شرح أبيات سيبويه

إبدال الياء من الباء - ضرورة
قال سيبويه قال ابو كاهل اليشكري:
كأنّ رحْلي على شَغْواَء خاذرةٍ ... ظَمْياَء قد بُلَّ من طَلً خوافيها
(لها أشاريرُ من لحم تتمرُه ... من الثّعالي، ووخزُ من أرانيها)

(1/393)


شبه راحلته في سرعتها بعقاب، والشغواء: العقاب، وظمياء: يجوز أن يريد أنها تضرب إلى السواد، ويجوز أن يريد أنها عطشى إلى دم الصيد، والطل: المطر
الضعيف، والخوافي: ريش جناحها وإذا بلها الطل أسرعت، لها: للعقاب في وكرها اشارير لحم جففته وبسطته، وتتمره: تقطعه صغارا، واللحم المتمر: المقطع، والوخز: شيء منه ليس بالكثير.

ترخيم (معاوية) إلى معاو)
قال سيبويه: واعلم أن ما يجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقل في كلام العرب، وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تحذف الهاء أكثر. من قبل أن حروف الإعراب في سائر الكلام غيره.
يعني أن الترخيم على مذهب من قال: يا حار - فضم الراء - أقل من الترخيم على مذهب من جعل ما قبل الهاء على ما كان عليه قبل الترخيم.
وقوله: من قبل أن حروف الإعراب في سائر الكلام غيره، يعني أن الحرف الذي قبل الهاء يكون مفتوحا في كل موضع سوى الترخيم لأن الهاء يكون بعده، فالإعراب يقع عليها في جميع المواضع سوى الترخيم. والضم إنما يدخل في النداء على الحرف الذي يقع عليه الإعراب قبل النداء، والإعراب

(1/394)


لا يقع على ما قبل الهاء.
وكان الاجود عنده أن يكون ما قبل الهاء على الحال التي كان عليها قبل الترخيم، كما كان على هذا الوصف في كل موضع سوى الترخيم. ثم قال: وهو على ذلك عربي. يعني أن يجعل الاسم بعد حذف الهاء بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء. ثم قال: وقد حملهم ذلك على أن رخموه، حيث جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه. يريد انهم لما جعلوه بعد حذف الهاء بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء، رخموه ترخيما آخر، كما يرخمون الاسم الذي لم يحذف منه شيء.
وقال العجاج:
فقد رأى الراؤون غيرُ البُطلِ
(أنك يا معاوِ يا بْنَ الأفضلِ)
الشاهد فيه إنه حذف الياء من (معاوية) وكان ترخيمه بحذف الهاء، فلما حذفت الهاء بقي (معاوي) ثم دخله ترخيم آخر فحذفت منه الياء فبقي (معاوِ) بواو مكسورة بعد الألف، هكذا وقع الإنشاد في الكتاب. وفي شعره:
فقد (أي الراؤون غيرُ البُطَّلِ
أنك يا يزيدُ يا بنَ الآفْحَلِ

(1/395)


إذ زُلول الأقدامُ لم تَزَلْزلِ)
البطل: أصحاب الباطل، يريد أنهم رأوا أنك ثبت على الدين ولم تزُل عنه، وقمت به قياما حسنا. والممدوح في القصيدة يزيد. وفيها في موضع آخر:
فارتاحَ غمّي واستخفَّ كَسَلي
همّي، فما رأيتُ من مُهَلَّلِ
دون يزيدِ الخيرِ وابن الأفضلِ
فهذا الذي رأيته في ديوانه، وليس هذا لحجة سيبويه، لأنه لم ينقل هذه الشواهد من الدواوين إنما سمعها والعرب بعضهم ينشد شعر بعض، فإذا غير هذا عربي يحتج بقوله؛ صار كأنه هو القائل، وليس يجوز أن يفعل مثل هذا رجل عالم، لأن سيبويه قد لقي من قوله حجة، ولم يأخذ من الصحف، فإذا سمع من يجوز أن يكون عنده حجة في كلامه نقل عنه، وإن لم يرد أهلا لذلك تركه،
وقد نكر بعض النحويين إنشاد سيبويه هذا البيت وقال: إنما هو:
إنك يا مُعاويَ ابنُ الأفضلِ
فأثبت الياء في (معاوي) ولم يحذف منه إلا الهاء، وجعل (ابن الأفضل) وصفه. فيقال له: لو جاءت رواية بما ذكرت، لم يمتنع من قبولها. والذي

(1/396)


يرويه سيبويه إنما تبينه بعد أن فهمه عمن أخذه عنه، ولا ينكر جواز ما قال هذا القائل لو كانت
الرواية جاءت به، فإن قال: فأنا أنكره ولا انسب سيبويه إلى تهمة ووضع رواية سيبويه سمع هذا البيت ينشد فظن أن الياء التي هي من حروف (معاوي) منفصلة عنه وأنها الياء من (يا) ولا يمكنكم أن تقولوا أن الذي سمعه سيبويه ينشد قال سيبويه: أنا أريد (يا معاوِ) بلا ياء، وأنادي نداء آخر فأقول: يا بن الأفضل.
قيل له: إذا كان سيبويه سمع هذا البيت ينشد، ولفظه يحتمل أمرين: أحدهما ما قاله سيبويه، والآخر ما زعمت، ورأينا لما قلته نظيرا في كلام، ورأينا لما قاله نظيرا، لم نعمد إلى قول سيبويه فنرده، والشعر يحتمله. وأقل الأحوال أن يكونا وجهين في الإنشاد.
فإن قال: وأين وجدتم شعرا فيه ترخيم بعد ترخيم؟ قيل له: قد قال سعد بن المتنحر وهو جاهلي:
أيا بجي أيا بَجي أدِّ أخي
أن أخي لفيكمُ غيرُ دَعِي
وولدَتْهُ حُرَّةٌ غيرُ زَني
من وُلْدِ عِمْرانَ عمرو بنِ عدي

(1/397)


أراد يا بجيلة، فرخم ترخيما بعد ترخيم. وهذا الشعر يوضح ما ذهب إليه سيبويه.

في تعليل نصب (يا شاعرا) وهو مقصود
قال سيبويه في الاختصاص: وسألت الخليل ويونس عن نصب قول الصلتان العبدي:
(أيا شاعرا ألا شاعرَ - اليومَ - مثله ... جريرٌ، ولكنْ في كُليبٍ تواضُعُ)
فزعما إنه غير منادى إنما انتصب على إضمار يعني أن المنادى محذوف والناصب لـ (شاعرا) محذوف، وقوله: يا قائل الشعر ليس بقصد به إلى واحد بعينه، كأنه قال: يا قائلا الشعر عليك شاعرا لا شاعر اليوم مثله. ويجوز أن
تقدر: يا قائل الشعر حسبك بجرير شاعرا. ويجوز أن يكون: شاعرا منادى، ويكون على لفظ المنادى المنكور وإن كان يقصد به قصد واحد بعينه في المعنى.
وهو كقول الآخر:
يا كَنّةً ما أنتِ غيرُ لئيمةٍ ... بيضاءُ مثلُ الروضةٍ المحِلالِ
وهو يقصد في المعنى إلى كنة بعينها. ومثله:
يا رَخَماً قاظَ على يَنْخوبِ

(1/398)


ومثله:
يا ضَبُعا أكلت آيارَ أحْمِرَةٍ. . . . . . .
وقوله (مثله) مرفوع خبر (لا) و (جرير) مرفوع لأنه خبر ابتداء محذوف، كأنه لما قال: أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله، قيل له: من هو هذا الشاعر، فقال: هو جرير.
وسبب هذا الشعر أن الفرزدق وجريرا تحاكما إلى خليد عينين، ويعرف بالصلتان، فحكم بينهما بشعر فضل فيه قوم الفرزدق وشرفهم، وفضل فيه شعر جرير ووضع من قومه.
فرضي الفرزدق بتفضيل قومه على قوم جرير، وإن حكم لجرير عليه في قول الشعر. ولم يرض جرير بأن يفضل الفرزدق عليه في الشرف. وقال الصلتان في هذا:
ألا إنما تَحظَى كُليبٌ بشعرها ... وبالمجد تحظَى دارمٌ والاقارعُ
أيا شاعرا ألا شاعرَ - اليومَ - مثله ... جريرٌ، ولكنْ في كُليبٍ تواضعُ

(1/399)


النصب بفعل محذوف - للمعنى
قال سيبويه قال جرير:
ويُقضَى الأمرُ حين تَغيبُ تَيْمٌ ... ولا يُستأذنون وهمْ شُهودُ
(فلا حَسَباً فَخَرْتَ به لِتَيْمٍ ... ولا جَداً إذا ازدحمَ الجدودُ)
يهجو بذلك عمر بن لجأ التيمي، وأراد أنهم أقلاء، أذلاء، لا يدخلون في مشاورة، ولا يقف إمضاء الأمور عليهم. والجد: الحظ، يريد أنهم لا جد لهم ولا حظ في رقعة ولا شرف.
والشاهد فيه إنه نصب (حسبا) أراد: فلا ذكرت حسبا فخرت به لتيم ولا ذكرت جدا.

جواز (ولا أمية) على إرادة المثيل للتعميم
قال سيبويه في النفي، قال فضالة بن شريك ابن سلمان الاسدي:
(أرَى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أميةَ في البلادِ)
سيدْ نيني لهم نَصُّ المَطايا ... وتعليقُ الاداوى بالمَزادِ
الشاهد فيه قوله (ولا أمية) وأمية معرفة، وإنما أراد ولا أمثال أمية.

(2/3)


وسيدنيني لهم: لبني أمية، نص المطايا: رفعها في السير وحملها على الإسراع، والاداوى: جمع اداوة وهي السطيحة، والمزاد: جمع مزادة وهي الرواية. يريد إنه يسير إلى بني أمية، ويقطع البيد والفلوات، ويأخذ معه الماء. وأبو خبيب هو عبد الله بن الزبير، ونكدن: لم ينجحن.

(لعلما) غير عاملة
قال سيبويه في باب إن، قال دجاجة بن عبد القيس:
أتَتْني يمينٌ من اناسٍ لَيُرْكَبَنْ ... عليَّ ودوني هضْبُ غَوْلٍ مَقادمُ
(تَحللْ وعالجْ ذاتَ نفسك وانظرنْ ... أبا جُعل، لعلما أنت حالمُ)
الشاهد فيه إنه ادخل (ما) على (لعل) وجعلها معها كشيء واحد فبطل عملها. و (أنت) مبتدأ و (حالم) خبره.
يريد إنه بلغه أنهم حلفوا ليغرنه. وقوله ليركبن علي: أي ليركبن على قصد مكروهي وفي (يركبن) ضمير يعود إلى (أناس). والهضب: جمع هضبة وهي الجبل، ومقادم: متقدمة، وواحد المقادم: متقدم، وغول موضع بعينه، و (هضب) مرفوع بالابتداء و (مقادم) خبره.

(2/4)


ويجوز أن يروى: ليركبن على ما سمي فاعله، ويكون (المقادم) فاعله ويكون جمع مقدام ويكون (دوني) خبر هضب. (تحلل) يريد: تحلل من يمينك التي حلفت بها لتعزونا. وعالج ذات نفسك: يريد عالج نفسك، وذات نفسك بمنزلة قوله نفسك.
يقول قد اضطرب عقلك، فبادر نفسك بالعلاج، و (أبا جعل) منادى، والحالم: الذي يرى شيئا في نومه. يقول: هذا الذي وقع في نفسك من غزونا وقصدنا، وهو بمنزلة الأحلام.

الجر بـ (رب) وهي محذوفة
قال سيبويه في باب كم، قال أبو الربيس الثعلبي - وكان من سراق الإبل فيما زعموا - وأخذ ناقة لبعض الموالي:
نَجيبةُ قَرْمٍ شادَها ألقَتُّ والنّوى ... بيثْرِبَ حتى نَيُّها متظاهرُ
فقلت لها: سيري فما بكِ عِلةٌ ... سنامُك مدمومٌ ونابكِ فاطرُ
(فمثِلِكِ أو خيرٍ تركتُ رَذِيّةً ... تُقلبُ عينَها إذا مرَّ طائرُ)

(2/5)


الشاهد فيه جر (مثلك) بـ (رب) وهي محذوفة. وفي الكتاب: فمثلك رهبى.
والني: الشحم، والمتظاهر: الذي بعضه فوق بعض، والمدموم: الذي كأنه طلي بالشحم، والناب الفاطر: الذي بدأ خروجه. يعني أنها بازل. والرذية: الناقة التي قد تعبت حتى بقيت حسيرا لا يمكنها المشي، تقلب عينيها إذا مر طائر: لأنها كانت دبرة وقعت الطير على دبرها، فهي تقلب عينيها حتى لا تقع الغربان على مواضع
الدبر منها، وحتى يعلم الطير أنها حية فلا يقربها. فإذا ماتت وقعت عليها. والرهبى: المهزولة المعية.

(لا) النافية للجنس
قال سيبويه في المنفي، قال حاتم بن عبد الله الطائي:
وردَّ جازِرُهُمْ حرفا مصرمَةً ... في الرأس مِنها وفي الأصلاب تمليحُ
(إذا اللّقاحُ غدتْ مُلقىً أصِرَّتُها ... ولا كَريمَ من الوِلدانَ مصبْوحُ)
الشاهد غيره إنه أعمل (لا) في (كريم) وبناها معه. و (مصبوح) مرفوع خبر (لا).

(2/6)


واللقاح: جمع لقحة وهي الناقة ذات اللبن، والاصرة: جمع صرار وهو ما يشد على ضرع الناقة لئلا يرضعها فصيلها، يريد أنهم القوا الاصرة، لأنه لم يكن في الإبل ذات لبن فتصر.
يصف جهدا وجدبا ذهبت فيه الألبان. والولدان: الصبيان الواحد وليد، والمصبوح: الذي يسقى عند الإصباح. يريد إنه لم يكن عندهم من اللبن ما يسقي هذا الصبي.
والجازر: الذي ينحر الناقة ويكشط جلدها ويفصل لحماها. والتمليح: بقية بقيت من شحم، والحرف: الضامر، والمصرمة: التي لم يبق فيها لبن. يريد أن الجازر لم يجد ناقة سمينة، أتى بناقة فيها بقية من شحم من رأسها وصلبها.

حذف مميز (كم)
قال سيبويه قال الاشهب بن رميلة:
(وكم قد فاتني بطلٌ كَمِيُّ ... وياسِرُ شَتْوةٍ سمحٌ هَضومُ)
فهل زالَ النهارُ فكان ليلا ... وهل تركتْ مطالعها النجومُ
الشاهد فيه إنه حذف الاسم المميز لـ (كم)، وكان في الأصل: كم مرة قد فاتني
بطل، وتكون (كم) منصوبة على الظرف من الزمان. و (بطل) فاعل (فاتني) و (كمي) وصفه.
والكمي: المتغطي بالسلاح، والياسر الذي يقامر على الجزر، ويطعمها للفقراء والمحتاجين، والهضوم: الذي يهضم ماله

(2/7)


يتلفه ويفنيه. فهل زال النهار لفقده وموته، وهل غارت النجوم من أجل المصيبة به.
يريد أن الدنيا؛ العادة فيها أن تهلك الناس، وهي لا تتغير لفقد من يفقد منها وإن كان كريما.

زيادة (لا) الثانية لتأكيد النفي
قال سيبويه في النفي: وتقول: لا رجل ولا امرأة يا فتى، إذا كانت (لا) بمنزلتها في (ليس) حين تقول: ليس لك رجل ولا امرأة. يريد بقوله: (إذا كانت لا بمنزلتها في ليس) يريد أنها جاءت مؤكدة للأولى في النفي وليست بعاماة، كما تقول في ليس: ليس زيد قائما ولا عمرو، فـ (لا) لا تعمل في (عمرو) وإنما هي مؤكدة لـ (ليس) في معنى النفي. وكذا فعل في باب النفي في (لا) التي تقع مع حروف العطف.
وقال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس:
لا نسبَ اليومَ ولا خُلّةً ... اتسعَ الخَرْقُ على الراقعِ
وفي بعض النسخ: أتسع الفتق على الراتق.
وزعم بعض الرواة أن النعمان بن المنذر بعث جيشا إلى بني سليم لشيء

(2/8)


كان وجد عليهم من أجله، وكان على الجيش رجل يعرف بكافر بن فرتنا، أو عمرو ابن فرتنا، فمر الجيش على غطفان فاستجاشوهم على بني سليم، فهزمت بنو سليم الجيش، وطعن عمرو بن فرتنا واسر، ومتت غطفان إلى بني سليم بالرحم التي بينهم، فقال أو عامر جد العباس بن مرداس قصيدة يقول فيها: أن ما بيننا وبين
غطفان قد انقطع بما عملوه. أولهما:
أن بغيضا نسَبٌ فاسخٌ ... ليس بموثوقٍ ولا واثقِِ
(لا نسبَ اليومَ ولا خُلةً ... اتسع الخَرْقُ على الراتقٍ)
لا صُلحَ بيني فاعلموه ولا ... بينَكُمُ ما حملَتْ عاتقي
سيفي، وما كنا بِنَجدٍ وما ... قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشّاهِقِ
قوله: نسب فاسخ: أي باطل، لا يجب لهم أن ترعى الرحم التي بيننا وبينهم، لأنهم بدأونا بالحرب، وأعانوا جيش الملك علينا، ولم يرعوا ما بيننا وبينهم من رحم، فنحن أيضا لا نرعى لهم ولا نعطف، ولا نكف لأجل نسب بيننا وبينهم، ولا لأجل خلة وصداقة. وقد تفاقم ما بيننا وبينهم، فلا يرجى صلاحه، فهو كالفتق الواسع في الثوب الذي يتعب من يريد أن يرتقه.
وقد اضطر في هذا البيت إلى قطع ألف الوصل (في اتسع).
والشاهق: الجبل، والقمر: جمع قمري. وقوله: قمر الواد: أي القمر التي تكون أعشاشها في شجر الوادي تطير على الجبال وتصيح.
واضطر إلى حذف

(2/9)


الياء من (الوادي). كما قال الآخر:
. . . دوامي الأيدِ يَخْبِطْنَ السَّريحا
وقد أتى هذا البيت في قصيدة عينية. قال شقران مولى سلامان من قضاعة:
أن الذي ربَّضْتما أمرَه ... سِراً وقد بَيَّنَ للنّاخِع
لكالتي يَحْسَبُها أهلُها ... عذراء بِكْراً وهي في التاسعِ
فاركَبْ من الأمرِ قَرادِيدَهُ ... بالحَزْمِ والقٌوَّةِ، أو صانِعِ
حتى تَرى الأجْدَعَ مُذْلَوْلِياً ... يلتمسُ الفضلَ إلى الجادعِ
كنا نُداريها فقد مُزقَتْ ... واتسع الخَرْقُ على الراقِعِ
يقال بين الشيء وتبين وبان بمعنى واحد، والناخع: الذي قتل الأمر علما،
والقراديد: جمع قردودة وهو مانتأ من عظام وسط الظهر، والقردودة: قطعة من الأرض فيها غلظ وامتداد. يعني: اركب من الأمور أوثقها واحكمها وتمكن فيها. والمذلولي: المنقاد المتابع الذي لا يتعب.

عمل (لا) النافية للجنس مقرونة بهمزة الاستفهام
قال سيبويه في النفي: قال خداش بن زهير:
(ألا جِفانَ ولا فُرسانَ غاديةً ... إلا تَجَشُّوءُكُمْ عند التنانيرِ)

(2/10)


أنتم مجاهيلُ حَرّامون ثاويَكُمْ ... وفي الحروبِ مقاليعٌ عَواويرُ
الثاوي: الذي ينزل بهم يستضيفهم، والمقاليع: الذين لا يستوون على ظهور الخيل، والعوار: الجبان الذي لا خير فيه وجمعه عواوير.
هجا خداش بهذا الشعر قوما من بني سهم من قريش، من أجل مسابقة كانت بينهم وبينه.

لم ينصب على الشتم - ليبدو أمرا مألوفا
قال سيبويه في باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم، قال سماعة النعامي يهجو رجلا من بني نمر قتل ابن عم له، فلم يثأر به:
ومَنْ يَرَعينْيْ مالكٍ وجِرانَهُ ... وجَنْبَيهِ يعلمْ إنه عيرُ ثائرِ
(حِضَجْرٌ كأمّ التوأمين توكأتْ ... على مِرْفَقَيْها مستهِلَّةَ عاشِرِ)
الشاهد فيه إنه رفع (حضجر) وهو يريد الشتم، وجعله مرفوعا خبر

(2/11)


ابتداء محذوف، كأنه قال: هو حضجر.
والحضجر: الضخم البطن، وأم التوأمين: المرأة الحامل بولدين، ومستهلة عاشر: قد رأت هلال الشهر لعاشر من حملها، فبطنها أعظم ما يكون، توكأت على مرفقيها لثقل بطنها، ثقل عليها القعود، وثقل عليها أن تلقي نفسها على ظهرها
فتوكأت على مرفقيها.
شبه هذا الرجل وعظم بطنه بالحامل العظيمة البطن. يقول: ليست هيئته بهيئة من يطلب ثأرا، ولا يدفع عن نفسه سوءة. و (مستهلة عاشر) منصوب على الحال والعامل فيه (توكأت).

الترخيم مع إبقاء الحركة - على لغة من ينتظر
قال سيبويه: في الترخيم، قال عمرو بن امرئ القيس الخزرجي:
أن بُجَيراً عبدٌ لغيركمُ ... يا مال والحقَّ عنده فقفوا)
تُؤتَوْن فيه الوفاَء مُعْتَرِفا ... بالحق فيه لكم فلا تَكِفوا
الشاهد فيه ترخيم (مالك) وفي البيت الثاني شاهد لسبيويه في رفع (تؤتون) وقد ذكره في عوامل الأفعال.
وسبب هذا الشعر أن مالك بن العلان الخزرجي - وكان سيد

(2/12)


الخزرج في وقته - كان له حليف يسمى أبجر بن سمير، فجلس أبجر يوما من الأيام مع نفر من الاوس من بني عمرو بن عوف، فذر فضائل مالك بن العجلان، وأكثر، حتى غضب القوم، ووثب عليه سمير بن زيد الاوسي فقتله، وجرت الحروب بينهم، ثم رضوا جميعا عمرو بن امرئ القيس.
فحكم بأن يؤدى في ابجر بن سمير حليف مالك نصف دية الصريح، وكذا كانت السنة فيهم، (فلم يرض مالك بن العجلان. فقال عمرو بن امرئ القيس هذا الشعر يخاطب به مالك بن العجلان، ويعطفه إلى الرضا بما حكم).
فلم يرض مالك، واقتتل القوم. ثم حكموا المنذر بن حرام جد حسان، فحكم بأن يدفع إلى مالك بن العجلان دية الصريح في حليفه، ثم يعود الأمر فيما بعد إلى ما كانوا عليه من أن دية الحليف نصف دية الصريح، فرضي القوم كلهم.
و (بجير) يريد به أبجر، وصغره تصغير الترخيم، و (الحق) منصوب بـ (قفوا)
كما تقول: زيدا فاضربه. وتؤتون فيه الوفاء: تعطون ما يجب لكم من الدية، معترفا فيه: في ابجر، يريد في قتل ابجر، فلا تكفوا: أي لا تأثموا بطلب ما ليس لكم، والوكف: فعل ما يأثم الإنسان فيه، والوكف أيضا: العيب.
قال سيبويه في الترخيم، قال جرير:
(ألا أضحَتْ حبالُكُم رِماما ... وأضْحَتْ منكَ شاسِعةً أماما)

(2/13)


الشاهد فيه إنه رخم إمامة في غير النداء على مذهب من قال: يا حار وكان أبو العباس يزعم أن الشاعر إذا اضطر إلى أن يرخم في غير النداء؛ رخم على مذهب من يقول: يا حار بضم الراء، لأنه يجعل الكلمة كأنها غير مرخمة، ويجري عليها ما يجري على الأسماء التي ليست بمرخمة. وهذا الإنشاد يدل على صحة ما ذهب إليه سيبويه.
والذي روى أبو العباس:
ألا أضحت حِبالكُمُ رِماما ... وما عهدٌ كعهدكِ يا أماما
حذفها على الترخيم في النداء:
وأقرب الأحوال في هذا أن يكون الإنشادان روايتين، ويكونان بمنزلة بيتين، فيكون كل إنسان يحتج به على اللفظ الذي ورد عليه، ولا ترد كل رواية بالرواية الأخرى.
والرمام: جمع رمة وهي القطعة من الحبل، والارمام: الحبل الخلق الذي قد صار قطعا، أراد أن حبل الوصال الذي بينه وبينها قد تقطع فصار رماما. وهو على طريق التشبيه. والشاسعة: البعيدة المحل.

من ضرورات الشعر - تحريك ياء (القوافي)
بالكسر
قال سيبويه قال ابن الرقيات:

(2/14)


(لا بارَكَ اللهُ في الغَوانِيِ هل ... يُصْبِحْنَ إلا لهنّ مُطلَبُ)
الشاهد فيه إنه حرك الياء من (الغواني) بالكسر للضرورة: والغواني: النساء الشواب، يقال: اللواتي قد غنين بحسنهن، ويقال: اللواتي غنين بالأزواج. والمطلب: التطلب. يريد أنهن لا يتركن. ويجوز أن يريد: إلا لهن مطلب أي هن يطلبن من يواصلنه. لا تثبيت مودتهن لأحد، هن سريعات الصرم.
ومثله قول نهشل بن حري:
وعهدُ الغانياتِ كعهدِ قَيْنٍ ... ونَتْ عنه الجعائلُ مُستذاقِ
وقد رأيته في بعض المواضع: (إلا لهن مطلب) بكسر اللام، أي لهن من يطلبهن. وما أحب هذه الرواية لقلة من يرويها.

في عمل (لكن) - إضمار خبرها
قال سيبويه في باب أن بعد إنشاد البيت الذي فيه:
(ولمنَّ زَنجيٌّ عظيمُ المشافرِ)
والنصب أجود يعني في (ولكن زنجيا

(2/15)


عظيم المشافر) وذكر أن علة هذا أن الشاعر لو أراد الإلغاء وترك الأعمال لخفف. يريد حذف إحدى النونين.
قال الأخضر بن هبيرة الضبي:
فما أنا يومَ الرَقْمَتَينِ بناكِلٍ ... ولا السيفُ إذ جردتُه بكليلِ
(فما كنت ضفاطاً ولكنّ طالبا ... أناخَ قليلا فوقَ ظهرِ سبيلِ)
الشاهد فيه إنه أعمل (لكن) ولم يلغها، وأضمر خبر (لكن) كأنه قال: ولكن طالبا منيخا أنا.
ويروى: ولكن ثائرا. وقال الأخضر هذا الشعر في شأن ابن له قتلته طهية في
حرب جرت بينهم. والناكل: العاجز عن الشيء، والكليل من السيوف: البطيء في ضربته، والضفاط الذي يكري الإبل وغيرها من موضع إلى موضع. والسبيل الطريق.

الترخيم مع إبقاء الحركة
قال سيبويه في الترخيم، قال البختري الجعدي، والشعر منسوب في الكتاب إلى مجنون بني عامر:
(ألا يا ليلَ أن خُيرتِ فينا ... بنفسي فانظري أين الخيارُ)

(2/16)


ولا تستبدلي مني دِنِيّا ... ولا بَرَماً إذا حُب القُتارُ
الشاهد على ترخيم (ليلى) وقوله: أن خيرت فينا بنفسي، يريد أن خيرت فينا - بنفسي وبغيري - فانظري أين الخيار، أي أي موضع يقع فيه اختيارك، وعلى من يقع من الناس، ويجوز أن يريد: أن خيرت فينا، فانظري اين الخيار، بنفسي أنت، وتحذف المبتدأ. أو بنفسي أفديك أو ما أشبه ذلك.
والدني: الساقط، والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، والقتار: دخان اللحم الذي يصلح. أراد: والقتار يحب في الشتاء وفي الجدب عند انقطاع الازواد.

في نداء النكرة
سيبويه في الترخيم، قال توبة:
(لعلك يا تَيسا نزا في مَريرَةٍ ... مُعذبُ ليلى أن تراني أزورها)
ولو أن ليلى في السماء لصعدَتْ ... إليها بصيراتُ العيون وعورُها

(2/17)


يخاطب توبة بهذا زوج ليلى الاخيلية، وكان قد حلف عليها: لنعذبن أن كلمته، والمريرة: الحبل، جعله كتيس مشدود بجبل. وقوله أن تراني: أي لأن تراني. ويروى: يا كلبا نزا في مريرة.

في البدل
قال سيبويه في الصفات، قال ابن ميادة:
أمِن طللٍ بمدْفَع ذي طَلالِ ... أمح جديدة قِدمُ اللّيالي
(بَكَيْتُ وما بُكا رجل حزينٍ ... على رَبْعَينِ مسلوبٍ وبالي)
الشاهد فيه إنه جعل (مسلوب وبال) بدلا من (ربعين).
وذو طلال. واد بأعلى الثربة، أمح جديدة: أخلقه، والمسلوب: الذي فوضت أخبيته وابتزت عمده، والبالي: الذي ذهب به الدهر فذهبت آثاره. ويروى (وما بكا رجل حنيك). والحنيك: المحتنك القوي الصبور. ويروى (منزع وبالي) وهو الذي انتزع ما فيه، وهو نحو المسلوب.

(2/18)


إدخال لام الاستغاثة لمعنى التعجب
قال سيبويه في النداء: وأما في التعجب فقول قرّان الاسدي:
(أزوارَ ليلى يا لبُرثُنَ منكمُ ... أدَل وأمضى من سليكِ المَقانبِ)
تزورونها ولا أزورُ نساَءكم ... ألهفَى لأولادِ النساء الحواطبِ
الشاهد فيه إنه ادخل اللام على (برثن) للتعجب.
كان قرّان عرقب امرأته - وهي ليلى بنت الشمردل - فطلبه بنو عمها وأهلها فهرب، فبلغه أنهم يتحدثون إليها، فقال في ذلك قرّان هذا الشعر. وسليك المقانب: سليك بن السلكة السعدي. والإماء الحواطب: اللاتي يخرجن لا لتماس الحطب وجمعه وحمله، و (الهفى) يريد يا لهفي، وهي كلمة تقال عند فوت التمكن من الشيء الذي يحزن فوته.

(2/19)


تنوين المنادى - وهو مفرد علم - ضرورة
قال سيبويه في النداء، قال الاحوص الأنصاري:
(سلامُ الله يا مطراً عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السَلامُ)
فإن يكنِ النكاحُ أحلّ أنثى ... فإن نكاحَها مطرا حرامُ
الشاهد فيه إنه نون (مطرا) في النداء لما احتاج إلى تنزينه وترك الضمير فيه.
يقول: هذه المرأة، حرام عليك يا مطر تزوجك إياها. وقوله: فإن نكاحها مطرا حرام: (مطرا) منصوب بـ (نكاحها) و (حرام) خبر (إن)، والضمير المؤنق المضاف إليه المصدر في معنى فاعل وإن كان مجرورا بالإضافة. ويجوز

(2/20)


أن تقول: فإن نكاحها مطر حرام، ويكون (مطر) فاعلا للمصدر، والضمير المؤنث في معنى مفعول.
ومثله: ضربك زيدا قبيح، وضربك زيد قبيح. والمعنى واضح.

في البدل
قال سيبويه في الصفات، قال النابغة:
كفَيْنا بني كعبٍ فلم نَرَ عندَهُمْ ... بذلك إلا ما جَزَى اللهُ جازيا
يريد بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومنهم قبائل كثيرة: بنو جعدة وبنو قشير وبنو عقيل والحريش وغيرهم. ويعني أن قومه بني جعدة كفوا القبائل من كعب ما اهتمهم من الأمور. ثم ذكر أبياتا منها. ثم قال:
(وكانت قُشيرٌ شامتا بصديقها ... وآخر مزرِياً وآخر زاريا)
الشاهد فيه إنه نصب (شامتا) وجعله خبر (كان) ثم عطف على ما عملت فيه (كان) ولم يجعل الكلام تبغيضا كما ذكر في غيره.

(2/21)


وإنشاد الكتاب (وآخر مزريا وآخر زاريا) وفي شعره (وآخر مزريا عليه وزاريا) وعلى إنشاد الكتاب يجب أن يكون حرف الجر قد حذف من صلة (مزريا) لأن المعنى يقتضيه، و (زاريا)
يقتضي حرف الجر. وأراد: وآخر مزريا عليه، وآخر زاريا على غيره.
وعلى ما روي في شعره، يكون الحذف إنما هو من صلة (زار). والمعنى أن قشيرا اعتزلتهم، وكان بعضهم يشمت بهم إذ ظن انهم قد وقعوا عليه، وبعضهم يعيب بعضا بترك معونتهم.

أفرد (الأصم) وفاعله جمع - تشبيها له بما يسلم
جمعه
قال سيبويه في الصفات، قال النابغة الجعدي:
ولا يَشعرُ الرمحُ الأصم كعوبُه ... بثروةِ رهطِ الأبلخِ المتظلمِ)
وأنت تُجيرُ في الدماء كأننا ... بنو أمة سوداء أو نسلُ أعجمِ

(2/22)


الشاهد فيه إنه أفرد (الأصم)، و (الكعوب) بعده رفع به.
والثروة: العدد والكثرة، والابلخ: المتكبر التائه، والمتظلم الظالم.
يقال منه: ظلمت الرجل وتظلمته، وقوله: وأنت تجير في الدماء: أي تجير الذين لنا عندهم دماء.
يخاطب بهذا عقيل بن خويلد، وكان قد أجاز بني وائل بن معن بن مالك بن اعصر، ولبني جعدة دماء. يقول: الرمح لا يشعر إذا طعن به وبمن وقع، فوقوعه بالرجل الكثير الأهل ولعشيرة كوقوعه بغيره. فيقال: أن عقيلا لما سمع هذا من النابغة قال له، لكن حامله يا أبا ليلى يشعر.

زيادة (ما) في الندبة - ضرورة
قال سيبويه في الندبة:
تئنُّ حين بَجذبُ المخطوما
أنينَ عَبْرَى سُلبَتْ حميما
فهي تُبكي حزَنا أليما
(وهي تُرثي بأبي وابْنيما)
تئن: يعني قوس الصائد، شبه صوت وترها - إذا جذبه - بأنين امرأة عبرى أي ثكلة، والمخطوم: الوتر، وأراد المخطوم القوس، فحذف. فيقول: إذا جذب الوتر صوتت كصوت امرأة فقدت حميمها، فهي تبكي حزنا، أي تحزن. وانتصب (حزنا) لأنه مفعول له و (هي) ضمير العبرى،

(2/23)


ترثي: تندب وتذكر أباها وابنها و (ما) زائدة. وإنما يريد أنها تقول: بأبي وابني.

إدخال (رب) على (ما) الاسمية
قال سيبويه في الصفات، قال أمية بن أبي الصلت:
رُب ما تَكره النفوسُ من الأم ... رِ له فرْجةٌ كحل العقالِ
الشاهد فيه أنه أتى بـ (ما) وهي اسم نكرة، وأدخل عليها (رُب) ووصفها بالجملة التي بعدهاْ وأراد: تكرهه النفوس من الأمر، وتقديره: رب شيء تكرهه النفوس، وحذف الضمير العائد إلى (ما). والضمير في قوله (له فرجة) يعود إلى (ما) أي: لهذا الشيء المكروه فرجة، أي انفراج. وقوله: كحل العقال يريد انفراجا سهلا يسيرا سريعا كما يحل العقال في السهولة والسرعة. والمعنى واضح

النصب على الشتم بإضمار فغل
قال سيبويه في باب ما ينتصب على الذم، قال ليس الثمالي:
يا كلبَ لا تزني بعَوْفٍ ... إنه ذو قدَرِ
قبحَ من يزني بعَوْفٍ ... من ذواتِ الخمُرِ

(2/24)


الآكلَ الأسلاَء لا ... يَحفلُ ضوَء القمَرِ
الشاهد فيه أنه نصب (الآكل) على الشتم بإضمار فعل. وقوله (يا كلب) يحتمل أمرين:
أحدهما أنه يريد تر خيم (كلبة) اسم امرأة، ويجوز أن يخاطب كلبا القبيلة، وهو يريد نساءها، والأسلاء: جمع سلا، وهو الجلدة التي تخرج مع المولود من بطن أمه، وقوله: لا يحفل ضوء القمر، يعني أنه لا يبالي أن يجاهر بفعل القبيح، وما يسقطه.

(يزي) ترخيم يزيد
قال سيبويه في الترخيم، قال يزيد بن مخرم الحارثي:
أردناهُمُ أن ينقموا أو يقاتلوا ... فكلتاهما أعيتهُمُ بِعياءِ
وقالوا: تعالَ يا يزي بنَ مخرِمٍ ... فقلت لهم: إني حليفُ صُداء
ويروى: فقالوا نسالم يا يزي بن مخرم.
الشاهد فيه أنه رخم (يزيد).
وقوله إني حليف صداء أي قوم من صداء بينيْ وبينهم عهد لا يمكنني تركهمْ

(2/25)


وكان يزيد بن مخرم غزا هوْ وابنهْ ومعهما أربعة أنفس من صداء، فأغاروا على بني الراش بن كنده، ثم نذروا بهم، فلحقوهم فقاتلوهمْ واسترجعوا ما كان أخذ منهم.
ورجع يزيدْ ومن معه، ثم وقع بقوم من أهل اليمن فأصاب منهم نعماْ وغيره.
ثم عارضوا في جمع لهم، وعرضوا عليه أن يستأسر أو يعطيهم يمينا لا يغزوهم أبدا، فقال لهم يزيد: لا، بل تصفحون وتعتدونها نعمة، أو أقاتلكم. فأبوا عليه إلا أن يستأ سر أو يسالمهم آخر الدهر، فقاتلهم فهزمهم. وقوله: فكلتاهما أعيتهم أي لم يدروا ما يصنعون، أيقاتلون أو ينعمون.