أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -254-
[باب كنايات العدد1]:
هذا باب كنايات العدد:
[كم وأقسامها]:
أما "كم" فتنقسم إلى استفهامية بمعنى أي عدد، وخبرية بمعنى
كثير2.
ويشتركان في خمسة أمور3: كونهما كنايتين عن عدد مجهول
الجنس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكناية: هي التعبير عن الشيء بغير اسمه؛ لسبب بلاغي
وسميت هذه الألفاظ كنايات؛ لأن كلا منها يكنى به عن معدود،
وإن كان مبهمًا.
2 يستعمل "كم" الاستفهامية من يسأل عن كمية الشيء، وينتظر
جوابًا. ويستعمل "كم" الخبرية من يريد الافتخار، والتكثير،
ولا تستدعي الخبرية جوابًا.
3 تتفق "كم" الاستفهامية، و"كم" الخبرية في الأمور
التالية:
أ- كل منهما اسم بدليل إضافتهما، ودخول حرف الجر عليهما.
ب- كلاهما مبني لشبهه للحرف في الوضع على حرفين؛ أو في
المعنى؛ فالاستفهامية:
شبه همزة الاستفهام في المعنى؛ والخبرية: تشبه "رب" في
الدلالة على التكثير.
ج- كلاهما مبني على السكون.
د- كلاهما محتاج إلى التمييز؛ لكونه يدل على عدد مبهم
الجنس والمقدار.
هـ- جواز حذف تمييز كل منهما؛ إن دل عليه دليل، ومنع قوم
من النحاة حذف تمييز "كم" الخبرية.
و- كلاهما بسيط غير مركب على الراجح؛ خلافًا للفراء؛ حيث
ذهب إلى أن "كم" مركبة.
ز- كلاهما يجب تصديره، فلا يجوز تقدم العامل عليه؛ إلا أن
يكون حرف جر أو مضافًا.
ح- كلاهما يقع في مواقع الإعراب التي يقع فيها الآخر.
فيكون كل منهما مجرور المحل؛ إن دخل عليه حرف جر؛ نحو: بكم
اشتريت؟ أو دخل عليه مضاف؛ نحو: غلام كم رجل عندك؟ وكل
منهما يكون في محل نصب إن لم يتقدمه حرف جر، أو مضاف، وكان
كناية عن مصدر أو ظرف؛ فإن كان كناية عن مصدر؛ فهو مفعول
مطلق نحو: كم حلبة حلبت؟، وإن كان كناية عن ظرف؛ فهو مفعول
فيه نحو: كم يومًا صمت؟ وكل =
ج / 4 ص -255-
والمقدار؛ وكونهما مبنيين، وكون البناء على
السكون، ولزوم التصدير، والاحتياج إلى التمييز.
ويفتقران أيضًا في خمسة أمور أيضا1:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= منهما، يكون في محل نصب مفعولًا به إذا وليه فعل متعد،
لم يستوف مفعوله نحو: كم رجل ضربت، وأما إذا وليه فعل
استوفى مفعوله؛ فيكون كل منهما في محل رفع مبتدأ؛ كما يكون
كل منهما في محل رفع مبتدأ؛ في الحالات التالية:
الأولى: ألا يقع بعدهما فعل أصلًا نحو قولك: كم رجل في
دارك، وكم كتاب عندك.
الثانية: أن يقع بعدهما فعل لازم نحو قولك: كم رجل قام.
الثالثة: أن يقع بعدهما فعل متعد رافع لضمير "كم"؛ نحو
قولك: كم رجلًا ضرب عمرًا؟، ونحو: كم صديق أعانك في هذا
الأمر.
الرابعة: أن يقع بعدهما فعل متعد رافع لاسم ظاهر مضاف إلى
ضمير "كم"؛ نحو قولك: كم رجل ضرب أخوه بكرًا، وكم رجل
أعانك أخوه.
الخامسة: أن يقع بعد كل منهما فعل متعد رافع لأجنبي، وقد
استوفى مفعوله نحو قولك: كم رجل ضرب زيد عمرًا أمامه؛ ويجب
في الصورة الخامسة أن يكون المفعول الذي نصبه الفعل غير
ضمير "كم"؛ فإن كان المفعول الذي نصبه الفعل ضميرًا، يعود
إلى "كم" نحو قولك: كم رجل ضربته، وكم كتاب قرأته؛ كان
المثال من باب الاشتغال؛ وجاز إعراب "كم" مبتدأ؛ خبره
الجملة التي بعده؛ وجاز إعراب "كم" مفعولًا به لفعل محذوف
يفسره المذكور بعده.
انظر التفصيل في الأشموني: 3/ 636، المغني: 243، أوضح
المسالك: 4/ 264- 266.
1 وقيل: في ثمانية أمور على الأرجح؛ وهي:
أ- تمييز "كم" الاستفهامية، لا يكون إلا مفردا -على مذهب
البصريين- وأما تمييز "كم" الخبرية؛ فقد يكون مفردًا، وقد
يكون مجموعًا.
ب- الأصل في تمييز "كم" الاستفهامية أن يكون منصوبًا، وأما
تمييز "كم" الخبرية؛ فالأصل فيه أن يكون مجرورًا بإضافة
"كم" إليه.
ج- إن "كم" الخبرية، تختص بالزمن الماضي، وأما
الاستفهامية؛ فلا تختص بالماضي.
د- جواز الفصل بين "كم" الاستفهامية وتمييزها في السعة؛
وعدم جواز ذلك بين "كم" الخبرية وتمييزها المضاف إليها إلا
لضرورة؛ لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه غير جائز.
هـ- المتحدث بـ "كم" الخبرية لا يستدعي جوابًا من محدثه؛
لأنه مخبر؛ أما المتحدث بـ "كم" الاستفهامية؛ فإنه يستدعي
جوابًا ممن يخاطبه؛ لأنه مستخبر.
= والمتكلم بـ "كم" الخبرية؛ يتوجه إليه التصديق أو
التكذيب؛ لأنه مخبر، وأما المتكلم بـ "كم" الاستفهامية
فلا.
ز- "كم" الخبرية، تدل على التكثير اتفاقًا والاستفهامية؛
أما المبدل من "كم" الاستفهامية؛ فيقترن بهمزة الاستفهام.
انظر تفصيل هذه الأمور في الأشموني: 3/ 636، والمغني: 244-
245.
ج / 4 ص -256-
أحدها: "أن" كم الاستفهامية، تميز بمنصوب مفرد؛ نحو: "كم عبدًا ملكت"،
ويجوز جره بمن مضمرة جوازًا إن جرت كم بحرف؛ نحو: "بكم
درهم اشتريت ثوبك؟"، وتميز الخبرية بمجرور مفرد أو مجموع؛
نحو: "كم رجال جاؤوك"، و"كم امرأة جاءتك"؛ والإفراد أكثر
وأبلغ.
والثاني:
أن الخبرية تختص بالماضي كرب؛ فلا يجوز "كم غلمان
سأملكهم"؛ كما لا يجوز "رب غلمان سأملكهم"، ويجوز "كم
عبدًا ستشتريه".
والثالث:
أن المتكلم بها لا يستدعي جوابًا من مخاطبه.
والرابع:
أنه يتوجه إليه التصديق والتكذيب.
والخامس:
أن المبدل منها لا يقترن بهمزة الاستفهام؛ تقول: "كم رجال
في الدار عشرون بل ثلاثون"، ويقال "كم مالك أعشرون أم
ثلاثون؟".
تنبيه:
يروى قول الفرزدق1: [الكامل]
529- كم عمة لك يا جرير وخالة
فدعاء قد حلبت علي عشاري1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 همام بن غالب بن صعصعة التميمي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة للفرزدق، يهجو بها جرير بن
عطية، وكان الهجاء بينهما مستديمًا وهو من شواهد: التصريح:
2/ 280، والأشموني: "151/ 1/ 98"، والمقرب: 68، وابن عقيل
"48/ 1/ 226"، وسيبويه: 1/ 253، 292، والمقتضب: 3/ 85،
والجمل: 148، وشرح المفصل: 4/ 133، والخزانة: 3/ 126،
والعيني: 1/ 550، 4/ 489، والهمع: 1/ 254، والدرر: 1/ 211،
والمغني "337/ 245" والسيوطي: 174، وديوان الفرزدق: 451.
ج / 4 ص -257-
..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة فدعاء: وصف من الفدع، وهو اعوجاج الرسغ
من اليد أو الرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى أنسيهما،
حلبت علي: أي على كره مني. عشاري: جمع عشراء وهي الناقة
التي مضى على حملها عشرة أشهر.
المعنى -على الإخبار: كثير من عماتك وخالاتك يا جرير، كنّ
من جملة خدمي، وقد اعوجت أرساغهن من كثرة حلبهن نياقي على
كره مني. وعلى الاستفهام: أخبرني يا جرير بعدد عماتك
وخالاتك اللائي كنّ يخدمنني ويحلبن نياقي حتى اعوجت
أرساغهن من كثرة الحلب فقد نسيت عددهن؟
الإعراب: كم خبرية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ، أو
استفهامية يراد بها التهكم والسخرية في محل رفع مبتدأ؛ أو
خبرية أو استفهامية في محل نصب على الظرفية أو المصدرية
ومميزها محذوف؛ والتقدير: كم وقتًا أو كم حلبة، والعامل
فيها "عمة" المرفوع بالابتداء، عمة: تمييز لـ "كم الخبرية
على الجر؛ وبالنصب تمييز لـ "كم" الاستفهامية. "لك": متعلق
بمحذوف صفة لـ "عمة"؛ ولها صفة مماثلة لصفة "خالة"
المعطوفة عليها. يا: حرف نداء. جرير منادى مفرد علم مبني
على الضم في محل نصب على الظرفية أو المصدرية ومميزها
محذوف؛ والتقدير: كم وقتًا وكم حلبة، والعامل فيها "عمة"
المرفوع بالابتداء. عمة: تمييز لـ "كم الخبرية على الجر؛
وبالنصب تمييز لـ "كم" الاستفهامية. "لك": متعلق بمحذوف
صفة لـ "عمة"؛ ولها صفة مماثلة لصفة "خالة" المعطوفة
عليها. يا: حرف نداء. جرير: منادى مفرد علم مبني على الضم
في محل نصب على النداء و"جملة النداء": اعتراضية، لا محل
لها. وخالة: الواو عاطفة، خالة: اسم معطوف على "عمة"
مجرور؛ أو منصوب أو مرفوع؛ فدعاء صفة لـ "خالة" و"لعمة"
مجرورًا؛ أو منصوب لما ذكرنا؛ ولها صفة أخرى مماثلة لصفة
"عمة" المذكورة معها؛ والتقدير كم عمة لك فدعاء، وخالة لك
فدعاء؛ فحذف من كل واحد مثل ما أثبت في الآخر؛ وهذا ما
يسمى في علم البديع الاحتباك. قد: حرف تحقيق. حلبت: فعل
ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "على":
متعلق بـ "حلبت". عشاري: مفعول به منصو، وعلامة نصبه
الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: في محل جر
بالإضافة؛ وجملة "حلبت علي عشاري": في محل رفع خبر
المبتدأ؛ سواء أكان المبتدأ "كم" نفسها أو "عمة".
موطن الشاهد: "عمة وخالة".
وجه الاستشهاد: مجيء "عمة وخالة" بالرفع والنصب والجر؛ كما
ذكر في الإعراب واستشهد ابن عقيل بهذا البيت على الابتداء
بالنكرة "عمة"؛ لوقوعها بعد "كم" وفيها مسوغ آخر؛ وهو
وصفها؛ واستشهد بهذا البيت على مجيء تمييز "كم" الخبرية
"مجرورًا مفردًا؛ وقال الأعلم بعد ذكر البيت: ويجوز في "كم
عمة" الرفع والنصب والجر؛ الرفع على الابتداء، وتكون "كم"
لتكثير المرات؛ والتقدير: كم مرة حلبت علي عشاري عمة لك
وخالة؛ والنصب: على أن تجعل "كم" استفهامًا أو خبرًا في
لغة من ينصب بها في الخبر. والجر: على أن تكون "كم" خبرًا
بمنزلة "رب". انظر تفصيل ذلك في الدرر اللوامع: 1/ 211،
وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 176-177، والتصريح: 2/ 280.
ج / 4 ص -258-
بجر "عمة" و"خالة" على أن كم خبرية،
وبنصبهما؛ فقيل: إن تميمًا تجيز نصب مميز الخبرية مفردً1،
وقيل: على الاستفهام التهكمي، وعليها؛ فهي: مبتدأ، و"قد
حلبت": خبر؛ والتاء للجماعة؛ لأنهما عمات وخالات وبرفعهما
على الابتداء؛ و"حلبت" خبر للعمة، أو الخالة؛ وخبر الأخرى
محذوف؛ إلا لقيل: "قد حلبتا"، والتاء في "حلبت" للواحدة؛
لأنهما عمة واحدة وخالة واحدة. و"كم" نصب على المصدرية أو
الظرفية؛ أي: كم حلبة أو وقتًا.
[كأين- معناها
وحكمها]:
وأما "كأي"2 فبمنزلة "كم"3 الخبرية: في إفادة التكثير، وفي
لزوم التصدير، وفي انجرار التمييز؛ إلا أن جره بمن ظاهرة
لا بالإضافة4 قال الله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الرضي: "وبعض العرب نصب مميز "كم" الخبرية -مفردًا
كان أو جمعًا- بلا فصل أيضًا اعتمادًا في التمييز بينهما
وبين الاستفهامية على قرينة الحال" اهـ؛ فيجوز على هذا، أن
يكون "عمة" منصوبًا مع أن كم خبرية، وهذه اللغة التي حكاها
الرضي، وأومأ إليها المؤلف؛ هي التي اعتمدها الذين أجازوا
في تمييز "كم" الخبرية النصب؛ أي: فجره -عندهم على لغة
أكثر العرب ونصبه على لغة قوم منهم.
حاشية يس على التصريح: 2/ 280.
2 أصل هذه النون التنوين؛ فيصح الرجوع إلى أصلها عند
الكتابة والوقوف. والأحسن: إثبات نونها خطأ ونطقًا، ويقال
لها: "كأن" و"كأين".
3 مذهب ابن مالك: أن "كأي" تكون خبرية، وتكون استفهامية؛
وهو رأي ابن عصفور.
4 لأن نون "كأين"؛ أصلها التنوين -كما ذكرنا- وهو يمنع
الإضافة. وعند الجر، يكون "الجار والمجرور" متعلقين بـ
"كأي". التصريح: 2/ 281.
توجيه: أعلم أن "كأي" توافق "كم" في خمسة أمور، وتخالفها
في خمسة أيضًا؛ فأما الأمور التي توافقها فيها فهي:
أ- أن كلا منهما اسم مبني.
ب- أن كلا منهما مبهم الجنس والمقدار، وإن تمييز كل منهما
يبين جنسه المبهم.
ج- افتقار كل منهما إلى التمييز.
د- أن كلا منهما له صدر الكلام، ولا يجوز تقديم العامل فيه
عليه.
هـ- أن كلا منهما على نوعين: استفهامية، وخبرية بمعنى
كثير. وهذا مذهب ابن قتيبة، وابن عصفور وابن مالك، وجمهور
النحاة؛ على أن "كأي". نوع واحد، وهو الخبرية التي بمعنى
كثير، ولا يقولون بمجيئها استفهامية بمعنى: أي عدد؟.
ج / 4 ص -259-
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}1، وقد ينصب؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وأما الأمور التي تخالف "كم" فيها؛ فهي:
أ- الراجح في "كأي" -عند النحاة- أنها مركبة من كاف
التشبيه و"أي" المنونة والراجح -عندهم- أن كم بسيطة.
ب- يكثر مجيء تمييز "كأي" مجرورًا بـ "من"، وإذا لم يجر بـ
"من" كان منصوبًا، وعلمنا الصور التي يجيء عليها تمييز
"كم" فيما مضى.
ج- ذهب جمهور النحاة إلى أن "كأي" لا يدخل عليها حرف الجر،
وخالفهم ابن قتيبة وابن عصفور؛ حيث قالا: بجواز جر "كأي"،
بحرف الجر؛ أما "كم"، فيدخل عليها حرف الجر عند الجميع.
د- ذهب جمهور النحاة: إلى أن "كأي"، بحرف الجر؛ أما "كم"،
فيدخل عليها حرف الجر عند الجميع.
د- ذهب جمهور النحاة: إلى أن "كأي" نوع واحد؛ هو الخبرية
التي بمعنى كثير -كما رأينا- ولا تكون استفهامية؛ وخالفهم
ابن قتيبة وابن عصفور، وابن مالك؛ بجواز كونها استفهامية؛
كما تكون خبرية وأما "كم"؛ فتأتي استفهامية، وخبرية
باتفاق.
هـ- أن نمييز "كأي" لم يأت إلا مفردًا؛ كما في قوله تعالى:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}،
وقوله عز شأنه:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ}، وأما تمييز "كم" الخبرية؛ فقد جاء مفردًا؛ كما في قوله -تعال-
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا
تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا}،
وجاء جمعًا كما في قول الشاعر:
كم ملوك باد ملكهم
ونعيم سوقة بادا
وذكر الشيخ خالد: أن من وجوه الفرق بين "كم"، و"كأي": أن
خبرها، لا يقع مفردًا.
انظر المغني: 246/ 247، والتصريح: 2/ 281، وحاشية الصبان:
4/ 85-87.
فائدة:
قد تقع "كأي" مفعولًا به؛ كقولك: كأي رجلا رأيت؛ فإن "كأي"
في هذا المثال: مفعول به لـ "رأيت"؛ ومنه ما استدل به
الذين ذهبوا إلى أن: "كأي"، تقع استفهامية، وقد تقع
محتملة، بن تكون مبتدأ ولأن تكون مفعولًا به؛ كما في قوله
تعالى:
{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا}، فيجوز أن تكون "كأي" مبتدأ؛
وجملة "أهلكناها" خبره، كما يجوز أن تكون مفعولًا به لفعل
محذوف يفسره المذكور على طريقة باب الاشتغال.
انظر أوضح المسالك: 4/ 275-276.
1 سورة العنكبوت، [الآية: 60].
موطن الشاهد:
{كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ}.
وجه الاستشهاد: انجرار تمييز "كأي" بـ "من" الظاهرة؛
و"كأي" في محل رفع مبتدأ "من دابة": متعلق بمحذوف تمييز لـ
"كأي"، و"لا" نافية، وجملة "تحمل رزقها": صفة لـ "دابة" أو
خبر لـ "كأي"، و"الله" لفظ الجلالة مبتدأ ثان، وجملة
"يرزقها" في محل رفع خبره؛ وجملة "الله يرزقها": في محل
رفع خبر لـ "كأي" على الوجه الأول، و"إياكم": الواو عاطفة،
"إياكم" ضمير نصب منفصل معطوف على الهاء في "يرزقها".
ج / 4 ص -260-
كقوله1: [الخفيف]
530- اطرد اليأس بالرجا فكأي
آلمًا حم يسره بعد عسر2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 281،
والأشموني "1143/ 3/ 637"، والعيني: 4/ 495، والهمع: 1/
255، والدرر: 1/ 212، والهمع: 1/ 255، والدرر: 1/ 212،
والمغني "338/ 247" والسيوطي: 174.
المفردات الغريبة: اطرد: أزل وأبعد. اليأس: القنوط ونفي
الأمل في الحصول على المراد. الرجاء: الأمل وترقب حصول
الشيء. فكأين: فكثير. آلما: اسم فاعل من "ألم يألم" بمعنى:
تألم يتألم، والمراد: صاحب ألم. هم: قدر وكتب وهيئ.
المعنى: أبعد عن نفسك القنوط من نيل ما تطلب ولا تيأس،
وترقب الوصول إلى ما تريد؛ فكثير من المتألمين واليائسين،
قد قدر وكتب لهم اليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة
والضيق.
الإعراب: أطرد: فعل أمر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبًا؛
تقديره: أنت. الياس: مفعول به منصوب. "بالرجاء": متعلق بـ
"اطرد"؛ فكأي: الفاء تعليلية، كأي: اسم بمعنى كثير مبني
على الكسر في محل رفع مبتدأ. آلما: تمييز لـ "كأي" منصوب
حم: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على الفتح، لا محل له من
الإعراب. يسره: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف
إليه. "بعد": متعلق بـ "حم"، وهو مضاف. عسر: مضاف إليه
مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "حم يسره.." في
محل رفع خبر المبتدأ "كأي"؛ والتقدير: كثير من الآلمين قدر
يسرهم بعد عسر.
موطن الشاهد: "آلما".
وجه الاستشهاد: وقوع "آلمًا" تمييزًا منصوبًا لـ "كأي"؛
وفي ذلك دلالة على أن تمييزها يكون منصوبًا، كما يكون
مجرورًا بـ "من"؛ وهذا بخلاف تمييز "كم" الخبرية؛ حيث لا
يكون تمييزها إلا مجرورًا؛ وهي تخالف "كم" الخبرية في
الأمور التالية:
أ- "كم" بسيطة على الأرجح، و"كأي" مركبة من كاف التشبيه
و"أي" المنونة على الصحيح.
ب- "كم" تجر بالحرف، وبالإضافة، وتقع استفهامية، و"كأي" لا
تجر بشيء، ولا تخرج إلى الاستفهام.
ج- تمييز "كم" يجر بالإضافة،أو بمن ظاهرة أو مضمرة، وتمييز
"كأي" مجرور بمن الظاهرة غالبًا.
انظر التصريح: 2/ 281، والدرر اللوامع: 1/ 212.
ج / 4 ص -261-
[كذا- معناه وحكمها]:
وأما "كذا"1 فيكنى به عن العدد القليل والكثير2، ويجب في
تمييزها النصب، وليس لها الصدر؛ فلذلك تقول: "قبضت كذا
وكذا درهما".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي مركبة من كاف التشبيه و"ذا" الإشارية، وقد أصبحت كلمة
واحدة؛ معناها الإخبار عن معدود قليل و كثير.
2 وهي توافق "كأي" في التركيب وفي البناء وفي الإبهام وفي
الافتقار إلى التمييز بمفرد.
وتشبه "كم" الخبرية في الإخبار، وفي الإبهام؛ وفي البناء،
وفي الحاجة إلى تمييز؛ وتخالفها فيما ذكره المؤلف من أنها
لا تكون في الصدر، وتمييزها واجب النصب على الأرجح.
والغالب أنها تتكرر مع العطف بالواو.
التصريح: 2/ 281، المغني: 247-248، الأشموني: 3/ 638-640.
فائدة:
تأتي "كذا" كناية عن غير العدد فيكنى بها عن اللفظ الواقع
في التحدث عن شيء حصل، أو عن قول؛ ومنه الحديث الشريف:
"يقال للعبد يوم القيامة
أتذكر يوم كذا وكذا، فعلت فيه كذا وكذا؟"،
ويتكلم بها من يخر عن غيره؛ فتكون من كلامه لا من كلام
المخبر عنه. ويكنى أيضًا عن الحديث في شيء وقع، أو خبر
حدث، أو قول قيل "بكيت وكيت"، "وذيت وذيت"، ولا بد من
تكرارهما مع العطف بالواو فتقول: كان من الأمر كيت وكيت.
وقالوا: ذيت وذيت، وأما إعراب هذا التركيب فهو:
كان: فعل ماض ناقص واسمه ضمير الشأن، وخيره: كيت وكيت من
الأمر تمييز مجرور بـ "من" والجار والمجرور متعلق بـ
"أعني" مقدارًا، و"كيت كيت" جزءان مبنيان على الفتح، وهما
مركب مزجي نائب عن جملة؛ ولهذا يصح أن يعمل فيه القول
فتقول: أنت قلت كيت وكيت؛ فيكون المركب المزجي في محل نصب
مفعولًا به للقول.
انظر التصريح: 2/ 281، حاشية الصبان: 4/ 88. |