شرح أبيات سيبويه

زيادة الهاء فيما حذفت تاؤه بالترخيم
قال سيبويه: واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف، وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها.
حكى سيبويه قبل قوله: واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء: أن قوما من العرب إذا رخموا ما فيه تاء التأنيث وحذفوها ثم وقفوا؛ أتوا السكت، فبينوا بها حركة الحرف الذي قبل هاء التأنيث، فقالوا في ترخيم طلحة وسلمة إذا وقفوا: يا طلحة يا سلمة، وهذا مذهب لهؤلاء القوم. فربما احتاج شاعر من أهل هذه اللغة إلى حذف الهاء في القافية، فيجعل حرف المد الذي يقع في آخر البيت عوضا من ذكر هاء السكت،

(1/297)


لأنه يبين حركة الحرف الذي قبل الهاء كما بينت الهاء. قال القطامي:
(قِفي قبلَ التفرُّق يا ضُباعا ... ولا يكُ موقفٌ منكِ الوَداعا)
ضباعة بنت زفر بن الحارث الكلابي. أراد: قفي حتى أودعك واسلم عليك قبل أن نتفرق، وقوله: ولا يك موقف منك الوداعا: هو دعاء بأن لا يكون الوداع له منها في موقف من الموقف، كأنه قال: قفي ودعينا أن عزمت على فرقتنا، ولا كان منك الوداع لنا في موقف.
وقد اضطر في البيت إلى جعل النكرة اسم كان، والمعرفة خبرها.
وقال سيبويه قال النابغة:
(كِليني لِهَمّ يا أميمةَ ناصِب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكبِ)
الشاهد في البيت على إدخال (تاء) بعد حذف التاء التي كانت في (أميمة) للترخيم. ويقولون: هي مقحمة أي مدخلة. يريد أنهم لما رخموا حذفوا الهاء فصار (يا أميم) فبقيت الميم مفتوحة، ثم أدخلوا التاء عليها وهم ينوون الترخيم، ولم تكن للتاء حركة تخصها فجعلوا حركتها مثل حركة الحرف الذي قبلها، اتبعوا الحركة فصار (يا أميمة ناصب).

(1/298)


ومعنى كليني: وكليني بالهم والحزن، وإنما همي من أجل محبتك، فلو بذلت بعض ما طلبته منك لتجلى همي. فكأنها لما منعته ما يلتمسه، قد وكلته بالهم والناصب: الذي قد تصب له بالمكروه، وقالوا، نصب لي الهم: إذا أتاني وقوله: بطيء الكواكب أي بطيء سير الكواكب. يقول: كأنه من طوله لا تغيب كواكبه.

النصب على الشتم بإضمار فعل
قال سيبويه في باب ما جرى من الشتم مجرى التعظيم: أتاني زبد العاشق الخبيث. ثم مضى في كلامه: وقال النابغة الذبياني:
لَعَمري وما عَمْري عليَّ بهينٍ ... لقد نطقَتْ بُطْلاً عليَّ الاقارعُ
(أقارِعُ عَوْفٍ لا أحاولُ غيرها ... وجوهَ قرودٍ تبتغي من تجادِعُ)
الشاهد على إنه نصب (وجوه قرود) على الشتم بإضمار فعل، كأنه قال: اشتم وجوه قرود أو اذكر أو ما أشبه ذلك.
وأراد بالاقارع بني قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم الذين كانوا سعوا به إلى النعمان، وقوله: وما عمري علي بهين يقول: ما قسمي بعمري هين علي فيتم متهم بأني أحلف به كاذبا. والبطل: الباطل،

(1/299)


ولا أحاول: لا أريد غيرها، المجادعة: المشاتمة والمسافهة. يقول: هم سفهاء يطلبون من يشاتمهم.

عطف البيان
قال سيبويه في باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدأ: فأما الرفع فقولك: هذا الرجل منطلق، و (الرجل) صفة لـ (هذا) وهما اسم واحد كأنك قلت: هذا منطلق. قال النابغة:
(توهمْتُ آياتٍ لها فعرفْتُها ... لستَّةٍ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ)
الضمير في (لها) يعود إلى ديار ومنازل ومواضع كان اتبع فيها النابغة، ومواضع صاف فيها. والآيات: العلامات التي عرف بها أنها الديار التي كان حلها. وتوهمت: عرفتها بالتوهم، يريد إنه توهم في أول ما رآها أنها الديار التي كان حلها، ثم استدل عليها بأنها هي بأشياء عرفها فيها.
وقوله: لستة أعوام يعني إنه عرفها وقد مضى له من وقت فراقها ست سنين، والعام الذي هو فيه سابع.
والشاهد إنه جعل (ذا) مبتدأ و (العام) وصف له و (سابع) خبره

الرفع على الخبرية مع جواز نصبه على الحال
قال سيبويه في باب ما ينتصب لأنه خبر لمعروف يرتفع على

(1/300)


الابتداء. وقال: وإن شئت ألغيت (فيها) فقلت: فيها عبد الله قائم. قال النابغة:
وعيدُ أبي قابوسَ في غير كُنْهِهِ ... أتاني ودوني راكسٌ فالضواجِعُ
(فبِتُّ كأني ساورتْني ضئيلةٌ ... من الرّثقْشِ في أنيابها السم ناقِعُ)
قوله: في غير كنهه: في غير موضع استحقاق لوعيده، وقيل: في غير كنهه: أي في غير قدره. يريد إنه وعيد على شيء لم أكن فعلته فاستحق هذا القدر من العقاب وقد يجوز أن يريد بقوله: في غير كنهه: أي في غير حقيقته، يعني إنه لم يقع الوعيد منه على أمر قد وقع، ولم يكن الذي بلغه حقا، فوقع وعيده في غير موضع وعيد مستحق.
وراكس والضواجع: مواضع، فبت لما بلغني الوعيد كأنني قد دبت علي حية فنهشتني فامتنع مني النوم، وبت بقلق وألم من شدة الخوف الذي نزل بي. والمساورة: المواثبة، والضئيلة: الحية الدقيقة، والحية إذا أسنت ضوءلت وخبئت. والرقش: جمع رقشاء وهي المنقطعة، فيها سواد وبياض، والناقع: الثابت في أنيابها.

اسم (إن) نكرة وخبرها معرفة
قال سيبويه في باب ما يحسن عليه السكوت من هذه الأحرف

(1/301)


الخمسة: وتقول: أن بعيدا منك زيد، والوجه إذا أردت هذا أن تقول: أن زيدا قريب منك أو بعيد، لأنه اجتمع معرفة ونكرة. وقال امرؤ القيس.
(وإن شفاءً عَبرةٌ مُهَراقةٌ ... فهل عند رَسْم دارِس من مُعوَّلِ)
قال سيبويه: فهذا احسن لأنهما نكرة.
ذكر في الفصل الذي قبل البيت أن النكرة اسم أن والمعرفة الخبر، وذلك قولك: أن بعيدا منك زيدا، واستضعفه لأن الأصل في هذا الباب وفيما أشبهه أن تجعل المعرفة اسم أن والخبر النكرة، وأنشد بيت امرئ القيس، وذكر (شفاء) فيه غير مضاف إلى المتكلم وهو نكرة، وأخبر عنه بنكرة وهو قوله: عبرة مهراقة. وقال: هذا أحسن. يريد أن الذي في البيت أحسن من المسألة المذكورة قبل البيت، لأن الاسمين اللذين بعد (إن) في البيت نكرتان، والنكرتان متشابهتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر، وكذلك المعرفتان متساويتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر.
والمسألة المتقدمة جعل فيها (بعيدا منك) الاسم وهو

(1/302)


نكرة، وجعل (زيدا) الخبر وهو معرفة وهذا مستقبح.
العبرة: الدمعة، والمهراقة: المصوبة. يريد أن شفاءه أن يبكي على الذين خلت
منهم منازلهم، ومعول: محمل. تقول: عول على فلان، احمل عليه واعتمد على ما يفعله. وقوله: فهل عند رسم دارس، من بعد أن قدم قبل هذا البيت: (فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها) معناه عند بعض الرواة، أنه أراد بدارس: ذهب بعضه وبقي بعضه. وقال بعضهم: أكذب نفسه في قوله: لم يعف رسمها.

الجر بإضمار (رب)
قال سيبويه في باب (كم): وليس كل جار يضمر، لأن المجرور داخل في الجار فصارا عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثم قبح، ولكنهم قد يضرمونه ويحذفونه فيما كثر من كلامهم، لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج.
وقال امرؤ القيس:
(ومِثلكِ بِكْراً قد طرقْتُ وثَيباً ... فألهَيْتُها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ)

(1/303)


الشاهد إنه جر (مثلك) بإضمار رب.
وطرقتها: أتيتها ليلا، و (بكرا) منصوب على الحال من (مثلك) و (ثيبا) معطوف عليه. ويقال؛ لهي الرجل عن الشيء: إذا انصرف قلبه عنه، وألهيته أنا، والتمائم: العوذ، الواحدة تميمة، وتقديره: ألهيتها عن سبي ذي تمائم. والمغيل: الذي تؤتى أمه وهي ترضعه. يقال فيه: مغيل ومغال، والأم مغل ومغيل.
وإنما وصف الصبي بأنه مغيل لأنه هو فيما زعم قد أتى أمه، والمعنى إنه يصف نفسه، بأنه محبب إلى النساء، وأن المرأة التي لها صبي صغير؛ يشغلها الاستمتاع به عنه.

الترخيم في غير النداء - ضرورة
قال سيبويه: واعلم أن كل شيء جاز في الاسم الذي آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام، يجوز فيما لا هاء فيه بعد أن يحذف منه. فمن ذلك
قول امرئ القيس:
(لنِعمَ الفتى تَعْشو إلى ضوءِ نارِهِ ... طريفُ بنُ مالٍ ليلةَ الجوعِ والخَضَرْ
الشاهد فيه على ترخيم (مالك) في غير النداء. ويروى: (طريف بن مل)

(1/304)


وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.
وقوله تعشو: تنظر نظرا ضعيفا، يريد إنه ينظر إلى ناره من بعد، والخصر: البرد. يقول: نعم الفتى هو لمن نزل به في الشتاء عند عدم اللبن وقلة الزاد وشدة البرد. يعني إنه يطعم ويشبع ويدفئ الأضياف. ومدح امرؤ القيس بذلك طريفا، وهو من طيء وكان نزل به امرؤ القيس فأكرمه وأحسن إليه.

الصفة المشبهة مذكر وفاعلها مؤنث مجازي
قال سيبويه قال مضرس بن ربعي الأسدي:
وما وجدَتْ وَجْدي بها أمُّ واحدٍ ... رجا الغُنْمَ في أسلاف خيل تُطاردُهُ
(فلاقَى ابنَ أنثى يبتغي مثل ما ابْتَغَى ... من القوم، مسقيَّ السهام حدائِدهُ)
فآب به أصحابه يحملونَهُ ... على نَحْرِهِ دامي النّجيعِ وجاسِدُهْ
يقول: ما وجدت وجدا مثل وجدي بهذه المرأة؛ امرأة لها ابن واحد، خرج للغزو رجاء أن يغنم غنيمة، فلاقى جيشا فيه ابن امرأة مثل أمه، خرج يبتغي الغنم كما خرج هو، فتلاقيا فقتله الذي لقيه، فرده أصحابه إلى أمه، وعلى نحره دم جاسد وهو الجامد، والنجيع: الدم الطري، والدامي: السائل.
تريد أن

(1/305)


بعض الدم يسيل، وبعضه ثخين جامد، والسهام: جمع سم، والحدائد: جمع حديدة، وأراد بالحدائد السلاح.
والشاهد في البيت الثاني، إنه ذكر (مستقيا) والفعل للحدائد ولم يقل مسقية.
وأسلاف الخيل: مقدماتها جمع سلف. والمعنى إنه عظم وجده بفراق هذه المرأة، وجعله كفقد هذه المرأة ابنها - وهي ليس لها ولد غيره - ومفارقتها له حين قتل.

إيثار النصب بإضمار فعل - إغناء للمعنى
قال سيبويه: ومما ينتصب على إنه عظم الأمر قول عمرو بن شأس:
ولم أر ليلى بعد يومِ تعرضتْ ... له بين أبوابِ الطراف من الأدَمْ
كلابيّةً وَبْريةً حبتريةً ... نأتْكَ وخانت بالمواعيدِ والذمَمْ
أناسا عِدى عُلقْتُ فيهمْ وليتَني ... طَلَبْتُ الهَوَى في رأس ذِي زَلَقٍ أشَمّ)

(1/306)


وجدت هذا الشعر في الكتاب منسوبا إلى عمرو بن شأس ولم أجده في شعره، ولعمرو بن شأس فيها:
أرادتْ عَراراً بالهوانِ ومن يُرِدْ ... عَراراً لَعَمْري بالهَوانِ فقد ظَلَمْ
والشعر لمضرس بن ربعي الأسدي، والطراف: البيت من الأدم. ويروى: (دون أبواب الطراف) وفي الكتاب: (حبترية) بباء وتاء معجمة بنقطتين، وفي شعره (حنثرية) بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط، ونأتك بمعنى نأت عنك.
يقال: نأيت ونأيت عنك، ويروى: (خانت بالعهود وبالذمم).
وقوله: (علقت الهوى) أي ليتني هويت شيئا سواها في رأس جبل عال يزلق عنه الذي يصعد إليه، فإن الذي ألقى منها أشد من ارتقاء هذا الجبل. وأراد: في رأس جبل ذي زلق، أي يزلق عنه. والأشم: العالي المرتفع.
والشاهد فيه إنه نصب (أناسا) بإضمار فعل. وفي شعره: (كلابية) وبرية (حنثرية) بالرفع، والرفع والنصب جائزان فيه، وهذه الأبيات الثلاثة ليست متوالية في شعره. وأول القصيدة:
ولم أرَ ليى بعد يومِ تعرضت ... له دونَ أبواب الطرافِ من الأدَمْ
تعرُّضَ حوراءِ المدامِعِ ترتعي ... تِلاعا وغُلاّنا سوائَل من ذَمَمْ

(1/307)


عشيةَ تبليغِ المودّةِ بيننا ... بأعيُنِنا من غير عِيٍ ولا بَكَمُ
عشيةُ يُجزْي طُفنا من كلامنا ... ولم يَغْفَل الراعي الشّفيقُ ولم يَنمْ
كلابيةٌ وبريةٌ حنثرية ... نأتكْ وخانت بالمواعيد والذمَمْ
ومِنْ شَر مَنْ عهداً أو ذِمةً ... ألاتُ الخِضابِ اللامعاتُ إلى اللمَمْ
غدَتْ في أناسٍ مُصْعِدينَ تَيمّموا ... مُصابَ الخريف في بلاد بني جشم
إذا ابتسمتْ ماحَ النّدى فوق بارِدٍ ... من الظَّلْمِ براقِ العوارضِ ذي شَيَمْ
أناسٌ عِدى عُلقْتُ فيهم وليتَني ... طلبْتُ الهوى في رأسِ ذي زَلَقٍ أشَم

ترخيم (لميس) في غير النداء - ضرورة
قال سيبويه في الترخيم قال اوس بن حجر:
(تنكَّرْتِ منا بعد معرفةٍ لَمِي ... وبعدَ التّصابي والشبابِ المكرَّمِ)
الشاهد في ترخيم لميس.
تنكرت منا: أي أنكرتنا بعد ما كنت عارفة بنا، وأراد إنه تغير

(1/308)


في عينها غير ما كانت تعرفه، فأنكرته. والتصابي: الميل إلى الصبا واللهو. والمعنى واضح.

الوصف بمضاف إضافته لفظية
قال سيبويه قال علقمة بن عبدة:
وقد أغتدي والطيرُ في وُكُراتها ... وماءُ الندى يجري على كل مذنَبِ
(لمُنجَردٍ قيْدٍ الأوابدِ لاحَهُ ... طِرادُ الهوادي كلَّ شأوٍ مُغربٍ)
الشاهد فيه إنه جعل (قيد الأوابد) صفة لـ (منجرد) و (قيد) مضاف إلى (الأوابد) ولم يتعرف بالإضافة لأنه في نية الانفصال.
والوكر: عش الطائر وموضعه الذي يأوي إليه، والجمع أوكار، وقد جاء الوكرات في معنى الأوكار وواحدها في التقدير وكرة، وليس بمعروف. وأراد بماء الندى الذي يسقط بالليل على الزرع، والمذنب والجمع مذانب: المواضع التي يجري فيها الماء خلال الزرع. والذي عندي إنه أراد به الأبواب التي تقطع الزرع.
والمنجرد: الفرس القصير الشعرة، والأوابد: الوحش. يريد أن هذا الفرس إذا جرى في طلب الوحش لحقها فمنعها فارسه من العدو لأنه يطعنها، فكأن الفرس قيدها حتى لحقها فارسه، ولاحه: غيره، لاح هذا الفرس مطاردة هوادي الوحش وهي أوائلها. يريد إنه

(1/309)


إذا طلب الوحش لحق أولها، والشأو: الطلق وهو الوجه من الجري، والمغرب: ذكر إنه الذي يأتي المغرب، وقيل هو البعيد.

ترخيم (حمزة) في غير النداء - ضرورة
قال سيبويه في الترخيم: قال رؤبة:
(أما تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ)
قاربتُ بين عَنَقي وجَمْزي
وبعد تَقْماص الشباب الإبْزِ
فكل بَدْءٍ صالحِ ونِقْزِ
لاقٍ حِمامَ الأجَلٍ المُخْتَز
العنق والجمز: ضربان من العدو. والتقماص والقموص: الطفر والفز والابز: الوثب وهو مصدر ابز يأبز، والبدء: الرجل الشريف، والنقز: الساقط الرذل من الرجال، والمختز: الذي يصيب، وأصله من قولهم: اختزه بالسهم إذا رماه فأصابه به.
والشاهد إنه رخم (حمزة) في غير النداء.

في تعريف (ابن لبون)
قال سيبويه: قال جرير:
وابنُ اللبونِ إذا ما لزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطعْ صولَة البُزْلِ القناعيسِ)

(1/310)


ابن اللبون من الإبل: الذي قد استوفى سنتين ودخل في الثالثة، والبزل: جمع
بازل، وهو من الإبل الذي له تسع سنين، والقناعيس: العظام، الواحد قنعاس، والقرن: الحبل، وولز: شد فيه، والصولة: الحملة عليه ومناله بما يكره. يهجو بذلك عدي بن الرقاع العاملي يقول له: أنت في الشعراء بمنزلة ابن اللبون في الإبل، ضعيف لا يغني شيئا ولا ينتفع به. وأنا بمنزلة الفحل البازل، وابن اللبون لا يستطيع دفع الفحول.

في الترخيم)
قال سيبويه في باب الترخيم: قال زيادة بن زيد العذري:
(عوجي علينا وارْبَعي يا فاطما)
ما دونَ أن يُرَى المَطِيُّ قائما
الشعر منسوب في الكتاب إلى هدبة بن الخشرم، وهو في شعر زيادة

(1/311)


بن زيد العذري. وفاطمة: هي فاطمة بنت الخشرم أخت هدبة، شبب بها زيادة بن زيد.
عوجي علينا يريد عوجي بعيرك: أي أعطفيه إلى جهتنا، واربعي: توقفي علينا. وقوله: ما دون أن يرى البعير قائما، يقول: توقفي علينا، وارفقي في السير حتى نستمتع بالنظر إليك، ولا تقفي كل الوقوف فيشعر الناس بما صنعت لأن الناس سائرون، فإن وقفت بعيرك ولم تسيري علموا أنك إنما وقفت من اجلي.
و (ما) في موضع نصب، وهي في المصدر كأنه قال: واربعي الربع الذي هو دون القيام، فهو منصوب بـ (اربعي) ويجوز أن ينتصب بـ (عوجي) كأنه قال: عوجي العوج الذي يكون دون القيام. والوجه الأول أحسن. ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل، كأنه قال: قفي ما دون أن يرى البعير قائما. و (قائما) في موضع الحال، ورأيت: من رؤبة العين.
وقال سيبويه في الترخيم: وأما الاسم العام فنحو قول العجاج.
(جاريَ لا تستنكري عَذيري)
سَعْيِي وإشفاقي على بعيري
العذير: الحال. يقول: لا تنكري حالي التي أنا عليها. وذلك أن جارية

(1/312)


مرت به وهو يصلح حلسا له - والحلس: كساء يطرح على ظهر البعير - فقال: لا تنكري أن اصلح الحلس، وظن حين مرت به الجارية أنها قد أنكرت أن يكون مثله يصلح الحلس فقال: لا تنكري هذه الحال، فإن على الإنسان أن يتفقد أموره.
و (سعيي) بدل من (عذيري) وهو بدل الشيء من الشيء وهو بعضه.
قال سيبويه في الترخيم. قال زهير:
(حُذوا حظَّكم يا آلَ عِكْرِمَ واذْكروا ... أواصِرنا والرحْمُ بالغيبِ تُذكَرُ)
وإنا وإياكم إلى ما نَيومُكمْ ... لَمِثلانُ، بل أنتم إلى الصلح أفقرُ
الشاهد في البيت إنه رخم (عكرمة) وهو غير منادى.
وآل عكرمة سليم وهوازن، وسليم: هو سليم بن منصور بن عكرمة، وهوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وغطفان: هو غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان. وبلغ زهيرا أن هوازن وبني سليم يريدون غزو غطفان، فذكرهم ما بين غطفان وبينهم من الرحم، وأنهم يجتمعون في النسب إلى قيس، يقول:
خذوا حظكم من ودنا، واذكروا الرحم التي بيننا وبينكم،

(1/313)


والأواصر: القرابات، الواحدة آصرة، والرحم يجب مراعاتها في الغيب وفي غير الغيب. ثم قال: وإنا وإياكم إلى ما نسومكم من الصلح وترك الحرب لمثلان، ليس واحد منا أولى بطلب صلح صاحبه من الاخر، لأنكم لستم بأكثر عددا ولا عدة، ونحن أشد منكم، فأنتم إلى صلحنا أفقر منا إلى صلحكم.
قال سيبويه في الترخيم: قال الأسود بن يعفر:
ألا هل لهذا الدهر من مُتَعَلّلِ ... عن الناس مهما شاء بالناس يفعلِ
وما أنفكَّ منصبّاً عليّ مُسلَّطاً ... ببؤسي ويغشاني بنابٍ وكَلْكَلِ
والفى سِلاحي كامِلا فاستعارهُ ... شَليلي وأبْداني وسيفي ومغْوَلي
(وهذا رِدائي عنده يتعيرهُ ... ليَسْلبني عِزّي أمالِ بنِ حنظل)
يقول: هل لهذا الدهر شيء يشتغل به ويعمل في إفنائه وفساده سوى الناس! ثم قال: مهما شاء بالناس يفعل، يريد أن الدهر لا تنقص مكارهه وإفساده لأحوال الناس. والبؤسى: البؤس، ويغشاني بناب: أي يأكلني كما تأكل السباع، والكلكل: الصدر. يقول: قد ألقى صدره علي كما يلقي السبع صدره على فريسته. وقوله: وألفى سلاحي كاملا، يقول: وجده

(1/314)


كاملا فاستعاره، يريد إنه أخذ منه قوته وشجاعته وحسنه وصبره وجلده وجميع الأحوال الجميلة التي كانت فيه، شيئا بعد شيء، وجعل هذه الأشياء بمنزلة السلاح لأنه يدفع بها عن نفسه كما يدفع بالسلاح.
والشليل: الدرع القصيرة، والبدن: الدرع السابغة، والمغول: حديدة تكون في السوط. وهذه الأشياء التي ذكرها منصوبة، فهي بدل من السلاح، كما تقول: رأيت اخوتك زيدا وعمرا وعبد الله. وقوله: وهذا ردائي عنده يستعيره، يريد عند الدهر، والضمير يعود إلى الدهر، والرداء فيما أرى: يعني به نفسه كما كني عن الإنسان في بعض الكلام بالثياب.
وقد قيل في قوله تعالى: (وثيابك فطهر) أي نفسك، ويجوز أن يعني بالرداء أفعاله الجميلة التي كان يفعلها، فإن أثرها عليه أحسن من الارتداء. ومثله قوله:
. . . . . . إذا هو بالمجدِ ارتدى وتأزَّرا
ويجوز أن يعني بالرداء: السيف، كأنه قال: أخذ مني سيفي، يريد به شبابه وقوته، وإذا سلبني شبابي وقوتي عمل في أن بسلبي نفسي. وقوله: آمال بن حنظل يريد يا مالك بن حنظلة، ونادى قومه ليعجلوا، وأراد مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد
مناة بن تميم وهو من بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة.
والشاهد فيه إنه رخم حنظلة في غير النداء.

في حركة لام الاستغاثة
قال سيبويه في: باب ما يكون النداء فيه مضافا إلى المنادى بحرف الإضافة: قال مهلهل:

(1/315)


(يا لَبَكْرٍ انشِروا لي كُليْباً ... يا لَبَكْرٍ أين أين الفِرارُ)
يريد ببكر بكر بن وائل وهم اخوة تغلب بن وائل، وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان قتل كليبا أخا مهلهل. وحديثهم مشهور، وجرت بينهم حروب طالت، فقال لهم مهلهل - على طريق التهكم بهم والاستعلاء عليهم، وانه قد قدر عليهم واخذ بثأره - انشروا كليبا أخي، أي احيوه حتى أعفيكم من القتل.
(يريد أنكم لا تحيونه، وأنا لا أعفيكم من القتل). وهذه اللام لام الاستغاثة، وهو لم يستغث بهم لينصروه لأنه محاربهم. وهذا معنى قول سيبويه: وإنما استغاث بهم لهم. يريد إنه لم يستغث بهم ليغيثوه، إنما استغاث بهم لهم لأجل ما نزل بهم من قتل مهلهل إياهم.
وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي:
(ألا يا لَقَوْمٍ لِطَيْفِ الخيا ... - لِ أرقَ من نازحٍ ذي دَلالِ)
الطيف: ما رآه في المنام كأنه ينظر إلى شخصه، يقال: طاف يطيف طيفا، والخيال: ما تخيل بصورة المرئي، والنازح: البعيد، وأرق: أسهر، ويقال الأرق أن يفتح عينه مرة ويغمضها مرة، والتسهيد: أن لا ينام أصلا. وقيل: تأرق وتسهد واحد.
وقوله: من نازح يجوز أن يكون في صلة

(1/316)


(أرق) كأنه قال: أرق من أجل نازح، ويجوز أن يكون في صلة (طيف) كأنه قال: ألا يا لقوم لطيف الخيال من نازح
ذي دلال أرق، يريد أرقني. و (نازح) وصف لمحذوف، كأنه قال: أرق من إنسان نازح ويريد بالنازح امرأة، وإنما ذكر لأنه جعله وصفا لإنسان أو لشخص أو ما أشبه ذلك.
و (لطيف) في صلة فعل محذوف، كأنه قال: أعجبوا لطيف الخيال. والدلال: أن يكلف المحب أمورا لا يريد بها أن يظهر بقبوله منه إنه محب.

في باب النداء
قال سيبويه في باب النداء: قال الطرماح:
(يا دارُ أقوتْ بعد أصْرامها ... عاما وما يَعْنيكَ مِن عامها)
فإنما ترك التنوين فيه لأنه لم يجعل (أقوت) صفة للدار، يريد أن (دارا) نكرة في الأصل، فإن نادى من الدور بغير عينها نصب ونون، وإن قصد إلى دار بعينها ضمها ضمة بناء، وإذا صارت معرفة بالقصد إليها دون غيرها لم تنعت بنكرة، والأفعال والجمل لا تكون نعوتا للمعارف، إنما تكون نعوتا للنكرات.
وبعد قوله (يا دار) قوله (أقوت) فلو أراد أن تكون (أقوت) وصفا للدار لكانت (الدار) نكرة، وكان يقول: يا دارا أقوت، ولكنه أراد أن يناديها بعينها فقال: يا دار ثم تحدث عنها بعد أن

(1/317)


ناداها. وقوله اقوت، معناه خلت من أهلها وصارت قفرا ليس بها شيء، والقواء: القفر من الأرض، والاصرام: جمع صرم والصر: بيوت مجتمعة في مكان واحد.
و (عاما) منصوب بـ (أقوت) يريد أنها خلت منهم عاما واحدا، يعني إنه عهدهم في ذلك المكان منذ سنة، ثم قال: وما يعنيك من عامها، أي ما يهمك وما يشغل قلبك من أجل خلوها سنة.
والشاهد فيه إنه جعل (دارا) معرفة.
قال سيبويه: وتقول: يا أيها الرجل وزيد، ويا أيها الرجل وعبد الله لأن هذا
محمول على (يا). يريد إنه معطوف على الاسم المنادى، وليس بمعطوف على الاسم الذي هو صفة للمنادى. يقول: أن قولك (زيد، وعبد الله) عطف على (أن) وليس على (الرجل). وجعله كما قال رؤبة:
(يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخْدَنِ)
بكِ المها من مُطْفِلٍ ومُشْدِنِ
الشاهد فيه إنه عطف (دار البخدن) على (دار عفراء) ولا يصلح أن تكون (دار البخدن) مجرورة معطوفة على (عفراء) لأنه يكون التقدير فيه (يا دار دار البخدن) وهو لم يرد أن يجعل لدار البخدن لدار البخدن دارا، إنما أراد أن بنادي دار عفراء، وينادي دار البخدن. وشاهد سيبويه فيه.
وعفراء: امرأة، والبخدن يروى على وجهين: البخدن على وزن جعفر،

(1/318)


والبخدن على وزن زبرج. وزعموا أن البخدن: امرأة الرخصة الرطبة، والمها: بقر الوحش، الواحدة مهاة، والمطفل: التي معها طفل، والمشدن التي قد شدن ولدها أي قوي ومشى معها.
وعندي إنه عنى بالبخدن عفراء، أضاف الدار إلى اسمها تارة، وإلى صفتها أخرى، والدار دار واحدة. وهذا كما تقول: يا غلام زيد وغلام العاقل، والعاقل هو زيد.
ويدل على أن الدار دار واحدة قوله: بك المها، فجعل الخطاب لواحدة، وكذا فعل بعد ذين البيتين.

جواز نعت صفة المنادى بمرفوع مضاف
قال سيبويه: واعلم أن هذه الصفات التي تكون والمبهمة بمنزلة شيء واحد، إذا وصف بمضاف، أو عطف على شيء منها كان رفعا من قبل إنه مرفوع غير منادى.
يريد أن نعت (أي) وما كان في معناها من المبهمة إذا نعت كان بمنزلة مرفوع يقع في غير النداء، فيجري الوصف لنعت (أي) مجرى ما ينعت من النعوت من غير النداء. ومثال هذا أن تقول: جاءني زيد أخوك العاقل. تجعل (أخوك) نعتا لـ (زيد) وتجعل (العاقل) وصفا لـ (أخوك).
فكذا إذا قلت: أيها الرجل ذو المال، (ذو المال) مرفوع لأنه وصف لـ (الرجل)، و (الرجل) ليس بمنادى إنما هو وصف منادى، ووصف المنادى لا يجري مجرى المنادى، فلذلك صلح أن ينعت (الرجل) بنعت مرفوع مضاف.
قال رؤبة:
(يا أيها الجاهلُ ذو التَنَزي)
لا تُوعِدَنّي حيّةً بالنَّكْزِ

(1/319)


التنزي: التوثب، والتنكز: قيل هو كنز الحية بنابها أي عضها، وقيل النكز بأنفها، ويقال: نكزة بالعصا مثل وكزه. يقول: أنا لا ارهب وعيد متوعد وإن كان خبيئا داهية، وعنى بالحية الرجل الشجاع.

(ابن) تصف ما قبلها تتبعه في حركته
قال سيبويه في باب ما يكون الاسم والصفة فيه بمنزلة شيء واحد، فيضم قبل الحرف المرفوع فيه حرف، ويكسر فيه قبل المجرور حرف، ويفتح ذلك الحرف في المنصوب.
يريد سيبويه أن يجعل المنادى إذا كان اسما علما - وأضيف بابن إلى اسم علم، نحو: يا زيد بن عمرو - بمنزلة (امرئ) في أن راءه تحرك بحركة مثل حركة همزته، فإن ضممت الهمزة الراء، وإن فتحت الهمزة فتحت الراء، ويفعل مثل ذلك بالكسر، تجعل حركة الراء مثل حركة الهمزة.
ويفعل مثل هذا في النداء الذي وصفته لك: تجعل حركة آخر الاسم الأول بمنزلة
حركة النون من (ابن) تتبعها. فتقول: يا زيد بن عمرو، ويا خالد ابن جعفر. وكذا يفعل في غير النداء. وإنما فتح لتتبع حركة آخر الاسم حركة آخر النعت.
والحركة الأولى حركة بناء، والحركة الثانية إعراب، وهو مثل (امرئ) في أن حركة الهمزة إعراب وحركة الراء بناء. وقال الكذاب الحرمازي:

(1/320)


(يا حَكَمَ بنَ المُنذرِ الجارودْ)
سُرادِقُ المجدِ عليكَ ممدودْ
الممدوح: الحكم بن المنذر بن الجارود العبدي وكان من السادات. وأراد أن المجد قد امتد في وجهه كامتداد السرادق.
وقال العجاج:
يا عُمَرَ بنَ مَعْمَرٍ لا مُنْتَظَرْ
بعدَ الذي عدا القُروصَ فحزَرْ
يخاطب العجاج عمر بن عبد الله معمر التميمي، وكان قد ولي حرب الخوارج بعد أن عظم امرهم واشتد. والقروص: أن يخمض اللبن حموضة يسيرة، والحزور: أن تشتد حموضته، ومثل من أمثالهم في إفراط الأمر: عدا القروض فحزر.
يقول: لا منتظر بعد ما جرى من الخوارج، يريد: لا تتوقف عن محاربتهم فقد جاوزوا إلى أشد مما كان يخاف منهم.

(1/321)


جواز عطف المعرفة على مجرور (رب)
قال سيبويه في باب (إجراء الصفة فيه على الاسم في بعض المواضع أحسن): وأما رب رجل وأخيه منطلقين، ففيه قبح حتى تقول: وأخ له، فالمنطلقان عندنا مجروران من قبل أن قوله: وأخيه، في موضع نكرة، لأن المعنى إنما هو: وأخ له. ثم ذكر كلاما اتصل بكلامه المتقدم، ومسائل، وامتد كلامه حتى انتهى إلى أن قال:
وقال الأعشى:
وكم دونَ بيتكَ من صَفْصَفٍ ... ودَكْداكِ رَمْلٍ واعقادِها)
ويهماَء بالليل غَطْشَى الفَلاةِ ... يؤرقني صوتُ فيّادها
ووضْعِ سقاءٍ وأحقابهِ ... وحَل حُلوسٍ واغمادِها
وفي الكتاب بعد الشعر: هذا حجة لقوله: رب رجل وأخيه. والشاهد على قوله (واعقادها) عطفه على المجرور بـ (من) ومن، لا تدخل في هذا الموضع إلا على نكرة، كما أن (رب) لا تدخل إلا على نكرة، فلما ادخل (من) على النكرة عطف على النكرة ما هو مضاف إلى ضمير النكرة، كما فعل في: (رب رجل وأخيه) كأنه قال: من ضفصف، ومن دكداك رمل واعقادها.

(1/322)


وكذا الشاهد في قوله: (ووضع سقاء وأحقابه) الهاء تعود إلى السقاء. وكذا: (وحل حلوس وأغمادها) يعود الضمير فيه إلى الحلوس.
يمدح الأعشى بهذا الشعر سلامة ذا فائش الحميري، يقول له: كم دون بيتك من صفصف قد قطعته وجزته إليك. والصفصف: المستوي من الأرض، الدكداك: الرمل اللين، والعقد وجمعه اعقاد: ما تعقد من الرمل وتراكم بعضه على بعض.
ووجه تأنيثه الضمير الذي أضاف الاعقاد اله - والاعقاد هي اعقاد الدكداك، والدكداك واحد - إنه في معنى الدكادك، وهو واحد يراد به الجنس، ولذلك قال: واعقادها. واليهماء: الأرض القفرة، والغطشى: العمياء التي لا يبصر أحد فيها شيئا، وليس فيها علم يستدل به، والغطش: ضعف البصر، والفياد: ذكر البوم، يؤرقني: يمنعني من النوم.
ووضع سقاء: على الأرض، إذا ترك ليشرب منه. وأحقابه: شده وراء رحله، يقال: احقبت الشيء إذا شددته وراءك. والحلوس: جمع حلس وهو مثل البرذعة، يكون تحت الرحل. يريد: حلها إذا نزل، وأغمادها: شدها على ظهر راحلته.
يقال: اغمد متاعه على ظهر دابته، إذا تركه، ويقال: إغماد الحلوس: إدامتها تحت الرحال. ويقال: إغمادها: إدخال بعضها على بعض.
والمعنى الذي قصده الأعشى، إنه وصف ما لقيه من الشدة والعناء والتعب في السير، حتى لقي سلامة ذا فائش. وإنما يقول له مثل هذا ليعظم حال قصده له.

جمع (ابن) لغير العاقل على (بنون)
قال سيبويه قال النابغة الجعدي:

(1/323)


وصهباَء لا تُخْفي وهْيَ دونَهُ ... تُصَفَّقُ في راووقِها ثم تُقْطَبُ
(شَرِبْتُ بها والديّكُ يدعو صباحهُ ... إذا ما بنو نَعْشِ دنَوا فتصوبوا)
الشاهد فيه إنه جمع (ابنا) من غير ما يعقل جمع العقلاء المذكورين وقال (بنو) وكان ينبغي أن يقول (بنات) وقد سيبويه وجه قوله.
وأراد بالصهباء: الخمر، أراد ورب صهباء، لا تخفي القذى أي لا تستره إذا وقع فيها لأنها صافية، فالقذى يرى فيها إذا وقع، وقوله: وهي دونه، يريد أن القذى إذا حصل في أسفل الإناء رآه الرائي في الموضع الذي هو فيه، والخمر اقرب إلى الرائي من القذى، وهي فيما بين الرائي وبين القذى.
يريد أنها يرى ماوراءها. تصفق: تصفى وتدار من إناء إلى اناء. ووقع في الكتاب (شربت به) وإنما هو (شربت بها) يريد شربتها. ومثله:
نضربُ بالسيف ونرجو بالفَرَجْ
أي نرجو الفرج.
وفي شعره (تمززتها) أي شربتها قليلاً قليلا. وقوله يدعو صباحه: أي يدعو في وقت إصباحه، وقوله دنوا: أي مالت بنات نعش إلى جانب السماء.

(1/324)


قال سيبويه وقال الأعشى:
(فإما تَرَيْ لِمَّتي بُدلَتْ ... فإن الحوادثَ أودَى بها)
الشاهد على إنه ذكر (أودى) وفيه ضمير الحوادث. ومثل هذا في الشعر ضرورة.
واللمة: الشعر الذي نزل من الرأس إلى ما بين الكتفين. وقوله: إما تري يريد أن تري. ومعنى بدلت: ذهب بعضها بالصلع، وشاب بقيتها. فإن حوادث الدهر أهلكها؛ يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء، وأودى: هلك.
ويروى: فإن تعهديني ولي لمة.
ويروى: فإن الحوادث ألوى بها.
ويروى: أزرى بها.
والشاهد في جميع هذه الروايات على طريقة واحدة.

العدول عن البدل صونا للمعنى
قال سيبويه في باب المعرفة من النكرة، والمعرفة من المعرفة: وإن شئت قلت: مررت برجل عبد الله، كأنه قيل لك: من هو؟
أو ظننت ذلك. ومن البدل أيضا: مررت بقوم عبد الله وزيد وخالد والرفع جيد. يريد أن الاسم الذي تجعله بدلا يجوز فيه أن ترفعه

(1/325)


بالابتداء، وإنما يحسن في البدل، إذا كان البدل مثله يصلح أن يكون جوابا لـ (من) أو غير (من) ممن يقتضيه المعنى. قال مالك بن خالد الهذلي:
يا ميَّ أن تفقدي قوما ولَدْتِهمِ ... أو تُخْلَسيهِمْ فإن الدهرَ خَلاّسُ
(عمروٌ وعبدُ مَنافٍ والذي عَهِدَتْ ... ببطنِ عَرْعَرَ أبي الضيم عبّاسُ)
تخلسيهم: يؤخذون منك بغتة، فإن الدهر من شأنه أن تؤخذ فيه الشيء بغتة: وعرعر: مكان معروف.
والشاهد فيه رفع (عمرو) وما بعده، ولم يجعلهم بدلا من (قوما) و (عباس) بدل من (الذي). ولو أبدلت فسد الكلام، لأننا إذا نصبنا (الذي) وجب أن ننصب الذي هو بدل منه، فكنا نقول: عباسا:
وقوله: والذي عهدت، الضمير عندي يرجع إلى مي، وترك لفظ الخطاب وأخبر عنها باللفظ الذي يكون للغائب، أراد. والذي عهدت، فلم يستقم له، فأتى باللفظ الذي للغائب.

الرفع على الاستئناف دون الاتباع تجديدا للمعنى
قال سيبويه في باب ما ينتصب على المدح والتعظيم: وذلك قولك: الحمد لله

(1/326)


الحميد، والملك لله أهل الملك. ولو ابتدأته ورفعته كان حسنا. قال الأخطل.
نفسي فداءُ أميرِ المؤمنين إذا ... أبدى النّواجّذَ يومٌ باسلٌ ذَكَرُ
(الخائضُ الغَمْرَ والمَيْمونُ طائرهُ ... خليفةُ الله يُستسقى به المَطَرُ)
يمدح بذلك عبد الملك بن مروان.
والشاهد فيه إنه رفع (الخائض الغمر) وما بعده، على إنه خبر ابتداء محذوف، او على إنه مبتدأ وخبره محذوف.
والنواجذ: أقصى الأضراس، وقال بعضهم: هي التي تلي الأنياب. وإنما تبدو النواجذ إذا اشتد فزع الإنسان. تقلصت شفته فبدت أسنانه وما في فمه. والباسل: الشديد الكريه، والذكر: الذي ليس فيه إلا الجيد والعمل. ووصف اليوم بأنه باسل لأن البسالة تقع فيه.
يقول: هو في مثل هذا اليوم

(1/327)


يخوض الغمرات، والميمون طائره: الذي يتبرك به، والمعنى واضح. ويجوز فيه: الخائض بالنصب، ويجوز فيه الجر على الصفة.

النصب على التمييز
قال سيبويه: في النفي: وإن شئت قلت: لا مثله رجلا، على قولك: لي مثله غلاما. يريد إنه ينتصب على التمييز. وقال ذو الرمة:
رجعْتُ إلى عِرفانِها بعد نَبْوَةٍ ... فما زِلْتُ حتى ظَنّني القومُ باكيا
(هي الدارُ إذْ مَيٌّ لأهِلكَ جيرةٌ ... لياليَ لا أمثالهنَّ لياليا)
يريد إنه وقف بالدار فلم يعرفها في أول وقوفه، ثم تذكرها وتبين أمرها بعد أن بصره عنها وأنكرها، فعرفها. فقوله: حتى ظنني القوم باكيان يقول: وقفت بها واجما حزينا، وأطلت الوقوف حتى ظن أصحابي أنني أبكي.
وقوله: هي الدار: أي الدار التي عهدت فيها ميا، والجيزة، المجاورون، وأراد: إذ أهل مي لأهلك جيرة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. يقول: كانوا جيراننا في ليال ليس لها مثل في الليالي و (لياليا) العامل فيه (أمثالهن)، وهذا كما تقول: على التمرة مثلها زبدا، وخبر (لا) محذوف كأنه قال: لا أمثالهن ليالي لنا.

(أولاد أحقب) وأشباهه نكرة
قال سيبويه في باب: (من المعرفة يكون الاسم الخاص شائعا في الأمة، ليس واحد منها أولى به من الآخر): فإذا أخرجت الألف واللام صار

(1/328)


الاسم نكرة يعني إذا أخرجت من ابن اللبون وابن المخاض وما أشبه ذلك، لأنه صار معرفة بالألف واللام، فإذا نزعتا منه تنكر. ثم انشد. كذا في الأصل.
ثم قال: وكذلك كل ابن أفعل إذا كان ليس باسم لشيءز لم يمثله سيبويه بشيء، وهو مثل قولك: مررت بابن أشر، ومررت بابن اخضر. يريد مررت بمهر ابن فرس اشقر، وبطائر ابن طائر أخضر، فأخضر وأشقر ليسا باسمين وهما صفتان.
وقال سيبويه: وقال ناس: كل ابن افعل معرفة لأنه لا ينصرف وهو ما مثلت من قولهم: ابن أشقر وابن أخضر، وزعم هؤلاء أن أخضر وأشقر وما أشبههما، إذا أضفت إلى واحد منهما (ابنا) فهو معرفة، لأنه لا ينصرف. وقال سيبويه: وهذا خطأ لأن (أفعل) لا ينصرف وهو نكرة، ألا ترى أنك تقول: أحمر قمد.

(1/329)


يريد أن (أحمر) نكرة، ولو لم يكن نكرة لم يوصف بـ (قمد) وقمد نكرة. قال ذو الرمة:
(كأنا على أولادِ أحقَبَ لاحَها ... ورْميُ السَّفا أنفاسها بسِهامِ)
جَنوبٌ ذوَتْ عنها التّناهي وأنزلتْ ... بها يوم ذبابِ السبيبِ صيامِ
الأحقب: الحمار الوحشي الذي بموضع الحقيبة منه بياض. ويقول: كأنا على حمير وحش. شبه رواحلهم في السرعة بالحمر الوحشية. ويروى:
كأنا على أولاد خطباء. . .
والخطباء: الأتان، والخطب: الخضرة التي في متنها، لاحها: غيرها وأضمرها والضمير في (لاحها) يعود إلى أولاد أحقب، و (جنوب) مرفوعة فاعلة (لاحها) والسفا: شوك البهكي. وقوله (أنفاسها) يريد به انوافها وموضع أنفاسها ومناخرها، والسهام: هي شوك البهمى. يريد أن الريح اقتلعت السفا فرمت به أنوف الحمير، وإنما يكون ذلك إذا يبس النبت ولم يكن للحمير رطب ترعاه، فتقبل على رعي اليبيس، فإذا رعت البهمى وهي يابسة؛ حملت الريح سفا البهمى فشكته في أنوف الحمير.
والتناهي: جمع تنهية وهو موضع ينتهي السيل اليه، ويقف فيه مدة من الزمان، فإذا اشتد الحر جفت التناهي. ومعنى ذوت: جفت، وأنزلت بها أي بالحمير، وفي (أنزلت) ضمير يعود إلى (الجنوب)، يريد أن الجنوب أنزلت بالحمير يوما شديدا.
وقيل: أنزلت بها: أي أحلت بها؛ في معنى أحلتها وأنزلتها. جعل اليوم كأنه محل،

(1/330)


كما تقول: أحلتها مكانا شديدا. وقيل: السبيب: أذنابها التي تذب بها، وكان ينبغي أن يقول: يوم ذبابة السبائب، يريد يوم تذب الحمير بأذنابها. وقيل: ذباب السيب: الثور الوحشي يذب عن نفسه بذنبه في شدة الحر. و (صيام) نعت لأولاد أحقب.
والشاهد فيه أن (صيام) نكرة وهو وصف لـ (أولاد احقب) فلو كان أولاد احقب معرفة كما زعم هؤلاء القوم كان المضاف إليه معرفة، وإذا صار معرفة لم يجز أن يوصف بنكرة.
وقد وقع في البيت ضرورة قبيحة، وهو تقديم المعطوف على المعطوف عليه.
لأن قوله (ورمي السفا) معطوف على (جنوب) وهذا كما تقول: قام وعبد الله زيد. ومثله:
. . . عليكِ ورحمةٌ اللهِ السّلامُ
ومثله:
جَمَعْتَ وبُخْلاً غِيبَةً ونَمِيمَةً. . .
يريد إنه لاحتها الجنوب ورمي السفا.

العطف بالرفع على محل (لا) النافية للجنس
قال سيبويه في باب: ما جرى على موضع المنفي لا على الحرف الذي عمل في المنفى. فمن ذلك قول ذي الرمة:
بلادا بها اهلون ليسوا بأهلنا ... وأخرى من البلدان ليس بها أهلُ

(1/331)


(بها العين والارآم لا عِدَّ عندهَا ... ولا كَرَعٌ إلا المَغاراتُ والربْلُ)
(بلادا) منصوب بشيء متقدم قبل هذا البيت بأبيات.
يريد إنه قطع إلى هذا الممدوح بلادا كثيرة، بعضها فيها ناس ليسوا بأهله ولا يعرفهم، وبعضها خال ليس به أحد، وفيه الوحش، والعين: البقر الوحشية، والآرام: الضباء البيض، والعد الماء القديم الذي له مادة، والكرع: الماء الذي يكرع، يشرب من الموضع الذي اجتمع فيه، والمغارات: جمع مغارة وهي مواضع في الجبال شبه الحجرة والبيوت، تتسع وتضيق. وقيل: إنه أراد بالمغارات مكانس الوحش، والربل: كا ينبت في آخر الصيف ببرد الليل وفي أول الشتاء. ويروى:
سوى العِيبن والأرآم. . .
والشاهد إنه عطف (كرع) على موضع (لا) وهي في موضع ابتداء.

في باب النداء
قال سيبويه في باب النداء: وأما قولك: يا أيهاذا الرجل،

(1/332)


فإن (ذا) وصف لـ (أي) كما كان الألف واللام وصفا له، لأنه مبهم مثله، فصار له كما صار الألف واللام. يريد أن (أيا) المبهمة يوصف في النداء بما فيه الألف واللام وبالأسماء التي للإشارة، فإذا قلت: يا أيهذا فكأنك قلت: يا أيها الرجل. قال ذو الرمة:
(ألا أيُّهذا المنزلُ الدّارسُ الذي ... كأنك لم يَعهدْ بكَ الحي عاهدُ)
(ذا) وصف لـ (أي) و (المنزل) وصف لـ (ذا) و (الدارس) وصف لـ (المنزل) و (الذي) وصف لـ (المنزل) أيضا. وقوله: كأنك لم يعهد بك الحي عاهد، هو على لفظ الخطاب، والذي يجب أن يعود إلى (الذي) على لفظ الغيبة، لم يعهد به الحي عاهد. وإنما جاز هذا على الاتساع. وهو مثل قولهم: أنت الذي قمت وأنا الذي قمت، فلما تقدم النداء وهو للمخاطب استجاز معه أن يجعل ضمير المخاطب في موضع ضمير الغائب. ويروى:
ألا أيها الرَّبْعُ الذي غير البِلَى ... كأنَّك لم يَعْهَدْ بك الحيَّ عاهدُ