شرح أبيات سيبويه في إعراب (عمرك
الله)
قال سيبويه في المنصوبات بعد قوله: عمرك الله، وأنه منصوب بإضمار فعل:
لكنهم خزلوا الفعل يريد أنهم حذفوا الفعل الناصب لـ (عمرك) لأنهم جعلوه
بدلا من اللفظ به. يريد انهم جعلوا المصدر وهو (عمرك الله) في موضع
الفعل فلم يظهروه معه.
قال الاحوص الأنصاري:
إذ كِدْتُ أنكِرُ من سلمَى فقلتُ لها ... لما التقينا وما بالعهد منْ
قِدَمِ
(1/183)
(عَمرْتُكِ الله إلا ما ذَكرتِ لنا ... هلْ
كنتِ جارتَنا أيامَ ذي سَلَمِ)
يريد: إذ كدت أنكر أن اعرف المرأة التي اسمها سلمى، وأردت أن اسأل
فأقول: من سلمى؟.
ثم أقسم عليها أن تخبره: هل كانت جارة لهم بذي سلم؟ وهو موضع. والمعنى
واضح.
نصب المصدر لتوكيد مضمون الجملة
قال سيبويه في باب ما يكون من المصادر توكيدا لنفسه: وذلك قولك: له علي
ألف درهم عرفا.
ومعنى قوله: توكيدا لنفسه أن قولك: له علي ألف درهم هو اعتراف، فكان
(عرفا) توكيدا لما هو اعتراف، فلذلك جعله توكيدا لنفسه.
وفرق بينه وبين الباب المتقدم وهو قولك: زيد أخوك حقا، لأن قولك (حقا)
هو توكيد لما أخبرت به من اخوة زيد. وظاهر الأخبار بقولك: زيد اخوك،
ليس بحق إلا أن يكون المخبر أخبر به عن علم. ويجوز أن يقول القائل ذلك
وهو شاك، وقد يجوز أن يخبر ب وهو كذب. فلفظ الخبر بقولك: زيد أخوك يقع
على وجوه، والباب المتقدم يقع على وجه واحد.
قال الاحوص:
يا بيتَ عاتكَةَ الذي أتعزَّلُ ... حَذَرَ العِدَى وبهِ الفُؤاد
مُوَكَّلُ
(1/184)
(إني لأمنحُكَ الصدودَ وإنني ... قسماً
إليكَ مع الصدودِ لأميلُ)
الشاهد فيه إنه جعل (قسما) تأكيدا لقوله: وإنني لأميل، لأن قوله: إنني
إليك لأميل، جواب قسم، فجعل (قسما) توكيدا لكلام هو (أقسم)، والقسم
الذي هذا جوابه محذوف، كأنه قال: أصبحت أمنحك الصدود، ووالله إني إليك
لأميل. وهم يحذفون اليمين وهم يريدونها ويبقون جوابها، ومثله: لتقومن،
ومثله:
لَتَقرَبنَّ قَرَباً جُلْذِيا
هو جواب قسم محذوف. وقوله: أصبحت أمنحك الصدود؛ يريد إنه يظهر هجر هذا
البيت ومن فيه وهو محب لهم خوفا من أعدائه. وأتعزل: عنه، وبه الفؤاد
موكل: يريد بمحبته الفؤاد موكل. والمعنى واضح.
اسم (كان) وخبرها معرفتان
قال سيبويه في باب: كان. قال مغلس بن لقيط الاسدي:
(وقد عَلِمَ الأعداءُ ما كان داَءها ... بثَهْلانَ إلا الخِزْيُ ممن
يقودها)
الشاهد فيه إنه نصب (داءها) وجعله خبر كان، ورفع (الخزي) وجعله الاسم
وهما معرفتان، يصلح كل واحد أن يكون اسما وأن يكون خبرا. وثهلان: جبل.
(1/185)
وسبب هذا الشعر أن حصينا والقعقاع ابني
خليد أكلا بكرة لسويد ابن زيد بن عاصم الفقعسي، فطلبهما - بما صنعا -
بنو لقيط، وعقر بعض بني لقيط فرسا لخليد.
ويجوز أن يريد بقوله (داءها) داء الجماعة التي اجتمعت في خصومته
وقتاله، إلا الخزي ممن جمعهم للقتال. ويجوز أن يريد: ما كان داء الخيل
التي عقرت إلا الخزي، لأنه فعل فعلا أدى إلى عقرها.
ورأيت في شعره (إلا الجري ممن يقودها) يعني إنه جرى فيها جريا مذموما.
إضمار خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه
قال سيبويه في أعمال أحد الفعلين: قال عمرو بن امرئ القيس الأنصاري
الخزرجي:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
الشاهد فيه إنه حذف خبر الابتداء الأول، فكأنه قال: نحن بما عندنا
راضون، وأنت بما عندك راض.
يخاطب بذلك مالك بن العجلان، وكان عمرو بن امرئ القيس قد حكمته الأوس
والخزرج في ثور سميحة حين اقتتلوا بسبب حليف لمالك بن العجلان قتلته
الأوس، فلم يرض مالك بن العجلان بحكم عمرو بن امرئ القيس.
رفع الاسم بعد (أما) بالابتداء
قال سيبويه قال بشر بن أبي خازم الأسدي:
ويومُ النَّسارِ ويومُ الجِفار ... كانا عذاباً وكانا غراما
(1/186)
(فأما تميمٌ تميمُ بنُ مُرٍّ ...
فأَلفاهُمُ القومُ رَوْبَى نِياما)
الشاهد فيه رفع (تميم) بالابتداء، لأن الفعل شغل عنه بالضمير، و (تميم
ابن مر) وصف لـ (تميم).
ويوم النسار: يوم اجتمعت فيه الرباب وغطفان وبنو أسد على محاربة تميم
وبني عامر، ثم اجتمعوا بعد حول بالجفار. فاقتتلوا فهزمت بنو عامر، وقتل
من تميم مقتلة عظيمة، فذكر بشر اليومين وما كان فيهما.
والغرام: اللازم من العذاب، والفاهم: وجدهم، والروبى: جمع رائب وهو
الخاثر النفس، وقيل: الذي قد نعس. وأراد أنهم كانوا حين لقوهم بمنزلة
النيام من كثرة ما وقع بهم من القتل، جعلهم بمنزلة النيام. وقد يجوز أن
يريد أنهم تركوا قتلى كأنهم نيام.
رفع بعض المصادر التي تنصب - إيثارا للمعنى
قال سيبويه في المنصوبات، بعد ذكر مصادر تنصب بإضمار الفعل: وإن شئت
رفعت هذا كله فجعلت الآخر هو الأول، فجاز على سعة الكلام. ومثال الذي
قولك زيد أكل وعمرو شرب، تجعله لكثرة
(1/187)
أكله كأنه هو أكل. ويقال فيه أيضا: أن فيه
حذفا، وكأنه قال: زيد ذز أكل وذو شرب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه
مقامه.
وقالت الخنساء:
تَبكي لحُزنٍ هي العَبْرى وقد عَبِرَتْ ... ودونه من جديد الأرض أستارُ
حنين والهةِ ضلت أليفتها ... لها حنينان: إصغار وإكبارُ
(تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتى إذا ادكَرَتْ ... فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ)
الشاهد في رفع (إقبال وأدبار) وهما مصدران قد أخبر بهما عن الوالهة.
والعبرى: الباكية الثكلى، وجديد الأرض: ظاهرها، والأستار: ما جعل على
قبره من تراب الأرض، والوالهة: يجوز أن تكون بقرة أو ظبية أو ناقة ضلت
أليفتها: أي ضلت فلم تهتد إلى الموضع الذي فيه أليفتها.
ويجوز في (أليفتها) الرفع والنصب. فإذا نصب ففي (ضلت) ضمير يعود إلى
الواهمة، ويقال: ضللت الشيء: إذا لم تهتد إليه. وإذا رفع فتقديره: ضلت
اليفتها عن الموضع الذي هي فيه.
ولها ضربان من الحنين: أحدهما أن تخفض صوتها، والآخر أن ترفعه. وترتع:
ترعى، (ما رتعت) منصوب على طريق الظرف، حتى إذا ادكرت اليفتها تركت
المرعى وأقبلت وأدبرت، لأن الحزن أزعجها.
(1/188)
النصب على الظرفية
قال سيبويه في الظروف: قال ابن هرمة:
(أَنَصْبٌ للمنيّةِ تعتريهْم ... رجالي أَم هُمُ دَرَجَ السُّيولِ)
ولو كانت تُغاوِرُهُم لضَجَّتْ ... وأَجْلَتْ عن فوارسَ غيرِ مِيلِ
ولكن المنّيةَ حبلُ قَدْرٍ ... تَعَلَّقُ بالعزيز وبالذليلِ
الشاهد في نصبه (درج السيول) على الظرف. يبكي على من هلك من قومه
ويقول: اجعلتهم المنية غرضا لها ترميم! والنصب: ما نصبته لترميه،
وتعتريهم: تأتيهم، و (رجالي) مبتدأ و (نصب) خبره، والضمير في (تعتريهم)
يعود إلى (رجال) وإنما جاز أن يقدم الضمير على الظاهر؛ لأن تقدير
الكلام - إذا تكلم به على أصله ورجع كل شيء إلى الموضع الذي يجب له في
الأصل - أن يكون (رجالي) في أول الكلام لأنه مبتدأ. ودرج السيول:
المواضع التي تمر عليها
السيول، فتنزل من موضع إلى موضع حتى تستقر.
يقول: أقومي كانوا غرضا للمنية فأهلكتهم، أو جاءهم سيل فذهب بهم! ولو
كانت المنية تقاتلهم لتركتهم وانصرفت. وأجلت: انكشفت، والميل: جمع أميل
وهو الذي لا سيف معه، وقيل: هو الذي يميل على ظهر فرسه.
في البدل
قال سيبويه في البدل: قال حبر بن عبد الرحمن:
تربَّعَتْ بَلْوَى إلى رَهائِها
حتى إذا ما طارَ من عِفائِها
وصارَ كالرَّيْطِ على إقْرائِها
تَتْبَعُ صاتَ الهَدْرِ من أثنائها
(1/189)
جابَتْ عليهِ الحَبرَ من رِدائِها
(تذكَّرَتْ تَقْتُدَ بَرْدَ مائِها)
وَعَتَكُ البولِ على أنْسائِها
الشاهد إنه أبدل (برد مائها) من (تقتد).
وتقتد: بلد، وبلوى: موضع، ورهاؤها: المكان المتسع حولها، والرهاء:
الأرض المستوية، والعفاء: وبرها، والريط: الملاء البيض، وإقراؤها:
ظهورها وأعاليها، والصات: الشديد الصوت. وأراد: تتبع فحلا صات الهدر.
وقوله: من أثنائها، يريد: من النسل الذي هو منه، والحبر: المنظر الحسن
والجسم التام وجابت عليه: شقته وألبسته إياه كما يجاب الثوب على
اللابس، وهذا على طريق المثل.
وفي شعره:
تَذَّكرَتْ نَهْيا وبَرْدَ مائِها
ولا شاهد فيه على هذا الوجه. وعتك البول: يريد به يابسة وما جف من
ثلطها
وبولها على فخذها وساقيها وأوظفتها. ويروى (وعتك البول) أي بقي وقدم
على ساقها، وأراد بـ (أنسائها) موضع (أنسائها) وعبر عن نسأيها وهما
اثنان بلفظ الجمع، ومثل هذا يفعل كثيرا.
نصب الاسم بعد الاستفهام بإضمار فعل
قال سيبويه في باب الاستفهام، قال جرير:
(أَثَعْلَبةَ الفَوارسَ أو رِياحا ... عَدَلْتَ بهم طُهيةَ والخِشابا)
(1/190)
الشاهد فيه إنه نصب (ثعلبة) بإضمار فعل
يفسره قوله: (عدلت بهم)، وهذا كما تقول: أزيدا مررت به، وتقديره: أجزت
زيدا مررت به. وتقدير البيت: اجهلت ثعلبة الفوارس عدلت بهم طهية، لأنه
كان عنده أن جعل بني طهية كثعلبة في الشرف والسؤدد والعزة.
والمعادلة بينهم جهل، وثعلبة ورياح قبيلتان من بني يربوع وهم قوم جرير،
وطهية من بني مالك بن حنظلة بن مالك، وهم أقرب إلى الفرزدق منهم إلى
جرير، يخاطب الفرزدق بذلك، وينكر عليه أن يسوي طهيه والخشاب ببني ثعلبة
أو بني رياح. والفوارس نعت لثعلبة.
نصب (أي) على المصدر
قال سيبويه في المنصوبات: قال رؤبة:
لَولا تَوقَّيَّ على الأشرافِ ... ألْحَمْتَني في النَّفْنَفِ
النَّفْنافِ
في مثل مَهْوَى هُوَّةِ الوَصَّاف ... قَوْلُكَ أقوالا مع التَّحْلافِ
(فيها ازْدِهافٌ أيما ازْدِهافِ) ... والله بينَ القَلْبِ والأضعاف
الشاهد فيه إنه نصب (أيما ازدهاف) بفعل محذوف دل عليه قوله: فيها
ازدهاف.
الأشراف: جمع شرف وهو الموضع العالي، ويروى: على الأشراف مصدر:
أشرف يشرف، والحمتني: رميت بي وادخلتني، والنفنف: الهواء، والنفناف:
وصف مبالغة في البعد وشدة الارتفاع.
يخاطب رؤبة أباه العجاج يقول: لولا أني أتوقى مما تريد أن تفعله بي
(1/191)
لرماني فعلك في المهالك. وقيل في معناه:
لولا أني أتوقى الإثم في مخالفتك، لحملت نفسي على عقوقك. وقيل فيه:
لولا أني أتحرج من كسبي الحرام، لحملت نفسي عليه واستغنيت.
والهوة كالوهدة، والمهوى: ما بين أعلى الشيء وأسفله. وقوله: في مثل
مهوى بدل من قوله: في النفنف النفناف. والوصاف: رجل من أهل البادية
تضاف الهوة إليه.
وقوله: (قولك) بدل من التاء في (الحمتني) أي أهلكني قولك: إنك لا
تعطيني شيئا، وتحلف على ما تقول. والضمير المجرور في (فيها) يعود إلى
الأقوال.
والازدهاف: العجلة والسرعة. يريد أن إيمانه فيها عجلة، يسارع إلى الحلف
بالله عز وجل، والله تعالى بين قلب الإنسان وبين ما يليه من الجوف.
يعني إنه لا يخفى عليه ما تضمره لي.
مجيء المصدر على غير فعله - لتلاقي المعنى
قال سيبويه قال رؤبة:
(وقد تطويتُ انْطواءَ الحِضْبِ)
بَين قَتادِ رَدْهَةٍ وشِقْبِ
بعْد مَديدِ الجِسْمِ مُصْلَهِبَّ
الشاهد على إنه أتى بالانطواء وهو مصدر انطوى، وقبله تطويت.
والحصب الحية، والقتاد: شجر معروف، والردهة: الماء المستنقع، والشقب:
شق في الجبل، والمصلهب: الطويل الذي ليس بثقيل الجسم، يكون ماضيا في
أموره.
يريد إنه كثر فضول جسمه، واجتمع بعضه إلى بعض، وصار
(1/192)
كالحية المنطوية بين القتاد والماء، بعد أن
كان ممتد الجسم، وجعل (مديد) بمعنى امتداد. أراد: بعد امتداد جسمي.
جواز نصب الخبر لدلالته على الحال
قال سيبويه في المنصوبات: البر أرخص ما يكون قفيزان، أي البر أرخص
أحواله التي يكون عليها قفيزان، كأنك قلت: البر أرخصه قفيزان.
(البر) رفع بالابتداء، و (أرخص ما يكون) مبتدأ ثان و (قفيزان) خبر
المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول. وفي (يكون) ضمير يعود إلى
(البر)، وارخص ما يكون: بمعنى أرخص أكوانه، وهو بمعنى أرخص أحواله التي
يكون مسعرا فيها، حال تسعير بره قفيزين بدرهم، ثم حذف.
قال سيبويه بعد ذكره هذا الفصل: ومن ذلك هذا البيت ينشده العرب - وهو
لعمرو بن معد يكرب - على أوجه: بعضهم يقول:
(الحرْبُ أوَّلُ ما تكون فُتيَّةٌ ... تَسْعَى ببِزَّتها لكل جَهولِ)
حتى إذا وَقَدتْ وَشُبَّ ضِرامُها ... عادَتْ عجوزا غيرَ ذاتِ حَليلِ
شمْطاَء جَزَّتْ ؤأسَها وتَنَكّرَتْ ... مكروهَةً للشيم والتقبيلِ
(1/193)
أنشده برفع (أول) و (فتية) وجعل (الحرب)
مبتدأ و (أول ما تكون) مبتدأ ثان و (فتية) خبر المبتدأ الثاني، والجملة
خبر المبتدأ الأول، وفي (تكون ضمير يعود إلى الحرب. وهذا الإنشاد مثل
المسألة المتقدمة، و (أول) مذكر و (فتية) مؤنثة وهو خبره. وإنما فعل
هذا لأن (أول) مضاف إلى (كون الحرب). وكون الحرب هو الحرب.
فكأنه قال: أول الحرب فتية، وأول الحرب هو من الحرب، فأخبر عن (أول)
بمثل ما يخبر به عن (الحرب). وجعله سيبويه كقولهم: ذهبت بعض أصابعه.
(وذكر أيضا أن بعضهم يقول: الحرب أول ما يكون قتية بنصب (أول) ورفع
(فتية). يجعل (الحرب) مبتدأ. وينصب (أول) على الظرف).
وذكر أيضا أن بعضهم يقول: الحرب أول ما تكون فتية. ويرفع (أول) ونصب
(فتية). و (أول) في هذا الوجه مبتدأ، و (فتية) حال سدت مسد الخبر. وهو
مثل قولهم: شربك السويق ملتوتا.
والبزة: ما عليها من الثياب. يقول: الحرب أول أمرها عين، تدعو الجاهل
إلى الدخول فيها، وتستفزه حتى يستحسن المحاربة. ويروى: (تسعى بزينتها)
حتى إذا اقتتل القوم وحميت الحرب، كرهها من دخل فيها، ورآها بصورة غير
حسنة كأنها عجوز فيها أحد. وقوله: غير ذات حليل: يعني إنه لا يريد أحد
ممن دخل فيها شمها وتقبيلها.
النصب على الإغراء والتحذير
قال سيبويه في المنصوبات: ومما جعل بدلا من اللفظ بالفعل قولهم: الحذر
الحذر، والنجاء النجاء، وضربا ضربا. وإنما انتصب هذا على: الزم الحذر،
وعليك النجاء. ولكنهم حذفوا هذا لأنه صار بمنزلة (افعل)
(1/194)
عندهم، ودخول (الزم) و (عليك) على (افعل)
محال.
يقول سيبويه: أن هذه المصادر وغيرها مما يكرر؛ يقول اللفظ الأول من
اللفظتين فيما مقام الفعل، فلا يجوز إظهار الفعل معه.
قال سيبويه بعد هذا: ومن ثم قالوا: وأنشد بيت عمرو بن معد يكرب:
(أُريدُ حِباءهُ ويُريدُ قتْلي ... عذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ)
فلو لاقَيْتَني للَقيتَ قِرْنا ... وصَرَّحَ شَحْمُ قلبكَ عن سَوادِ
الشاهد فيه إنه نصب (عذيرك) بإضمار فعل لا يجوز إظهاره.
وجمع سيبويه في هذا الباب أشياء من المنصوبات لا يجوز إظهار الفعل
العامل
معها، فابتدأ في أول ذلك بقوله: إياك؛ (إياك) لا يظهر الفعل معها. ثم
ذكر: رأسه والحائط وما أشبه من المعطوف نحو: اهلك والليل، وهذا أيضا لا
يجوز إظهار الفعل العامل معه.
ثم ذكر المكرر نحو: الحذر الحذر وما أشبهه، وهذا مثل ما تقدم لا يظهر
الفعل معه، ثم ذكر (عذيرك) والفعل الناصب له لا يظهر معه. ثم ذكر
(نعاء) وهو في موضع انع، ولا يظهر معه فعل.
وهذا الباب يشتمل على أشياء مختلفة، يجمعها أنها منصوبات بأفعال
(1/195)
لا تظهر. والعذير: بمعنى المعذرة، إلا أن
العذير مصدر لا يتصرف تصرف المعذرة، وإنما يلزم موضعا واحدا وهو يجري
مجرى المصادر التي لا تتصرف نحو (سبحان) وما أشبهه.
ومعنى قوله: عذيرك من خليلك من مراد: يخاطب نفسه ويقول: هات عذرك في
صبرك على ما يفعله بك خليلك من مراد.
وسبب هذا الشعر أن عمرو بن معد يكرب غزا هو ورجل من مراد يقال له
أُبيّ، فغنما أرادا أن يقسما الغنيمة التمس من عمرو أن يعطيه مثل ما
يأخذ، وأبى عمرو أن يفعل ذاك، فتوعده أُبيّ، وبلغ إنه يتوعده، فقال هذا
الشعر.
وقوله: وصرح شحم قلبك عن سواد، يريد إنه زال قلبك عن موضعه وبدت كبدك.
وأنشد سيبويه بعد هذا البيت بيت الكميت:
(نَعاءِ جُذاماً غَيْرَ مَوْتٍ ولا قَتْلِ ... ولكنْ فِراقلاً
للدّعائمِ والأصلِ)
الشاهد في (نعاء) وأنه في موضع الفعل، وقد ذكرت هذا.
و (غير موت) منصوب لأنه مفعول له. يقول: انعهم لغير موت نزل
(1/196)
بهم ولا قتل، ولكن انعهم لفراقهم أصلحهم
ومن هم منسوبون إليه، وانتقالهم بنسبتهم إلى
اليمن. ويزعم قوم من أصحاب النسب أن جذاما: هو جذام بن أسد بن خزيمة.
و (فراقا) مفعول له أيضا، والدعائم: جمع دعامة وهو ما يمسك الشيء
ويقيمه ولا يدعه أن يسقط. يريد أنهم فارقوا من به يقوم أمرهم وأصل
نسبتهم.
وقال ذو الإصبع العدواني.
(عّذيرَ الحَيَّ عَدْوا ... نَ كانوا حيَّةَ الأرضِ)
بغى بعضُهُمُ بعضا ... فلم يَرْعَوْا على بعض
فقد أضحَوْا أحاديثَ ... بِرَفْعِ القولِ والخَفْضِ
أراد: هات عذر الحي فيما فعل بعضهم ببعض، وفي أنهم تعادوا وتباغضوا بعد
أن كانوا حية الأرض، أي أشد الناس، وكانوا الذين يخافهم الناس، بمنزلة
الحية التي يحذرها كل إنسان.
بغى بعضهم بعضا بالعداوة والقتل والإهلاك فلم يرعوا على بعض، يريد لم
يبق بعضهم على بعض فلما تمزقوا وذهب أكثرهم صاروا أحاديث للناس، يرفعون
الأحاديث بهم ويخفضونها، يريد يعلنونها ويسرونها، يعني أنهم حديث الناس
في السر والجهر.
(1/197)
إضمار (كان) مع
اسمها
قال سيبويه في المنصوبات: قال عبد الله بن همام:
(وأَحضَرْتُ عُذري عليه الشهو ... دُ أن عاذرا لي وإنْ تاركا)
وقد شَهِدَ الناسُ عندَ الإما ... مِ أني عدوٌ لأعدائكا
الشاهد فيه نصب (عاذرا) و (تاركا) وكل واحد منهما خبر لـ (كان) والفعل
المضمر: أن كنت عاذرا وإن كنت تاركا.
وسبب هذا الشعر أن عبيد الله بن زياد غضب على عبد الله بن همام، فهرب
منه ومضى إلى يزيد بن معاوية وأقام عنده حتى آمنه، وكتب له إلى عبيد
الله بن
زياد.
يقول: قد اعتذرت بحضرة يزيد عذرا، شهد على صحته الناس، والأمر إليك في
قبوله وتركه، وقد شهدوا أيضا أني أظهر عداوة من عاداك.
العطف على خبر (ليس) المقترن بالباء
قال سيبويه في باب ما يجري على موضع الاسم الذي قبله: وذلك قولك: ليس
زيد بجبان ولا بخيلا، وما زيد بأخيك ولا صاحبك. والوجه فيه الجر، لأنك
تريد أن تشرك بين الخبرين.
يقول سيبويه: أن العطف على ما عملت فيه الباء، أولى من العطف على موضع
الباء، لأنه أقرب إلى المعطوف، والعطف على ما قرب أولى من العطف
(1/198)
على ما بعد. واحتج لقوة العطف على ما عملت
فيه بأنه أقرب إلى المعطوف ثم قال: ومما جاء في الشعر من الإجراء على
الموضع قول عقيبة الأسدي:
(معاويَ إنّنا بشرٌ فأَشجحْ ... فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا)
الشاهد فيه إنه نصب (الحديد) وعطفه على موضع الباء.
ومعنى قوله أسجح: سهل علينا حتى نصبر، فلسنا بجبال ولا حديد فنصبر على
ما تفعله بنا. وبلغني عن بعض من تأدب بالنظر في أبيات من الشعر - ودخل
على بعض السلاطين الذين لا يميزون من دخل إليهم إلا بحسن الزي والهيئة
- إنه أنكر استشهاد سيبويه بهذا البيت وقال: البيت مجرور، ومعه أبيات
مجرورة.
ولم يعلم أن هذا البيت يروى نصبا مع أبيات منصوبة، ويروى جرا مع أبيات
مجرورة. فمن رواه بالنصب روى معه:
أقيموها بني حربٍ إليكمْ ... ولا ترموا بها الغرضَ البعيدا
ومن رواه بالجر روى معه:
أكلُتم أرضَنا فجردتموها ... فهلْ من قائمٍ أو من حصيدِ
(1/199)
وقد وقع في كتاب سيبويه مثل هذا، وذلك أن
بعض الأبيات يروى على وجه من الإعراب مع غيره، ويروى على وجه آخر.
فمن ذلك ما أنشده سيبويه وهو لرجل من بني دارم:
ليَبْكِ أبا بدرٍ حمارٌ وثَلَّةٌ ... وسالِيةٌ راثَتْ عليها وِطابُها
(كأنّك لم تذبحْ لأهلكَ نعجةً ... فيصبحَ مُلقى بالفِناءِ إهابها)
فهذا مرفوع على ما انشده سيبويه. وقالت امرأة من بني حنيفة:
كأنّكَ لم تذبحْ لأهلك نعجةً ... وتُلِقِِ على بابِ الخِباءِ إهابَها
ولم تَجبِ البيدَ التّنائِفَ تقتنصْ ... بهاجرةٍ حِسْلانَها وضبابَها
فإنْ متَّ أردى الموتُ أبناءِ عامرٍ ... وخَصَّ بني كعبٍ وعمر وكلابَها
وأنشد سيبويه بيت قيس بن ذريح:
تُبكّي على لُبنى وأنتَ فقدْتَها. . .
والبيت الآخر: وقال عروة بن الورد في قصيدة له منصوبة:
. . . وأنتَ عليها بالملا كنتَ أقدرا
فلا ينبغي أن يذهب إنسان له علم وتحصيل، إلى أن سيبويه غلط في
(1/200)
الإنشاد، وإن وقع شيء مما استشهد به - في
الدواوين - على خلاف ما ذكر، فإنما ذلك سمع إنشاده ممن يستشهد بقوله
على وجه، لأنشد ما سمع، لأن الذي رواه قوله حجة، فصار بمنزلة شعر يروى
على وجهين.
إعمال الصفة المشبهة بالـ
قال سيبويه في باب حسن الوجه:
فِداكَ وَخْمٌ لا يُبالي السّبّا
(الحَزْنُ باباً والعَقُورُ كلبا)
الشاهد في نصب (بابا) بالحزن و (كلبا) بالعقور وليس فيهما ألف ولام.
والوخم: الثقيل. يمدح رجلا، يقول له: فداك من الرجال كل وخم ثقيل، لا
يرتاح لفعل المكارم، ولا يهش للجود، ولا يبالي أن يسب ويشهر بخله، ويرى
المال أحب إليه من نفسه. والحزن: الصعب الشديد. أراد أن بابه حزن صعب،
شديد الدخول فيه. يعني إنه يمتنع من الوصول إليه حتى لا يلتمس معروفه.
وأراد أن الوصول إليه ممتنع، وليس يعني نفس الباب، والعقور كلبا: يريد
أن من أتاه لقي قبل الوصول إليه ما يكره، من حاجب أو بواب أو صاحب،
وجعل له كلبا على طريق الاستعارة كما يكون في البادية. يقول: فداك من
الناس رجل هذا وصفه.
(1/201)
النصب على المصدرية
بإضمار فعل
قال سيبويه في المنصوبات: قال أمية بن أبي الصلت:
(سلامَكَ ربَّنا في كل فَجْرٍ ... بَريئا ما تَغَنَّثُك الذُّمومُ)
عبادُك يَخْطَأَون وأنت ربٌّ ... بِكَفَّيْكَ المنايا والحُتومُ
الشاهد فيه إنه نصب (سلامتك) بإضمار فعل، كأنه قال: نسلمك سلاما، أي
نصفك بالسلامة من كل صفة لا تليق بصفاتك، ونبرئك من الأفعال التي يتعلق
بها الذم. وتغنثك: تتعلق بك. ويروى:
ما تليق بك الذموم
ومعنى يخطأون: يأثمون، يقال منه خطئ يخطأ في معنى أخطأ. والحتوم: جمع
حتم وهو القضاء بكون الشيء. يريد: إنك إذا قضيت بشيء أن يكون وحتمت أنك
تفعله فلا مرد له.
نصب (مناط الثريا) وشبهها على الظرفية
قال سيبويه في الظروف: قال عبد الرحمن ابن حسان:
(وإنَّ بني حرب كما قد علمتُمُ ... مناطَ الثريّا قد تَعلَّتْ نجومُها)
وكلُّ بني العاصي سعيدٍ ورهطِهِ ... منازِلُ مَجْدٍ هابَها مَنْ
يَرومُها
(1/202)
مدح عبد الرحمن بهذا الشعر معاوية، وذلك
إنه لما هاجى عبد الرحمن ابن حسان عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان بن
الحكم، وتسابا وتشاتما؛ عمد مروان إلى عبد الرحمن بن حسان فجلده ثمانين
جلدة لأجل قذفه لعبد الرحمن بن الحكم، فكتب ابن حسان إلى النعمان بن
بشير الأنصاري وهو بالشام يخبره بما صنع به، فدخل النعمان على معاوية
فذكر له ما صنع بابن حسان، فقال له معاوية: إنه قذف، فقال له: إنه قد
قال له عبد الرحمن بن الحكم مثل ما قال.
فكتب معاوية إلى مروان: ادفع عبد الرحمن بن الحكم إلى عبد الرحمن ابن
حسان حتى يجلده ثمانين، وإلا بعثت النعمان بن بشير بعهده إلى المدينة
حتى تأخذ له بحقه. فلما أتى الكتاب مروان، دفع أخاه إلى ابن حسان
فجلده، فمدح عبد الرحمن بن حسان معاوية.
ومعنى تعلت: ارتفعت، ومناط الثريا: الموضع الذي فيه الثريا من الفلك،
ويقال: نطت الشيء إذا علقه، والمعنى واضح.
إظهار (ما) ترجيحا لرفع المعطوف
قال سيبويه في باب المفعول معه: قال زياد الأعجم:
(تُكلَّفُني سَةيقَ الكَرْمِ جَرْمٌ ... وما جَرْمٌ وما ذاك السَّويقُ)
فما شربوهُ وَهْو لهم حَلالٌ ... ولا غالوا به في يوم سوقِ
وسبب هذا الشعر، أن قوما من أهل الشام من جرم لقوا زيادا الأعجم وهم
(1/203)
لا يعرفونه، فاقتحمته أعينهم واحتقروه،
واستدلوه على موضع تباع فيه الخمر، فاشتروها، وسخروه في حملها، فقال
هذا الشعر.
وأراد بسويق الكرم: الخمر، ثم قال: وما جرم وما ذاك السويق، يريد أنهم
لم
يكونوا يشربون الخمر فيما سلف، لبخلهم، وأنهم كانوا لا يرتاحون إلى
شربها وما شربوها في الجاهلية وهي لهم حلال، ولا غالوا بثمنها، لقلة
رغبتهم في الدعوات وفي إنفاق المال.
حذف المضاف - للإيجاز
قال سيبويه في باب من المجاز: قال شقيق بن جزء بن رباح الباهلي:
وعادَ عليهِ أن الخيلَ كانتْ ... طرائقَ بيْنَ مُنْقِيةٍ وَرارٍ
(كأنّ عذيرَهُمْ بجَنوبِ سِلَّى ... نَعامٌ قاقَ في بلدٍ قِفارِ)
الشاهد فيه على حذف المضاف في قوله: كأن عذيرهم عذير نعام.
والعذير: الحال، يريد كأن حالهم في هربهم منا وفرارهم، حال نعام يبادر
في العدو وهو فزع مذعور. وقوله: كانت طرائق: أي ضروبا، لم تكن كلها
قوية تصبر على العدو. والمنقبة: التي فيها نقي وهو الخ، والرار: المخ
الرقيق، ومخ المهزول يرق. وأراد: بين منقبة وذات رار فحذف.
وسلى: موضع بعينه. ويروى:
كأنهم برملِ الخَلَّ قَصْراً
ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والخل: موضع، وقصرا: عشا، وقاق: صوت
وصاح
(1/204)
وذكر عن بعض شيوخنا إنه قال: العذير في هذا
البيت: الصوت، وقد ورد عليه، وعاد عليه: يريد: عاد عليه بالنفع
والسلامة، وكون بعض هذه الخيل مهزولا ولا يمكن الطلب عليه، ولو كانت
سمانا للحقناه. وكانت بنو ضبة غزت باهلة وعليهم حكيم بن قبيصة بن ضرار
الضبي، فهزمتهم باهلة، وجرحوا حكيما، وقتلوا عبيدة الضبي.
رفع بعض المصادر - في الدعاء
قال سيبويه في المنصوبات: قال حسان:
(هاجيتُمُ حسانَ عند ذَكائِهِ ... غَيٌّ لمن ولَدَ الحِماسُ طويلُ)
أن الهجاَء إليكمُ لَتَعِلَّةٌ ... فَتَحَشّشوا أن الذّليلُ
الشاهد فيه إنه رفع (غي) وهو من باب المصادر التي يدعا بها، وهو مبتدأ
وخبره (لمن).
والذكاء: الكبر: يقال منه ذكى الرجل: إذا أسن. والحماس: أبو لطن من بني
الحارث بن كعب. وقوله: أن الهجاء إليكم لتعلة، يريد أن الهجاء قد وجد
سببا إليكم وإلى نيل أعراضكم، فتحششوا: تهيئوا لسماعه، واصبروا على ما
يرد عليكم منه.
النصب على المصدر بإضمار فعل - بدلالة ما
قبله
قال سيبويه في المنصوبات: قال حريث بن غيلان:
إذا رأتني سَقَطَتْ أبصارُها
(دَأبَ بِكارٍ شايَحَتْ بِكارُها)
من مُقْرَمٍ وانتثَرَتْ أبعارُها
(1/205)
الشاهد فيه إنه نصب (دأب) بإضمار فعل دل
عليه (سقطت) كأنه قال: دأبت.
والدأب في هذا الموضع: العادة، وعادة البكار أن تسقط أبصارها من هيبة
الفحل العظيم. وفي (رأتني) ضمير يعود إلى (الشعراء) يقول: إذا رأتني
الشعراء سقطت أبصارها، يعني أنهم يغضون أبصارهم هيبة له وإجلالا وخوفا.
والبيكار: جمع بكر وهو بمنزلة الشاب من الناس، وشايحت: حاذرت وخشيت من
فحل مقرم،
وهو الفحل العظيم الشديد الذي قد ودع للفحلة. و (من مقرم) في صلة
(شايحت). يريد أن البيكار حاذرت من هذا المقرم وانتثر بعرها.
حذف النون استخفافا - والإضافة إلى ما بعده
قال سيبويه قال أبو ثروان، ويروى للمعلوط ابن بدل:
أن الغزالَ الذي يرجونَ غِرته ... جَمْعٌ يضيقُ به العَتْكانِ أو أطَدُ
(مُستحِقبو حَلَقِ الماذيّ يَحْفِزُها ... بالمَشْرَفِيّ، وغابٌ فوقه
حَصِدُ)
العتكان: تثنية اسم موضع، وأكد معطوف عليه، والماذي: الدروع السهلة
اللينة، ومستحقبو: أي جعلوا الدروع حقائب لهم شدوها
(1/206)
وراء ظهورهم، يحفزه: يدفعه. يريد أن دروعهم
إذا لبسوا وتقلدوا عليها بالسيوف؛ فالسيوف تدفع الدروع وتحفزها.
وفي (تحفزه) ضمير فاعل يعود إلى الجمع، والمشرفي: يريد جماعة السيوف
المنسوبة إلى المشارف وهي قرى تعمل فيها السيوف، والغاب: الأجم، واراد
بالغاب في البيت: الرماح المجتمعة كأنها أجمة، والحصد: الملتف، وفوقه:
يريد فوق الماذي.
ويروى في شعره:
. . . . . . يحفزه ... ضرب دِراكٌ وغابٌ فوقه حصَدُ
في نصب المصادر المثناة
قال سيبويه في المنصوبات: قال العجاج:
(ضرباً هذاذَيْكَ وطَعْناً وَخْضا)
يمضي إلى عاصي العُروق النَّحْضا
حتى تَشَظَّوْا خَرزَاً مُنْفضّا
ضربا: منصوب بإضمار (نضربهم) ضربا. هذاذيك: أي نهذ اللحم هذا بعد هذ أي
نقطعه.
والطعن الرخص الذي يخالط الجوف،
(1/207)
وعاصي العروق: الذي يضرب، يقال للعروق الضوارب: عواص ومستضغبة والنحض
اللحم، يريد إنه يجاوز اللحم إلى العروق المستبطنة حتى يفتحها ويقطعها.
وتشظوا: تفرقوا، و (خرزا) منصوب على الحال، أي: تشظوا مثل خرز قد انقطع
من سلكه فتبدد. والمنفض: المنقطع.
الشاهد إنه ثنى (هذاذيك) ونصبهما لأنهما في موضع الحال.
رفع المصدر في غير الدعاء
قال سيبويه في المنصوبات: قال الملبد بن حرملة من بني أبي ربيعة بن ذهل
بن شيبان:
يشكو إلي جملي طول السرى
صبر جميل فكلانا مبتلى
وفي شعره:
يشكو إليّ فرسي وَقْعَ القَنا
الشاهد فيه على رفع (صبر جميل) أي: صبر جميل اصلح من الشكوى. أو تضمر
ما يقارب هذا المعنى. |