أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -362-
[باب الإمالة1]:
هذا باب الإمالة.
[تعريف الإمالة
وحكمها]:
وهي: أن تذهب بالفتحة إلى جهة الكسرة؛ فإن كان بعدها
ألف ذهبت إلى جهة الياء؛ كالفتى؛ وإلا فالممال الفتحة
وحدها؛ كنعمة وبسحر2.
[أسباب
الإمالة]:
وللإمالة أسباب تقتضيها3، وموانع تعارض تلك الأسباب،
وموانع لهذه الموانع تحول بينها وبين المنع.
[أما الأسباب
فثمانية]:
أحدهما:
كون الألف مبدلة من ياء متطرفة؛ مثاله في الأسماء: الفتى،
والهدى،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي لغة: مصدر أملت الشيء إذا عدلت به إلى غير الجهة التي
هو فيها، واصطلاحاً: ما ذكره المصنف؛ وبالتأمل نرى شدة
الارتباط بين المعنيين؛ لأن الإمالة عدول بالألف أو
الفتحة؛ عن استوائهما، وجنوح بهما إلى الياء أو الكسرة.
2 ويرى بعضهم: أن الممال في جميع الأحوال؛ هو الفتحة، وأنه
لا فرق بينها وبين الألف، وليست الألف إلا فتحة طويلة في
الفتى وقصيرة في نعمة وسحر؛ وهما في الحقيقة: ظاهرة صوتية
واحدة. والغرض الأصلي من الإمالة: تناسب الأصوات وتقاربها؛
وذلك لأن النطق بالفتحة والألف تصعد واستعلاء، وبالكسرة
والياء انحدار وتسفل؛ فيكون في الصوت بعض اختلاف وتنافر؛
فإذا أملت الألف قربت من الياء، وامتزج بالفتحة طرف من
الكسرة. فتصير الأصوات من نمط واحد. وقد ترد الإمالة
للتنبيه على أصل، أو غيره كما سيأتي، وحكمها: الجواز؛ إذ
ليس هنالك كلمة تمال؛ إلا وفي العرب من يفتحها. ومحلها:
الأسماء المتمكنة والأفعال غالباً. وأصحابها الذين شاعت
بينهم: تميم وسائر أهل نجد؛ كاسد وقيس، ولا يميل الحجازيون
إلا قليلاً.
الأشموني: 3/ 762-763. كتاب سيبويه: 4/ 118.
3 وهي قسمان: لفظي؛ وهو الياء والكسرة الظاهرتان؛ ومعنوي،
وهو الدلالة على أحدهما.
ج / 4 ص -363-
ومثاله في الأفعال هدى، واشترى1، ولا يمال
نحو: نبا مع أن ألفه عن ياء؛ بدليل قولهم: أنياب؛ لعدم
التطرف؛ وإنما أميل نحوه: فتاة، ونواة؛ لأن تاء التأنيث في
تقدير الانفصال2.
الثاني:
كون الياء تخلفها في بعض التصاريف؛ كألف ملهى، وأرطى،
وحبلى، وغزاً؛ فهذه وشبهها تمال؛ لقوهم في التثنية:
ملهيان، وأرطيان، وجليان، وفي الجمع حبليات، وفي البناء
للمفعول. غزي؛ وعلى هذا؛ فبشكل قول الناظم: إن إمالة ألف
{تَلا} في
{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا}3؛ لمناسبة إمالة ألف
{جَلَّاهَا}4؛ وقوله وقول ابنه: إن إمالة ألف
{سَجَى}5؛ لمناسبة إمالة
{قَلَى}6؛ بل إمالتهما لقولك: قُلِيَ،
وسُجِيَ7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدليل على أن الألف فيها مبدلة من ياء -ردها إليها في
المثنى، والإسناد؛ تقول: الهديان والفتيان- وهذيت واشتريت.
2 وعلى هذا تكون الألف فيهما مبدلة من ياء متطرفة حكماً.
3 أي: مما ألفه زائدة على ثلاثة؛ سواء كان بدلاً من واو في
الاسم، أو زائدة للإلحاق؛ أو ألف تأنيث مقصور، أو بدلاً من
واو في الفعل الثلاثي. وأمثلة المؤلف بهذا الترتيب
المذكور.
4 سورة الشمس الآية: 2.
موطن الشاهد
تَلاهَا}.
وجه الاستشهاد إمالة الألف في "تلاها"؛ للتناسب.
5 سورة الشمس الآية: 3.
موطن الشاهد
{جَلَّاهَا}.
وجه الاستشهاد إمالة الألف في "جلاها"؛ للتناسب أيضًا.
6 سورة الضحى الآية: 2.
موطن الشاهد
{سَجَى}.
وجه الاستشهاد إمالة الألف؛ لمناسبة إمالة ألف "قلى".
7 سورة الضحى الآية: 3.
موطن الشاهد "قلى".
وجه الاستشهاد إمالة الألف في "قلى" للتناسب؛ أو لأن الياء
تخلف الألف عندما يبنى الفعل للمجهول.
8 أي: حيث تخلف الياء فيهما الألف عند البناء للمفعول؛ فلا
حاجة لدعوى التناسب إذا أمكن غيره. وأجيب: بأن ابن مالك
ذكر التناسب؛ لأنه سبب متفق عليه بين النجاة والقراء؛ وهذا
لا ينافي وجود سبب آخر للإمالة.
التصريح: 2/ 347.
ج / 4 ص -364-
ويستثنى من ذلك ما رجوعه إلى الياء مختص
بلغة شاذة، أو بسبب ممازجة الألف لحرف زائد؛ فالأول؛ كرجوع
ألف "عصا" و"قفا" إلى الياء1 في قول هذيل؛ إذ أضافوهما إلى
ياء المتكلم: عصي وقفي2؛ والثاني؛ كرجوعها إليها إذا صغّرا
فقيل: عصية وقفيّ3، أو جمعا على فعول؛ فقيل: عصي وقفي4.
الثالث:
كون الألف مبدلة من عين فعل5 يؤول -عند إسناده إلى التاء-
إلى قولك فلت -بكسر الفاء- سواء كانت تلك الألف منقلبة عن
ياء6؛ نحو: باع وكال، وهاب؛ أم عن واو مكسورة؛ كخاف، وكاد،
ومات في لغة من قال مت بالكسر؛ بخلال نحو: قال، وطال، ومات
في لغة الضم7.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مع أنها منقلبة عن الواو.
2 أصلهما: عصوي -وقفوي؛ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما
بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمتا؛ فلا يمالان؛ لأن الألف
فيهما لا تعود للياء إلا في لغة شاذة.
3 أصلهما: عصيوة -وقفيو، ففعل بهما ما تقدم، وقلبت ياء
لمجاورتها التصغير؛ وفي حرف زائد.
4 أصلهما: عصوو وقفو؛ كفلوس؛ قلبت الواو الأخيرة ياء؛
كراهة توالي واوين فانقلبت الأولى ياء؛ لاجتماعها ساكنة مع
الياء، وأدغمتا، ثم كسرت عينهما؛ لمناسبة الياء، وفاؤهما
ابتاعا؛ لكسر العين.
5 أما المبدلة من عين اسم؛ فلا تمال مطلقاً؛ سواء كانت
بدلاً عن ياء؛ كعاب وناب؛ أو عن واو، كتاج وباب.
6 مفتوحة؛ كباع وكال: أو مكسورة كهاب.
7 أي: مما ألفه منقلبة عن واو مفتوحة، أو مضمومة؛ فهذه لا
تمال؛ لأنها تؤول عند إسنادها لتاء الضمير إلى "فلت"؛
تقول: قلت، وطلت، ومت؛ بضم الفاء فيهن.
إيجاز: إن الألف التي هي عين الفعل، تمال إن كانت عن ياء
مفتوحة؛ كدان أو مكسورة؛ كهاب، أو عن واو مكسورة، كخاف؛
فإن كانت عن واو مضمومة؛ كطال، أو مفتوحة؛ كقال، لم تمل.
ج / 4 ص -365-
الرابع: وقوع الألف قبل الياء1؛ كبايعته وسايرته، وقد أهمله الناظم
والأكثرون.
الخامس:
وقوعها بعد الياء متصلة؛ كبيان2، أو منفصلة بحرف كشيبان
وجادت يداه، أو بحرفين أحدهما الهاء؛ نحو: دخلت بيتها3.
السادس:
وقوع الألف قبل الكسرة4؛ نحو: عالم وكاتب.
السابع:
وقوعها بعدها منفصلة؛ إما بحرف، نحو: كتاب وسلاح أو
بحرفين؛ أحدهما: هاء5؛ نحو: يريد أن يضربها، أو ساكن؛ نحو:
شملاًل، وسرداح6 أو بهذين7 وبالهاء؛ نحو: درهماك.
الثاني: إرادة التناسب8؛ وذلك إذا وقعت الألف بعد ألف في
كلمتها، أو في كلمة قارنتها قد أميلتا لسبب؛ فالأول كرأيت
عمادًا، وقرأت كتاباً9 والثاني؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بشرط أن تكون متصلة، كما مثل المصنف، أو منفصلة بالهاء؛
كشاهين.
2 ومثله: بياع، وكيال، بتشديد الياء؛ بل إن الإمالة مع
التشديد أقوى لتكر السبب، وهو الياء.
3 قيد بعضهم ذلك بألاً يفصل بين الياء والهاء؛ بحرف مضموم؛
نحو: هند اتسع بيتها؛ وإلا امتنعت الإمالة؛ وكذلك تمتنع،
إن كانت الألف منفصلة عن الياء بحرفين؛ ليس أحدهما "هاء"؛
نحو: ساد الوفاق بيننا، أو بأكثر من حرفين؛ نحو: عيشتنا
راضية. قيل: وإنما اغتفر الفصل بالهاء؛ لخفائها فكانها غير
حاجز.
التصريح: 2/ 348.
4 سواء كانت الكسرة ظاهرة؛ كما مثل المصنف، أو مقدرة؛ مثل:
حاد؛ فإن أصله: حادد.
5 ويشترط أن يكون كلا الحرفين متحركاً، وألا يكون قبل
الهاء ضمة؛ فلا يمال نحو: هو يضربها.
6 الشملال: الناقة السريعة، والسرداح: الناقة الطويلة، أو
الكريمة، أو القوية الشديدة.
7 أي: الحرفين: الساكن -فالمتحرك.
8 أي: التوافق، والتماثل بين الكلمة وأخرى ممالة لسبب من
الأسباب المتقدمة؛ وإنما يلجأ إليه إن لم يكن هنالك سبب
آخر غيره؛ ولهذا يسمى الإمالة للإمالة -أو لمجاورة الممال؛
وهو أضعف أسباب الإمالة.
9 فإن الألف الثانية فيهما المنقلبة عن التنوين ممالة؛
لمناسبة الألف الأولى التي أميلت؛ لوقوعها بعد كسرة في
كلمتها، فصل بينهما بحرف واحد.
انظر التصريح: 348-349.
ج / 4 ص -366-
كقراءة أبي عمرو والأخرين1: {وَالضُّحَى}2؛ بالإمالة مع أن
ألفها عن واو الضحوة لمناسبة
{سَجَى}3
{قَلَى}4 وما بعدهما5.
[موانع
الإمالة]:
وأما الموانع فثمانية أيضًا: هي: الراء، وأحرف
الاستعلاء السبعة6؛ وهي: الخاء، والغين المعجمتان، والصاد،
والضاد، والطاء، والظاء، والقاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو عمرو بن العلاء، وحمزة، والكسائي، وقد مرت ترجمة
كل منهم.
2 سورة الضحى الآية: 1.
موطن الاستشهاد: إمالة الألف في "الضحى" على قراءة أبي
عمرو والأخوين؛ لمناسبة "سجى" و"قلى" وما بعدهما.
3 سورة الضحى الآية: 2.
موطن الشاهد:
{سَجَى}.
وجه الاستشهاد: إمالة الألف في "سجى" للتناسب مع ما قبلها
وما بعدها.
4 سورة الضحى الآية: 3.
موطن الشاهد:
{قَلَى}.
وجه الاستشهاد: إمالة الألف في "قلي" للتناسب مع ما قبلها
وما بعدها. وقد سبق ذكر هذه الآيات جميعها.
5 وعلى هذا فلا يشترط في الإمالة التناسب ورعاية الفواصل:
أن يكون الممال الأصلي سابقًا على الممال للتناسب. هذا:
ويرجع الأول والثاني: والثالث من الأسباب -إلى القسم
المعنوي؛ فإن الأول والثاني يدلان على الياء، والثالث: يدل
على الكسرة. أما باقي الأسباب -ما عدا الثامن- فترجع إلى
القسم اللفظي، والثامن يرجع إلى سبب ما أميل لأجله.
6 علة منعها: الإمالة، كما يقول النحاة: طلب تجانس الصوت؛
ذلك لأن هذه الأحرف تستعلي إلى الحنك، وإمالة الألف في
صاعد وانحدارها بعد ذلك، أو في هابط وصعودها بعد؛ فيه
مشقة؛ فمنعت الإمالة لذلك أما الراء؛ فإنه -وإن لم يكن
فيها استعلاء- إلا أنها قابلة للتكرر؛ إذ شددت فكأنها أكثر
من حرف واحد، فأشبهت المستعلية؛ بل قيل: إنها أشد في
المنع. وحروف الاستعلاء؛ هي حروف "خص ضغط قظ".
التصريح: 2/ 349.
ج / 4 ص -367-
وشرط المنع بالراء أمران؛ كونها غير
مكسورة، واتصالها بالألف1: إما قبلها، نحو: فراش وراشد أو
بعدها نحو: هذا حمار، ورأيت حمارًا، وبعضهم يجعل المؤخرة
المفصولة بحرف نحو: "هذا كافر"؛ كالمتصلة.
وشرط الاستعلاء المتقدم على الألف أن يتصل بها نحو: صالح،
وضامن، وطالب، وظالم، وغالب، وخالد، وقاسم، أو ينفصل بحرف؛
نحو: غنائم؛ إلا إن كان مكسورا2؛ نحو: طلاب، وغلاب3،
وخيام، وصيام؛ فإن أهل الإمالة يميلونه؛ وكذلك الساكن بعد
كسرة4؛ نحو: مصباح، وإصلاح، ومطواع، ومقلاة -وهي التي لا
يعيش لها ولد5، ومن العرب من لا ينزل هذا منزلة المكسور6.
وشرط المؤخر عنها كونه؛ إما متصلاً؛ كساخر، حاطب، وحاظل7،
وناقف8، أو منفصلاً بحرف؛ كنافق9، ونافخ، وناعق، وبالغ، أو
بحرفين؛ كمواثيق ومناشيط؛ وبعضهم يميل هذا لتراخي
الاستعلاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ويشترط ألا يجاوز الألف راء أخرى، وألا لم تمنع الإمالة؛
نحو قوله -تعالى-:
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}.
2 هذا استثناء من الاستعلاء المنفصل بحرف؛ إذ المكسور قبل
المتصل متعذر؛ لأن متلو الألف، لا يكون إلا مفتوحاً.
3 هما مصدران لطالب؛ أي: طلب بحق، وغالب؛ أي قهر.
4 فإنه لا يمنع الإمالة أيضًا؛ لأن الكسرة -لما جاورته،
وهو ساكن- قدر اتصالها به؛ فنزل ذلك منزلة المكسور.
5 ومنه قوله الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخاً
وأم الصقر مقلاة نزور
6 أي: لا يجعل الساكن بعد كسرة
مثل المكسور؛ فيمنع الإمالة فيه لأجل حرف الاستعلاء.
7 من حظل عليه إذا منعه من التصرف، والحركة، والمشي.
8 اسم فاعل من نقف رأسه؛ إذ ضربه عليها حتى يخرج دماغه؛ أو
من نقف الرمانة إذا قشرها؛ ليستخرج حبها، والنفق: كسر
الهامة.
9 اسم فاعل: من نفق البيع نفاقًا -إذا راج، والسوق إذا
قامت، والرجل والدابة نفوقاً- إذا ماتا، والجرح إذا تقشر.
ج / 4 ص -368-
وشرط الإمالة التي يكفها المانع: أن لا
يكون سببها كسرة مقدرة1، ولا ياء مقدرة2؛ فإن السبب المقدر
هنا؛ لكونه موجودًا في نفس الألف أقوى من الظاهر؛ لأنه إما
متقدم عليها، أو متأخر عنها؛ فمن ثم أميل؛ نحو: خاف وطاب
وحاق وزاغ3.
[الفرق بين
تأثير السبب]:
مسألة: يؤثر مانع الإمالة إن كان منفصلاً4، ولا يؤثر
سببها إلا متصلاً؛ فلا يمال نحو: "أتى قاسم"؛ لوجود القاف،
ولا "لزيد مال"؛ لانفصال السبب.
هذا ملخص كلام الناظم وابنه؛ وعليهما اعتراض من وجهين:
أحدهما: أنهما مثلاً بـ"أتى قاسم" مع اعترافهما بأن الياء
المقدرة، لا يؤثر فيها المانع5؛ والاستعلاء في هذا النوع
لو اتصل لم يؤثر؛ والمثال الجيد: "كتاب قاسم"6.
والثاني: أن نصوص النحويين مخالفة لما ذكراً من الحكمين7.
قال ابن عصفور في مقربه8 -بعد أن ذكر أسباب الإمالة- ما
نصه: "وسواء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وذلك، مثل: "خاف" فإنه ألفه منقلبة عن واو مكسورة؛ وسبب
الإمالة الكسرة المقدرة في الواو المنقلبة أيضًا.
2 مثل: "طاب" فإن ألفه منقلبه عن ياء؛ هي سبب الإمالة.
3 أي: مع تأخر حرف الاستعلاء؛ لأن السبب مقدر في نفس
الألف؛ فهو أقوى من الاثنين.
4 أي: بأن كان في كلمة أخرى مستلة بنفسها؛ سواء كان متصلاً
بالألف، أو مفصولاً منها بحرف، أو بحرفين؛ تقدم، والعلة في
ذلك: أن عدم الإمالة: هو الأصل فيصار بأدنى سبب.
5 لأن شرط الأمالة التي يكفها المانع: ألا يكون سببها ياء
مقدرة، وألف "أتى" منقلبة عن الياء.
6 فإن سبب الإمالة -هنا- الكسرة الظاهرة؛ فيكفها المانع؛
وإن كان منفصلاً.
7 أي: المذكورين. قبل في "مسألة"؛ وهما: تأثير مانع
الإمالة، إن كان منفصلاً، وعدم تأثير السبب إلا متصلاً.
8 المقرب: كتاب مختصر في النحو والصرف يقع في جزء واحد؛
قال ابن عصفور في مقدمته: "لقد وضعت كتاباً صغير الحجم
مقربا للفهم، وقفت فيه من علم النحو على شرائعه، وملكت
عصيه، وطائعها، وذللته للفهم؛ بحسن الترتيب وكثرة التهذيب؛
لألفاه والتقريب؛ حتى صار معناه إلى القلب أسرع من لفظه
إلى السمع". ضياء السالك: 4/ 211-212.
ج / 4 ص -369-
كانت الكسرة متصلة أم منفصلة؛ نحو "لزيد
مال"؛ إلا أن إمالة المتصلة كائنة ما كانت أقوى". وقال
أيضًا: "وإذا كان حرف الاستعلاء منفصلاً عن الكلمة، لم
يمنع الإمالة؛ إلا فيما أميل لكسرة عارضة؛ نحو: "بمال
قاسم"، أو فيما أميل من الألفات؛ التي هي صلات الضمائر1؛
نحو: "أراد أن يعرفها قبل"2 انتهى. ولولا ما في شرح
الكافيه3؛ لحملت قوله
في النظم:
والكلف قد يوجبه ما ينفصل
على هاتين الصورتين4؛ لإشعار "قد يفعل"5 في عرف المصنفين
بالتقليل.
[مانع المانع]:
وأما مانع المانع؛ فهو الراء المكسورة المجاورة؛ فإنها
تمنع المستعلي والراء أن يمنعا6؛ ولهذا أميل
{وَعَلَى أَبْصَارِهِم}7، و{إِذْ هُمَا فِي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن الضمير مع ما قبله؛ كجزء من الكملة؛ وهما كالكلمة
الواحدة.
2 فلا تمال الألف في "يعرفها"؛ لأن القاف مانعة من
الإمالة، وإن انفصلت.
3 أي: من قوله: إن سبب المنع قد يؤثر منفصلاً؛ فيقال: أتى
أحمد بالإمالة، وأتى قاسم بترك الإمالة.
4 أي المذكورتين في كلام ابن عصفور في المقرب، وهما: ما
أميل للكسرة العارضة، وما أميل من الألفات التي هي صلات
الضمائر.
5 أي: في قول الناظم: "والكف قد يوجبه ما ينفصل". وقيل إن
ما في شرح الكافية لا يمنع صحة حمل كلام الناظم -هنا- على
الصورتين؛ لجواز أن يكون رأيه -هنا- مخالفاً لما في شرح
الكافية، وما ذكر من كلام ابن عصفور لا ينهض حجة عليه، ولا
يقتضي أن نصوص النحويين بخلاف ما قاله. وعلى ذلك فلا
اعتراض، ولا مؤاخذة على النظم حاشية يس على التصريح: 2/
351.
6 ذلك لأن الراء حرف تكرير؛ فهي بمنزلة حرفين مكسورين،
فقوت بذلك جانب الإمالة، وهذا إذا تأخرت عن الألف؛ فإن
تقدمت عليها، لم يؤثر، كما في قوله تعالى:
{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
فلم يملة أحد من القراء؛ لئلا يلزم التصعد بعد التسفل.
7 سورة البقرة الآية: 7.
موطن الشاهد:
{أَبْصَارِهِم}.
وجه الإستشهاد: جواز الإمالة في ألف "أبصارهم"؛ لأن
"الراء" حرف تكرير فهي بمنزلة حرفين مكسورين فقوت جانب
الإمالة.
ج / 4 ص -370-
الْغَارِ}1؛ مع وجود الصاد والغين،
{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ}2؛ مع وجود الراء المفتوحة،
{دَارُ الْقَرَارِ}3؛
مع وجودهما. وبعضهم يجعل المنفصلة بحرف كالمتصلة؛ سمع
سبيويه الإمالة في قوله4 [الطويل].
560- عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة الآية: 40.
موطن الشاهد:
{الْغَارِ}.
وجه الاستشهاد: جواز إمالة الألف؛ لأنها تليت بالراء -حرف
التكرير- فقوت جانب الإمالة؛ كما في الآية السابقة.
2 سورة المطففين الآية: 18.
موطن الشاهد:
{كِتَابَ الْأَبْرَارِ}.
وجه الاستشهاد: جواز إمالة ألف "الأبرار"؛ لأنها تليت
بالراء المكسورة، كما في الآيتين السابقتين.
3 سورة غافر الآية: 39.
موطن الشاهد:
{دَارُ الْقَرَارِ}.
وجه الاستشهاد: جواز إمالة ألف "القرار"؛ كما في الآيات
السابقة.
4 القاتل: هو هدبة بن خشرم العذري، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، يهجو فيه الشاعر رجلاً من
بني نمير بن قادر، وعجزه قوله:
بمنهر جون الرباب سكوب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 351؛ ونسبه إلى سماعة النعامي،
والأشموني "1202/ 3/ 771" وسيبويه: 1/ 478؛ 2/ 269،
المقصب: 2/ 48، 69، وشرح المفصل: 7/ 118، 9/ 62".
المفرادات الغريبة: قادر: اسم رجل. منهمر: مطر كثير، يقال:
انهمل المطر وانهمر، أي نزل بشدة وتتابع نزوله. جون: أٍود،
ويطلق أيضًا على الأبيض؛ فهو من الأضداد.
الرباب: السحاب الأبيض؛ واحدته: بهاء. سكوب: منصب، من سكب
الماء-إذا صبه.
المعنى: يطلب إلى الله -تعالى- ويرجوه: أن ينزل المطر
الكثير؛ فيعم الأرض، ويكون الخصب والخير العميم؛ ليستغني
عن بلاد ابن قادر ويرحل عنها.
ج / 4 ص -371-
[إمالة الفتحة قبل حرف من ثلاثة]:
فصل: تملال الفتحة قبل حرف من ثلاثة.
أحدها:
الألف، وقد مضت؛ وشرطها أن لا تكون في حرف، ولا في اسم
يشبهه1؛ فلا تمال "إلا"؛ لأجل الكسرة، ولا نحو: "على"؛
للرجوع إلى الياء في نحو: "عليك"؛ و"عليه" ولا "إلى"؛
لاجتماع الأمرين فيها. ويستثنى من ذلك: "ها"، و"نا"2 خاصة؛
فإنهم طردوا الإمالة فيهما3 فقالوا: "مر بنا وبها"، و"ينظر
إلينا وإليها". وأما إمالتهم "أني"، و"متى" و"بلى"، و"لا"4
في قولهم: "افعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب، عسى: عل ماض ناقص. الله: "لفظ الجلالة" اسم
"عسى" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة يغني: فعل مضارع
مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفعال هو،
يعود إلى "لفظ الجلالة"؛ وجملة "يغني": في محل نصب خبر
"عسى".
"عن بلاد": متعلق بـ"يغني" وبلاد: مضاف ابن: مضاف إليه
مجرور، وهو مضاف، قادرت: مضاف إليه مجرور. "بمنهمر":
متعلق. ابن: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف قادر: مضاف إليه
مجرور. "بمنهمر": متعلق بقوله "يغني". جون: صفة لـ"منهمر"
مجرور، وهو مضاف. الرباب: مضاف إليه مجرور. سكوب: صفة
ثانية لـ"منهمر" موطن الشاهد "قادر".
وجه الشاهد: "قادر".
وجه الاسشتهاد: إمالة: "قادر" مع وجود الفاصل بين الألف
والراء المكسورة بحرف "الذال "؛ هذا، وفي البيت شاهد آخر
على مجيء خبر عسى جملة فعلية؛ فعلها مضارع غير مقترن
بـ"أن" المصدرية، وهذا نادر؛ وأن الكثير اقترانه بها.
انظر حاشية الصبان: 4/ 229، والتصريح: 2/ 351، وضياء
السالك: 4/ 213.
1 وذلك لأن الإمالة نوع من التصرف؛ وهو لا يدخل الحرف، ولا
ما يشبهه إلا ما استثني مما سيأتي؛ فالإمالة من خواص
الأفعال، والأسماء المتمكنة.
2 المراد: "ها" التي هي ضمير الغائبة -لا "ها" التنبيه.
و"نا" ضمير المتكلم المعظم لنفسه، أو ومعها غيره.
3 بشرط أن يكون قبلهما كسرة، أو ياء، كما مثل المصنف؛ وذلك
لكثرة استعمالهما، ومع اطراد الإمالة فيهما، فهما من قسم
المسموع.
4 الأولى: حرف جواب، والثانية: حرف نفي، لا للجواب، خلافاً
لقطرب الذي يجيز إمالة "لا" الجوابية أيضًا؛ لكونها مستقلة
في الجواب؛ ومثلهما: "يا" الندائية. الأشمواني: 3/
744-775.
ج / 4 ص -372-
هذا إما "لا"؛ فشاذ من وجهين؛ عدم التمكن1،
وانتفاء السبب2.
والثاني:
الراء؛ بشرط كونها مكسورة، وكون الفتحة في غير ياء3؛
وكونهما متصلتين، نحو: "من الكبر"، أو منفصلين بساكن غير
ياء؛ نحو: "من عمرو"؛ بخلاف نحو: "أعوذ بالله من الغير"،
ومن قبح السير4، ومن غيرك"5 واشتراط الناظم تطرف آراء
مردود6 بنص سيبيوه على إمالتهم فتحة الطاء من قولك: "رأيت
خبط رياح"7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لأنها مبنية.
2 أي: المجوز للإمالة؛ لأن الألف في المبني أصل وغير
منقبلة عن شيء، وليست قبلها كسرة. والذي يسهل إمالة هذه
الأحرف: أنها نائبة من الجمل؛ لأنها تفيد معنى مفهوماً
مستقلة عن غيرها؛ فأصبح لها مزية على غيرها، وهذا التعليل
ظاهر في غير "أنى متى". ضياء السالك: 4/ 214.
3 سواء كانت بعد ذلك في حرف استعلاء؛ نحو: من البقر: أو في
راء، نحو: قوله -تعالى-
{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ}، أو في غيرها، نحو:
{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ}.
4 فلا تمال الفتحة فيهما، لأنها على الياء. والغير: جمع
غيرة؛ وهي أحوال الدهر وأحداثه المتغيرة. والسير: جمع
سيرة؛ وهي السنة والطريقة.
5 لأن ألف صل فيه بياء ساكنة. ويغتفر أيضًا الفصل بين
الفتحة والراء بحرف مكسور، فيما نحو: "أشر". ويشترط ألا
يكون بعد الراء المكسورة حرف استعلاء؛ نحو: من المشرق فإنه
مانع من الإمالة، كما نص على ذلك سيبيويه.
الأشموني: 3/ 776.
6 قد يجاب عن الناظم بأنه خص الظرف للغالب -لا لأنه لازم،
وسكت عن غيره. ولا يلزم من السكوت على شيء نفيه.
حاشية يس على التصريح: 2/ 352.
7 قال الصبان: لعله بفتح الخاء والباء، أي: ورقاً نفضته
الرياح من الشجر، والذي في الشجر حتى خبط الشجرة: شدها ثم
ضربها بالعصا ونفض ورقها منها، والخبط: ضرب ورق الشجر حتى
يتحاب عنه، ثم يستخلف من غير أن يضر ذلك بأصل الشجرة، وعن
الليث: الخبط: خبط ورق العضاه من الطلح ونحوه، ويخبط
بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل، ومن هذا، ويتبين: ألأنه
يجوز سكون الباء وفتحها، ويؤخذ من الإمالة في هذا المثال:
أنه لا يشترط في إمالة الفتحة بكسر راء وبعدها، كونها في
كلمة واحدة.
حاشية: الصبان: 4/ 223، وضياء السالك: 4/ 215-216.
ج / 4 ص -373-
والثالث: هاء التأنيث1؛ وإنما يكون هذا في الوقف خاصة؛ كرحمة ونعمة؛ لأنهم
شبهوا هاء التأنيث بألفه، لاتفاقهما في المخرج، والمعنى،
والزيادة، والتطرف، والاختصاص بالأسماء. وعن الكسائي إمالة
هاء السكت -أيضًا- نحو: "كِتَابِيِه"2، والصحيح: المنع؛
خلافًا لثعلب؛ وابن الأنباري3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومثلها: هاء المبالغة، نحو: علامة؛ لأنها في الأصل هاء
تأنيث. أما هاء السكت؛ نحو:
{كِتَابِيَه}
فلا تمال الفتحة قبلها على الراجح. وكذلك لا تمال الفتحة
قبل تاء التأنيث التي لا تقلب هاء كرحمة عند من يقفل عليها
بالتاء، ولا قبل التاء المتصلة بالفعل، كقامت. انظر
التصريح: 2/ 352.
2 سورة الحاقة الآية: 19.
موطن الشاهد:
{كِتَابِيَه}.
وجه الاستشهاد إمالة الفتحة قبل "هاء" السكت في
"كِتَابِيِه" أيضًا؛ لشبهها بـ"هاء التأنيث في الوقف
والخط، والصحيح: المنع؛ خلافًا لـ"ثعلب"، وابن الأنباري؛
فإنهما صححا جواز الإمالة فيما قبلها، وبه قرأ أبو مزاحم
الخاقاني. التصريح 2/ 352.
3 مرت ترجمة كل من ثعلب، وابن الأبناري، والكسائي. |