أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -289-
"باب كيفية جمع الاسم جمع المؤنث السالم1":
هذا باب كيفية جمع الاسم جمع المؤنث السالم.
يسلم في هذا الجمع ما سلم في التثنية؛ فتقول في جمع هند:
"هندات" كما تقول في تثنيتها: "هندان" إلا ما ختم بتاء
التأنيث؛ فإن تاءه تحذف في الجمع2، وتسلم في التثنية، تقول
في جمع مسلمة: "مسلمات" وفي تثنيتها: "مسلمتان" ويتغبر فيه
ما تغير في التثنية، تقول: "حبليات" بالياء، و"صحراوات"
بالواو، كما تقول في تثنيتهما: "حبليان" و"صحراوان" وإذا
كان ما قبل التاء حرف علة، أجريت عليه بعد حذف التاء ما
يستحقه، لو كان آخرا في أصل الوضع؛ فتقول في نحو: ظبية
وغزوة: "طيبات" و"غزوات" بسلامة الياء والواو، وفي نحو:
مصطفاه وفتاة: "مصطفيات" و"فتيات" بقلب الألف ياء، قال
الله تعالى:
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُم}3
وفي نحو قناة: "قنوات" بالواو، وفي نحو: نباءة "نباءات"
و"نباوات" وفي نحو قراءة: "قراءات" بالهمز لا غير.
"حركة عين الجمع
بالنسبة إلى المفرد":
فصل: إذا كان المجموع بالألف والتاء اسما ثلاثيا ساكن
العين، غير معتلها، ولا مدغمها؛ فإن كانت فاؤه مفتوحة، لزم
فتح عينه4، نحو: سجدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا يجمع المنقوص جمه مؤنث سالما؛ إلا إذا سمي به مؤنث،
ثز زيدت في آخره الألف والتاء، وحينئذ يعامل معاملته في
التثنية.
2 وذلك لئلا يجمع بين علامتي تأنيث، ثم يعامل الاسم بعد
حذفها معاملة العاري منها.
3 [سورة النور الآية: 33].
موطن الشاهد:
{فَتَيَاتِكُمُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "فتيات" جمعا مؤنثا سالما "فتاة"
فقلبت الألف ياء الجمع.
4 أي: إتباعا لحركة فائه فيتماثلان في الحركة، سواء في ذلك
العاقل وغيره -صحيح الفاء واللام، أو أحدهما، مؤنث التاء
أو المعنى.
ج / 4 ص -290-
ودعد، تقول: "سجدات" و"دعدات"، قال الله
تعالى:
{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ}1، وقال الشاعر2: "البسيط"
539- بالله يا ظبيات القاع قلن لنا3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 [سورة البقرة الآية: 167].
موطن الشاهد: {حَسَرَاتٍ}.
وجه الاستشهاد مجيء "حسرات" جمعا مؤنثا سالما لـ"حسرة"
ففتحت عينه في الجمع.
2 نسب هذا البيت إلى العرجي، ونسب إلى مجنون ليلى، ونسبه
بعضهم إلى أعرابي، اسمه كامل الثقفي.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ليلاي منكن أم ليلى من البشر؟
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 298، والعيني: 4/ 518، والإنصاف:
482.
المفردات الغريبة: ظبيات: جمع ظبية، وهي الحيوان المعروف،
واستعير هنا للمليحة من النساء. القاع: الأرض السهلة
المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال والآكام.
المعنى: واضح.
الإعراب: "بالله" متعلق بفعل قسم محذوف. يا: حرف نداء.
ظبيات: منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع
مؤنث سالم، وهو مضاف. القاع: مضاف إليه مجرور. قلن: فعل
أمر مبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل
رفع فاعل. "لنا": متعلق بـ"قال". ليلاي: مبتدأ مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، وهو مضاف، والياء:
في محل جر بالإضافة. "منكن": متعلق بخبر محذوف، وجملة
"المبتدأ والخبر": مقول القول في محل نصب مفعولا به. أم:
حرف عطف. ليلى: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة
على الألف. "من البشر": متعلق بالخبر المحذوف، وجملة "ليلى
من البشر": معطوفة على جملة "ليلى منكن" في محل نصب. موطن
الشاهد: "ظبيات".
وجه الاستشهاد: فتح عين الكلمة "الباء" تبعا لفتحة فائها
"الظاء" والجمع جمع مؤنث مستكمل للشروط المذكورة، وفي
البيت شاهد آخر على حذف همزة الاستفهام قبل المبتداء
والخبرن لأن الأصل: أليلاي منكن، ودليل ذلك وقوع "أم"
المتصلة بعدها، وفي إضافة "ليلى" إلى ياء المتكلم شاهد على
إضافة العلم -إذا كان مشتركا بين عدة مسميات- إلى ياء
المتكلم؛ لأنه يشبه النكرة.
ج / 4 ص -291-
وأما قوله1: "الطويل"
540- وحملت زفرات الضحى فأطقتها
وما لي بزفرات العشي يدان2
فضرورة حسنة؛ لأن العين، قد تسكن للضرورة مع الإفراد
والتذكير، كقوله3: "مشطور الرجز"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو عروة بن حزام العذري، أحد متيمي العرب
وعشاقهم، الذين قتلهم عشقهم. أحب ابنة عمة عفراء، وله في
ذلك قصة، أكثر شعره، في ذكر لوعته، وحبه لها. مات سنة:
30هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 622، الأعلام: 4/ 226، الأغاني: 20/
152، الخزانة: 1/ 533.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 2/ 298،
والأشموني "1159/ 3/ 668"، والعيني: 4/ 519، والمقرب: 82،
والهمع: 1/24، والدرر: 1/ 6، وأمالي القالي: 3/ 160.
وقد روى القصيدة بكاملها، وديوان عروة بن حزام: 4.
المفردات الغريبة: زفرات: جمع زفرة، وهي خروج النفس ممتدا
من أنين وشدة. فأطلقتها: تحملتها مع مشقة وجهد. يدان:
تثنية يدن بمعنى القوة والقدرة.
المعنى: تحملت: -في جهد ومشقة- ما أصابني من شدة الوجد،
والهيام في فترة الضحى، وليس لي قدرة على تحمل زفرات
العشي، وخص هذين الوقتين أن عادة المحب المتيم أن يقوى به
الهيام فيهما.
الإعراب: حملت: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون،
لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم
في محل رفع نائب فالع، وهو المفعول الأول. زفرات: مفعول به
ثان منصوب، وهو مضاف، الضحى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره
الكسرة المقدرة على الألف للتعذر؛ فأطقتها: الفاء حرف عطف،
أطقتها: فعل ماض، والتاء: فاعل، و"ها": مفعول به. وما:
الواو عاطفة، ما: نافية، لا محل لها. "لي": متعلق بخبر
مقدم حذوف. "بزفرات": متعلق بـ"يدان" الواقع مبتدأ مؤخرا؛
لأن فيه معنى القوة والقدرة، وزفراتك مضاف: العشي: مضاف
إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. يدان: مبتدأ مؤخر
مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى.
موطن الشاهد: "زفرات".
وجه الاستشهاد: تسكين عين الكلمة في "زفرات" في الموضعين،
وعدم اتباعهما الفاء في الفتح على القياس في جمع المؤنث
السالم؛ مع أن استوفى الشروط التي يجب فيها فتح عين الجمع،
وحكم هذا التسكين الجواز، لضرورة إقامة الوزن.
3 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين.
ج / 4 ص -292-
وإن كان مضموم الفاء، نحو: خطوة وجمل، أو
مكسورها، نحو: كسرة وهند، جاز لك في عينه الفتح والإسكان
مطلقا، والاتباع إن لم تكن الفاء مضمومة واللام ياء كدمية
وزبية، ولا مكسورة واللام واو كذروة ورشوة. وشذ جروات
بالكسر.
"الأنواع التي
يمتنع فيها تغيير حركة العين":
ويمتنع التغيير في خمسة أنواع:
أحدها:
نحو: زينبات وسعادات؛ لأنهما رباعيان لا ثلاثيان.
الثاني:
نحو: ضخمات وعبلات؛ لأنهما وصفان لا اسمان. وشذ كهلات،
بالفتح، ولا ينقاس2، خلافا لقطرب3.
الثالث:
نحو: شجرات، وثمرات ونمرات، لأنهن محركات الوسط نعم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله:
قد نحب المجد عليك نحبا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 298، والعيني: 4/ 52
المفردات الغريبة: النحب: شدة البكاء، ويطلق على النذر،
والخطر العظيم، ولعل ذلك، هو المراد هنا.
المعنى: ينادي عمرا ويقول له: إنك سليل الكرماء من جهة
الآباء والأمهات وإن المجد ضرب عليك؛ فهو ملازم لك لا
يفارقك.
الإعراب: يا: حرف نداء. عمرو: منادى مفرد علم مبني على
الضم في محل نصب: يا: حرف نداء. ابن: منادى مضاف منصوب،
والأكريم: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع
مذكر سالم. نسبا: تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.
موطن الشاهد: "نسبا".
وجه الاستشهاد: مجيء "نسبا مسكنة السين، وهي اسم مفرد
مفتوح العين أصلا، وحكم هذا التسكين الجواز للضرورة.
2 جمع كهلة هي التي جاوزت الثلاثين، والقياس الإسكان؛ لأنه
صفة.
3 هو: محمد بن المستنير النحوي، وقد مرت ترجمته.
ج / 4 ص -293-
يجوز الإسكان في نحو: سمرات ونمرات1، كما
كان جائزا في المفرد. لا أن ذلك حكم تجدد حالة الجمع.
الرابع:
نحو: جوزات وبيضات، لاعتلال العين، قال الله تعالى
{فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}2، وهذيل تحرك نحو ذلك، وعليه
قراءة بعضهم: "ثَلاثُ عَوَرَاتٍ لَكُمْ"3، وقول الشاعر4:
"الطويل".
542- أخو بيضات رائح متأوب5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذلك كل اسم ثلاثي مضموم العين، أو مكسورها والعين
صحيحة، أو فعل كذلك؛ فإنه يجوز تخفيفه بإسكان عينه، وقد
ورد من ذلك جملة صالحة من الشعر العربي؛ فمن ذلك في الفعل
المكسور العين قول الأخطل:
فإن بهجة يضجر كما ضجر بازل
من الأدم دبرت صفحتاه وغاربة
فقد سكن جيم "ضجر" وباء "دبرت"، وأصل كل واحدة منهما مكسورة.
2 [سورة الشورى الآية: 22].
موطن الشاهد:
{رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "روضات" جمعا مؤنثا لـ"روضة" من دون
أي تغيير، لاعتلال عين الاسم في المفرد.
3 [سورة النور الآية: 58].
أوجه القراءات: قرأ الأعمش: "ثُلَاثُ عَوَرَاتٍ لَكُمْ"
بتحريك واو "عورات" بالفتح، وقرأ الجمهور بتسكينها. انظر
مختصر في شواذ القرآن: 103، والكشاف: 3/ 75، والبحر
المحيط: 6/ 472.
موطن الشاهد:
{عَوْرَاتٍ}.
وجه الاستشهاد: تحريك الواو بالفتح في "عورات" الواقعة
جمعا مؤنثا سالما، وهو معتل العين على لغة هذيل.
الشاعر: أحد شعراء هذيل، ولم يعين اسمه.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، يمدح الشاعر فيه جملة، وعجزه
قوله:
رفيق بمسح المنكبين سبوح
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 299، والأشموني "1160/ 3/ 668"،
والعيني: 4/ 517، والمحتسب: 1/ 58، والخصائص: 3/ 184،
والمنصف: 1/ 343، والخزانة: 3/ 429، وشرح المفصل: 5/ 30،
وشرح شواهد الشافية: 132، والهمع: 1/ 32، والدرر: 1/ 6،
وليس في ديوان الهذليين.
ج / 4 ص -294-
واتفق جميع العرب على الفتح في عيرات، جمع
عير، وهي الإبل التي تحمل الميرة، وهو شاذ في القياس1؛
لأنه كبيعة وبيعات، فحقه الإسكان.
الخامس:
نحو: حجات وحجات وحجات2، لإدغام عينه؛ فلو حرك أنفك
إدغامه، فكان يثقل فتضيع فائدة الإدغام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=المفردات الغريبة: أخو بيضات: أي صاحب بيضات وملازم لها،
وهي جمع بيضة. رائح: اسم فاعل من راح يروح رواحا، والرواح:
السير وقت العشي، والمراد: راجع إلى عشه. متأوب: اسم فاعل
من تأوب: إذا جاء في أول الليل. رفيق بمسح المنكبين: عليم
بتحريكهما في السير. سبوح: حسن الجري.
المعنى: يمدح الشاعر الهذلي جملة؛ فيقول: إن جملي في سرعة
سيره، كذكر النعام الذي له بيضات يحرص عليها؛ فهو يسعى
ليلا ونهارا بسرعة ومهارة، ليصل إليها، ويطمئن عليها.
الإعراب: أخو: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو أخ، وأخو:
مضاف. بيضات: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة، رائح:
صفة لـ"أخ" مرفوع، أو خبر ثان متأوب. صفة لـ"أخل" أو خبر
ثان مرفوع. رفيق: صفة لـ"أخل" أو خبر ثان مرفوع. "بمسح":
متعلق بـ"رفيق" ومسح مضاف، المنكبين: مضاف إليه. سبوح: صفة
أو خبر ثان للمبتدأ.
وجه الاستشهاد: فتح عين "بيضات" إتباعا لحرمة فاء الكلمة،
على الرغم من كون الاسم ثلاثيا، معتل العين، وحكم هذا
الفتح أنه شاذ عند العرب إلا هذيلا؛ فإنهم يجيزون إتباع
عين الاسم لفائه على كل حال في جمع المؤنث من الاسم
الثلاثي. انظر التصريح: 2/ 298، والدرر اللوامع: 1/ 6.
1 والقياس تسكين الياء؛ لأن مفرده معتل العين، مكسور
الفاء؛ فليس في عينه إلا التسكين. وفيه شذوذ آخر، وهو:
جمعه بالألف والتاء، مع أن مفرده ليس مما يجمع بهما قياسا.
2 بالفتح: جمع حجة للمرة من الحج، وبالكسر جمع حجة للهيئة
منه، وبالضم: جمع حجة، وهي: الدليل والبرهان. |