رسالة الملائكة القول في اسم وحقيقة
الحذف منه.
(/)
وكان أصل الأسماء ان تجيء غير محذوفات
وانما يستدل على حذفها بالاشتقاق والتصغير والجمع والعلل الجارية عليها
في أنحاء العربية فكأن قائلا في الأصل قيل له ما فرس أو ما رجلٌ فقال
اسم فوقع للسامع أن الهمزة من الأصل لأنه سمع جرسا على مثل إذن وابط
وادل والإدل اللبن الحامض فقال السامع هذه همزة أصلية فيجب ان يكون
اشتقاقها من اسم ياسم فرجع إلى أصل الكلام وما روت الثقات منه فلم يجد
فيه ذلك فقال يجب إذ فقدت هذه اللفظة ان يجعل اسم من وسم يسم كأنه وسم
كأنه وسم ثم قلبت الواو همزة كما قالوا ولدة وإلدة ووطاء وإطاء فاستقر
في نفسه ذلك ثم سمع الفصحاء تقول سمعت اسمك وهذا اسم زيد ويستمر على
ذلك ولا يجريه لمجرى اذن وأزل وهو الكذب لأنها لو أجرته مجرى ذلك لنطقت
بالهمزة في ادراج الكلام فقال السامع يجب ان يكون هذا لما كثر آثروا
فيه الخفة ثم سمعهم يقولون في التصغير هذا سميك وسمي أخيك فانتقض عليه
ما اعتقد لأن الامر لو كان كل توهم لوجب أن يقولوا أسم كما يقولون في
اشاح اشيح فيثبتون الهمزة وزاده ريبا فيما فان ضن جمعهم اياه على أسماء
فعلم أن ما ذهب إليه باطل ونظر فإذا العائد في التصغير لايخلو من أن
يكون واوا أو ياء وان لالسين سكنت في أول النطق فنطقوا بالهمزة قبلها
ليكون وصلة إليها واسقطوا عند الغناء واعتبر كلام العرب فرآهم يقولون
سموت سموا وإذا أرادوا أن يخبروا أنهم جعلوا للرجل اسما قالوا سميته
ورآهم لم يستعملوا السمى فحكم على أن الذاهب من اسم واو وانهم وضعوا
هذه الكلمة وهم يريدون بها ظهور أمر الإنسان وعلوه وان يعرفوا به غيره
لأن من لا يعرف له اسم فهو خامل مجهول وقالوا سم وسم في المسموع فدل
ذلك على أنهم بنوه تارة على فعل وتارة على فعل وقد انشدوا أبياتا
لوجهين منها قول الراجز:
والله سماك سماً مباركاً ... آثرك الله به ايثاركا
وقال آخر:
وعالمنا أعجبنا مقدمه ... يكنى أبا السوح وقرضاب سمه
وأما قول الآخر:
فدع عنك ذكر اللهو واعمد بمدحه ... لخير معد كلها حيث ما انتمى
لأجودها كفأ واكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأرفعها سما
(/)
فزعم قوم من أهل اللغة أن السما بعد الصيت
والاجود أن يكون سم على ما تقدم وألفه للنصب وان لم يكن سمع في غير هذا
البيت فلا وجه له إلا القول الايخر ولو كانت الألف في اسم أصلية لقالوا
في جمعه آسام كما قالوا في جمع إرب وهو العضو آراب فان قيل فما ينكر من
أن تكون همزة اسم مبدلة من واو ثم قلبت في الجمع لأنهم يستعملون التغير
في المعتل فيقولون كاع وكائع وهار وهائر قيل الذي يمنع من ذلك انهم لم
يقلبوها في الجمع وحده ولكن قلبوها في جميع ما صرفوه من اسم فقالوا
سيمت وسمي وأسماء فدل ذلك على علة هذا القول ودلهم وصلها في غير
الابتداء على انها كغيرها من الألفات التي لحقت الأفعال وهذا النوع من
الأسماء فأما أسامة فليس من لفظ الاسم في الحقيقة وان كان مجانسا له في
الجرس ويجب أن يكون اشتقاق أسامة من الاسم وهو ممات وقد يجوز أن يكون
أسامة من الوسام وهو حسن الوجه فبني على فعالة وهمزت الواو لما ضمت في
أول الكلمة وإذا حمل على هذا القول جاز ان يكون من الوسم إلا ان همزته
في ذلك اصلية لأنها بدل من الواو وقلبهم الواو المضمومة همزة شائع كثير
يقولون ولد له أولاد وألد له وفي الكتاب العزيز وقتت وأقتت وهو من
الوقت وقولهم أد بن طابخة يجوز إن يكون اصله ود قلبت الواو همزة ويجوز
ان يكون مأخوذا من الاد وهي القوة أو من قولهم أدت الإبل إذا حنت حنيا
شديدا فأما قولهم أسماء في اسم المرأة فالنحويون المتقدمون يجعلونه جمع
اسم وإذا سموا به الرجل لما يصرفوه لأنه اسم غلب عليه كونه للمؤنث كما
أن زينب غلب عليه أن يكون اسم امرأة وليس فيه علم للتأنيث وليس أسماء
عندهم بمنزلة حمراء فيلزم أصحاب هذا القول أن يقولوا مررت بأسماء
واسماء أخرى فيصرفوها في النكرة لأنها ليست كحمراء عندهم وانما هي
أفعال مثل أبناء وأحناء ولو كانت مثل حمراء لم تنصرف في النكرة ولا
يمتنع في القياس إن تكون أسماء من الوسامة إلا ان الواو قلبت إلى
الهمزة وقلب الواو المفتوحة إلى الهمزة قليل إنما جاء في أحرف معدودة
كقولهم أحد وأصله وحد وكقولهم المرأة أناة وأصله وناة هذا في رأي من
زعم انها من الوني وقد يجوز ان يكون مأخوذا من التأني في الأمر فتكون
موصفة بالمصدر فيقال امرأة اناة أي ذات اناةٍ لأنها إذا كانت ثقيلة
الجسم اداها ذلك إلى تأنيها فيما تمارس وقد قالوا الزكاة تذهب أبلة
المال أي وخامته وذهبوا إلى إن اصلها وبلة وانها من قولهم كلأ وبيل أي
وخيم وغيداء فيكون على هذا فعلاء ولا تصرف إذا نكرتها كما لاتصرف حمراء
ولو نطق على هذا بالمذكر فجيء به على الأصل لقيل أوسم فان جيء به على
القلب قيل آسم فخففت الهمزة الثانية لنه مثل لآدم ولو صغرت أسماء على
هذا التصغير الترخيم لقلت أسيمة كما تقول في خنساء خنيسة والذي قوى رأي
النحويين في إن أسماء إذا كان اسم امرأة جمع اسم قولهم في ترخيم
التصغير سمية ولم ينقل في أسماء النساء أسيمة وبنوا سماً وسُماً على
لغتين كما قالوا فعل وفُعل في أشياء كثيرة قالوا عُضو وعضو وجِرو وجُرو
وطِي وطُي وإذا أجروا على بعض الأسماء حكماء من حذف أو زيادة لم يهجروه
على نظيره وانما نُقل كلامهم بالسماع فقيس منه ما اطرد ورد ما خرج عن
القياس إلى نقل السامعين فلا يلزمهم ان يقولوا في جِرو جِرُ وجر كما
قالوا في اسم سم وسم ولا ان يدخلوا ألف الوصل في أوله فيقولوا اجر كما
قالوا ابن واسم لأن هذه أشياء خصت بالحذف والزياد ولقو لزمهم مثل ذلك
لوجب عليهم ان يكونوا قد نطقوا من الضرب باسم في وزن إثمد وجعلوه
واقعاً في بعض الأشياء ولوجب ان يحذفوا الهمزة من أوائل أمير وأجير
وأخير ونحو ذلك كما حذفوها من أناس لما قالوا ناس ولا يقبل أحد دعوى من
يلزمه مثل ذلك وزعم ابو اسحق الزجاج إنه لم يتكلم قبله في اشتقاق اسم
ولا مرية في انه كما قال لأنه الثقة في هذا وغيره أن شاء الله فان قيل
فما ينكر ان تكون ألف اسم أصلية ثم حذفت لكثرة الاستعمال كما حذفت
الهمزة في ويلمه قيل الذي منع من ذلك دلالة الاشتقاق على غيره وحكم على
ان ألف أم ألف اصلية وان كانت قد حذفت في قولهم ويلمه لان الغالب على
كلام العرب ان يقطعوا همزة أخ وكذلك ما صرفوه منها لأنهم قد قالوا
الأمومة وقد ادعى بعض النحويين المتقدمين ان ألف أم قد توصل وليس ذلك
لأنها ألف وصل وإنما هو اتفاق لضرورة كما قال حاتم:
(/)
أبوهم أبي والأمهات أمهاتنا ... فأنعم
ومتعني نفيس بن جحدر
وقد وصلوا الفات القطع في مواضع وانما ذلك في ضروره الشعر كما قال أبو
زبيد الطائي:
فأيقن أكدر إذ صاروا ثمنية ... ان قد تفرد أهل البيت بالثمن
وإنما هو اكدر على مثال احمر واكدرها هنا اسم كلب وقال آخر:
يا للرجال لحادث الأزمان ... ولنسوة من آل أبي سفيان
وهذا مرفوض قليل وقد أفردوا أما بحكم ليس لغيرها من الأسماء وذلك ان
الفراء وغيره يزعمون ان العرب يكسرون همزة أم إذا وقعت قبلها كسرة أو
ياء وقد قرأ بذلك الكوفيون مثل قوله فلامه السدس وفي بطون إمهاتكم وليس
وصلهم الهمزة في قولهم ويلم بديل على انها ألف وصل لأن هذه الكلمة شذت
عن سائر الكلام ويجب ان يكون الاسم على رأي أبي اسحاق جاريا لمجرى
الذبح الطحن لان المصدر فعل مفتوح إذا رُد إلى الأصل ولو كان اسم من
الوسم أو من الاسم لقيل اسمتُ الرجل ووسمته وليس القلب من اسم إلى سما
مثل القلب من رأى إلى راء ومن شأى إلى شاء لان المعتل كثر فيه ذلك
وأمر؟ بابه ليس من هذا النحو وكذلك قولهم اسار في اسآر ليس من ذلك
النحو لانهم كرهوا إن يقولوا اسآر فيجمعوا في الكلمة الواحدة بين
همزتين فقالوا اسار لان المد ايسر واخف قال الشاعر وأنشده أبو عبيدة:
إنا لنضرب جعفراٌ بسيوفنا ... ضرب الغريبة تركب الاسارا
يريد ألأسار. وأنشد سيبويه:
لقد لقيت قُريظة ما سآها ... وحل بدارها ذل ذليل
يريد ساءها ولو بنيت من اسم مثل افعل لقلت اسمي يافتى على مثال اعمى
والهمزة فيه همزة افعل ولو بنيت منه مثل إثمد قلت هذا اسم في الرفع
ومررت باسم ورأيت اسمياً في النصب والفه زائدة ليست من ألف اسم في شيء
لأن تلك زيدت على شرط من البنية إذا زال بطلت بلا اختلاف ولو بنيت منه
مثل ابلم لقلت اسم في الرفع والخفض ورأيت اسمياً في النصب فقلبت واوه
كما قلبت وأو أدد وأجر وإذا نسبت إلى اسم فحذفت الألف ورددت قلت سموي
وانما يردون من المنسوبات فيما ذهب منه موضع اللام لأنها التي يلحقها
التغيير والعين بعيدة من ذلك والفاء أبعد فلو نسبت إلى عدة وجهة إذا
سميت بهما لقلت عدي وجهي فلم تردد وكذلك لو سميت رجلا بمذ لقلت في
النسب مذي لأن الذاهب العين والنسب عندهم ارد من التثنية والجمع لأنه
الزم، فأما التصغير فاجمع على قياسه فلا بد من الرد فيها لأنهُ يُضطر
إليه الناطق فيقول في عدة وعيدة ولا يجد عن ذلك مندوحة ولو جمعتها جمع
التكسير لوجب ان تقول وعد لأنك تردها إلى باب سدرة وكسرة، وقول الراجز:
تلفه الرياح والسُميُّ
لا يدل على ان اصل الكلمة من ياء، كما لايدل على قولهم الدلي على انهم
قالوا الدلي إذا كانوا يجمعون ذوات الياء على هذا النحو فيقلبون. وكذلك
قالوا عصي وُقفي (ا) وإنما يذكر مثل هذا ليعلم انه ليس في كلامي السمي
إلا مماتا أو كالممات. وأما زعم ان الواو حذفت بعد سكونها لأنهم
استثقلوا الكسرة أو الضمة عليها فلما لقيها التنوين وجب حذفها، فإن هذا
القول قد يجوز ان يكون مثله وقد يجوز ان يمتنع وامتناعه أولى لأنهم لم
يطردوا القياس عليه ولا فعلوا ذلك بكل ما كان على هذه الزنة، وليس هو
جاريا مجرى أدل وقاض لأن هذين في بابهما اصلان ولهما نظائر كثير، وليس
حذفهم في اسم مثل ذلك وانما تلك العلة شيء يتوصل به النحويون إلى تكثير
المنطق ولا يعلم كيف سجبة حذفهم للواو إلا ان يدعي مدع انه في غريبزة
الناطق بهذه الكلمة في بدء الخلق. وقد مضى القول في ان ألفاظ الآدميين
التي جبلهم الله سبحانه عليها إنما كصياح الطير وصهيل الخليل على ان
قول من زعم ان الواو حذفت منها الحركة ثم حذفت بعد ذلك يشبه اعتلال
النحويين ولكننا وجدناهم يحذفون الحرف الصحيح من بعض الأسماء ولا يمكن
الاعتلال بمثل هذه العلة فيه لأنهم إذا جاءوا بمثل قول زهير:
يأبى لحار فلا يبغي به بدلا ... أبٌ بري وخالٌ غير مجهول
(/)
وقد علموا إن التاء حذفت لا محالة وفيها الحركة فهل يجوز ان يدعي مدع
انهم اسكنوا الثآء لما أرادوا الحذف فلما اجتمعت مع التنوين حذفت
لالتقاء الساكنين وهذا ما لا يحسن في القياس لأنه يؤدي إلى تكلف يشهد
المعقول بخلافه ولأن الذين قالوا في مروان يامرو فحذفوا الألف والنون
لا يجوز أن يدعى لهم أنهم استثقلوا الضمة على النون فحذفوها فالتقى
ساكنان فحذفت النون ثم حذفت الألف. والنحويون يذكرون في الترخيم حذف
الزيادتين اللتين زيادتا معا فان كانت زيادتهما وقعت في حال واحد فكذلك
يجب أن يكون الحذف وعلى هذا يمضي القول على عثمن ومنصور وشراحيل إذا
رخمت شيئا من ذلك في ضرورة وغير ضرورة بما كثرت المحدوفات دل ذلك على
بطلان قول من زعم أن لواو سكنت في سمو لما استثقلت الضمة أو الكسرة
عليها ولو صح ذلك لكانوا قد فروا إلى حذف الواو من جمعهم بين سواكن
ثلاث لأن الميم في اصل البنية حظها السكون والواو سكنت لاستثقال الضمة
ثم استقبلها التنوين بعد ذلك ورأى من زعم هذه المقالة يلزمه أن يكون
حذفها في الوصل لان التنوين إنما يلحق في أدراج الكلام وإذا قال القائل
سمو في الوقف فانه لا يضطر إلى حذف. إذ كانوا يجمعون في الوقف بين
ساكنين بغير اختلاف ولا ينظرون أكان الساكن همزة أو واوا أم ياء أم
حرفا هن غير هذه الحروف والقول في هذا يتسع وقد مر ما فيه كفاية. |