شرح أبيات سيبويه تأنيث الفعل لإضافته
إلى مؤنث
قال سيبويه قال الأغلب العجلي:
(طولُ الليالي أسرعتْ في نَقْصي)
أخَذْنَ بعضي وتركْنَ بعضي
حنَيْنَ طولي وحنَيْنَ عَرْضي
أقْعَدْنني من بعد طولِ نَهْضي
الشاهد فيه إنه قال (أسرعت) وأنث الضمير الذي هو فاعل (أسرعت) ويجب أن
يكون مذكرا لأنه ينبغي أن يعود إلى المبتدأ، والمبتدأ مذكر وهو (الطول)
وإنما أنت أنث لأنه أضاف الطول إلى الليالي، وليس الطول شيئا غيرها.
وهو كما تقدم من الأبيات المتقدمة.
(1/242)
وكان الأغلب قد عمر، أراد أن مضي الدهر
عليه قد ذهب ببعض جسمه وبقى بعضه، والنهض: قصد الأشياء التي يريدها
وفعلها والمبادرة إليها.
ويروى:
أن الليالي أسرعت من نقضي
ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
الفصل بالظرف بين المتضايفين
قال سيبويه قال عمرو بن قميئة:
قد ساَءلَتني بنتُ عمروٍ عن ال ... أرضينَ إذْ تُنكر أعلامها
لما رأتْ ساتيدَما استعبَرَتْ ... لله درُّ - اليوم - مَنْ لامَها
تذكرَتْ أرضاً بها أهلُها ... أخوالَها فيها وأعمامَها
الأعلام: الجبال الواحد علم، ويجوز أن يريد بالأعلام المنار المنصوبة
على الطريق ليستدل بها من يسلك الطريق. يريد أنها سألته عن المكان الذي
صارت فيه وهي لا تعرفه لما انكرته، واستخبرته عن اسمه. وساتيدما جبل،
استعبرت: بكت.
والشاهد فيه على إنه فصل بين المضاف وهو (در) وبين المضاف إليه وهو (من
لامها) بـ (اليوم). وكان ينبغي: لله در من لامها اليوم.
(1/243)
والعرب تقول: لله در فلان إذا دعوا له.
وقيل: انهم يريدون لله عمله، أي جعل الله عمله في الأشياء الحسنة التي
يرضاها.
تذكرت بنت عمرو أرضا بها أهلها: (أهلها) مبتدأ و (بها) خبره، والجملة
في موضع الوصف لـ (الأرض)، (أخوالها) منصوب بإضمار فعل تقديره (تذكرت
أخوالها) فيها: يريد في الأرض التي تذكرتها، و (أعمامها) معطوف على
(أخوالها).
حذف خبر الثاني بدلالة خبر الأول
قال سيبويه قال ضابئ بن الحارث البرجمي:
(فمَن يكُ أمسى بالمدينة رحلُهُ ... فإني وقَيارٌ بها لَغريبُ)
وما عاجِلاتُ الطير تدني من الفتى ... نجاحا ولا عن رَيْثهِنّ يخيبُ
الشاهد فيه إنه رفع (قيار) ولم يعطفه على (إن) وهو على التأخير كأنه
قال: فأني لغريب بها وقيار. فعطفه على الموضع.
(1/244)
وقيار اسم جمله. ويروى (وقيارا) يعطف على
اسم إن، ويكون (لغريب) خبرا عن أحدهما، واكتفى به عن خبر الآخر.
يقول: من كان بيته بالمدينة ومنزله؛ فلست من أهلها ولا لي بها منزل.
وكأن عثمان رحمه الله قد أشخصه وحبسه لأجل فرية افتراها على قوم.
وحديثه معهم
مشهور. وقوله: وما عاجلات الطير، يريد الطير التي تقدم الطيران إذا خرج
الإنسان من منزله، فأراد أن يزجر الطير، فما مر في أول ما يسنح فهو
عاجلات الطير، وإن أبطأت عنه وانتظرها فقد راثت. والأول محمود والثاني
مذموم.
يقول: النجح ليس بأن الطير للطيران كما يقول الذين يزجرون الطير، ولا
الخيبة في إبطائها. فرد مذهب الأعراب في ذلك. ومثله:
تَعَلَّمْ إنه لا طَيْرَ إلا ... على متطيرٍ وهو الثبورُ
(1/245)
أعمال المصدر النائب
عن فعله
قال سيبويه وقال شاعر من همدان:
يَمرون بالدهنا خِفافا عِيابُهُم ... ويخرُجْنَ من دارِينَ بُجْرَ
الحقائبِ
(على حينَ ألْهَى الناسَ جُلُّ أمورِهِمْ ... فنَدْلا زُرَيْقٌ المالَ
نَدْلَ الثّعالبِ)
الشاهد فيه إنه نصب (المال) بـ (ندلا) وهو مصدر ندل يندل إذا نقل. كأنه
قال: اندلى المال ندلا.
وزريق: نداء وهي قبياة، كأنه قال: اندلي يا زريق المال كما يندل الثعلب
ما يأخذه من الثمرة ويخبأه. والدهنا: موضع، ودارين موضع أيضا، والبجر:
جمع أبجر وبجراء وهما العظيما البطن. والحقائب: جمع حقيبة وهو الشيء
الذي يجعل فيه الإنسان زاده وما يحتاج إليه، ويكون مشدودا إلى رحله من
مؤخره.
وقوله: على حين ألهى الناس جل أمورهم؛ يريد حين اشتغل الناس بالفتن
والحروب. وقيل: إنه يصف قوما تجارا يحملون المتاع من
(1/246)
دارين ويبيعونه، ويمرون بالدهناء بعد ما
باعوا متاعهم. وقيل: إنه يصف لصوصا يأتون إلى دارين فيسرقون ويملئون
حقائبهم، ثم يفرغونها ويعودون إلى دارين.
استعمال الواحد في موضع الجمع
قال سيبويه قال الشعر:
(كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفّوا ... فإنّ زمانَكُمْ زمنٌ خَميصُ)
الشاهد فيه على إنه استعمل الواحد في موضع الجمع في قوله: بعض بطنكم،
يريد بعض بطونكم، لأنه يريد بطن كل واحد منهم.
والخميص: في الأصل الجائع، والخمص: الجوع. وأراد بوصفه الزمن بخميص،
إنه جائع من فيه، فالصفة للزمن والمعنى لأهله، يقول لهم: اقتصروا على
بعض ما يشبعكم، ولا تملئوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد
طعامكم احتجتم إلى أن تسألوا الناس أن يطعموكم شيئا، وإن قدرتم لأنفسكم
جزءا من الطعام ولم تكثروا من الأكل، عففتم عن مسألة الناس.
و (تعفوا) مجزوم لأنه جواب الأمر.
العطف على المجرور بالنصب - على الموضع
قال سيبويه قال العجاج:
يا صاحِ ما ذكّركَ الاذْكارا
ما لُمْتَ من قاضٍ قضى الأوطارا
(1/247)
كشحاً طوى من بَلَدٍ مُخْتارا
(من يأسَةِ اليائسِ أو حِذارا)
الشاهد فيه إنه نصب (حذارا) وعطفه على موضع (من) وهو عطف على معنى
الكلام المتقدم، كأنه قال: طوى كشحا مختارا يأسة اليائس، أي ليأسة
اليائس، وهو مفعول له.
والأذكار: جمع ذكر. يقول: ما ذكرك يا صاحبي الأشياء التي ذكرتها، وأراد
بالأذكار الأشياء المذكورات، وعنى به إنه ذكر المعاني التي لام فيها،
ثم قال: ما
لمعت من فعل إنسان قضى أوطاره، وما كانت نفسه تدعوه إليه من الزيارة
والإلمام ممن يحب، ثم طوى بعد ذلك كشحه مختارا للفرقة.
ويقال للذي فارق: قد طوى كشحه، وأصله أن الذي يولي عن الإنسان الذي
يخاطبه أو يكلمه إذا ولى عنه، ثنى كشحه وجنبه وأدبر عنه. وقوله: من
يأسة اليائس أو حذارا؛ يريد إنه وإن فارق مختارا للفراق لأجل يأسه ممن
قصده، أو حذره على نفسه. ولم يبين لأي الوجهين طوى كشحه، لأجل اليأس أو
لأجل الحذر.
إعمال الفعل الأول والإضمار للثاني
قال سيبويه قال المرار:
فردَّ على الفؤاد هوى عميداً ... وسوئل لو يُبينُ لنا السؤالا
(1/248)
(وقد نَغْنَى بها ونرى عُصوراً ... بها
يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدالا)
الشاهد فيه على أعمال (نرى) ونصب (الخرد الخدالا) بنرى، وهذا على أعمال
الفعل الأول. وفي (يقتدننا) ضمير الخرد الخدال، والخرد الخدال في تقدير
التقديم، لأن العامل فيها (نرى) كأنه قال: ونرى الخرد الخدال عصورا بها
يقتدننا.
وفي (رد) ضمير الربع المسؤول عن أهله الذين ارتحلوا عنه، فقال بعد ما
سألاه: فرد على الفؤاد هوى عميدا، وهو المعمود الذي عمده الحب، أي:
شدخه ورضه، ومن ذلك قولهم: عميد سنام البعير يعمد عمدا إذا انشدخ.
كأنه لما وقف على الربع وتذكر من كان يحله، عاوده حزنه على مفارقتهم،
وألم قلبه لما تذكرهم. وسوئل الربع عنهم لو يبين لنا السؤالا، أراد: لو
يبين لنا جواب السؤال، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
وقد نغنى بها: أي بهذه الدار، والعصور: جمع عصر، والخرد: جمع خريدة وهي
الحية، والخدال: جمع خدلة وهي التي على قصبها لحم وشحم، ويقتدننا
ويقدننا
بمعنى واحد، أي قد كنا عصورا في هذه الدار نتبع الهوى ويقتادنا الحسان
الخرد الخدال.
فأما (نرى) فالوجه أن يكون من رؤية القلب، ويكون (الخرد) المفعول الأول
و (يقتدننا) في موضع المفعول الثاني. فإن قال قائل: قد أجاز النحويون
إعمال الثاني في هذا الشعر - وأن كان
(1/249)
لا يسوغ في الإنشاد - على التقدير فقالوا:
لو أعمل الثاني لقال: وقد نغني بها ونرى عصورا بها تقتادنا الخرد
الخدال.
فإذا أجازوا هذا فـ (نرى) أين مفعولاها؟ وقيل له: يجوز أن يكون المفعول
الأول ضمير الأمر والشأن، وحذفه، كأنه قال: ونراه عصورا بها تقتادنا
الخرد الخدال، أي نرى الأمر.
ومثله مما ذكر سيبويه: (إن بك زيد مأخوذ) على معنى: إنه بك زيد مأخوذ.
ويجوز أن يكون (عصورا) المفعول الأول، والجملة التي بعد (عصور) في موضع
المفعول الثاني، ويعود إلى (عصور) من الجملة التي هي المفعول - الضمير
المتصل بالباء، وكأنه قال: ونعلم عصورا في هذه الدار بها - أي بالعصور
- تقتادنا الخرد الخدال.
ومعنى (نَغْنَى) نقيم، أي: وقد نقيم بهذه الدار.
رفع (مكان) على الابتداء
قال سيبويه: في الظروف: قال الشاعر:
(وأَنتَ مكانُك من وائلٍ ... مكانُ القُرادِ من اسْتِ الجَمَلْ)
(1/250)
الشاهد فيه إنه رفع (مكانك) بالابتداء،
ورفع (مكان القراد) وجعله خبرا لـ (مكانك) ولم يجعله ظرفا، ولو نصبه
لكان جائزا وفيه اتساع. وتقديره: مكانك من وائل مثل مكان القراد من أست
الجمل.
يعني من أخس قبائل بكر بن وائل وأوضعها، وأنه - في خسة المنزلة وسقوطها
وأنه لا يلتفت إليه - مثل القراد الذي يتعلق باست الجمل.
(لبي) مثنى (لب) في لبيك
قال سيبويه في المنصوبات:
(دعوتُ لِما نابني مِسْوَراً ... فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَر)
الشاهد فيه أن قوله (لبي) تثنيه لب، وهو شاهد على أن (لبيك) تثنيه،
وليس كما زعم يونس أن (لبيك) أصلها لبا، وأن الألف زائدة فيها على (لب)
مثل جرا، وأن الألف انقلبت ياء لما اتصلت بالضمير، كما انقلبت الألف في
(عليك). ولو كانت الألف لغير التثنية لم تنقلب مع الظاهر، كما أن ألف
(على) لا تنقلب في قولك: على زيد مال.
وقد انقلبت الألف مع (يدي) - وهو ظاهر - ياء، فعلمنا أن الألف للتثنية.
والمعنى أن مسورا معوان حسن الصداقة والمودة، إذا دعاه صديق للمعونة
على نائبة نابتة لباه وأظهر سرورا بمعونته، ولم يتثبط عنه. وقوله فلبى:
أي لباني لما دعوته. وقوله: فلبي يدي مسور: أي فلبي مسور متى دعاني، أي
إذا دعاني أجبنه كما أجابني حين دعوته. وعبر عن مسور بيدي مسور، أي أنا
أطيعه وأتصرف تحت مراده وأكون كالشيء الذي يصرفه بيديه.
(1/251)
النصب على الحال
بعامل محذوف
قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر:
(ألِحْقْ عذابَكَ بالقومِ الذينَ طَغَوْا ... وعائذاً بكَ أن يَعْلُوا
فيُطْغوني)
الشاهد فيه إنه نصب (عائذا بك) على الحال والعامل فيه محذوف، كأنه قال:
أعوذ بك عائذا، أو أخضع لك عائذا، أو أستجير بك عائذا وما أشبه ذلك.
دعا الله عز وجل أن يلحق عذابه بالطاغين، وأن يسلمه منهم، واستعاذ
بالله أن
يزيد أمر الطغاة فيفسدوا عليه دينه. والواو من قوله (أن يعلوا) هي ضمير
الطغاة، وقوله: فيطغوني أي: يدخلوني في طغيانهم، أو يحملوني على
الطغيان كرها. وأراد بقوله: أن يعلوا أي: تعلوا أمورهم.
قال سيبويه في المنصوبات قال الشاعر:
أَفي السَّلم أعيارا جفاءً وغلظةً ... وفي الحرب أمثالَ النساءِ
العواركِ)
(1/252)
الشاهد فيه نصب (اعيارا) على الحال بإضمار
فعل، و (أمثال النساء العوارك) معطوف على (اعيار) كأنه قال: أتثبتون في
السلم أشباه اعيار وأمثال اعيار وما أشبه ذلك، ويجوز أن تضمر: أتعرفون
أمثال اعيار. ويدل على هذا الإضمار قوله: (وفي الحرب أمثال النساء
العوارك) فجاء بـ (أمثال) في المعطوف والإعراب فيهما واحد.
والسلم: الصلح، والعوارك: النساء الحيض. المعنى أنكم جفاة في وقت الصلح
لأمنكم، وأنكم لا تخافون عدوا، يعني أنهم يجفون على الناس ويغلظون
عليهم في الخطاب، فإذا أقبلت الحرب وبطل السلم ضعفتم ولنتم وذللتم
وذللتم من فزعكم، وهذا يدل علي جبنكم ولؤمكم.
قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر:
(أفي الولائمٍ أولادا لواحدةٍ ... وفي العِيادة أولادا لِعلاّتِ)
الشاهد فيه على نصب (أولادا) بإضمار فعل، كأنه قال: أتثبتون مؤتلفين في
الولائم.
وقوله (أولادا لواحدة) بمنزلة قوله: مؤتلفين، ونصب (أولادا لعلات)
بإضمار فعل، كأنه: أتمضون متفرقين في العيادة.
والمعنى أنهم تجتمع جماعتهم إذا دعوا لوليمة، ولا يتخلف منهم أحد،
فكأنهم بمنزلة أولاد لامرأة واحدة لا يقع بينهم خلف لأن أمهم واحدة،
(1/253)
هي تؤلف بينهم وتحفظ
جماعتهم، فهم مؤتلفون لا يفارق بعضهم بعضا.
وقوله (وفي العيادة أولادا لعلات) العلات: جمع علة وهي الضرة، وأولاد
الضرائر متقاطعون، لا يكادون يأتلفون لأجل ما بين أمهاتهم من التباعد،
ولا يجتمع بعضهم إلى بعض. يريد أنهم لحرصهم على الولائم، يجتمعون في
أسرع وقت، فإذا وجب عليهم حق من عيادة أو غيرها، ثقل عليهم فعله، ففعله
الواحد منهم بهد الآخر في أزمنة متفرقة، لا يجتمع اثنان منهم في قضاء
حق كما لا يجتمع أولاد العلات.
الرفع في باب الدعاء - الوجه نصبه
قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر:
(لقد ألَبَ الواشون ألبْا لِبَيْنِهمْ ... فتُرْبُ لأفواهِ الوُشاةِ
وجَنْدلُ)
الشاهد فيه على رفع (ترب) وهو من باب الدعاء وهو مسموع من العرب،
وسيبويه يعمل في هذا على السماع ولا يقيس بعضه على بعض، والقياس في
جميعه النصب، لأن الدعاء بالأفعال، والمصادر تقوم مقامها، وتحذف
الأفعال بعد أن نصبت المصادر، لأن رفع منها شيء فعلى الابتداء، وفيه
معنى الدعاء كما كان في المنصوب.
و (ترب) مرفوع بالابتداء، و (جندل) معطوف عليه و (لأفواه الوشاة) خبر
الابتداء. وألب يألب: إذا سعى ومشى. أراد: لقد سعى الواشون في الإفساد
لبعدهم، أي لأن يفترقا، والبين هاهنا: الفراق، والذي عندي إنه أراد
(لبينهما)
(1/254)
ولكنه ذكره بلفظ الجمع لأجل الشعر، و
(ألبا) مصدر (ألب) وأتى مؤكدا.
وقوله: فترب لأفواه الوشاة، يقول: جعل الله الترب والجندل حشو أفواههم
عقوبة لهم على كذبهم وسعيهم في الفرقة، والجندل: الحجارة.
الرفع بإضمار فعل دون الإتباع
قال سيبويه في المنصوبات:
أسقى الإلهُ عُدُوات الوادي
وجَوْفَه كلَّ مُلِثٍ غادي
كلُّ أجشَّ حالكِ السّوادِ)
الشاهد فيه على إنه رفع (كل أحبش) ولم يجره على (كل ملث) وصفا ولا
بدلا، ورفعه بإضمار فعل دل عليه ما قبله، كأنه لما دعا لهذا الوادي
بالسقيا فقال: (أسقى الإله عدوات الوادي وجوفه كل ملث) دل الكلام على
إنه بمعنى: سقى الوادي كل ملث، ولما كان المعنيان متقاربين رفع (كل
أجش) بإضمار: سقاها كل أحبش. والعدوات: جمع عدوة وهي ناحية الوادي
وجانبه، ويقال فيها: عدوة وعدوة، وجوف الوادي أسفله، والملث: السحاب
الدائم المطر. أراد: أسقى الإله عدوات الوادي مطر سحاب ملث. والغادي
الذي يبدأ مطره من أول النهار، والأجش من السحاب: الذي فيه رعد،
والحبشة: صوت فيه غلظ، والحالك: الشديد السواد.
(1/255)
حذف المضاف وإقامة
المضاف إليه مقامه
قال سيبويه قال الحطيئة:
(وشرُّ المنايا ميّتٌ بين أهله ... كهُلْكِ الفتى قد أسلم الحي
حاضُرُهُ)
الشاهد فيه على حذف المضاف. وتقدير الكلام: وشر المنايا منية ميت بين
أهله.
يعني أنه: شر ضروب الموت الموت على الفراش، يقصد إلى أن الشجعان وأصحاب
النجدة والبأس كانوا يقتلون ولا يموتون على فرشهم. ومثله:
تَسيلُ على حدّ الظُّباتِ نفوسُنا
ومثله قول عبد الله بن الزبير بما بلغه قتل مصعب أخيه: لسنا كأولاد أبي
العاصي، إنا لا نموت إلا طعنا بالرماح وقعصا بالسيوف.
وقوله: كهلك الفتى أي: المنية التي هي شر المنايا كهلك الفتى. فتقدير
قوله: (كهلك الفتى) إنه خبر ابتداء محذوف. وقوله: (قد أسلم الحي حاضره)
أي: قد أسلم الإنسان الحي الذي قد أشرف على الموت حاضره: الذين حضروه
من أهله.
ويجوز عندي أن تكون الجملة التي هي قوله: (قد أسلم الحي حاضره) في موضع
الحال من (الفتى).
(1/256)
فإن قال قائل: الفعل الماضي لا يكون عند
سيبويه حالا، قيل له: إذا دخل عليه (قد) جازت فيه الحال. فإن قال: فليس
في الجملة عائد إلى (الفتى) قيل له: (الحي) في موضع الضمير من طريق
المعنى، كأنه قال: قد أسلمه أهله، وإنما حسن هذا لأن الكلام تقديره:
كهلك الفتى الحي قد أسلمه أهله للموت.
فجعل (الحي) مفعول (أسلم) وهو في المعنى الفتى. ومثله قول الله عز وجل:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) معناه:
أنا لا نضيع أجره، لأن من أحسن عمله مؤمن.
جر الظرف غير المتمكن - لغة
قال سيبويه قال رجل من خثعم:
(عَزَمْتُ على إقامةِ ذي صَباحٍ ... لشيءٍ ما يُسَوَّدُ مَنْ يَسودُ)
الشاهد فيه إنه جر (ذا صباح) وهو ظرف لا يتمكن، والظروف التي لا تتمكن
لا تجر ولا ترفع، ولا يجوز مثل هذا إلا في لغة لقوم من خشعم، أو يضطر
إليه شاعر.
يريد: عزمت على الإقامة إلى وقت الصباح لأني وجدت الرأي والحزم
(1/257)
يوجبان ذلك، ثم قال:
لشيء ما يسود من يسود
(ما) زائدة، أي لشيء يسود من يسود. يقول: أن الذي يسوده قومه، لا
يسودونه إلا الشيء من الخصال الجميلة والأمور المحمودة، رآها قومه فيه
فسودوه من أجلها. ولا يجوز أن يسود السيد بغير سبب من أسباب السيادة،
وأراد إنه سوده على علم منه وخبرة به.
في عطف الظاهر على المضمر
قال سيبويه قال جرير:
(فإيّاك أنت وعبدَ المسي ... حِ أن تَقْربا قِبلةَ المسجدِ)
الشاهد فيه على نثب (عبد المسيح) وعطفه على (إياك) بعد أن أتى بـ (أنت)
وجعله توكيدا للضمير في (إياك) وأراد أن يعلمك أن التوكيد إذا أتى جاز
أن يقع العطف عليه ويرفع المعطوف؛ وجاز أن تعطف مع مجيء التوكيد على
(إياك).
و (أن تقربا) مفعول ينتصب بالفعل الذي عمل في (إياك) وأصله أن يدخل
عليه حرف الجر، ولكنه حذف منه لطوله. أراد أنهما رجسان لا يقرب مثلهما
المساجد، ولم يقصد القبلة بعينها، ولكنه أراد المسجد واحتاج إلى ذكر
القبلة للوزن.
ويجوز أن يكونا قد أما الناس وصليا بهم، فنهاهما عن القرب من القبلة
وهو يريد الإمامة.
الرفع على الخبرية - للمعنى
قال سيبويه قال الشاعر:
اعتادَ قلبُكَ من سَلّمى عوائده ... وهاجَ أهواءك المكنونة الطَّلَلُ
(1/258)
(رَبْعٌ قَواءٌ أذاعَ المُعصراتُ به ...
وكلُّ حيرانَ سارٍ ماؤه خَضِلُ)
الشاهد فيه إنه رفع (ربع) على خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هو ربع قواء
اعتاد إياه مرة بعد مرة.
وقوله: من سلمى، يريد من أجل حب سلمى، عوائده: جمع عائدة وهو ما يعوده
من وجده بها وشوقه إليها. وهاج ما في قلبك - من الأهواء التي كنت تكنها
وتسترها - الطلل الذي عرفته لها وعهدتها فيه، يعني أن نظره إلى الطلل
ذكره ما كان في قلبه منها.
والطلل: ما شخص من آثار الدار، والربع: الموضع الذي نزلوا فيه،
والقواء: الخالي، والمعصرات: السحاب التي فيها أعاصير والواحد إعصار،
وهي الرياح اللواتي تهب بشدة، وأذاع به: فرقه وطمس أثره. يعني أن الريح
والأمطار محت الدار، وعفت رسومها.
والحيران: السحاب الذي كأنه متحير لا يقصد إلى جهة لثقله وكثرة مائه،
والساري: الذي ينشأ بالليل ويسير، و (سار) من نعت (حيران) و (ماؤه)
مبتدأ و (خضل) خبر المبتدأ، والخضل بمعنى المخضل الذي يبل ويندي.
في أعمال المصدر
قال سيبويه قال الشاعر:
(فلولا رجاءُ النصرٍ منكَ ورهبةٌ ... عقابكَ قد صاروا لنا كالمواردِ)
(1/259)
الشاهد فيه على أعمال المصدر كعمل الفعل، و
(عقابك) منصوب بـ (رهبة).
والموارد: الطرق الواحدة موردة. المعنى: لولا أنهم يرجون أن تنصرهم
علينا أن حاربناهم، ولولا أنا نرهب عقابك أن قتلناهم، لقد صاروا لنا
أذلاء نطأهم كما يوطأ الطريق.
قال سيبويه قال الشاعر:
(بضربٍ بالسيوف رؤوس قومٍ ... أزلنا هامَهُنَّ عن المقيلِ)
الشاهد فيه على تنوين المصدر، وعمله في المفعول النصب، والمفعول (رؤوس
قوم) وقوله: أزلنا هامهن: أي أزلنا هام الرؤوس، فالضمير المجموع المؤنث
يعود
إلى الرؤوس.
والمقيل: يراد به المستقر، يعني أنهم أزالوا الرؤوس عن مستقرها بأن
قطعوها.
قال سيبويه قال الشاعر:
(ضعيفُ النِّكايةِ أعداَءهُ ... يَخالُ الفِرارَ يُراخي الأَجَلْ)
(1/260)
الشاهد فيه على أعمال المصدر الذي هو
(النكاية) وفيه الألف واللام.
ومعنى يخال: يظن، ويراخي: يباعد. يهجو رجلا بالضعف، والعجز عن مكافأة
أعدائه والانتصار منهم إذا ظلموه. ثم ذكر إنه يحسب الفرار يباعد اجله
ويحرس نفسه.
العطف على الموضع
قال سيبويه قال الشاعر:
(هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجتنا ... أو عبد ربٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ)
الشاهد فيه على نصب (عبد رب) وعطفه على موضع (دينار). والأصل: هل أنت
باعث دينارا. ويجوز أن تنصب بإضمار فعل، كأنه قال: هل ا، ت باعث دينارا
أو تبعث عبد رب. وكلام سيبويه يدل على هذا.
الاسم: عبد ربه، ولكنه ترك الإضافة وهو يريدها، واخاعون: وصف لعبد رب.
قال سيبويه قال الشاعر:
(يَهدي الخميسَ نِجاداً في مطالعها ... إمّا المِصاعَ وإمّا ضربةٌ
رُغُبُ)
(1/261)
الشاهد فيه على إنه رفع (ضربة رغب) ولم
يعطفها على المصاع. و (المصاع) منصوب بإضمار فعل كأنه قال: إما يماصع
المصاع، وإما فعله أو أمره ضربة رغب.
الخميس: الجيش، والنجاد: جمع نجد وهو الطريق، والنجد أيضا: المكان
المرتفع، والمصاع: القتال، والضربة الرغب: الواسعة.
قال الشاعر:
لإن قتلتهُ فلم آلُهُ ... وإنْ يَنْجُ منها فجرحٌ رَغيبْ
المعنى إنه يمدح رجلا بالنجدة والشجاعة والهداية، وأنه يقود الجيوش
فتتبعه وتأتم به، والمطالع: المواضع المرتفعة المشرفة، يعني إنه
يتقدمهم، ويشرف على المواضع التي يظنون أن فيها قوما من أعداهم ينفض
لهم الطريق.
وقوله إما المصاع يقول: إذا غزا فبلغ الحي الذي يريده فهو: إما
يقاتلهم، وإما يضرب فيهم بالسيف ضربات واسعة.
قال سيبويه قال الشاعر:
بادتْ وغيرّ آيَهُنَّ مع البِلَى ... إلا رواكدَ جمهرُهُنّ هَباءُ
(ومشجَّجٌ أما سَوءُ قَذالِهِ ... فبدا، وغيَّرَ سارَه المَعْزاءُ)
الشاهد فيه على رفع (مشجج) وترك عطفه على (رواكد) كأنه قال: وثم مشجج.
(1/262)
وكلام سيبويه فيه واضح.
وفي (بادت) ضمير من ديار تقدم ذكرها. وآيهن: علاماتهن والآثار اللاتي
فيهن، الواحدة آية. قال الراجز ووصف منزلا:
لم يُبْقِ هذا الدهرُ من آيائِهِ
غيرَ أثافيه وأرْمِدائِهِ
وفي (غير) ضمير من مطر أو إعصار أو غيرهما مما يعفو الديار ويمحو
الآثار.
يقول: ما أصاب الديار عفى آثارها والبلى مع ذلك عفاها، والرواكد:
الأثافي، الواحدة راكدة، وإنما وصفها بالركود لأنها مقيمة ثابتة لا
تبرح، وهي منصوبة على الاستثناء من (آيهن).
يريد أن جميع ما في الدار تغير إلا الأثافي، و (جمرهن هباء) جملة في
موضع الوصف لـ (رواكد).
وقوله: جمهرهن هباء، يعني أن الذي كان جمهرا وقت الإيقاد وإشعال النار
هو الآن هباء.
والهباء: الذي صار كالتراب المدقق الذي تسفيه الرياح. والضمير الذي في
(جمهرهن) يعود إلى الرواكد، والمشجج: الوتد، وإنما سمي مشججا لأنه يضرب
رأسه إذا أرادوا إثباته في الأرض، فإذا نقلوا البيت من موضع إلى موضع؛
قلعوا الأوتاد ثم أثبتوها في الموضع الذي يريدونه، وضربوا رؤوس الأوتاد
حتى تثبيت.
فالوتد في كل موضع يضرب رأسه، إذا كثر ضربهم إياه تكسر وتفرق خشبه،
وسواد الرأس: أعلاه ووسطه، وأراد بالقذال: الرأس: يعني أن رأس الوتد
ظاهر لم يعله التراب، وأن بقيته قد سفت
(1/263)
عليها الريح التراب والحصى، والمعزاء: يريد
به الحصى الصغار، ويقال للمكان الذي فيه حصى صغار: أمعز، وللأرض التي
فيها حصى: معزاء، والسار: السائر حذفت منه الهمزة، وهو مثل هار وهائر
وشاك وشائك.
في إعمال المصدر
قال سيبويه قال الشاعر:
(وَرأْيَ عَيْنَيَّ الفتى أخاكا)
يعطي جزيلا فعليكَ ذاكا
الشاهد فيه نصب (رأي عيني). و (الفتى) مفعول (رأي عيني) و (أخاكا) بدل
منه، و (يعطي) في موضع مفعول ثان لـ (رأي عيني) وجزيلا: كثيرا، وتقديره
يعطي عطاء جزيلا، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقوله: فعليك ذاكا
إغراء و (ذا) في موضع نصب، كما تقول: عليك زيدا و (ذا) إشارة إلى
الفتى. أي فعليك ذاك الفتى فاقصده، ويجوز أن تكون الإشارة إلى العطاء،
أي فعليك ذاك العطاء فافعله.
إضافة اسم الفاعل بالـ إلى معموله
قال سيبويه قال الراجز:
(الفارجي بابِ الأميرِ المبْهَمِ)
(1/264)
الشاهد فيه على إضافة (الفارجي) إلى (باب
الأمير) كما تقول: الضارب غلام الرجل.
ومعنى الفارجي: الفاتحي، والمبهم: الذي لا يتجه لفتحه، ويتعذر - على من
رام - الوصول إليه. والمعنى إنه يمدح قومه ويقول: أن أبواب الأمراء لا
تغلق في وجوههم، والمراد أنهم يصلون إلى الملوك إذا وفدوا إلى الملوك
ولا يحجبون عنهم، لعزهم ومحلهم في نفوس الملوك.
العطف بارفع؛ والواو بمعنى (مع)
قال سيبويه قال الشاعر
(وأنت امرؤٌ من أهلِ نجدٍ وأهلُنا ... تَهامٍ، فما النَّجديُّ
والمُتَغَوّرُ)
الشاهد فيه على رفع (المتنور). وقوله: فما النجدي والمتغور: (ما) اسم
مبتدأ، و (النجدي) خبره و (المتغور) معطوف عليه. ولو نصب (المتغور) في
قصيدة منصوبة لجاز. كما نقول: ما أنت وقطعة من ثريد.
المعنى: أنت امرؤ مخالف لنا في المكان الذي تسكنه من الأرض، أنت من أهل
نجد ونحن من أهل تهامة، والموضعان مختلفان، فنحن لا نتفق، ويبعد ما
بيننا كلعد بلادي من بلادك. وقوله: وأهلنا تهام، أفرد (تهام) ولم يقل
(1/265)
تهامون لأنه اكتفى بالواحد من الجمع.
والمعنى: كيف ننفق ونقيم في مكان وأنا احب المقام عند أهلي ولا أكره
أرضهم، وأنت تحب أهلك والمقام فيهم. . .
إبدال الفعل من الفعل
قال سيبويه قال الراجز:
أن عليَّ اللهَ أن تُبايعا
(تؤخذّ كَرْهاً أو تَجيءَ طائعا)
الشاهد فيه على إبداله (تؤخذ) من (تبايع)، وعطف (تجيء) على (تؤخذ) كأنه
قال: أن علي الله أن تؤخذ كرها بالبياع، أو تجيء إليه طائعا.
حلف الشاعر بالله على المخاطب، إنه لابد من أن يبايع طوعا أو كرها،
وتقدير الكلام: أن عليّ والله أن تبايع.
و (أن تبايع) اسم أن و (عليّ) خبر إنّ، والقسم معترض بين الخبر والاسم.
ومثله:
ألا ربَّ مَنْ قلبي به الله ناصحُ. . . . . . . .
(1/266)
النصب على الحال أو
التمييز مع جواز الظرفية
قال سيبويه قال الراجز:
إذا أكلتُ سمكاً وفَرْضا
(ذهبْتُ طولاً وذهبْتُ عَرْضا)
الشاهد في نصبه (ذهبت طولا) و (ذهبت) إنه نصبهما على الحال، كأنه قال:
ذهبت في جهة طويلا وذهبت في جهة عريضا. والفرض: ضرب من التمر، وأراد أن
أكله السمك وهذا الضرب من التمر؛ قد أطاله وأعرضه وأسمنه.
النصب خلاف الظاهر - للمعنى
قال سيبويه قال الشاعر:
(بينا نحن نرقبه أتانا ... معلقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعي)
الشاهد في نصبه (وزناد راع) ونصبه على المعنى، لأنه إذا قال: أتانا
معلق
وفضة فكأنه قال: معلقا وفضة فنصب (وزناد راع) على تقدير: ويعلق زناد
راع.
ونرقبه: ننتظره، والوفضة: هي جعبة السهام، وأراد بها في البيت شيئا
يصنع مثل الخريطة والجعبة، يكون مع الفقراء والرعاة يجعلون فيه
أزوادهم. وزعموا أن أهل الصفة - رحمهم الله - كانت معهم وفاض، وفي
الحديث: أن
(1/267)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تجعل
الصدقة في الاوفاض، قيل: إنه أراد أهل الصفة. وزناد راعي، الزناد:
الخشبة التي تقدح بها النار.
أعمال اسم الفاعل المنون
قال سيبويه ش قال امرؤ القيس:
(أني بحبلِكِ واصلٌ حبلي ... وبريشِ نَبْلِكِ رائشٌ نَبْلي)
ما لم أجِدْكِ على هُدَى أثرٍ ... يَقْرو مقَصَّكِ قائفٌ قبلي
الشاهد فيه على تنوين (واصل) وإعماله عمل الفعل ونصب (حبلي) به، وكذلك
(رائش) منون وقد نصب (نبلي).
يقول لهذه المرأة التي ذكرها في أول القصيدة: إني متقرب إليك، ومجتهد
في أن تعلمي أني أهواك بكل وجه من وجوه التقرب، ومتابع لك على ما
تريدين. فإذا مددت سببا إلى أمر تهوينه مددت أنا إليه سببا لمعونتك حتى
تبلغي ما تحبين. وبريش نبلك رائش نبلي، يقول: أحتذي في أفعالي على
المثال الذي تجري عليه، ما لكم أجدك إذا اتبعك على أمر تمضين فيه
هادية، وقد اتبعك إنسان قبلي ممن يهواك. يعني أنها خالت غيره هجرها
وقطعها ولم يلتفت اليها. ويقرو: يتبع، والمقص: موضع اتباع أثر الماشي
والراكب. يقال: قصصت أثره قصا إذا اتبعه، والقائف، المتتبع. يقال: قاف
يقوف إذا تتبع.
(1/268)
إلغاء فعل الظن
لتوسطه
قال سيبويه قال جرير:
(أَبِالأَراجيز يت بْنَ اللُّؤمِ توعِدُني ... وفي الأراديز - خِلْتُ -
اللؤْمُ والخَوَرُ)
الشاهد في البيت إنه ألغى (خلت) ولم يعلمها لأنها توسطت الجملة، ورفع
(اللؤم) بالابتداء وعطف عليه (الخور) و (في الأراجيز) خبر المبتدأ و
(خلت) ملغاة من طريق اللفظ وليست بملغاة من طريق المعنى.
أراد بهذا الكلام عمر بن لجأ. يقول: أتهددني بأن تهجرني بالأراجيز، وفي
الأراجيز خلت لؤم الشعراء وخورهم، وعندهم أن الشعر الفحل هو القصيد،
وفحول الشعراء هم أصحاب القصيد، والخور: الضعف.
(1/269)
|