رسالة الملائكة القول في سيد وميتٍ
الترخيم لا يجب أن ترد به الآمثله إلى أصولها لأن الرد إنما يقع فراراً
من مجيء شيءعلى غير أمثله العرب وليس ذلك في سيدٍ وبابه لأن سيدا
وميتاً على وزن فيعل في رأي البصريين وزعم الرؤاسي أن أصله فيعل فنقل
إلى فيعل وهذا راجع إلى القول الأول وزعم الفراء أن أصله سويد ومويت
وكذلك يزعم في جميع هذه المعتلات وكأن مذهبه أن الواو سكنت وأدغمت في
الياء والإدغام يغير الأول إلى حال الثاني فأصل سيد على القولين
الأولين سيودٌ وأصله على القول الثاني سويدُ ثم نُقل إلى سويد والفراء
يعتل لمذهبه بقولهم طّيبٌ وطُياب فجاؤا به على فعيل وفُعال كما قالوا
طويلٌ وطوّال وأنشد:
إنا بذلنا دونها الضرابا ... لما وجدنا ماءها طُيابا
وقال الآخر:
جاء بصيد عجب من العجب ... ازيرق العينين طُوّال الذنب
(/)
وكل هذه المذاهب في الترخيم تجتمع على قول
واحد لأنهم إذا قالوا يا حار تركوه على حاله قبل الحذف فقالوا يا سيِ
ويا مي بكسر الياء وإذا قالوا يا حار ردوه إلى باب حي وطي فضموا الياء
فقالوا ياسيُّ وياميُّ وكلما قربت الياء من الطرف كانت أقوى وكان قلب
الواو اليها أوجه وذلك أنهم قالوا مَغزِيُّ وهو من الغزو ومجفي وهو من
الجفوة ولكن رخوا ضيونا إذا سموا به وحيوة إذا كان اسما لوجب إن يقولوا
في قوال من قال لا حار بالإظهار. ومن قال يا حار وجب أن يدغم لأنه ليس
في كلامهم مثل ضيو وحيو لأن الواو تضعف في الطرب إذا كانت على هذا
المثال وكنت تقول يا ضي أقبل ويا حي أقبل وهذه أسماء فيها الياء تذكر
مع سيد وميت إذا كانت لها حكم في الترخيم فمن ذلك أنهم لو رخموا صايداً
وهو فاعل من صيد البعير وهو داء يصيبه في رأسه لقالوا يا صاي في قول من
قال يا حار ومن قال يا حار فانه يخرجه إلى باب الأسماء التي لم يُحذف
منها شيء فيقول يا صاءُ فنقلب الياء همزة لأنه يجعل الألف كأنها من نفس
الحرف فتخرجها إلى باب ما اعتلت علينه ولامه همزة مثل حاء وبابه ويجعل
الهمزة في هذا كالأصلية لأنه إذا قال يا حارُ فالألف قد صارت عنده مثل
العين وليست كالزائدة فهو حينئذ على وزن باب وجار لأنها لو كانت زائدة
لكان على مثال فاع ولو جمعته لقلت أحوار كما كنت قائلا في حار وباب ولك
في صايد وجه آخر وهو إن تخرجه إلى باب آي وغاي فتقر الباء على حالها
وتجعل الألف معتلة ولا تقلب الياءُ مخافة إن تجمع بين علتين كما فعلت
ذلك في آية وبابها ولو قال قائل لا يجوز ترخيمه في قول من قال يا حار
لكان قد ذهب مذهباً لانه إن أقر الياء فقد اثبت ياء قبلها ألف زائدة
قلبها فكأنه قد أعل العين بالقلب إلى الألف والياء بالقلب إلى الهمزة
فأما معايش لو سميت بها ثم رخمتها على قول من يقول يا حار لقلت يامعاءُ
فقلبت الياء همزة لأن الألف زائدة إلا أنك تخرجها إلى باب مفعل مثل
مجاء من جاء ولا يجوز أن يجمع بين علة الألف وعكلة الياء فان جعلت
الألف زائدة فقد أخرجتها إلى باب فعال وجعلت الميم من معايش أصلية
ولولا ذلك لم يجز القلب في الياء لأنك لو قلبتها واعتقادك في الألف
أنها كألف مفعل إذا قلت مفاء ومجا ولكنت قد جمعت بين علتين في العين
واللام فخرجت إلى ما كرهوه في آية وغاية والقول في معايش كالقول في
صايد ولو جمعت سيدا جمع التكسير لقلت سيائد فهمزت لاجتماع ياءين بينهما
ألف وكان بعض النحويين المتقدمين يرى ألا يهمز في هذا الباب فمن همز
فانه يقر الهمزة على حالها في الكسر ويضمها في قول من قال يا حارُ وكان
رأيه ألا يهمز فانه إذا قال يا حارُ همز ولا تخلو في هذه الأسماء من أن
تجعل الزائد كالأصلي لأنك إذا قلت سيائد فوزنه فياعلُ فإذا رخمت في قول
من قال يا حارُ فقلت يا سياء فلا يخلو من أحد أمرين إن زعمت أنك أخرجته
إلى باب فعال فقد جعلت الماء الزائدة أصلية وإن قلت هو فياع فقد أخرجته
إلى بناء مستنكر لا يعرف مثله في الأوزان العربية الا أن يكون نادرأ
والأصل في سيائد سياود على رأي من قال انه فيعل ومن زعم أنه فعيل فاصل
سيائد عنده سوائد وكأن الهمزة إذا قيل إن أصله سويد يكون مثل همزة
عجائز لأن الياء زائدة وإذا قيل إن الياء هي المنقلبة عن الواو التي في
سيود فهي أصلية وليس همزه إذا قيل سيائد على منهاج همزه إذا قيل إن
الأصل سويد لأن الهمز وقع هاهنا لأجل اجتماع حروف العلة التي جرت
عادتها بالتغيير وأقرت الياءُ على حالها ليكون الجمع على منهاج الواحد
ولو ردت إلى أصلها لقيل سياود. وعجائز ولا يجوز إن تجعل همزتها ياء على
رأي سيبويه ولكن في تجعل همزتها بين بين وحكى أبو عمر الجرمي إن ذلك
جائز وقد حُكي همز مدائن وهو إلا كثر وحُكي الهمز فان كانت من مدن فلا
كلام فيه وان كانت من دنت ة كص فهزها رديء كهمز معايش وإذا قيل إن
مدائن من المدن ووزنها فعائل وإذا قيل انهما من دنت فهي جمع مدينة
والميم زائدة فإذا قيل أن اصلها على مديونة ففيها القولان المعرفان
أحدهما رأي الخليل وسيبويه أن المحذوف واو مفعول فمدينة عندهم مفعلة
ومدائن مفاعل والآخر رأي سعيد بن مسعدة وهو أن المحذوف الياء الأصلية
ويعتل في ذلك بان الأصل مديونة فسكنت الياء لأن ضمتها القيت على الدال
استثقالا للضمة عليها وحولت ضمة الدال
(/)
كسرة لتصح الياء أو سكنت الدال والياء
فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما ساكنتان فحذفت
الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة على رأيه مفولة
وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن مداين على هذا
مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا كانت من دنت
فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا بالضم في قول
من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله لأنك إن جعلت
الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية أخرجته إلى باب
تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية جعلت همزته
كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم إذا حملت
هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من ترخيم على
قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام وحلبوي
ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد النهب إلى
ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك يا قاضي
أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه في الأصل
ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت الياء
لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي إحدى
ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء الأصلية
وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن قال يا
حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع لازم إلا
أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو ذهب ذاهب
إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهباً. رة لتصح الياء أو سكنت
الدال والياء فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما
ساكنتان فحذفت الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة
على رأيه مفولة وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن
مداين على هذا مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا
كانت من دنت فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا
بالضم في قول من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله
لأنك إن جعلت الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية
أخرجته إلى باب تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية
جعلت همزته كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم
إذا حملت هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من
ترخيم على قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام
وحلبوي ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد
النهب إلى ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك
يا قاضي أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه
في الأصل ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت
الياء لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي
إحدى ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء
الأصلية وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن
قال يا حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع
لازم إلا أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو
ذهب ذاهب إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهباً.
(/)
فأما قيوم فانك إذا رخمته في الوجهين
جميعاً جئت به على لفظ واحد إلا إن الضمة مختلفة لانك إذا قلت ياقي في
قول من قال يا حار فالضمة للبناء كالضمة وهي التي كانت في قيوم وإذا
قلت ياقي في لغة من قال يا حار فالضمة للنداء كالضمة في قولك بازيد
وطرأت على الضمة الأصلية فزالت تلك وصارت هذه في موضعها وهذا يشبه قولك
قنديل هي غير الكسرة التي في قناديل ويلك على ذلك إن الدال في قناديل
وما كان مثلها مما يقع موقعها لو كان مضموما أو مفتوحاً لم يكن له بد
من الكسر في الجمع فلو جمعت سرداحاً لقلت في الجمع سراديح وكسرت الدال
ولو جمعت قردودا لقلت في الجمع قراديد فحولت الضمة والفتحة إلى الكسرة
لأن ما بعد الألف من هذا الجمع لا يكون إلا مكسورا وحكها في ذلك حكم ما
بعد ياء التصغير فإذا قلت زبرج ثم قلت في تصغيره زبيرج فكسرة الراء في
التصغير غير الكسرة التي كانت في زبرج لانك إذا جمعت شيئا على هذا
الوزن والذي في موقع الراء منه مضموم أو مفتوح فانك تكسره لا غير فتقول
في درهم دريهم وفي جلجل جليجل وكذلك حكم أول جمع التكسير وأول المصغر
فإذا قلت مساجد فالفتحة في الميم غير الفتحة التي كانت في مسجد لانك لو
جمعت مخدعا أو مفتحا لقلت مخادع ومفاتح ففتحت وكذلك ضمة سدوس فيمن ضم
السين إذا اردت به الطيلسان هي غير الضمة في تصغيره إذا قلت سديس لانك
لو صغرت عروساً وذراعا وقلت عريس وذريع فضمت ولو رخمت أبياً في قول من
قال يا حار لقلت يا أبي اقبل فحذفت الياء التي هي آخر الاسم وأقررت
الياء التي قبلها على حالها ومن قال يا حار قال يا أبا فقلب الياء
ألفاً لان الياء لا تقع طرفاً وقبلها فتحة في الأسماء ومن كان من لغته
أن يقول في الوقف هدي ورحي ويصل على ذلك فاله يجوز إن يقول في الترخيم
يا أبي لانه إذا كان يقلب فيما لم تجر العادة فيه بالقلب فاقراره هذه
الياء أولى من قوله هدي إذا وصل ومن ذلك القراءة التي تروى عن أبي
إسحاق فمن تبع هُدي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون هذه على لغة من قال هدي
وعال هذا ينشد قول أبي ذؤيب:
تركوا هَوَيَّ واعنقوا الهواهم ... فَتُخُرِّموا ولكل جنب مصرع
ولو أنشد هواي لم يكن بالوزن باس والاستشهاد بالشعر على نوعين أحدهما
لا مزية فيه للمنظوم على المنثور والآخر يكون حكم الموزون فيه غير حكم
ما نُثر فالضرب الأول كبيت أبي ذؤيب الذي مر وكقول الآخر:
أنا ابنُ التارك البكريّ بشر ... عليه الطير ترقبهُ وقوعا
فخفض بشر ونصبه لا فضلية فيه للوزن وكذلك خفض البكري ونصبه لأنه قويم
في الحالين ومثله كثير. والضرب الآخر هو الذي يكون الوزن إن غير عما
استشهد به عليه لحقه إخلال كقوله:
ألا مَن مبلغُ الحرين عني ... مغلغلةً وخُص بها أبيا
يُطوّفُ بيِ عكبُّ في معد ... ويطعنُ بالصملة في قفيا
فهذا لا يمكن إلا على لغة من قال قفى.
ولو رخمت حسينا وعبيدا لا جريتهما مجرى أبي فى الوجهين وكذلك سهيل وفي
السماء النجم المعروف بهذا الاسم اذا رخمته على قول من قال يا حارُ صار
اسم نجم آخر فيكون اذا رخمته كأنك ناديت النجم الآخر على كماله فتقول
اذا رخمت على لغة من ضم يا سُهى أقبل فكأنك ناديت السهى النجم.
ولو رخمت أعين إذا كان أسماً لقات في قول من قال يا حار يا أعي فجعلت
إلهمزة في أعين كظاء ظبي وأعيُ أفع في الحقيقة ولو رخمت أسيد لقلت في
قول من قال يا حار يا أسيّ وفيمن قال ياء حار يا أسي والاقيُس في
الهمزة أن تجعلها بمنزلة فاء الفعل ليخرج إلى بناء يكثر.
(/)
ولو رخمت هبيخا إذا سميت به هو الوادي الواسع لقلت يا هبي وزن هبيخ
فعيّل وكنت تخرجه إلى باب معدٍ وقد حكى يبويه عن أبي الخطاب آنهم
يقولون للصبي هي فهو فعل وإلى مثل ذلك كنت تُخرجُ مرخم هبيخ لأن فعيا
بناء مستنكر ولاجل استنكار البناء كره النحويون إن يخففوا ما نُسب إلى
مهيم وهو اسم الفاعل من هيمت وهذا باب ويتسع ولو طولب النحويون بالثبات
على البناء المعروف لضاق عليهم كثير من الأشياء لأنهم قد أخرجوا ميا
إلى بناء مستنكرواذا قالوا في النسب ميتي فخققوا فهو أيضا بناءُ مستنكر
ومن قال إما أن يكون الذي حذف هو الواو الأصلية فيكون البناء قد صار
على مثل فيْل وهذا بناء متنسكر وإما أن يكون المحدوف هو الياء الزائدة
ثم استثقلت الكسرة على الياء التي أصلها واوفسكنت وخشي عليها القلب إذا
أقرت حركتها وقبلها فتحة وهذه دعوى لا تصح والقول الأول أقيمس ومن زعم
أن سيدا فعيلٌ ثم قال سيدُ فخفف فانه إن كان حذف الياء التي اصلها
الواو فقد بقي البناءُ على فيل أيضا وهو راجعُ إلى مثل القول الأول ولو
رخمت رجلاً اسمه إربيان وهو ضربُ من السمك لأقررت ياءه في قول من قال
ياحار على الفتحة وسكنتها في قول من قال يا حارُ كما سكنت ياء أظب
ونحوه. |