حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك

ج / 4 ص -46-          فصل "لو":

لو حرف شرط في مضي ويقل                        إيلاؤه مستقبلًا لكن قبل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل لو:
اعلم أن "لو" تأتي على خمسة أقسام؛ الأول: أن تكون للعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا، ذكره في التسهيل. الثاني: أن تكون للتقليل نحو: تصدقوا ولو بظلف محرق. ذكره ابن هشام اللخمي وغيره. الثالث: أن تكون للتمني نحو: لو تأتينا فتحدثنا، قيل ومنه:
{لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة: 167] ولهذا نصب فنكون في جوابها. واختلف في لو هذ فقال ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط؛ ولكن قد يُؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت. وقال بعضهم: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل لو:
قوله: "على خمسة أقسام" بل ستة، سادسها التحضيض نحو: لو تأمر فتطاع، كما في جمع الجوامع وشرحه. قوله: "تصدقوا ولو بظلف محرق" المعنى: تصدقوا بما تيسر من قليل أو كثير، ولو بلغ في القلة إلى الظلف مثلًا فإنه خير من العدم، وهو بكسر الظاء المعجمة للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للجمل، وقيد بالإحراق أي: الشي كما هو عادة العرب؛ لأن النيئ قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي كذا في المحلى. قوله: "ذكره ابن هشام اللخمي وغيره" قال في المغني: وفيه نظر. قال الدماميني: وجه النظر أن كل ما أورد شاهدًا على التقليل يجوز أن تكون لو فيه بمعنى إن والتقليل مستفاد من المقام لا من نفس لو. قوله: "لو تأتينا فتحدثنا" قال شيخنا: محل كونها في المثال للتمني إذا كان المخاطب مأيوس الإتيان إلى المتكلم أو متعسره عادة. اهـ. ووجهه أن التمني طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر. قوله:
"{لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}" أي: رجعة إلى الدنيا. قوله: "ولهذا نصب فنكون" لا دليل فيه لجواز أن يكون النصب في نكون مثله في:

ولبس عباءة وتقر عيني

فهو بأن مضمرة جوازًا، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على كرة؛ ولهذا قال قيل ومنه. قوله: "واختلف في لو هذه" لم يتعرض لكون القسمين الأولين يحتاجان إلى جواب أو لا، وما قاله ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي يظهر في لو التي لعرض ولو التي للتحضيض، وانظر لو التي للتقليل على رأي ابن هشام اللخمي، هل لها جواب مقدر أو لا جواب لها؟ قوله: "هي قسم برأسها" أي: مغايرة للو الشرطية والمصدرية كما في زكريا. قوله: "ولكن قد يُؤتى لها بجواب منصوب" أي: وقد لا يُؤتى لها بجواب أصلًا كما في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ

 

ج / 4 ص -47-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1158-

فلو نُبش المقابر عن كليب                      فيُخبر بالذنائب أي زير

بيوم الشعثمين لقر عينًا                         وكيف لقاء مَن تحت القبور

وقال المصنف: هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني؛ وذلك أنه أورد قول الزمخشري: وقد تجيء لو في معنى التمني نحو: لو تأتيني فتحدثني، فقال: إن أراد أن الأصل وددت لو تأتيني فتحدثني، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الأشعار بمعنى التمني، فكان لها جواب كجوابها فصحيح، أو أنها حرف وضع للتمني كليت فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمني كما لا يجمع بينه وبين ليت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة: 103] إن الشارح سيصرح في آخر الباب بأن لو في هذه الآية للتمني ولا جواب لها أصلًا، وأن قوله: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة: 103] مستأنف أو جواب قسم محذوف.
وقوله: "فلو نُبش المقابر" قاله مهلهل حين أخذ بثأر أخيه كليب. وقوله: "فيخبر" بالبناء للمفعول. وقوله: "بالذنائب" أي: في الموضع المسمى بالذنائب بفتح الذال المعجمة فنون وفي آخره باء موحدة وفيه قبر كليب فالباء في بالذنائب ظرفية كذا قال الدماميني والشمني والعيني. وقوله: "أي زير" نائب فاعل يخبر بعد حذف الموصوف والأصل زير أي زير، والزير الأصل من يكثر زيارة النساء لقب به كليب؛ لأنه كان يكثر زيارتهن فهو من وضع الظاهر موضع المضمر. وقوله: "بيوم الشعثمين" متعلق بيخبر أي: بوقعة يوم الشعثمين. قال العيني: وأراد بالشعثمين شعثمًا وشعيبًا ابني معاوية بن عمرو. اهـ. والذي قاله الدماميني والشمني معاوية بن عامر، وأضيف اليوم لهما لظهور بطشهما فيه أو غير ذلك، كما قاله الدماميني ثم بحث في الاستشهاد بالبيتين باحتمال أن نصب يخبر بأن مضمرة والمصدر المنسبك منهما معطوف على مصدر متصيد من فعل الشرط؛ أي: لو حصل نبش فإخبار كما قالوه في نحو: إن تأتني فتكرمني آتك بنصب تكرم.
قوله: "في معنى التمني" أي: لمعنى هو التمني. وقوله: "فقال" أي: المصنف معطوف على أورد. قوله: "لدلالة لو عليه" لعل وجه دلالتها عليه أنها جعلت عند حذف فعل التمني كالعوض منه أو كثرة مصاحبتها فعل التمني؛ بحيث صارت تشعر به عند حذفه. قوله: "أو أنها حرف وضع للتمني" قال الدماميني: الظاهر أن هذا الوجه هو مراد الزمخشري، وما أورده عليه من استلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمني لا يرد عليه، فإنها عند مجامعتها لفعل التمني تكون لمجرد المصدرية مسلوبة الدلالة على التمني فلا يمتنع الجمع إذ ذاك، ولا إشكال؛ لكن يحتاج هذا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1158- البيتان من الوافر، وهما للمهلهل بن ربيعة في الأصمعيات ص154، 155، والأغاني 5/ 32، 49، وأمالي القالي 2/ 131، وتذكرة النحاة ص72، وجمهرة اللغة ص306، 712، 1064، وخزانة الأدب 11/ 305، والرد على النحاة ص125، وسمط اللآلي ص112، وشرح شواهد المغني 2/ 654، ولسان العرب 1/ 393 "ذنب"، والمقاصد النحوية 4/ 463، وبلا نسبة في الاشتقاق ص338 "البيت الأول فقط"، والجنى الداني ص289، ومغني اللبيب 1/ 267.

 

ج / 4 ص -48-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال في التسهيل بعد ذكره المصدرية: وتغني عن التمني فينصب بعدها الفعل مقرونًا بالفاء. وقال في شرحه: أشرت إلى نحو قول الشاعر:
1159-

سرينا إليهم في جموع كأنها                    جبال شَرُورَى لو تُعَانُ فتَنْهُدَا

قال: فلك في تنهدا أن تقول: نصب؛ لأنه جواب تمنٍّ إنشائي كجواب ليت؛ لأن الأصل: وددنا لو تعان، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وهذا عندي هو المختار. ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء؛ بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل مصدر. هذا كلامه. ونص على أن لو في قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة: 167] مصدرية. واعتذر عن الجمع بينها بين أن المصدرة بوجهين: أحدهما: أن التقدير: لو ثبت أن، والآخر: أن تكون من باب التوكيد. الرابع: أن تكون مصدرية بمنزلة أن، إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوع هذه بعد ود أو يود؛ نحو: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96]، ومن وقوعها بدونهما قول قُتيلة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثبوت أن الزمخشري يوافقه على مجيء لو مصدرية. اهـ. قوله: "لاستلزامه منع الجمع... إلخ" أي: والجمع ليس بممنوع بدليل:
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}. قوله: "وقال في التسهيل... إلخ" لما ادعى الشارح أن المصنف قال: هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني، ولم يكن في عبارة المصنف السابقة التي حكاها عنه الشارح تصريح يكون لو هذه مصدرية وإن كان يستفاد منها ذلك؛ لأن الشرطية لا تقع بعد ود أو يود على الراجح أتي بعبارة التسهيل لصراحتها في كونها مصدرية.
قوله: "وتغني عن التمني" أي: عن فعله. قوله: "شرورى" بفتح الشين المعجمة وضم الراء الأولى وفتح الثانية: اسم موضوع. وقوله: "فتنهدا" من نهد إلي العد وأي نهض. قوله: "إنشائي" صفة لازمة. "دون لفظه" أي: لفظ التمني أي مادته وحروفه أي كل من ليت ولو فيه معنى التمني دون حروفه، وهذا أحسن من قول شيخنا: والبعض مراده بقوله دون لفظه أنها ليست موضوعة للتمني. قوله: "بل من باب العطف على المصدر" أي: مجرد العطف وإلا فالفاء الواقعة في الجواب لعطف المصدر أيضًا؛ لكن مع كونها فاء الجواب. قوله: "في تأويل مصدر" وبالتقدير في البيت: وددنا إعانتها فنهودها أي نهوضها. قوله: "ونص على أن لو... إلخ" هذا أيضًا تقوية لنقل الشارح عن المصنف أن لو التي للتمني مصدرية، ووجه التقوية أن لو في الآية للتمني على ما ذكره سابقًا بقوله: ومنه
{لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وقد نص المصنف على أنها مصدرية فتكون لو التي للتمني مصدرية. قوله: "أن التقدير لو ثبت أن" وحينئذ فلا جمع. قوله: "والآخر" سيأتي رده. قوله: "بعد ود أو يود" لو قال: بعد دال مودة لكان أحسن كوددت وأحببت.
قوله: "قُتيلة" تصغير قتلة بالقاف والتاء الفوقية بنت النضر بن الحارث تخاطب النبي صلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1159- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 413، 465.

 

ج / 4 ص -49-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1160-

ما كان ضرك لو مننت وربما                  منَّ الفتى وهو المغيظ المحنق

وقول الأعشى:
1161-

وربما فات قومًا جل أمرهم                  من التأني وكان الحزم لو عجلوا

وأكثرهم لم يثبت ورود لو مصدرية. وممن ذكرها الفراء وأبو علي، ومن المتأخرين التبريزي أبو البقاء وتبعهم المصنف، وعلامتها: أن يصلح في موضعها أن. ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم: "وَدُّوا لو تُدْهن فيدهنوا" [القلم: 9] بحذف النون، فعطف يدهنوا بالنصب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عليه وسلم حين قتل أباها النضر صبرًا بالصفراء بعد أن انصرف من غزوة بدر؛ بسبب أنه كان يقرأ أخبار العجم على العرب ويقول: محمد يأتيكم بأخبار عاد وثمود، وأنا آتيكم بأخبار الأكاسرة والقياصرة، فيزيد بذلك أذى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمعها النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لو سمعتها قبل أن أقتله ما قتلته". اهـ تصريح. وقال العيني: إن البيت قالته قتيلة بنت الحارث من قصيدة ترثي بها أخاها النضر بن الحارث، كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب عنقه بالصفراء حين قفل من بدر، ويقال: لما سمعها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو سمعتها قبل أن أقتله ما قتلته". اهـ. وهو يخالف قول التصريح: حين قتل أباها... إلخ. قال الشمني: قال السهيلي: والصحيح أنها بنت النضر بن الحارث لا أخته، ثم قال الشمني: وأسلمت قتيلة يوم الفتح. قوله: "ما كان... إلخ" قال الشمني: ما نافية أو استفهامية. اهـ. قال في التصريح: والمغيظ بفتح الميم اسم مفعول من غاظة. والمحنق بضم الميم وفتح النون اسم مفعول من أحنقه بالحاء المهملة أي: غاظه فهو توكيد للمغيظ. اهـ. قال الشنواني: ولو مننت يحتمل أن يكون اسم كان وضرك خبرها أي: ما كان منك ضرك على الأصح من جواز تقديم الخبر الفعلي على الاسم في هذا الباب، ويحتمل أن يكون فاعلًا بضرك، والجملة خبر كان، واسمها ضمير الشأن. اهـ. وعلى كون ما استفهامية فهي في محل نصب على المفعولية المطلقة لضرك، والمعنى: أي ضرر كان ضرك، بقي أنه يحتمل أن تكون لو شرطية حذف جوابها لعلمه من أول الكلام وحينئذ فلا شاهد فيه فتدبر. قوله: "من التأني" من تعليلة لفات.
قوله: "وأكثرهم لم يثبت ورود لو مصدرية" ويقولون في نحو
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} أنها شرطية، وأن مفعول يود وجواب لو محذوفان، والتقدير: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف. مغني. قوله: "فعطف يدهنوا... إلخ" كذا في المغني قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1160- البيت من الكامل، وهو لقتيلة بنت النضر في الأغاني 1/ 30، وحماسة البحتري ص276، والجنى الداني ص288، وخزانة الأدب 11/ 239، والدرر 1/ 250، وشرح التصريح 2/ 254، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص966، وشرح شواهد المغني 2/ 648، ولسان العرب 7/ 450 "غيظ"، 10/ 70 "حنق"، والمقاصد النحوية 4/ 471، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 223، وتذكرة النحاة ص38، ومغني اللبيب 1/ 265، وهمع الهوامع 1/ 81.
1161- البيت من البسيط، وهو للأعشى في مغني اللبيب 1/ 265، وللقطافي في شرح شواهد المغني 2/ 650، وليس في ديواني الشاعرين.

 

ج / 4 ص -50-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على تدهن لما كان معناه أن تدهن. ويشكل عليهم دخولها على أن في نحو:
{وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30]، وجوابه: أن لو إنما دخلت على فعل محذوف مقدر بعدها تقديره: تود لو ثبت أن بينها وبينه، كما أجاب به المصنف في {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة: 167] على رأيه كما سبق. وأما جوابه الثاني وهو أن يكون من باب توكيد اللفظ بمرادفه على حد {فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء: 31] ففيه نظر؛ لأن توكيد المصدر قبل مجيء صلته شاذ؛ كقراءة زيد بن علي: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنفال: 52، وغيرها] بفتح الميم. الخامس: أن تكون شرطية وهي المراد بهذا الفصل، وهي على قسمين: امتناعية، وهي للتعليق في الماضي، وبمعنى إن وهي للتعليق في المستقبل، فأشار إلى القسم الأول بقوله: "لو حرف شرط في مضي" يعني: أن لو حرف يدل على تعليق فعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكومًا بامتناعه؛ إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك. ولم تكن للتعليق في الماضي؛ بل للإيجاب فتخرج عن معناها، وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعًا على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدماميني والطي يظهر أن يدهنوا منصوب بأن مضمرة جوازًا والمجموع منها ومن صلتها معطوف على المجموع من لو وصلتها، فالتقدير: ودوا ادهانك فادهانهم. اهـ. وناقشه الشمني فقال: لا نسلم أن إضمار أن بعد الفاء هنا جائز؛ لأن ذلك إذا كان العطف على اسم ليس في تأويل الفعل نحو:

لولا توقع معترّ فأرضيه

حتى لو كان العطف بها على اسم في تأويل الفعل نحو: الطائر فيغضب زيد الذباب وجب الرفع، وعلى ما قاله الدماميني يكون العطف بها على مجموع حرف وفعل صريح، وذلك المجموع في تأويل اسم، وهو أولى بوجوب الرفع. اهـ. وقيل: النصب على أنه جواب ودّ لتضمنه معنى ليت، فتحصل في النصب ثلاثة أوجه. قوله: "لما كان معناه... إلخ" أي: فهو عطف على المعنى وهو عطف التوهم فهما واحد كما في المغني والشمني؛ لكن لا يعبر في القرآن بعطف التوهم، وقيل: عطف المعنى يلاحظ فيه المعنى وعطف التوهم يتوهم فيه وجود أن مثلًا في اللفظ؛ لكون الغالب وقوعها في ذلك الموضع، أفاده شيخنا السيد. قوله: "دخولها على أن... إلخ" أي: لأن الحرف المصدري لا يدخل على مثله.
قوله: "ففيه نظر" هذا النظر لصاحب المغني. وقوله: لأن توكيد المصدر عبارة المغني الموصول وهي أحسن . وقوله: قبل مجيء وصلته قال سم: انظر معناه ما بعد أن إنما يصلح لها لا للو، فأين صلة لو التي أكدت لو قبل مجيئها إلا أن يقال: التوكيد قبل الصلة صادق مع عدمها. اهـ. ومقتضى السؤال والجواب أنه لا صلة للو هنا على جعل أن مؤكدة للو وهو مشكل؛ لأن الموصول الحرفي لا بد له من صلة تذكر لفظًا، ولأن المعهود إعطاء المؤكد بالفتح ما يطلبه دون المؤكد بالكسر كما مر في نحو: "أتاك أتاك اللاحقون"، وعلى مقتضى ما ذكر يكون الأمر هنا بالعكس فتفطن. قوله: "للتعليق في الماضي" أي: لتعليق حصول مضمون الجواب على حصول مضمون

 

ج / 4 ص -51-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتًا مع امتناع الشرط، نعم الأكثر كونه ممتنعًا، وحاصله: أنها تقتضي امتناع شرطها دائمًا، ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره لزم امتناعه؛ نحو:
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف: 176]، وكقولك: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودًا، وإلا لم يلزم نحو: لو كانت الشمس طالعة لكان الضوء موجودًا، ومنه: نعم المرء صهيب لو لم يخفف الله لم يعصه. فقد بان لك أن قولهم: لو حرف امتناع لامتناع فاسد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط في الماضي، ففي الماضي ظرف للحصولين، وأما نفس التعليق فهو في الحال، وقد يشكل كونه في الحال مع كون المعلق والمعلق عليه في الماضي أي: لوجوب سبق التعليق عليهما، إلا أن يراد بالتعليق بيان أنه كان معلقًا. اهـ سم. أي: الإخبار بأن الجواب كان مربوطًا في النفس بالشرط، فالربط النفساني ماضٍ والتعليق اللفظي هو الواقع حالًا، فتدبر. قوله: "في مضي" متعلق بحصول الذي تضمنه شرط كما عرف. قوله: "فيما مضى" ظرف لفعلين كما عرف.
قوله: "من تقدير حصول شرطها" قال البعض: أي من حصول شرطها المقدر؛ إذ حصول الجواب إنما يلزم حصول الشرط لا تقديره كما لا يخفى. اهـ. وفيه أن الإشكال باقٍ بحاله؛ لأن حصول الجواب إنما يلزم حصول الشرط المحقق لا المقدر، اللهم إلا أن يراد بحصول الجواب حصوله المقدر، ولك أن تجيب بتقدير مضاف أي: فيلزم من تقدير حصول شرطها تقدير حصول جوابها. قوله: "ويلزم" أي: من كونها للتعليق كنا يؤخذ مما بعده.
قوله: "إذ لو قدر حصوله" قال البعض: الأولى -بل الصواب- إذ لو حصل. اهـ. أي: لأنه تعليل للحكم بامتناع الشرط؛ وإنما يقابله حصول الشرط لا تقدير حصوله، ولأن حصوله هو الذي يترتب عليه ما ذكره بقوله: لكان... إلخ، من حصول الجواب، وكون لو ليست للتعليق في المضي؛ بل للإيجاب. وقوله: لكان الجواب كذلك أي: حاصلًا. وقوله: ولم تكن للتعليق... إلخ أي: لأن الثابت الحاصل لا يعلق. قوله: "على كل تقدير" أي: سواء كان له سبب غير الشرط أو لا.
قوله: "نعم الأكثر كونه ممتنعًا" أي: لأن الغالب كون المسبب الواحد له سبب واحد. قوله: "لزم امتناعه" لأنه يلزم من انتفاء السبب المنفرد انتفاء مسببه. قوله: "لكان النهار" أي: في عرف الحكماء وهو من طلوع الشمس إلى غروبها.
قوله: "ومنه نعم المرء صهيب... إلخ" هو من كلام عمر، وجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهم كما في التصريح قال: وإنما الوارد -أي: عنه صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو نعيم في الحلية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سالم مولى أبي حذيفة: "إنه شديد الحب لو كان لا يخاف الله ما عصاه"، فلا دلالة للو في هذا الأثر على انتفاء الجواب لانتفاء الشرط حتى يلزم ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، ووجهه: أن لانتفاء عصيان صهيب أسبابًا: الإجلال والحياء والمحبة والخوف، فلا يلزم من انتفاء الشرط وهو عدم الخوف بثبوت الخوف انتفاء الجواب وهو عدم العصيان بثبوت العصيان لقيام سبب آخر وهو الخوف مقام السبب المنتفي بمقتضى لو وهو عدم الخوف؛ أعني بعدم الخوف الحياء أو المحبة أو الإجلال، فالكلام مسوق لإثبات الجواب، وأنه محقق ولا بد لأنه على تقدير انتفاء أحد أسبابه وهو الخوف يخلفه سبب آخر، فلو في مثل هذا الأثر لتقرير الجواب وجد الشرط أو فقد، وقال في التصريح: وإنما لم تدل لو على انتفاء الجواب هاهنا؛ لأن دلالتها على ذلك إنما هو من باب

 

ج / 4 ص -52-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاقتضائه كون الجواب ممتنعًا في كل موضع وليس كذلك؛ ولهذا قال في شرح الكافية: العبارة الجيدة في لو أن يقال: حرف يدل على امتناع تالٍ يلزم لثبوته ثبوت تاليه، فقيام زيد من قولك: لو قام زيد لقام عمرو محكوم بانتفائه فيما مضى، وكونه مستلزمًا ثبوته لثبوت قيام عمرو، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له لا يتعرض لذلك؛ بل الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين. انتهى. وعبارة سيبويه: حرف لما كان سيقع لوقوع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفهوم المخالفة، وفي هذا الأثر دل مفهوم الموافقة على عدم المعصية؛ لأنه انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى، وإذا تعارض هذان المفهومان قدم مفهوم الموافقة. اهـ.
قوله: "حرف امتناع لامتناع" هذه عبارة الجمهور، والمشهور أن المراد بها امتناع الجزاء لامتناع الشرط أي: أن الجزاء منتفٍ في الخارج بسبب انتفاء الشرط في الخارج. قال السيرافي في حاشيته على المطول في لو أربع استعمالات؛ أحدها: لا تقتضي الامتناع أصلًا بأن تستعمل لمجرد الوصل والربط كان الوصيلة نحو زيد ولو كثر ماله بخيل. ثانيها: أنها للترتيب الخارجي فتكون لامتناع الأول نحو:
{أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}. ثالثها: أنها للاستدلال العقلي فتكون لامتناع الأول لا لامتناع الثاني نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]. رابعها: أنها لبيان استمرار شيء بربطه بأبعد النقيضين كقوله: لو لم يخف الله لم يعصه. اهـ. بزيادة التمثيل للثاني والثالث. قوله: "فاسد" أي: إذا قطع النظر عن تأويله بما يأتي. وقوله: لاقتضائه أي: بحسب الظاهر. قوله: "العبارة الجيدة... إلخ" قال الدماميني: هي عبارة متوسطة بين عبارة الجمهور وعبارة سيبويه، فإن عبارة سيبويه تقتضي أن موضوعها ثبوت لثبوت، وعبارة الجمهور تقتضي أنه امتناع لامتناع، وعبارة المصنف تقتضي أن الشرط ممتنع والجواب ثابت بتقدير ثبوت الشرط، والثبوتان في عبارة سيبويه فرضيان، والامتناعان في عبارة الجمهور حقيقيان، والثبوت في عبارة المصنف فرضي والامتناع فيها حقيقي. اهـ. وأجود من عبارة المصنف أن يقال: حرف يدل على الامتناع في الماضي لما يليه، واستلزام ثبوته لثبوت تاليه؛ لعدم إفادة العبارة الأولى كون الامتناع المدلول لها في الماضي، نبه عليه في المغني.
قوله: "وكونه مستلزمًا" أي: ومحكوم بكونه... إلخ. قوله: "حرف لما كان سيقع" وهو الجواب لوقوع غيره وهو الشرط أي: لما كان في الماضي متوقع الوقوع لوقوع غيره؛ لكنه لم يقع لعدم وقوع الغير فالإتيان بكان للاحتراز عن إذا وإن، فإنهما لما يقع في المستقبل لوقوع غيره، وبالفعل المستقبل للاحتراز عن لما، فإنها لما وقع لوقوع غيره، وبالسين الدالة على التوقع للدلالة على أنه لم يكن حينئذٍ أيضًا أي: لم يقع في هذه الحالة كما لم يقع في الماضي لضرورة استقباله، فهي مصرحة بأنه لم يكن وقع ولا هو واقع في ذلك الوقت، فمعنى عبارته: أن لو تدل مطابقة على أن وقوع الثاني كان يحصل على تقدير وقوع الأول، وتدل التزامًا على امتناع وقوع الثاني لامتناع وقوع الأول؛ لأن عدم اللازم يُوجب عدم الملزوم، كذا في الدماميني، ومنه يعلم أن عبارة سيبويه مساوية لعبارة مَن قال: حرف لامتناع الجواب لامتناع الشرط، كما نقله الشمني عن البدر بن مالك، وإن أوهم صنيع الشارح خلافه، وفي الهمع عن أبي حيان أن سيبويه نظر إلى المنطوق وغيره إلى المفهوم، ونظر الشمني في الاحتراز عن إذا ولما بأن قوله:

 

ج / 4 ص -53-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غيره، وهي إنما تدل على الامتناع الناشئ عن فقد السبب لا على مطلق الامتناع، على أنه مراد العبارة الأولى: أي أن جواب لو ممتنع سببه، وقد يكون ثابتًا لثبوت سبب غيره. وأشار إلى القسم الثاني بقوله: "ويقل إيلاؤه مستقبلًا لكن قبل" أي: يقل إيلاء لو فعلًا مستقبل المعنى، وما كان من حقها أن يليها؛ لكن ورد السماع به فوجب قبوله، وهي حينئذ بمعنى إن كما تقدم، إلا أنها لا تجزم. من ذلك قوله:
1162-

ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا                ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

لظل صدى صوتي وإن كنت رمة           لصوت صدى ليلى يهش ويطرب


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرف لا يتناولهما، فكيف يحترز عنهما. وقوله: ولما أي: على القول باسميتها، قال الشارح: على التوضيح، واللام في قوله: لوقوع غيره للتوقيت أي: عند وقوع غيره مثلها في قوله تعالى:
{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] وليست لام العلة، ألا ترى أنه يصح أن يقال: لو أهانني زيد لأكرمته، ومن المعلوم أن الإهانة ليست علة للإكرام، ومثله في المغني.
قوله: "وهي إنما تدل... إلخ" أي: لقوله: لوقوع غيره. قوله: "على أنه" أي: الامتناع الناشئ عن فقد السبب، وقوله: مراد العبارة الأولى هي قولهم: حرف امتناع لامتناع، وحينئذ فلا تقتضي كون الجواب ممتنعًا في كل موضع فلا فساد. قوله: "وأشار إلى القسم الثاني" وهو كونها بمعنى أن بقوله: ويقل إيلاؤها... إلخ. والحاصل أن لو إن كانت امتناعية وليها الماضي لفظًا ومعنًى نحو: لو جاء زيد أمس لأكرمته، أو معنى فقط كما سيأتي في قوله: وإن مضارع تلاها... إلخ نحو: لو يجيء زيد أمس لأكرمته، وإن كانت بمعنى إن وليها المستقبل لفظًا ومعنى نحو:

ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا

البيت، أو معنى فقط نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} [النساء: 9] الآية. قوله: "ويقل إيلاؤها مستقبلًا" أي: يقل أن تستعمل بمعنى إن فيليها المستقبل فلا يرد أنها إذا كانت بمعنى إن كما هو فرض الكلام وكان إيلاؤها المستقبل واجبًا لا قليلًا فقط، فتأمل. قوله: "وما كان من حقها أن يليها" أي: وما كان من حقها أن تستعمل بمعنى إن فيليها فلا يقال: إذا كانت بمعنى إن فمن حقها أن يليها.
قوله: "ولو تلتقي أصداؤنا... إلخ" الأصداء جمع صدى كفتَى وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، والرمس القبر وترابه، والسبسب كجعفر بمهملتين وموحدتين المفازة، والرمة بكسر الراء العظام البالية.
وقوله: لصوت صدى ليلى فيه قلب، والأصل: لصدى صوت ليلى كما قال قبل: صدى صوتي، ويهش بفتح الهاء وكسرها، قال في المصباح: هش الرجل هشاشة من بابي تعب وضرب تبسم وارتاح. اهـ. والطرب خفة لسرور أو حزن، والمراد الأول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1162- البيتان من الطويل، وهما لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص938، وشرح شواهد المغني ص643، وهما للمجنون في ديوانه ص39، وشرح التصريح 2/ 255، والمقاصد النحوية 4/ 470، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 224، ومغني اللبيب ص261.

 

ج / 4 ص -54-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
1163-

لا يلفك الراجوك إلا مظهرًا                      خلق الكرام ولو تكون عديمًا

وإذا وليها حينئذ ماض أُوِّل بالمستقبل؛ نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} [النساء: 9] الآية، وقوله:
1164-

ولو أن ليلى الأخيلية سلَّمت                     عليَّ ودُوني جندل وصفائح

وإن تلاها مضارع تخلص للاستقبال، كما أن إن الشرطية كذلك. وأنكر ابن الحاج في نقده على المقرب مجيء لو للتعليق في المستقبل، وكذلك أنكره الشارح، وتأول ما احتجوا به من نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} [النساء: 9] الآية. وقوله:

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لو تركوا" أي: شارفوا أن يتركوا؛ وإنما أولنا الترك بمشارفة الترك؛ لأن الخطاب للأوصياء؛ وإنما يتوجه إليهم قبل الترك؛ لأنهم بعده أموات. اهـ معنى. وأقره شيخنا والبعض وفيه أن تصحيح الخطاب حاصل بتأويل الماضي بمستقبل، فلا حاجة إلى تأويل الترك بمشارفته لأجل هذا؛ بل لأجل أن مضمون الجواب -وهو الخوف- إنما يقع منهم قبل الترك بالفعل؛ إذ هم بعده أموات، فاعرفه، ثم رأيت الدماميني والشمني نقلا توجيه هذا التأويل بما ذكرته عن حاشية الكشاف للتفتازاني مقتصرين عليه، فلله الحمد. قوله: "ولو أن ليلى الأخيلية... إلخ" بعده:

لسلمت تسليم البشاشة أوزقي              إليها صدى من جانب القبر صائح

والجندل الحجارة، والصالح الحجارة العراض التي تكون على القبور، وزقي بالزاي والقاف صاح، وتقدم معنى الصدى، قال زكريا: وأو بمعنى إلى أن عاطفة. اهـ. وفي الاحتمال الأول من التعسف ما لا يخفى، ويحتمل أنها بمعنى الواو. وقال السندوبي: ومن اللطائف ما حُكي عن مجنون ليلى أنه لما مات وتزوجت برجل من أقربائها مرَّا على قبره فقال لها: هذا قبر الكذاب، فقالت: حاشى الله، إنه لم يكذب. فقال لها: أليس هو القائل: ولو أن ليلى... إلخ. فقالت له: تأذنني في أن أسلم عليه. فقال: نعم. فقالت: السلام عليك يا قتيل الغرام وحليف الوجد والهيام فقرّ الصدى من القبر فسقطت ميتة ودفنت عنده، فطلع بعد موتها شجرتان يلتفّ بعضهما على بعض، فسبحان من حارت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1163- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص285، وجواهر الأدب ص267، وشرح التصريح 2/ 256، وشرح شواهد المغني 2/ 646، ومغني اللبيب 1/ 261، والمقاصد النحوية 4/ 469.
1164- البيت من الطويل، وهو لتوبة بن الحمير في الأغاني 11/ 229، وأمالي المرتضى 1/ 450، والحماسة البصرية 2/ 108، والدرر اللوامع 5/ 96، وسمط اللآلي ص120، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1311، وشرح شواهد المغني ص644، والشعر والشعراء 1/ 453، ومغني اللبيب 1/ 261، والمقاصد النحوية 4/ 453، ولرؤبة في همع الهوامع 2/ 64، وليس في ديوانه، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص286، وشرح ابن عقيل ص593.

 

ج / 4 ص -55-                                        وهي في الاختصاص بالفعل كإن            لكن لو أن بها قد تقترن


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال: لا حجة فيه لصحة حمله على المضي. وما قاله لا يمكن في جميع المواضع المحتج بها.فما لا يمكن ذلك فيه، وصرح كثير من النحويين بأن لو فيه بمعنى إن قوله تعالى:
{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [التوبة: 33]، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100]، {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221]، {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221]، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52]، ونحو: أعطوا السائل ولو جاء على فرس. وقوله:
1165-

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم                     دون النساء ولو باتت بأطهار

"وهي في الاختصاص بالفعل كإن" أي: لو مثل إن الشرطية في أنها لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم؛ كقول عمر رضي الله عنه: لو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأفكار في عجيب قدرته. اهـ. قوله: "لصحة حمله على المضي" إذ يمكن في الآية أن يقال: لو علموا فيما مضى أنهم يخلفون ذرية ضعافًا لخافوا عليهم؛ لكنهم لم يعلموا ذلك. اهـ زكريا. قال البعض: وانظر كيف الحمل على المضي في البيت السابق وهو: ولو أن ليلى... إلخ. اهـ. وقد يقال: سيذكر الشارح أن الحمل على المضي لا يمكن في مواضع كثيرة مما احتجبوا بها، فليكن منها هذا البيت، وذكر الشارح له إنما هو لكونه مما احتجوا به لا لكون ابن الناظم صرَّح فيه بخصوصه بالحمل على المضي أو يقال نزل الشاعر نفسه منزلة الميت المدفون ثم قال البيتين، فتكون لو فيهما للتعليق في المضي على هذا، فتأمله.
قوله: "
{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا...} إلخ" وإنما لم يمكن فيه ذلك لاستحالة أن يراد: لو كنا صادقين فيما مضى ما أنت بمصدق لنا لكنا لم نصدق. اهـ شمني. وللبدر أن يجعل الآية لتقرير الجواب على حد نعم العبد صهيب أي: لو كنا غير متهمين عندك لا تصدقنا فكيف ونحن متهمون عندك؟!
قوله: "
{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}" ولو يكره بدليل قوله قبله {لِيُظْهِرَهُ} فالإظهار مستقبل، فكذا الكراهة لأنها توجد عنده. قوله: "{وَلَوْ أَعْجَبَكَ}" أي: ولو يعجبك بدليل ربطه بالمستقبل؛ أعني: لا يستوي، وكذا يقال في {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}. وقول شيخنا والبعض بدليل عطفه على يستوي لا يخفى ما فيه.
قوله: "شدوا مآزرهم" المآزر جمع مئزر وهو الإزار، وشد المئزر هنا كناية عن ترك الجماع. شمني. وقوله: "ولو باتت بأطهار" أي: ولو تبيت لأنه في حيز إذا التي للاستقبال. قوله: "وهي" أي: لو مطلقًا امتناعية أو بمعنى إن، وفي الاختصاص متعلق بما تعلق به الخبر أو بالكاف لما فيها من معنى التشبيه على خلاف فيها، والباء في بالفعل داخلة على المقصور عليه.
قوله: "لا يليها إلا فعل أو معمول فعل" أشار به إلى أن معنى قول المصنف: وهي في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1165- البيت من البسيط، وهو للأخطل في ديوانه ص84، وحماسة البحتري ص34، وشرح شواهد المغني 2/ 646، ونوادر أبي زيد ص150، وبلا نسبة في الجنى الداني ص285، ورصف المباني ص291، وشرح عمدة الحافظ ص583، 584، ومغني اللبيب 1/ 264، والمقرب 1/ 90.

ج / 4 ص -56-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غيرك قالها با أبا عبيدة. وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر إلا في ضرورة؛ كقوله:
1166-

أخلاي لو غير الحمام أصابكم               عتبت ولكن ما على الدهر معتب

أو نادر كلام؛ كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. والظاهر أن ذلك لا يختص بالضرورة والنادر؛ بل يكون في فصيح الكلام؛ كقوله تعالى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100]، حذف الفعل فانفصل الضمير. وأما قوله:
1167-

لو بغير الماء حلقي شرق                   كنت كالغصان بالماء اعتصاري


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاختصاص بالفعل أنها لا تدخل إلا على الفعل لفظًا أو تقديرًا، ومن الثاني "التمس ولو خاتمًا من حديد" أي: ولو كان الملتمس خاتمًا من حديد، كما في المغني. وقوله: "مضمر" أي: محذوف. قوله: "لو غيرك قالها" الضمير المنصوب يعود إلى كلمة أبي عبيدة؛ وذلك أن عمر -رضي الله تعالى عنه- لما توجه في زمن خلافته بالجيش إلى الشام بلغه في أثناء الطريق أنه وقع بها وباء، فأجمع رأيه على الرجوع بعد أن أشار به جمع من أكابر الصحابة، فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله تعالى؟ فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، وجواب لو محذوف أي: لعددتها ولا مجال للتمني هنا. دماميني.
قوله: "إخلاي" بياء مفتوحة فهو من قصر الممدود للضرورة. قال التبريزي: وأجود من ذلك في حكم العربية أن ينشد إخلاء بهمزة مكسورة، والأصل أخلائي، فحذفت ياء الإضافة لدلالة الكسرة عليها، والحمام الموت، ومعتب بمعنى عتاب. قوله: "كقول حاتم" أي: حين لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب، وسبب اللطمة أن صاحبة المنزل أمرته أن يفصد ناقة لها لتأكل دمها فنحرها، فقيل له في ذلك فقال: هذا قصدي، فلطمته الجارية، فقال: لو ذات سوار لطمتني وذات السوار الحرة؛ لأن الإماء عند العرب لا تلبس السوار، وجواب لو محذوف تقديره: لهان عليَّ ذلك. تصريح.
قوله: "حذف الفعل... إلخ" قيل: الأصل: لو تملكون تملكون، فحذف الفعل الأول فانفصل الضمير، وقيل: الأصل: لو كنتم تملكون، ورد بأن المعهود في حذف كان بعد لو حذف مرفوعها معها فأجيب بأن المراد أن الأصل لو كنتم أنتم فحذفا وفيه نظر؛ لأن الحذف والتوكيد متنافيان، كذا في المغني، وزيف الدماميني التنظير بأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1166- البيت من الطويل، وهو للغطمَّش الضبي في شرح التصريح 2/ 259، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص893، 1036، ولسان العرب 1/ 57، والمقاصد النحوية 4/ 465، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 229، وتذكرة النحاة ص40، والجنى الداني ص279.
1167- البيت من الرمل، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص93، والأغاني 2/ 94، وجمهرة اللغة ص731، والحيوان 5/ 138، 593، وخزانة الأدب 8/ 508، 11/ 15، 203، والدرر 5/ 99، وشرح شواهد المغني 2/ 658، والشعر والشعراء 1/ 235، واللامات ص128، ولسان العرب 4/ 580 "عصر"، 7/ 60 "غصص"، 10/ 177 "شرق"، والمقاصد النحوية 4/ 454، وبلا نسبة في الاشتقاق ص269، وتذكرة النحاة ص40، والجنى الداني ص280، وجواهر الأدب ص263، وشرح التصريح 2/ 259، وشرح عمدة الحافظ ص323، والكتاب 3/ 121، ومغني اللبيب ص1/ 268، وهمع الهوامع 2/ 66.

 

ج / 4 ص -57-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقيل: على ظاهره، وأن الجملة الاسمية وليتها شذوذًا. وقال ابن خروف: هو على إضمار كان الشانية. وقال الفارسي: هو من الأول، والأصل لو شرق حلقي هو شرق، فحذف الفعل أولًا والمبتدأ آخرًا، ثم نبه على ما تفارق فيه لو إن الشرطية فقال: "لكن لو أن بها قد تقترن" أي: تختص لو بمباشرة أن نحو:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا} [البقرة: 103]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5]، {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 66]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء: 66]. وقوله:

ولو أن ما أسعى لأدنَى معيشة

وهو كثير. وموضعها عند الجميع رفع، فقال سيبويه وجمهور البصريين بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه. وقيل: الخبر محذوف، فقيل: يقدر مقدمًا أي: ولو ثابت إيمانهم، على حد: {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} [يس: 41]، وقال ابن عصفور: بل يقدر هنا مؤخرًا، ويشهد له أنه يأتي مؤخرًا بعد أما، كقوله:

عندي اصطبار وأما أنني جزع                    يوم النوى فلوجد كاد يبريني


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليل وسيبويه أجازا الجمع بين الحذف والتأكيد.
قوله: "وأما قوله... إلخ" وارد على المتن. قوله: "لو بغير الماء... إلخ" المعنى: لو شرقت بغير الماء أسغت شرقي بالماء، فإن غصصت بالماء فبمَ أسيغه واعتصاري نجاتي. اهـ زكريا. وقوله: كالغصان فعلان من الغصة وهو الذي غص أي: شرق، والمراد: بغير الماء. قوله: "على إضمار كان الشانية" أي: والجملة الاسمية الملفوظ بها خبر كان الشانية. قوله: "فحذف الفعل أولًا" أي: من التركيب الأول والمبتدأ آخرًا أي: من التركيب الآخر، وليس المراد أن حذف المبتدأ بعد حذف الفعل لعدم لزوم هذه البعدية ثم جملة هو شرق مفسرة لفعل الشرط، وقد يفسر الفعل بجملة اسمية كما قيل به في قوله تعالى:
{أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] أي: أم صمتم، فيكون البيت من حذف فعل شرطها، هذا هو الظاهر، وأما حذف جوابها لقرينة فكثير، وندر حذف شرطها وجوابها معًا في قوله:

إن يكن طبعك الدلال فلو في                 سالف الدهر والسنين الخوالي

التقدير عند الأخفش: فلو وجد في سالف الدهر والسنين الخوالي لكان كذا. قوله: "ولو أن ما أسعى" أي: ولو أن سعي فأن داخلة على مجموع ما وصلتها المؤول بالمصدر لا على ما فقط حتى يرد أن الحرف المصدري لا يدخل على مثله. قوله: "وموضعها" أي: مع صلتها. قوله: "فقيل يقدر مقدمًا" أي: على المبتدأ لا على لو. قوله: "على حد {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا}" أي: على طريقته في تقديم الخبر على المبتدأ الذي هو أن وصلتها. قوله: "وذلك" أي: تقدير الخبر هنا مؤخرًا ثابت؛ لأن لعل... إلخ أي: لأن وجوب تقديم خبر أن المفتوحة وصلتها عليها لدفع اشتباه أن المؤكدة بالتي هي لغة في لعل، وهذا الاشتباه مفقود هنا؛ لأن لعل لا تقع بعد لو كما لا تقع بعد

 

ج / 4 ص -58-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك لأن لعل لا تقع هنا، فلا تشتبه أن المؤكدة إذا قدمت بالتي بمعنى لعل، فالأولى حينئذ أن يقدر الخبر مؤخرًا على الأصل؛ أي: ولو إيمانهم ثابت. وقال الكوفيون والمبرد والزجاج والزمخشري: فاعل ثبت مقدرًا كما قال الجميع في ما وصلتها في لا أكلمه ما أن في السماء نجمًا، ومن ثم قال الزمخشري: يجب أن يكون خبر أن فعلًا ليكون عوضًا عن الفعل المحذوف. ورده ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27]، وقالوا: إنما ذلك في الخبر المشتق لا الجامد كالذي في الآية. وفي قوله:
1168-

ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر                 تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

وقوله:
1169-

ولو أنها عصفورة لحسبتها                       مسومة تدعو عبيدًا وأزغا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما هذا تقرير كلامه، وفيه أنه لا اشتباه أيضًا إذا أخر الخبر وقطع النظر عن وقوع أن بعد لو أو أما؛ لأن الإخبار عن أن وصلتها لكونهما في تأويل مصدر مبتدأ يميزها عن التي هي لغة في لعل؛ إذ لا ينسبك منها ومن مدخولها مصدر حتى يخبر عنه، اللهم إلا أن يقال المراد أن وقوع أن بعد لو أو أما يدفع الاشتباه من أول وهلة، وفيه أيضًا أنه يوهم أن القائل بتقديره مقدمًا يعلله بدفع اشتباه أن المؤكدة بالتي هي لغة في لعل، ويرد عليه أن تقدير الخبر -ولو مؤخرًا- يدفع هذا الاشتباه لما مر، اللهم إلا أن يقال: المراد أن تقديره مقدمًا يدفع الاشتباه من أول وهلة، فتدبر.
قوله: "فاعل ثبت مقدرًا" والدال عليه أن فإنها تعطي معنى الثبوت، ورجح بأن فيه إبقاء لو على اختصاصها بالفعل ويبعده نوع إبعاد أن الفعل لم يحذف بعد لو وغيرها من أدوات الشرط إلا مفسرًا بفعل بعده إلا كان نحو: التمس ولو خاتمًا من حديد أي: ولو كان الملتمس، والمقرون بلا بعد إن نحو: إن تقم أقم، وإلا فلا.
قوله: "كما قال الجميع في ما وصلتها... إلخ" قد يفرق بأن الموصول الحرفي أحوج إلى الفعل من الشرط. سم. وقد تمنع الأحوجية فتأمل. قوله: "ومن ثم" أي: من أجل كونه فاعل ثبت مقدرًا. قوله: "أن يكون خبر أن" أي: الواقعة بعد لو فعلًا أي: جملة فعلية. قوله: "إنما ذلك" أي: وجوب كون خبر أن فعلًا في الخبر المشتق أي: إذا أريد الإتيان بخبرها مشتقًّا وجب كونه فعلًا فما زعمه الزمخشري لا يسلم على إطلاقه. قوله: "تنبو الحوادث عنه" أي: تبعد مصائب الدهر عنه.
قوله: "ولو أنها... إلخ" الضمير في أنها يرجع إلى الأسودة التي تُرى من بعيد، ومسومة أي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1168- البيت من البسيط، وهو لابن مقبل في ديوانه ص273، وشرح شواهد المغني 2/ 661، ولسان العرب 2/ 5 "أمت"، 12/ 580 "نعم"، وبلا نسبة في الحيوان 4/ 310، وخزانة الأدب 11/ 304، والخصائص 1/ 318، وشرح المفصل 1/ 87، ومغني اللبيب 1/ 270.
1169- البيت من الطويل، وهو لجرير في ديوانه ص323، وشرح شواهد المغني 2/ 662، وله أو للبعيث في حماسة البحتري ص261، وللعوام بن شوذب الشيباني في العقد الفريد 5/ 195، ولسان العرب 12/ 277 "زنم"؛ والمعاني الكبير ص927، ومعجم الشعراء ص300، والمقاصد النحوية 4/ 467، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص73، وجمهرة اللغة ص828، والجنى الداني ص281، ومغني اللبيب 1/ 270.

 

ج / 4 ص -59-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد المصنف قول هؤلاء بأنه قد جاء اسمًا مشتقًّا؛ كقوله:
1170-

لو أن حيا مدرك الفلاح                              أدركه ملاعب الرماح

وقوله:
1171-

ولو أن ما أبقيت مني معلق                        بعود ثُمام ما تأوَّد عودها

وقوله:
1172-

ولو أن حيا فائت الموت فاته                  أخو الحرب فوق القارح العدوان


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيلًا معملة، وعبيدًا بضم العين بطن من الأوس، وأزنم بطن من بني يربوع. اهـ عيني. وقال الشمني: مسومة أي: فرسًا مسومة، وعبيدًا بضم العين وأزنما بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح النون اسما شخصين. اهـ. والتاء في لحسبتها تاء مخاطبة، يهجوه الشاعر كما في شرح شواهد المغني للسيوطي وإن مشى الدماميني على خلافه. قوله: "ورد المصنف... إلخ" قال في المغني: وقد وجدت آية في التنزيل وقع الخبر فيها اسمًا مشتقًّا ولم يتنبهوا لها وهي قوله تعالى:
{وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} [الأحزاب: 20] ورده الدماميني بأن لو في هذه الآية مصدرية لا شرطية؛ لمجيئها بعد فعل دال على التمني، صرح بذلك الرضي والكلام في لو الشرطية.
قوله: "ملاعب الرماح" هو أبو براء عامر بن مالك الذي يقال له: ملاعب الأسنة، وغيره الشاعر لبيد إلى هذا للقافية. عيني. قوله: "ولو أن ما أبقيت" بكسر التاء والثمام بضم المثلثة وتخفيف الميم نبت ضعيف، وتأود تعوج، ولعل الضمير في قوله: عودها يرجع إلى ما، وتأنيثه باعتبار وقوع ما على بقية.
قوله: "فائت الموت" قال البعض: من إضافة الوصف لفاعله أي: فائته الموت. اهـ. وفيه نظر، أما أولًا فلأن الوصف المتعدي لا يضاف إلى فاعله على ما تقدم في باب الإضافة، وأما ثانيًا فلأن المناسب لقوله: فإنه أخو الحرب أن يكون من إضافة الوصف لمفعوله، فتنبه. وقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1170- الرجز للبيد بن ربيعة في ديوانه ص333، وجمهرة اللغة ص555، وخزانة الأدب 11/ 304، والدرر 2/ 181، وشرح شواهد المغني 2/ 663، ولسان العرب 1/ 741 "لعب"، والمقاصد النحوية 4/ 466، ولبنت عامر بن مالك في الحماسة الشجرية 1/ 329، وبلا نسبة في الجنى الداني ص282، ومغني اللبيب 1/ 270، وهمع الهوامع 1/ 138.
1171- البيت من الطويل، وهو لابن الدمينة في سمط اللآلي ص181، وليست في ديوانه، وللراعي النميري في الأشباه والنظائر 5/ 259، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 369، ورصف المباني ص290، ولسان العرب 12/ 81 "ثمم".
1172- البيت من الطويل، وهو لصخر بن عمرو السلمي في المقاصد النحوية 4/ 459، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص73، وجمهرة اللغة ص1237، ولسان العرب 15/ 31 "عدا".

 

ج / 4 ص -60-                      وإن مضارع تلاها صُرفا        إلى المضي نحو لو يَفِي كفَى


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإن مضارع تلاها صُرفا إلى المضي نحو لو يفي كفى" أي: لو وفي كفى. ومنه قوله:
1173-

لو يسمعون كما سمعت حديثها                        خروا لعزة رُكعًا وسجودًا

وهذا في الامتناعية. وأما التي بمعنى إن فقد تقدم أنها تصرف الماضي إلى المستقبل، وإذا وقع بعدها مضارع فهو مستقبل المعنى.
تنبيهان:
الأول: لغلبة دخول لو على الماضي لم تجزم ولو أريد بها معنى إن الشرطية، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر -منهم ابن الشجري- كقوله:
ولو يشأ طار بها ذو ميعة
وقوله:
1174-

تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت               إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا

وخرج على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفًا؛ كقراءة أبي عمرو: {يَنْصُرْكُمْ} [آل عمران: 160]، و"يُشْعِرْكُمْ" [الأنعام: 109]، و"يَأْمُرْكُمْ" [البقرة: 67]، والأول على لغة من يقول: شايشا بالألف، ثم أبدلت همزة ساكنة كما قيل: العألم والخأتم.
الثاني: جواب لو إما ماضٍ معنى نحو: لو لم يخف الله لم يعصه. أو وضعًا وهو إما مثبت فاقترانه باللام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخو الحرب أي: ملازمها فوق القارح الفارس، القارح الذي عمره خمس سنين، والعدوان بفتحات شديد العدو. قوله: "كقوله: ولو يشأ... إلخ" تقدم في عوامل الجزم الكلام على هذا الشاهد والذي بعده. قوله: "وخرج" أي: البيت الثاني. وقوله: "سكنت" أي: أبدلت بالسكون. قوله: "إما ماض معنى" هو المضارع المقرون بلم ويجب تجرده من اللام؛ لأن اللام لا تدخل على نافٍ إلا ما كما في التصريح. قوله: "أو وضعًا" لو قال: لفظًا لكان أنسب.
قوله: "فاقترانه باللام... إلخ" قال عبد اللطيف في باب اللامات: هذه اللام تسمى لام التسويف؛ لأنها تدل على تأخير وقوع الجواب عن الشرط، كما أن إسقاطها يدل على التعجيل أي: وقوع الجواب عقب الشرط بلا مهلة؛ ولهذا دخلت في
{لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} لأن في تأخير جعله حطامًا تشديدًا للعقوبة أي: إذا استوى على سوقه وقويت به الأطماع جعلناه حطامًا، كما قال تعالى:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1173- البيت من الكامل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص441، والخصائص 1/ 27، ولسان العرب 12/ 523 "كلم"، والمقاصد النحوية 4/ 460، وبلا نسبة في الجنى الداني ص283، وشرح ابن عقيل ص595.
1174- البيت من البسيط، وهو للقيط بن زرارة في لسان العرب 12/ 75 "تيم"، والعقد الفريد 6/ 84، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص411، وشرح شواهد المغني 2/ 665، ومغني اللبيب 1/ 271.

ج / 4 ص -61-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحو:
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 65] أكثر من تركها نحو: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70]، وإما منفي بما فالأمر بالعكس نحو: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]، ونحو قوله:
1175-

ولو نُعطَى الخيار لما افترقنا                         ولكن لا خيار مع الليالي

وأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري: "لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني ألا يمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء" فهو على حذف كان؛ أي: ما كان يسرني. قيل: وقد تجاب لو بجملة اسمية نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة: 103]، وقيل: الجملة مستأنفة أو جواب لقسم مقدر، ولو في الوجهين للتمني فلا جواب لها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} [يونس: 24] الآية، وحذفت في {جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} إشارة إلى عدم تراخي الجعل أجاجًا، أفاده في التصريح. قال السيوطي: وقد يقترن جوابها بإذن، وندر كونه تعجبًا أو مصدرًا برب أو الفاء. اهـ. وقال في المغني: وورد جوابها الماضي مقرونًا بقد وهو غريب. قوله: "وأما قوله عليه الصلاة والسلام... إلخ" وارد على قوله: جواب لو إما ماض معنى أو وضعًا، ولأنه في هذا الحديث مستقبل لفظًا ومعنًى.
قوله: "لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني... إلخ" يفيد التركيب، حصول انتفاء السرور بعدم مرور الثلاث عليه وعنده منه شيء، على تقدير حصول الشرط وليس بمراد، فلعل لا زائدة، وأما تخلص البعض عن ذلك بقوله: ما نافية، وقد أبطل نفيها لو، وموقع النفي في ألا يمر القيد فيدل التركيب على سروره بمرور الثلاث وليس عنده شيء وهو المراد. اهـ. ففيه نظر؛ لأن الاعتراض إنما هو بمفهوم التركيب على تقدير حصول الشرط قبل النظر إلى ما تفيده لو من النفي؛ أي: نفي الشرط وما ترتب عليه/ فتأمله فإنه متين. قوله: "بجملة اسمية" أي: مقرونة باللام كالآية أو بالفاء؛ كقوله:

لو كان قتل يا سلام فراحة

أي: يا سلامة فهو راحة، نقله شيخنا عن الشارح، ثم رأيته في المغني. قال الدماميني: لا يتعين هذا لاحتمال أن يكون راحة عطفًا على قتل وجواب لو محذوفًا أي: لثبت، ويدل عليه بقية البيت:

لكن فررت مخافة أن أوسرا

إذ مراده الاعتذار عن الفرار بأنه لو تحقق حصول الموت والراحة من ذل الأسر لثبت في موقف الحرب؛ لكن خاف الأسر المفضي إلى المعرة والذل ففر. قوله: "{لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}" أي: مما شروا به أنفسهم.
قوله: "وقيل الجملة مستأنفة" فاللام لام الابتداء، لا الواقعة في جواب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1175- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 231، وخزانة الأدب 4/ 145، 10/ 82، والدرر 5/ 101، وشرح التصريح 2/ 260، وشرح شواهد المغني 2/ 665، ومغني اللبيب 1/ 271، وهمع الهوامع 2/ 66.

 

ج / 4 ص -62-          أَمَّا ولولا ولوما:

أما كمهما يكُ من شيء وفا                              لتلو تلوها وجوبًا أُلِفَا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما ولولا ولوما:
"أما كمهما يك من شيء" أي: أما -بالفتح والتشديد- حرف بسيط فيه معنى الشرط والتفصيل والتوكيد؛ أما الشرط فبدليل لزوم الفاء بعدها نحو:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو. وقوله: أو جواب لقسم مقدر أي: والله لمثوبة. قوله:"للتمني" أي: على سبيل الحكاية أي: أنهم بحال يتمنى العارف بها إيمانهم واتقاءهم تلهفًا عليهم لا على سبيل الحقيقة لاستحالة التمني حقيقة عليه تعالى، أفاده الدماميني. هذا ويجوز أن تكون لو على الوجهين في
{لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} شرطية وجوابها محذوف لدلالة السياق عليه تقديره: لأثيبوا.
أما ولولا ولوما:
قوله: "كمهما يك من شيء" مهما اسم شرط مبتدأ، وفي خبره الخلاف السابق، ويكن تامة فاعلها ضمير فيها يرجع على مهما، أو ناقصة اسمها ذلك الضمير وخبرها محذوف أي: موجودًا، ومن شيء بيان لمهما. فإن قلت: أي فائدة في هذا البيان مع كونه كالمبين في العموم والإبهام؟ قلت: دفع توهم إرادة نوع بعينه والبيان كما يكون للتخصيص وهو الغالب يكون للتعميم، وأما ما قيل من أن من زائدة وشيء فاعل يكن أو اسمها فيلزم عليه خلو الخبر من رابطه بالمبتدأ.
قوله: "حرف بسيط" في إدخال ذلك تحت حيز أي التفسيرية؛ نظرًا لأن التشبيه الذي في المتن لا يفيده، وكذا قوله: والتفصيل، لا قوله: والتوكيد أيضًا وإن زعمه البعض؛ لأن المراد بالتوكيد هنا تحقيق الجواب وإفادة أنه واقع ولا بد بتعليقه على محقق، وهذا حاصل مع مهما يكن من شيء كما لا يخفى.
قوله: "فيه معنى الشرط" قال أبو حيان: قال بعض أصحابنا: لو كانت شرطًا لتوقف جوابها على شرطها، مع أنك تقول: أما علمًا فعالم فهو عالم إن ذكرت العلم أو لم تذكره بخلاف إن قام زيد قام عمرو، فقيام عمرو متوقف على قيام زيد. وأجيب بأنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف كقوله:

من كان ذا بت فهذا بتي

لكن يخرج ذلك على إقامة السبب مقام المسبب، ألا ترى أن المعنى: من كان ذا بتّ فإني لا أخونه؛ لأن لي بتا، وكذا قولهم: أما علمًا فعالم، فالمعنى مهما تذكر علمًا فذكرك له حق لأنه عالم، ولا يكون ذكره حقًّا حتى تذكره، قاله السيوطي. وقد أساء البعض التصرف فيه فقرره على غير وجهه؛ وإنما قال فيه معنى الشرط ولم يقل للشرط لتصريح غير واحد من النحاة بأنها ليست حرف شرط؛ وإنما إفادتها للشرط لنيابتها عن أداة الشرط وفعله، أفاده الشمني وغيره. ثم الشرط في أما لكون القصد منه تحقيق وقوع الجزاء لا محالة ليس على أصل الشروط من تخصيص وقوع الجزاء بحالة وقوع الشرط دون غيرها، أفاده الدماميني. وعلى هذا لا يرد الاعتراض السابق الذي نقله أبو حيان عن بعض الأصحاب.

ج / 4 ص -63-                                    وحذف ذي الفا قل في نثر إذا        لم يكُ قول معها قد نُبذا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ} [البقرة: 26] الآية، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "وفا لتلو تلوها وجوبًا أُلفا" فاء مبتدأ خبره ألف، ولتلو متعلق بأُلف. ومعنى تلو تال. ووجوبًا حال من الضمير في ألف. وأشار بقوله: "وحذف ذي الفا قل في نثر لم يك قول معها قد نبذا" أي: طرح، إلى أنه لا تحذف هذه الفاء إلا إذا دخلت على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فبدليل... إلخ" قال في المغني: وجه الدلالة أن الفاء في نحو الآية التي ذكرناها وهي
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ...} إلخ لا يصح أن تكون عاطفة؛ إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه، ولا زائدة لعدم الاستغناء عنها؛ فتعين أنها فاء الجزاء. اهـ بتصرف. قال الشمني: وقد يقال: لا يمتنع أن تكون زائدة وقد لزمت. وكم زائد يلزم كالباء في أفعل به في التعجب. اهـ. ولك دفعه بأن اللزوم لغير مقتضٍ ينافي الزيادة ولزوم الباء في أفعل به مع زيادتها لمقتضٍ وهو قبح إسناد صورة الأمر إلى الظاهر، فإن قلت: مهما التي أما في تقديرها لا يلزمها الفاء إلا إذا لم يصلح جوابها لمباشرتها فلم لزمت الفاء أما مطلقًا.
قلت: قال الرضي: إنما وجبت الفاء في جواب أما ولم يجز الجزم وإن كان فعلًا مضارعًا؛ لأنه لما وجب حذف شرطها فلم تعمل فيه قبح أن تعمل في الجزاء الذي هو أبعد منها من الشرط، ولما لم تعمل في الجزاء وجبت الفاء. اهـ.
وقال بعضهم: لما كانت شرطية أما خفية لكونها بطريق النيابة بخلاف شرطية مهما لكونها بطريق الأصالة جعل لزوم الفاء قرينة شرطيتها بقي في المقام بحث، وهو أن الفاء إنما تدل على كون أما فيها معنى مطلق الشرط فلم قدروها بخصوص مهما؟ وقد يجاب بأن تقديرها أولى؛ لأن إن للشك وهو لا يناسب الشرط؛ لأن وجود شيء ما محقق، وأيا تستدعي زيادة المقدر للزومها الإضافة؛ كأن يقال: أي شيء يكن... إلخ. وغير هذين خاص بقبيل كالزمان في متى والمكان في أين والعاقل في من وغير العاقل في ما وليس المراد الخصوص؛ لكن هذا إنما يتم على القول بأن مهما أعم من ما لا على ما قدمه الشارح أن مهما بمعنى ما. قال في التصريح: وكون أما تقدر بمهما هو قول الجمهور، وقال بعضهم: إذا قلت: أما زيد فمنطلق، فالأصل إن أردت معرفة حال زيد فزيد منطلق حذفت أداة الشرط وفعل الشرط وأنيبت أما مناب ذلك. اهـ. فتفطن.
قوله: "وفا لتلو... إلخ" كالاستدراك على قوله: أما كمهما يك من شيء، واعلم أن هذه الفاء مؤخرة من تقديم؛ لأن أما زيد فقائم أصله: مهما يكن من شيء فزيد قائم، فحذف اسم الشرط وفعل الشرط ومتعلقه ثم جيء بأما نائبة عما حذف فصار أما فزيد قائم فزحلقت الفاء لإصلاح اللفظ؛ إذ يستكره تلو الفاء الأداة، أو لأنها أشبهت العاطفة، وليس في الكلام معطوف عليه، فصار أما زيد فقائم بتأخير الفاء من المبتدأ إلى الخبر، ويجوز تأخير المبتدأ نحو: أما قائم فزيد، كذا في الفارضي. قال السندوبي: فقد حصل من ذلك أربعة أشياء: تخفيف الكلام بحذف الشرط، وقيام ما هو الملزوم حقيقة وهو زيد؛ لأنه ملزوم القيام مقام الملزوم ادعاء وهو الشرط فإنه ملزوم للجواب، واشتغال حيز واجب الحذف بشيء آخر فإنه لا يحذف شيء من كلامهم وجوبًا إلا مع قيام غيره مقامه، ووقوع الفاء في غير موضعها؛ ولذا اغتفروا هنا تقديم ما يمتنع في غير هذا الموضع. اهـ. وقوله: تقديم ما يمتنع... إلخ أي: نحو
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]. قوله: "ووجوبًا حال" أي: على تقدير

ج / 4 ص -64-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول قد طرح استغناء عنه بالمقول فيجب حذفها معه نحو:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106]، أي: فيقال: لهم أكفرتم؟ ولا تحذف في غير ذلك إلا في ضرورة؛ كقوله:
1176-

فأما القتال لا قتال لديكم                  ولكنَّ سيرًا في عراض المواكب


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مضاف أي: ذا وجوب أو على تأويله بواجبًا. قوله: "فيجب حذفها معه" صريح في أنه لا يجوز إبقاء الفاء مع حذف القول، وهو يمنع جواب غير واحد في مواضع كثيرة عن عدم صلاحية ما بعد الفاء لأن يكون جوابًا بتقدير. أقول: لكني كنت أسمع الإنذار عن المنع المذكور بأن منهم مَن لا يقول بوجوب حذف الفاء مع القول من غير سند قوي يؤيد هذا النقل حتى وقفت على هذا القول في همع الهوامع للسيوطي، ونصه: ويجوز حذفها -أي: الفاء- في سَعَة الكلام إذا كان هناك قول محذوف؛ كقوله تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] الأصل: فيقال لهم: أكفرتم؟ فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف ورب شيء يصح تبعًا، ولا يصح استقلالًا، هذا قول الجمهور، وزعم بعض المتأخرين أن الفاء لا تحذف في غير الضرورة أصلًا، وأن الجواب في الآية: فذوقوا العذاب، والأصل: فيقال لهم: ذوقوا العذاب، فحذف القول وانتقلت الفاء للمقول وأن ما بينهما أي أما والفاء اعتراض. اهـ.
قوله: "فأما القتال... إلخ" قال البعض: لا يصح تقدير القول هنا؛ لأن المعنى ليس عليه، ولعدم صحة الإخبار حينئذ. اهـ. وتعليلًا باطلان لصحة المعنى والإخبار على تقدير القول هنا، أما صحة المعنى فواضحة، وأما صحة الإخبار فاشتمال الخبر على إعادة لفظ المبتدأ، فهي الرابط، فافهم.
وقوله: سيرًا، منصوب على أنه اسم لكن وخبرها محذوف أي: ولكن لديكم سيرًا، أو على المصدرية أي: تسيرون سيرًا، واسم لكن محذوف أي: ولكنكم كذا في شرح شواهد المغني للسيوطي. وقوله: في عراض المواكب بالعين المهملة والضاد المعجمة أي: شقها وناحيتها، وقد صحفه من قال: جمع عرصة الدار، والمواكب جمع موكب، وهم القوم الراكبون على الإبل أو الخيل للزينة، قاله الشارح، والعين في عراض مكسورة كما في القاموس.
قوله: "أو ندور" كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
"أما موسى كأني أنظر إليه إذ ينحدر في الوادي"، وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: "أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد: ما بال رجال يشترطون" فيجوز أن يكون مما حذف فيه الفاء تبعًا للقول، والتقدير: فأقول ما بال رجال، كذا في بعض النسخ، وقد يقال: ما جوزه في الحديث الثاني يجوز في الأول وقول عائشة، وفي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1176- البيت من الطويل، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص45، وخزانة الأدب 1/ 452، والدرر 5/ 110، وبلا نسبة في أسرار العربية ص106، والأشباه والنظائر 2/ 153، وأوضح المسالك 4/ 234، والجنى الداني ص524، وسر صناعة الإعراب ص265، وشرح شواهد الإيضاح ص107، وشرح شواهد المغني ص177، وشرح ابن عقيل ص597، وشرح المفصل 7/ 134، 9/ 412، والمنصف 3/ 118، ومغني اللبيب ص56، والمقاصد النحوية 1/ 577، 4/ 474، والمقتضب 2/ 71، وهمع الهوامع 2/ 67.

 

ج / 4 ص -65-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ندور نحو ما خرَّج البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم:
"أما بعد ما بال رجال"، وقول عائشة: "أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا". وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة، ومنه: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، {وَأَمَّا الْغُلَامُ} [الكهف: 80]، {وَأَمَّا الْجِدَارُ} [الكهف: 82] الآيات. وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم؛ فالأول نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174]، {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء: 175]، أي: وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا. والثاني نحو: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]، أي: وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، أي: كل من المتشابه والمحكم من عند الله تعالى، والإيمان بهما واجب، فكأنه قيل: أما الراسخون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض النسخ: أو ندور نحو ما خرج البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: "أما موسى" إلى آخر ما تقدم. وفي بعض النسخ: أو ندور نحو ما خرج البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم:
"أما بعد: ما بال رجال"، وقول عائشة: "أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا". وأما التفصيل... إلخ، وفي بعض النسخ غير ذلك.
قوله: "كما تقدم في آية البقرة" هي:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ} [البقرة: 26] إلخ. ثم إما أن يقدر فيها مجمل أي: فيتفرق الناس أو يراد بالتفصيل فيها ذكر أشياء مفصولًا كل منها عن الآخر، وإن لم يكن ثم إجمال. قوله: "وقد يترك تكرارها" أي: في مقام التفصيل.
قوله: "ويدل على ذلك" أي: القسم المحذوف ما ذكر في موضعه وهو والراسخون... إلخ. قوله: "فكأنه قيل... إلخ" يرد عليه أن هذا يقتضي أن قول: والراسخون هو المقابل سقطت منه أما والفاء لا أنه محذوف للدلالة عليه بقوله: والراسخون... إلخ، كما هو مدعاه أولًا، فتأمل.
قوله: "وعلى هذا" أي: كون. قوله:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} إلخ في موضع القسم الثاني قائمًا مقامه فالوقف على "إلا الله"؛ لأن الراسخين عليه لا يؤولون فيكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} إلخ منقطعًا عما قبله، ويؤيده قراءة ابن مسعود: "أن تأويله إلا عند الله" بإن النافية، وقراءة أبيّ وابن عباس في رواية طاوس عنه: "ويقول الراسخون"، ويؤيد مقابله أن الراسخ لو لم يعلم المتشابه لم يكن لقيد الرسوخ فائدة لاشتراك أهل أصل العلم؛ بل الإسلام مطلقًا في هذا الحكم، إلا أن يقال: خص الراسخون بالذكر لأنهم أثبت على هذا الحكم.
قال الشمني: قال السعد: والحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فالحق الوقف على قوله: "إلا الله"، وإن أريد به ما لا يتضح بحيث يتناول المجمل والمؤول فالحق العطف. اهـ.

 

ج / 4 ص -66-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في العلم فيقولون، وعلى هذا فالوقف على "إلا الله"، وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السابقة، فتأملها. وقد تأتي لغير تفصيل نحو: أما زيد فمنطلق، وأما التوكيد فقلَّ مَن ذكره. وقد أحكم الزمخشري شرحه، فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب؛ ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدًا، وأنه في معنى الشرط. انتهى.
تنبيهات: الأول: ما ذكره من قوله: أما كمهما يك، لا يريد به أن معنى أما كمعنى مهما وشرطها؛ لأن أما حرف، فكيف يصح أن تكون بمعنى اسم وفعل؛ وإنما المراد أن موضعها صالح لهما، وهي قائمة مقامهما لتضمنها معنى الشرط. الثاني: يؤخذ من قوله: لتلو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وهذا المعنى" أي: كون الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه وغيرهم يؤمنون بأنه من عند الله هو المشار إليه في آية البقرة يعني:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ} [البقرة: 26] إلخ، وعبر بالإشارة لعدم صراحة آية البقرة في المعنى المذكور؛ لأن انقسام الناس فيها إلى قسمين في خصوص ضرب المثل بالبعوضة فما فوقها، وبه يعلم ما في كلام شيخنا من المؤاخذة، ثم هذا يقتضي أن المتبعين للمتشابه كفار لتصريح آية البقرة بالكفر، وهو محمول على مَن وجد منه في اتباعه المتشابه وتأويله كفر؛ ولهذا كله قال، فتأملها.
قوله: "وقد تأتي لغير تفصيل" أي: لا لفظًا ولا تقديرًا، ومَن التزم فيها التفصيل وقدر في نحو: أما زيد فقائم، فقد تكلف. قوله: "شرحه" أي: بيانه. قوله: "فضل توكيد" أي: توكيدًا فاضلًا. قوله: "وأنه بصدد الذهاب... إلخ" هذا يوهم أن الذهاب لم يحصل بالفعل وهو خلاف ظاهر ذاهب. قوله: "عزيمة" أي: لا بدَّ منه. قوله: "قلت: أما زيد فذاهب" وجه التوكيد أن المعنى مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، فقد علق ذهابه على وجود شيء ما وهو محقق والمعلق على المحقق؛ ولذا رجحوا في بعد التي في الخطب أن تكون من متعلقات الجزاء؛ لأن إطلاق الشرط بالكلية أنسب بغرض التأكيد؛ لأنه أعظم تحققًا، وأيضًا لا داعي لتقييد الشرط ببعدية البسملة والحمدلة بخلاف الجزاء فيدعو لتقييده امتثال الحديث.
قوله: "في تفسيره" أي: تبيين حاصل معناه لما يأتي في الشرح. قوله: "مدل" أي: مفصح. قوله: "وهي قائمة مقامهما" قد يقال: إن أما لم تقم إلا مقام مهما، وما تقدم عن سيبويه في تفسير: أما زيد فذاهب، لا يدل على قيامها مقام مهما وشرطها؛ لأنه بملاحظة شرط أما المحذوف بعدها، فتأمل. ثم رأيت في كلام ابن الحاجب ما يؤيد هذا البحث؛ حيث قال: هي لتفصيل ما في نفس المتكلم من أقسام متعددة، ثم قد تذكر الأقسام وقد يذكر قسم ويترك الباقي، والتزموا حذف الفعل بعدها للجري على طريقة واحدة، كما التزموا حذف متعلق الظرف إذا وقع خبرًا، والتزموا أن يقع بينها وبين جوابها ما هو كالعوض من الفعل المحذوف، والصحيح أنه جزء من الجملة الواقعة بعد الفاء قدم عليها لغرض العوضية وكراهة تلو الفاء أما وللتنبيه على أن ما بعد أما هو النوع المقصود

 

ج / 4 ص -67-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلوها أنه لا يجوز أن يتقدم الفاء أكثر من اسم واحد، فلو قلت: أما زيد طعامه فلا تأكل، لم يجز كما نص عليه غيره. الثالث: لا يفصل بين أما والفاء بجملة تامة إلا إن كانت دعاء بشرط أن يتقدم الجملة فاصل؛ نحو: أما اليوم رحمك الله فالأمر كذلك. الرابع: يفصل بين أما وبين الفاء بواحد من أمور ستة؛ أحدها: المبتدأ كالآيات السابقة. ثانيها: الخبر نحو: أما في الدار فزيد. ثالثها: جملة الشرط نحو:
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جنسه بالتفصيل من بين ما في الجملة الواقعة بعد الفاء، وكان قياسه ألا يقع إلا مرفوعًا على الابتداء؛ لأن الغرض الحكم عليه بما بعد الفاء؛ لكنهم خالفوا ذلك في مواضع إيذانًا من أول الأمر بأن التفصيل باعتبار الصفة التي ذلك النوع عليها في الجملة الواقعة بعد الفاء من كونه مفعولًا به أو مصدرًا أو غير ذلك؛ نحو:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} وأما إكرام الأمير فأكرم زيدًا. اهـ. بعض زيادة وحذف وصدر عبارته مبني على أن التفصيل لازم لأما دائمًا، وهو خلاف الراجح كما علمت.
قوله: "لتضمنها معنى الشرط" الإضافة للبيان إن أريد بالشرط التعليق، وحقيقة إن أريد به الأداة ومعناه التعليق، وقد يبحث في العلة بأنها إنما تنتج قيام أما مقام أداة الشرط دون قيامها مقام فعله، فتأمل. قوله: "من اسم واحد" أي: ما هو بمنزلته كجملة الشرط والجار والمجرور. قال الدماميني: وإذا امتنع بالفصل بأكثر من اسم واحد أشكل قول بعضهم في قوله تعالى:
{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15] أن الظرف متعلق بيقول؛ لأنه يلزم عليه الفصل بالمبتدأ، ومعمول الفعل فتأمله. اهـ. واختار في موضع آخر تعلقه بمضاف مقدر أي: شأن الإنسان؛ لأن نحو الشأن والقصة والخبر والنبأ والحديث يجوز إعمالها في الظرف خاصة؛ لتضمن معانيها الكون والحصول. قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [الذاريات: 24] يعني: والشيء وما يتعلق به في حكم الشيء الواحد؛ لكن يرد عليه أنه لا يصح الإخبار عن الشأن بأنه يقول؛ إذ الذي يقول نفس الإنسان فالأولى جعل الظرف حالًا من الإنسان بناء على مجيء الحال من المبتدأ، ولك دفع الاعتراض بجعل يقول على تقدير أن.
قوله: "لا يفصل بين أما والفاء بجملة تامة" هذا مفهوم من التنبيه الثاني؛ وإنما أعاده لأجل استثناء الدعائية واحترز بالتامة عن جملة الشرط. قوله: "بشرط أن يتقدم الجملة... إلخ" يُوجه بأن أما قائمة مقام الفعل فلا يليها الفعل، وفيه أن الدعائية لا تنحصر في الفعلية. سم. وقد يجاب بأن الاسمية أجريت مجرى الفعلية لطرد الباب. قوله: "
{فَرَوْحٌ...} إلخ" هذا جواب أما، وجواب الشرط محذوف مدلول عليه بجوابها، هذا مذهب البصريين، وصححه أبو حيان وغيره. قال ابن هشام: وإنما ارتكب ذلك لوجهين؛ أحدهما: أن القاعدة أنه إذا اجتمع شرطان ولم يذكر بعدهما إلا جواب واحد كان الجواب لأسبقهما. الثاني: أن شرط أما قد حذف، فلو حذف جوابها لحصل إجحاف بها. اهـ. وزعم الأخفش أن الجواب المذكور لأما وأداة الشرط معًا وأبو علي في أحد قوليه: أن الفاء جواب أن، وجواب أما محذوف، وقوله الثاني كالأول أفاده الشمني. قال الدماميني: ولقائل أن يقول:

 

ج / 4 ص -68-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الواقعة: 89] الآيات. رابعها: اسم منصوب لفظًا أو محلًّا بالجواب نحو:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} الآيات. خامسها: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء؛ نحو: أما زيدًا فاضربه، وقراءة بعضهم: "وما ثمودَ فهديناهم" [فصلت: 17] بالنصب. ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه؛ لأن أما نائبة عن الفعل فكأنها فعل والفعل لا يلي الفعل. سادسها: ظرف معمول لأما لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، أو للفعل المحذوف، نحو: أما اليوم فإني ذاهب، وأما في الدار فإن زيدًا جالس، ولا يكون العامل ما بعد أن؛ لأن خبر أن لا يتقدم عليها، فكذلك معموله. هذا قول سيبويه والمازني والجمهور،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا نسلم أن الكلام من باب اجتماع شرطين بعدهما جواب واحد؛ بل ما بعد الفاء جواب أن وإن جوابها جواب أما والفاء داخلة على إن تقديرًا، والأصل: مهما يكن من شيء فإن كان المتوفَّى من المقربين فجزاؤه روح، فأنيب أما مناب مهما يكن من شيء، وقدم الشرط على الفاء جريًا على قاعدة الفصل بين أما والفاء، فالتقى فاءان الأولى فاء جواب أما والثانية فاء جواب إن، فحذفت الثانية؛ لأنها التي أوجبت الثقل، ولأن الحذف بالثواني أليق. "اسم منصوب... إلخ" قال الرضي: ويقدم على الفاء من أجزاء الجزاء المفعول به والظرف والحال والمفعول المطلق والمفعول له، وإنما جاز هنا عمل ما بعد فاء الجزاء فيما قبلها مع امتناعه في غير أما؛ لأن الفاء بعد أما مزحلقة عن محلها كما تقدم، ولأن التقديم لأعراض مهمة سبق ذكرها فلا يلتفت معها إلى ذلك المانع الصناعي. قوله: "لفظًا أو محلًّا" مثال الأول:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9] ومثال الثاني: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ولذلك قال الآيات. قوله: "اسم كذلك" أي: منصوب لفظًا أو محلًّا ومثالاه الآتيان من الأول ومثال الثاني: أما الذي يكرمك فأكرمه. دماميني. قوله: "بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه" بأن يقال: فهدينا هديناهم.
قوله: "لأن أما نائبة عن الفعل... إلخ" هذا التعليل إنما ينتج وجوب تقدير العامل بعد المعمول، ولا ينتج وجوب تأخيره عن الفاء ولا وجوب تقديمه على مدخولها، وقد علل الأول بأن العامل المقدر هو الجواب في الحقيقة، وبأنه لو قدر قبل الفاء وبعد المعمول للزم الفصل بأكثر من واحد، والثاني بأن حق المفسر بفتح السين التقديم على المفسر بكسرها.
قوله: "والفعل لا يلي الفعل" وأما زيد كان يفعل ففي كان ضمير فاصل. اهـ مغني. ونظر الدماميني في التعليل بأن أما نائبة عن جملة الشرط لا فعله فقط، فلم يجاور الفعل بتقدير كونه مقدمًا فعلًا أي: للفصل بالفاعل الموجود تقديرًا، وقد يدفع النظر بأن الفعل الذي نابت عنه أما لما لم يذكر ضعف مرفوعه عن أن يكون فاصلًا بخلاف مرفوع زيد كان يفعل، فتأمل.
قوله: "ظرف" بالمعنى الشامل للمجرور كما مُثل. قوله: "لما فيها من معنى الفعل... إلخ" فعلى هذا تكون نائبة عن فعل الشرط معنى عملًا وعلى الثاني معنى لا عملًا. قوله: "أو للفعل المحذوف" أي: الذي نابت عنه وأو لتنويع الخلاف. قوله: "نحو أما اليوم فإني ذاهب... إلخ" لا يخفى أن القصد أن الذهاب اليوم والجلوس في الدار، فهذا مما يؤيد مذهب المبرد ومَن وافقه، ولا يلتفت مع أما لمانع التقديم، وإن تعدد لكونه لأغراض مهمة كما سبق.
قوله: "هذا قول سيبويه... إلخ" قال الدماميني: إذا عرفت أن مذهب الجمهور نحو: أما اليوم

 

ج / 4 ص -69-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء والمصنف. الخامس: سمع أما العبيدَ فذو عبيد بالنصب، وأما قريشًا فأنا أفضلها، وفيه دليل على أنه لا يلزم أن يقدر: مهما يكن من شيء؛ بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل؛ إذ التقدير هنا: مهما ذكرت، وعلى ذلك فيخرج أما العلم فعالم، وأما علمًا فعالم، فهو أحسن مما قيل: إنه مفعول مطلق معمول لما بعد الفاء، أو مفعول لأجله إن كان معرفًا، وحال إن كان منكرًا. وفيه دليل أيضًا على أن أما ليست العاملة؛ إذ لا يعمل الحرف في المفعول به. السادس: ليس من أقسام أما التي في قوله:
{أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 84]، ولا التي في قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإني ذاهب كون الظرف معمولًا لفعل الشرط أو لأما كان الفاصل بين الفاء وأما جزاءً مما في حيز فعل الشرط لا الجواب والفاء ليست مزالة من مركزها الأصلي؛ بل هي فيه داخلة على الجواب، فتخلص أن الفاصل بين أما والفاء تارة يكون جزءًا من الجواب نحو: أما زيد فذاهب إذ التقدير: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وتارة يكون جزءًا من متعلقات فعل الشرط نحو: أما اليوم فإني ذاهب إذ التقدير: مهما يكن من شيء اليوم، وأما الفاء في جميع التراكيب فإنما تدخل على الجواب كالمثال الأخير أو على شيء منه كالمثال الذي قبله هذا كله على مذهب الجمهور. اهـ.
قوله: "وخالفهم المبرد... إلخ" أي: فقالوا بعمل ما بعد إن فيما قبلها مع أما خاصة نحو: أما زيدًا فإني ضارب. قال أبو حيان: وهذا لم يرد به سماع ولا يقتضيه قياس صحيح. قال: وقد رجع المبرد إلى مذهب سيبويه فيما حكاه ابن ولاد عنه. وقال الزجاج: رجوعه مكتوب عندي بخطه. اهـ سيوطي. فعلم أن مخالفتهم ليست في الظرف فقط وإن أوهمه صنيع الشارح نعم تخصيص الظرف قول آخر حكاه السيوطي بعد ذلك. قال شيخنا: وهل هو أي قول هؤلاء بناء على جواز تقدمه أو التوسع في المعمول راجعه. اهـ. والثاني: هو الظاهر أو المتعين.
قوله: "سمع" أي: على قلة وضعف، والراجح الكثير الرفع نقله الرضي عن سيبويه. قوله: "بالنصب" أي: على أنه مفعول للفعل المحذوف الذي نابت عنه أما وهو ذكرت لا بأما قياسًا على نصبها الظرف كما مر آنفًا؛ لأن الحرف لا ينصب المفعول به وإن نصب الظرف لنيابته عن فعل كما سيذكر الشارح ذلك تبعًا للمغني وغيره. وقال الرضي: على أنه مفعول به لما بعد الفاء؛ لأن معنى ذو عبيد يملكهم ومعنى أفضلها أغلبها في الفضل.
قوله: "وعلى ذلك" أي: جواب تقدير ما يليق بالمحل. قوله: "فهو أحسن... إلخ" لا لاطراده في كل موضع وأصالة الفعل في العمل. قوله: "مفعول مطلق... إلخ" فإنه لا يتأتى في نحو: أما العلم فذو علم أو فإنه عالم أو فلا علم له لوجود المانع من عمل ما بعد تالي الفاء فيما قبله، وهذا على مذهب الجمهور وفيه ما مر. دماميني. قوله: "أو مفعول لأجله" أي: للفعل المحذوف، والتقدير: مهما ذكرت أحدًا لأجل العلم. وقوله: "وحال" أي: من مفعول الفعل المحذوف، والتقدير: مهما ذكرت شيئًا حال كونه علمًا؛ لكن تقدير المفعول على هذا معرفة أولى ليكون صاحب الحال معرفة. قوله: "ليست العاملة" أي: فيما بعدها مطلقًا؛ لأن الأصل في العامل الاطراد، وأما لا

 

ج / 4 ص -70-                               لولا ولوما يلزمان الابتدا         إذا امتناعًا بوجود عَقَدَا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1177-

أبا خُراشة أما أنت ذا نفر

بل هي فيهما كلمتان، والتي في الآية أم المنقطعة وما الاستفهامية أدغمت الميم في الميم. والتي في البيت هي أن المصدرية وما المزيدة. وقد سبق الكلام عليها في باب كان. السابع: قد تبدل ميم أما الأولى ياء استثقالًا للتضعيف؛ كقوله:
1178-

رأت رجلًا أَيْمَا إذا الشمس عارضت               فيُضْحَى وأيْمَا بالعشي فيخصر

"لولا ولوما يلزمان الابتدا إذا امتناعا بوجود عقدا" أي: للولا ولوما استعمالان:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعمل في المفعول به، فالظاهر أن غيره كذلك. قوله: "التي" اسم ليس لا نعت أما. قوله: "أم المنقطعة" أي: لمجرد الإضراب وتسميتها منقطعة على رأي الكوفيين، وأما البصريون فلا يسمون أم التي لمجرد الإضراب متصلة ولا منقطعة كما سلف. قوله: "وما الاستفهامية" أي: التي استفهم بها وحدها إن جعلت ذا موصولة أو مع ذا إن ركبت ذا مع ما وجعل المجموع اسم استفهام. قوله: "الأولى" نعت ميم. قوله: "عارضت" أي: ارتفعت بحيث تقابل الرأس فيضحَى بفتح الحاء المهملة مضارع ضحى بكسرها وفتحها أي: برز، ويخصر بالخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مضارع خصر بكسر الصاد أي: آلمه البرد في أطرافه. اهـ شمني. فضبط البعض يخصر بالحاء المهملة خطأ، وكذا ما اقتضاه صنيعه من أن قول أبي العلاء المعري:

لو اختصرتم من الإحسان زرتكم               والعذب يهجر للإفراط في الخصر

بالحاء المهملة خطأ؛ وإنما هو بالخاء المعجمة.
فائدة: قد تحذف أما ويطرد ذلك قبل الأمر والنهي نحو:
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ولا يقال: زيدًا فضربت، ولا زيدًا فتضربه، بتقدير أما، انظر حاشية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1177- البيت من البسيط، وهو لعباس بن مرداس في ديوانه ص128، والأشباه والنظائر 2/ 113، والاشتقاق ص313، وخزانة الأدب 4/ 13، 14، 17، 200، 5/ 445، 6/ 532، 11/ 62، والدرر 2/ 91، وشرح شذور الذهب ص242، وشرح شواهد الإيضاح ص479، وشرح شواهد المغني 1/ 116، 179، وشرح قطر الندى ص140، ولجرير في ديوانه 1/ 349، والخصائص 2/ 381، وشرح المفصل 2/ 99، 8/ 132، والشعر والشعراء 1/ 341، والكتاب 1/ 293، ولسان العرب 6/ 294 "خرش"، 8/ 217 "ضبع"، والمقاصد النحوية 2/ 55، وبلا نسبة في الأزهية ص147، وأمالي ابن الحاجب 1/ 411، 442، والإنصاف 1/ 71، وأوضح المسالك 1/ 265، وتخليص الشواهد ص260، والجنى الداني ص528، وجواهر الأدب 198، 416، 421، ورصف المباني ص99، 101، وشرح ابن عقيل ص149، ولسان العرب 14/ 47 "أما"، ومغني اللبيب 1/ 35، والمنصف 3/ 116، وهمع الهوامع 1/ 23.
1178- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص94، والأزهية ص148، والأغاني 1/ 81، 82، 9/ 88، وخزانة الأدب 5/ 315، 321، 11/ 367، 368، 370، والدرر 5/ 108، وشرح شواهد المغني ص174، والمحتسب 1/ 284، ومغني اللبيب 1/ 55، 56، الممتع في التصريف 1/ 375، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص120، والجنى الداني ص527، ورصف المباني ص99، ولسان العرب 14/ 477 "ضحا"، وهمع الهوامع 2/ 67.

ج / 4 ص -71-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدهما: أن يدلا على امتناع شيء لوجود غيره، وهذا ما أراده بقوله:

إذا امتناعا                                       بوجود عقدا

أي: إذا ربطا امتناع شيء بوجود غيره ولازمًا بينهما، ويقضيان حينئذ مبتدأ ملتزمًا فيه حذف خبره غالبًا، وقد مر بيان ذلك في باب المبتدأ، وجوابًا كجواب لو مصدرًا بماضٍ أو مضارع مجزوم بلم، فإن كان الماضي مثبتًا قرن باللام غالبًا نحو: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، ونحو قوله:
1179-

لولا الإصاخة للوشاة لكان لي               من بعد سُخطك في الرضاء رجاء

وإن كان منفيًّا تجرد منها غالبًا؛ نحو: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21] وقوله:
1180-

والله لولا الله ما اهتدينا

وقوله:

لولا ابنُ أوس نأى ما ضيم صاحبه

وقد يقترن بها المنفي؛ كقوله:
1181-

لولا رجاء لقاء الظاعنين لَمَا                 أبقت نواهم لنا روحًا ولا جسدا

وقد يخلو منها المثبت؛ كقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيوطي على المغني. قوله: "الابتداء" أي: المبتدأ كما سيشير إليه الشارح والألف في "عقدا" للتثنية. قوله: "ولازما" عطف تفسير على ربطًا. قوله: "في باب المبتدأ" أي: عند قول المصنف، وبعد لولا غالبًا إلخ.قوله: "لولا الإصاخة" بصاد مهملة وخاء معجمة أي: الاستماع. وقوله: "في الرضا" متعلق بقوله رجاء. قوله: "وإن كان منفيًّا" هذا مقابل قوله فإن كان الماضي مثبتًا فالضمير في قوله: وإن كان منفيًّا يرجع إلى الماضي، ومن المعلوم أن لم لا تدخل على الماضي فقول البعض تبعًا لشيخنا. قوله: وإن كان منفيًّا أي: بغير لم فإن كان منفيًّا بها امتنعت اللام لا موقع له وقيد في الهمع نفي الماضي هنا بأن يكون بما وهو ظاهر صنيع الشارح فلا يجوز لولاك لا قمت ولا قعدت. قوله: "وكم موطن الخ" تقدم الكلام عليه في حروف الجر.
قوله: "نحو:
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} إلخ" لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة. قوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1179- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في شرح التصريح 1/ 263، وشرح عمدة الحافظ ص316، ومغني اللبيب ص276.
1180- الرحز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص108، ولعامر بن الأكوع في المقاصد النحوية 4/ 451، وله أو لعبد الله في الدرر 4/ 236، وشرح شواهد المغني 1/ 287، وبلا نسبة في الأزهية ص167، وشرح المفصل 3/ 118، وهمع الهوامع 2/ 43.
1181- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص599.

 

ج / 4 ص -72-                                       وبهما التحضيض مز وهلَّا            ألَّا ألَا وأولينها الفعلا

وقد يليها اسم بفعل مضمر                              عُلِّق أو بظاهر مؤخَّر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لولا زهير جفاني كنت منتصرا

وقوله:
1182-

وكم موطنٍ لولايَ طحت كما هوى                بأجرامه من قُنة النِّيق منهوى

وإذا دل على الجواب دليل جاز حذفه؛ نحو: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10]، والاستعمال الثاني أن يدلا على التحضيض فيختصان بالجمل الفعلية، ويشاركهما في ذلك هلا وألا الموازنة لها، وألا بالتخفيف، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "وبهما التحضيض مز وهلَّا ألَّا ألَا أولينها الفعلا" أي: المضارع أو ما في تأويله؛ نحو: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: 46]، ونحو: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} [الفرقان: 21]، ونحو: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الحجر: 7]، ونحو قوله: هلا تسلم، أو ألا تسلم فتدخل الجنة، ونحو: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13]، والعرض كالتحضيض، إلا أن العرض طلب بلين ورفق، والتحضيض طلب بحث. "وقد يليها" أي: قد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"التحضيض" مبالغة الحض، يقال: حضه على كذا أي: رغَّبه في فعله. قوله: "الموازنة لها" أي: لهلا. قوله: "مز" أمر ماز بمعنى ميز. قوله: "وهلا" عطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار لجواز ذلك عند الناظم كما مر. قوله: "أولينها" أي: هذه الأدوات الخمس. قوله: "الفعلا" أي: الخبري؛ إذ الطلبي لا يطلب. قوله: "أي المضارع... إلخ" قال الفارضي: قال سيبويه: إنها -أي: الأدوات المذكورة- كلها للتحضيض، سواء وليها ماضٍ أو مضارع، وأبو الحسن بن بابشاذ قال: إن وليهن المستقبل كنَّ تحضيضًا للفاعل على الفعل ليفعله نحو: هلا تضرب اللص، وإن وليهن الماضي كن توبيخًا لا تحضيضًا لامتناع طلب الماضي نحو: لولا ضربت اللص أي: لأي شيء ما ضربته. وقال سيبويه: إن فات الماضي فلا يفوت مثل فعله. اهـ. ولا يبعد عندي أنهنَّ بالاشتراك إذا دخلن على الماضي كن توبيخًا على ترك الفعل في الماضي، وتحضيضًا على فعل مثله في المستقبل، فتدبر.
قوله: "والعرض كالتحضيض" أي: في كون كل طلبًا. قوله: "وقد يليها... إلخ" قال في المغني: وقد فصلت من الفعل بإذ وبإذا معمولين له وبجملة شرطية معترضة فالأول نحو:
{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1182- البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الحكم في الأزهية ص171، وخزانة الأدب 5/ 336، 337، 342، والدرر 4/ 175، وسر صناعة الإعراب ص395، وشرح أبيات سيبويه 2/ 202، وشرح المفصل 3/ 118، 9/ 23، والكتاب 2/ 374، ولسان العرب 12/ 92 "جرم"، 15/ 370 "هوا"، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 691، والجنى الداني ص603، وجواهر الأدب ص397، وخزانة الأدب 10/ 333، ورصف المباني ص295، وشرح ابن عقيل ص353، ولسان العرب 15/ 470 "إما لا"، والممتع في التصريف 1/ 191، والمنصف 1/ 72.

ج / 4 ص -73-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلي هذه الأدوات "اسم بفعل مضمر عُلق أو بظاهر مؤخر" فالأول نحو قولك: هلا زيدًا تضربه، فزيدًا علق بفعل مضمر بمعنى أنه مفعول للفعل المضمر. والثاني نحو قولك: هلا زيدًا تضرب، فزيدًا علق بالفعل الظاهر الذي بعده؛ لأنه مفرغ له.
تنبيهات: الأول: ترد هذه الأدوات للتوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي أو ما في تأويله، ظاهرًا أو مضمرًا؛ نحو:
{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13]، {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً} [الأحقاف: 28]، ونحو قوله:
1183-

تَعُدُّون عَقَرَ النِّيبِ أفضل مجدكم               بني ضَوْطَرَي لولا الكمي المقنَّعا

أي: لولا تعدون الكمي، بمعنى لولا عددتم؛ لأن المراد توبيخهم على ترك عده في الماضين؛ وإنما قال: تعدون على حكاية الحال، ونحو قوله:
1184-

أتيتَ بعبد الله في القِدِّ مُوثِقَا                   فهَلَا سعيدًا ذا الخيانة والغدر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}. والثاني والثالث {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} إلى {صَادِقِينَ} المعنى: فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا أو بالملائكة؛ ولكنكم لا تشاهدون ذلك، ولولا الثانية تأكيد للأولى. اهـ. والقسمان الأولان يشملهما النظم.
قوله: "مضمر" أي: محذوف يدل عليه الكلام لفظًا نحو: هلا زيدًا ضربته، أو معنى نحو: هلا زيدًا غضبت عليه أي: هلا أهنت زيدًا أو تركت زيدًا. وقوله: "أو بظاهر" أي: مذكور. قوله: "للتوبيخ" أي: اللوم على ترك الفعل "والتنديم" أي: الإيقاع في الندم، وجعل شيخنا والبعض العطف من عطف الملزوم على اللازم وجعله من العكس صحيح بل أظهر.
قوله: "تعدون عقر النيب" جمع ناب؛ وهي الناقة المسنة، وضوطرى بالضاد المعجمة والطاء المهملة: المرأة الحمقاء، والكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، والمقنع: الذي على رأسه بيضة حديد. شمني. قوله: "بمعنى لولا عددتم" وإنما لم يقدر عددتم من أول وهلة؛ لأنه لا دليل عليه؛ إذ الفعل المذكور المشعر بالمحذوف مضارع.
قوله: "لأن المراد... إلخ" قال الدماميني: يصح أن يراد تحضيضهم على عده في المستقبل، وهو متضمن لتوبيخهم على تركه في الماضي. قوله: "في القِد" بكسر القاف سير من جلد غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1183- البيت من الطويل، وهو لجرير في ديوانه ص907، وتخليص الشواهد ص431، وجواهر الأدب ص394، وخزانة الأدب 3/ 55، 57، 60، والخصائص 2/ 45، والدرر 2/ 240، وشرح شواهد الإيضاح ص72، وشرح شواهد المغني 2/ 669، وشرح المفصل 2/ 38، 8/ 144، والمقاصد النحوية 4/ 475، ولسان العرب 15/ 470 "إما لا"، وللفرزدق في الأزهية ص168، ولسان العرب 4/ 498 "ضطر"، ولجرير أو للأشهب بن رميلة في شرح المفصل 8/ 145، وبلا نسبة في الأزهية ص170، والأشباه والنظائر 1/ 240، والجنى الداني ص606، وخزانة الأدب 11/ 245، ورصف المباني ص293، وشرح ابن عقيل ص600، وشرح عمدة الحافظ ص321، وشرح المفصل 2/ 102، والصاحبي في فقه اللغة ص164، 182، ومغني اللبيب 1/ 274، وهمع الهوامع 1/ 148.
1184- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 74، والمقاصد النحوية 4/ 475.

 

ج / 4 ص -74-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: فهلا أسرت سعيدًا. الثاني: قد يقع بعد حرف التحضيض مبتدأ وخبر فيقدر المضمر كان الشانية؛ كقوله:
1185-

ونُبئت ليلى أرسلت بشفاعة                  إلَيَّ فهلَّا نفس ليلى شفيعها

أي: فهلا كان الشأن نفس ليلى شفيعها. الثالث: المشهور أن حروف التحضيض أربعة؛ وهي: لولا ولوما وهلا وألَّا بالتشديد، ولهذا لم يذكر في التسهيل والكافية سواهن. وأما ألَا بالتخفيف فهي حرف عرض، فذكره لها مع حروف التحضيض يحتمل أن يريد أنها قد تأتي للتحضيض، ويحتمل أن يكون ذكرها معهن لمشاركتها لهن في الاختصاص بالفعل وقرب معناها من معناهن، ويؤيده قوله في شرح الكافية: وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل ألَا المقصود بها العرض نحو: ألا تزورنا.
خاتمة: أصل لولا ولوما: لو رُكبت مع لا وما، وهلا مركبة من: هل ولا، وألا يجوز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدبوغ. سم. قوله: "فيقدر المضمر" أي: الفعل المضمر. قوله: "أرسلت" في محل نصب مفعول ثالث لنبئت. وقوله: "بشفاعة" أي: بذي شفاعة يشفع لها. قوله: "أي: فهلا كان الشأن نفس ليلى شفيعها" أي: ليحصل اللقاء، ولأنه لا أكرم عليه منها حتى يشفع لها عنده، بدليل قوله بعد هذا البيت:

أأكرم من ليلى عليَّ فتبتغي                  به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها

فنفس مبتدأ وشفيعها خبر أو بالعكس، والجملة خبر كان الثانية المحذوفة، وكان هنا بمعنى يكون لوقوعها بعد حرف التحضيض؛ وإنما لم يقدر يكون من أوَّل وهلة؛ لأن المعهود في غير هذا الموضع تقدير كان، فحُمل عليه هذا الموضع، وقيل: التقدير: فهلا تشفع نفس ليلى؛ لأن الإضمار من جنس المذكور أقيس. قال في المغني: وشفيعها على هذا خبر لمحذوف أي: هي شفيعها. قوله: "ويحتمل أن يكون... إلخ" استشكل بتسلط من التحضيض عليها. وأجيب بأن المراد مزه بمجموع الأدوات لخمس.
قوله: "وقرب معناها من معناهنَّ" لاجتماع المعنيين في مطلق الطلب. قوله: "أصل لولا ولوما... إلخ" عبارة الفارضي: والأجود أن أدوات التحضيض كلها مفردة، وقيل: مركبة، فهلا من هل ولا النافية، ولولا ولوما من لو وحرف النفي، وألَّا بالتشديد من أن ولا، فقلبت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1185- البيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص154، ولإبراهيم الصولي في ديوانه ص185، ولابن الدمينة في ملحق ديوانه ص206، وللمجنون أو لابن الدمينة أو للصمة بن عبد الله القشيري في شرح شواهد المغني 1/ 221، والمقاصد النحوية 3/ 416، ولأحد هؤلاء أو لإبراهيم الصولي في خزانة الأدب 3/ 60، وللمجنون أو للصمة القشيري في الدرر 5/ 106، وللمجنون أو لغيره في المقاصد النحوية 4/ 457، وبلا نسبة في الأغاني 11/ 314، وأوضح المسالك 3/ 129، وتخليص الشواهد ص320، وجواهر الأدب ص394، والجنى الداني ص509، 613، وخزانة الأدب 8/ 513، 10/ 229، 11/ 245، 313، ورصف المباني ص408، والزهرة ص193، وشرح التصريح 2/ 41، وشرح ابن عقيل ص322، ومغني اللبيب 1/ 74، وهمع الهوامع 2/ 67.