حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك

ج / 4 ص -75-          الإخبار بالذي والألف واللام:

ما قيل أَخْبِرْ عنه بالذي خَبَر                      عن الذي مبتدأ قَبْلُ استقر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تكون هلا؛ فأبدل من الهاء همزة. وقد يلي الفعل لولا غير مفهمة تحضيضًا؛ كقوله:
1186-

أنت المبارك والميمون سيرته                    لولا تقوِّم درء القوم لاختلفوا

فتؤول بلو لم أي: لو لم تقوم، أو تجعل المختصة بالأسماء والفعل صلة لأن مقدرة على حد تسمع بالمعيدي. والله تعالى أعلم.
الإخبار بالذي والألف واللام:
الباء في قوله بالذي للسببية لا للتعدية لدخولها على المخبر عنه؛ لأن الذي يجعل في هذا الباب مبتدأ لا خبرًا كما ستقف عليه، فهو في الحقيقة مخبر عنه، فإذا قيل: أخبر عن زيد من قام زيد، فالمعنى: أخبر عن مسمى زيد بواسطة تعبيرك عنه بالذي، هذا الباب وضعه النحويون للتدريب في الأحكام النحوية، كما وضع التصريفيون مسائل التمرين في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النون لامًا وأدغمت، وقيل: أصلها هلا. اهـ. وقال قبل ذلك: ألا المخففة بسيطة في التحضيض، وقيل: مركبة، وأما التي للعرض وألا الاستفتاحية فبسيطة كما سبق في باب لا. اهـ. قوله: "لولا نقوم" أي: تعدل. وقوله: "درء القوم" قال في القاموس: الدرء الميل والعوج في القناة ونحوها. قوله: "فتؤول بلو لم" فتكون لو الامتناعية داخلة على لا النافية. وقوله: "أو تجعل المختصة بالأسماء" فتكون لولا الامتناعية، والدليل على حملها بأحد هذين المعنيين السياق وقرن جوابها باللام.
الإخبار بالذي والألف واللام:
مثلهما التي ومثنى الذي والتي وجمعهما، وأما غير ذلك من الموصولات فلا يخبر به. قوله: "للسببية" فمعنى أخبر عن زيد من قام زيد بالذي أخبر عن زيد بسبب التعبير عنه بالذي. وقال ابن الحاجب: إنها باء الاستعانة أي: أخبر عن زيد متوصلًا إلى هذا الإخبار المقصود بالذي. وقال أبو حيان: إنها بمعنى عن. اهـ سم. وعلى الأخير عن في قولنا عن زيد مثلًا بمعنى الباء، وأشار في التوضيح إلى أنه متعلق بمحذوف حال أي: معبرًا بهذا اللفظ. قوله: "أخبر عن مسمى زيد بواسطة... إلخ" يعني: أن مسمى زيد مخبر عنه معبرًا عنه بالذي وخبر معبرًا بزيد.
قوله: "وضعه النحويون... إلخ" وبنوه على أبواب النحو كباب الفاعل والمبتدأ والخبر ونواسخهما وجميع المفعولات وغيرها؛ ليمكنوا الطالب من استحضار الأحكام النحوية، وليكون له بالامتحان مَلَكَةٌ يقوى بها على التصرف، فإنهم إذا قالوا: أخبر عن الاسم الفلاني من الجملة الفلانية بالذي بعد بيانهم طريقة الإخبار به، فلا بد من تذكر كثير من المسائل وتدقيق النظر فيها؛ حتى يعلم هل ذلك الاسم مما يصح الإخبار عنه أو يمتنع. قوله: "للتدريب" أي: التمرين والتجريب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1186- البيت من البسيط.

 

ج / 4 ص -76-                            وما سواهما فوَسِّطْهُ صِلَهْ         عائدُها خلفُ معطي التكمِلَهْ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القواعد التصريفية. وبعضهم يسمى هذا الباب باب السبك. قال الشارح: وكثيرًا ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص أو تقوي الحكم أو تشويق السامع أو إجابة الممتحن. انتهى.
والكلام في هذا الباب في أمرين؛ الأول: في حقيقة ما يخبر عنه، والثاني: في شروطه. وقد أشار إلى الأول بقوله: "ما قيل أخبر عنه بالذي خبر عن الذي مبتدأ قبل استقر" ما موصولة مبتدأ، وخبر خبرها، ومبتدأ حال من الذي الثاني، والذي الأول والثاني في البيت لا يحتاجان إلى صلة؛ لأنه إنما أراد تعليق الحكم على لفظهما لا أنهما موصولان، والتقدير: ما قيل لك أخبر عنه بهذا اللفظ -أعني: الذي- هو خبر عن لفظ الذي حال كونه مبتدأ مستقرًّا أولًا. "وما سواهما" أي: ما سوى الذي وخبره. "فوسطه صله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "كما وضع التصريفيون... إلخ" فكما يقال على جهة الامتحان للطالب كيف تبني من قرأ مثل جعفر وما أشبهه يقال: كيف تخبر عن هذا الاسم بالذي ونحوه، فكما لا يحسن أن يبني من اللفظة غيرها إلا مَن برع في التصريف لا يعرف حقيقة الإخبار بالذي ونحوه إلا مَن نبغ في علم العربية. اهـ سندوبي. وإذا بنيت من قرأ مثال جعفر قلت قرآى، والأصل قرأأ بهمزتين فقلبت الثانية ياء ثم الياء ألفًا، وفي الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي قال ابن جني: قال أبو علي الفارسي: سألت ابن خالويه بالشام عن مسألة فما عرف السؤال بعد أن أعدته ثلاث مرات؛ وهي كيف تبني من وأى مثل كوكب على قراءة من قرأ:
{قَدْ أَفْلَحَ} بنقل حركة الهمزة على الدال وحذفها ثم تجمعه بالواو والنون ثم تضيفه إلى نفسك، وجوابها أنه في الأصل ووأى نحو كوكب، فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار وأى، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الواو الساكنة وحذفت فصار ووا، فاجتمع واوان في أول الكلمة فقلبت الأولى همزة فصار أوا، فإذا جمعته بالواو والنون قلت: أوون بحذف الألف لالتقائها ساكنة مع واو الجمع كما في مصطفون، فإذا أضفته إلى نفسك قلت أويّ بحذف نون الجمع للإضافة وقلب واوا الجمع ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون وادغام الياء في الياء. اهـ ملخصًا. وهذه القصة مما يؤيد عد ابن هشام في المغني ابن خالويه من النحاة الضعفاء.
قوله: "باب السبك" أي: سبك كلام من كلام آخر، كما أفاده الشارح على التوضيح. قوله: "وكثيرًا ما يصار إلى هذا الإخبار" أي: لا بقيد كونه عن مسمى اسم في تركيب آخر، فافهم. قوله: "لقصد الاختصاص" كقولك: الذي قام زيد ردًّا على مَن قال: قام عمرو، أو قال: قام زيد وعمرو، أو إزالة لشك الشاك في القائم. قوله: "أو تقوي الحكم" لأن في هذا الإخبار إسنادين إلى الضمير وإلى الظاهر فهو أقوى مما فيه إسناد واحد. قوله: "أو تشويق السامع" كقول واصف ناقة صالح عليه الصلاة والسلام:

والذي حارت البرية فيه                        حيوان مستحدث من جما

ابن غازي. قوله: "قبل" ظاهره وجوب تقديم المبتدأ في هذا الباب على الخبر، وعليه نص جماعة من النحاة، وفي البسيط أن ذلك على جهة الأولى والأحسن، وأنه يصح أن تقول: زيد الذي ضرب عمرًا، وعلى الجواز المبرد أفاده المرادي. قوله: "وما سواهما" أي: من بقية الجملة. قوله:

ج / 4 ص -77-                          نحو الذي ضربتُه زيدٌ فذا ضربتُ زيدًا كان فادرِ المأخذا

وباللذين والذين والتي                        أَخْبِرْ مراعيًا وِفَاقَ الْمُثْبَتِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عائدها" وهو ضمير الموصول. "خلف معطي التكمله" وهو الخبر فيما كان له من فاعلية أو مفعولية أو غيرهما. "نحو الذي ضربته زيد فذا ضربت زيدًا كان فادر المأخذا" أي: إذا قيل لك: أخبر عن زيد من شربت زيدًا، قلت: الذي ضربته زيد، فتصدر الجملة بالذي مبتدأ، وتؤخر زيدًا وهو المخبر عنه فتجعله خبرًا عن الذي، وتجعل ما بينهما صلة الذي، وتجعل في موضع زيد الذي أخرته ضميرًا عائدًا على الموصول. ولو قيل لك: أخبر عن التاء من هذا المثال، قلت: الذي ضربت زيدًا أنا ففعلت به ما ذكر، إلا أن التاء ضمير متصل لا يمكن تأخيرها مع بقاء الاتصال. وإن قيل: أخبر عن زيد من قولك: زيد أبوك، قلت: الذي هو أبوك زيد، أو عن أبوك قلت: الذي هو زيد أبوك. "وباللذين والذين والتي أخبر مراعيًا وفاق المثبت" وهو ما قيل لك: أخبر عنه في التثنية والجمع والتأنيث، كما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"عائدها خلف معطى التكمله" أي: خلف الاسم الذي يكمل به الكلام بعد تركيب الإخبار، وكلامه يفيد أن الضمير الذي يخلف الاسم المتأخر لا بد من مطابقته للموصول؛ لكونه عائده، ويلزم عند الجمهور كونه غائبًا؛ لأنه عائد على غائب؛ لأن الموصول في حكم الغائب ولو خلف ضمير متكلم أو مخاطب، وأجاز بعضهم مطابقته للخبر في التكلم والخطاب؛ كأن يقال في الإخبار عن تاء ضربتَ بالفتح: الذي ضربت أنت، وعن تاء ضربتُ بالضم: الذي ضربت أنا، كذا في المرادي؛ وإنما منع الجمهور ذلك هنا مع تجويزهم: أنت الذي قام، وأنت الذي قمت؛ لأنه يلزم هنا أن تكون فائدة الخبر حالة في المبتدأ، وذلك خطأ بخلافه هناك.
واعلم أنه لو كان الإخبار عن زيد من: جاء زيد وعمرو، وجب توكيد الخلف المستتر ليحصل الفصل بينه وبين المعطوف عليه، فيصح العطف تقول: الذي جاء هو عمرو وزيد، فلفظ هو توكيد للضمير المستتر الذي هو خلف، وأنه لو كان الإخبار عن زيد من مررت بزيد وعمرو، احتيج إلى إعادة الجار في العطف على الخلف بناء على اشتراط ذلك في العطف على الضمير المجرور تقول: الذي مررت به وبعمرو زيد وهكذا. اهـ يس. وقوله: لأنه يلزم هنا أن تكون فائدة الخبر حالة في المبتدأ؛ لأنه حينئذ يعلم التكلم والخطاب قبل الخبر.
قوله: "فيما كان له" متعلق بخلف. وقوله: "أو غيرهما" كالمبتدئية والخبرية. قوله: "فتصدر الجملة... إلخ" حاصله خمسة أعمال: تصدير الجملة بالذي وتأخير زيد ورفعه، وأشار إليه بقوله: فتجعله خبرًا عن الذي وجعل ما بينهما صلة، وأن تجعل في مكان زيد الذي نقلته عنه ضميرًا مطابقًا له في معناه وإعرابه. قوله: "قلت الذي هو زيد أبوك" صوابه: الذي زيد هو أبوك بتأخير هو عن زيد؛ ليكون في موضع المخبر عنه. قوله: "وباللذين... إلخ" ظاهر كلام المتن والشرح لا يفيد جواز الإخبار باللتين واللاتي، ويفيده قوله التوضيح باب الإخبار بالذي وفروعه؛ لأن التي وفروعها الذي. اهـ سم. ولو قال المصنف:

وبفروع للذي نحو التي

 

ج / 4 ص -78-                              قبول تأخير وتعريف لِمَا           أخبر عنه هاهنا قد حُتما

كذا الغِنَى عنه بأجنبي أو                       بمضمر شرط فرَاعِ ما رَعَوْا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تراعى وفاقه في الإفراد والتذكير. فإذا قيل لك: أخبر عن الزيدين من نحو: بلغ الزيدان العمرين رسالة، قلت: اللذان بلغا العمرين رسالة الزيدان، أو عن العمرين قلت: الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون، أو عن الرسالة قلت: التي بلغها الزيدان العمرين رسالة، فتقدم الضمير وتصله؛ لأنه إذا أمكن الوصل لم يجز العدول إلى الفصل؛ وحينئذ يجوز حذفه لأنه عائد متصل منصوب بالفعل. ثم أشار إلى الثاني وهو ما في شروط المخبر عنه بقوله: "قبول تأخير وتعريف لما أخبر عنه هاهنا قد حُتما كذا في الغنَى عنه بأجنبي أو بمضمر شرط فراعِ ما رعوا" اعلم أن الإخبار إن كان بالذي أو أحد فروعه اشترط للمخبر عنه تسعة أمور:
الأول: قبوله التأخير، فلا يخبر عن أيهم من قولك: أيهم في الدار؛ لأنك تقول حينئذ: الذي هو في الدار أيهم، فيخرج الاستفهام عما له من وجوب الصدرية، وكذا القول في جميع أسماء الاستفهام والشرط وكم الخبرية وما التعجبية وضمير الشأن، فلا يخبر عن شيء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لدخل في كلامه: اللتان واللاتي واللائي والأُلَى. قوله: "في التثنية... إلخ" متعلق بقول المصنف "وفاق" بمعنى الموافقة. قوله: "فاذا قيل لك أخبر... إلخ" وإذا قيل لك: أخبر عن الهندات من ضربت الهندات، قلت: اللاتي ضربتهن الهندات. قال في الارتشاف: ويستوي الموصول بغيره في الإخبار، فإذا أخبرت عن الذي من ضربت الذي ضربته تقول: الذي ضربته الذي ضربته. اهـ فارضي. فتجعل مكان الموصول وصلته ضميرًا لأنهما شيء واحد، وتجعل الموصول وصلته خبرًا كما في الهمع. قال سم: قياس ذلك أن يقال في الإخبار عن الذي من قولك: الذي في داره زيد عمرو الذي هو عمرو الذي في داره زيد.
قوله: "فتقدم الضمير وتصله" مراده بالضمير ضمير العمرين في مثال الإخبار عنهم، وضمير الرسالة في مثال الإخبار عنها أو كان حق الضمير لولا وجوب الاتصال؛ حيث أمكن أن يكون مرجعه منفصلًا لكونه خلفه. قوله: "وحينئذ" أي: حين إذ قدمت الضمير ووصلته. قوله:"قد حُتما" خبر قبول وألفه للإطلاق وإن زعم السندوبي أنها للتثنية. قوله: "الأول قبوله التأخير" ليكون خبرًا، فإن الخبر هنا واجب التأخير عند الجمهور.
قوله: "فلا يخبر عن أيهم... إلخ" كذا لا يخبر عن ضمير الفصل؛ لئلا يخرج عما له من لزوم التوسط. اهـ زكريا. وهو إنما يظهر على القول بأنه اسم، أما على الصحيح من أنه حرف على صورة ضمير الرفع المنفصل فعدم الإخبار عنه لعدم اسميته اللازمة للمخبر عنه، ثم من أجاز تقديم الخبر في هذا الباب -كابن عصفور والمبرد- أجاز الإخبار عن أيهم ونحوه مع المتقدم على المبتدأ فيقال: أيهم الذي هو في الدار على أن أيهم خبر مقدم.
قوله: "وكم الخبرية وما التعجبية" فلا يقال في: كم عبد لي وما أحسن زيدًا، الذي هو لي كم عبد ولا الذي هو أحسن زيد. قوله: "وضمير الشأن" في جعله من لازم الصدر نظر؛ لأنه يقتضي أن العوامل لا تتقدم عليه، وقد قالوا في قوله:

إذ مت كان الناس نصفان

 

ج / 4 ص -79-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منها لما ذكرته. وفي التسهيل: أن الشرط أن يقبل الاسم أو خلفه التأخير؛ وذلك لأن الضمير المتصل يخبر عنه مع أنه لا يتأخر ولكن يتأخر خلفه، وهو الضمير المنفصل كما مر.
الثاني: قبوله التعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز؛ لأنهما ملازمان للتنكير فلا يصح جعل المضمر مكانهما؛ لأنه ملازم للتعريف، وهذا القيد لم يذكره في التسهيل.
الثالث: قبول الاستغناء عنه بأجنبي، فلا يخبر عن اسم لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي ضميرًا كان أو ظاهرًا. فالضمير كالهاء من نحو: زيد ضربته؛ لأنه لا يستغني عنها بأجنبي كعمرو وبكر، فلو أخبرت عنها لقلت: الذي زيد ضربته هو، فالضمير المنفصل هو الذي كان متصلًا بالفعل قبل الإخبار، والضمير المتصل الآن خلف عن ذلك الضمير الذي كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن اسم كان ضمير شأن، وفي قوله تعالى:
{أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} إن اسم أن ضمير شأن قاله ابن جماعة؛ وحينئذ فامتناع الإخبار عنه إنما هو لما يلزم عليه من تقديم مفسره الذي هو مرجعه عليه مع أنه يجب تأخيره عنه؛ إذ هو مما يعود على متأخر لفظًا ورتبة. قوله: "فلا يخبر عن الحال والتمييز" لأنك لو قلت في جاء زيد ضاحكًا وملكت تسعين نعجة: الذي جاء زيد إياه ضاحك والتي ملكت تسعين نعجة؛ لكنت نصبت الضمير المنفصل في الأول على الحال وفي الثاني على التمييز، وذلك ممتنع. قال السندوبي: فإن قلت: هل يجوز ذلك على مذهب مَن جوز تعريفهما؟ قلت: لم أره منقولًا، والظاهر نعم؛ لأن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، فتدبر. اهـ.
قوله: "لم يذكره في التسهيل" أي: استغناء عنه بالشرط الرابع الآتي المعبر عنه في التسهيل بقوله: منوبًا عنه بضمير. قال شراحه أبو حيان ومتابعوه المرادي وابن عقيل وناظر الجيش والشمني: واللفظ له أي: عن ذلك الاسم الذي تريد أن تخبر عنه، وتحرز بذلك من الأسماء التي لا يجوز إضمارها؛ كالحال والتمييز والأسماء العاملة عمل الفعل نحو: اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة والمصادر والصفات المشبهة وأسماء الأفعال كذا في التصريح؛ وإنما لم ينب الضمير عن الأسماء العاملة عمل الفعل؛ لأن ضميرها لا يعمل عملها، وإخراجها بالشرط الرابع -كما مر- أولى من إخراجها بالشرط الثاني كما صنع البعض.
قوله: "قبول الاستغناء عنه بأجنبي" أي: صحة وضع أجنبي موضعه، وهذا يفيد جواز الإخبار عن ضمير الغائب الذي يجوز الاستغناء عنه بأجنبي، وله صورتان: إحداهما: أن يكون عائد الاسم من جملة أخرى نحو: أن يذكر إنسان فتقول لقيته، فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال: الذي لقيته هو، وصرح بذلك المصنف. والأخرى: أن يكون عائدًا على بعض الجملة إلا أنه غير محتاج إليه للربط نحو: ضرب زيد غلامه، فلا يمتنع على مقتضى كلامه الإخبار عن الهاء؛ لأنه يجوز أن يخلفها الأجنبي نحو: الذي ضرب زيد غلامه هو. اهـ مرادي. ويفيد أيضًا عدم جواز الإخبار عن الضمير في قائم؛ إذ لا يستغنى عنه بأجنبي، لا يجوز: زيد قائم عمرو. سم. قوله: "ضميرًا كان أو ظاهرًا" تعميم في الاسم الذي لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي. قوله: "المتصل الآن" أي: بالفعل. قوله:

 

ج / 4 ص -80-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متصلًا، ففصلته وأخرته، ثم هذا الضمير المتصل إن قدرته رابطًا للخبر بالمبتدأ الذي هو زيد بقي الموصول بلا عائد وانخرمت قاعدة الباب، وإن قدرته عائدًا على الموصول بقي الخبر بلا رابط، والظاهر كاسم الإشارة في نحو:
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وغيره مما حصل به الربط، فإنه لو أخبر عنه لزوم المحذور السابق، وكالأسماء الواقعة في الأمثال؛ نحو الكلاب في قولهم: الكلاب على البقر، فلا يجوز أن تقول: التي هي على البقر الكلاب؛ لأن الكلاب لا يستغنى عنه بأجنبي؛ لأن الأمثال لا تغير.
الرابع: قبوله الاستغناء عنه بالضمير، فلا يخبر عن الاسم المجرور بحتى أو بمذ أو بمنذ؛ لأنهن لا يجرون إلا الظاهر، والإخبار يستدعي إقامة ضمير مقام المخبر عنه كما تقدم، ففي نحو قولك: سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم، ويجوز الإخبار عن زيد ويمتنع عن الباقي؛ لأن الضمير لا يخلفهن، أما الأب فلأن الضمير لا يضاف، وأما القرب فلأن الضمير لا يتعلق به جار ومجرور ولا غيره، وأما عمرو والكريم فلأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به. نعم إن أخبرت عن المضاف والمضاف إليه معًا، أو عن العامل والمعمول معًا، أو عن الموصوف وصفته معًا؛ جاز لصحة الاستغناء حينئذ بالضمير عن المخبر عنه، فتقول في الإخبار عن المضاف مع المضاف إليه: الذي سره قرب من عمرو الكريم أبو زيد، وعن العامل مع المعمول: الذي سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم، وعن الموصوف مع صفته: الذي سر زيد قرب منه عمرو الكريم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإن قدرته عائدًا على الموصول... إلخ" ولا يجوز تقديره راجعًا لهما؛ لأن الضمير الواحد لا يعود لشيئين. نعم كان يمكن جعله لأحدهما وتقدير عائد الآخر بما يناسب الحال. سم. قوله: "كاسم الإشارة... إلخ" فلا يقال: الذي لباس التقوى هو خير ذلك.
قوله: "وغيره مما حصل به الربط" فلا يخبر عن زيدًا من زيد ضربت زيدًا فلا يقال: الذي زيد ضربته زيد؛ لأن زيدًا رابط. قوله: "التي هي على البقر" كان المناسب التي إياها على البقر؛ لأن الكلاب منصوبة. قوله: "الاستغناء عنه بالضمير" خرج ما لا يجوز إضماره كالأسماء العاملة عمل الفعل كما مرَّ. قوله: "لا يجررن إلا الظاهر" قد يتبادر إلى الذهن جواز الإخبار عن مجرور ربَّ؛ لأنها تجر الضمير؛ ولكن التحقيق أنه لا يجوز؛ لأن الضمير حينئذ يعود على ما قبل رب وهو الموصول؛ وإنما يعود ضمير رب على ما بعده؛ وذلك ليحصل له به إبهام يقرب به من النكرة. فإن قلت: إذا قلت في رب رجل قام: الذي ربه قام رجل، فإنما تجعل العائد ضمير قام لا ربه، قلنا: القاعدة في باب الإخبار أن الضمير العائد خلف الظاهر المؤخر لا ضمير آخر، ثم إن الضمير في ربه لا بد له من تمييز ولا تمييز هنا. دماميني. قوله: "أو عن العامل والمعمول معًا" كان عليه أن يزيد وصفة المعمول؛ لأن الإخبار عن الثلاثة كما لا يدل عليه البيان الآتي. قوله: "وعن العامل مع المعمول الذي سر... إلخ" فالخلف ضمير مستتر في سر لا مكان استتاره، فلا يعدل إلى الانفصال

 

ج / 4 ص -81-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخامس: جواز استعماله مرفوعًا، فلا يخبر عن لازم النصب كسبحان وعند.
السادس: جواز وروده في الإثبات، فلا يخبر عن أحد وديار وعريب؛ لئلا يخرج عما لزمه من الاستعمال في النفي.
السابع: أن يكون في جملة خبرية، فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية؛ لأن الجملة بعد الإخبار تجعل صلة والطلبية لا تكون صلة.
الثامن: ألا يكون في إحدى جملتين مستقلتين نحو زيد من قولك: قام زيد وقعد عمرو، وإلا يلزم بعد الإخبار عطف ما ليس صلة على الذي استقر أنه الصلة بغير الفاء، فإن كانتا غير مستقلتين بأن كانتا في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشرط والجزاء، وكما لو كان العطف بالفاء أو كان في الأخرى ضمير الاسم المخبر عنه جاز الإخبار لانتفاء المحذور المذكور. ففي نحو: إن قام زيد قام عمرو، تقول في الإخبار عن زيد: الذي إن قام قام عمرو زيد، وعن عمرو: الذي إن قام زيد قام عمرو، وفي نحو قام زيد فقعد عمرو تقول في الإخبار عن زيد: الذي قام فقعد عمرو زيد، وعن عمرو: الذي قام زيد فقعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتأخيره إلى محله. تصريح. قوله: "فلا يخبر عن لازم النصب" قال المرادي: ولا عن لازم الرفع نحو: ايمن الله، وفيه نظر. اهـ زكريا. ويجاب بأنه لما لزم حالًا واحدًا وهو الرفع على وجه مخصوص وهو الرفع على الابتدائية أو الخبرية في القسم كان غير متصرف، والإخبار يقتضي تصرفه؛ لأنه وإن لزم الرفع على الخبرية إلا أنه ليس خبرًا في القسم. سم.
قوله: "فلا يخبر عن أحد" أي: في نحو ما جاءني من أحد؛ لأنه لو قيل: الذي ما جاءني أحد، لزم وقوع أحد في الإثبات، وهو ممتنع عند الجمهور. زكريا. قوله: "أن يكون في جملة خبرية" أي: ليتأتى الإتيان بصلة للموصول كما ذكره الشارح، فلا يخبر عن اسم ليت ولعلَّ وخبرهما ما لم يكونا بعض جملة خبرية نحو: قال زيد ليت عمرًا قائم أو لعل بكرًا فاضل، فيقال: الذي قال زيد ليته قائم عمرو أو ليت عمرًا هو قائم، والذي قال زيد لعله فاضل بكر أو لعل بكرًا هو فاضل، ومما لا يتصور الإخبار عنه معمول لكن؛ لأن لكن لا تقع صلة وإن كانت خبرية؛ لئلا يلزم الاستدراك من غير مستدرك. قوله: "فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية" محله ما لم يكن بعض جملة خبرية وإلا جاز الإخبار عنه نحو: قال زيد اضرب عمرًا، ومنطوق زيد اضرب عمرًا على قياس ما مر.
قوله: "مستقلتين" أي: لا رابط لإحداهما بالأخرى مما سيأتي. قوله: "عطف ما ليس صلة... إلخ" هلا زاد أو العطف ما ليس صلة بغير الفاء ليكون شاملًا لما إذا أخبر عن الاسم من الجملة الثانية نحو عمرو في المثال. سم. قوله: "بغير الفاء" هذا إن لم تجعل الواو للحال وإلا جاز كما في الفارضي. قوله: "أو كان في الأخرى" أي: الجملة المغايرة للجملة المشتملة على الضمير الخلف. قوله: "لانتفاء المحذور المذكور" وهو عطف ما ليس صلة على ما استقر أنه الصلة أو العكس. قوله: "ففي نحو... إلخ" تصوير للأقسام الثلاثة قبله على اللف والنشر المرتَّب؛ لكن عدد

 

ج / 4 ص -82-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمرو؛ لأن ما في الفاء من معنى السببية نزل الجملتين منزلة الشرط والجزاء. وفي نحو: قام زيد وقعد عنده عمرو، تقول في الإخبار عن زيد: الذي قام وقعد عنده عمرو زيد، وعن عمرو: الذي قام زيد وقعد عنده عمرو، وفي نحو: ضربني وضربت زيدًا، ونحو: أكرمني وأكرمته عمرو، تقول في الإخبار عن زيد: الذي ضربني وضربته زيد، وعن عمرو: الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمثلة القسم الثالث. قوله: "وعن عمرو: الذي قام زيد وقعد عنده عمرو" كان الصواب إسقاطه؛ لأن المحذور موجود فيه، وهو عطف ما يصلح للصلة بغير الفاء على ما لا يصلح لها؛ لأن الجملة الأولى ليس فيها عائد -أفاده سم- ولأن فيه خروجًا عن الممثل له؛ لأن المشتمل على الضمير في حال الإخبار عن عمرو ليس الجملة الأخرى أي: المغايرة للجملة المشتملة على الضمير الخلف؛ بل الجملة المشتملة على الخلف، فافهم.
قوله: "وفي نحو: ضربني... إلخ" وتقول في الإخبار عن الياء في هذا المثال: الذي ضربه وضرب زيدًا أنا، فتأتي بدل كل من الياء والتاء بضمير الغيبة وهو الهاء في الأول والضمير المستتر في الثاني؛ لأنهما راجعان للموصول وهو غائب، وكذا إذا أخبرت عن التاء. اهـ. واعلم أن هذا المثال وما بعده من أمثلة ما إذا كان في الجملة الأخرى ضمير الاسم المخبر عنه؛ لأن المراد بالأخرى الجملة المغايرة للجملة المشتملة على الضمير الخلف عن الاسم الظاهر أعم من أن تكون الجملة المغايرة أولى كهذا المثال أو ثانية كالذي بعده، واعترض البعض على الشارح بأن الصواب إسقاط المثالين؛ لأن كلًّا من الجملتين بعد الإخبار فيه عائد كما لا يخفي فلا يكون من كون الجملتين في حكم الجملة الواحدة، وهو ساقط؛ لأن من صور كونهما في حكم الواحدة اشتمال كل على ضمير، كما هو صريح كلام الشارح سابقًا؛ حيث قال: فإن كانتا غير مستقلتين بأن كانتا في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشرط والجزاء، وكما لو كان العطف بالفاء أو كان في الأخرى ضمير الاسم المخبر عنه، ومعنى كونهما في حكم الجملة الواحدة صلاحية وقوعهما معًا صلة كصلاحية وقوع الجملة الواحدة صلة، على أن هذا الاعتراض لو سلم لتوجه على قوله، وفي نحو: قام زيد وقعد عنده عمرو... إلخ أيضًا لاشتمال كل من الجملتين بعد الإخبار عن زيد على ضمير، فلا تغفل.
فائدتان: الأولى: قال في التسهيل: وإن كانت الجملة ذات تنازع في العمل لم يغير الترتيب ما لم يكن الموصول الألف واللام والمخبر عنه غير المتنازع فيه، فإن كان ذانك -أي: وجد الأمران- قدم المتنازع فيه معمولًا لأول المتنازعين، وإن كان قبل معمولًا للثاني. اهـ. قال الدماميني: فتقول في الإخبار عن التاء من ضربت وضربني زيد الضارب. زيدًا والضارب به هو أنا، قدمت زيدًا وجعلته معمولًا للأول؛ لأنه كان يطلبه منصوبًا، وأضمرت في الوصف الأول ضمير غائب عوضًا عن ضمير المتكلم؛ ليصح أن يكون عائدًا على أل مستترًا لجريان الوصف على من هو له؛ لأن أل نفس أنا، وفاعل الضرب في المعنى أنا، ثم جئت بموصول ثانٍ؛ لأن أل لا تُفصل من صلتها، فلا يصح أن تعطف وصفًا على وصف هو صلة أل وأتيت بدل ياء المتكلم بهاء غائب

 

ج / 4 ص -83-          ................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكرمني وأكرمته عمرو.
التاسع: إمكان الاستفادة، فلا يخبر عن اسم ليس تحته معنى كثواني الأعلام نحو بكر -من أبي بكر- إذ لا يمكن أن يكون خبرًا عن شيء.
تنبيهات: الأول: الشرط الرابع في كلامه مغنٍ عن اشتراط الثاني؛ لأن ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار، وقد نبه في شرح الكافية على أنه ذكره زيادة في البيان. الثاني: أو -في قوله أو بمضمر- بمعنى الواو لما بان لك أن الشروط المذكورة في النظم أربعة، وأن الثالث والرابع لا يُغني أحدهما عن الآخر، وقد عطف في الكافية ثلاثة شروط بأو فقال:

وشرط الاسم مخبر عنه هنا                          جواز تأثير ورفع وغنى

عنه بأجنبي أو بمضمر                                  أو مثبت أو عادم التنكر

مع عده كلا منها في الشرح شرطًا مستقلًّا. الثالث: سكت في الكافي أيضًا عن الثلاثة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتعود على أل، وفصلت ضمير الفاعل فقلت: هو لجريان الوصف الثاني على غير صاحبه؛ لأن أل نفس أنا، والذي فعل الضرب الثاني زيد، ثم قال في التسهيل: وهذا أَوْلَى من مراعاة الترتيب بجعل خبر أول الموصولين غير خبر الثاني. اهـ. قال الدماميني: فتقول هذا في المثال السابق إذا أخبرت عن ضمير المتكلم الضاربه أنا هو والضاربه زيد أنا، فتأتي للوصف الأول بمفعول مضمر يعود على أل وهو الهاء وتفصل الفاعل وهو أنا وتجعل خبر أل ضميرًا مرفوعًا منفصلًا يعود على زيد وتأتي للوصف الثاني مكان ياء المتكلم بهاء وهي المفعول والعائد وزيد الفاعل وأنا الخبر. قال: وهذا رأي المازني، ثم اعترض عليه بما يُعلم بمراجعته.
الثانية: قال الدماميني: قال ابن الصائغ: إذا قيل قام وقعد، وقد قلت في الإخبار بالذي عن زيد: الذي قام وقعد زيد، وفي الإخبار بأل القائم وقعد زيد والعطف على حده في:
{وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} وإن شئت كررت، قلت: القائم والقاعد زيد، وكذا الذي قام والذي قعد زيد، ولا يجوز في قولك: الذي يطير فيغضب زيد الذباب أن تكرر الموصول فتقول: فالذي يغضب زيد؛ لأنك إن جعلت زيدًا فاعل يغضب خلت الصلة من ضمير، وإن جعلته خبرًا عن الذي الثانية كنت قد فصلت بين الذي الأولى وخبرها، ولا يصح ارتباطها بالصلة لأن الفاء إنما تصير الجملتين كالجملة في الجمل الفعلية لا الاسمية؛ لظهور السببية مع الفعلية، وشبه الجملتين إذ ذاك بجملتي الشرط والجزاء. اهـ.
قوله: "مغنٍ عن اشتراط الثاني" لأن الرابع أخص من الثاني، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم من غير عكس. قوله: "لأن ما لا يقبل التعريف... إلخ" المناسب في التعليل أن يقول: لأن ما يقبل الإضمار يقبل التعريف. قوله: "بمعنى الواو" والقرينة عليه معنوية وهي النظر في المعنى، وأن الخارج بكل منهما غير الخارج بالآخر، فيعلم أن أحدهما لا يُغني عن الآخر، فتكون أو بمعنى الواو. سم. قوله: "أو مثبت" بالرفع عطفًا على جواز. قوله: "أو عادم التنكر" أي: عادم لزوم التنكير، وهذا

 

ج / 4 ص -84-                            وأَخبروا هنا بأل عن بعض ما      يكون فيه الفعل قد تقدَّما

إن صحَّ صوغ صلة منه لأل                     كصوغٍ واقٍ من وقى الله البطل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخيرة، وقد ذكرها في التسهيل. "وأخبروا هنا بأل" أي: الموصولة "عن بعض ما يكون فيه الفعل قد تقدما" أي: يشترط لجواز الإخبار عن أل ثلاثة شروط زيادة على ما سبق في الذي وفروعه؛ الأول: أن يكون المخبر عنه من جملة تقدم فيها الفعل -وهي الفعلية- وإلى هذا الإشارة بقوله: فيه الفعل قد تقدما. الثاني: أن يكون ذلك الفعل متصرفًا. الثالث: أن يكون مثبتًا فلا يخبر عن زيد من قولك: زيد أخوك، ولا من قولك: عسى زيد أن يقوم، ولا من قولك: ما قام زيد، وإلى هذين الشرطين الإشارة بقوله: "إن صح صوغ صلة منه لأل" إذ لا يصح صوغ صلة لأل من الجامد ولا من المنفي. ثم مثل لما يصح ذلك منه بقوله: "كصوغ واق من وقى الله البطل" فإن أخبرت عن الفاعل قلت: الواقي البطل الله، أو عن المفعول قلت: الواقية الله البطل، ولا يجوز لك أن تحذف الهاء؛ لأن عائد الألف واللام لا يُحذف إلا في الضرورة؛ كقوله:
1187-

ما المستفِزُّ الهوَى محمودُ عاقبةٍ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط يغني عنه. قوله: أو بمضمر كما مر أنه اعتذر عنه في شرحها. قوله: "وأخبروا هنا بأل... إلخ" ذكر الأخفش مسألتين يخبر فيهما بأل لا بالذي؛ الأولى: قامت جاريتا زيد لا قعدتا، فإذا أخبرت عن زيد قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد، ولا تقول: الذي قامت جاريتاه لا قعدتا زيد؛ لعدم ضمير يعود من الجملة المعطوفة على الذي الثانية، يجوز: المضروب الوجه زيد، ولا يجوز: الذي ضرب الوجه زيد. فأما المسألة الأولى فيجوز الإخبار فيها بالذي أيضًا عند مَن أجاز: مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا، وقد جوز المصنف في قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} أن يكون "يتربصن" خبر الذين؛ لأن النون عائدة للأزواج المضافة في المعنى لضمير الموصول، فقد اكتفى في عائد المبتدأ برجوع ضمير من الخبر إلى مضاف في المعنى للمبتدأ، فبالأولى أن يكتفي في عائد الموصول برجوع ضمير من الصلة إلى مضاف في اللفظ للموصول. وأما الثانية فقال المرادي: ينبغي أن يجيز: الذي ضرب الوجه زيد، مَن أجاز تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدي أي: كالصفة. وقول ابن غازي: إن تشبيه اللازم بالمتعدي خاص بالصفات يُدفع بأن من حفظ حجة على مَن لم يحفظ، فتدبر.
قوله: "عن بعض ما" أي: تركيب. قوله: "لجواز الإخبار عن أل" الموافق لعبارة المصنف كغيره الإخبار بأل. قوله: "وهي الفعلية" تفسير خاص بعام؛ لأن الفعلية صادقة بما إذا تقدم على الفعل معمول له أو أداة من الأدوات، مع أن ذلك مانع من الإخبار بأل كما في سم. قال: فلا يسوغ الإخبار بها في نحو: زيدًا ضرب عمرو، ولا في نحو: ما يقوم زيد، والإخبار هنا بالذي سائغ فتقول: الذي ما يقوم زيد. اهـ. ولعل وجه المنع لزوم الفصل بالمعمول أو الأداة بين أل وصلتها؛ أعني: الوصف المصوغ من الفعل. قوله: "الواقي البطل الله" بنصب البطل على أنه مفعول، وجره على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1187- عجزه:

ولو أُتيح له صفوٌ بلا كَدَرِ

والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 171، وتخليص الشواهد ص161، والدرر 1/ 298، وشرح التصريح 1/ 146، والمقاصد النحوية 1/ 447، وهمع الهوامع 1/ 89.

ج / 4 ص -85-                               وإن يكن ما رَفَعَتْ صلةُ أل       ضمير غيرها أُبِينَ وانفصل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإن يكن ما رفعت صلة أل ضمير غيرها" أي: غير أل "أبين وانفصل" وإن رفعت ضمير أل وجب استتاره، ففي نحو قولك: بلغت من أخويك إلى الزيدين رسالة، إن أخبرت عن التاء فقلت: المبلغ من أخويك إلى الزيدين رسالة أنا كان في المبلغ ضمير مستتر؛ لأنه في المعنى لأل؛ لأنه خلف من ضمير المتكلم، وأل للمتكلم لأن خبرها ضمير المتكلم والمبتدأ نفس الخبر، وإن أخبرت عن شيء من بقية أسماء المثال وجب إبراز الضمير وانفصاله لجريان رافعه على غير ما هو له، تقول في الإخبار عن الأخوين: المبلغ أنا منهما إلى الزيدين رسالة أخواك، وعن الزيدين: المبلغ أنا من أخويك إليهم رسالة الزيدون، وعن الرسالة: المبلغها أنا من أخويك إلى الزيدين رسالة، فالمبلغ خالٍ من الضمير في هذه الأمثلة؛ لأن فعل المتكلم وأل فيهن لغير المتكلم؛ لأنها نفس الخبر الذي أخرته، فأنا فاعل المبلغ وضمير الغيبة هو العائد، وكذا تفعل مع ضمير الغيبة فتقول في الإخبار عن ضمير الغائب الفاعل من نحو زيد ضرب جاريته: زيد الضارب جاريته هو، ففي الضارب ضمير أل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه مضاف إليه. قوله: "أبين وانفصل" هذا الإطلاق موافق لقوله في باب الابتداء:

وأبرزنه مطلقًا حيث تلا                         ما ليس معناه له محصلا

وقد اختار المصنف في التسهيل جواز عدم الإبراز عند أمن اللبس وفاقًا للكوفيين، وعلى هذا يقيد هذا الإطلاق بخوف اللبس. سم. قوله: "وإن رفعت ضمير أل وجب استتاره" بيان لمفهوم ضمير غيرها وسكت عن محترز الضمير وهو الظاهر. قال الشاطبي: أما إذا كان ظاهرًا فلا ضمير فيها كما لو أردت أن تخبر عن عمرو من ضرب زيد عمرًا فتقول: الضاربه زيد عمرو، فأل هنا لغير الضارب؛ وإنما هي لصاحب الضمير المنصوب وهو عمرو جرت الصلة على غير من هي له، وهذا شأنها إذا رفعت الظاهر أبدًا، ولا يلزم في ذلك محذور اللبس أو عن زيد من ضرب أخو زيد عمرًا. قلت: الضارب أخوه عمرًا زيد. سم.
قوله: "وجب استتاره" أي: في الصلة. قوله: "ففي نحو قولك... إلخ" وتقول في نحو ضربتني: إن أخبرت عن الفاعل الضاربي أنت فيستتر فاعل الصلة؛ لأنه لأل وأنت خبرها أو عن المفعول، فإن قلنا بقول الجمهور: إنه يجب كون الخلف غائبًا مطلقًا، قلت: الضاربه أنت أنا، فالهاء مفعول عائد على أل وأنت مرفوع الصلة أبرز لكونه لغير أل وأنا خبر أل، أو بقول غيرهم: إنه يجوز المطابقة بين الخلف والمخبر عنه في الخطاب ومثله التكلم قلت: الضاربي أنت أنا. قوله: "لأنه فعل المتكلم" أي: لأن مضمونه وهو التبليغ أو لأنه متضمن فعل المتكلم. قوله: "من نحو زيد ضرب جاريته زيد... إلخ" فإن قلت: هذا مخالف لظاهر كلامهم من وجهين؛ أحدهما: اشتراطهم تقدم الفعل. والثاني: قولهم: إن المخبرية يكون مبتدأ والمخبر عنه يكون خبرًا، والضار بها من جملة الخبر، فالجواب: أنه لا إشكال؛ لأن معنى تقدم الفعل تقدمه في الجملة التي يقع فيها الإخبار لا تقدمه في أول كل شيء متكلم به، وأما الثاني فواضح