أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -437-
هذا باب نقل حركة الحرف المتحرك
المعتل إلى الساكن الصحيح قبله1:
وذلك في أربع مسائل:
أحدها:
أن يكون الحرف المعتل عينًا لفعل2.
ويجب بعد النقل في المسائل الأربع أن يبقى الحرف المعتل إن
جانس الحركة المنقولة؛ نحو: يقول ويبيع؛ أصلهما: يقول مثل
يقتل، ويبيع مثل يضرب3، وأن تقلبه حرفًا يناسب تلك الحركة
إن لم يجانسها؛ نحو: يخاف ويخيف؛ أصلهما: يخوف؛ كيذهب
ويخوف؛ كيكرم4.
ويمتنع النقل إن كان الساكن معتلًا نحو: بايع، وعوق،
وبين5؛ أو كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 علة هذا النقل: استثقال الحركة، إذا كانت ضمة، أو كسرة
على حرف العلة؛ أما الفتحة فحملًا على أختيها؛ وإنما لم
تستثقل؛ في نحو: دلو وظبي؛ لأنها حركة إعراب، لا تلزم.
2 أي: يكون الفعل أجوف.
3 نقلت ضمة الواو وكسرة الياء إلى الساكن الصحيح قبلهما،
وبقيت الواو والياء على حالهما، لمجانستهما الحركة
المنقولة منهما.
4 نقلت فتحة الأول، وكسرة الثاني إلى الخاء، ثم قلبت الواو
ألفًا؛ في الأول؛ لتجانس الفتحة قبلها، وياء في الثاني؛
لسكونها إثر كسرة. ومثل المضارع الماضي، والأمر؛ نحو:
أجاب: أصله أجوب، نقلت فتحة الواو إلى الساكن الصحيح
قبلها، ثم قلبت ألفًا؛ للمجانسة. و"خف" أصله: أخوف، نقلت
حركة العين، إلى ما قبلها، ثم قلبت ألفًا للمناسبة، ثم
حذفت همزة الوصل؛ للاستغناء عنها، وحذفت العين؛
للالتقائهما ساكنة، مع اللام. ولا يعل من الماضي إلا
صيغتا: أفعل واستفعل. كأجاب واستجاب.
التصريح: 2/ 392.
5 أما نحو: بايع؛ فلإن الألف، لا تقبل الحركة، وأما نحو:
عوق وبين؛ فلأن النقل إلى الواو والياء، ويوجب قلبهما
ألفين؛ لتحركهما، وانفتاح ما قبلهما، فيلتقي ساكنان. وحذف
أحدهما يوجب الالتباس.
ج / 4 ص -438-
فعل تعجب1 نحو: ما أبينه! وأبين به!، وما
أقومه!، وأقوم به!، أو مضعفًا؛ نحو: أبيض، وأسود2؛ أو معتل
اللام3؛ نحو: أهوى وأحيا.
المسألة الثانية:
الاسم المشبه للمضارع في وزنه دون زيادته أو في دون وزنه؛
كأن تبنى من البيع؛ أو من القول اسمًا على مثال "تحلئ"،
بكسر التاء وهمزة بعد اللام؛ فإنك تقول: تبيع، بكسرتين
بعدهما ياء ساكنة7، وتقيل؛ كذلك، وهذه الياء منقلبة عن
الواو؛ لسكونها بعد الكسرة8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حملًا له على اسم التفضيل المشابه له، وهو يعل لمشابهته
المضارع؛ في الوزن والزيادة، وسيأتي في المسألة الثانية أن
ما كان كذلك، يصحح.
2 لأنه لو نقل حركة العين للفاء لقلبت ألفًا؛ فحذف همزة
الوصل، للاستغناء عنها فيصير: باض، وساد، بالتشديد، فيلتبس
باسم الفاعل من البضاضة؛ وهي نعومة البشرة، ومن السد.
3 لئلا يتوالى به إعلالان: في اللام - والعين.
التصريح: 2/ 293.
4 وهو ما وافق المضارع في حركاته، وسكناته، وخالفه في
الزيادة؛ بأن تكون زيادته ليس من الحروف التي تزاد في أول
المضارع، وإن كانت في مكانها.
ومعنى: وفيه وسم؛ أي علامة يمتاز بها عن المضارع؛ بأن
يشبهه في الوزن فقط، أو الزيادة فقط.
5 فهو مشبه ليعلم في الوزن فقط؛ فيه زياد تدل على أنه ليس
من قبيل الأفعال؛ وهي الميم. ومثله: مصير، ومجيب، ومستقيم؛
أصلها: على وزن يجلس ويسكر ويستغفر؛ وكل اسم على وزن
"مفعل" -بفتح الميم، وسكون الفاء- مع تحرك العين بأي حركة،
أو على وزن: مفعل أو مستفعل، بضم الميم، وسكون الفاء، مع
كسر العين، أو فتحها يعل بالنقل؛ لمشابهته الفعل في الوزن
دون الزيادة.
6 وهو ما وافق المضارع في زيادته، بأن تكون الزيادة في
أوله من الحروف التي تزاد اول المضارع؛ وخالفه، في حركاته
وسكناته.
7 نقلت حركة الياء وهي الكسرة، إلى الساكن الصحيح قبلها؛
وهو الباء؛ فصار تبيع؛ ففيها إعلال بالنقل.
8 وأصلها "تقول"، نقلت حركة الواو، إلى ما قبلها؛ وهو
القاف، ثم قلبت الواو ياء؛ لتجانس الكسرة كما سبق؛ ففيها
إعلالان: أحدهما بالنقل، والآخر بالقلب. وقد أشبه هذا
النوع المضارع في زيادته الخاصة في أوله. ولكن فيه علامة،
يمتاز بها عن الفعل؛ وهي أن هذا الوزن؛ وهو "تفعل" بكسر
التاء وضمها - خاصة بالاسم، ولا يجيء في الفعل.
ج / 4 ص -439-
فإن أشبهه في الوزن والزيادة معًا، أو
باينه فيهما معًا؛ وجب التصحيح1؛ فالأول؛ نحو: أبيض
وأسود2، وأما نحو: "يزيد"، علمًا، فمنقول إلى العلمية بعد
أن أعل إذ كان فعلًا3 والثاني؛ نحو: مخيط4؛ هذا هو الظاهر5
وقال الناظم وابنه: "وكان حق مخيط أن يعل؛ لأن زيادته خاصة
بالأسماء، وهو مشبه لتعلم؛ أي: بكسر حرف المضارعة في لغة
قوم؛ لكنه حمل على مخياط؛ لشبهة به لفظًا ومعنى6، انتهى.
وقد يقال: إنه لو صح ما قالا؛ للزم أن لا يعل تحلئ؛ لأنه
يكون مشبهًا؛ لتحسب في وزنه وزيادته. ثم لو سلم أن
الإعلال، كان لازمًا لما ذكرا؛ لم يلزم الجميع؛ بل من يكسر
حرف المضارعة فقط.
المسألة
الثالثة: المصدر الموازن "لإفعال" أو
"استفعال"7؛ نحو: إقوام،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أما في حالة المشابهة، في الأمرين؛ فلئلا يتوهم أنه فعل؛
وفي حالة المباينة فيهما؛ يبعد عن الفعل الذي؛ هو الأصل في
الإعلال.
2 فهذان وصفان يشبهان: "أعلم" في الوزن وزيادة الهمزة؛ فلو
أعلا؛ لقيل: أباض وأساد، فيلتبسان بالفعل.
3 أي: أن الإعلال دخله؛ وهو مضارع قبل نقله إلى العلمية،
واستصحب معها؛ فلا يقال: إنه شابه المضارع وزنًا، وزيادة؛
ومع ذلك أعل.
4 فإنه مباين للمضارع، وزنا بكسر أوله؛ لأن المضارع، لا
يكون في الأغلب مكسور الأول، وزيادة؛ لأنه مبدوء بميم
زائدة؛ فالصيغة مختصة بالاسم. والمخيط: اسم لأداة الخياطة.
5 أي: كونها علة تصحيح؛ نحو: مخيط -مباينته المضارع وزنًا،
وزيادة بدون نظر إلى من يكسر حرف المضارعة؛ لقلته.
التصريح: 2/ 294.
6 أما في اللفظ: فلعدم الفرق بين لفظيها؛ إلا بالألف. وأما
معنى: فلأن كلا منهما، يكون اسم آلة، وصيغة مقصودًا بها
المبالغة. المصدر نفسه.
7 هو الذي عين فعله معتلة، ويكون على وزن "أفعل" أو
"المستفعل"؛ نحو: أقام واستقام وقد أعل المصدر حملًا على
فعله فتنقل حركة عينه إلى الساكن قبلها وهو الفاء، ثم تقلب
العين -وهو الواو- ألفًا، يتوالي ألفان، بدل العين، وألف
"إفعال" و"استفعال" ولا يمكن النطق بهما فتحذف الثانية:
المصدر نفسه.
ج / 4 ص -440-
واستقوام ويجب بعد القلب حذف إحدى الألفين؛
لالتقاء الساكنين؛ والصحيح: أنها الثانية؛ لزيادتها،
وقربها من الطرف1؛ ثم يؤتى بالتاء عوضًا؛ فيقال: إقامة،
واستقامة؛ وقد تحذف نحو:
{وَأَقَامَ الصَّلاةَ}2.
المسألة الرابعة:
صيغة مفعول؛ ويجب بعد النقل، في ذوات الواو، حذف إحدى
الواوين؛ والصحيح: أنها الثانية لما ذكرنا. ويجب أيضًا، في
ذوات الياء، الحذف، وقلب الضمة كسرة؛ لئلا تنقلب الياء
واوًا؛ فتلتبس ذوات الياء بذوات الواو؛ مثال الواوي: مقول،
ومصوغ، واليائي: مبيع ومدين3.
وبنو تميم تصحح اليائي4؛ فيقولون: مبيوع ومخيوط5: [الكامل]
578- وكأنها تفاحة مطيوبة6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا مذهب الخليل وسيبويه؛ واختاره الناظم؛ وذهب الأخفش
والفراء: إلى أن المحذوف الأولى؛ التي هي بدل عين الكلمة؛
ولهذا الخلاف أثره في الوزن؛ فوزن إقامة واستقامة -على رأي
الجمهور-: "إفعلة واستفعلة"، وعلى مذهب الأخفش: "إفالة
واستفالة".
التصريح: 2/ 394.
2 سورة الأنبياء الآية: 73.
3 سورة النور الآية: 37.
موطن الشاهد: "إقام الصلاة".
وجه الاستشهاد: حذف التاء؛ التي جعلت عوضًا عن الألف
المحذوفة؛ وحكم حذف هذه التاء، يقتصر فيه على ما سمع، ولا
يقاس عليه، ويكثر ذلك مع الإضافة؛ لسد الإضافة مسد التاء
المحذوفة؛ ولمشاكلة "إيتاء الزكاة".
انظر التصريح: 2/ 394- 395.
3 أصلهما: مبيوع، ومديون؛ فعل بهما ما تقدم في النقل
والحذف، ثم كسر ما قبل الياء؛ لئلا تنقلب واوًا -عند
سيبويه؛ وتقلب الواو ياء- عند الأخفش؛ لئلا يلتبس اليائي
بالواوي؛ ووزنهما على رأي سيبويه: "مفعل"، وعند الأخفش
"مفيل".
التصريح: 2/ 395.
4 لأن الياء أخف عليهم من الواو.
5 القائل: رجل من بني تميم.
6 تخريج الشاهد: هذا نصف بيت لم يعرف له تكملة، وهو في وصف
الخمرة.
ج / 4 ص -441-
وقال1: [الكامل]
579- وإخال أنك سيد معيون2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 395، والأشموني "1230/ 3/
866".
المفردات الغريبة: مطيوبة: اسم مفعول؛ من طاب فلان الشيء،
يطيبه؛ إذا وجده طيبًا حلوًا؛ وطاب الشيء: إذا حلا وحسن.
المعنى: واضح.
الإعراب: كأنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها": في محل نصب
اسمها. تفاحة: خبر "كان" مرفوع، وعلامة رفع الضمة الظاهرة.
مطيوبة: صفة لـ "تفاحة" مرفوع، وعلامة رفع الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "مطيوبة".
وجه الاستشهاد: مجيء "مطيوبة" على الأصل؛ والقياس: أن تكون
"مطيبة" كمبيعة؛ وأتى بها الشاعر على لغة بني تميم.
انظر شرح التصريح: 2/ 395. وحاشة الصبان: 4/ 324.
1 القائل: هو العباس بن مرادس السلمي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يخاطب كليب بن عمرو السلمي؛
وصدره قوله:
قد كان قومك يحسبونك سيدًا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 395، والأشموني "1231/ 3/ 866"،
والعيني: 4/ 457، والحيوان: 2/ 142، والمقتضب: 1/ 102،
والأغاني: 4/ 89، والخصائص: 1/ 261، ودرة الغواص للحريري:
36، وشرحها للخفاجي: 63، وأمالي ابن الشجري: 1/ 113، 210،
وشرح شواهد الشافية: 281، 378، ومعاهد التنصيص: 1/ 13،
وحاشية يس: 2/ 168، واللسان "عين".
المفردات الغريبة: إخال: أظن. معيون: اسم مفعول، من عاينه
يعينه؛ إذا أصابه بالعين، وروي: مغيون؛ وفي الحديث:
"إنه ليغان على قلبي" -بالغين المعجمة- وهو اسم مفعول أيضًا؛ من قولهم: غين على قلب فلان
-بالبناء للمجهول- أي: غطي عليه، وحجب وألبس، فلم يتعرف
حقيقة الأمور.
المعنى: يخاطب الشاعر مهجوه. قائلًا: لقد كان قومك يعدونك
سيدًا فيهم؛ لأنهم يظنونك أهلًا للسيادة، وما أظنك -أنا-
إلا سيدًا محجوبًا على قلبه، وبصيرته، ولا يعرف حقائق
الأمور.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. كان: فاعل ماض ناقص مبني على
الفتح. قومك: اسم كان مرفوع، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه.
يحسبونك: فعل مضارع مرفوع، وعلامة =
ج / 4 ص -442-
وربما صحح بعض العرب شيئًا من ذوات الواو؛
سمع ثوب مصوون1، وفرس مقوود2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رفعه ثبوت النون، والواو: في محل رفع فاعل، والكاف: في
محل نصب مفعولًا له أول. سيدًا: مفعول به ثان منصوب؛ وجملة
"يحسبونك سيدًا": في محل نصب خبر "كان" وإخال: الواو
عاطفة، إخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. أنك: حرف
مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسمه. سيد: خبر مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. معيون: صفة لـ "سيد" مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ و"أن ومعمولاها": سدت مسد
مفعولي "إخال".
موطن الشاهد: "معيون".
وجه الاستشهاد: مجيء "معيون" -اسم المفعول من الأجوف
اليائي- على الأصل؛ والقياس: معين؛ وهو من عنت الرجل؛ أي:
أصبته بالعين؛ فأنا عائن، وهو معين؛ وقد أتى بها الشاعر
على لغة بني تميم؛ كما في الشاهد السابق.
انظر شرح التصريح: 2/ 395. وحاشية الصبان: 4/ 325.
1 أي: محفوظ؛ من صان يصون، وطعام مزيوت، وبر مكيول، ورجل
مديون إلخ.
2 في لسان العرب "مادة: دوف، وصون": ما يفيد أن تميمًا،
يصححون الواوي أيضًا، وقد ورد منه قول الراجز:
والمسك في عنبره مدووف |