رسالة الملائكة

القول في اثنين واثنتين
هذه الأسماء التي حذفت من أواخرها حرف العلة وزيدت في أوائلها همزة الوصل فخالفة لغيرها من الأسماء وهي موضوعة في أصل اللغة وضع الأصول وأكثرها لحقه التأنيث على حد التذكير فقالوا ابن وابنة واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة فأما اسم فلم يحتاجوا فيه إلى التأنيث لأنه جرى مجرى الصوت واللفظ والوجه والرأس وإنما يستنبط النحويون أصول المعتلات بالاشتقاق الحاكم على الأصول أو بالتصغير والجمع ولهم أيضاً بالنسب دلالة والعرب قالت اثنان فثبتوا على هذه البينة ولم ينطقوا بغير ذلك فلما صاروا إلى التأنيث قوي الاسم الناقص فاتسعوا فيه وقال أكثرهم اثنتان وهي اللغة التي جاء بها القرآن، وقال بعضهم ثنتان وهي كثيرة في الشعر أنشد ابن الأعرابي:
فقلت مهلاً لا تلومي ياهنه ... أنا ابن ثنتين وسبعين سنة
وقال آخر:
لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ... ونحن حرام مسي عاشرة شر
فقبلتها ثنتين كالثلج منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر
فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده وكان يستدل على ذلك بقولهم البنوة وكان غيره يذهب إلى ان الساقط من ابن ياء لأنه من قولهم بنى الرجل على امرأته يبني وكان بعض النحويين يجيز إن يكون الذاهب واواً وان يكون ياء وذلك رأي أبي اسحاق الزجاج وقولهم بنت يدل على أن أصل ابن فعل وقولهم بنون وبنات يدل على أن اصله فعل وقولهم أبناء يستدل به على انه ليس بفعل ساكن العين حملا على الأكثر من الكلام إذ كان جذع واجذاع وحمل وأحمال أشيع قي اللغة من زند وازناد وفرخ وافراخ وإنما تحمل الأشياء على ما كثر وليس لقائل ان يقول وكيف لا نجيز ان يكون اصل ابن والواحد من أثنين على فعل لأنا قد وجدنا ما يدل على كسر الأول وفتحه ودليلا ينبيء عن حركة الأوسط إذا فتح الأول وهو ان أفعالاً جمع فَعل وفِعل مثل جمل وزمن وِجذع وِحسل ويقوي مذهب من زعم ان الساقط من ابن الواو تشبه النحويين المتقدمين قولهم أشياء بقولهم أبينون من قول الشاعر:

(/)


زعمت تماضر أنني إما أمتيسدد أبينوها الأصاغر خلتي ومعنى تشبيههم أشياء بابينون ان الواو نقلت من أخر الاسم إلى أوله فصار وُبينون فقلبت الواو همزة لأنها مضمومة كما نقلوا الهمزة من شيئاء إلى أول الاسم فقالوا أشياء ولو قال قائل إنهم جمعوا أبناء على افعل كما قالوا جرو وأجر ثم جمعوه بعد ذلك بالواو والنون لكان مذهبا حسناً كما قال الراجز:
قد وردت إلا الدهيدهينا ... إلا ثلاثين وأربعينا
قليصات وأبيكرينا
فجمع أفعلا بالياء والنون وذلك في ابن أقيس لأنه لما يعقل وليس ألف ابن من ألف ابناء ولا أبينين في شيء لأن تلك همزة الجمع وهذه همزة وصل وقطعهم اياها في كل المواطن يدل على مخالفتها الهمزة في أول ابن وإذا قالوا ثنتان فالأقيس أن تكون التاء للتأنيث فأما بنتٌ ففي تائها قولان أحدهما أنها بدل من واو والآخر انها تاء التأنيث فإذا قيل ان تاءها تاء التأنيث فوزنها فعت وإذا قيل انها مبدلة من واوا وياء فوزنها فِعلُ والتأنيث في ثنتين أقوى لأنم قد دلوا على انه جاء مؤنثا على حد التذكير إذ قالوا اثنتان واثنتان ولم يقولوا اثنة ولا أدفع أن تكون تاؤه مبدلة من حرف علة وتاؤه أشبه التاآت بتاء بنت ودلوا بقولهم ابن وابنة على ان تأنيث ابن على حد التذكير إنما هو بقولهم ابنة ومن شأن تاء التأنيث ان يكون ما قبلها مفتوحا مثل طلحة وثمرة إلا أن يكون الفا فتسكن مثل ارطاة ومدعاة وهذه الألف وان كانت ساكنة فان حركتها الأصل إلا انه قد يجوز أن يشذ الحرف بعد الحرف لاسيما فيما غُير عن سبيل غيره كما شذ الكسر قبل هاء التأنيث في قولهم هذه ولم يحك عن العرب انهم قالوا ثن ولا ثنان ولا بنٌ في ابن فأما قولهم بناتٌ فدليلٌ على ان أصل ابن فعل فان كان من ذوات الواو فاصلها بنواتُ وان كان من ذوات الياء فالأصل بنيات وأما بنون فيدل على ان اصل ابن بنى ولأن الباء تنفتح وتتحرك النون فتجعل مثل رحى وعصاً ولا تُجعل مثل سبع وكتف لأن باب فَعَل أكثر من فَعُل وفَعِل، وهذا رأى المتقدمين.
ولو ذهب ذاهب إلى أن أصله فعِلُ أو فِعلُ لم يكن مخطئا وله في ذلك وجهٌ من القياس وذلك انهم إذا جعلوا أصل ابن بنى فجمعوه على ما يجب في الألف التي في مُثنى ومُعلى وجب أن يقولوا بنون كما قالوا مصطفون وكذلك الحكم في كل اسم آخره ألف مشورة تجري مجرى ألف رحى وعصا ولو سمينا رجلا رحى وعصا جمعناه الجمع السالم لقلنا رَحوْن وَعصون.
لو بنيا اسما على فعل من الغزو أو على فعل لقلنا في الجمع غزون فهذه حجة قوية لمن يعتقد إن أصل ابن فَعِلٌ أو فغل ووأنه يستعمل على باب شج وعم إلا إن المتقدمين أجازوا فيه التغير في جميع وجوهه لأنه جاء مخالفا للباب فيكون حذفه في القول الأخير كالحذف الذي يقع في قولك شجون وعمون إذا عنيت جمع شج وعم وهو في الباب الأول كيد ودم.
فأما اثنان إذا أردت أن تبني على وزنهما من ضرب فانك تقول اضران على رأي من يجيز ذلك لأن بعض النحويين يرى انه إذا قيل له ابن لنا اسما على وزن كذا مما لم تبن مثله العرب وجب أن تأتي بمثل ذلك البناء وإلى نحو من هذا ذهب سعيد بن مسعدة في بنائه الأعجمية التي لا فطير لها من كلام العرب فإذا قيل له ابن مثل إبراهيم واسماعيل من ضرب تكلف بناء ذلك فقال اضرابيب والخليل وسيبويه لا يريان ذلك فلاُ يبنى على مذهبهما من ضرب مثل اثنين لأن ضرب ليس يخه حرف معتل كما اعتل الحرف الذي في آخر اثنين ويقرب على قياس مذهبهما ان يبنى مثل اثنين من غزا وقضى فتقول اغزان واقضان وإذا أنثت قلت اغزتان واقضتان واكثر ما يحذف من أواخر الأسماء الناقصة الواو والياء لأنهما ضعيفتان.
وقد يجوز حذف الهمزة ويطرد في التخفيف فيقول هذا خَب وُجز وردوُّ ورأيت خبا وجزا وردا ومررت بخب وُجز وردد في تخفيف خب وُجزء وردء فيكون حاله كحال دم ويد إلا أنك إذا صغرت أو جمعت رَدَدْت ضرورة قال حسان:
ورهنتُ اليدين عنهم جمعيا ... كل كف لها ُجز مقسوم

(/)


ويحذفون الهاء من الأواخر لأنها خفية كما فعلوا فس سنة ويجوز إن يحذف أخد حر في التضعيف وكذلك يقول النحويون في رجل سُمي بان التي للجزاء ثم صُغر أنين فيزيدون حرفا من جنس الحرف الأخير وكذلك لو سموا بقد من قولك قد كان كذا قالوا هذا قُديد وكان الفراء يجيز فيما جُهل من هذا ان يجاء به على التضعيف أو يجعل المحذوف منه هاء أو ياء أو واوا وتقول في تصغير ان التي للجزاء إذا سمي بها أنين على أن المحذوف واو أو ياء وأنية على ان المحذوف حرف التضعيف وأنيُّ على أن المحذوف هاء وقال أبو صخر الهذلي في تخفيف التضعيف:
إذا اختصم الصبى والشيب عندي ... فأفلجتُ الشباب فلا أبالي
حلول الشيب ما لم أجن ذنبا ... يكون سواه أتوا حل حلاحل
يريد أتوحل حلال فخفف وقد كثر اجتراؤهم على تخفيف المشدد في قوافي في الشعر فيقولون معْد في معَدً وأضل يريدون أضل قال أبو دواد:
وشباب حسن أوجههم ... من اياد بن نزار بن نعد
فلا يجوز إن تكون الدال هاهنا إلا مخففة ومثله كثير فأما قولهم ابنم فانهم زادوا الميم في آخره وهم يتبعون ما قبلها حركتها فيضمون النون إذا كانت الميم مرفوعة ويفتحونها في حال النصب ويكسرونها في حال الجر ويجرونها مجرى امرئ في الوجوه الثلاثة فإذا ثنوا لزموا الفتحة لان الميم يلزمها الفتح بكونها قبل ألف التثنية وقال الكميت:
ومنا لقيطٌ وانماهُ وقعنبٌ ... مورث نيران المكارم لا المجني وقال الهذلي:
فلا اعرفن الشيخ يصبح قاعدا ... بأوحد لا مال لديه ولا ابنم
فالنون في هذا مضمومة لان الميم مرفوعةُ ويكسرونها في قول العجاج: ولم يلحها حزن على ابنم ويفتح في قول المتمس: أبى الله إلا ان اكون لها إنما وقياس النحويين يوجب أن يكون وزن ابنَم افعما ولو قيل إن ميمه بدل من الواو والتي في البنوة لكان قولا حسنا لان الميم تقاربُ الواو في الشفة ولانهم أبدلوا الميم من الواو في فمِ فوزن ابنم على هذا إفعل وتكون ميمه من نفس الحرف إلا أنها مبدلة من واو وتكون حاله كحال امرىء ومن ثني ابنما وجب ان يجمعه جمع السلامة فيقول ابنمون في الرفع وفي النصب والخفض رأيت ابنمين ومررت بابنمين قال الشاعر:
أتظلمُ جارتيك عقال بكرٍ ... وقد أوتيت مالا وابنمينا
فهذا ينشد بفتح النون وكسرها وقد يجوز ان يكونوا يقرون الفتحة فيه في الرفع والنصب والخفض كما قال بعضهم هذا امر أو رايت امر أو مررت بامرإ وأنشد الفراء:
بأبي امرأ والشام بيني وبينه ... أتتني ببشرى برده ورسائله
ولو صغرت ابنما على مذهب النحويين لقلت بني تحذف الميم في الوزن كحال ابن لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الميم زيدت فيه وأما امرؤ فالعرب إذا أدخلت الألف واللام حذفوا الهمزة فقالوا هذا المرء ورأيت المرء فإذا حذفوا الألف واللام جاؤا بهمزة هذا معظم كلامهم ويقولون هذا مرء فيضمون الميم في الرفع ورأيت مرءاً فيفتحونها في النصب ومررت بمرء فيكسرونها في الخفض واجود اللغتين إقرارها على الفتح لان الفرآء مجمعون على قراءة هذا الحرف بين المرء وقلبه. وقد حكي عن بعضهم بين المرء وقلبه بكسر الميم ووزن المرء الفعل وقد ثبت أن الراء تتحرك في قولهم أمرؤ فتبتع حركة الهمزة فيجوز أن يكون المرء مما فيه لغتان في الأصل فَعل وفَعْل مثل سطر وسطر ونهر وقالوا امرأة فلزمت الراء الفتحة فدل ذلك على إنها متحركة في الأصل فإما الميم فلا يجوز أن تكون ساكنة لأنها أول الكلمة وإنما طرأ عليها السكون فوزن امرأة افعلة فإذا حقرتها قلت مريئة مثل ما تصغر اكمة ونحوها وتحذف همزة الوصل كما حذفتها في بني وسمي وقول العامة امرأة ضعيف جدا إلا انه يجوز على قول من قال كلاك الله وهناك الطعام وإذا صغرت على قول من خفف قلت مرية كما تقول في حصاة حصية وإذا أدخلت الألف واللام قلت المرأة وقد حكى الفراء أن المعرب ربما جمعوا بين الألف واللام والهمزة وهو رديء وقلما يقولون رأيت مرأ صالحا وإنما يقولون زأيت امرءا وقد استعملوا ذاك قال الشاعر:
ولست أرى مرءأ تطول حياته ... فتبقي له الأيام خالا ولا عما

(/)


فإما الذين قالوا المو فشددوا فإنها لغة العرب إذا أرادوا تخفيف الهمزة القوها وشددوا الحرف الذي قبلها وقد قرأ بعض الناس ما يفرقون به بين المر وزوجه وتنسب هذه القراءة إلى الحسن ولو حقرت على هذه اللغة لوجب أن تردد فتقول مريء إلا ان يدعي مدع أن قولهم المر بتشديد الراء أصل آخر سوى المرء فيقول في التصغير مربر فإما تشديد الحرف الذي قبل الهمزة الملقاة فقد حكي ومنه قول الشماخ:
رأيت عرابة اللوسي يمو ... إلى الغايات منقطع القرين
واشتقاق المرء والله اعلم من المروءة والمعنى في ذلك أن المرء وهو الواحد من بني آدم يميز بفعله من أصناف الحيوان كما تقوا في فلان إنسانية أي يفعل أفعالا جميلة وكذلك قولهم فيه مروءة أي هو أمروء وهذا يحتمل وجهين أحدهما ان يكون أريد به في الأصل تفضيل ابن آدم على غيره من حيوان الأرض والثاني أن يكون أريد به التفضل في النية كما يقولون فلان رجل وقد علم ان الرجال كثير وأنه كغيره منهم وإنما اراد أنه ممن يحكم بالتفضل وهدا يشبه قولهم ما كل زيد زيدا ما كل عمرو عمرا وفي الحديث ان يهوديا رأى عليا عليه السلام يبتاع جهازا فقال له بمن تزوجت فقال بفاطمة بنت محمد (فقال اليهودي لقد تزوجت بامرأة فهذا على معنى التعظيم والخوصية كما قال الهذلي:
لعمر أبي الطير المربة بالضحى ... على خالد ان قد وقعن على لح
وأما دم فإن المحذوف منه ياء وبعض الناس يرى أن وزنه دمي على مثال ضرب وإنه مسكن الأوسط في الأصل ولا يلزم أنه محرك الأوسط لأجل قول الشاعر:
فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
لأن سيبويه إذا رد الساقط ترك الحركة اللازمة على حالها قبل الرد وكذلك رأيه في عدة وجهة إذا رد الواو يقول وعدة ووجهة ورأي أبي الحسن سعيد في مسعدة إن يقول وعدة ووجهة فيرد البنية إلى ما يجب من قبل الحذف وقال بعض النحويين دم أصله فعل وجعله كالمصدر لدمي يدمى دمى كما يقال عمي يعمى عمى ولِمى يلمى لمىً من لمى الشفة وهو سمرتها وسوادها وقد حكى أبو زيد أنه يقال دمى على مثال رحى فإذا صح ذلك فقد بطل الكلام وقد أنشدوا هذا البيت:
ولكن على أعقابنا يقطر الدَّما
على أن الألف أصلية ليست للاطلاق وأنشد أبو زيد:
كأطوم فقدتُ برغزها ... أعقبتها الغبس مُنه عدما
غفلت ثم أنت تطلبه ... فإذا هي بعظام ودما
فان كان هذا صحيحا فقد يجوز أن يستعمل الشيء ناقصا وتاما كما قالوا أبٌ وقال بعضهم أبا.
يد فعل بسكون العين واستدلوا على ذلك بقولهم أيد قاسوه على كلب وأكلب وشهد على أن أصله الياء قولهم يديت إلى الرجل ولو لم يُسمع يديت لوجب أن يكون الذاهب ياء لأنه لم يأت في كلامهم فعل ثلاثي أوله ياء وآخره واو وقد أتى ضد ذلك ما أوله واو وآخره ياء مثل وعيت وونيت ووقيت فوزن يدفع وقالوا يدي في الجمع فجاءوا به على مثل كلب وكليب وعبد وعبيد وأنشد أبو زيد لضمرة بن ضمرة:
فلن أذكر النعمان الا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعما
فقيل يدي جمع يد على مثال عبد وعبيد وأجاز الفراء ان يكون على مثال بردي وفروا إلى الفتحة من أجل الياء وأقيس من هذا ان يكون يدي فعيلا في معنى مفعول كأنه قال يديتُ الجميل فهو ميدى ويدي كما يقال مرمي ورمي وقالوا هوفي عيش يدى أي واسع فيجوز أن تكون بيت ضمرة من هذا أيضاً وكل ذلك يرجح إلى معنى واحد وأنشد الفراء:
جزاني يديي أنني كنت رُبما ... جفوت له في الزاد بعض عياليا
وحكى بعضهم يدى على مثال رحى وأنشدوا أبياتا تجوز ان تكون مصنوعة منها:
قد أصبحوا لا يمنحونك نُقرة ... حتى تمد اليهم كف اليدا
وقول الراجز:
يارب سار بات ما توسدا ... الاذراع العنس أو ظهر اليدا
فان صح ذلك فهو فعَلُ لا غير إلا أنه قد يجوز في الشيء لغتان فعْلُ وفعَل فأما قول الآخر: (1) رواه فى اللمسان:
يديان بيضاوان عند محرّق ... قد تمنعانك أن تُضام وتُضهدا

(/)


فمن أنشده بتحريك الدال يجوز إن يكون على مذهب من قال يدى على مثال رحى وعلى مذهب من قال يد يافتى لانه يجعل مثل قوله دميان في دم على رأي من زعم أن وزن دم فعلُ بسكون العين في الأصل فهذا مما حذفت منه الياء.
وأما الواو فحذفت من غد وقُلة وغيرهما وحذفها كثير وقالوا غد في معنى غد ومن ذهب إلى أن الرد يجب أن تقر معه الحركة ة لزمه ألا يجعل غدواً مردود غد ولكن يجعله لغة أخرى لأنه لو رد غدا على رأي من يقول أن دما فعل ويقول في تثنيته دميان لوَجب إن يقول غدا في وزن عصا فيقلب الواو ألفا لآن قبلها فتحة وهي طرف.
وأما الهاء فحذفها أقل من حذف الواو والياء لأنهم قالوا سنة وقالوا في تصغيرها سُنيهة وقالوا نخلة سنهاء إذا أصابتها سنة شديدة فدلوا بذلك على أنها من ذوات الهاء وقد ذهب قوم إلى أن المحذوف منها واو استدلوا بقولهم سنوات إلا أن الهاء تحذف لخفائها ولأنها تُجانس حروف المد واللين لأنهم يجعلونها وصلا في الشعر كما يجعلون الواو والألف والياء ويزيدونها في الوقف على معنى الاستراحة في أشباه كثيرة وقد أبدلت منها الياء في قولهم دُهديته وأصلها دهدوهة والدهدوهة ما دُحرج يقال دهدوهةُ الجُعل ودُهديته لما حرجه وشبهت الحاء بالهاء لأنها تقاربها في المجرى فحذفت في حرف واحد.