شرح أبيات سيبويه

اسم (ليس) ضمير الشأن
قال سيبويه قال حميد الارقط - وكان يهجو الضيف إذا نزل به، وهو من المذكورين بالبخل وبغض الأضياف النازلين. وأراد قوم النزول به، فأراد دفعهم وصرفهم، فقالت له امرأته: يا فلان عندنا جلة هجرية قد قحلت، وما أظنك لو ألقيتها إليهم نالوا منها طائلا فكنت قد قريتهم. فاحتملها فألقاها إليهم وهو يظن أنهم لا يريدون أكلها، وكانوا جياعا فأكبوا عليها إكبابا شديدا. فساءه ما رأى من شدة أكلهم، وقال لهم: أن هاهنا أيتاما فدعوا لهم منها شيئا، فأمسك القوم.
فلما كان السحر أيقظهم للرحلة، ثم ساق وهو يقول:
ومُرمِلين على الأقْتابِ بَزُّهُمُ ... مَدارِعٌ وعَباءٌ فيه تفنينُ
باتوا وجُلَّتُنا الشِهْريزُ بينَهُمُ ... كأنَّ أظفارَهُمْ فيها السّكاكينُ
(وأصْبَحوا والنَّوَى عالي مُعَرَّسِهمْ ... وليس كلَّ النَّوى يُلقي المساكينُ)
الشاهد فيه إنه نصب (كل) بـ (يلقي) وفي (ليس) ضمير الأمر والشأن، و (المساكين) رفع لأنه فاعل (يلقي) والمرمل: الذي لا زاد معه، والاقتاب: الرحال،

(1/122)


وبزهم: ما عليهم من الثياب، والمدارع: جمع مدرعة ومدرع وهو سبيح من
صوف، والمعرس: الموضع الذي نزلوا فيه. وقوله: والنوى عالي معرسهم، يريد أنهم أكلوا التمر وتركوا النوى في الموضع الذي أكلوا فيه.
وقوله: وليس كل النوى يلقي المساكين، يريد أن من كان شديد الجوع محتاجا إلى الطعام وليس معه ما ينفقه؛ فينبغي له أن يأكل التمر مع النوى، ليشبع عن قرب، ولا يأكل تمرا كثيرا. أراد حميد أن يأكل أضيافه التمر بنواه ولا يلقوا منه شيئا.

في عمل اسم الفاعل
قال سيبويه في باب اسم الفاعل. وقال عمر ابن أبي ربيعة:
وكم مِنْ قتيلٍ لا يباءُ به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رَهْنٍ إذا لَفَّهُ مِنَى
(ومن مالئ عَيْنَيْهِ من شَيِْ غَيْرهِ ... إذا راحَ نحو الجَمْرَةِ البِيضُ كالدُّمَى)
ذكر أن ابنة لمروان حجت، فلما أن قضت نسكها، أتت عمر

(1/123)


بن أبي ربيعة وقد غفلت نفسها في نساء معها، فحدثها، فلما انصرفت اتبعها، فعادت إليه بعد ذلك فأثبتها فقالت له: لا ترفع الصوت في شعرك، وبعثت إليه بألف دينار فقبلها، ثم اشترى لها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا، فأهداه إليها، فردته، فقال: إذن والله انهبه فيكون مشهورا، فقبلته ثم انصرفت، فقال شعرا، فيه ما تقدم إنشاده.
قوله: وكم من قتيل لا يباء به دم، يريد قتيل الهوى لا يباء به دم، ولا يقتل قاتله. من غلق، الغلق: الذي قد حصل للمرتهن فلا يرده، وأراد: من رهن غلق فقدم، وجعل (الرهن) بدلا من (غلق). يريد: كم من رهن غلق لا يرد على صاحبه، وعنى به: ما يأخذه المحبوب من قلب المحب بمنزلة الرهن الذي قد استهلك فلا يرد.
و (من مالئ عينيه من شيء غيره) يريد من النظر إلى نساءهن لغيره، ليس له فيهن نصيب، والدمى: الصور، الواحدة دمية.

إجراء القول مجرى الظن
قال سيبويه في: باب ظننت قال عمر بن أبي ربيعة:
قال الخليطُ غدا تَصَدعُنا ... أو شَيْعَهُ فمتى تُوَدَّعنا
(أما الرَّحيلُ فدونَ بعدِ غدٍ ... فمتى تقولُ الدارَ تَجْمَعُنا)

(1/124)


الخليط: الجيران الذين يخالطون القوم في الموضع الذي هم نزول فيه، والتصدع: التفرق، وشيع الشيء: ما يتلوه. وقوله: (أما الرحيل فدون بعد غد) يريد أنها قالت له بعد أن قالت (غدا أو شيعه): أما الرحيل فدون بعد غد، كأنها قالت: نرحل غدا أو بعد غد، ثم قالت: بل نرحل غدا، وغد قبل (بعد غد) كأنها أرادت أن تعرف كيف حاله إذا دنا رحيلها، وكيف حزنه على فقدها.
الشاهد في عمل (أتقول) كعمل (أتظن).

جعل الاسم بمنزلة الظرف
قال سيبويه: وتقول: ذهب الشتاء وتصرم الشتاء وسمعنا الفصحاء يقولون: انطلقت الصيف، أجراه على جواب متى، لأنه أراد أن يقول: في ذلك الوقت، ولم يرد العدد. يعني أن ما كان واقعا من الظروف لعدد؛ فهو جواب (كم)، وما كان على وقت بعينه؛ فهو جواب (متى). وزعم أن الشتاء والصيف في جواب (متى) بمنزلة يوم الجمعة ويوم الخميس وما أشبه ذلك.
قال أبو دؤاد:
فنهَضْنا إلى أَشَمَّ كصدر الرّ ... رمح صَعْلٍ في حالبيْهِ اضْطِمارُ
قَد قَصَرْنا الشتاَء بعدُ عليهِ ... فهْوَ للذَّوْدِ أن يُقَسَّمْنَ جارُ)

(1/125)


الشاهد: في إنه جعل الشتاء بمنزلة الوقت المعين، وأجاز بعد إنشاده أن يكون الشتاء والصيف على جواب (كم) وعلى جواب (متى).
نهضنا: قمنا إلى فرس أشم كصدر الرمح في ضمره وصلابته، صعل: يريد
صغير الرأس، والحالبان: عرقان مكتنفا السرة، قد قصرنا الشتاء: أي قصرناه في الشتاء، حبسناه: أي أضمرناه وصناه، ويجوز أن يريد: قصرنا إبلنا عليه، ثم حذف المفعول ولم يذكره.
وقوله (بعد) يريد بعد أن إبلنا عليه في الصيف، يعني أنهم حبسوا غبلهم عليه في الصيف ثم حبسوها في الشتاء ليوفر عليه اللبن. وقوله (بعد) أي بعد الصيف، فحذف المضاف وجعل (بعد) غاية. والذود: جماعة يسيرة من الإبل. يقول: الذود التي جعلناها واقفة لما يحتاج إليه من اللبن، هو جار لها من أن يغار عليها. لأن صاحبه يركبه إذا أغير على الحي.

إضافة اسم الفاعل إلى معموله
قال سيبويه: وذلك قولك: هما الضاربا زيد والضاربو عمرو. وقال الفرزدق:
سَيُبْلغُهُنَّ وَحْيَ القولِ عني ... ويُدِخلُ رأسه تحت القرام
أسيد ذو خريطة نهارا ... من التلقطي قرد القمام

(1/126)


الشاهد: في إنه أضاف (المتلقطي) وأصله المتلقطين، ذهبت النون للإضافة.
ذكر نسوة أرسل إليهن رسولا لا يعلم إنه رسوله، ولا يكون مثله رسولا للفرزدق. وأسيد: تصغير اسود، وخريطة: تصغير خريطة. يريد: معه خريطة يتلقط فيها من القمامات التي يلقيها الناس بأفنيتهم، وهي قطع الصوف، والصوف القرد: الذي يتعقد منه كأنه فلكة أو أصغر منها، والقرام: الستر، والوحي: ما يشار به إشارة لا يصرح به لئلا يفطن به. وقوله (نهارا) أراد به: يرسل إليها على يد هذا الأسود الذي يأخذ الصوف والقمامة بالنهار، لأنه لا ينكر أن يدخل البيوت مثله.

تنازع الفعلين
وقال سيبويه في: باب الفاعلين والمفعولين
وقال طفيل الغنوي:
وِراداً وحُوا مشرفاً حَجَباتها ... بناتَ حِصانِ قد تُعولِمَ مُنْجِبِ
(وكُمْتا مُدَمَّاةَ كأنّ مُتونَها ... جرَى فوقَها واستشعَرَت لونَ مُذْهَبِ)
الشاهد فيه على إعمال الثاني وإضمار الفاعل في الأول على شرط التفسير.

(1/127)


والوارد: جمع ورد وهو الذي ليست حمرته بشديدة، والحو: جمع أحوى وهو الذي بين الأخضر والأسود والادهم، والحجبات: أطراف عظام الوركين التي تلي الظهر، وتعولم: تعالمه الناس، تعارفوه، عرفه بعضهم من بعض والمدمى: الشديد الحمرة، يقال أحمر مدمى، واستشعرت لون مذهب: جعلته شعارا لها، كأنها لصفاء لونها وحسنه قد لبست لونا مذهبا.

رفع (أهل ومرحب) على الخبرية
قال سيبويه قال طفيل:
وكانَ هُرْتَمُ من سِنانِ خليفةً ... وحِصْنٍ ومن أسماَء لمّا تغيَّبُوا
ومن قيسٍ الثاويْ بِرَمّانَ بيتهُ ... ويومَ حَقِيلٍ فادَ آخرُ مُعْجِبُ
(وبالسَّهْبِ ميمونُ النَّقيبة قولُه ... لملْتَمِس المعروفِ أهْلٌ ومَرْحَبُ)
الشاهد فيه رفع (أهل ومرحب)، ورفعه على تقدير خبر لمبتدأ محذوف، كأنه قال: الذي لك عندنا أهل ومرحب، والذي تستحقه أهل ومرحب، أو ما أشبه ذلك.
وهؤلاء جماعة من قوم طفيل هلكوا فرثاهم. ورمان: موضع بعينه،

(1/128)


وأراد ببيته قبره، وحقيل: موضع معروف، وفاد: مات، والسهب: الفضاء، والخليقة: الطبيعة.
وقوله: (قوله) مبتدأ، والجملة التي هي (أهل ومرحب مع المبتدأ المحذوف) في موضع خبر (قوله)، يريد إنه إذا جاءه من يسأله شيئا سر به ورحب وأكرمه، لأنه يفرح إذا جاد وأعطى.

تذكير خبر المؤنث حملا على المعنى
قال سيبويه قال طفيل الغنوي:
أم ما تَسائِلُ عن شَمّاَء ما فعلَتْ ... وما تُحاذِرُ من شماء مفعولُ
(إذا هيَ أحْوى من الرّبْعِي حاجبُهُ ... واعَيْنُ بالإثْمِدِ الحارِي مكحولُ)
الشاهد فيه إنه ذكر (مكحول) وهو للعين، والوجه أن يقول مكحوله. وشماء: اسم امرأة، فيقول: الذي تحاذر من فرقة هذه المرأة وهجرها مفعول، تفعله هي. والأحوى: الظبي الذي عيناه كحلاوان. و (هي) ضمير شماء وأصله: إذ هي مثل ظبي أحوى. والحوة: بين السواد والخضرة، ولم يرد أن الحوة في جسم الظبي وإنما حاجبه. والربعي: الذي ولد في الربيع. وأراد أن هذا الظبي بمنزلة ما نتج في الربيع لقوته، وما نتج في الربيع أقوى مما نتج في الصيف. ويجوز أن يجعل (أحوى) للحاجب، كأنه قال: إذ هي ظبي احوى حاجبه، ويكون (حاجبه) مبتدأ، و (أحوى) خبره، والجملة وصف للظبي بجعل الحوة للحاجب. والعين مبتدأ، و (مكحول) خبر للعين. والاثمد: هذا المعروف بالكحل، والحاري: منسوب إلى الحيرة.

(1/129)


إعمال الأول وإهمال الثاني في تنازع الفعلين
قال سيبويه في: باب إهمال أحد اللفظين. قال طفيل الغنوي:
تَظَلُّ مَداريها عوازبَ وَسْطَهُ ... إذا أرْسَلْتهُ وكذا غيرَ مُرْسَلٍ
(إذا هي لم تَسْتَكْ بِعودِ أراكَةٍ ... تُنُخلَ فاسْتاكَتْ عودُ إسْحِلِ)
الشاهد فيه على أعمال الفعل الأول وهو (تنخل) كأنه قال: تنخل عود أسحل فاستاكت به.
والمداري: جمع مدري وهو الذي يدخل في الشعر، نحو الإصبع وأطول. والعوازب. البعيدة. يريد أن بعض المداري يبعد من بعض لكثافة شعرها وكثرته
إذا أرسلته، يعني إذا نشرت ذوائبها وحلت ضفائرها فهو كثير، وإذا ضفرت ذوائبها وعقصت شعرها فهو كثير. يريد إنه كثير على كل حال. والأراك: شجر تعمل منه المساويك.
فأراد أنها إذا

(1/130)


أرادت شيئا أحضرت لها أشياء حتى تتخير منها، وارا أنها من نعمتها تتخير بعض الشجر على بعض؛ وتطلب ألين المساويك وأنعمها، وتنخل: تخير.

في تكرار الاسم بلفظه الظاهر
قال سيبويه قال الفرزدق:
(لعمركَ ما مَعْنٌ بِتاركِ حقَّهِ ... ولا مُنْسِئُ معنٌ ولا مُتَيسرُ)
أتطلب يا عُورانُ فضْلَ نبيذِهِمْ ... وعنْدَكَ يا عُورانُ زٍِقٌّ موَكَّرُ
الشاهد فيه إنه رفع (منسئ) ولم يعطفه على الخبر المتقدم، ولو عطفه لصار المعطوف على الخبر الأول خبرا عن (معن) الأول، وكان (معن) الثاني يرتفع (بمنسئ) وما كان لمعن الأول. فرفعه بالابتداء وجعل (منسئ) خبرا عنه، وجعل الكلام جملة معطوفة على جملة.
ويجوز: ولا منسئ معن؛ ويعطفه على الأول، ويجعل (معن) الثاني في موضع ضمير يعود إلى الأول. وإذا أعيد ذكر الاسم بلفظه الظاهر؛ كان الاختيار أن يجعل كالأجنبي الذي ليس بالأول، فلذلك قال: ولا منسئ معن.
والمنسئ: المؤخر. يقول: هو لا يؤخر المطالبة بحقه. (ولا متيسر) لا يتيسر على من يقتضيه بل يتعسر. والموكر: المملوء، والمعنى واضح.

إعمال الثاني في تنازع الفعلين
قال سيبويه في باب إعمال أحد الفعلين: وإنما قبح هذا يريد قبح: مررت ومر بي
يزيد، على أعمال الأول لأنهم جعلوا الأقرب

(1/131)


أولى. يريد أنهم جعلوا الفعل الثاني - الذي هو أقرب إلى الاسم - أولى بالعمل فيه من الفعل الذي هو بعيد عنه. وقال الفرزدق:
وليس بِعَذْلٍ أن أسُبَّ مقاعِساً ... بآبائَي الشُّم الكِرامِ الخَضارمِ
(ولكنَّ نِصْفاً أن سَسَبْتُ وسَّبني ... بنو عبد شمسٍ من مَنافٍ وهاشِمِ)
الشاهد فيه إنه أعمل الثاني وهو (سبني) ورفع به (بنو).
هجا الفرزدق بهذا بني مقاعس من بني سعد بن زيد مناة، واسم مقاعس: الحارث. يقول: أن هجوتهم أو سببتهم إذا سبوني صاروا كأنهم امفائي. والشم: الذين في انفهم الشمم وهو ارتفاع الأنف وورود الاربنة. والخضارم: جمع خضرم وهو الكثير العطاء، النصف: الإنصاف. يريد ولكن إنصافا. و (لو) وما بعدها في موضع خبر (لكن) كأنه قال: لكن إنصافا مسابتي بني عبد شمس. وقوله: من مناف، يريد: بني عبد شمس بن مناف، و (هاشم) معطوف على (عبد شمس)، وليس بعطف على (عبد مناف)،

(1/132)


لأن عبد شمس هو عبد شمس بن مناف، وهاشم هو هاشم بن عبد مناف، وهاشم أخو عبد شمس.

في نصب (هنيئا) على المصدر أو الحال
قال سيبويه في المنصوبات: قال أبو الغطريف الهدادي في وقعة كانت بينهم وبين ابن أحمر:
فأَنْكَحْنَ أبكارا وغادَرْنَ نِسْوَةً ... أيامى وقد يحظَى بهِنَّ المعنسُ
(هنِيئاً أربابِ البيوتِ بيتُهمْ ... وللْعَزَبِ المسْكينِ ما يَتَلمَّسُ)
الشاهد فيه نصب (هيئا) بإضمار فعل، وهو دعاء. كأنه قال: ثبت لهم ما حصل بأيديهم هنيئا، ونصبه على الحال، وهو مما لا يظهر الفعل فيه. وأراد بأرباب البيوت: الذين لهم زوجات، لأنه يقال للمزوجة بيت. وهو كما قال الآخر:
أكِبَرٌ غَيَّرَني أَمْ بَيْتُ
و (بيتهم) رفع من وجهين: أحدهما أن يرتفع بالفعل المضمر الذي نصب (هنيئا). ويجوز أن يكون (بيوتهم) رفعا بالابتداء و (لأرباب البيوت) خبره. كأنه ابتدأ هذا الكلام بعد مضي الجملة التي منها (هنيئا).
وقوله: وللعزب المسكين ما يلتمس، يريد أن العزب مصروف الهمة إلى امرأة يقضي منها حاجته، والذي له زوجة لا يهتم بكلب امرأة، فهو مكفي.

(1/133)


تنكير (سبحان) وتنوينه - ضرورة
قال سيبويه: وقد جاء (سبحان) منونا مفردا في الشعر وهذا التنوين هو ضرورة. قال زيد بن عمرو بن نفيل:
لقد نصحت لأقوام وقلت لهمْ ... أنا النّذيرُ فلا يغْرُرْكُمُ أحَدُ
لا تعبُدُنَّ إلها غيرَ خللِقكُمْ ... وإنْ دُعيتُمْ فقولوا دونَهَ حَدَدُ
(سُبحانَه ثم سبحانا نعوذُ بهِ ... وقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ والجُمُدُ)
البيت في الكتاب منسوب إلى أمية، والذي رأيته ما قدمت ذكره، والحدد: المنع. يقول: دون عبادة آخر غير الله عز وجل منع، أي نحن نمتنع أن نعبد غير الله تعالى. وقوله: نعوذ به، أي كلما رأينا إنسانا يعبد غير الله تعالى أو يضل عنه، عذنا نحن بتعظيم الله تعالى وتسبيحه حتى يعصمنا أن نضل كما ضل من عبد غيره.
ويروى (سبحانا نعود له) أي تسبيح مرة بعد مرة، والجودي والجمد: جبلان.

حذف نون (لكن)
قال سيبويه في ضرورة الشعر، قال النجاشي:
فقلت له: يا ذئبُ هل لك من أخٍ ... يُواسي بلا من عليكَ ولا بُخْلِ
فقال: هداكَ اللهُ للرُّشدِ إنما ... دَعَوْتَ لِما لم يَأتِهِ سَبُعُ قبلي

(1/134)


(فلستُ بآتِيهِ ولا أستطيعُهُ ... ولاكِ اسْقِني أن كان ماؤكَ ذا فَضْلِ)
الشاهد فيه إنه حذف النون من (لكن) لاجتماع الساكنين، والوجه أن يحرك لالتقاء الساكنين ولا يحذف، ولكنه حذف مضطرا.
وكان النجاشي عرض له ذئب في سفره، فحكى إنه دعا الذئب إلى الطعام وقال له: هل لك في أخ - يعني نفسه - بواسيك في طعامه بغير من ولا بخل؟ فقال له الذئب: إنما دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي من مؤاكلة الآدمين، وهذا لا يمكنني فعاله، ولست بآتيه ولا استطيع فعله، ولكن أن كان في مائك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني.

في المفعول معه
قال سيبويه في باب المفعول معه، قال شقيق ابن جزء بن رياح الباهلي (يرد على جحل بن نضلة الباهلي):
أتوعِدُني بقومِكَ يا بْنَ جَحْلٍ ... أشاباتٍ يُخالُونَ العِبادا
(بما جَمَّعْتَ مِن حَضّنٍ وعَمْروٍ ... وما حَضنٌ وعَمْروٌ والجيادا)

(1/135)


إذا خَطَرَتْ بنو سعدٍ ورائي ... وذادوا بالقنا عني ذِيادا
الشاهد إنه نصب (الجياد) لأنه مفعول معه، والعامل فيه مقدر محذوف تقديره: وما يكون حضن وعمرو والجيادا، معناه مع الجياد.
والاشابات: الأخلاط من الناس الذين لا خير فيهم، يخالون: يظنون أنهم عبيد. و (أشابات) منصوب على الذم بإضمار فعل. كما قال:
أقارعُ عَوْفٍ لا أحاولُ غيرها ... وجوهَ قُرودٍ تبتغي مَن تُجادِعُ
ويجوز أن ينصب على الحال. والأول أحب إلي. وقوله (بما جمعت) في صلة فعل آخر، كأنه بعد البيت الأول قال: أتوعدني بتجميعك حضنا وعمرا. ويجوز أن
يكون (ما) بمعنى (من) ويكون بدلا من (قومك)، وأبدل بإعادة العامل.
وحضن وعمرو والجياد: قبائل.

(1/136)


الرفع على الاستئناف إيثارا للمعنى
قال سيبويه قال عوج بن حزام الطائي:
هل تعرفُ اليومَ رَسَمْ الدارِ والطَّللا ... كما عرفتَ بجَفْنِ الصَّيْقَلِ الخِلَلا
رسماً كسَتْهُ الليالي بعد جِدَّتِهِ ... دقُاقِ تُرْبٍ سَفَتْهُ الرّيحُ فانتخلا
وكلُّ أسحمَ رجّافٌ له زَجَلٌ ... واهِي العَزالي إذا مل انْهَلَّ أو وَبَلا
(دارٌ لمَرْوَةَ إذْ أهلي وأهلُهُمُ ... بالكامِسِية نَرْعَى اللهْوَ والغزَلا)
الشاهد فيه إنه رفع (دار)، والذي قبله: (هل تعرف اليوم رسم الدار) فلم يجعله بدلا مما قبله، واستأنف الكلام به فقال (دار) رفع، وجعله خبر ابتداء محذوف. كأنه قال: هو دار لمروة. والكامسية مكان بعينه.
ويروى (بالكامسيات) والطلل: ما شخص من آثار الدار، والخلل: جلود تنقش وتلبس جفون السيوف، وربما أذهبت.
يشبهون آثار الديار بالخلل التي تكون على جفون السيوف، لأجل النقوش التي فيها والخطوط، وواحدة الخلل خلة. والأسحم: الأسود، وأراد كل سحاب أسحم، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، والرجاف: السحاب الذي يضطرب، والزجل: الصوت، يعني إنه سحاب فيه رعد. والعزالي: جمع عزلاء وهي المزادة، و (واه) غير مشدودة.

(1/137)


شبه ما يجيء من قطر المطر بمنزلة ما يخرج من فم المزادة، وانهل: انصب، ووبل: جاء وابله، والوابل: المطر الذي يجيء بشدة. نرعى اللهو: نقبل على الاشتغال باللهو والغزل؛ كما تقبل الماشية على المرعى.

النصب على المعنى دون البدل مما قبله
قال سيبويه في المنصوبات، قال الدبيري:
يا رِيها يومَ تُلاقي أسْلَما ... يومَ تُلاقي الشَّيْظَمَ المُقَوَّما
عَبْلَ المُشاش وتراه أَهْضَما ... عَبْدَ كرام لم يكُنْ مُكرَّما
تحسَبُ في الأذْنَين منه صَمَما ... قد سالمَ الحياتُ منه القَدَما
س (الأفْعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما) ... وذاتَ قَرْنَينِ زَحوفا عِرزما
الشاهد فيه إنه نصب (الأفعوان) وما بعده بإضمار فعل، ولم يجعله بدلا من الحيات.
قوله ياريها: يريد ياري الإبل، وهذا يقولونه إذا وثقوا بالري، كأنه إذا عرفوا أن الساقي جلد يقوى على الاستقاء لها وإروائها قالوا: ياريها، فنادوه كأنه حاضر، وهو على طريق التعجب من كثرة استقائه وصبره حتى تروى الإبل.
و (أسلم) اسم الرجل الذي يرعاها ويستقي لها، والشيظم: الطويل، والمقوم: الذي ليس فيه أنحاء، عبل المشاش: غليظ العظام، والاهضم:

(1/138)


الضامر البطن، وهو عبد قوم كرام ولم يكن مكرما، لأنه يرعى ويقوم بمصلحة الإبل.
تحسب في الأذنين منه صمما: يعني إنه إذا كلمته لم يجب في أول ما يكلم؛ لأنه
مقبل على شأنه في مصلحة الإبل، مشغول القلب به، فهو لا يسمع حتى يكرر عليه القول. وأراد أن وطأه شديد، إذا وطيئ على أفعى أو حية قتلها، فهي إذا أحست بوطئه تنحت عن طريقه.
والشجاع: ضرب من الحيات، والشجاع الشجعم، وذات قرنين: الأفعى القرناء، وهو ضرب من الأفعى يكون له قرن من جلده، زعموا. وليس كالقرون التي تكون لذوات الظلف، والزحوف من الأفاعي: التي إذا مشت كأنها ترجف، والعزوم الكبيرة.

النصب على الدعاء بإضمار فعل
قال سيبويه: ويدلك على إنه يريد بها الداهية - يريد إنه يدلك أن قول القائل (فاهالفيك) أن الضمير المؤنث يريد به الداهية، كأنه قال فالداهية لفيك - قول عامر بن جوين الطائي:
(وداهيةٍ من دواهي المَنو ... نِ يحسبُها الناسُ لا فَالها)
دفعْتُ سَنا برقِها إذْ بَدَتْ ... وكنتُ على الجَهْدِ حَمّالَها

(1/139)


يريد: ورب داهية عظيمة من دواهي المنون والتلف، يحسبها الناس لا فالها. يريد أن الناس لا يتوجهون لمعرفتها والعلم بدفعها، ولا يصح لهم كيف يصنعون فيها، فهي بمنزلة الحي الذي لا ينطق، فلا يعرف ما يريد، فلا يتوجه لدفعه والتلطف في صرفه.
وقوله (لا فالها) في موضع المفعول الثاني لـ (يحسبها) و (من دواهي المنون) نعت لـ (داهية). ولقائل أن يقول: أن الضمير المتصل بـ (يحسبها) هو المفعول الأول؛ وقوله: (من دواهي المنون) في موضع الثاني و (لا فالها) وصف لـ (داهية). والقول الأول أعجب إلي. و (فا) منصوب بـ (لا) كما ينتصب النكرة في النفي و (لها) خبر (لا).
واضطر إلى أن استعمل (فا) في غير الاضافة، وهو بمنزلة قول العجاج:
خالطَ من سَلمَى خياشمَ وفا
ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، ويكون (فا) مضافا إلى ضمير الداهية، وتكون اللام مقحمة، ويكون مثل قولهم: لا أبا لك. والخبر محذوف تقديره (لا فالها) أو (فيما يعلمه الناس) أو ما أشبه ذلك.
والسنا: ضوء البرق. يريد إنه دفع شرها والتهاب نارها حين أقبلت، وكان هو حمال ثقلها.

النصب على المصدر بإضمار فعل
قال سيبويه في المنصوبات، قال المغيرة بن حبناء:
بَلَوْها فَضْلَ مالكَ يا بْنَ لَيْلَى ... فلم تَكُ عندَ عَثْرتِنا أخانا
كأَنّ رِحالنا في الدارِ حُلَّتْ ... إلى غُفْر اللهازِم مِن عُمانا

(1/140)


(فكيفَ جَمَعْتَ مسألةً وحِرْصا ... وعند الفقر زَحَّارا أنانا)
الشاهد فيه إنه نصب (زحارا انانا) بإضمار فعل.
يخاطب المغيرة بذلك أخاه صخرا؛ وأتاه يسأله شيئا فلم يعطه. يقول: بلوناك وعندك فضل مال حين احتجنا إلى من برفدنا ويقوم بشأننا، فلم ننتفع به، ولم تعطنا منه شيئا، كأن رحالنا - لما وافينا إليك وحططناها عن إبلنا - حطت عند رجل من أهل عمان، بعيد النسب منا لا يعرفنا.
والعفر: جمع أغفر وهو الأبيض، واللهازم: جمع لهزمة، يريد إنه شيخ أهل عُمان، يريد من الازد. فكيف جمعت هذه الأخلاق المذمومة، تحرص وتسأل وأنت غني، وإن افترقت شكوت وتوجعت ولم تصبر؟!

أعمال اسم الفاعل على نية التنوين
قال سيبويه قال شريح بن عمران من بني قريظة، ويقال: أن الشعر لمالك بن العجلان الخزرجي:
بينَ بَني جَحْجَبَى وبين بني ... زيدٍ وأَنَّى لجاريَ التَّلَفُ

(1/141)


(الحافظو عورة العشيرةِ لا ... يأتيهُمُ من ورائِهمْ وَكَفُ)
الشاهد فيه على إنه حذف النون من (الحافظون) ونصب (عورة العشيرة) ولم يحذفها للإضافة.
وجحجبى: بطن من الأنصار، وبنو زيد: بطن منهم أيضا. يريد أن هؤلاء يمنعون من ضيم من يجاورهم ويكون في ذمتهم. (فأنى لمن يجاورني التلف): أي كيف
يتلف أو كيف يضيع له مال. لأن من يكون هؤلاء أنصاره لا يقدم أحد على إتلافه أو إتلاف شيء من ماله.
و (الحافظو) مرفوع لأنه مدح، وهو مرفوع على خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هم الحافظو عورة. وعورة العشيرة: الموضع الذي تخاف العشيرة أن تؤتى منه. وأراد أنهم لا يفعلون فعلا تعاب به عشيرتهم. والوكف: الأمر الذي يكسب مأثما أو عيبا أو عارا.

نصب الاسم بعد (إن) على المصدر بإضمار فعل
قال سيبويه في المنصوبات. وأما قول الشاعر:
لقد كَذَبَتْكَ نفسك فاكذِبَنْها ... فإنْ جَزَعا وإنْ إجمال صَبْرِ

(1/142)


قال سيبويه: فهذا محمول على (إما) وليس على الجزاء كقولك: أن حقا وإن كذبا.
يريد سيبويه أن (إنْ) في هذا البيت يراد بها (إما) التي تذكر مع حروف العطف، وتكون لأحد الشيئين، فاضطر الشاعر فحذف (ما) فبقي (إنْ) وأصلها عنده أنها مركبة من: أن وما، فلما اضطر حذف أحد الشيئين وهو (ما) فبقيت (إن)
وإنشاد الكتاب كما ذكرت لك على أن الخطاب لمذكر. والشعر لدريد:
أسركِ أن يكونَ الدَّهرُ وجها ... عليكِ بسْيبِهِ يغدو ويَسْري
وأن لا تُرْزئي أهلا ومالا ... يَضُركِ هلكُه ويطولَ عُمْري
(فقد كذَبَتْكِ نفسُكِ فاصْدقيها ... فإنْ جَزَعا وإنْ إجمالَ صبرِ)
ويروى: فاكذبيها. ويخاطب امرأته يقول لها: أن كنت تظنين أو تحدثك نفسك بأن الدهر يقبل عليك بخيره أبدا، فاصدقيها. وهو معنى قوله: وجها عليك.
والسيب: العطاء، يغدو ويسري: يأتيك بالنهار والليل،

(1/143)


وأنك لا تصابين في أهل ولا مال يضرك ويؤذيك فقده، ويطول عمري معك، ونعيش أبدا، فقد كذبتك نفسك في هذا الذي حدثتك به ومنتك دوامه من السلامة والغنى، فاصدقها أنت عن
الأمر وعرفيها كيف تجري حال الناس جميعا، وأنه لا بد من الموت والمصائب حتى تترك هذا التمني.
ووجه الرواية: فاكذبيها، أي حدثيها من الأمور بما تهواه، وصدقيها فيما تتمناه، وإن كان ما تحدثينها به كذبا، حتى يصلح أمر دنياك، واعتقدي فيه صحة ما قلت لك، وأنه لابد من الذهاب والفناء.
و (جزعا) منصوب على إضمار فعل، كأنه قال: فإما تجزعين جزعا، وأما تجملين صبرا. ويجوز الرفع عادة إنه خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: فإما أمرها جزع، وإما أمرها إجمال صبر.

العطف بالرفع بالواو بمعنى (مع)
قال سيبويه في باب من أبواب (مع): كيف أنت وقصعة من ثريد، وما شأنك وشأن زيد. يريد إنه يقدم اسم يعطف عليه ما بعد الواو، كما تقول: أقائم زيد وعمرو، يعني أن الاسم الذي بعد (كيف) مبتدأ، والذي بعد الواو معطوف عليه و (كيف) خبر عنهما.
قال المخبل السعدي:
(يا زِبرِقانُ أخا بني خَلَفٍ ... ما أنت - ويبَ أبيكَ - والفَخْرُ)
يهجو الزبرقان بن بدر وهو ابن عم المخبل، وكلاهما من بني سعد. وويب بمعنى ويل، وقيل إنهم قالوا ذاك لقبح استعمال الويل عندهم فغيروه.
الشاهد فيه إنه عطف (الفخر) على (أنت).

(1/144)


ذكر المفرد وإرادة الجمع
قال سيبويه قال المسيب بن زيد مناة أحد بني عبيد، حين غزا حنظلة بن الأعرف الضبابي، فأخذ غلاما من غني، ثم أخذه أحد بني عبيد، فباعه، فخفي شأنه زمانا،
ثم ظهرت عليه غني فأخذوه في بيت ختن له من بني جعفر، فقتلوه، فبلغهم أن الأعرف يتبعهم يوعدهم. فقال المسيب:
ما لكَ يا أعرفُ تبتغينا
وقد تَقَبَّضْتَ على أخينا
أن نَكُ عَقَّيْنا فقد بُدينا
أو يَكُ مقتولا فقد سُبينا
أو تكُ مجدوعا فقد شُرينا
أو تكُ مفجوعا فقد دُهينا
(في حلقكم عظمٌ وقد شَجينا)
الشاهد قوله: (في حلقكم) فوحد وهو يريد (في حلوقكم) فذكر الواحد في موضع الجمع.
يقول: مالك تبتغينا تطلب أن توقع بنا مكروها، وقد تقبضت على أخينا: يريد إنه قبض على الغلام الذي أسره، فبقي في يديه حتى استخرجوع. وإن نك عقبنا: يعني فعلنا بك فعلا بعد فعلك بنا؛ فقد بدئنا. يقول بدئنا بمكروه فعقبنا كفاء به.
أويك مقتولا: يريد أن يك هذا الرجل الذي هو ختنك قد قتلناه، فقد سبي منا غلام. أوتك مجوعا: بمنزلة من قطع أنفه، لأجل أن ختنك قتل؛ فقد شرينا من سرى يشري

(1/145)


إذا باع. يريد إنه بيعمنهم الغلام المأخوذ.
أو تك مفجوعا بقتل ختنك؛ فقد دهينا بأسر الغلام الذي أخذ منا. وقوله: في حلقكم عظم: هو على طريق المثل، يعني أنهم بمنزلة من قد غص بشيء في حلقه لأجل قتل ختنهم، ونحن قد شجينا بشيء في حلوقنا من أجل الغلام الذي قد سبي منا.

إعمال اسم الفاعل بالـ مجموعا وفيه النون
قال سيبويه في باب اسم الفاعل قال ابن مقبل:
عاد الأذِلّةُ في دار وكان بها ... هُرْت الشقاشِقِ ظلاّمون للجزُر
(يا عينُ بكّي حُنَيْفاً رأسَ حَيهِمِ ... الكاسرين القَنا في عَوْرَةِ الدُّبُرِ)
الشاهد فيه إنه نصب (القنا) بـ (الكاسرين).
والأذلة: جمع ذليل، والهرت: قيل هو جمع هريت، والهريت: الواسع الشدق، وقيل: هو جمع أهرت وهو في معنى هريت. والشقائق: جمع شقيقة، والشقشقة التي يخرجها الفحل من فمه إذا هدر. شبه الرجال الخطباء إذا تكلموا بالحول من الإبل إذا هدرت، والشقائق إنما تكون لفحولة الإبل، وجعلها للرجال على طريق التشبيه.
ظلامون للجزر: ينحرونها من غير علة بها، وينحرونها من أجل أضيافهم. وحنيف حي من بني العجلان، ورأس الحي: ساداتهم، وأراد أن حنيفا رأس بني العجلان. والعورة: الموضع الذي يمكن العدو أن يأتي منه،

(1/146)


لأنه لم يحفظ حفظا، أو لا يتمكن من حفظه، ويجوز أن يكون من فيه ليست له قوة على دفع من يقصده، والدبر: مؤخر الصف، وقيل الدبر: مآخير المنهزمين. المعنى أنهم يطعنون بالقنا في عورة دبر أعدائهم.

أعمال صيغة مفعال في حالة الجمع
قال سيبويه في باب اسم الفاعل. قال ابن مقبل:
يأوي إلى مجلسٍ بادٍ مكارهُهُم ... لا مُطْمِعي ظالمً فيهم ولا ظُلُمُ
(شُمٌّ مهاوينُ أبدانَ الجزور مخا ... ميص العشياتِ لا مِيلٌ ولا قُزُمُ)
يريد أنهم يكرههم عدوهم ويخافهم. لا مطمعي ظالم: يريد أنهم لا يطمعون أحدا في ظلمهم، يريد أن الناس قد عرفوا إنه من ظلمهم انتصفوا منه، فليس يطمع أحد من ظلمهم. ولا ظلم: لا يظلمون أحدا، وظلم: جمع ظلوم.
والشم: جمع أشم وهو الوارد الارنبة، مهاوين: جمع مهوان وهو الذي يهين
الجزور وينحرها، وأراد أبدان الجزر فاكتفى بالواحدة، ويروى: إبداء

(1/147)


الجزور، والبدء المفصل، وقيل: كل مفصل بدء وبدى. والمخاميص الذين ليسوا بعظام البطون، والخور الضعاف، والقزم: الصغار الذين فيهم دمامة ويقال قزم وفزم.
وقد أنشد البيت في الكتاب على إنه مرفوع الروي، وقد ذكرت ما فيه.

في عمل الصفة المشبهة
قال سيبويه في باب الوجه: قال عدي ابن زيد:
إنني رُمْتُ الخُطوبَ فتى ... فوجدتُ العيشَ أطوار
ليس يُفني عيشه أحدٌ ... لا يٌلاقي فيه إمْعارا
(مِن وليٍّ أَو ثقةٍ ... أو عدوٍ شاحطٍ دارا)
الشاهد فيه إنه نون (شاحط) ونصب (دارا) وأصله (شاحطة داره) ثم نقل على ما يفعل في باب (حسن الوجه).
وقوله: رمت الخطوب: يريد معرفة الخطوب، وهي الأحوال المختلفة. يقول: وجدت عيش الإنسان في طول عمره يختلف، فتارة يستغني، وتارة يفتقر، وتارة يصح، وتارة يمرض، وتارة يصيب، وتارة يخطئ.
ليس يفني عيشه: يريد زمان عيشه. والامعار:

(1/148)


التغيير والافتقار. والشاحط: البعيد. وقوله: من ولي: زعموا إنه في صلة (فوجدت العيش) يريد: وجدت العيش من ولي. والذي عندي إنه في موضع الوصف لـ (أحد) كأنه قال: ليس يفني عيشه أحد من الأولياء ولا الأعداء لا يلاقي ما يكرهه.