رسالة الملائكة القول في قراءة ابن
عامر على ما حكى في بعض الروايات من قوله أفئيدة
(/)
اختلف أهل العلم في مستنكر القراآت فكان
بعضهم يجترئ على تخطئة المتقدمين وكان بعضهم لا يقدم على ذلك ويجعلُ
لكل شيء وجهاً وإن كان بعيداً في العربية واحتج من أجاز غلط الرواة بأن
الذين نقلوا كان فيهم قوم قد أدركوا زمن الفصاحة فجاؤوا بها على ما يجب
وقوم سبقتهم الفصاحة ولم يكن لهم علم بقياس العربية فلحقهم الوهم الذي
لا يتعرى منه ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفئيدة بناء
مستنكر لم يجيء مثله في الآحاد ولا في الجموع ولم يحك سيبويه ولا غيره
فيما أعلم شيئاً على مثال أفعيلة بفتح الهمزة ولا على مثال أفعيل إلا
ما روي في قراءة الحسن من أنه كان يفتح همزة الإنجيل وهذا في الشذوذ
يشبه قراءة ابن عامر هذه والإنجيل قد وافق ألفاظ العربية فان كان له
فيها حظ فقد زعموا أن اشتقاقه من قولهم استنجل الوادي إذا ظهر فيه نجلُ
وهو الماء المستنقع ويجوز أن يكون اشتقاقه من النجل وهو الولد كأن هذا
الكتاب ولد للكتاب المتقدمة وقد جاءت الألفاظ كلها يشبه أن يكون
الإنجيل مشتقا منه لأن النجل السعة في العين فيجوز أن يكون هذا الكتاب
سعة في الدين وكذلك قولهم نجلت الإبل الكمأة إذا استثارتها بأخفافها
فيجوز أن يكون الانجيل استثير من العلم القديم وكل نون وجيم ولام في
العربية وان أتسع ذلك لا يمتنع أن يكون اشتقاق الإنجيل منه وقيل
الإنجيل الأصل وهو م جائز عليه أن يكون أعجمياً وافق ألفاظ العربيةوذلك
به أشبه كما أن يعقوب اسم النبي (لا يحمل على انه مأخوذ من اليعقوب
الذي هو ذكر الحجل وأما فتح الهمزة في إنجيل فمل يقول بعض الناس أنه
غلظ، لأنه لا قياس له ولم ينقل مثله في الشعر الفصيح ولا الآثار
الثابية. وأما أفئيدة فان أنها قرأ بها موثوق به في الفصاحة فإنها
والله أعلم أفئدة في الأصل كما قرأت الجماعة ثم ريدت الياء بعد الهمزة
لأن الكسرة فيها الازمة فتكون هذه الفراء مشاكلة لقراءة من قرأ فذانيك
بُرهانان وزيادة الياء في أفئيدة منها في ذانيك لأن نون التثنية ليست
ثابتة كثبات غيرها من حروف الاسم اذ كانت تسقط في الواحد وفي الاضافة
وقد وجدنا العرب زادوا الألفات والياءآت والواوات وقد حملوا قراءة كثير
إنه من يتقي ويصبر على أن الياء التي بعد القاف حدثت لتمكين الكسرة
كأنه كان أنه من يتق ويصبر كقرإءة الجماعة ثم زيدت الياء لأجل الكسرة
وإلى هذا الرأي ذهب الفارسي فأما المتقدمون فكانوا يحملون هذا على أنه
من رد الأشياء إلى أصولها فالياء في يتقيعلى رأي من تقدم هي أصلية
لأنها لام يفتعل وعلى قول الفارسي تكون زائدة وعلى هذين القولين يجرى
قول الشاعر:
ألم يأتيك وإلأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
ويقوي قراءة ابن كثير إن قراءة الجماعة اجتمعت فيها متحركات أربعة وهي
التاء الثانية من يتق والقاف والواو والياء وهم يستثقلون الجمع بين
متحركات في هذا العدد ولذلك لم يجئ توالي هذه العدة من المتحركات في
الشعر الاعند زحاف وليس في أصل أبنيتهم أن يجتيء مثل ذلك فأما قولهم
عُلبط وهو الغليظ والكثير يقال قطيع من الغنم عُلبط إذا كان كثيراُ
مترا كبا وهُدَبدُ وهو العشاء في العين ويقال هو اللبن الغليظ وما كان
مثلهما جاء على حذف والاصل عُلاِبطُ وهُدضابدٌ وقد زادوا الياء للزوم
الكسرة في مواضع كثيرة قالوا سواعيدُ في جمع ساعدٍ وإنما المعروف
سواعدُ قال التغليُّ:
وسواعيد يختلين اختلاء ... كالمغالي يطرن كل مطير
يختلين يقطعن مثل ما يختلي الزرع والمغالي السهام التي يغلي بها أي
يرمى بها فهذه ضرورة وأنشد الفرآء قول زهير:
عليهن فرسان كرام لباسهم ... سوابيغ زغف لا تخرقها نبل
(/)
فهذه زيادة بغير ضرورة لأنه لو حذف الياء
لم يضر بالبيت وكذلك قولهم حواجيب في جمع حاجب وتوابيل في جمع تابل هو
من هذا الباب وقياس قول الفراء انك إذا قلت فواعل كان دخول الياء فيه
أصلح من دخولها في غيرها لأنه قد جاء فاعول في معنى فاعل كقولك رجل
حاطوم وقاشور ويجب على قياس قوله أن يكون دخول اليآء في مثل مذاود أقوى
منها في فواعل لأن مفاعل ومفاعيل تشتركان كثيرا ولأن مفعلاً مقصور من
مفعال وقولك في منخير أقوى من قولك في مسجد لأن مفعيلاً قد كثر محو
المعطير والمحضير ومفعيل قليل على إن الفراء قد حكى مسكين بفتح الميم
في كتاب التثنية والجمع وحكى أبو مسحل منديل في منديل وهذه نوادر لا
يطرد عليها القياس وقولنا مفاعيل في مفاعل عند الضرورة أقوى من قولهم
افاعيل في أفاعل إذا كانت أفاعل جمع افعل مثل أحمر وأحامر لانه لا يجيء
مثل افعال في الواحد إلا وهو يراد به الجمع فمن باب أفئيدة قول عبد
مناف بن ربع الهذلى:
وللقسي أزاميل وغمغمة ... حسن الشمال تسوق الماء والبردا
فازا ميل جمع ازمل وهو الصوت وإنما القياس أزامل وقولهم في الضرورة
ازانيد أسوغ من قولهم أزميل لانهم قالوا زند وازند وجاء أزناد فاذا قيل
أزنيد كان على ازناد وإذا قيل ازاند وهو الوجه كان على ازند قال ابو
ذؤيب:
اقبا الكشوح أهضمان كلاهما ... كعالية الخطي واري إلازاند
ومن هذا البيت الذي أنشده سيبويه:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهم تنفاد الصاريف
فهذا البيت ذكره في ضرورة الشعر والأشبه أن يكون المراد به زيادة الياء
في التصاريف لأن الواحد صيرف والباب صيارف كما انك إذا جمعت جيدا وهو
القصير قلت جيادر ومن روى الراهم فانه يحتمل وجهين احدهما لن يكون من
باب سواعيد وهو اقواى منه لان فعلالا كثير ويجوز إن يكون على قول من
قال درهام فان كان درهام نطقوا به في غير الضرورة فليس في قول الفرزدق
الداهيم شيء يحمل على الاضطرار لأن الباب على ذلك كما تقول عرزال
وعرزازيل وقناطر وقناطير وان كانوا لم يقولوا درهام اللا في الضرورة
كما قال الراجز:
لو إن عندي مائتي درهام ... لابتعت داراُ في بني حرام
وعشت عيش الملك الهمام ... وسرت في الأرض بلاخاتام
فأن دراهيم يجوز أن يشبه بما ذكره النحويون من الضروة التي يلتزمها
الشاعر خشية النقص على الوزن وان لم يكن استعمال غيرها مخلاً بالنظم
كما أنشدوا للهذلي:
أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط
فزعموا أنه فتح الياء للضرورة ولو قال على معار فاخرات لم يخل بالبيت
وانما كان ينقصه حركة لا يشعر بها في الغريزة ولا تعدم قصيدة من قصائد
العرب والمحدثين اذا كانت على وزن يبت الهذلي الذي قافيته العباط إن
تجيء فيها مواضع كثيرة قد حذفت منها الحركات والأبيات قويمة في الغريزة
ومما زادوا فيه الياء كما زيدت في أفئيدة قولهم شيمال في شمال وبعضهم
ينشد بيت امرئ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... دفوف من العقبان طأطأت شيمالي
يريد شمالي وأما قول الراجز:
لا عهد لي بالنيضال ... كأنني شيخ بال
فانه أراد النضال فزاد الياء وهذا مردود إلى الأصل فهو اقوى من أفئيدة
لأنك إذا قلت قاتلتُ وضاربت فأصل المصدر أن يجيء على فيعال مثل ضيراب
وقيتل ليكون على عدة مصادر ذوات الأربعة بالزيادة وغير الزيادة نحو
الإكرام والدحراج والكذاب وأما زيادتهم الألف فكقولهم العقراب في
العقرب وهذا رديء لأنه يخرج إلى بناء مرفوض وانما يجييء فعلال في
المضاعف مثل الزلزال والبلبال، والسلسال وقد جاء منه حرف واحد في غير
المضاعف قالوا بالناقة خزعال أي ظلع وحكم الضرورة ليس كحكم غيرها في
الأبنية ألا تراهم يقولون فعل لم يجيء منه إلا شيء قليل مثل إبل وإطل
للخاصرة وبلز وهي المرأة الضخمة في أشياء نوادر ولا يعتدون بقولهم في
الضرورة دبس وبكر يريدون الدبس والبكر في أشباه لهما كثيرة قال أبو
زبيد:
فنهزة من لقوا حسبنهم ... أشهى اليه من بارد الدبس
وقال أوس بن حجر:
لنا صرخةٌ ثم إصماتةُ ... كما طرقت بنفاس بكر
وقال الراجز في العقراب:
(/)
أعوذ بالله من آل العقراب ... المصغيات
الشايلات الأذناب
وقد ادعى قوم أن قولهم استكان إنما هو من استكن أي افتعل من السكون ثم
زيدت عليه الألف وهذا نقص للقياس لا يجوز أن يذهب اليه ذاهب عرف أصول
العربية لأنهم لم تجرعادتهم بمثل ذلك ولو فعلوه في موضع لم يجعلوه أصلا
يقاس عليه وقد قالوا يستكين ومستكين قال ابنُ أحمر:
ولاتصلي بمطروق إذا ما ... سرى في القوم أصبح مستكينا
وإنما استكان الستفعل ومُستكين مستفعل وهوه مأخوذ من قولهم كان كذا
وكذا أي المسكين كأنه شيء قد كان أي ذهب ومضى ويجوز أن يكون مأخوذا من
الكين وهو لحم الفرج يراد أنه قد ذل وضعف كأنه قد صار من ذلك فاذا كان
من الكون فألفه منقلبة من الواو وإذا كان من الكين فهو من ذوات الياء
واستكان على القول الذي حُكي وزنه افتعال ويستكين وزنه افتعال ويستكين
وزنه يفتعيل ومستكين ونه مفتعيل وهذه أبنية مستنكرة وإنما يستعمل مثلها
في الضرورة فأما في عمود اللفظ فلا يجوز أن تقع وقد روي أن الحسن قرأ
واعتدت لهن متكآءً بالمد فهذا مُفتعال وهو يضاهي في الألف باب افئيدة
في الياء ومن مفتعال المستعمل في الضرورة قول الشاعر أنشده الفارسي:
وعن شتم الرجال بمنتزاح
يريد بمنتزح وما أعتقد أن شاعراً قوياً في الفصاحة يريد مثل هذه
الزيادات وإنما هي شواذ ونوادر وقد ينطق بها غير فصيح لأن البيت إذا
قاله القائل حمله الراشد والغوي وربما أنشده من العرب غير الفصيح فغيره
بطبعه الرديء ومن زيادة الألف على رأي أبي علي قول الراجز:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق
فهو يرى أن هذه الألف زيدت بعد الجزم وليست الألف التي في قولك هو
يترضاها والمذهب القديم أن الألف هي الأصلية لأن ردهم الأشياء إلى
أصولها عن الضرورات أشبه من اجتذاب ما يستحدث من الزيادات وعلى هذا
يجرى القول في بيت عبد يغوث إن وقاص:
وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ... كأن لم تريْ قبلي أسيرا يمانيا
فمن روي تري على المواجهة فلا ضرورة في البيت ومن روى ترى على الغائب
المؤنث فهو مردود إلى الأصل على القول المتقدم والألف فيه هي الياء
التي كانت في رأيتُ وهي من نفس الحرف وهي على رأي الفارسي مجتلبة لأنجل
فتحة الراء والقول الأول أقيس لأنهم قد ردّوا الأشياء إلى أحكامها في
أصول الأبنية كما قالوا رادد في راد وقاضي في قاض فاذا فعلوا ذلك جاز
أن تلحق الألف بالهمزة، كما قان الشاعر:
وكنت أرجي بعد نعمان جابرا ... فلوّأ بالعينين والألف جابر
وإنما هو لوى بعير همز فكأنه قال لوّى فلم يستقم ذلك فعدل إلى الهمزة
لمجانستها الألف.
وأما زيادتهم الواو لأجل الضمة فكقولهم القرنفول قال الراجز:
خود أناة كالمهاة عطبول ... كأنما نكهتها القَرَنفُزل
ويقال إن طيئا تقول أنظور في معنى أنطر وقد أنشد الفراء:
لو أن عمراً هم أن يرقودا
يريد يرقد ويجب أن يكون من هذه اللغة قول الوليد بن يزيد:
إني سمعت بليل ... نحو الرصافة رنه
خرجت اسحب ذيلي ... أنظور ماشأ نهنه
وقد ينشد أنظر بغير واو ذلك كسر في البيت.
وأما قول من يحتج لأفئيدة أنها من الوفود فلا فائدة فيه لأنها لا تخرج
بذلك إلى وجه محتمل وإنما جعلها رديئة كونها في وزن مستنكر فمن أي شيء
اخذت على ذلك فهي مستكرهة وليس معنى القراءة إذا كانت بالياء
إلاكمعناها بغير ياء وإذا جعلوا أفئيدة من الوفود لزمهم في ذلك أشياء
أولها، أنهم همزوا واو وفود لضمتها همزا لازما جمعوها على أفعلة لأن
فعولاً وفعالاً قد يجمعان على أفعلة اما فُعول فيشبه بفعول مثل عمود،
وأما فعال فيسبه بحمار وبابه، وقد قالوا استرة في جمع ستر كأنه جمع
ستور أو ستار وقالوا افرخة في جمع فرخ كأنه جمع فروخ أو فراخ فهو جمع،
فال الشاعر:
أفواه أفرخة من النغران
(/)
فكأنهم قالوا أفود أو وفادٌ على مثل كعب وكعاب ثم همزوا الواو في وفاد
للكسرة ثم جمعوا ثانية فكان القياس أن يقولوا آفدة، كما قالوا إناء
وآنية وإهاب وآهبة ثم كرهوا أن يجيئوا بأفعلة التي للجمع في لفظ فاعلة
فأخروا الهمزة، كما قالوا رآء ورأى فقالوا أفئدة ثم زادوا الياء بعد
ذلك لمكان الكسرة، كما زادوها فيما تقدم ذكره وإذا جعلوا أفئيدة في
معنى أفئدة جمع فؤاد فقد استغنوا عن هذا الاحتيال فى الهمزة وتغييره
وتكون العلة واحدة في زيادة الياء للكسرة، وقد روى عطاء بن أبي زباح عن
عبد الله بن عباس في قوله تعالى أفئدة من الناس تهوي اليهم ما يدل على
أنه جمع فؤاد لأنه فسر تهوي تحن وهذا هو قياس التفسير ويجوز أن يكون
قوله أفئدة يراد به أصحاب الأفئدة ثم حذف كما يحذف المضاف ومثله في
القرآن كثير كقوله واسأل القرية ونحوه وكقول الشاعر:
حسبت بغام راحلتي عناقاً ... وما هو ويب غيرك بالعناق
أراد بغام عناق ولو كانت أفئيدة كلمة موحدة لجاز إن يكون اشتقاقها من
الأفد وهو السرعة إذ كانوا قد قالوا هو افد أي عجل، وقد افد البين أي
حان قال ابن أبي ربيعة:
يا أم طلحة إن البين قد أفدا
فكان يكون معناه جماعة عجلة وهو على انه جمع لا يمتنع من مثل هذه
الدعوى وكونه من إفد أقيس من كونه من الوفود لأنه إذا كان من أفد نقص
رتبة في التغيير لأن الهمزة فيه غير منقلبة. |