أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -277-
"باب المقصور والممدود1":
هذا باب المقصور والممدود
قصر الأسماء ومدها ضربان قياسي، وهو وظيفة النحوي، وسماعي،
وهو وظيفة اللغوي، وقد وضعوا في ذلك كتبا.
وضابط الباب عند النحويين أن الاسم المعتل بالألف ثلاثة
أقسام:
أحدها: ما له نظير من الصحيح2؛ يجب فتح ما قبل آخره، وهذا
النوع مقصور بقياس، وله
أمثلة:
"أمثلة المقصور
القياسي":
منها:
كونه مصدر فعل اللازم، نحو: جوي جوى، وهوي هوى، وعمي عمى؛
فإن نظيرها من الصحيح فرح فرحا، وأشر3 أشرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هما نوعان من الاسم المتمكن؛ فلا يطلقان اصطلاحا على
المبني، ولا على الفعل والحرف، وقولهم في "هؤلاء": ممدود
تسمح، أو على مقتضى اصطلاح اللغة، كقول الفراء في "جاء
وشاء": ممدودان. ويعرف المقصور مطلقا: بأنه: الاسم المعرب
الذي حرف إعرابه ألف لازمة، كالفتى، والعصا، فيخرج، نحو:
يسعى، ولدى، وألف المثنى.
والممدود: هو الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف
زائدة، نحو: كساء ورداء، فيخرج، نحو: يشاء، وماء، أما
المنقوص؛ فهو: الاسم المعرب الذي حرف إعرابه ياء لازمة
مكسور ما قبلها، نحو: القاضي، والمنادى؛ فليس منه، نحو:
قوي، والذي، والأسماء الخمسة، في حالة الجر. والصحيح ما
عدا ذلك، كقلم ومعهد. وإذا نون المنقوص حذفت ياؤه لفظا
وخطا، في حالتي الرفع والجر، وبقيت في حالة النصب، أما
المقصور: فتحذف ألفه لفظا، لا خطا عند التنوين، سواء أكان
مرفوعا، أو منصوبا، أم مجرورا.
2 أي: نظير في وزنه، وفي نوع الاسم، كالمصدرية، والوصفية،
والجمعية، لا خصوص الوزن.
3 أي على غير قياس، من غري بالشيء أولع به أو تمادى فيه في
غضبه.
ج / 4 ص -278-
قال ابن عصفور وغيره: وشذ الغراء بالمد
مصدر غري، وأنشدوا1: "الطويل"
533- إذا قلت مهلا غارت العين بالبكى
غراء ومدتها مدامع نهل2
وفيما قالوه نظر؛ لأن أبا عبيدة3 حكى غاريت بين الشيئين
غراء، أي: واليت، ثم أنشده، وعلى هذا: فالمد قياسي، كما
سيأتين؛ لأن غاريت غراء مثل: قاتلت قتالا، وغاريت: فاعلت
من غريت به، وأنشد "أسلو" بدل "مهلا"، و"فاضت" بدل "غارت"،
و"حفل" بدل "نهل".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا البيت من كلام: كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير
عزة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 292،
والأشموني "1149/ 3/ 655"، والعيني: 4/ 509 وشرح المفصل:
6/ 38، وليس في ديوان كثير عزة.
المفردات الغريبة: مهلا: مصدر بمعنى التمهل والترفق. غارت:
والت وأرسلت الدمع متتابعا. مدتها: أعانتها وكانت لها
مددا، نهل: كثير متتابعة.
المعنى: إذا أردت التمهل، والترفق، في الحزن، والت العين
دموعها، وأرسلته تباعا ومدتها المدامع الكثيرة المتتابعة.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه،
منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية
الزمانية. قلت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل، وجملة
"قلت": في محل جر بالإضافة. مهلا: مفعول مطلق لفعل محذوف،
وجملة "الفعل المحذوف مع معموله": مقول القول في محل نصب
غارت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. العين:
فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "بالبكا": متعلق
بـ"غارت" ومدتها: الواو عاطفة مدتها: فعل ماض، والتاء:
للتأنيث، و"ها": مفعول به. مدامع: فاعل "مدت" مرفوع. نهل:
صفة لـ "مدامع" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وجملة
"مدتها مدامع نهل": معطوفة على جملة "غارت العين" لا محل
لها.
موطن الشاهد: "غراء".
وجه الاستشهاد: أنشد ابن عصفور "غراء" بفتح الغين، وقال:
إنه مصدر غري بالشيء؛ فهو غر، ومده شاذ، والقياس القصر،
وقد رد ابن هشام كلام ابن عصفور، وذكر عن أبي عبيدة، أن
الرواية بكسر الغين، وفعله "غارى" بمعنى: والى وعلى ذلك
فيمده قياسي.
انظر التصريح: 2/ 292.
3 هو: معمر بن المثنى: النحوي: وقد مرت ترجمته.
ج / 4 ص -279-
ومنها: فِعَل، بكسر أوله وفتح ثانيه، جمعا لفعلة، بكسر أوله وسكون ثانيه،
نحو: فرية وفرى، ومرية ومري فإن نظيره: قربة وقرب.
ومنها:
فعل، بضم أوله وفتح ثانيه، جمعا لفعلة -بضم أوله وسكون
ثانيه، نحو: دمية ودمى، ومدية ومدى، وزبية1 وزبى، وكسوة
وكسى؛ فإن نظيره: حجة وحجج، وقربة وقرب.
ومنها:
اسم مفعول ما زاد على ثلاثة، نحو: معطي ومستدعي، فإن نظيره
مكرم ومستخرج.
"أمثلة الممدود
القياسي":
الثاني:
أن يكون له نظير من الصحيح يجب قبل آخره ألف، وهذ النوع
ممدود بقياس، وله أمثلة:
منها:
أن يكون الأمس مصدرا لأفعل، أو لفعل، أوله همزة وصل، كأعطى
إعطاء، وارتأى2 ارتئاء، واستقصى استقصاء؛ فإن نظير ذلك
أكرم إكراما، واكتسب اكتسابا. واستخرج استخراجا.
ومنها:
أن يكون مفردا لأفعلة3، نحو: كساء وأكسية، ورداء وأردية،
فإن نظيره: حمار وأحمرةن وسلاح وأسلحة، ومن ثم قال الأخفش:
أرحية: وأقفية من كلام المولدين، لأن رحى وقفى مقصوران.
وأما قوله4. "البسيط".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الزبية: حفرة تحفر للأسد، وأصلها الرابية لا يعلوها
الماء، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال. وفي
المثل "بلغ السيل الزبى"؛ فهذه وأمثالها من جموع التكسير
-من المقصور القياسي.
2 ارتأى في أمره: أي: رأى وتدبر- من الرأي والتدبير،
وأصله؛ ارتأى، قلبت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها،
وأصل المصدر: ارتئايا، قلبت الياء همزة لتطرفها، إثر ألف
زائدة.
3 أي: لجمع تكسير على وزن "أفعلة" المختومة بالتاء،
المسبوقة بحرف العلة الياء، بشرط أن يكون هذا المفرد
مختوما، بالهمزة المسبوقة، بحرف علة؛ لأن "أفعلة" تكون جمع
تكسير للرباعي الذي قبل آخره مدة.
4 القائل: هو مرة بن محكان السعدي التميمي، شاعر مقل، يكنى
أبا الأضياف، كان سيد بني ربيع شهد موقعة الجفرة بين جيشي
عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير، وبينه وبين الفرذدق
مهاجاة، قيل قتله صاحب شرطة مصعب بن الزبير، ولا عقل له،
وذلك سنة 70هـ. الشعر والشعراء: 686، الأعلام: 7/ 207،
الاشتقاق، 151، الأغاني: 20-9-11؟
ج / 4 ص -280-
534- في ليلة من جمادى ذات أندية1
والمفرد ندى بالقصر فضرورة، وقيل: جمع ندى على نداء، كجمل
وجمال، ثم جمع نداء على أندية، ويبعده أنه لم يسمع نداء
جمعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا
وينشد قبله قوله:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة
ضمي إليك رحال القوم والقربا
والبيت من شواهد التصريح 2/ 293، والأشموني "1150/ 3/ 656"
والمقتضب: 3/ 81، والخصائص: 3/ 52، وشرح شواهد الشافية:
277 وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1563.
المفردات الغربية: أندية جمع ندى وهو المطر والبلل الكثير.
الطنب: حبل يشد به الخباء، والجمع: أطناب.
المعنى: يذكر الشاعر: أنه طلب إلى زوجته الاستعداد للرحيل
في ليلة من جمادى كثيرة الندى والبلل، شديدة الظلام؛ حتى
إن الكلب مع حدة بصره، لا يبصر شيئا حتى عمد الخباء.
الإعراب: "في ليلة": متعلق بقوله: قومي أو ضمي في قوله
السابق:
"من جمادى": متعلق بمحذوف صفة لـ "ليلة" ذات: صفة ثانية
لـليلة وذات: مضاف. أندية: مضاف إليه مجرور. لا يبصر: لا
نافية، لا محل لها من الإعراب، يبصر: فعل مضارع
مرفوع.الكلب: فاعل مرفوع. "في ظلمائها": متعلق بـ "يبصر"،
وظلماء: مضاف، و"ها": مضاف إليه. الطنبا: مفعول به منصوب،
وجملة "لا يبصر...": في محل جر صفة ثالثة لـ"ليلة".
موطن الشاهد: "أندية".
وجه الاستشهاد: مجيء "أندية" جمع "ندي" بمعنى البلل، وحكم
هذا الجمع الشذوذ؛ لأن القياس فيه أن يجمع على "أنداء" لأن
أفعلة" ينقاس في جمع كل اسم رباعي، ثالثه حرف مد. انظر
تفصيل ذلك في شرح التصريح: 2/ 293، والأشموني: 3/ 656.
ج / 4 ص -281-
ومنها: أن يكون مصدرا لفعل، بالتخفيف دالا على صوت، كالرغاء والثغاء، فإن
نظيره الصراخ، أو على داء، نحو: المشاءن فإن نظيره الدوار،
والزكام.
"المقصور
والممدود السماعيان":
الثالث:
أن يكون لا نظير له؛ فهذا إنما يدرك قصره ومده بالسماع،
فمن المقصور سماعا: الفتى واحد الفتيان، والسنا الضوء،
والثرى التراب، والحجا العقل.
ومن الممدود سماعا: الفتاء لحداثة السن، والسناء للشرف،
والثراء، لكثرة المال، والحذاء للنعل.
مسألة:
أجمعوا على "جواز" قصر الممدود1 للضرورة، كقوله2: "الرجز"
535- لا بد من صنعا وإن طال السفر3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأنه رجوع إلى الأصل وهو القصر، ويكون بحذف الألف قبل
الآخر.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولو تحنى كل عود ودبر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 293، وفيه "وإن" بدل و"ولو"،
والأشموني "1151" 3/ 657" والعيني: 4/ 511، والمخصص: 15/
111، 16/ 42، والهمع: 2/ 156، والدرر: 2/ 211.
المفردات الغريبة: صنعا: اسم مدينة باليمن. تحتى: انحتى من
حنى ظهره، إذا احدودب. ود: المسن من الإبل. دبر: أصابته
الدبرة، وهي قرحة تحدث في البعير من احتكاك الرحل وغيره.
المعنى: لا بد من الوصول إلى صنعا، وإن بعدت الشقة، وأصاب
المطايا ما أصابها من الضعف والمرض.
الإعراب: لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن" بد: اسم "لا"
مبني على الفتح، في محل نصب. "من صنعا": متعلق بمحذوف خبر
"لا"، أو بـ"بد"، ويكون خبر "لا" محذوفا. وإن: الواو عاطفة
على محذوف أولى بالحكم من المذكور، والتقدير إن لم يطل
السفر وإن طال السفر، وإن: شرطية جازمة. طال: فعل ماض مبني
على الفتح، في محل جزم فعل الشرط. فاعل مرفوع، وعلامة رفعه
الضمة وسكن لضرورة الشعر.
موطن الشاهد: "صنعا"
وجه الاستشهاد: قصد "صنعا" لضرورة الوزن، لأنها ممدودة
أصلا، وحكم هذا القصر الجواز.
ج / 4 ص -282-
وقوله1: "الطويل"
536- وأهل الوفا من حادث وقديم2
واختلفوا في جواز مد المقصور للضرورة؛ فأجازه الكوفيون
متمسكين، بنحو: قوله3: "الوافر".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخرج الشاهد: هذا عجز بين وصدره قوله:
فهم مثل الناس الذي يعرفونه
وهو من شواهد التصريح: 2/ 293، والأشموني "1152/ 3/ 657"،
والعيني: ص4/ 512، والهمع: 2/ 156، والدرر: 2/ 211.
المفردات الغريبة: مثل الناس: المراد أنهم مشهورون كالمثل.
الوفا: ضد العذر ونقض العهود.
المعنى: أن هؤلاء القوم الذين مدحهم -أمرهم مشهور، يضر بهم
الناس المثل في الفضائل وفي كل صفة من صفات الخير والنبل،
وهم أهل وفاء حديثا وقديما.
الإعراب: هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع
مبتدأ. مثل خبر المبتدأ، وهو مضاف. الناس: مضاف إليه.
الذي: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"مصل الناس". يعرفونه:
فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: في محل
رفع فاعل، والهاء: في محل نصب مفعول به، وجملة "يعرفونه":
صلة للموصول، لا محل لا. وأهل: الواو عاطفة، أهل: اسم
معطوف على خبر المبتدأ، وهو مضاف. الوفا: متعلق بحال
محذوفة، من "أهل الوفا". وقديم: الواو عاطفة، قديم: اسم
معطوف على "حادث" مجرور مثله.
موطن الشاهد: "الوفا".
وجه الاستشهاد: مجيء "الوفا" مقصورا لضرورة الشعر، وأصله:
الوفاء بالمد، كما هو معلوم.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
ج / 4 ص -283-
537- فلا فقر يدوم ولا غناء1
ومنعه البصريون، وقدروا الغناء
في البيت: مصدرا لغانيت، لا مصدرا لغنيت، وهو تعسف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
سيغنيني الذي أغناك عني
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 293، والأشموني "1156/ 3/ 658"،
والعيني: 4/ 513، والإنصاف: 747.
المعنى: واضح.
الإعراب: سيغنيني: السين للاستقبال، يغني: فعل مضارع مرفوع
مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. الذي: اسم
موصول في محل رفع فاعل لـ"يغني" أغناك: فعل ماض مبني على
الفتح المقدر، والفاعل: هو، والكاف: في محل نصب مفعولا به.
"عني": متعلق بـ"أغنى"، وجملة "أغناك عني" صلة للموصول لا
محل لها. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية مهملة، أو عاملة
عمل ليس. فقر: مبتدأ على الوجه الأول، أو اسم "لا" على
الوجه الثاني يدوم. فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، وجملة
"يدوم": في محل رفع خبر المبتدأ على الوجه الأول، أو في
محل نصب خبر "لا" العاملة عمل ليس على الوجه الثاني. ولا:
الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. غناء: اسم معطوف على
"فقرط مرفوع، ويجوز أن تكون "لا" عاملة عمل ليس كالأولى،
ويكون "غناء" اسمها، وخبرها، محذوف، والتقدير: ولا غناء
يدوم.
موطن الشاهد: "غناء".
وجه الاستشهاد: مجيء "غناء" ممدود للضرورة، والأصل فيه
القصر. و"غنى" -كما هو معلوم- ضد الفقر. |