرة وجوبا3؛ وهو قليل، قرأ عاصم وابن عامر4؛ {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ}5؛ بالرفع، وباقيهم: بالجزم، وابن عباس6 بالنصب؛ وقُرئ بهن أيضا في قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُم}7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: على لفظ الجواب، إن كان مضارعا مجزوما وعلى محله إن كان ماضيا، أو جملة اسمية فعلية؛ وفي هذه الحالة، تعتبر الفاء والواو حرفي عطف مجردين، لا يفيدان سببية، ولا معية.
2 فتكون الواو والفاء حرفي استئناف، والمضارع مرفوعا؛ إن كان مجردا من ناصب، أو جازم، ومن نوني التوكيد، ويكون خبرا لمبتدأ محذوف؛ والجملة معطوفة على جملتي الشرط والجواب.
3 أي: على اعتبار الفاء للسببية، والواو للمعية؛ لأن جواب الشرط -قبلهما- غير متحقق الوقوع؛ فهو يشبه الاستفهام، أو النفي، أو الطلب... إلخ.
4 مرت ترجمة لكل منهما.
5 سورة البقرة، الآية: 284.
أوجه القراءات: قرأ عاصم وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب برفع "فيغفر"، وقرأ ابن عباس "فيغفرَ" بالنصب، وقرأ الباقون بالجزم.
توجيه القراءات: روي عن ابن عباس والأعرج أنهما قرأاه بالنصب: على إضمار "أن" وهو عطف على المعنى في "فيضاعفه" فالفاء تعطف مصدرا على مصدر؛ حملا على معنى الأول؛ وقراءة الرفع على الاستئناف؛ وأما قراءة الجزم فعلى عطفه على "يحاسبكم"؛ الواقع جوابا للشرط. انظر النشر: 2/ 299، والإتحاف: 167 والتيسير: 85، والمشكل: 1/ 120.
موطن الشاهد: "فيغفر" بالجزم والرفع والنصب.
وجه الاستشهاد: جواز كون فعل "يغفر" مجزوما عطفا على جواب الشرط؛ وهو الأرجح؛ وجواز كونه مرفوعا على أنه استئناف كلام جديد؛ وجواز كونه منصوبا بأن مضمرة، والفاء عاطفة مصدرا على مصدر؛ حملا على معنى الأول، كما بينا.
6 هو عبد الله بن عباس وقد مرت ترجمته.
7 سورة الأعراف، الآية: 186. =

 

ج / 4 ص -198-        وإذا توسط المضار المقرون بالفاء أو بالواو بين الجملتين؛ فالوجه الجزم1، ويجوز النصب2؛ كقوله:3 [الطويل]

515- ومن يقترب منا ويخضع نؤوه4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أوجه القراءات: قرأ حمزة والكسائي وخلف "يذرْهم" بجزم الراء، وقرأ الباقون "يذرُهم" برفع الراء.
توجيه القراءات: من قرأ: "يذرْهم" بالجزم فقد عطفه على موضع جملة "فلا هادي له": الواقعة في محل جزم جواب الشرط. ومن قرأ: "يذرُهم"، قطعه عما قبله، والواو استئنافية. انظر النشر: 2/ 264، والإتحاف: 233، والبيان: 1/ 380، والعكبري: 1/ 167، والمشكل: 1/ 336.
موطن الشاهد:
{وَيَذَرُهُم}.
وجه الاستشهاد: جواز جزم "يذرهم" عطفا على محل جملة "فلا هادي له": الواقعة جواب للشرط؛ وجواز رفعه على الاستئناف؛ وجواز نصبه بأن المضمرة وجوبا بعد الواو.
1 أي: على العطف على الشرط والمجزوم لفظا أو محلا.
2 أي: على إضمار "أن" وجوبا بعد الفاء والواو. ويمتنع الرفع؛ لأنه لا يصح الاستئناف قبل الجزاء، وقيل: لا مانع من الرفع على اعتبار الجملة معترضة بين الشرط والجزاء.
3 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 251، والأشموني: 1089/ 3/ 591، وابن عقيل: 344/ 4/ 41، والشذور: 176/ 464، والعيني: 4/ 334، والمغني: 968/ 735، والسيوطي: 351.
المفردات الغريبة: يقترب منا: يدنو ويقرب، يريد النزول عندهم وفي جوارهم. يخضع: يستكين ويكون منقادا لنا خاضع لإرادتنا. نؤوه: ننزله عندما ونعد له مأوى. هضما: غمطا لحقوقه، من هضمه حقه إذا لم ينصفه ويوفه.
المعنى: من يدن منا. وينزل في حمانا مع الخضوع لمشيئتنا وإرادتنا تنزله خير منزل، ولا يخف من تعدي أحد عليه، أو انتقاص حق من حقوقه مدة إقامته بيننا.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يقترب: فعل مضارع مجزوم -فعل الشرط- وعلامة جزمه السكون، والفاعل: هو "منا": متعلق بـ"يقترب". ويخضع: الواو عاطفة، يخضع: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد =

 

ج / 4 ص -199-        [جواز حذف ما يعمل من شرط أو وجواب1]:
فصل: ويجوز حذف ما علم من شرط؛ إن كانت الأداة "عن"2 مقرونة بـ"لا"؛ كقوله3: [الوافر]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الواو والفاعل: هو؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على مصدر مأخوذ من الفعل السابق. نؤوه: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ "من".
موطن الشاهد: "ويخضع".
وجه الاستشهاد: انتصاب الفعل المضارع "يخضع" المتوسط بين فعل الشرط؛ أو المعطوف على فعل الشرط قبل مجيء الجواب. وجوابه؛ والوجه الأفضل في هذه الحالة الجزم، غير أن النصب جائز أيضا؛ ومثله قول زهير بن أبي سلمى:

ومن لا يقدم رجله مطمئنة                فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

انظر سيبويه: 1/ 447.
1 أي: بأن تدل قرينة عليه، ولا يذكر بعده في الكلام ما يفسره.
2 ذكر المؤلف شرطين؛ لحذف الشرط:
أ- أن تكون أداة الشرط "عن"؛ لأنها أم الباب، فيتوسع فيها أكثر مما يتوسع في غيرها، وحذف المعمول مع القصد إليه من باب التوسع.
ب- أن تكون الأداة مقترنة بـ"لا" النافية، وزاد بعضهم شرطا ثالثا؛ وهو أن تكون الجملة التي اشتملت على أداة الشرط، وحذف منها فعل الشرط معطوفة على ما قبلها؛ مما يدل على المحذوف، كما في البيت الشاهد. وورد في "الإنصاف" لابن الأنباري: ما يفيد حذف فعل الشرط والأداة غير "إن"، كما في قولهم: "سلم على من سلم عليك، ومن لا فلا تعبأ به" والتقدير: ومن لا يسلم عليك فلا تعبأ به، فحذف فعل الشرط في هذا المثال مع أن الأداة "مَنْ"، غير أنه توفر في الكلام وجود "لا" النافية والعطف. وقد ذهب البصريون: إلى أن المحذوف فعل الشرط، في مثل قوله تعالى:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}، وقوله جل شانه: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا}، فقد حذف في هاتين الآيتين فعل الشرط، مع أن الأداة لم تقترن بـ"لا" ا لنافية، ومما سبق، ندرك أن تحديد المؤلف في الموضع الذي كثر فيه حذف فعل الشرط لم يسلم فيه شرط من الشروط السابقة.
انظر التصريح: 2/ 252، الدرر اللوامع: 2/ 78، والإنصاف: 1/ 72.
3 القائل: هو الأحوص، وقد مرت ترجمته.

 

ج / 4 ص -200-       516- وإلا يعل مفرقك الحسام1

أي: وإلا تطلقها بعل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فطلقها فلست لها بكفء

والبيت من قصيدة مر الاستشهاد ببعض أبياتها يخاطب فيها الشاعر رجلا؛ اسمه مطر، وكان دميم الخلقة؛ وتحته امرأة حسناء.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 252، والأشموني: 1090/ 3/ 591، وابن عقيل: 345/ 4/ 42، وسيبويه: 1/ 195، والإنصاف: 72، والمقرب: 60، والعيني: 4/ 435، والهمع: 2/ 62، والدرر: 2/ 78، وحاشية يس على التصريح: 2/ 295 والشذور: 173/ 455.
المفردات الغريبة: بكفء: بمساوٍ ومماثل في الحب وغيره مما يعتبر لازما للتكافؤ بين الزوجين. مفرقك، المفرق: وسط الرأس حيث يفرق الشعر. الحسام: السيف القاطع.
المعنى: واضح.
الإعراب: طلقها: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت، و"ها": في محل نصب مفعولا به. فلست: الفاء تعليلية، لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون، والتاء: في محل رفع اسمه. "لها" متعلق بـ"كفء" الآتي. بكفء: الباء حرف جر زائد، كفء: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس". وإلا: الواو عاطفة، إلا: إن: شرطية جازمة، و"لا" نافية، لا محل لا من الإعراب؛ وفعل الشرط محذوف؛ لدلالة سابق الكلام عليه؛ والتقدير: وإلا تلطقها. يعل: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه حذف الواو. مفرقك: مفعول به مقدم على الفاعل، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. الحسام: فاعل مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وإلا يعل".
وجه الاستشهاد: حذف فعل الشرط بعد "إن" الشرطية؛ لأنها جاءت مقرونة بـ"لا" النافية؛ لأن التقدير -كما أسلفنا-: وإلا تطلقها يعل، وحكم حذف فعل الشرط -في هذه الحالة الجواز-؛ لأنه تقدم في الكلام السابق فعل من مادة الشرط المحذوف؛ وهو "طلقها".

ج / 4 ص -201-        وما علم من جواب1؛ نحو: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا}2 الآية.
ويجب حذف الجواب3؛ إن كان الدال عليه ما تقدم مما هو جواب في المعنى4، نحو: "أنت ظالم إن فعلت"، أو ما تأخر من جواب قسم سابق؛ نحو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بشرط أن يكون فعل الشرط في غير الضرورة الشعرية ماضيا لفظا ومعنى، كما مثل المصنف، أو معنى فقط؛ كالمضارع المنفي بالحرف "لم"؛ نحو قوله تعالى:
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}، وقول الشاعر.

لم تطلب الدنيا إذا لم ترد بها                   سرور محب أو إساءة مجرم؟

2 سورة الأنعام، الآية: 35.
موطن الشاهد:
{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا}.
وجه الاستشهاد: حذف جواب الشرط "إن استطعت"؛ لدلالة الكلام عليه؛ والتقدير: إن استطعت أن تبتغي نفقا... فافعل.
فائدة: إذا كان فعل الشرط مضارعا لفظا ومعنى، لا يصح -على الراجح- حذف الجملة الجوابية؛ إلا إذا سد مسدها جملة أخرى بعدها تدل عليها، ولا تصلح جوابا؛ نحو قوله تعالى:
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}؛ فقد حذف الجواب؛ وهو: فإنه غني عن جهرك وسد مسدة جملة: "فإنه يعلم السر" وهذه لا تصلح جوابا؛ لأن الجهر بالقول لا يترتب عليه أن الله يعلم السر؛ لأن الله يعلم السر دائما.
3 ويجوز حذف الشرط والجواب معا، وبقاء أداة الشرط، وقد ورد ذلك والأداة "إن"؛ في قول الراجز:

قالت بنات العم يا سلمى وإن                      كان فقير معدما قالت وإن

يريد: أترضين به إن كان فقيرا معدما؟، قالت، وإن كان فقيرا معدما أرض به، فحذف الشرط والجواب جميعا؛ وأبقى أداة الشرط وهي "إن"، ومثله: قول النمر بن تولب مع الأداة "أينما":

فإن المنية من يخشها                              فسوف تصادفه أينما

وقد اجتمع حذف جواب وشرط في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" فحذف من الأول الجواب، ومن الثاني الشرط، والتقدير: فإن جاء صاحبها فردها إليه، وإن لم يجئ فاستمتع بها، وفي هذا الحديث حذف الفاء من جملة الجواب الطلبية.
التصريح: 2/ 252، والأشموني: 3/ 592، ورصف المباني: 106.
4 أي: ولا يصح أن يكون جوابا صناعة؛ إما لكونه جملة اسمية مجردة من الفاء؛ أو جملة منفية بـ"لم" المقرونة بالفاء؛ أو لكونه مضارعا مرفوعا. وإنما وجب حذف الجواب، وامتنع جعل المتقدم جوابا؛ لأن أداة الشرط لها صدر الكلام؛ فلا يتقدم الجواب عليها.
انظر تفصيل ذلك في الأشموني: 3/ 592، والتصريح: 2/ 252-253.

 

ج / 4 ص -202-        {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ}1.
كما يجب إغناء جواب الشرط عن جواب قسم تأخر عنه؛ نحو: "إن تقم والله أقم"2.
وإذا تقدمهما ذو خبر3؛ جاز جعل الجواب للشرط مع تأخره4، ولم يجب، خلافا لابن مالك5، نحو "زيد والله إن يقم أقم"6، ولا يجوز إن لم يتقدمها، خلافا له وللفراء، وقوله:7 [الطويل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 17 سورة الإسراء، الآية: 88.
موطن الشاهد:
{لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ}.
وجه الاستشهاد: وقوع اللام موطئة للقسم، و"إن" شرطية؛ وجملة "لا يتون": جوابا للقسم؛ لسبقه، وتقدمه على الشرط؛ وحذف جواب الشرط؛ لدلالة جواب القسم عليه؛ وحكم حذف الجواب -في هذه الحالة- الوجوب.
2 توجيه: متى اجتمع شرط وقسم استغني بجواب المتقدم منهما، عن جواب المتأخر؛ وهذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر.
ويستثنى من ذلك: الشرط الامتناعي كـ"لو ولولا"؛ فيتعين الاستغناء بجوابه عن جواب القسم، وإن تأخر؛ كقول: عبد الله بن رواحة: "والله لولا الله ما اهتدينا". ويعرف جواب الشرط بقره بالفاء، أو جزمة، أما جواب القسم؛ فإن كان مضارعا مثبتا أكد باللام والنون؛ وإن كان ماضيا مثبتا متصرفا؛ اقترن باللام، و"قد" غالبا، وقد يقترن بأحدهما أو يجرد، أما الجامد: فيقترن باللام فقط. وإن كان جملة اسمية؛ اقترن بإن واللام كثيرا وقد يكتفي بأحدهما، وندر تجردهما منهما. ويكون جواب القسم منفيا بما، أو لا، أو من، فيجرد -حينئذ- من اللام وجوبا؛ سواء كان جملة اسمية أو فعلية.
تنبيه: إذا تأخر القسم مقرونا بالفاء وجب جعل الجواب له، وجملة القسم -حيئنذ- جواب الشرط، نحو: إن جاء محمد فوالله لأكرمنه.
3 أي: ما يحتاج إلى خببر، وذلك: كالمبتدأ، أو الناسخ.
4 لوقوعه -حينيئذ- خبرا هو عمدة في الكلام، وحذفه يخل بمعنى الجملة؛ أما القسم؛ فهو لمجرد التأكيد.
5 أي: في التسهيل والكافية، فقد نص -فيهما- على الوجوب، وقد خالف ذلك في الألفية التصريح: 2/ 253.
6 "أقم" جواب الشرط مع تأخره، التقدم ذي خبر؛ وهو المبتدأ، ويجوز أن يجعل الجواب لتقدمه؛ فيقال: زيد والله إن يقم لأقومن.
7 يُنسب هذا البيت، لامرأة من بني عقيل.

 

ج / 4 ص -203-                                 517- لئن كان ما حدثته اليوم صادقا            أصم في نهار القيظ للشمس باديا1

ضرورة، أو اللام زائدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 2/ 254، وأنشده بعده.

واركب حمارا بين سرج وفروة                  وأعر من الخاتام صفرى شماليا

والأشموني: 1096/ 3/ 595، والعيني: 4/ 238، والخزانة: 4/ 358، والهمع: 2/ 43، والدرر: 2/ 50، والمغني: 828/ 312، والسيوطي: 208.
المفردات الغريبة: حدثته: أخبرت به. القيظ: شدة الحر. باديا: ظاهرا، بارزا، ولعل هذه الكلمة تظهر بأن قائل هذا البيت رجل؛ إذ لو كان امرأة؛ لكانت "بادية".
المعنى: يقسم الشاعر لمخاطبة ويؤكد له: أنه لو كان ما حكي عنه ونسبه إليه الواشون صحيحا، فإن عليه نذرا لله أن يصوم يوما شديد الحر، وأن يتعرض لوهج الشمس، حتى يكون ذلك أوجع وآلم له.
الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن: حرف شرط جازم. كان: فعل ماضٍ مبني على الفتح، في محل جزم فعل الشرط. ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل رفع اسم كان. حدثته: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل فع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا ثانيا؛ والمفعول الثالث محذوف؛ والتقدير: حدثته واقعا؛ وجملة "حدثته": صلة للموصول لا محل لها. "اليوم": متعلق بـ"حدثت". صادقا: خبر كان منصوب. أصم: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. "في نهار": متعلق بـ"أصم"، و"نهار" مضاف. القيظ: مضاف إليه مجرور. "للشمس": متعلق بقوله: "باديا" الآتي. باديا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
موطن الشاهد: "أصم".
وجه الاستشهاد: استشهد ابن مالك والفراء بهذا الشاهد على أن الفعل الواقع جوابا؛ إذا تقدم عليه شرط وقسم؛ جاز جعله للشرط، وإن كان الشرط متأخرا، ولم يتقدم عليهما خبر، أو ما كان أصله مبتدأ؛ وعندهما: أن اللام في "لئن" موطئة للقسم، و"إن" شرطية، و"أصم": جواب الشرط؛ بدلالة كونه مجزوما؛ ولو كان جوابا للقسم، لاتصل بنون التوكيد، ولقيل لأصومن.
ويرى الجمهور أنه: إن تقدم على الشرط والقسم مبتدأ؛ جاز جعل الجواب لأيهما شئت؛ وإن لم يتقم عليهما مبتدأ -كما في هذا البيت- وجب كون الجواب للمتقدم منهما، وعلى هذا، لو جُعلت اللام موطئة للقسم، كان القسم متقدما على الشرط؛ وعليه. فكان يجب أن يُؤتى بجواب القسم، وهو لم يفعله الشاعر. ويرون أن هذا البيت ضرورة؛ فلا يقاس عليه، أو أن اللام في "لئن" زائدة وليست للقسم، وعلى هذا، لا يكون قد اجتمع شرط وقسم.
انظر الدرر 2/ 50.

 

ج / 4 ص -204-        وحيث حذف الجواب؛ اشترط في غير الضرورة مضي الشرط؛ فلا يجوز "أنت ظالم إن تفعل"، ولا "والله إن تقم لأقومن"1.
[أقسام "لو" وأحكامها]:
فصل في لو:
لـ"لو" ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون مصدرية2؛ فترادف "أن" وأكثر وقوعها بعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومضي الشرط: أي لفظا ومعنى كالمضارع المجزوم بلم -كما مثل-؛ واحترز بقوله: في غير الضرورة، عن نحو قول الشاعر:

لئن تلك قد ضاقت علي بيوتكم                     ليعلم ربي أن بيتي واسع

فقد حذف جواب الشرط "إن" مع أن فعله مضارع، وهو "تك"، أما جملة "ليعلم"؛ فهي جواب القسم، ولا يصح أن تكون جوابا للشرط؛ لأنه متأخر وجوابه لا يكون مقرونا باللام.
التصريح: 2/ 254، والأشموني: 3/ 595.
3 لم يثبت أكثر النحويين ورود "لو" مصدرية، وزعموا أنها شرطية؛ في نحو قوله تعالى:
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}، وأن مفعول "ودوا": محذوف؛ والتقدير: ودوا إدهانك، وإذا لم يوجد في الكلام ما يصح جوابا؛ كما في قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}؛ كان الجواب مقدرا أيضا، وكأن أصل الكلام يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك، ولا يخفى ما في هذا الرأي من التكلف بتقدير المفعول والجواب، والذي دعاهم إلى هذا أنهم وجدوها تدخل على "أن" في نحو قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} فظنوا أنها لو كانت مصدرية لما دخلت على حرف مصدري؛ لأن الحرف المصدري، لا يدخل على مثله، غير أننا، يمكن أن نقدر دخول "لو" على فعل يكون المصدر المنسبك من "أن" ومصحوبها فاعلا له، ويكون التقدير في الآية السابقة: لو ثبت كون أمد بعيد بينها وبينه؛ وممن ذكر "لو" المصدرية: الفراء، وأبو علي؛ ومن المتأخرين التبريزي، وأبو البقاء، وتبعهم ابن مالك، وابن هشام. انظر حاشية الصبان: 4/ 34-35، التصريح: 2/ 255، مغني اللبيب/ 349-350.

 

ج / 4 ص -205-        "ود"1؛ نحو: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}2 أو "يود" نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}3؛ ومن القليل قول قتيله4: [الكامل]

518- ما كان ضرك لو مننت وربما               مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق5


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر بعضهم: أن ذلك، يشمل ما هو بمعناها؛ نحو: أحب، واختار، وتمنى، لكن السماع، إنما ثبت في ود ويود.
2 68 سورة القلم، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}.
وجه الاستشهاد:وقوع "لو" مصدرية؛ والمصدر المؤول من "لو وما بعدها": مفعول به لفعل "ودوا"؛ والتقدير: ودوا إدهانكم.
3 2 سور البقرة، الآية: 96.
موطن الشاهد:
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "لو" مصدرية؛ والمصدر المؤول من "لو وما بعدها": مفعول به لفعل "يود"؛ والتقدير: يود أحدهم التعمير.
4 قتيلة بن النضر بن الحارث الأسدية، شاعرة، ومن الطبقة الأولى في النساء، أدركت الجاهلية والإسلام، أسر أبوها في بدر وقتل، أسلمت بعد مقتله، ورثته بقصيدة؛ أنشدتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهذه القصيدة من مختارات أبي تمام. روت الحديث، وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي اله عنه سنة 20هـ.
الأعلام: 5/ 190، الروض الأنف: 2/ 119، طبقات ابن سعد: 8/ 105، الدرر المنثور:450.
5 تخريج الشاهد: البيت: من كلمة تقولها قتيلة، تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكان قد قتل أباها صبرا بالصفراء، بعد انصرافه من غزوة بدر، وقيل: لأنه كان يقرأ على العرب أخبار العجم، ويقول لهم: محمد يأتيكم بأخبار عاد وثمود؛ وأنا آتيكم بخبر الأكاسرة والقياصرة، يريد بذلك إيذاء الرسول. رُوي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سمع كلامها، قال؛
"لو سمعتها قبل أن أقتله، ما قتلته، ولعفوت عنه".
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 254، والأشموني: 1102/ 350، والسيوطي: 222.
المفردات الغريبة: ضرك: عاد عليك بالضرر. مننت: أنعمت وتفضلت. المغيظ: اسم مفعول من غاظه يغيظه، إذا أغضبه وأثاره. المحنق: الذي يكمن الغيظ في صدره. =

 

ج / 4 ص -206-        ...........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المعنى: أي ضرر كان يلحقك، لو تفضلت وأنعمت على بالعفو؟ وكثيرا ما يعفو الرجل الكريم، وهو مملوء غيظا وغضبا.
الإعراب: ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان: زائدة، لا محل لها من الإعراب. ضرك: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، والكاف: ضمير متصل في حل نصب مفعولا به. وجملة "ضرك": في محل رفع خبر المبتدأ. لو: حرف مصدري، لا محل له من الإعراب. مننت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل، في محل رفع فاعل؛ و"لو مع ما دخلت عليه": في تاويل مصدر، مجرور بحرف جر محذوف؛ والجار والمجرور: متعلقان بـ"ضر"؛ وتقدير الكلام؛ أي شيء ضرك في المن، ويمكن إعراب "ما": نافية، و"كان" ناقصة، وجملة "ضرك": في محل نصب خبرها؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": اسم كان تأخر عن خبره؛ والتقدير: لم يكن المن ضارا لك. وهناك وجوه أخرى من الإعراب لا داعي لذكرها. وربما: الواو حالية، رب: حرف تقليل وجر، شبيه بالزائد، و"ما" كافة، لا محل لا من الإعراب. منَّ: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الفتى: فاعل مرفوع. وهو: الواو حالية، هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. المغيظ: خبر المبتدأ مرفوع. المحنق: صفة لـ"المغيظ"، أو خبر ثانٍ، وجملة "هو المغيظ المحنق": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "لو مننت".
وجه الاستشهاد: مجيء "لو" مصدرية، ولم يتقدمها ود، ولا تود ونحوهما؛ وهذا قليل، وذكر الصبان: أنه يجوز أن تكون "لو" -هنا- شرطية والشرط: "مننت"، والجواب: محذوف؛ يدل عليه الكلام؛ والتقدير: لو مننت لم يضرك شيء؛ وعليه فلا شاهد في البيت، وكلام الصبان هذا نقله الشيخ يس عن الدنوشري؛ حيث قال: "ولو جعلت "لو" شرطية، وما تقدم دليل الجواب كان حسنا".
غير أن بعض النحاة، ينكرون مجيء "لو" مصدرية، ويعدونها شرطية دائما وإذا لم يكن في الكلام ما يصلح أن يكن جوابا؛ قدر الجواب؛ وحجتهم: أن لو تدخل على "أن"، كما في قوله تعالى:
{وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}؛ فلو كانت "لو" مصدرية ما دخلت على حرف مصدري؛ لأن حرف المصدر، لا يدخل على مثله، ورد على هؤلاء؛ بأنه يمكن تقدير دخول لو على فعل، ويكون المصدر المنسبك من "أن" ومصحوبها فاعلا له؛ والتقدير في الآية: لو ثبت كون أمد بعيد بينها وبينه.
انظر حاشية الصبان: 4/ 34-35، وحاشية يس على التصريح: 2/ 255، وضياء السالك: 3/ 416.

 

ج / 4 ص -207-        وإذا وليها الماضي بقي على مضيه، أو المضارع تخلص للاستقبال1؛ كما أن "أن" المصدرية كذلك.
الثاني: أن تكون للتعليق في المستقبل؛ فترادف "إن"؛ كقوله2: [الطويل]

519- ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولا بد أن يكون كل من الماضي أو المضارع تام التصرف.
2 القائل: هو قيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، وقيل لأبي صخر الهذلي.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ومن دون رمسينا من الأرس سبسب

وينشد بعده:

لظل صدي صوتي وإن كنت رمة                لصوت صدى ليلى يهش ويطرب

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 255، والأشموني: 1104/ 3/ 600، والمغني: 460/ 344، 466/ 349، والسيوطي: 220، وديوان المجنون: 46.
المفردات الغريبة: أصداؤنا: جمع صدى، وهو ما تسمعه كأن يجيبك بمثل صوتك، إذا كنت في مكان خالٍ، أو على جبل، أو شط نهر. رمسينا: مثنى رمس؛ وهو القبر؛ أو ترابه. سبسب: صحراء بعيدة الأطراف.
 المعنى: لو نتقابل وتجتمع أصداء أصواتنا من قبورنا، وبيننا مسافات شاسعة؛ لطربت لسماع صدى صوتها، وأجبتها وإن كنت عظاما بالية.
الإعراب: لو: حرف شرط جازم، تلتقي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره وهو فعل الشرط غير الجازم. أصداؤنا: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"نا" في محل جر مضاف إليه. "بعد": متعلق بقوله: "تلتقي"، وهو مضاف. موتنا: مضاف إليه، وهو مضاف، و"نا": في محل جر مضاف إليه. ومن: الواو حالية، "من دون": متعلق بخبر مقدم محذوف، و"دون" مضاف. رمسينا: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، و"نا" مضاف إليه. "من الأرض": متعلق بمحذوف حال من سبسب؛ وأصله؛ صفة له؛ فلما تقدم عليه أعرب حالا. سبسب: مبتدأ مؤخر، وجملة "المبتدأ المؤخر والخبر المقدم": في محل نصب على الحال. لظل: اللام واقعة في جواب "لو"، ظل: فعل ماضٍ ناقص. صدى: اسم "ظل" مرفوع، وهو مضاف. صوتي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء مضاف إليه. وإن: الواو عاطفة على محذوف، والتقدير: إن لم أكن رمة وإن كنت؛ وإن -على هذا- شرطية؛ ويجوز أن تكون الواو حالية؛ وعليه فـ"إن" زائدة للمبالغة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. رمة: خبر =

 

ج / 4 ص -208-        وإذا وليها ماضٍ أول بالمستقل؛ نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا}1، أو مضارع تخلص للاستقبال؛ كما في "إن" الشرطية.
الثالث: أن تكن للتعليق في الماضي؛ وهو أغلب أقسام لو، وتقتضي امتناع شرطها دائما2، خلافا للشلوبين3، ولا جوابها، خلافا للمعربين4؛ ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره؛ لزم امتناعه؛ نحو:
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}5؛ وكقولك: "لو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= كان منصوب. "لصوتي": متعلق بفعل "يهش" الآتي، وصوت مضاف. صدى: مضاف إليه، وهو مضاف. ليلى: مضاف إليه. يهش: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "يهش": في محل نصب خبر "ظل". ويطرب: الواو عاطفة، يطرب: فعل مضارع معطوف على "يهش".
موطن الشاهد: "لو تلتقي".
وجه الاستشهاد: ورود "لو" شرطية للتعليق في المستقبل؛ بدليل الإتيان لها بجواب "لظل" الماضي لفظا المستقبل معنى.
1 سورة النساء، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{لَوْ تَرَكُوا}.
وجه الاستشهاد: وقوع "لو" الشرطية غير الامتناعية المرادفة لـ"إن" في تعليق الجواب على الشرط، غير أنها لا تجزم على الأفصح مثل "إن" الشرطية؛ والمعنى: لو قاربوا أن يتركوا، وإنما قدر ذلك ليصح وقوع "خافوا" جزاء؛ لأن الخوف إنما يكون قبل الترك بالفعل؛ لاستحالته بعد موتهم.
2 أي: مثبتا، أو منفيا؛ لأنه لو حصل؛ لكان الجواب كذلك، فتخرج عن إفادة التعليق؛ لأن الثابت الحاصل لا يعلق.
3 هو: عمر بن محمد النحوي، وقد مرت ترجمته. فقد زعم أنها لا تفيد الامتناع بوجه؛ فهي لا تدل على امتناع الشرط ولا على امتناع الجواب. التصريح: 2/ 257.
4 في قولهم: "لو: حرف امتناع لامتناع" ما يفهم منه؛ أنها حرف يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط، ولا شك في أن هذا غير صحيح؛ لأن امتناع اشرط، لا يستلزم امتناع الجواب؛ فقد يستلزمه؛ أو لا يستزمه، اللهم إلا إذا لم يكن للجواب سبب غيره؛ كما أوضح المصنف.
ولعل المعربين، يقصدون بهذا التعبير الكثير الغالب؛ والصواب؛ أن يقال: إن "لو" حرف يدل على ما كان سيقع في الماضي؛ لوقوع غيره في الماضي أيضا.
5 سورة الأعراف، الآية: 176.
موطن الشاهد:
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}
وجه الاستشهاد: فـ"لو" هنا دالة على أن مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ منفيه، ويلزم من نفيها؛ أن يكون رفع المنسلخ منقيا؛ إذ لا سبب للرفع؛ إلا المشيئة، وقد انتفت؛ فيكون منفيا؛ لأن انتفاء السبب، يستلزم انتفاء المسبب ضرورة؛ كما أن ثبوت السبب، يستلزم ثبوت المسبب كذلك؛ لما بينهما من التلازم الشرعي؛ وهذه الآية، نزلت في أحد علماء بني إسرائيل؛ أو في بلعم بن باعوراء؛ وفي أمية بن أبي الصلت. انظر التصريح: 2/ 257.

 

ج / 4 ص -209-        كان الشمس طالعة كان النهار موجودا"1؛ وإلا لم يلزم؛ نحو: "لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا" وإلا لم يلزم، نحو لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا"2؛ ومنه "لو لم يخف الله لم يعصه"3 وإذا وليها مضارع أول بالمضي4؛ نحو: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فقد انتفي الجواب؛ وهو وجود النهار، بدخول "لو"؛ لأنه لا سبب له عقلا وعادة؛ إلا طلوع الشمس.
2 فإنه لا يلزم من انتفاء الشرط؛ وهو طلوع الشمس؛ انتهاء الجواب؛ وهو حدوث الضوء؛ لجواز وجوده بسبب اخر كمصباح أو نار... إلخ.
3 هذا أثر مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأوله: "نعم العبد صهيب".
موطن الشاهد: "لو لم يخف الله لم يعصه".
وجه الاستشهاد: دلت "لو" على انتفاء الجواب؛ لانتفاء الشرط، فإنه لا يلزم من انتفاء عدم الخوف انتفاء عدم العصيان، حتى يكون قد خاف وعصى؛ لأن لعدم العصيان أسبابا أخرى غير الخوف؛ الذي هو وظيفة العوام؛ منها: الإجلال، والإعظام، والمحبة، والحياء؛ وتلك وظيفة الخواص.
والمراد: أن صهيبا لو قدر عدم خوفه، لم تقع منه معصية؛ لأنه من الخواص، فكيف وهو يخاف؟! التصريح: 2/ 257.
4 أي مع بقاء لفظه على حاله، ومنه أيضا قول كثير في عزة:

رهبان مدين والذين عهدتهم                       يبكون من حذر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت كلامها                   خروا لعزة ركعا وسجودا

أي: لو سمعوا.
5 سورة الحجرات، الآية: 7.
موطن الشاهد:
{لَوْ يُطِيعُكُمْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "يطيعكم" فعلا مضارعا مؤولا بالماضي؛ والتقدير: لو أطاعكم لعندتم. قال ابن مالك:

وإن مضارع تلاها صرفا                   الي المضي نحو لو يفي كفى

أي: إذا تلا "لو" الامتناعية مضارع لفظا فإنها تقلب زمنه إلى الماضي؛ فيكون مضارعا في الصورة والشكل فقط، ومعنى: لو يفي كفى؛ أي: لو وفى كفى.

 

ج / 4 ص -210-        وتختص "لو" مطلقا1 بالفعل، ويجوز أن يليها -قليلا- اسم معمول لفعل محذوف، يفسره ما بعده2؛ كقوله3: [الطويل]

520- أخلاي لو غير الحمام أصابكم4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مصدرية كانت، وشرطية؛ بنوعيها، ومع اختصاصها بالفعل؛ لا تجزمه على الصحيح.
2 سواء كان ذلك الاسم مرفوعا؛ كما مثل المصنف؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه؛ لأبي عبيدة بن الجراح، حين قال له، وقد رجع بالجيش من الشام، حين بلغه أن بها وباء: أفرارا من قدر الله؟؛ فقال له عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم، نفر من قدر الله إلى قدره، والقصة مشهورة؛ وفي المثل: قول حاتم الطائي: "لو ذات سوار لطمتني"؛ أو منصوبا؛ نحو: لو محمدا رأيته لأكرمته؛ أو خبرا لكان محذوفة؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم:
"التمس ولو خاتما من حديدا".
التصريح: 2/ 258، وحاشية يس: 2/ 258.
3 هو: الغطمش الضبي، شاعر من أهل الري، يعرف برقة شعره؛ له قصيدة ذكرها أبو تمام في حماسته.
الأعلام: 5/ 120، أمالي ابن الشجري: 205، والتاج: 4/ 330.
تخريج الشاهد:
4 هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

عتبت، ولكن ما على الموت معتب

والبيت من كلمة ذكرها أبو تمام في حماسته؛ وقبله قوله:

إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني              أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 259، والأشموني: 1108/ 3/ 601، العيني: 4/ 365، الحماسة البصرية: 1/ 268.
المفردات الغريبة: أخلاي: جمع خليل؛ وهو الصديق، وينشد: أخلاء بهمزة مكسورة؛ وأصله:أخلائي ثم قصر بحذف الهمزة؛ للضرورة، وأضيف لياء المتكلم. الحمام: الموت. معتب: مصدر ميمي؛ بمعنى: العتاب، من عتب عليه، إذا لامه وسخط عليه.
المعنى: لو أصابكم أحد غير الموت؛ لسخطت عليه، وكان لي معه شأن آخر، ولكن الذي أصابكم الموت، ولا عتاب عليه ولا سخط لأنه قدر لا مفر منه.
الإعراب: أخلاي: الهمزة حرف نداء للقريب، خلاي: منادي مضاف منصوب، وعلامة =

 

ج / 4 ص -211-        وكثيرا "أن": وصلتها؛ نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا}1؛ فقال سيبويه وجمهور البصريين: مبتدأ2، ثم قيل: لا خبر له3؛ وقيل: له خبر محذوف4 وقال الكوفيون والمبرد والزجاج والزمخشري: فاعل بثبت مقدرا5؛ كما قال الجميع في "ما" وصلتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء؛ وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. لو: حرف شرط غير جازم. غير: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: لو أصابكم غير الحمام أصابكم، ويمكن أن يكون مبتدأ؛ خبره ما بعده، و"غير" مضاف. الحمام: مضاف إليه. أصابكم: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو و"كم" ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أصابكم": تفسيرية، لا محل لها، أو في محل رفع خبر على الوجه الثاني؛ على اعتبار "غير": مبتدأ. عتبت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء في محل رفع فاعل، وجملة "عتبت": جواب "لو" لا محل لها. ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك. ما: نافية. "على الدهر": متعلق بخبر مقدم. معتب: مبتدأ مؤخر.
موطن الشاهد: "لو غير الحمام".
وجه الاستشهاد: وقوع الاسم "غير" بعد "لو" الشرطية؛ وهو قليل، وأما أوجه إعرابه فهي:
أ- فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهو ما ذهب إليه جمهور النحاة.
ب- مبتدأ؛ وخبره ما بعده؛ وهو ما ذهب إليه الكوفيون؛ ومذهبهم في الاسم بعد "لو أرجح، وأما بعد "إذا" و"إن" فالأرجح ما ذهب إليه الجمهور.
1 49 سورة الحجرت، الآية: 5.
موطن الشاهد:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا}.
وجه الاستشهاد: وقوع المصدر المؤول من "أن وما بعدها": مبتدأ على رأي سيبويه والبصريين؛ وعليه فـ"لو" غير داخلة على الفعل، وأما على تقدير الكوفيين؛ فهي داخل على الفعل المقدر، وهو الأرجح.
2 أي: أن موضع "أن مع اسمها وخبرها": رفع على الابتداء؛ وعلي ذلك، تكون "لو" غير داخلة على الفعل.
3 لاشتمال "أن وما بعدها" على المسند والمسند إليه، فأغنى ذلك عن الخبر، وتوقف الإفادة على الجواب، لا يضر بشيء.
4 قيل: يقدر قبل المبتدأ؛ أي: ولو ثابت صبرهم، وقيل: يقدر مؤخرا عنه وهو تقدير ابن عصفور؛ وذلك -على الأصل- في أن الخبر محله بعد المبتدأ؛ فالتقدير: ولو صبرها ثابت.
5 قيل: وهذا هو الراجح؛ لأن فيه إبقاء "لو" على اختصاصها؛ بالدخول على الفعل.

 

ج / 4 ص -212-        في: "لا أكلمه ما في أن في السماء نجما"1.
وجواب "لو" إما ماضٍ معنى2؛ نحو: "لو لم يخف الله لم يعصه" أو وضعا؛ وهو إما مثبت فاقترانه بالام؛ نحو:
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}3 أكثر من تركها؛ نحو: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}4، وإما منفي فالأمر بالعكس؛ نحو: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}5؛ وقوله6.

521- ولو نعطي الخيار لما افترقنا7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "أن" ومعمولاها في موضع رفع على الفاعلية؛ بثبت مقدرا؛ أي: ما ثبت أن في السماء نجما.
2 لا بد لـ"لو" من جواب مذكور، أو محذوف. والماضي معنى؛ هو: المضارع المقرون بلام الجازمة، ويجب تجرده من اللام؛ لأن اللام، لا تدخل على نافٍ إلا "ما".
3 سورة الحجرات، الآية: 65.
موطن الشاهد:
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}.
وجه الاستشهاد: اقتران جواب "لو" المثبت باللام؛ وهذه اللام تسمى لام التسويف؛ أي: التأجيل والتأخير؛ لأنها تدل على أن تحقق الجواب، سيتأخر عن تحقق الشرط زمنا طويلا، وعدم وجودها يدل على أن التحقق سيتأخر زمنا أقل؛ وحكم اقتران اللام في جواب "لو" الجواز مع الكثرة.
4 سورة الواقعة، الآية: 70.
موطن الشاهد:
{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء جواب "لو" مجردا من اللام، وحكم تجرده الجواز مع القلة.
5 سورة الأنعام، الآية: 112.
موطن الشاهد:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}.
وجه الاسشتهاد: مجيء جواب "لو" منفيا بـ"ما"؛ وهو ماضٍ فتجرد من اللام؛ وحكم تجرده الجواز مع الكثرة.
6 لم ينسب البيت الي قائل معين.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولكن لا خيار مع الليالي

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 260، والأشموني: 16/ 1/ 3/ 604، والخزانة: 4/ 135، عرضا والهمع: 2/ 66، والدرر: 2/ 82، والمغني: 488/ 358، والسيوطي: 228. =

 

ج / 4 ص -213-        قيل: وقد تُجاب بجمل اسمية؛ نحو: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}1، وقيل: الجملة مستأنفة2؛ أو جواب لقسم مقدر، وإن "لو" في الوجهين للتمني3 فلا جواب لها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المعنى: لو كان الأمر بيدنا، وخيرنا بين التلاقي والافتراق؛ ما اخترنا غير التلاقي، ولكن الأيام قلب، ولا خيار للإنسان فيها.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم. نعطي: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن، وهو المفعول الأول. الخيار: مفعول به ثانٍ. لما: اللام واقعة في جواب "لو"، ما: نافية. افترقنا: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل، في محل رفع فاعل، وجملة "افترقنا": جواب "لو" لا محل لها.
لكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك. لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن"، خيار: اسم "لا" مبني على الفتح، في محل نصب. "مع": متعلق بمحذوف خبر "لا"، و"مع" مضاف. الليالي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء؛ للثقل.
موطن الشاهد: "لما افترقنا".
وجه الاستشهاد: وقوع جواب "لو" فعلا ماضيا منفيا بـ"ما" مع اقترانه باللام؛ وحكم هذا الاقتران أنه قليل؛ والأكثر أن يأتي مجردا من اللام، في هذه الحالة؛ كما في قوله تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}؛ وأما إن كان النفي بغير "ما"؛ امتنع اقترانه باللام وجوبا؛ نحو: لو درس التلميذ لم يقصر في الاختبار.
1 سورة البقرة، الآية: 103.
موطن الشاهد:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع جواب "لو" جملة اسمية مقرونة باللام: "لمثوبة من عند الله خير"؛ وحكم مجيء جوابها جملة اسمية الجواز باتفاق.
2 أي: أن اللام في "لمثوبة" لام الابتداء، لا الواقعة في جواب "لو".
3 قال الصبان: أي: على سبيل الحكاية؛ أي: أنهم بحال يتمنى العارف بها إيمانهم واتقاءهم تلهفا عليهم؛ لا على سبيل الحقيقة؛ لاستحالة التمني عليه تعالى.
ويجوز أن تكون "لو" شرطية وجوابها محذوف لدلالة السياق عليه؛ أي لأثيبوا. وقد يكون جواب "لو" مسبوقا بكلمة "إذا" كقوله تعالى:
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ}. ويندر أن يكون الجواب مسبوقا بالفاء أو "رب"، أو "قد".
حاشية الصبان: 4/ 43.
هذا وتأتي "لو" زائدة؛ نحو: البخيل -لو كثر ماله- منبوذ. وللعرض؛ نحو: لو تسهم في أعمال البر فتثاب بنصب المضارع "فتثاب" بعد فاء السببية. وللتحضيض؛ نحو: لو تحترم القانون فتأمن العقوبة. وللتمني؛ نحو: قوله تعالى:
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
التصريح: 2/ 260، الجنى الداني: 272. رصف المباني: 289.

 

ج / 4 ص -214-        ["أما" معناها وحكمها]:
فصل في أما:
وهي حرف شرط1 وتوكيد دائما2، وتفصيل غالبا3.
يدل على الأول مجيء الفاء4 بعدها.
وعلي الثالث استقراء مواقعها؛ نحو:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}5 {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}7؛ الآيات؛ ومنه {فَأَمَّا الَّذِينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: حرف يفيد معنى الشرط، ويتضمن معناه وهو تعليق شيء على آخر وجودا وعدما وليست موضوعة له.
2 المراد بالتوكيد -هنا-: تحقق الجواب والقطع بأنه حاصل وواقع لا محالة.
3 أي: تبيين وتوضيح الأمور، والأفراد المجتمعة تحت لفظ واحد يتضمنها إجمالا، أو يراد بالتفصيل ذكر أشياء؛ كل منها مفصول عن الآخر، وإن لم يكن ثم إجمال.
4 أي: غالبا، واعتبارها للجزاء، ولا يصح أن تكون للعطف في مثل قوله تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ}، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}؛ لأنها داخلة على الخبر في ذلك، والخبر لا يعطف على مبتدئه. ولا في مثل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}؛ لأنها داخلة على الفعل، وهو لا يعطف على مفعوله. وكذلك لا يصح أن تكون زائدة لعدم الاستغناء عنها.
5 سورة الضحى، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أما" حرف تفصيل؛ لعطف مثلها عليها في قوله تعالى:
{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}.
6 سورة آل عمران، الآية: 106.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أما" حرف تفصيل؛ بدلالة عطف مثلها عليها في قوله تعالى:
{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ}.
7 سورة الليل، الآية: 5.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أما" حرف تفصيل؛ بدلالة عطف مثلها عليها في قوله تعالى:
{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}.

 

ج / 4 ص -215-        فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}1؛ الآية؛ وقسيمة2 في المعنى قوله تعالى: {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}3؛ الآية؛ فالوقف دونه 4 والمعنى: وأما الراسخون فيقولون؛ وذلك على أن المراد بالمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه5.
ومن تخلف التفصيل قولك: "أما زيد فمنطلق"6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران، الآية: 7.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أما" حرف تفصيل؛ غير أن القسيم محذوف؛ يدل عليه قوله: والراسخون؛ والتقدير: وأما غيرهم فيؤمنون به، ويكلون معناه وعلمه إلى ربه؛ وإنما قال المصنف: "ومنه"؛ لأن التفصيل غير ظاهر؛ لعدم تكرار "أما". انظر التصريح: 2/ 261.
2 قيل: إن القسيم محذوف، يدل عليه قول:
{الرَّاسِخُونَ}؛ أي: وأما غيرهم فيؤمنون به، ويكلون معناه وعلمه إلى ربهم.
3 سورة آل عمران، الآية: 71.
موطن الشاهد:
{الرَّاسِخُونَ}.
وجه الاستشهاد: قيل: إن القسيم محذوف يدل عليه
{الرَّاسِخُونَ}؛ والتقدير: وأما غيرهم؛ فيؤمنون به، ويكلون معناه، وعلمه، إلى ربهم، وإنما قال المصنف و"منه"؛ لأن التفصيل في ذلك غير ظاهر لعدم تكرار "أما". وقد يترك تكرارها كذلك استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر؛ نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}. أي: وأما الذين كفروا بالله؛ فلهم كذا وكذا. انظر التصريح: 2/ 261.
4 أي: على قوله:
{إِلَّا اللَّهُ}. وقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}: كلام مبتدأ به منقطع عما قبله؛ لأن الراسخين على هذا، لا يؤولون.
5 قال السعد: الحق أنه، إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فينبغي الوقف على "إلا الله"، وإن أريد به ما لا يتضح؛ بحيث يتناول المجمل والمؤول فالحق العطف.
انظر حاشية الصبان: 4/ 46.
6 قيل: يحتمل أنه للتفضيل، أي: وأما غيره فهو ليس كذلك. وقد يكون التفصيل مقدرا، تدل عليه القرائن، ويوحي به السياق، نحو: الناس معادن، فأما أنفسها فالصادق الأمين؛ أي: وأما أرخصها فالكاذب الخائن.
وانظر التصريح: 2/ 261.

 

ج / 4 ص -216-        وأما الثاني فذكره الزمخشري، فقال: أما حرف يعطي الكلام فضل توكيد؛ تقول: "زيد ذاهب"؛ فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب قلت: "أما زيد فذاهب"1؛ وزعم أن ذلك مستخرج من كلام سيبويه2.
وهي نائبة عن أداة شرط وجملته؛ ولهذا تؤول: "بمهما يكن من شيء"3، ولا بد من فاء تالية لتاليها4، إلا إن دخلت على قول قد طرح استغناء عنه بالمقول؛ فيجب حذفها معه5 كقوله تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إيضاح التوكيد: أن "أما" قائمة مقام "مهما يكن من شيء" أي مهما يوجد شيء فزيد ذاهب، فقد علق الذهاب على جود شيء ما، ووجود شيء ما محقق؛ لأن الدنيا لا تخلو من وجود شيء، والمعلق على المحقق محقق، وإذًا، لا بد من المعلق عليه وهو ذهاب زيد.
وهذا الإيضاح، يبين أن "أما" للتوكيد، وأنها في معنى الشرط وقائمة مقام اسم الشرط، بحيث يصح حذف "أما"، ووضع مهما يكن من شيء موضعها. ولا يفسد المعنى ولا التركيب. التصريح: 2/ 261.
2 فإن سيبويه فسر "أما" بمهما يكن من شيء. ويقال في إعراب هذا التركيب: مهما: اسم شرط جازم مبتدأ. يكن: مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط. من شيء: "من" زائدة، وشيء: فعل يكن، على اعتبارها تامة؛ واسمها على اعتبارها ناقصة، وخبرها محذوف؛ أي: موجودا. وجواب الشرط: يكون بعد هذه الجملة مقترنا بالفاء؛ والجملة: خبر مهما.
كتاب سيبويه: 4/ 235.
3 ويقال في إعرابها:"أما" نائبة عن مهما يكن من شيء، ولا تعرب اسم شرط، أو فعل شرط، ولا تؤدي معناهما؛ لأنها حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم أو فعل.
4 هذه الفاء لازمة لربط الجواب بها، ولتكون كالقرينة عليها، لخفاء شرطيتها؛ لأن شرطيتها بطريق النيابة. وأصل هذه الفاء أن تكون في صدر الجواب؛ كما هو الشأن، مع غير "أما" من أدوات الشرط؛ ولكنها أخرت؛ لقبح وجودها عقب "أما" لفظا؛ أو لأنها تشبه العاطفة صورة، فيكون في الكلام عاطف بلا معطوف عليه. وتالي تاليها: هو الجواب؛ لأن تاليها مباشرة هو الشرط.
التصريح: 2/ 262.
5 وذلك للاستغناء عنهما بالمقول. وقيل إن حذفها -حينئذ- كثير لا واجب، فيجوز إبقاؤها على قلة مع حذف القول.
6 سورة آل عمران، الآية: 106.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}.
وجه الاستشهاد: حذف القول استغناء عنه بالمقول، فتبعته الفاء بالحذف؛ فجملة "أكفرتم": مفعول القول المحذوف؛ والقول المحذوف ومفعوله: جواب "أما"؛ والتقدير: واضح في المتن.

 

ج / 4 ص -217-        أي: فيقال لهم: أكفرتم، ولا تحذف في غير ذلك، إلا في ضرورة؛ كقوله1: [الطويل]

522- فأما القتال لا قتال لديكم2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو الحارث بن خالد المخزومي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولكن سيرا في عراض المواكب

وهو من أبيات يهجو فيها بني أسيد بن العيص، وقبله قوله:

فضحتم قريشا بالفرار، وأنتم                  قمدون سودان عظام المناكب

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 262، والمقتضب: 2/ 71، والمنصف: 3/ 118، وأمالي ابن الشجري: 1/ 285، 290، 2/ 348، وشرح المفصل: 7/ 134، 9/ 12، والعيني: 1/ 557، 4/ 274، والهمع: 2/ 76، والدرر: 2/ 84، والخزانة: 1/ 217، والمغني: 84/ 80، والسيوطي: 65، وابن عقيل: 349/ 4/ 53، والاشموني: 3/ 605 عرضا.
المفردات الغريبة: عراض: جمع عرض بالضم، وهو الناحية والشق. المواكب: جمع موكب؛ وهو الجماعة من الناس ركبانا أو مشاة؛ وقيل: هو الراكبون على الإبل والخيل لزينة خاصة.
المعنى: يصف الشاعر بني أسيد بالجبن والضعف، وأنهم لا يقدرون على القتال ومنازلة الشجعان، ولكنهم يسيرون في جانب المواكب للزينة وحسب.
الإعراب: أما: حرف شرط وتفصيل. القتال: مبتدأ مرفوع: لا قتال: "لا" نافية للجنس، قتال: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "لديكم": متعلق بمحذوف خبر "لا"، و"كم" في محل جر بالإضافة، وجملة "لا واسمها وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ "القتال". ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف مشبه بالفعل؛ واسمها: ضمير المخاطبين المحذوف. سيرا: مفعول مطلق لفعل محذوف، تقع جملته خبرا لـ"لكن"؛ والتقدير: ولكنكم تسيرون سيرا، ويجوز أن يكون "سيرا" اسم "لكن" وخبرها، هو المحذوف؛ والتقدير: ولكن لكم سيرا. "في عراض": متعلق بـ"سير"، وعراض: مضاف. المواكب: مضاف إليه مجرورا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. 
موطن الشاهد: "لا قتال لديكم".
وجه الاستشهاد: حذف الفاء من جواب "أما"؛ مع أنه ليس في الكلام قول محذوف؛ وحكم عدم اقتران الجواب بالفاء الضرورة؛ ومثل هذا الشاهد قول الشاعر:

فأما الصدور لا صدور لجعفر                     ولكن أعجازا شديدا صريرها

 

ج / 4 ص -218-        أو ندور1؛ نحو: "أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله"2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال المؤلف في المغني: "وزعم بعض المتأخرين أن فاء الجواب" أما"، لا تحذف في غير الضرورة أصلا؛ وأن الجواب في هذه الآية "آل عمران: 106"؛ هو قوله تعالى:
{فَذُوقُوا الْعَذَابَ} والاصل؛ فيقال لهم: ذوقوا، فحذف القول، وانتقلت الفاء للمقول، وأن ما بينهما اعتراض. معني اللبيب: 80-81.
2 هذا حديث شريف أخرجه البخاري: 3/ 96، 198، 251. مسند أحمد بن حنبل: 6/ 213، 272، والسنن الكبرى للبيهقي: 10/ 336 وفتح الباري لابن حجر 4/ 376، 5/ 185-326.
وأصل الحديث: أما بعد فما بال رجال، فحذفت الفاء وذلك نادر، و"ما" استفهامية في محل رفع مبتدأ، و"بال" -بمعنى شأن- في محل رفع خبر. وجوز بعضهم: أن يكون هذا مما حذفت فيه الفاء تبعا للقول؛ والتقدير: فأقول ما بال رجال... إلخ.
فالأولى: الاستدلال بقول عائشة رضي الله عنها: "أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة؛ طافوا طوافا واحدا"؛ لأنه على حذف الفاء قطعا، ولا يصح فيه تقدير القول؛ لكونه إخيارا بشيء مضى، وفي حذف الفاء يقول ابن مالك:

وحذف ذي الفا قل في نثر إذا                         لم يك قول معها قد نبذا

أي: أن حذف هذه الفاء قليل في النثر، إلا إذا حذفت مع القول؛ حيث يكون المقول عوضا عنه كما بينا.
ويجوز حذف "أما" إذا دل على ذلك دليل، ويكثر ذلك قبل الأمر ولنهي، كقوله تعالى:
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} هذا، ولا يفصل بين أما والفاء بجملة تامة -إلا إذا كانت دعائية- بشرط أن يتقدم الجملة فاصل؛ نحو: أما اليوم -حفظك الله- فإني مسافر، وأما في الغد، فإني في انتظارك. ويكون الفصل بين "أما" و"الفاء" بأحد الأمور الآتية:
أ- المبتدأ؛ نحو: "أما محمد فسافر".
ب- الخبر؛ نحو؛ "أما في المدرسة فمحمد".
جـ- الجملة الشرطية -وحدها- نحو قوله تعالى:
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}.
د- الاسم المنصوب لفظا، أو محلا بالجواب؛ نحو:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}.
هـ- الاسم المعمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء؛ نحو: أما الضيف فأكرمه.
و- شبه الجملة -ظرفة أو جار مجرور- المعمول لـ"أما" إذا لم يكن هناك عامل عندها؛ نحو: "أما اليوم فإني ذاهب إلى الميدان، وأما في الميدان فالله في عون الجميع". انظر الأشموني: 3/ 605-607، ضياء السالك: 3/ 426.

 

ج / 4 ص -219-        [وجها "لولا ولما" وحكمهما]:
فصل في لولا ولوما1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نص جماعة على اتفاق الكوفيين والبصريين في كون "لولا" مركبة من "لو" الامتناعية و"لا" النافية، وأن معنى كل حرف من هذين الحرفين باقٍ بعد التركيب على ما كان عليه قبل التركيب، وحكى قوم في ذلك خلافا. اختلف النحاة في العامل في الاسم المرفوع الواقع بعد "لولا"؛ ولهم في ذلك ثلاث أقوال:
الأول: أن هذا الاسم مبتدأ، ورافعه الابتداء؛ وهذا قول سيبويه ومن تبعه.
الثاني: أن الاسم مرفوع بـ"لولا" نفسها وهو قول الفراء.
الثالث: أن الاسم المرفوع إنما ارتفع بـ"لولا"؛ لكونها ناب عن الفعل فأصل قولك: لولا زيد لأكرمتك: لولا امتنع زيد لأكرمتك.
وقد حكى الفراء هذا الرأي بقوله: "وقال بعضهم"، ولم يعينه،و لكن حكاه جماعة من أثبات العلماء -منهم ابن هشام- عن الكوفيين.
وعلى القول بأن ما بعد "لولا": مبتدأ؛ قال جمهور البصريين: يجب أن يكون خبر هذا المبتدأ كونا عاما، ويجب مع ذلك حذفه؛ وقال قوم: يجوز أن يكون كونا عاما -كالوجود والحصول- فيحذف جوبا؛ كما يجوز أن يكون كونا خاصا؛ فإن دلت عليه قرينة؛ جاز حذفه، وإن لم تدل عليه قرينة؛ وجب ذكره وقد مر تفصيل ذلك في باب المبتدأ والخبر. ويأتي الاسم المرفوع بعد لولا اسما ظاهرا؛ في نحو: "لولا علي لهلك عمر"، وقد يكون اسما مؤولا من حرف مصدري ومعموله؛ في نحو قوله تعالى:
{لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}؛ وقد يكون ضميرا منفصلا في نحو قوله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}؛ فقد يكون ضميرا متصلا؛ في نحو: لولاي، لولاك، لولاه؛ خلاف لأبي العباس المبرد؛ الذي أنكر مجيئه ضميرا متصلا؛ كما مر في باب حروف الجر.
انظر التصريح: 2/ 263، وضياء السالك: 3/ 427، وهمع الهوامع: 2/ 33، ومغني اللبيب: 359-364 وحاشية الصبان 4/ 50-52.
فائدة: ذهب الجمهور: إلى أن "لولا"، و"لوما" يشتركان في مجيء كل منهما دالا على امتناع جوابه لوجود تالية، أو للتحضيض، وزعم المالقي: أن "لوما"، لا تأتي حرف امتناع، وإنما دائما للتحضيض.
انظر رصف المباني: 292-293.

 

ج / 4 ص -220-        لـ"لولا" و"لوما" وجهان:
أحدهما: أن يدلا على امتناع جوابهما لوجود تاليهما1؛ فيختصان بالجمل الاسمية؛ نحو:
{لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}2.
والثاني: أن يدلا على التحضيض3؛ فيختصان بالفعلية؛ نحو:
{لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ}5، ويساويهما في التحضيض والختصاص بالأفعال: هَلَّا، وأَلَا، وأَلَّا6، وقد يلي حرف التحضيض اسم معلق بفعل: إما مضمر؛ نحو: "فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك"7؛ أي: فهلا تزوجت بكرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكلامهما في الزمن الماضي؛ وتعرب كل منهما حرف امتناع لوجود، أي: امتناع شيء بسبب وجود غيره؛ فهما خاصتان بالشرط الامتناعي.
2 سورة سبأ، الآية: 31.
موطن الشاهد:
{لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "لولا" حرف امتناع لوجود، و"أنتم": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، وخبره: محذوف، و"كنا مؤمنين": جواب "لولا": لا محل له من الإعراب.
3 هو: الترغيب بقوة في فعل شيء، أو تركه.
4 سورة الفرقان، الآية: 21.
موطن الشاهد:
{لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "لولا" دال على التخصيص؛ لأن مضمون الجملة الفعلية حادث متجدد فيتعلق به الطلب بقوة وحث؛ وهو ما يفيده التحضيض.
5 سورة الحجر، الآية: 7.
موطن الشاهد:
{لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "لوما" مفيدة التحضيض؛ كما في الآية السابقة.
6 كما أن هذه الأدوات تدل على التحضيض؛ كذلك تدل -أحيانا- على التوبيخ؛ نحو: هلا دافعت عن شرفك، ألا قومت المعتدي، ألا رحبت بضيفك؟ وتمتاز "ألا" بأنها تكون للعرض؛ "وهو الترغيب في فعل شيء أو تركه باللين والعطف"، ويكثر استعمالها فيه.
7 هذا حديث شريف، يخاطب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله حين أخبره بأنه تزوج بثيب.
والحديث أخرجه: النسائي في باب النكاح: ب6، ب10، وفتح الباري: 9/ 343، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 2088، وإرواء الغليل للألباني: 6/ 196.
موطن الشاهد:
"فهلا بكرا...".
وجه الاستشهاد: وقوع "هلا" مفيدة التحضيض؛ مثل: "لولا"؛ وبكرا: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: فهلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك؟.

 

ج / 4 ص -221-        ومظهر مؤخر؛ نحو: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}1؛ أي: هلا قلتم إذا سمعتموه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 24 سورة النور، الآية: 16.
موطن الشاهد:
{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع" لولا" -في الآية الكريم- و"إذ" متعلقة بـ"قلتم"؛ وهو فعل مظهر مؤخر من تقديم، كما قدر المؤلف في المتن؛ وجملة "سمعتموه": في حل جر بالإضافة بعد "إذا".
تنبيه: هنالك أدوات تفيد الشرط، ولا تجزم أيضا؛ منها: "لما": وهي ظرف بمعنى "حين" ولا يليها إلا الماضي؛ تقول: لما نجح أخي هنأته. و"كلما": وهي ظرف يفيد التكرار، ويليها الماضي أيضا؛ نحو قوله تعالى:
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}. و"إذا": وهي ظرف للزمان المستقبل، ولا يليها إلا الفعل ظاهرا، أو مقدرا، ولا تستعمل إلا عند التحقق من وقوع الشرط، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. و"كيف": حين تستعمل أداة شرط لبيان الكيفية؛ نحو: كيف تتكلم أتكلم؟.
ضياء السالك: 4/ 430.
تعقيب: الجمل وأقسامها، وموقعها من الإعراب.
أ- تنقسم الجمل بحسب وضعها إلى قسمين؛ اسمية، وفعلية.
فالاسمية هي: ما صدرت باسم؛ والفعلية: ما صدرت بفعل. والمراد بصدر الجملة: المسند، أو المسند إليه، ولا عبرة بما تقدم عليها من الحروف؛ فنحو: أمسافر أخواك؟، ولعل الجو معتدل، وما محمد خائف: جمل اسمية. ونحو: أسافر أخوك؟، وقد نجح علي، وهلا قمت: جمل فعلية؛ وبرغم ما تقدم على الفعل، والاسم من حروف.
ب- يقسم علماء العربية هذه الجمل؛ إلى قسمين؛ كبرى، وصغرى.
فالكبرى: هي الجملة الاسمية التي يكون خبر المبتدأ فيها جملة؛ سواء أكانت فعلية، أم اسمية؛ نحو: الصيام يبدأ من أول أيام شهر رمضان. والجيش رجاله مخلصون.
والصغرى: هي التي يخبر بها عن المبتدأ؛ كجملتي: رجاله مخلصون، ويبدأ من اليوم... إلخ. أما الجملة المكونة من مبتدأ، وخبر مفرد؛ نحو: محمد مسافر، والخطيب جهير الصوت؛ وكذلك الجملة الفعلية التي ليست خبرا عن مبتدأ؛ مثل: تكثر الفاكهة صيفا؛ فلا تسمى صغرى ولا كبرى، بل هي مطلقة.=

 

ج / 4 ص -222-        ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقد تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين مختلفين كما بينا.
ضياء السالك: 30/ 430.
ج- ويقسم علماء المعاني الجمل إلى قسمين: جمل رئيسة، وأخرى غير رئيسية.
فالجمل الرئيسة: هي المستقلة بمعناها، والتي ليست قيدا في غيرها؛ سواء أكانت اسمية أم فعلية. وتشمل: جملة المبتدأ والخبر. الجملة التي أصلها المبتدأ والخبر؛ كاسم "كان" و"إن" وخبرهما، وأخواتهما. جملة الفعل والفاعل. جملة الفعل ونائب الفاعل. جملة المصدر النائب عن فعل الأمر وفاعله. جملة اسم الفعل وفاعله.
أما الجمل غير الرئيسة: فهي ما كانت قيدا في غيرها، وليست مستقلة بنفسها؛ ومنها: جملة الحال، جملة المفعول به، جملة الصفة، جملة الشرط. جملة الاختصاص... إلخ.
د- الجملة الاسمية التي خبرها مفرد؛ أو جملة اسمية؛ تفيد بأصل وضعها: ثبوت شيء لشيء؛ من غير نظر إلى حدوث، أو استمرار؛ وقد تخرج عن هذا الأصل؛ فتفيد الدوام والاستمرار؛ بقرينة؛ كما إذا كان الكلام في معرض المدح أو الذم.
أما الجمل الفعلية أو الاسمية؛ التي خبرها: جملة فعلية؛ فتفيد التجدد في زمن معين؛ وقد تفيد الاستمرار، إذا قصد المدح، والذم كما تقدم.
هـ- وتقسم الجمل باعتبار موقعها من الإعراب، إلى قسمين؛ جمل لها محل من الإعراب، وأخرى لا محل لها من الإعراب.
1- الجمل التي لها محل من الإعراب؛ وهي على المشهور.
1- جملة الخبر ومحلها الرفع.
2- جملة الحال؛ ومحلها النصب.
3- جملة المفعول؛ ومحلها النصب.
4- الجملة المضاف إليها؛ ومحلها الجر.
5- الجملة الواقعة جوابا؛ لشرط جازم واقترنت بالفاء أو "إذا" ومحلها الجزم.
6- الجملة التابعة لمفرد، بأن كانت نعتا له، أو عطف عليه بالحرف، أو كانت مبدلة منه؛ ومحلها على حسب إعراب المتبوع.
7- الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب؛ ويكون ذلك في بابي النسق والبدل، ومحلها على حسب ما قبلها. وزاد في المغني: الجملة المستثناة؛ نحو:
{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ}؛ على رأي من أعرب "من": مبتدأ؛ وجملة "يعذبه": خبر. والجملة المسند إليها؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}، إذا أعرب "سواء": ضمير مقدما، و"أنذرتهم" مبتدأ مؤخرا.
2- الجمل التي لا محل لها من الإعراب؛ وهي:
1- الجملة المستأنفة؛ وتشمل: الجملة الابتدائية؛ التي تأتي في صدر الكلام؛ نحو: محمد مسافر، والتي تأتي في أثنائه، منقطعة عما قبله؛ نحو: مات فلان رحمه الله.
2- الجملة الواقعة لصلة لاسم.
3- الجملة الواقعة جوابا للقسم.
4- الجملة =

 

ج / 4 ص -223-        .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفسرة لم قبله؛ نحو: هلا نفسك هذبتها.
5- الجملة الاعتراضية: وهي المتوسطة بين أجزاء جملة، ومتوسطة بين جملتين مرتبطتين.
6- جملة جواب الشرط غير الجازم مطلقا؛ أو جواب الشرط الجازم غير المقترن بالفاء، أو بإذا الفجائية.
7- الجملة التابعة لجملة لا محل لها من الإعراب. انظر تفصيل إعراب الجمل وملحقاتها في معني اللبيب: الباب الثاني: 490-560.